في عام 1991م كان الغزالي رحمه الله يخطب في مكة ويعرض وساطته لإنهاء النزاع ، في الوقت الذي اجتمع في بغداد زعماء مهمون للحركات الإسلامية شدوا النصوص لطرفهم بعدم الاستعانة بكافر، ومن أنهى النزاع كانت أمريكا فأخرجت صدام من الكويت، ولم تخرجه الفتاوى ولا النصوص. وفي أي خلاف يحاول كل طرف تجنيد كل الأدلة النقلية والعقلية لطرفه، والكل متحيز متعصب، وقد يكون أقلهم تحيزا من ينتبه لنفسه أنه متحيز.
والمسلمون يحتجون بإنجيل (برنابا) ولكن لم يكن الجدل بالنصوص يوماً هاديا ودليلا للحقيقة، وفي أوربا خضعت النصوص للدراسة النقدية ولم تكن عملية مريحة بل عملية قيصرية وحروب دينية، وهو أمر يحدث في كل ثقافة تريد تجديد نفسها.
والحقيقة ماضية مهما علاها الغبار، ولم يفقد الذهب قيمته على الرغم من فكه عن الدولار منذ السبعينات، فهو الملجأ في كل خطر، وقيمة القرآن قيمة كونية مثل حقائق الوجود والشمس والقمر، فلا ينبغي الخوف عليه.
والقرآن له منطق داخلي، وبنية موضوعية خاصة به تتعالى على كل تفسير، ويتكسر عندها كل معنى نهائي، فالقرآن سحر كل من قرأه وأدخل في الإيمان به أناس لا حصر لهم، وبقوة إقناع ذاتية، وهو منبع للطاقة يكهرب إرادة الجموع.
وكتب التفسير التي وضعت حول القرآن زادت عن عشرين ألفاً، ولكن لم يزعم أحد أنه قنص الحقيقة النهائية، وما كتب حتى الآن يحتاج إلى مزيد، ويجب الإسراع بوضع تفسير جديد بتسخير العلوم الإنسانية المساعدة، فلا يمكن فتح جمجمة اليوم بأدوات فرعونية، كما لا يمكن فهم الآيات بتفسير ابن كثير، وهو ليس إنقاصا من قدر الرجل، ولو كان حاضرا لكتب لنا الجديد، والعيب فينا أن نتوقف عنده، فيجب تسخير علوم شتى مثل التاريخ والجيوبوليتيك في معنى غلبت الروم وظهور الإسلام تحديدا في هذا الوقت، أو الكوسمولوجيا في مكان عاد. والفيزياء الكونية لخلق الكون، وعلم النفس في الإيمان، وعلم الاجتماع في التغيير السياسي. أو علم البحار لكشف طوفان نوح، وأن يكتب هذا بالصوت والصورة مع أشرطة الفيديو والأقراص المدمجة، وهو مشروع اطمح أن أحققه في حياتي فأحقق قفزة نوعية. وهو المعنى الذي تحدث عنه (جيفري لانج) أستاذ الرياضيات الأمريكي، الذي كان ملحدا فشرح الله صدره للإيمان وكتب (الصراع من أجل الإيمان) ووصف القرآن بأنه عالم نفس صارم دقيق يكشف خبايا النفوس ويدفع للتغيير، وإن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم.
وهناك من يظن أن الباطل والحق لو أعطوا فرصا متساوية انتصر الباطل، وهو ظنهم بربهم الذي أرداهم. وما يبديء الباطل وما يعيد؟
ومن يحول بين انتشار الإسلام والناس هم المسلمون، كما جاء في قصة إسلام الصحفية البريطانية فوني رايدلي Yvonne Ridley التي اعتقلها الطالبان، ففي المقابلة التي أجرتها معها مجلة در شبيجل الألمانية عدد 42 2002م سألتها: لقد كنت لمدة عشرة أيام رهينة الطالبان بعد أحداث 11 سبتمبر والآن تعلنين اعتناقك للإسلام لماذا؟ قالت رايدلي: عندما كنت في أفغانستان رهينة روعت بمنظر الطالبان وقسوتهم، وصرخت في وجوههم كي يطلقوا سراحي، سأل فريق الشبيجل مجددا: "ولكن الغريب في قصتك الآن هذا الحب للإسلام؟". أجابت رايدلي بطمأنينة: " ما زلت اذكر اليوم السادس من اعتقالي عندما جاء إلي إمام من الطالبان وسألني إن كنت أريد اعتناق الإسلام؟ عندها أصبت حقاً بالرعب لأن قولي لهم لا بالرفض يعني إهانة دينهم، وإن قلت له نعم خنت ضميري، فاخترت الحل الوسط ، فقلت لهم أنني سوف أقرأ القرآن بعد إطلاق سراحي. وكان وعدا. قالت مجلة الشبيجل معقبةً: الوعد وعد. أجابت رايدلي: هذا مؤكد. تابعت رايدلي: "في البدء كان مشروع إطلاع أكاديمي، ولأنني بروتستانتية متدينة، فقد حرك مشاعري المناظر التي رأيتها في فلسطين من تطويق كنيسة مولد المسيح بواسطة القوات الإسرائيلية، ولم يتحرك رجل دين مسيحي ليقول شيئاً أو يدين الفعل. عندها شعرت بأن المسيحية فشلت. قالت لها مجلة الشبيجل: هل تعتبرين الإسلام بديلا؟ قالت رايدلي: على سبيل المثال قرأت ما يتعلق بحقوق المرأة في الطلاق فاكتشفت أنه لو أرادت هوليود إخراج فيلم بمحامي بارع لما نجحت فيما نجح فيه القرآن؟! فتعجبت في نفسي وقلت لا يمكن أن يصدق المرء أن هذه النصوص قديمة. سألت الشبيجل بخبث: وماذا عن دور المرأة؟ أجابت رايدلي: إنه شيء مختلف عما كنت أفكر به بادي ذي بدء، واليوم أعرف الكثير من النساء المسلمات اللواتي يدعمن بعضهن بعضا، بما يجعل حركات تحرير المرأة في بريطانيا ليست بذي بال. والقرآن بذاته ليس المشكلة فيه وفي نصوصه ولكن ما يفعله به البعض من التأويل المحرف. ولقد تمنيت بعد إطلاعي على القرآن والأشياء الكثيرة التي تعلمتها عن الإسلام أن أكون قد عرفتها من قبل حتى أنوِّر بها عقول الطالبان.
هذه القصة تحكي ثلاث حقائق: أن من يقف أمام انتشار الإسلام هم طوائف من المسلمين. وأن ترجمة القرآن ونشره في العالم أهم من كل عمل انتحاري ونسف سفارة وتفجير مرقص وحانة وحرق دكان أشرطة فيديو. وثالثا أن الإسلام ينتشر بقوته الذاتية فمع كل ضعف المسلمين يدخل الناس في دين الله أفواجاً.
وكذلك فعلت الصحفية (رايدلي) فقد رفضت إسلام الطالبان فلما رجعت إلى النبع الإلهي ولت إلى قومها منذرة فقالت يا قوم إني سمعت كتابا أنزل من بعد المسيح يهدي إلى صراط مستقيم يا قومي أجيبوا داعي الله.