( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق )
عندما خرج ( ابن بطوطة ) من طنجة في المغرب العربي في صيف عام 1325 ميلادي (1) بقصد الحج وعمره آنذاك اثنتان وعشرون سنة ( 22 ) لم يدر في خلده قط ؛ أنه سيغيب عن منزله ( 29 ) تسعاً وعشرين عاماً كاملة ، ليعود إلى وطنه مبيض الشعر قد نيف على الخمسين !! بعد أن ودَّع خلف ظهره رحلةً حافلةً بالمغامرات والأخطار والعجائب مما رأى ، يجوب الآفاق ويتعرض لهجمات قطاع الطرق والجوع والبرد والحمى الرهيبة بدون أي صاد حيوي أو خافض حرارة ، يقطع فيها مايزيد عن ( 120 ) مائة وعشرين ألف كيلومتر على ظهر الجمال والبغال وأحياناً الكلاب ، يرى فيها معظم المعمورة المعروفة آنذاك ، من محيط الاطلنطي وحافة الاندلس ، إلى الصين والمحيط الهادي وجزر المالديف ، بشغف لايعرف الكلل لاكتشاف المجهول ، وروح مغامرة بدون حدود لمعرفة الجديد كل يوم ، وعطش لايعرف الري للازدياد المعرفي ، والاحتكاك بثقافات متباينة ، ولغات عويصة ، وعادات مغايرة ، وتقاليد لم يعتدها ، كل هذا باعتباره تطبيقاً عملياً لآية السير في الأرض لمعرفة المزيد من آية الخلق (2) فعاصر بزوغ شمس الامبراطورية العثمانية وأفول نجم بيزنطة ، وانتشار الطاعون الذي قضى على ثلث سكان أوربا ، الذين كانوا يستحمون في الجهل ، ولايعرفون القواعد الصحية الأولية ويغلقون الحمامات (3) فلم يرى جدوى في زيارتها واعتبرها أرض ظلمة ، فلا شيء يستحق الرؤية هناك فسبحان مغير الأحوال ؟!!
السير على خطى ابن بطوطة :
كانت قصة ذهابي للاختصاص في العالم الغربي ( الذي يعلمنا قواعد الصحة هذه المرة طريفة نوعاً ما ، ففي أحد الأيام جاءني شابان ذكيان من زملاء كلية الطب ، وطلبا الانفراد بي لأمرٍ هام ، ثم أسرَّ إلي أحدهم وعيناه تشعان بالاخلاص والجدية ، في حين كان صاحبه يؤمِّن على كل كلمة يقولها : لقد سمعنا أنك تريد الذهاب للاختصاص الطبي وستعيش لفترة ليست بالقصيرة في بيئة مغايرة ؛ فنحن نخشى عليك وننصحك ؛ حرصاً عليك أن لاتضرب في الأرض وتحافظ على نفسك بيننا ؟!! وقبلها بفترة جاءني أخ بنفس المهمة ومن عجائب الصدف أنه ذكر لي أخاً له يختص في ألمانيا في طب الاسنان ، فطلبت منه العنوان فكان السبب في خروجي في حين جاء ليشجعني على عدم السير في الأرض ، وهكذا تتبعت خطى ابن بطوطة لاكتشاف العالم الجديد والتزود من العلم الذي نمنا عنه فترة طويلة من الزمن ، ولتطبيق الآية القرآنية قل سيروا في الأرض فانظروا .