عندما سقطت المانيا الهتلرية في الحرب العالمية الثانية ، كان هاجس الحلفاء هو المدى الذي بلغته المانيا في تطوير سلاحها ؟ وما كُنْه السلاح السري الذي هدَّدَ به هتلر العالم ، عندما كان الرايخ الثالث يغرغر في سكرات الموت ؟ وهل قصد به السلاح النووي ؟ وكان همُّ الحلفاء مركزاً على وجه الخصوص على سلاحين ، فأما الأول فكانت ألمانيا قد بدأت في تطويره قبل نهاية الحرب بقليل وهو سلاح الطيارات بدون طيارين والصواريخ ( ف 1 و ف 2 _ V1 V2 ) الذي ذاقت منه لندن الويلات يومها ، وأما الثاني وهو الأكثر أهمية فهو السلاح النووي ، فبحمل المقذوف النووي على ظهر الصاروخ يمكن تدمير أي بقعة على وجه الأرض ، وبامتلاك سلاح من هذا النوع لايبقى فرق بين دولة صغرى وعظمى .
غنائم الحرب : المادة الرمادية الثمينة ( الأدمغة العلمية ) !!
في الوقت الذي كان الاتحاد السوفيتي يقتلع القضبان الحديدية ويجمع بقايا المعامل الألمانية فيما عرف بعد ذلك بألمانيا الشرقية ( DDR ) كغنائم حرب ومعها العلماء ، كان همُّ الحلفاء _ وبوجه خاص الولايات المتحدة الأمريكية _ منصباً على الاستيلاء على المادة الرمادية أي الأدمغة العلمية ( والمادة المادية _ GRAY MATTER _ تعني قشرة المخ )(1) وخوف الحلفاء هل مايبرره ، وحرصهم دليل على قمة الذكاء ، لان التفوق العسكري هو تفوق تقني وعملية ذكاء قبل كل شيء ، وتنقل لنا أسرار الحرب خبرين من صراع الديناصورات الخفي ، الأول الاجتماع الذي قامت به وزارة الدفاع الألمانية في بداية الحرب العالمية الثانية مع فريق العلماء بقيادة الجنرال ( ميلش MILCH )(2) والثاني التنصت السري الذي مارسته استخبارات الحلفاء على الفريق العلمي الألماني الذي سقط في يد الحلفاء ابان سقوط الرايخ الثالث .
حوار العسكريين والعلماء في وزارة الدفاع الألمانية : حصل اجتماع هام ومصيري في وزارة الدفاع الألمانية قاده أحد الجنرالات النازيين المخضرمين ( ميلش ) حين وجه السؤال للفيزيائي المبدع ( فيرنر هايزنبرغ ) عن الطاقة النووية والقدرة التدميرية فيها ؟ وهزته الاجابة أنها في امكانية أن تمسح مدينة بكاملها من خارطة الوجود !! فأغرته الأجابة بمتابعة التفصيلات : ياترى كم حجم هذه القنبلة ؟؟ وكان الجواب صاعقاً : ربما لاتزيد عن حجم رأس ثمرة الأناناس ؟!! ( كان وزن قنبلة البلوتونيوم التي القيت على ناغازاكي 2.6 كغ ولم ينفجر منها الا 21% فقط !! ) فتابع يسأل : ولكن كيف الطريق الى امتلاك مثل هذا السلاح ؟ وكان جواب هايزنبرغ والفريق العلمي المرافق : إن الطاقة النووية هي الآن ليست أكثر من فكرة نظرية وصلت اليها الفيزياء النووية منذ فترة قريبة (3) وهي تقوم على انشطار نواة اليورانيوم ، وبموجب المعادلة النسبية ( الخاصة ) التي وحدت مابين الطاقة والكتلة ؛ فان كمية قليلة من مادة اليورانيم سوف تقود الى نتائج تدميرية لم تخطر بعد على قلب بشر ، الا أن الطريق لمثل هذا السلاح يحتاج الى سنوات طويلة قد تصل ربما الى العشرين سنة ، وشعر الجنرال النازي بكثير من الاحباط لطول الوقت والتكاليف ، وكانت الحرب العالمية الثانية قدحمي أوارها واشتد سعارها وتعالى نارها ، فاكتفى النظام النازي بدفع المشروع باتجاه التطوير بدون حماس كبير خاصة وأن ( القائد _ - FUEHRالفوهرر لايميل كثيرا الى هذه الكيمياء اليهودية (4)
الى أين وصلت رحلة التسلح النووي الألمانية مع نهاية الحرب ؟
عندما تم اعتقال مجموعة من العلماء الفيزيائيين الألمان كغنائم حرب (5) لايتجاوز عددهم ( الدزينة الواحدة ) مع سقوط ألمانيا النازية ، تم وضعهم في فيلا مريحة للغاية في بريطانيا مع كل تجهيزات الرفاهية الممكنة ، الا أن الفيلا كانت قد صممت بكيفية شيطانية على طريقة ( ارسين لوبين وشارلوك هولمز وقصص أجاتا كريستي ) حيث لاتوجد زاوية أو حائط أو طاولة أو جهاز بدون ميكرفون صغير أو لوحة تسجيل وتنصت ، وهذه الشبكة الفظيعة متصلة بمركز مراقبة مركزي ، يسجل كل حديث عابر ، أو خاطرة فكرة ، أو زفرة حسرة تصدر عن أي عالم من هذه المجموعة العلمية الهامة ، وعلى مدار الأربع وعشرين ساعة ، وكان المشرفون على عملية التنصت خبراء متقنون للغة الألمانية ، واجتمعت أشرطة بطولٍ بلغ كيلومترات لانهاية لها في نهاية المطاف ، وبعد مراقبة استغرقت ستة أشهر كاملة (6) وفي نهاية الرحلة تبين للحلفاء كمية العمل الذي قام به الفريق العلمي الألماني والمدى المتواضع الذي وصل اليه البحث النووي ، الذي كانت أمريكا تمثل فيه ( المونوبول الدولي ) أي الاحتكار الدولي الكامل من طرف واحد ، فالفريق الألماني لم يتقدم شيئاً يذكر في مجال تطوير السلاح النووي خلافاً لنظام الصواريخ الذي استفادت منه الولايات المتحدة بعد ذلك لتطوير نظامها العابر للقارات .
كان الفريق العلمي الألماني الخاضع للتجربة مثل فئران المخابر يتكون من أدمغة في غاية الذكاء والنباهة والابداع مثل ( فيرنر هايزنبرغ ) صاحب نظرية الارتياب ومطور ميكانيكا الكم ، و( اوتو هان ) الذي انشطرت الذرة على طاولته ، و( كارل فريدريش فون فايتسكر ) الذي اهتدى للوقود النووي الذي تستخدمه الشمس في لهيبها الذي مر عليه خمسة مليارات سنة .
الفطر النووي يرتفع فوق هيروشيما :
بعد سقوط ألمانيا بأشهر قليلة كان السلاح النووي جاهزاً في المخبر الصحراوي في ( لوس ألاموس _ LOS ALAMOS ) في ولاية نيومكسيكو ، وفي صبيحة اليوم السادس عشر من تموز يوليو 1945م وعند الساعة الخامسة والنصف صباحاً ارتفع الفطر النووي وتحررت الطاقة النووية من قمقمق الذرة كجني علاء الدين و المصباح السحري ، وهتف ( روبرت اوبنهايمر ) الرأس العلمي للمشروع : لقد تحولتُ الى مدمرٍ للعالم ، وراقب الفريق العلمي بذهول وللمرة الأولى هذا الفطر النووي البئيس والمرعب وهو يرتفع فوق رؤوسهم ، بطاقةٍ لم يصل اليها البشر ولا في أحلامهم ؛ فأما العسكريون فشدوا قبضة اليد تحت سكرة القوة ، وأما العلماء فأدركوا أن عصراً جديداً قد ولد ، كما حصل مع الذين رأوا قارون في زينته حيث دهش الذين لايرون أبعد من أرنبة أنفهم فغرهم وهم القوة والثراء الفارغ ، وأما العلماء فأدركوا أنه سراب خادع وخطر مبين !! ( قال الذين اوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولايلقاها الا الصابرون )
ولادة العصر النووي ومغزاه الفلسفي :
كانت تجربة تفجير السلاح النووي في صحراء نيفادا في منطقة آلامو جوردو ذات أبعاد فلسفية ، فلأول مرة في تاريخ الجنس البشري العاقل تصل القوة الى مرحلة عجيبة ، ستتجلى بعد ذلك في كل مراحل انعطاف القوة ( سقوط الصين في يد الشيوعيين 1948 م _ حرب كوريا 1950 م _ ازمة قناة السويس 1956 م _ حرب فيتنام 1965 _ ازمة كوبا 1960 _ الحروب العربية الاسرائيلية 1967 و 1973 الخ ... ) وهي عدم القدرة على استخدامها ، وأن
القوة بدأت في فرملة وكبح والغاء القوة كوسيلة في تعامل البشر ، فالرئيس الأمريكي ترومان حينما وقع على مسح مدينتين يابانيتين وفي وقت واحد من خارطة الوجود ، أدرك بعدها مستوى الدمار الذي يملكه هذا السلاح الجديد ، فالسلاح النووي الآن أصبح ذات فلسفة وجودية ( انطولوجية ) يؤشر على انعطاف في مسرح الأحداث العالمية ومسيرة الجنس البشري ، أكثر منه قفزة جديدة في تطوير سلاح جديد ، فالسلاح النووي هذه المرة تجاوز أن يكون سلاحاً ، ليتحول الى قوة كمونية تحمل مخاطر انهاء الجنس البشري العاقل برمته من الوجود ، وكفت الحرب أن تكون غالبا ومغلوبا ، وانقلبت الى انتحار لكل الأطراف ، وهذا هو السر في التحول الخفي والبطيء في توقف عالم الكبار عن الصراع وتوديع أسلوب القوة ، هذا التحول لم يدركه بعد فريق كبير من صانعي القرار وسياسي العالم الثالث ، فشهوة امتلاك السلاح النووي وسيلان اللعاب باتجاهه ، أشبه بعجل السامري الذي أغوى بني اسرائيل ، فالسلاح النووي يشبه اليوم الأصنام التي لاتضر ولاتنفع ، أو مسدسات المطاط التي يلعب بها الأولاد، فهي أسلحة ليست للاستخدام ، وفي اللحظة التي ينتبه فيها انسان العالم الثالث الى حقيقة هذه الأصنام ، فسوف تخر صريعة لليدين والجنب ، وسيتوقف عن الخوف منها ومن سدنتها . الا أن هذا التحول مر في مراحل ، من الطريف أن نتناول تطورها خطوة خطوة ، فقنبلة هيروشيما كانت ذات قوة تدميرية رهيبة ( 15 _ 20 كيلو طن ) ولكنها مع كل هذا ليست شيئاً مع التطور الذي تلاها ( قنابل الميجاطن )(7) .
انفلات السر النووي من يد الولايات المتحدة عام 1949 م :
في ايلول سبتمبر من عام 1949 كانت طائرة التجسس الأمريكية ب _ 29 تحوم في منطقة صحراء ( سيمي بالاتنسك _ SEMIPALATNSK ) في كازخستان ، فوق الاتحاد السوفيتي على ارتفاع 15 كم ؛ فاصطدمت بغمامة شعاعية تم التأكد أنها من عقابيل تفجير نووي ، ومع تبليغ البنتاغون دقت أمريكا أجراس الخطر ، حيث علم أن النظام الشيوعي فجر أول قنبلة نووية تحمل اسم جوزيف ستالين ( القنبلة جو 1 ) فبدأت الرحلة الجديدة باتجاهين : تطوير الجيل الثاني من السلاح النووي والحرب الباردة ، وجاءت الساعة الذهبية لمنافس ( اوبنهايمر ) الهنغاري ( ادوارد تيللر _ EDWARD TELLER ) الذي عمل مع اوبنهايمر في مشروع ( مانهاتن _ MANHATTEN PROJECT ) لتطوير السلاح النووي الانشطاري الذي جرب في آلامو جوردو من صحراء نيفادا . فادوار تيللر كان يضحك من مشروع ( الألعاب النارية ) التي تستخدم في أيام الأعياد ؟!! يقصد بها تفجير بضع آلاف من مادة ( ت . ن . ت ) وهي التي حققتها القنبلة الذرية الأولى حيث بلغت قوة التدمير في حدود 20 عشرين ألف طن ( 20 كيلو طن ) . كان تيللر يطمح الى ( قنبلة السوبر _ SUPER BOMB ) القنبلة الالتحامية الهيدرجينية التي يقوم عليها استعار الشمس وغليانها ، حيث تصل القوة التفجيرية الى حدود الميجاطن = قوة تفجير من عيار مليون طن من مادة ت . ن . ت أي أقوى من قنبلة هيروشيما بخمسين مرة ) وكان ذلك في موعد مع اكتوبر من عام 1952 بعد سبعة أعوام من تفجير قنبلة اليورانيوم 235 الولد الصغير ( LITTLE BOY ) و قنبلة البلوتونيوم 239 الرجل السمين ( FAT MAN ) .
مشروع مايك ( MIKE ) الجهنمي ( القنبلة .. السوبر ) :
عندما كلف البنتاغون تيللر بالانطلاق في مشروع الماموت الجديد ، والذي كان قد مات منذ أيام العمل في لوس آلاموس لانتاج القنبلة الانشطارية الأولى فرك الهنغاري يديه فرحاً كونه سيحقق حلمه القديم ، فقنبلة الهيدرجين تقوم على مبدأ مختلف ، فهي تنتج من التحام ذرات الهيدرجين لانتاج مادة الهليوم ، وكان كلاً من العالمين ( هانس بيته ) و ( كارل فريدريش فون فايتسكر ) قد وصلا الى فهم ديمومة الشمس في بث الطاقة وعمر الشمس التقريبي بناء على ذلك ، فالشمس لاتنتج وقودا تقليدياً ، بل هي تقوم على التحام ذرات الهيدرجين لانتاج ذرات مادة الهليوم ، وبذلك تبلغ الحرارة على سطح الشمس حوالي ستة آلاف درجة ، وهو سطح الفرن الخارجي ، أما محل الطبخ الرهيب في قلب الفرن فتبلغ الحرارة حوالي 15 خمس عشرة مليون درجة ، والقنبلة الهيدرجينية النووية الالتحامية تقلد الشمس فتشعل هذا الفرن فوق رؤوس الناس على الأرض !!
مبدأ القبضة الفولاذية المضاعفة ( F . F . F . F . = fission . fission . fussion. fission)
( انشطار _ انشطار _ التحام _ انشطار ) :
انطلقر ادوارد تيللر بكل حماس لهذا المشروع ولكنه فوجيء بمصاعب فنية جمة ، حتى أنقذه في ذلك عالم رياضي شاب موهوب هو ( ستانيسلوف أولام _ STANISLAW ULAM ) من خلال تطوير مبدأ اشعال قنبلة نوووية انشطارية في حوض محكم ، يحوي مادة نظائر الهيدرجين ( الدويتريوم والتريتيوم ) المبردة السائلة في وعاء داخل الوعاء ، فيضغطها من الخارج ، بنفس الوقت يقود التفجير الأول الى تفجير قنبلة نووية انشطارية ثانية ، كالجزرة المغروسة داخل وعاء نظائر الهيدرجين ، فتصبح مادة الهيدرجين تحت ضغط مرعب من قنبلتين نوويتين في نفس الوقت ، من الخارج والداخل على حد سواء ، وتحت هذا الهرس الساحق الماحق تبدأ نويات الهيدرجين في الاندماج والتحول الى مادة الهليوم واطلاق الطاقة النووية الرهيبة ، ويكون بانتظار هذا التحول الجهنمي ، الذي ينتهي في أجزاء من المليون من الثانية ، قشرة يورانية ( مادة اليورانيوم ) تنتظر الأشعال ، فتبدأ في الانفجار هي بدورها ، فاذا نحن أمام انفجار ثلاث قنابل انشطارية وانفجار قنبلة التحامية معاً ، فلا غرابة من وصول الطاقة الى عشرات الميجاطن أحياناً !! وهذا الذي حدث مع قنبلة مايك الأولى التي بلغت طول ستة أمتار وقطر المترين ووزن 65 طن ، بحيث لم يمكن حملها على ظهر طائرة الى جزر المارشال للتجريب ، بل نقلتها بارجة حربية .
وفي مارس آذار من عام 1954 م تمت تجربة جديدة وكان من المتوقع أن قوة التفجير في حدود ستة ميجاطن فتبين أنه 15 ميجاطن ( أقوى من قنبلة هيروشيما بـألف مرة ؟!! ) فانخسفت الجزيرة الى قاع البحر ، وانطبخت الأسماك والحيتان في قاع المحيط ، ودمرت الحياة النباتية والحيوانية في المنطقة برمتها ، وأصابت صيادين في زورقٍ ياباني على بعد 80 كم فتأذوا جميعا ً بالأشعة ، ولكن العسكريين كالعادة صفقوا وصفروا فرحاً بنشوة القوة ، حيث أصبح بأمكانهم مسح الأرض ومن فيها ، وتبين أن هذه القنبلة ( السوبر ) بالأمكان تصعيد طاقتها التدميرية بدون حدود ، حتى لربما نصل الى فهم لغز اختفاء الكوكب بين المريخ والمشتري ، وبقاء نفايات غبار وحطامٍ من صخور لربما هي النهاية البئيسة لكوكب سابق ، ارتكب أهلوه حماقة نووية ؟!! (8)
الجنون النووي الكامل ( قنبلة الجروباتز بعيار 58 ميجاطن والبنتاغون يخطط لــــ 100 ميجاطن ) ؟!
في الوقت الذي كانت فيه أمريكا تطور ترسانتها النووية لم يقف الاتحاد السوفيتي متفرجاً ، بل قفز بسرعة رهيبة نحو الأمام ففجَّر في نهاية الستينات قنبلة لم يكن أعظم وأشد بطشاً منها ، فاقت كل أحلام جنون القوة . كانت قوة التفجير ( 58 ) ميجاطن أي أشد من قنبلة هيرشيما بــ ( 3800 مرة = ثلاثة آلاف وثمانمائة مرة ؟!! ) فارتعب منها جنرالات الجيش الأمريكي ، وتخلخلت منها مفاصل استراتيجيي البنتاغون ، فدعوا الى حملة لاتبقي ولاتذر ، وأسرعوا الى اجتماع طاريء وبدأوا في التفكير لانتاج قنبلة لم يسمع بها ولا أبالسة الجحيم : هذه املرة من عيار 100 مائة ميجاطن ، أي أقوى من قنبلة هيروشيما بــ ( 6600 ) ستة آلاف وستمائة مرة (9)؟! ولكنهم أدركوا أن هذا الخط لايفضي في النهاية الا الى الجنون المطبق ، واستنزاف كل الموارد ، وتلويث البيئة ، وانتاج لعب ليست للاستخدام ، حتى كانت أزمة كوبا التي نجا منها العالم بأعجوبة !!
العالم يقف على حافة الانهيار النووي في أزمة كوبا في الستينات :
يذكر روبرت كنيدي في مذكراته تلك اللحظات عندما تم وضع الترسانة الأمريكية في حالة الانذار القصوى بتاريخ 24 تشرين أول 1962 م في الساعة العاشرة وبضع دقائق عندما اقتربت سفينتان حربيتان سوفييتان تواكبهما غواصة لعدة أميال من المنطقة التي فرض عليها الحصار البحري ( اعتقد أن الرئيس الأمريكي جون كنيدي قد مرت عليه لحظات عصيبة من القلق الذي يعصف به متسائلاً : هل أصبح العالم على حافة الهاوية فعلاً ؟ هل ارتكبنا خطأ ؟ هل كان هذا خطأنا ؟ هل أهملنا حلاً عُرض علينا ؟ هل ذهبنا بعيداً بهذا الطريق ؟ كان الرئيس قد حمل يده الى وجهه وأخفى بها فمه ، كان يطبق قبضة يده ويفتحها وكانت قسمات وجهه مشدودة ونظراته حزينة مكفهرة وكنا نتبادل النظرات فوق المنضدة فاعتقدنا لعدة ثواني أنه ليس من أحد غيرنا في المكان وأنه لم يعد الرئيس ، وكانت الساعة قد دنت من اتخاذ القرار النهائي وانفتحت أمامنا الهوة وليس من مهرب ؟ هذه المرة وجب علينا الجزم واعطاء الكلمة المباشرة ليس في الاسبوع القادم حين كنا نقول سنقرر في الاجتماع القادم ليس غداً ولاحتى بعد ثماني ساعات حين كنا نقول ابعثوا برسالة جديدة الى خروتشوف نحاول اذعانه للصواب والحق كلا ولاشيء من كل هذا . كان ممكناً في تلك اللحظات فعلى بعد 1500 كم من هنا وفي هذه الامتدادات الشاسعة من المحيط الاطلسي يجب اتخاذ القرار في الدقائق التالية فقد صعد الرئيس جون كنيدي الأحداث لكنه سيفقد السيطرة عليها من الآن وصاعداً ) (10)
مراجع وهوامش :
(1) الدماغ البشري مكون من قشر بسماكة عدة مليمترات وفيه النورونات العصبية أي الخلايا العصبية مركز التفكير والنشاط الذهني بعدد يصل الى مائة مليار خلية عصبية ولون هذه الطبقة رمادي ، وأما لب الدماغ فهو ذو لون أبيض وهو كم مرعب من الاتصالات ( الكابلات العصبية ) لهذا الرقم من الخلايا (2) نقلت مجلة الشبيجل الألمانية في خمس حلقات السلسلة الكاملة للاسرار الخفية لانتاج السلاح النووي ، كما أن وزارة الطاقة الأمريكية فتحت المجال للباحثين بعد مرور الفترة الزمنية الكافية مما جعل مهندس الكمبيوتر الأمريكي ( جك هانزن ) يكتب كتاباً كاملاً في هذا عن القصة السرية لانتاج السلاح النووي الأمريكي (3) وصل الكيميائي الألماني ( اوتو هان _ OTTO HAHN ) قبل الحرب العالمية الثانية بقليل وبشكل تجريبي الى امكانية شطر الذرة ، وبذلك نسف المسلمة اليونانية القديمة عن الجزء الذي لايتجزأ ( الذرة ) (4) اشترك الكثير من العلماء اليهود في تطوير السلاح النووي ويكفي أن نعلم ان رأس المشروع النووي العلمي في أمريكا كان روبرت اوبنهايمر وهو يهودي ، ولاغرابة أيضاً من تطوير المشروع النووي الاسرائيلي على يد عالم يهودي كيميائي ذو أصول ألمانية ( بيرغمان ) (5) كتاب الجزء والكل حوارات في الفيزياء الذرية _ فيرنر هايزنبرغ _ حيث يذكر العالم الفيزيائي كيف سقط أسيرا في يد القوات الأمريكية وكيف كان يتوقع هزيمة ألمانيا في الحرب وهو الألماني ، كون الحرب تكنولوجية بالدرجة الأولى ، وكيف بقى في ألمانيا من أجل بناء جيل مابعد الحرب ، فهو الذي ساهم في بناء مؤسسة ( ماكس بلانك ) في تطوير البحوث العلمية الالمانية في فترة مابعد الحرب (6) مجلة صورة العلم الألمانية ( BILD DER WISSENSCHAFT ) (7) الميجاطن هي القوة التفجيرية لمليون طن من مادة ت . ن . ت أي أقوى من قنبلة هيروشيما بما لايقل عن خمسين مرة وهي عيار واحد ميجاطن فقط وهي تكفي لمسح مدينة في حجم دمشق أو القاهرة ؟!! (8) بحساب أبعاد الكواكب عن الشمس تم الاهتداء الى قانون عجيب في الأبعاد ، حيث ظهر أن منازل الكواكب ( الزهرة _ عطارد _ الأرض _ المريخ الخ ) تمشي وفق مسلسل عددي يبدأ بالصفر ، ثم يتدرج بضرب الرقم 3 في اثنين واضافة اربعة الى كل رقم بعد ذلك ، فتصبح الأرقام هكذا : ( 4 _ 7 _ 10 _ 16 _ 28 _ 52 _ الخ ) فاذا ضرب الرقم الناتج بتسعة حصَّلنا مسافة بُعد كل كوكب بملايين الأميال بشكل تقريبي ، فالزهرة تبعد 36 مليون ميل ، والأرض تسعين وهكذا ، ولكن ثغرة القانون ظهرت بين رقمي 16 و 52 فعند الرقم 28 لم يظهر أي كوكب ، ولكن البحث الفلكي المكثف أظهر بعد ذلك وجود ليس كوكب بل ( كويكبات ) أي بقايا كوكب محطم مندثر ، فهل كان كوكبا عامرا بالحياة فارتكب أهلوه حماقةً نووية فتفجر كوكبهم ؟؟ تراجع فكرة القانون بالتفصيل في كتاب قصة الايمان _ نديم الجسر _ توزيع دار العربية _ ص 308 (9) مجلة ( P . M ) الألمانية ( 10) كتاب مصير كوكب الأرض في الحرب النووية _ تأليف جون ناثال _ ترجمة موسى الزعبي _ مكتب الخدمات الطباعية دمشق 1986 م ص 14 .