سحرية العدد سبعة 

  ...........  بقلم خالص جلبي   ...........

لماذا كان الطواف سبعا؟ بل طيف العواطف سبعا؟ بل بناء الذرة وأطواق الالكترونات والقفز من مدار لآخر حسب الفيزيائي نيلز بور. بل حتى تكسر الأمواج على شاطيء البحر ليحاول أحدنا عدها بحذر. لقد وضع (رمزي غنيم) كتابا كاملا عن منظومة العقل البشري سماها نظرية المدارات السبع ـ النظرية الذرية في العقل والمعرفة. وقسمها على شكل دوائر تحمل مايلي: (مدارات الجسم والمحسوسات ـ مدارات التفكير والاستبطان ـ مدارات العاطفة والوجدان ـ مدارات الخيال والجنون ـ مدارات النسيان ومخازن الذاكرة ـ مدارات الغيبوية النوم والأحلام ـ وأخيرا مدار المطلق وما وراء العقل النسبي).  

لقد استطاع العالم الأمريكي (جورج ميللر)(GEORGE  MILLER) عام 1956م أن يفك طلسماً آخر من كيفية عمل الدماغ والوعي الانساني! إنه القانون السباعي؛ فطريقة فهم الانسان تعتمد على نوع من النظم المعين السباعي: إذا بلغت الكلمة سبعة حروف التقطها الوعي برشاقة وساقها الى ساحات الادراك؛ وعند تجاوزها فوق سبعة حروف اُضطر الى تهجئتها وتقسيمها من جديد، فالوعي يلتقط الكلمة كقطعة واحدة، تقذف في فرن الوعي لهضمها. نفس الشيء ينطبق على فهم مجموعة أو حزمة الكلمات، حيث تقفز الى مستوى المغزى المحدد في إطار السبع كلمات؛ فإذا تجاوز المعنى الكلمات السبع اُضطر الفهم من جديد الى تقسيم الكلمات. ويبدو أن كل اللغات الانسانية المنطوقة تعتمد مثل هذه القاعدة السحرية السباعية، وتعرف بطريقة (شان كينج)(CHUNKING).

نفس الشيء ينطبق على المحادثات التلفونية في الأرقام (من هنا اعتمدت الأرقام التلفونية كسبعة أرقام كحد أقصى ـ رقمي الكندي مثلا  – 630-7792) كذلك في اللغط  وتمييز الاصوات من أي شخص تصدر؛ كلها يفككها ويتعامل معها الوعي بنفس الطريقة، وتحويلها الى أفكار او صور ذهنية.

كوانتم الوعي (ميكانيكا الكم في إطار العمل العقلي):  

هذه الظاهرة من محدودية الوعي بقيت الى فترة قريبة غير ملاحظة، بسبب التقلب الدائم بين حقول التأثير، بل حتى التدفق الدائم لتيار الوعي وانقلابه المستمر يمشي ببطء ملفت للنظر؛ فــ (نوافذ الوقت) إذا صح التعبير التي يعمل عليها الوعي تبلغ حوالي ثلاثين ميلي ثانية (أي ثلاثين جزءً من الألف من الثانية) والوعي يتعامل مع وحدات الزمن بهذه القسمة، حيث تم التأكد من ذلك بتطبيقها على بشر متطوعين لمثل هذه التجارب؛ فــ (تكة الساعة) مثلاً يستطيع الوعي أن يفرق بينها وبين التي بعدها، حتى إذا انضغطت وحدة الزمن الى عشرين ميلي ثانية، أي إذا تسارعت حركة تتالي نظم الصوت بين الصوت والذي بعده؛ بمعنى الفاصل بين الوحدتين، امكن للدماغ استيعاب مايأتيه، ويكلّ اذا تجاوز هذا المقدار.

ويقفز عمل الوعي الى مايشبه قوانين الكوانتم (ميكانيكا الكم) حيث يمكن للعقل الانساني أن يستقبل العالم الخارجي إذا تلقى وحدات الصوت هل هي موسيقى أو شعر، قصائد أو أهازيج، أفكار أو تجليات روحية، فيما إذا خضعت لقانون الثلاث ثواني؛ فكما يقوم الكون كما فهمه العالم الألماني (ماكس بلانك) على الانفصال على صورة وحدات، كما في كومة حبات القمح عند النظر إليها فهي تبدو كأنها كومة متصلة؛ فإذا اقترب الانسان منها أدرك أنها مكونة من حبات منفصلات. هكذا أيضاً يتعامل الوعي.

هنا نشير إلى أن قانون الكم لماكس بلانك له وحدة رياضية؛ كذلك فقد تم كشفها في مستوى الوعي؛ فوحدة الفهم هي في حدود 30 ميلي ثانية، والفرق بين النبضتين الصوتيتين 20 ميلي ثانية، ولكن وحدة الفهم يجب أن تكون في حدود ثلاث ثواني.

فإذا تجاوزت الجملة أو الحركة الصوتية هذه الحبسة الزمنية، اُضطر العقل من جديد الى تجزئتها وفق قانون الثواني الثلاث.

الوعي محبوس في زنزانة الماضي بدون أي أمل في النجاة:

ومن الأفكار التي جاءت في مؤتمر العلوم العصبية في سان دييجو عام 1996م عن الوعي والتي هزت وعي الحاضرين هي جدلية الوعي واللاوعي، وغطس المعلومات في اللاوعي قبل انبثاقه الى الوعي، فقد استطاع (بنيامين ليبيت)(BENJAMIN  LIBET) الباحث في فسيولوجيا الاعصاب من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، من فتح عاصفة من الاثارة حول ظاهرة مايعرف الان بــ (فترة الحضانة) بين الفكر والعمل وبشكل معكوس. وتم كل هذا من خلال تطوير تقنيات جديدة من ملامسة قشرة المخ مباشرة بواسطة مسابر خاصة، ودراسة الزمن بين التحريض أو تلقي التحريض، بمعنى البدء بإشارة التفكير، فالذي يقوم بالتجربة يبدأ الفعل ولكن الفعل لايبدأ فوراً، بل يغطس في عالم آخر يُعالج فيه ويتفاعل قبل أن يطل برأسه في عالم الوعي ليلحق بالأمر، كما أن العكس صحيح فعندما تمس اليد لانتلقى الأثر في الدماغ الا بعد مرور أجزاء من الثانية، تتراوح بين ثلث ونصف ثانية.

هذه التجارب أثارت عاصفة فلسفية، فالانسان يبدو وفق هذا المنظور خارج الزمن تماماً، ويعلق تشارلز فورست على ذلك بقوله: (وقد يكون التأويل الممكن لهذا الاكتشاف هو أن العصبونات المسؤولة عن الادراك الواعي تتواجد في مكان آخر غير قشرة الدماغ، وقد تعكس فترة الحضانة للتنبيه القشري في تجربة واعية التشارك بين الوعي والتعقيد العصبي الفيزيولوجي).

حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram