الجنس والثقافة (3) 

  ...........  بقلم خالص جلبي   ...........

لقد كسر العلم الجغرافيا وحطم الرقابة ولكن قانون الله هو الذي سيثبت في النهاية فيذهب الزبد جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال. وعندما بدأت أفلام الجنس SEX) ) في الغرب غصت الرفوف بها فلا ترى الا العري.

وانطلقت موجة الستربتيز في الستينات من بريطانيا فزكمت الأنوف وشكلت أشرطة الفيديو 80?% من خزائن النوادي حسب احصائيات مجلة (در شبيجل) الألمانية، وبعد عدة سنوات انكسرت حدتها وتراجعت موجتها الى 20% ثم تحولت الى ظاهرة مخيفة بين (الجمود) و (الانحراف) فالجنس كالسبع الضاري من حرَّضه أكله. ومن رمى له بقطعة لحم عند جوعته أمنه.  كما ذكر ذلك (ابن مسكويه) في كتابه (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق). ولكنها تفعل فعلها السمي اليوم في العالم العربي لأنها تدخل بيئة عذراء غير مهيئة لهذا النوع من الاجتياح  في ظل تابو المجتمع العربي.

ولم تتطور الثقافة الجنسية بين الأظهار والأخفاء من فراغ على قاعدة (أرسطو) الذهبية أن كل فضيلة هي وسط  بين رذيلتين. فمع الاباحية يتحول المجتمع الى مستنقع يستحق التدمير فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل. ومع الكبت تنشأ الأمراض النفسية من الهلوسة الجنسية وتحويل كل النشاط الى جنس حتى لو كان ظاهرياً عين التقوى بسبب جوعة الجنس. ويصبح (جسد المرأة) المسرح السياسي لطغيان الرجل وإعلانه الوصاية على كائن متخلف عقلياً في اللباس.

ويعلل (مالك بن نبي) في كتابه (شروط النهضة) المعركة حول جسد المرأة بالمزيد من تعريتها أو التشدد في تغطيتها الى نفس الآلية الخفية من الدافع الجنسي لامتلاك جسد المرأة  مع أن ظاهر الأمر يوحي بالتناقض بين الفحش والتقوى، ولكنه في حقيقته واحد مثل الفلم الأسود قبل التحميض والملون لاحقاً. إن الأسود الخفي هو قاعدة الملون الفاقع ولكن أكثر الناس لايعلمون. إن طغيان الذكر علىالأنثى يتبدى في إدعاء الملكية والخجل من ذكر اسم الأنثى وعدم الاستبشار بمولدها ولو كانت أصح من عشرة ذكور، وإذا مشى تركها خلفه لخطوات كما راينا ذلك في العائلات التركية في ألمانيا.

وتطل قسمات الدونية في الخجل من ذكر اسمها فهي (الجماعة) أو (العائلة) أو (أم الأولاد) أو (أنت أكبر قدر) كمن يتعفف من ذكر مكان الخلاء. هي لا اسم لها يتم استلامها بالبريد المسجل من الأب الى الزوج ومن المهد الى اللحد. وهناك من يدعي ان المرأة لها ثلاث (خرجات) من الرحم وبيت أهلها الى بيت زوجها ومن بيتها الى القبر ألا إنهم من أفكهم ليقولون. وعند الزواج يغيب اسمها فهي (كريمة) فلان تزف الى الشاب الذي يحمل اسماً ولقباً عريضين. ويسلب حقها من الأرث، ويدفع لها راتبا أقل، وتخشى على نفسها المسغبة عندما يغيض الشباب ويزول الجمال وتطعن في السن فتراهن على عطف بناتها أكثر من حقوقها إذا كان لها بنات. ويمكن للرجل أن يلقي بها في الشارع بطلاق مع متأخر رمزي دراهم معدودة هذا إن دفعت.

إن أبعاد الكارثة انسانية وليست عربية فقط  وإن كانت المرأة العربية تبتلع الجرعة السامة منه ولاتكاد تسيغه ويأتيها الموت من كل مكان. مع هذا فإن المرأة في بريطانيا لم تصوت الا في عام 1912 وهي مازالت محرومة في بقاع شتى من هذا الحق البسيط  والطبيعي. وفي بعض الأماكن مازال الزمن متوقفاً عند عتبة الأنثى فتحرم من قيادة السيارة. في الوقت الذي يطير الشباب الأرعن بدون رخصة سوى فحولته ويفحط ألوانا من الأشكال السريالية على رصيف الطرق. محولين الطرقات الى ساحات حرب تنقل الجثث على مدار الساعة. إن مصادرة المرأة كامل بما فيها صوتها البشري فهناك من يعتبر صوتها عورة مع أن القرآن يروي سورة كاملة باسم امراة جاءت الى النبي تشكو وترفع صوتها وتجادل والله يسمع تحاورهما. إنها نكبة ثقافية عندما يصادر القرآن برأي شخص.

إذا كان ظلم الانسان لنفسه هو الظلم الأعظم، فهو يؤسس بدوره لفهم جذور المشكلة الانسانية وفهم الظلم الاجتماعي عندما تتصدع الشرائح الاجتماعية الى (مستكبرين) و (مستضعفين) في أي مستوى بما فيه الجنسي. ومصدر هذا الخلل هو طبقة المستضعفين أكثر من طبقة الجبارين المتكبرين. وهذه القاعدة تنطبق على علاقات (المرأة ـ الرجل) فلماذا قبلت الأنثى هذا الاضطهاد الطويل؟  إن علاقات القطبين المشؤومين ( الاستضعاف ـ الاستكبار ) ذات مصدر موحد. كذلك كانت علاقات القوة في المجتمع بخلل هذه الرافعة بين بني البشر. ودعوة الاسلام جاءت لانتاج نسخة بشرية جديدة بالتخلي عن علاقات القوة. فكانت أول من آمن به امرأة، وأول من قتل في سبيل الله امرأة،  ومن تسببت في اسلام ثاني شخصية في الاسلام امراة.

وفي الثورة الايرانية كانت المرأة تنزل الشارع جنبا الى جنب مع الرجل في المظاهرات المليونية ولم يمنعها (الشادور) من الاستشهاد فالطريق الى الجنة لايقف في طريقه قطعة قماش. الضعفاء هم الذين يخلقون الأقوياء. والأمم الهزيلة هي التي تنبت الطواغيت. والمستنقع هو الذي يولد البعوض. والغربان تحط  على البقرة الميتة. والقابلية للاستعمار هي التي تمهد للاستعمار. والدول تنهزم بتفككها الداخلي. وتنهار الحضارات بالانتحار الداخلي.

هذا القانون يمسك جنبات الوجود  بوتيرة مكررة بدءاً من الذرة الى المجرة ومن أبسط الأفكار الى أعظم الامبراطوريات. والمرأة لاتشذ عن هذا القانون وهي مسئولة عن تشكيل هذا  التراث الخاطيء. ألقي القبض يوماً على امرأة خارجية وجيء بها الى الحجاج فقال لأصحابه ماتقولون فيها؟ قالوا عاجلها بالقتل أيها الأمير. فقالت الخارجية: لقد كان وزراء صاحبك خيراً من وزرائك. قال: ومن صاحبي؟ قالت: فرعون فقد استشار وزراءه في موسى عليه السلام فقالوا أرجه وأخاه.

حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram