مشروع الأحاديث الحيوية الجزء الأول

  ...........  بقلم خالص جلبي   ...........

هذا المشروع حلم عندي منذ أن اشتغلت على كتاب (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) حيث حفظت منه مئات الأحاديث، كذلك حينما عملت على صحيح البخاري. أما علم الحديث فقد استفدت من الشيخ (عبد الرزاق الحلبي) إمام جامع القطط فأخذت هذه العلم أيضا على يديه رحمه الله رحمة واسعة.  

يشابه كتابي هذا ما كتبه النووي القديم في الأربعين حديثا، وقد اشتغلنا عليه عندما كنا شبابا وحفظنا ما جاء فيه من أحاديث، والنووي بالمناسبة جاء اسمه من قرية )نوى( من منطقة حوران السورية، وحين أتذكر الأحاديث التي جاءت في كتاب النووي يقفز إلى الذاكرة عندي حديث النية، وأن لكل امريء ما نوى، وبنى الفقهاء على هذا الحديث أشياء كثيرة.

والمهم فقد مضت سنة الأولين، وجهده مشكور، ولكن لابد من وضع مشروع موازي يشبهه من جهة ويختلف عنه من وجوه، ونحن نعيش عالم الديجتال.

وأذكر أنني كتبت في هذا الموضوع فجاءني تعليق حاد جدا، ولكنني تذوقته مع حرارته مثل التوابل في الطعام، وهذه قوة غير عادية في الناقد، أن يجعل الانتقاد مادة ممتعة للكاتب فيرحب بهذا النقد، قال الغامدي إنه مشروع الأحاديث الجلبية، وأنا أقول ربما ولكنه يبقى مشروعا حيويا، وحتى لانطيل على القاريء أقول إن هناك العديد من الأحاديث الرائعة في التأسيس المعرفي، ذهلتني أثناء مشروعي في الاطلاع على الأحاديث، وقعدت يومها على كتب الأحاديث الأساسية من البخاري ومسلم، ثم أتيت بكتاب الشنقيطي بخمس مجلدات فعكفت عليه، وهو مكتوب بطريقة لطيفة على حروف الهجاء، قد أخذ كل حديث رقما متسلسلا، وكنت أحيانا أجتمع بأحاديث بلغ من جمالها أنها لم تتركني بدون أن أحفظها كما حفظت القرآن في مشروعي السابق الذي أخذ مني ثماني حجج.

لقد قام مشروع ابو شقة على نفس النسق في محاولة إعادة النظر لموضوع المرأة جملة وتفصيلا وقام باستعراض آلاف الأحاديث من الصحاح التسعة في مشروع موسوعي أخذ منه جهد عشرين عاما ليضع في النهاية كتابه تحرير المرأة في عصر الرسالة في ستة مجلدات.

سوف أحاول في مقدمة الكتاب ذكر الحديث وأهميته الحيوية في حياتنا على أمل التوسع في كل حديث.

الأحاديث السبعون

 

(1) حديث علاقة الأخلاق بالغذاء

 

(أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوباً، الإيمان يمان والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم)

(رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ متقاربة)

يمكن قراءة هذا الموضوع في مقدمة ابن خلدون عن تأثير الغذاء والهواء في أخلاق البشر. نلاحظ هنا ثمة انعكاس معين من غذاء معين على تشكيل الأخلاق؟ بالطبع هذا يشكل بوابة مهمة لكشف العلاقة بين الغذاء والأخلاق. بنفس الوقت يلقي الضوء على تحريم أكل لحم الخنزير أو الدم المسفوح. وانتبه ابن خلدون في مقدمته إلى هذه العلاقة.

 

(2) حديث الحجر الصحي في الأوبئة

 

(إذا سمعتم الطاعونَ بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها) (صحيح متفق عليه)

هذا الحديث فهمناه على شكل عملي حينما ضربت الأرض جائحة كورونا التي أخذت اسم كوفيد 19. وهي تشابه ماوقع للبشر عام 1918 واتفق الناس على أن أفضل مكافحة لها هو التباعد الاجتماعي وإلا مات الناس كالذباب وهو ماوقع في جائحة عام 1918م.

 

(3) الاجتهاد أم التقليد

 

إذا حَكَمَ الحاكِمُ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أصابَ فَلَهُ أجْرانِ، وإذا حَكَمَ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأَ فَلَهُ أجْرٌ (بخاري)

هذا الحديث بوابة رائعة للعمل العقلي فهناك أجر لمن يعمل عقله حتى لو أخطأ. فمع الخطأ اجر واحد ومع الصواب الأجر مضاعف. وهذا يحمل ضمنا أن من أصاب بدون اجتهاد فلا أجر له. كله من أجل تنشيط العقل الكسيح لاكتشاف مصادر الصحة من الخطأ. وبالطبع فهناك حديث خطير للقضاة أنهم ثلاثة اثنان في النار لمن جهل فحكم،  ولمن عرف فحكم ظلما، والثالث من عرف فحكم عدلا فهو في منجاة.

(4) مفهوم توقف الزمن مع التحول إلى كائنات نورانية

 

(أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة -عود الطيب- أزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدام، ستون ذراعًا في السماء (متفق عليه)

نحن نعرف من النسبية أننا إذا اكتسبنا سرعة الضوء يتوقف الزمن فندخل الخلود. كذلك من أية سورة آل عمران عن جنة عرضها السموات والأرض. هنا تدخل النسبية العامة على الخط فمن وقف على كتلة لانهائية يتوقف الزمن من جديد فوقها.

 

(5) مبدأ الاشتراكية في الأزمات

 

(إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني، وأنا منهم (متفق عليه)

في هذا الحديث تظهر روح المشاركة على نحو اشتراكي بل إن رسول الرحمة يقول أنا منهم وهم مني.

حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram