إن ميزة التفكير العلمي الاستعداد لكل الاحتمالات بما فيها نهاية الكون والجنس البشري. ليس بحماقة إسرائيلية نووية أو حتى غير إسرائيلية، ليس من حماقات البشر باستخدام أسلحة الدمار الشامل، بل بتعرض الأرض لمذنب كما حصل مع انقراض الديناصورات قبل 66 مليون سنة، حينما ضرب أمريكا الوسطى مذنب بقوة خمسة ملايين قنبلة نووية.
وفي تقديري أن هناك خطة للوجود أو هكذا يخيل إلي؛ وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا. وفي حقبة قديمة عم دخان كثيف غشى الناس بعذاب أليم بعد انفجار بركان في أندنوسيا، فلم يبق من البشر سوى 75 ألف نسمة. ومع ذلك تابع البشر طريقهم.
وحسب تحليل الفيلسوف الألماني (إيمانويل كانط) في كتابه (نحو السلام الشامل)، فإن الاضطهاد كان خلف الانشقاق المتتابع لمجموعات البشر، مثل مجموعات النحل عندما تنفصل عن خلاياها وتنشئ خلايا جديدة؛ بل حتى طوفان نوح يبدو في الإضاءة الأنثروبولوجية الجديدة من كشوفات مدينة (سينوب) على ساحل البحر الأسود في تركيا أنه كان شرارة نقل الثورة الزراعية من حواف بحيرة حلوة فاجأها طوفان مدمر كسر عتبة البوسفور وحولها إلى بحر مالح، فهربت شعوب المنطقة التي كانت تملك أسرار الزراعة، وبدأت الحضارة قبل ستة آلاف سنة.
ومن خلال هذا المنظور، فهناك أمل وتفاؤل أن الجنس البشري على الرغم من المعاناة القاسية ـ والتي هي بدورها شرط للنمو ـ أن يولد طبقا عن طبق باتجاه الاستمرار والنمو والدخول في مرحلة الحضارة رقم 3، حيث كانت الحضارات سابقاً تنمو منعزلة عن بعضها البعض ولا تعرف عن بعضها شيئا، كما كانت مفاجأة وصول الأسبان إلى حضارة الازتيك في أمريكا الوسطى. والآن نحن ندخل مرحلة الحضارة رقم 2؛ أي الحضارة العالمية لندخل مرحلة الحضارة رقم 3؛ أي اكتشاف حضارات أخرى في كواكب أخرى. ونحن نعرف اليوم وللمرة الأولى أن هناك كوكبا يبعد عنا خمسين سنة ضوئية، وعن طريق تقنية (ترنح النجم) يمكن كشف الكثير من الكواكب السابحة حول نجوم أخرى وفيها حياة، وبذلك يمكن الوصول إلى حضارة المجرة في ضوء وجود 100 مليار نظام شمسي، مع احتمال وجود حياة على كل 10 ـ 50 نظام شمسي. وكما حدث في رحلة البولونيزيين لاكتشاف المحيط، حيث تم التوسع على شكل قفزات بمعدل قفزة جيل كل 200 سنة، وهذا يعني أننا خلال خمس ملايين من السنين سوف نستعمر كامل المجرة. ورقم خمس ملايين سنة ليس بشيء إذا علمنا أن الشمس عندنا ما زال أمامها خمس مليارات سنة لاستهلاك وقودها.
وفي كتاب (آفاق المستقبل) للمفكر الفرنسي (جاك أتالييه) يقول، إن البداوة ستعود على شكل جديد من الترحل المستمر بأدوات بسيطة، ولكنها كافية مثل الموبايل والبريد الإلكتروني والكمبيوتر الشخصي المتصل بالإنترنيت، وحتى البيوت سوف تستغني عن الرخام والمرمر، كي تصبح أكثر عملية تناسب عصر البداوة الجديدة؛ فكل شيء للاستهلاك والاستبدال. والبريد الإلكتروني اليوم لا يحتاج لصندوق بريد ومفتاح. وهذا التنقل مفيد من جهتين: تحقيق الآية القرآنية بوجود السائحات (مسلمات مؤمنات عابدات تائبات سائحات). وتكرار لما حدث في صلح الحديبية، حيث كان الناس يتقاتلون والجو في غاية التوتر والحواجز السيكولوجية شديدة الكثافة. وتقول الرواية إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا، عندما بدأ منطق الحوار. والآن عن طريق الإنترنيت والهجرة الهائلة من العالم الإسلامي ـ حسب مبدأ كانط ـ حيث يزحف عشرات الألوف من المسلمين فارين من الوطن الإسلامي فقراً واضطهاداً من جمهوريات الخوف والبطالة وهم يحملون معهم الإسلام.
صحيح أن الكثير سيموت في بطن سمك القرش الإسلامي، ولكن ستخرج نسخة جديدة معدلة من الإسلام المستنير، ليس من نموذج ابن لادن، بل من نموذج علي عزت بيجوفيتش؛ فهناك نسخ منوعة من الإسلام "وخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا" و"تجدون الناس معادن كمعادن الذهب والفضة"، حيث يعم الإسلام الأرض، وقبل عشرين سنة كان في إيطاليا عشرة آلاف مسلم واليوم أصبحوا مليونا حسب رواية السفير الإيطالي الذي اعتنق الإسلام وأشهر إسلامه بعد أحداث سبتمبر، وفي ألمانيا أكثر من خمسين ألف من الألمانيات انتظمن في جمعية أخذت اسم (أخوات محمد). وفي أمريكا يعتنق الإسلام سنوياً عشرين ألف أو يزيدون. حسب رواية قناة الديسكفري.
في رحلة الجنس البشري حصل خطأ كرموسومي، حيث استولى الذكور على المجتمع، وكان له تأثير سلبي كما يحصل مع انعدام الرؤية الفراغية، عندما يصاب بالحول أو العور، وهكذا تمت هندسة المجتمع على الحرب، وتشكلت كما يقول الفيلسوف الألماني (نيتشه) مؤسسات يدعو عنوانها للضحك؛ فكلها تحمل اسم (وزارات الدفاع) وهذا يحمل بشكل مبطن النية السيئة وإساءة الظن بالجوار أنه يبيت الغدر فوجب الدفاع. ولكن مع برمجة هذه الروح، فلا يهم كثيرا من يهجم ومن يدافع، لأن الحروب تنشأ في هذا الجو وتحت مبرر بريء هو الدفاع عن النفس. والقاتل والمقتول في النار. ومع الحرب والجيش والثكنة تشوه كامل تركيب المجتمع وهندسته، ودفعت المرأة إلى كائن قاصر يفرض عليه الوصاية، ويفصل وينظر إليه كجيب جنسي. وتم تطوير السلاح إلى حده الأقصى، حتى وصل الأمر إلى نقل وقود النجوم من باطنها بعشرة ملايين درجة إلى سطح الأرض. ولكن الخطأ لا يصبح صحاً. كما أن الشجرة الخبيثة لا تؤتي أكلها بإذن ربها، بل اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار. ولذا وصل الذكور النكدون إلى نتيجة القرد الذي انهرس ذنبه في شق الخشب، حينما أراد تقليد النجار في عمله، فتدخل في ما لا يعنيه، فناله ضرب النجار وألم الذنب المعصور. وهذا يعني أن هذا الخلل الكروموسومي يحتاج إلى جراحة جينات متقدمة، ولكن لا بد منها. وإذا كانت جراحة المستقبل هي جراحة الجينات بعد أن تم فك الشيفرة الوراثية الكامل للإنسان على يد (كريج فنتر). كذلك، فإن جراحة اجتماعية هي أكثر من ضرورة لإعادة تركيب المجتمع الإنساني، حيث تعود الرؤية الفراغية الكاملة، ويرتفع العور فبصرك اليوم حديد.