العطش الى (القوة) والمزيد من امتلاكها مرض ذكوري. هذا ماقرره بروس كارلتون Bruce charlton) الخبير في علم (التطور). والذكور هم الذين يشنون الحروب. والذكور هم الذين يتحاربون فيَقْتلون ويُقتَلون. والذكور هم الذين أنشأوا المؤسسة العسكرية ورسموا قدر المجتمع بمرض التراتبية الهيراركيHierarchy) ) وخططوا كل نظام المجتمع على صورة (الثكنة) كما أشار الى ذلك (غارودي) في كتابه (في سبيل ارتقاء المرأة). والذكور هم الذين شوهوا التطور الانساني برمته برؤية العالم بعين حولاء ذكورية؛ فلايمكن أن يمشي المرء برجل واحدة إلا في أسطورة (شق وسطيح)، ولايمكن أن يرى بعين واحدة الا إذا انعدمت الرؤية الفراغية، أوتحول الى كائن خرافي بعين واحدة كما في قصة (الاوديسة) عند (هوميروس).
جاء في (السيرة) أن شقاً كان بنصف جسم فإذا مشى قفز على رجل واحدة، وأما سطيح فكان مسطحاً مثل حدوة الحصان بدون مفاصل. والمجتمع (الذكوري) هو الذي دفع المرأة الى شريحة دونية مستضعفة وهي كارثة كونية في كل الثقافات، وفي الثقافة الصينية يعني ضمير المتكم (أنا) المؤنث الى (العبد) وفي الثقافة الهندية تعتبر المرأة خاضعة للرجل من المهد الى اللحد فهو من كتف الاله (فيشنا) وهي من أقدامه. وفي اليابان لم يتقدم المجتمع الا بألغاء نظام الساموراي.
وبالمقابل فإن المرأة هي التي بدأت الثورة الزراعية كما قرر ذلك المؤرخ (ديورانت) فأطعمت عائلتها من جوع ودلف الجنس البشري الى الحضارة؛ فلولا الثورة الزراعية ماتجاوز الجنس البشري مرحلة (الصيد وجمع الثمار) بعد أن دامت مئات الآلاف من السنوات، فتخلصت العائلة من خوف الموت جوعاً ومنها نشأت المدن وازدحمت بالسكان وولدت الاختصاصات وتم تقسيم العمل كما شرح ذلك عالم الاجتماع (دركهايم).
كل ذلك كان وتم ببركة المرأة، ولكن الذكور بنوا الجيوش والحرب والطغيان ومازال. وإذا كان الحاكم ينفخ في الصور فيقول للعباد أنا ربكم الأعلى؛ فإن الزوج يقلده في البيت فيعلن أنه الأعلى لامعقب لحكمه وهو سريع الحساب.
والاستبداد السياسي هو التجلي الأعظم لتراكمات أخطاء البيت واحتكار النصوص بيد طبقة الكهنوت، وخنق التعبير تحت دعوى الخيانة أو الردة، والطغيان يتأسس من خلية العائلة ليظهر في النهاية على شكل تنين سياسي يقذف باللهب على عباد يرتعشون وجلاً خاشعة أبصارهم من الذل.
إن مصادرة الأمة على يد فرد وخلفه النخبة الحاكمة الخفية، سبقتها مصادرة الزوجة والولد في بيت الطاغية الذكر (الترانزستور) الزوج الأب. فإذا أنتجت العائلة الانسان الأخرس الخائف هيأت الجو الاجتماعي للخرس الجماعي المطبق وخشعت الأصوات للحاكم فلا تسمع الا همسا. وعليه فلايمكن (أنسنة) المجتمع بدون استعادة المرأة دورها الطبيعي.
علينا أن نقرر أن المرأة هي التي تحمل الحياة وتنجب الحياة وتحافظ على الحياة، كما جاء في الآية حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا. وهي التي لاتمارس الحرب فإذا مارسته مثل (تاتشر) و (غولدا ماير) فهي عدوى من (وباء) ذكوري قاتل.
المرأة هي مصدر الحب فتخلع معنى على الحياة وتعطيها دفقة الاستمرار، ومع انطفاء الحب ينطفيء معنى الحياة ومبرر وجودها. لأن الحب مشاركة تتجلى في أعظم صورها بالزواج والانجاب وتترك بصماتها على الحياة في ذرية مباركة. والحرب كراهية وارتداد على الذات ونفي للآخر.
وحسب (دانييل جولمان) صاحب كتاب الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence) فإن جوزيف لو دو( joseph le doux) الذي اكتشف (دورة المخ العاطفية) أظهر أمرين: أن هناك ضرب من الذكاء لم ننتبه له حتى الآن وهو غير المتعارف عليه(IQ) كما أن المرأة بواسطة تركيب دماغها تشريحياً تتفوق على الرجل في هذا النوع من الذكاء.
والمرأة (موديل) متطور عن الرجل بحيث تحمل إمكانية أن يتطور الجنس البشري على نحو (انساني) أفضل زكاة وأقرب رحما، ولذلك كان الاستنساخ الجسدي من الأنثى كما حدث مع (دوللي) فمنها خلق وإليها يعود ومنها يخرج تارة أخرى. نحن نعرف من تقنية الاستنساخ أن الذكر لايدخل في العملية وإنما هي كود وراثي يستخرح من أنثى ثم يغطى بلباس من أنثى ثانية ليزرع في رحم أنثى ثالثة. وإذا كانت الأنثى في الاستنساخ هي صاحبة اليد العليما فهذا يقرب لنا أيضا خروج عيسى من رحن امراة بدون ذكر ولقاح جنسي.
وتفاءلت السيدة شفارتزر Schwarzer) ) بولادة المجتمع النسائي الانساني بحيث يمكن الاستغناء عن الذكور المخربين نهائياً للمستقبل أو استبدالهم بجنس معدل سلامي. وهي صاحبة مجلة (لا نريد بورنو POR ...NO..) ) وهو عنوان مثير ولكنها تلاعبت بحركة ذكية بالكلمة (بورنو) التي تعني (الاباحية) وحينما قسمت الكلمة الى شقين انقلب المعنى.
ويذهب الانثروبولوجي (بيتر فارب) في كتابه (بنو الانسان): (أن الذكر لايفترق عن الأنثى الا بعضلاته) ويستعرض في بحث موسع عن الفروق بين الذكر والإنثى ليقرر في النهاية أنها التستستيرون (Testosterone) أي الهورمون الذكري فهو الذي ينمي العضلات عند الذكور، فأذا تعارك ذكر مع انثى غلب الذكر، ويترتب عليها فروق جامحة من شعور المرأة بالحاجة إلى الحماية وهي النتيجة التي خلص فيها الباحث أن المرأة هي التي مكنت الذكر من اعتلاء سدة العائلة وكان يمكن أن لايكون، بل هو أمر يربى عليه الأطفال من الصغر أنهم أقوى وأفضل من الأناث فتنشا الأنثى في الحلية وهي في الخصام غير مبين.