في كتاب «حتى الملائكة تسأل» بقلم جيفري لانج، أستاذ الرياضيات الأمريكي، يذكر فيه أنه سأل والده حينما كان طفلاً: يا أبت هل تؤمن بالجنة والنار؟ فأجابه: «أما الجنة فلا علم لي بها أما جهنم فقد رأيتها». ووضع العالم العربي اليوم مثل المريض المدنف يصحو على نزف وينام على اختلاط بدون عناية مشددة وأطباء. ويعرف كل من حوله أنه مريض. ويعرف كل من حوله أنه لا يعرف طبيعة المرض أو نوع الدواء. والجميع بين خائف وحزين ويائس. وحين تدفق الربيع العربي أدركنا أننا في عصر الثلوج ولما يبزغ الفجر.
وفي المحطات الفضائية يرتدي مقدمو البرامج ملابس السحرة فيدمدمون ويسجعون ويجري الحديث عن اعتذار ومصالحات عربية كمن يعالج الايدز بالبخور. وهو ليس انتقاصا من قدر البخور سوى أنه ليس في مكانه. ذلك أن مرض الغدر لا يعالج بالكلام.
«ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون».
ويمضي التاريخ وفق قوانينه الخاصة. «ومضت سنة الأولين».
وقبل دخول الألفية الثالثة سألتني مجلة (الرجل) فيما أذكر ثلاثة أسئلة عن أهم (الرجال) و(الأحداث) في فترة الـ 500 عام الماضية. و(العقد الفائت) و(العقد القادم)؟؟
وكان جوابي أن ما حدث خلال القرون الخمسة الفارطة واضح لأنه ظهر أثر أولئك الرجال مثل (كوبرنيكوس) الذي قلب النظام الكوني. و(ديكارت) الذي قلب عقولنا بمنهج الشك الذي يقود لليقين. و(دارون) الذي أعطانا مفهوماً جديداً لمعرفة نشأة الحياة وتطورها. و(غاندي) الذي أحيا منهج الأنبياء بدون نبوة وهو قهر الخصم بالحب دون قتله. و(كولومبوس) الذي قلب خرائط العالم ومعها أقدار الشعوب، وقفز الصليبيون الفقراء إلى واجهة التاريخ، ولم تعد ملكة بريطانيا تعيش على القرصنة على يد زعيم القراصنة (دارك) أو يقودهم ملك أمي إلى بيت المقدس؛ بل ملكوا البحار والثروات ومؤسسات البحث العلمي والجيوش الحديثة ومصارف المال وعالم الديجتال. ويبنى لأحفاد ريتشارد قلب الأسد بيوت في القطب الجنوبي والقمر والمريخ. أما رجال العقد الفارط فيختلف قدرهم من زاوية رؤيتهم مثل (ماري روبنسون) في حقوق الإنسان أو بروز تيار الإصلاحيين في إيران مع (خاتمي) قبل أن يختم عليه، أو انهيار حلم الوحدة العربية بعد عاصفة الخليج، أو الأحباط المقيم عن عقم الربيع العربي.
ويبقى أصعب الأسئلة هو ماذا ينتظرنا ولكن الشيء المؤكد فيه هو حراك جماهيري عفوي غير مخطط له واهتزاز الأنظمة العربية أمام زلزال لم ترصده مراصد الصراع الفكري. وهو مؤشر قد يكون جيداً كونه يعطي مؤشرا دقيقا عن المرحلة الفعلية التي تمر بها الأمة العربية المتوقفة في مربع الزمن عند القرن الخامس عشر الميلادي مكتوبا بالهجري؟ قبل فترة الإصلاح الديني في أوربا، بفارق أنه عصر جاء في غير محله كمن يلبس قميصاً بنصف كم في بلاد الإسكيمو أو ما أشعر به حاليا وأنا أكتب هذه الأسطر في مونتريال ـ كندا ودرجة الحرارة 26 تحت الصفر.
وأهمية معرفة المرحلة التي تمر فيها الأمة العربية ومؤشرات المستقبل تأتي من أهمية التاريخ العام للجنس البشري وتطوره، وأضع بين يدي القاريء المقابلة التي أجرتها مجلة «درشبيجل» الألمانية عدد 14ـ 2002 مع عالم الاجتماع (مانويل كاستلز Manuel Castells) من جامعة كاليفورنيا في بيركلين عن تطورات العالم الذي رأى أنه يتحول إلى مجتمع جديد إلكتروني من يدخل فيه على شبكة المعلومات انتمى إليه وأما الجاهلون فمصيرهم الانسحاق في ثقب أسود. وأن العالم الالكتروني سيكون حكراً على المتعلمين، ويذهب إلى ما ذهب إليه آندي جروف Andi Grove من رواد شركة انتيل للميكروشيبس أن قفزة عصر الانترنت تضاهي الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، وأن بنية المجتمع سوف تتغير كلية وتتراجع فيه سطوة الدولة والمخابرات فيفلت من قبضتها تدفق المال وتيار المعلومات في ضربة موجعة. وحيث الانترنت لا توجد مسافات، ومن كان خارج الانترنت كانت المسافات لا نهاية لها. وأنه عصر المرأة وأنه التحول الأعمق للمجتمع الإنساني بنشوء وعي نسائي مستقل، وهو غير قابل للارتداد. وأن من يقود العالم لم يعد رؤساء الدول بل ربابنة بحر الانترنت. وأن العالم سيعاني من ظاهرة «الاستقطاب Polarization» حيث يتحول إلى بنية مركبة من نواة فعالة للغاية تمثل 30% من الجنس البشري، في يدها العلم والمال والتكنولوجيا ومؤسسات البحث العلمي، وأنه مع دخولنا إلى الألفية سيكون ملياران من البشر من السعداء الفائزين، ملياران (2000000000) متصلان بعالم الشبكة الإلكترونية في الوقت الذي لا يعرف مليار من البشر تهجئة كلمة كومبيوتر وهم 16% من مجموع الجنس البشري. وأسوأ ما سيحدث ليس استعمارا من النوع القديم حيث تنهب ثروات الشعوب؛ بل تحول الجاهلين إلى (عالم رابع) يتم تجاهله لأنهم بكل بساطة ليسوا منتجين ولا مستهلكين للمعرفة. ومع هذا الاضطراب الكوني فسوف تنمو الأصولية في كل مكان من الدينية والعرقية والوطنية وتدخل فيها الأصولية الإسلامية والمسيحية والبوذية والصهيونية. ولسوف تتعاظم الجريمة المنظمة، وما ينفق اليوم على الجريمة 1.5 مليون مليون دولار (تريليون) وهو ما يعادل التجارة الأوربية في عام. وفي أمريكا يفتتح كل أسبوع سجن جديد يتسع لألف سجين، وينفق في كاليفورنيا على السجون ما ينفق على التعليم.