كوانتوم الوعي واللاوعي  تسخير علم النفس للدعاية  (تمرير المعلومات مباشرة الى اللاوعي) 

  ...........  بقلم خالص جلبي   ...........

ثمة حكمة ملفتة للنظر في جدلية العلم والضمير مما جعلت الفيلسوف الألماني (ايمانويل كانت) أن يطلب من تلاميذه أن ينقشوا على قبره من بعده هذه العبارة: شيئان يملآن صدري بالاعجاب: (السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي، والقانون الاخلاقي في صدري) ؛ فــ (كوانتم الوعي) تم استخدامه في التلاعب بعقول الناس، كما هو الحال في الديموقراطية الغربية، ولقد أظهر كوانتوم الوعي أمرا غريبا في دخول المعلومات إلى دماغنا فهو لايدخل حقل الوعي أولا بل حقل (اللاوعي) قبل أن يفرز إلى الوعي باعتبار أن دماغنا ثلاث طبقات من اللاوعي والوعي ومافوق الوعي (السوبر).

وهكذا فالديموقراطية يمكن وصفها بأنها أقل الاشياء سوءً في العالم، فظاهرة التمثيل النيابي تخضع لجبروت المؤسسات المالية، مما لاتجعل التمثيل صحيحاً تماماً، وبالطبع لايمكن مقارنة هذا باوضاع دول شتى من العالم التي لاتعرف نظام نقل السلطة السلمي بالكامل ولم تسمع به، ولعل أجمل مافي الديموقراطية هي هشاشتها وإمكانية نقدها من داخلها، كما فعل نعوم تشومسكي في كتابه المزلزل (ردع الديموقراطية). كذلك حصل مع نظرية الكوانتم في الوعي، فعندما يمكن في التلفزيون تمرير كمية من المعلومات السياسية أو التجارية، ولكن بسرعة مُتحكم فيها بحيث تراهن على بطء (الوعي) في الاستيعاب فإن هذه المعلومات ترى بالعين وتسمع بالاذن، ولكنها عملياً لاترى ولاتسمع، لآنها تسربت عبر منافذ اللاوعي، ويبقى الانسان يتذكرها وكأنه رآها فعلاً، بسبب تدفقها المباشر الى مخزن اللاوعي في الذاكرة، وهكذا يمكن التلاعب بالانسان من خلال تسخير العلم؟!!  ولقد تم الكشف عن هذه الحيل وفاحت رائحتها الية السطح، ولكن ياترى كم من هذه الحيل العلمية تستخدم اليوم للتلاعب بالانسان تحت اسم العلم والتقدم؟!

بنتاجون (خماسي) الأخلاق عند داماسيو:  

انطلق داماسيو من محاولة الوصول الى منابع المشاعر الأساسية؛ فاعتبر أن هناك خمسة مشاعر تشكل حزمة وجودنا العاطفي بالكامل، فكما كانت الألوان الثلاثة: الأزرق والأحمر والأصفر، هي التي تكون بقية الألوان، كذلك فإن تحليل أي موقف عاطفي يرجع الى طيفٍ من ألوان شتى من المشاعر. ولكن قاعدتها هي مزيج معقد من خمسةٍ من المشاعر القاعدية، فإما الحزمة الخماسية للمشاعر فهي: السرور والحزن، الغضب والخوف والاشمئزاز. هذه واحدة ومضى داماسيو في تدعيم نظريته الى أن الجسم والدماغ هما في حوار ودي لايعرف التوقف والانقطاع، آناء الليل وأطراف النهار؛ في تسبيحة متواصلة، ليصل في النهاية الى تعليل ماأصاب مريضه ايليوت (صداع شديد بسبب ورم سليم في الفص الجبهي من الدماغ أدى استئصاله إلى اضطراب كامل في الشخصية)

إن الذي حدث هو انقطاع (كابل) التواصل العاطفي العقلي، فكما كان للماكينة (جير) التعشيق مع عمود الحركة، كذلك لعب الفص الجبهي في الدماغ هذا الدور، في جدلية المشاعر والتفكير المنظم التحليلي.

إن دامسيو بهذا الطرح يزعم أنه وصل الى تحديد الوعي وآلية عمله عند الانسان، لذلك فهو يرى أن طرح ديكارت السابق هو خاطيء. داماسيو بهذا الطرح يضع يده على مفاتيح جديدة في فهم آلية عمل الوعي والدماغ.

بين ديكارت وداماسيو: أنا أفكر .. أنا موجود ؟!  أنا موجود أنا أفكر:  

في إحدى التجليات الروحية كاد دماغ ديكارت أن يحترق وهو يتعذب في ظلمات الشك الحالكة. وهو يقول كما قال الغزالي سابقاً: ليس هناك من شيء يمكن أن يستقر أو يقف على قدميه. لإنني أشك في كل شيء. لم يعد هناك شيء لم أعد أشك به، فكل ماتعلمناه بني على التقليد لا أكثر.

ثم أنقدح نور في هذا الظلام، بدأ يكبر وينير رحلة العقل المضنية، وشعر ديكارت بالتماسك بعد هذا الدوار العقلي. نعم إنني أشك في كل شيء، ولكن هناك شيء لا أشك فيه وهو أنني أشك؟!! فإنا إذاً أفكر لأن الشك تفكير، وإذا كنت أفكر فهناك حقيقة موجودة ولاشك، وهي حقيقة عقلية بالدرجة الأولى، فأنا موجود على صورة من الصور .... أنا أفكر .. إذاً أنا موجود ... هذه هي الحقيقة الديكارتية، التي كانت إحدى مصابيح التنوير في النهضة الأوربية. وكانت قبساً من وهج عقلية الغزالي، الذي سار بنفس الخطوات، ولكن نهاية ديكارت كانت نهضة عقلية، في حين أن نهاية الغزالي كانت انتحاراً صوفياً على ضرب صنج الحضرة، عندما يدخل الانسان تلك النشوة الروحية ويتم اغتيال عقله بالكامل، ومصادرة كل إمكانية تفكير، تحت ثلاث شعارات: من قال لشيخه لا لم يفلح ؟!! والمريد بين الشيخين كالمرأة بين الرجلين، والمريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل ؟!

يزعم داماسيو إن ديكارت يجب أن يقلب الآن رأساً على عقب، لأن مركز الوعي هو في تلك الجدلية التي يبدأ الدماغ رحلتها، فمع (وجود الدماغ) أمكن للروح أن تتنفس، فالبدن هو تجلي الروح وتعبيرها وطريقة تنفسها في جدلية وضفيرة لاتقبل الانفصام.

أراد داماسيو أن يكتب في الأول كتاباً بعنوان خطأ ديكارت ولكنه بعد مؤتمر سان دييغو بدله الى عنوان: ديكارت مقلوباً  .. أنا موجود ... انا أفكر ؟!!

حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram