سلسلة الأحاديث الحيوية ـ الجزء الخامس 

  ...........  بقلم خالص جلبي   ...........

(15) حديث الفسيلة

إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها (صحيح)

هل يعقل أن يقوم الإنسان بغرس فسيلة أي نبتة ضعيفة كي تصبح شجرة قوية تحتاج إلى سنوات من الكدح والعناية والسقي ومدها بالأسمدة وحمايتها من الحشرات والأمراض؟ هل يقوم بهذا عاقل؟ الجواب إن الحديث يقلب المفاهيم ويقول هذا الأمر الذي لايقدم عليه عاقل هو من وظيفة الإنسان المسلم فإذا قامت الساعة وانتهى الزمان وحشر الناس فهم يوزعون وبيد المسلم فسيلة ضعيفة فليغرسها! السؤال كيف نفهم هذا اللامعقول وإدخاله إلى المعقول؟ الجواب أن أجراس قيام الساعة قد لاتكون حقيقة بل خيالا. نرى ذلك في بعض الآيات مثل فيم أنت من ذكراها؟ إذن مسؤولية قيام الساعة ليست بيدنا ولا عندنا، ولكن مابيدنا هذه الفسيلة فلنغرسها. هي توجيه الانتباه إلى وظيفة الإنسان في الأرض أن يزرع والباقي سيأتي مع الزمن. نحن هنا أمام مبدأ الفعالية وليس الاستسلام أو الخوف أو الرضوخ أو الانتظار.

 

(16)  حديث القصعة

ويقصد بها المائدة العامرة وقد اجتمع عليها الضيوف يتمتعون بالطعام فمن هم؟ ومانوع الطعام؟ سؤال هام من علم التغذية

وكيف تنتهي الأمة حينما يتكالب عليها الأعداء فتتحول إلى مأدبة طعام يتقاسمها الطالبون، وهذا ينفد على القانون الذي وضعه ابن خلدون عن زوال الدول وأن عمر الدولة في المتوسط ثلاث أجيال فإذا انقضى الوقت ولم تنهار فلفقد الطالب، وهي نفس الفكرة التي تقدم بها (أوسفالد شبنجلر Oswald Spengler) المؤرخ والفيلسوف الألماني في كتابه تدهور الغرب (Der Untergang des Abendlandes) عن وضع روما يدها على مقدرات شعوب الشرق الأوسط بفرق رديئة التسليح والقيادة وأن السبب يعود في هذا إلى ما سماه (فقد قدرة تقرير المصير) باللغة الألمانية (Selbstbestimmung).

يخبرنا الحديث بتحول خطير يطال الأمم، ونحن لانشكل خرقا للقانون فسوف ينطبق علينا ماجرى للأمم. ويوجد حديث آخر يدعم هذا الحديث. ولكن دعنا في الأول نذكر حديث القصعة. وهي مائدة الطعام. يقول الحديث وكأن الزمن اقترب حين يتحول المسلمون إلى مائدة عامرة يدعو لها الضيوف ليتناولوا الطعام ساخنا. وماهو الطعام الساخن اللذيذ؟ نحن!

حديث القصعة :

عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"

فقال قائل : أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال :

"بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن"

فقال قائل : يارسول الله وما الوهن؟ قال :

"حب الدنيا وكراهية الموت" 

(سنن أبو داوود وصححه الألباني)

نلاحظ هنا أن سر التحول في الأمة هو نفسي حين يقول حين تموت الأمة فلا يهابها الأخرون بل يجدونها فرصة يقضمونها كما في أطايب الطعام. حدث هذا مع الفتوحات الاستعمارية وانهيار الأمة. وهذا التحول ليس فينا فقط بل هو قانون الانتروبيا في كل الوجود فيتشقق البناء وتنهار البنايات وينحدر الجسم إلى الشيخوخة والكائنات إلى الموت والدول إلى الانقراض والحضارات إلى نهاية. ومنه جاء في كتاب فيزياء المستحيل لمشيوكاكو أن هذا القدر لاينجو منه أحد وأن ثمة عشر مستويات في الوجود يمكن أن نخترقها ونكسر الاستحالة فيها وليست استحالة إلا أمران: آلات دائمة العمل والاستبصار رؤية المستقبل. الملفت للنظر في الحديث أنها رؤية مستقبلية عامة لأنها تخضع لقانون مشترك. ولذا جاء الحديث الداعم لهذا التوجه أنه لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخل أحدهم جحر ضب لدخلتموه قالوا آليهود والنصارى؟ قال فمن؟ أي أننا سينطبق علينا ما انطبق على أهل الكتاب في التاريخ. فهذه الدورة التاريخية أثارت انتباهي ووضعت لها مقالة تفصيلية أضعها في نهاية البحث.

 

 

 

(17) حديث الرحمة

فيمن قتل 99 نفسا وكيف أن مجرما أراد التوبة فتوجه إلى راهب جاهل فقتل الراهب فاكتمل نصاب القتلى بمائة نفس حتى وصل إلى راهب واعي دله على تغيير البيئة فمات في الطريق فأخذته ملائكة الرحمة مع كل جرائمه. في الواقع ثمة نصوص تفيض بالرحمة يكفينا الاية من سورة الأنعام : كتب ربكم على نفسه الرحمة وهذا يعني أن هذه الرحمة هي التي ستعمنا في النهاية ومنه كان رسول الرحمة ص يقول لن يدخل الجنة أحد بعمله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. معنى هذه الكلام أننا نستعد بالعمل الصالح كي نكون مهيئين لنيل الرحمة من رب رحمان رحيم ومنه نفهم تكرار مفهوم الرحمة في مطلع كل سورة. ومنه اعتمدت المسيحية كلمة المحبة. ومن الحديث نفهم أثر الوسط في الجريمة مما دفع دول الاتحاد الأوربي إلى إلغاء حكم الإعدام على أساس أنها نتاج سوء المجتمعات. والآن اليكم الحديث:

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فَدُلَّ على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمَّل به مئة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فَدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومَنْ يَحُولُ بينه وبين التوبة؟ انْطَلِقْ إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله -تعالى- فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نَصَفَ الطريقَ أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا، مُقْبِلا بقلبه إلى الله -تعالى-، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم -أي حكمًا- فقال: قِيسُوا ما بين الأرضين فإلى أَيَّتِهِمَا كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة». وفي رواية في الصحيح: «فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها». وفي رواية في الصحيح: «فأوحى الله -تعالى- إلى هذه أن تَبَاعَدِي، وإلى هذه أن تَقَرَّبِي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغُفِرَ له». وفي رواية: «فَنَأَى بصدره نحوها».

حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram