نهاية فرعون (1) 

  ...........  بقلم خالص جلبي   ...........

كما كان اللقاء مخزيا لفرعون بالمباراة مع السحرة، كذلك كانت نهايته مثل أي طاغية. مع هذا فعلينا الاستدراك قليلا فهناك من الطغاة من انتهوا على الخازوق مثل القذافي، أوبالشنق مثل صدام، أو ضربا بالرصاص مثل شاوسسكو، أو بالاغتيال كما في السادات، وبالمقابل قد يموت على عربة حربية كما في الأسد الوحش الأب، أو مسيرة ملايين في جنازته مثل عبد الناصر الفاشل الأعظم في تاريخ العرب. وهناك نماذج مختلفة بين بين. 

نحن نعرف أن شاوسيسكو كان في ضيافة ملالي أيرام قبل إعدامه بأربعة أيام ولما أخبروه أن أوربا الشرقية تتهاوى! قال نعم ولكن رومانيا شيء مختلف، وحين تتحول أشجار الصفصاف إلى أشجار تين يمكن أن يحدث في رومانيا ماحدث في بقية بلدان أوربا التي تتهاوي فيها العروش. والرجل كان معتمدا على مائة ألف من عناصر المخابرات (السيكوريتات) بأنفاق سرية تحت الأرض في العاصمة مجهزين بأفضل الأسلحة، وما حدث أنه أمر السيكوريتات بأن يجتمع الناس كما أمر فرعون من قبل بتعبير (وأن يشهد الناس لعلهم يتبعوا السحرة إن كانوا هم الغالبين). ومن أعجب ماحدث ورأيناه في تصوير حي مباشر أن الأطفال بدأوا يطلقون الصفير وأقبح الأصوات من الفم (السوريون يسمونها تعفيط) فانهدمت هيبته وهجمت الجماهير مثل الطوفان فما كان منه إلا أن فر بطائرة هيليكوبتر مجهزة ليوم الزلزلة ولكن تم لحاقه وإلقاء القبض عليه وزوجته إيلينا (كانت مغرمة بجمع شهادات الدكتوراة المزيفة من المعسكر الشرقي) وبمحاكمة سريعة تم قطع رأس الإفعى؟

وعلى العكس قد يموت صالحون بيد فاسدين كما في إعدام رئيس الجماعة الإسلامية في بنجلادش بأوامر امريكية لقيادة فاسدة، أو قتل مالكولكم أكس بيد أتباعه، أو حسن البنا بيد الملك فاروق أو غاندي بطلقة غادرة من هندوسي متعصب، أو مارتن لوثر كينج بطلقة السلامي في أمريكا من حاقد ومتآمر، وهذا يفتح الباب على أن الدنيا فيها ظلم وظلمات، وأن الآخرة هي دار لاظلم اليوم؛ فليطمئن المؤمنون. فتلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا  في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين.

كان الموقف مزلزلا في إيمان السحرة، وهو أمر يحتاج إلى تفكيك نفسي عن انقلاب موقف الإنسان بل تغير موقف مجموعة من المتخصصين في إرهاب الناس كما قال القرآن: فاسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم. بل حتى موسى أصابه ذلك الخوف الداخلي حين رأى العصي والحبال تتحول إلى أفاعي تقفز هنا وهناك في وجه القوم. تاملوا التعبير (فأوجس في نفسه خيفة موسى) هنا جاءته شحنة روحية: لاتخف إنك أنت الأعلى.

وفي المباراة تحدوا وقالوا ياموسى مارأيك هل تبدأ أنت أم نحن؟ كان التوجيه دعهم يجربوا حظهم فمن يضحك أخيرا يضحك كثيرا. حين ألقوا حبالهم وعصيهم نظروا إلى فرعون ضاحكين وقالوا بعزة فرعون نحن الغالبون. من الملفت للنظر أيضا أنهم قبل اللعبة أسروا النجوى وبدأوا يهمسون لبعضهم مارأيكم فيما يحدث. بالطبع بينهم عقلاء وبينهم جواسيس فرعون من يحرض ويخبر ويعطي المال؛ فحين حضورهم طلبوا المال. قال لهم فرعون المال مضمون هناك ما هو أهم النفوذ. قالوا إئنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين؟ قال نعم وإنكم لمن المقربين.

ربما تلقي هذه الفقرة الضوء أيضا على سحرة الفراعنة في كل عهد؛ فمثلا مايسمى علماء الدين، ووعاظ السلاطين، وفقهاء العصر، ومفاتي الجمهوريات، ومشايخ المحميات، هم أيضا سحرة العصر الجديد، وموظفون في معظمهم، مأجورين بالراتب والهدية والأعطية السلطانية، وحين يقف الحسونة والبوطي وكفتارو بجنب الطاغية فهم سحرة العصر الجديد الذين يتمتعون بالامتيازات والنفوذ.

كنت في حلب حين روى لي ساحر من هؤلاء، أنه يتصل بالمخابرات و(المعلم = رئيس الفرع) ويرتب ترويض خطباء المساجد أن يكونوا عناصر مباشرة وغير مباشرة لنظام الطاغية. من الغريب في سحرة فرعون الذين كانوا في الخدمة كيف انقلب السحر على الساحر، وأعلن السحرة إيمانهم على رؤوس الأشهاد، وحين هددهم فرعون بأشنع أنواع القتل؛ قالوا اقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، إنا آمنا برنا ليغفر لنا خطايانا، وما أكرهتنا عليه من السحر، والله خير وأبقى. هنا نحن أمام ظاهرة تستحق الوقوف أمامها، في انقلاب سريع ونوعي لموقف الإنسان، وأن لانزهد ولانيأس قط من انقلاب أي إنسان حين يواجه الحق أن يتحول إلى جانب الحق، وأن الإيمان أقوى من السحر وغلاب.

وحين هرب موسى ومن معه لم يتجه صوب الساحل في الطريق الأقرب والأسهل ولكن باتجاه البحيرات الشرقية وصحراء سيناء شرق فرع الدلتا الدمياط. كانت هذه البحيرات التي يتوقعها الباحثون قبل الدخول إلى سيناء. وهي أول ماعبرها موسى بقومه، ولسوف يأتي اليوم الذي تحدد فيه رحلة العبور تماما، والطريق الفعلي الذي سلكه موسى القائد الرائع إلى أرض الحرية.

وحين غرق فرعون فالجثة بقيت أياما في الماء فلا بد من أثر. وحسب (موريس بوكاي) الفرنساوي الذي أعلن إسلامه، يقول أنه درس جثة رمسيس الثاني وقاده بحثه إلى أنه هلك في الماء قبل أن يحنط.

وقرأت البحث أنا شخصيا متأملا وكتابه عندي وبحثه عن الكتب المقدسة، ولكن أظن أن البحث يحتاج إلى المزيد من التتبعات، ولكن نهاية فرعون درس لكل فراعنة العالم، ولكن يبدو أن لافائدة فكل فرعون يظن أنه مختلف عن غيره. لقد خصص رب العزة بوابة خاصة في جهنم، لهؤلاء من الزعماء المؤلهين الكذابين؛ فوصف جهنم أن لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم.

 

حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram