ويبدو أن الطغاة العرب ليسوا النموذج المتفرد في العالم فهناك ما يعزيهم ويغريهم من بقايا جيوب ستالينية في بورما وكوريا الشمالية وكوبا كي يعلنوا البيعة الأبدية لأنفسهم أو تكرارها مثل حبات المسبحة في ثلاث وثلاثين انتخابا، حتى يضطر الشباب أن يصرخوا في المظاهرات كفى، ويلبسون قمصانا كتب عليها "لا لإعادة الانتخاب .. لا لوراثة الحكم". بعد أن استعد حسب الله السادس عشر للانتخاب الخامس. وهو ليس الوحيد في غابة العروبة. حتى خسف الله به الأرض ولكنه بعث من جديد مثل طير الفينيق فالعسكر فيها روح أوزيس وازيريس الفرعونية.
ثم حدث الحدث الجلل فاحتشدت كل طاقة كوريا الشمالية من أجل حدث جلل وكان يومها الاحتفال بمولد كيم يونج الثالث بعد الستين (63) ، وجاءت التعليمات خاصة للنساء أن لا يزيد طول شعر الواحدة منهن عن 7 سبعة سنتمتر. وقبل هذا في مطلع فبراير عام 2005م أعلن القائد المحبوب أن كوريا الشمالية أصبحت دولة عظمى فقد امتلكت السلاح النووي؟ وهو صنم لا يضر. أو بتعبير (فؤاد زكريا) في كتابه (خطاب إلى العقل العربي) إنها أسلحة ميتة مميتة ليست للاستخدام ولكن لماذا ينتجوها؟
والدول المعروفة حتى اليوم والتي تملك السلاح النووي هي ثمانية وتملك ما تدمر الكرة الأرضية وتفني البشر عدة مرات، وإفناء البشر مرة واحدة كافي، فـ (أمريكا) عندها من المخزون النووي (10656) رأساً نووياً، محمول على 116 نوع من القاذفات من عمق الأرض (السيلو) أو من بطن الحوت (الغواصات) مقابل (روسيا 10000) و(الصين 402) و(فرنسا 348) وإسرائيل (أكثر من 200 رأسا) ومن أجيال ثلاثة وما أدراك ما الأجيال الثلاثة؟ وبريطانيا العظمى (185) وباكستان (30 ـ 50) والهند (30 ـ 40).
والآن تنضم كوريا الشمالية إلى نادي الأشرار النووي ببضع قنابل قابلة للزيادة، بعد أن أعلنت انسحابها من اتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة النووية، وضحكت على أمريكا وأوربا والعالم، وحصدت مليارات الدولارات وهي تهيئ في الخفاء ليوم الفصل العظيم. ثم لوحت بصاروخ (رودونج ـ واحد Rodong I) طار فوق رؤوس اليابانيين يئز أزا، وعدواتهم مع اليابانيين قديمة وشديدة، وكيم سونج الوالد قاد حرب التحرير في الحرب العالمية الثانية ضد اليابانيين تحت تدريب وأموال وتوجيه ستالين، حيث ولد هناك (كيم يونج) في معسكر روسي للتدريب في منطقة نائية في (شاباروفسك Chabarowsk) ثم فقد والدته عام 1949م ليصبح تحت وصية زوجة والده (آي Ae)، وكلمة آي هي الوجع في اللغة العربية وكذلك كانت هي له عدوا وحزنا، فقد حاولت أن تدفع بابنها لتسلم العرش بعد موت سونج الثاني، ولكن (كيم يونج) استطاع عام 1974م بشراسة ودهاء أن ينتزع العرش لنفسه، ثم يتولى قيادة المخابرات، ومن حكم المخابرات في عالم المافيات الاشتراكي حكم البلد، كما هو الحال في جمهوريات الخوف والبطالة عند العربان. وقبل ذلك بسنتين عام 1972 قام بحذف تعريف كلمة (الحكم الوراثي) في القاموس الكوري الذي نص على أنه "نظام رجعي نهاب" وهكذا كسب القاموس كلمة وخسر الواقع حقيقة.
وغلطة أمريكا مع بقايا الطغاة في العالم أنها بدأت في الحلقة الضعيفة من السلسلة حيث ألقت القبض على صدام مثل الجرذ في مجرور تحت أرضي، وتلوح أنها تريد التخلص من إيران وربي أعلم بما يدور في الخفاء فهو يعلم السر وأخفى. والأهم كما يقول الكاتب الأمريكي (بوب وود وارد Bob Woodward) في كتابه المعنون (خطة الهجوم Plan of Attack) أن التخلص من أخطر الديكتاتوريين في كوريا الشمالية كان يجب أن يتصدر القائمة، وأمريكا تعلم علم اليقين رحلته في الوصول إلى السلاح النووي، من خلال عملاء ألمان (كما ذكر ذلك التقرير التفصيلي في مجلة الشبيجل الألمانية ـ عدد 7 2005م ) (جوتهارد ليرش Gotthard Lerch) والأخوة تينر وجيرهارد فيسر وجايجز بالإضافة إلى رئيس مؤسسة تراديفين المدعو ماير) الذين حاولوا توصيل تقنية فصل غازات اليورانيوم على ظهر الباخرة (BBC China) إلى القذافي مع طنين من اليورانيوم ولكن الأخير تحت الخوف من أمريكا فتح بلده وحافظ على عرشه (مؤقتاً)، وسلم البضاعة لأمريكا فرست في مفاعل (أواك ريدج) النووي الأمريكي كما في قصة غواصة هتلر 234، فقد أرسل هتلر في أبريل 1945م بعد أن تيقن من الهزيمة واستعد للانتحار غواصة محملة بآخر وأهم تقنيات الحرب مع أول طيارة نفاثة قابلة للتركيب، مع أكثر من 500 كغ من اليورانيوم الجاهز للاستعمال فأصبح من غنائم الحرب للأمريكيين واستعمل اليورانيوم لضرب اليابان بدلا من نجدتها؟
والديكتاتور الكوري القصير كما هو الحال مع ملالي إيران يظنون أن السلاح النووي يقي الدول الاستبدادية من السقوط ولو عمرت على الظلم وأشلاء المعذبين. ولكن انهيار الدول يأتي من الداخل، وعندما انهارت دولة أشور لم ينقصها عتاد أو تقنية. والاتحاد السوفيتي انهار بدون هجوم خارجي، وهو يملك أسلحة تدمير الكون مرات، وبأقوى من كوريا القزم بعشرة آلاف مرة.
ومشكلة الطغاة في كل مكان هي واحدة فقد سئل القذافي قبل أن يقذف بشواظ من نار عن معنى الديموقراطية فقال إنها كلمة أصلها عربي (ديموكراسي) أي الديمومة على الكراسي. والمسخوط الآن في محكمة العدالة الالهية فلا ينتصران.