الكثير من الأمراض تتسلل خفية دون أن ينتبه لها صاحبها، مثل التوحد والسكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان والخرف وأخيرا الزهايمر (Altzheimer)؟ وأفظع مافي المرض أن صاحبها يخسر نفسه وهو على قيد الحياة، فيحال بينه وبين إرادته ووعيه. تأمل الآية وأن الله يحول بين المرء وقلبه؟
التوحد يعرف عند الأطفال إذا انتبه الوالدان مبكرا، والسكري يضرب من ملأ وعاء بطنه فانتفخ، ثم هزل مع كثرة الأكل؛ فالطبيعة تعمل وفق قانوها الخاص، وارتفاع الضغط يفجر شرايين الدماغ فيسقط صاحبها مشلولا أخرسا على حين غرة، وهو لايصدق هول ماحدث فهوى؟
والسرطان يتسلل خفية مثل الأنظمة الشمولية فيقتل صاحبها بدون ألم ومظاهر صاخبة؛ فإذا عثر عليه كانت المعالجة أقرب للاستحالة، كما في النظام البعثي الذي ضرب الشرق الأوسط، مثل مرض القراد في قفيز النحل فهلكت النحلات العاملات.
وأما الخرف فقد جاءت الإحصائيات أنه لايقل عن 1,6 مليون من الشعب الألماني وقع في قبضته، ثلثاهم أسرى مرض الزهايمر.
يعود تاريخ اكتشاف المرض إلى أكثر من قرن (1906) حيث كان الدكتور الويس الزهايمر الألماني أول من وصف المرض بأنه خطير، يأكل الدماغ ويورث العته وتدمير الشخصية بعد تدمير الذاكرة.
وحين تتجلل أعراض المرض الشخصية يستوي في تشخيصها الجاهل مع العالم، كما في رؤية اليرقان في العين (أبو صفار)، ولكن الانتباه لمؤشراته الأولى هو الأمر الحاسم؛ لأن صاحبها في طريقه إلى أن لايعرف من هو؟ فلا تبقى ذاكرة ولا شخصية ولا إرادة، ومنه فقد بدأ وزير الصحة الألماني هيرمان جروهيه Hermann Groehe) في محاولة استصدار موافقة برلمانية على التصرف نيابة عن صاحبها لغياب الأرادة، فضلا عن تطوع الشخص في التبرع للتجارب عليه من دواء، أو أخذ دماغه للتشريح لمعرفة سر الإصابة بهذا المرض الخطير بتعبير مكتشفه الأول الدكتور الزهايمر. (لم يعرف السبب وليس ثمة من علاج)، وحاليا تقوم الدكتورة كاثرينا بورجر (Katharina Buerger) رئيسة جمعية الزهايمر في المركز الجامعي في ميونيخ في ألمانيا بوضع خطة تفصيلية لفهم المرض في سبع مراحل طبقا عن طبق فما هي مراحل الانهيار في الطبقات السبعة للمرض؟
المرحلة الأولى يشعر صاحبها أنه ليس على مايرام وليس هو هو ولكن ليس ثمة أعراض أو علامات باضطراب خطير، ولايمكن الحدس كم تستمر هذه الحالة؟ لينحدر صاحبها تدريجيا إلى المرحلة الثانية ويعبرون عنها باضطراب خفيف بثغرات في الذاكرة، مثل الكلمات التي يحفظها فتطير منه بسرعة، أو الحاجات اليومية التي يتعثر في فهمها، وهي حالة غمامية مثل الضباب تذهب وتجيء، فيظن صاحبها أنه في منام عابر، والأمر ليس كذلك بل هي زحلقة نحو القاع من الانهيار العقلي وضياع الشخصية.
المرحلة الثالثة هي التأثر الطفيف حيث ينتبه المصاب إلى أن من يعرف من أصدقاء ومعارف ومن يعمل معه أن الأشياء التي يقرأها ويتعامل معها سرعان ماتتبخر منه مثل البخار في الساونا.
المرحلة الرابعة هي التأثر المتوسط بالمرض وهنا قد ينفع التشريح في الكشف عن قشرة الدماغ وما ذا يتم فيه من علة ومرض، ولكن المشكلة أن تركيب الدماغ وتفاعله كهربي كيماوي حيث تتصل كل خلية مع عشرة آلاف خلية مجاورة (نورنات) حيث يحصل انفراغ كيماوي من لغة بأكثر من أربعين حرفا، كل حرف بوظيفة، وكل اختلال بعلة (مثلا يقولون أن الاكتئاب مرتبط بالسيروتونين؟).
في هذه المرحلة يضطرب صاحبها في أداء مهمات متكاملة، بسبب تكسر ارتباطات الذاكرة، يضاف له ماهو ألعن من بداية فقدان الذاكرة الشخصية، وهي خلاف مايحصل لكل واحد منا مع تقدم السن، من توهج الذاكرة البعيدة. عند صاحبنا مريض الزهايمر تبدأ في التبخر. لاندري قد يكون من جهة جيدا لأن آلامنا تأتي من ذكرى حبيب ومنزل.
المرحلة الخامسة تبدأ بفراغات مزعجة في الذاكرة من عدم تذكر أين يسكن؟ وماهو رقم تلفون بيته؟ أو أين هي مفاتيح سيارته؟ أو ماهي الشوارع الرئيسية في البلدة التي يعيش فيها؟
هنا يحصل انقضاض المرض ليدفع صاحبه إلى المرحلة السادسة من تبخر الذاكرة شبه الكامل، وبدء اضطراب شخصية صاحبها، بل وإرادته، ويبدأ صاحبها في العجز والاعتماد جزئيا على من حوله من أفراد عائلته المهتمين بأمره؟
أما المرحلة الأخيرة فليست ختامها مسك بل علقم؛ فلا يستطيع المريض أن يخبر من حوله بماذا يدور داخله؟ ويبدأ في فقدان السيطرة على جسمه، فتتيبس المفاصل وتتكلس العضلات، بعد أن خسر إرادته ووعيه فلم يعد إنسانا.
الدكتور الزهايمر الذي وصف المرض لم يعش أكثر من 51 سنة بكسر في عنق الفخذ، ونيلز بور مكتشف البناء الذري خرّف فلم يبق بناء؛ أما صاحب (نقد العقل الخالص) الفيلسوف إيمانويل كانط؛ فقد ضربته لعنة الزهايمر؛ فلم يعد يعرف أقرب الناس إليه، وأما فيلسوف القوة (نيتشه) فكان يقول لأخته وهي تقرأ بعض إبداعاته لقد كنت أكتب مثل هذا؟ فماذا جرى لهذا الدماغ؟؟