بمناسية مرور 400 اربعمائة سنة على ولادة فيلسوف التنوير الفرنسي (رينيه ديكارت)(RENE DESCARTES) الذي اعتمد آليات الشك لتمحيص الحقيقة، وألقى في القارة الاوربية بذور النهضة العقلية، تقدم صحفي وطبيب ألماني هو (آيكه بيس 54 عاما)(EIKE PIES 54) بتحقيق هز فيه الأوساط الاكاديمية، يزعم فيه أن الفيلسوف ديكارت لم يمت من برد السويد بالتهاب رئوي؛ بل بالحري مسموماً بجريمةٍ مدبرة، تم ترتيبها بين مبعوث الفاتيكان الذي كان يقوم بمهمة إقناع ملكة السويد بترك المذهب البروتستانتي والتحول الى الكثلكة، وبين منافسين لديكارت داخل البلاط الملكي يعملون في حقل الفيلولوجيا (PHILOLOGY)(1) .
وهي تذكر بقصة حديثة نشرتها قناة الديسكفري العلمية عن طبيب أسنان سويدي أماط اللثام عن الطريقة التي أنتهى فيها نابليون مسموما أيضا بالرزرنيخ، وعلى يد أقرب الناس إليه في جزيرة هيلانا، بعد أن نفحه خمسة ملايين فرنك، وكان الأخير قد دفع زوجته إلى أحضان الامبراطور فحبلت وولدت بطفلة أخذت اسم نابليونة!!
عرف ذلك يقينا أثناء نقل جثمان نابليون من المقبرة بعد 14 عاما فكان كما هو وكأنه دفن البارحة فظن القوم أنها معجزة للقديس نابليون، ولكن الطبيب السويدي ومن خلال بقايا خصلات شعر الجنرال عند محبيه عرف أنه مات مسموما وبالتدريج بالزرنيخ مع جرعات الخمر.
ولعل نهاية الأسكندر الذي مات شابا كانت قريبا من هذه الطريقة.
ولكن الذي مات بالسم علنا كان سقراط حين حكمت عليه ديموقراطية أثينا بتجرع سم الشوكران!!
ويقال عن تسميم أبو حنيفة والحسن بن علي والأمام العادل عمر بن عبد العزيز أنهم أنهوا حياتهم أيضا موتا بالسم غيلة..
ولد الفيلسوف ديكارت في (لاهي) وهي بلدة صغيرة في منطقة التورين (TOURAINE) بفرنسا عام 1596م (2) وفي عام 1650 م اختتمت حياته عندما أعلنت ملكة السويد (كريستينا)(CHRISTINE) نبأ وفاته بالتهاب رئوي حاد عن عمر يناهز 54 عاماً.
ترك ديكارت خلفه أثراً مزلزلاً ومازال في مفاصل العقل الانساني الجمعي؛ فديكارت يعتبر اليوم محطة عقلية لكل من يرتاد حقل الفلسفة، أو يريد التعرف على التحولات العقلية الكبرى فيها، وكل من جاء بعده ممارساً للفكر؛ لابد أن يتأثر بالطريقة التي طرحها بشكل أو بآخر، فيعتبر أهم ماكتب الفيلسوف سبينوزا من بقايا بصمات ديكارت عليه، فرسالته في (تحسين العقل) ينحو منحى ديكارت في كتاب (المقال على المنهج) كما أن رسالته الهامة الثانية عندما أراد أن يفهم الأخلاق بشكل هندسي (الأخلاق مؤيدة بالبرهان الهندسي) هي من آثار ديكارت في فهم كل شيء في الكون بشكل ميكانيكي.
والآن ما الذي أثار شبهة موت ديكارت مسموماً بالزرنيخ؟
كان مفتاح هذه القصة الخطاب الذي تبادله اثنين من الاطباء فأما الأول فهو طبيب البلاط السويدي، الدكتور (يوهان فان فوللن)(JOHANN VAN WULLEN) الذي عاصر لحظات ديكارت الأخيرة وتطور مرضه في الأيام الأولى من شهر فبراير من عام 1650 للميلاد، في استوكهولم عاصمة السويد، وأما الطبيب الثاني الذي عُنوِّن له الخطاب ولم يتسلمه قط فهو طبيب عاش في القرن السابع عشر، وهو جد بعيد للدكتور (آيكه بيس) الذي أثار الموضوع في مدينة فوبرتال (WUPPERTAL) الألمانية، وكان يومها الطبيب الخاص للأمير (يوهان موريتس فون ناساو - زيجن)(JOHANN MORITZ VON NASSAU - SIEGEN) .
هذه الوثيقة البريئة !! وقعت في يد الدكتور والصحفي (بيس) والتي كانت نائمة في أرشيف جامعة (ليدن من هولندا)(LEIDEN) كل تلك القرون؟!!
ولكن لماذا استقرت في هولندا ولم تصل ليد الدكتور (ويليم بيس)(WILLEM PIES) الجد الأعلى للدكتور (آيكه بيس) المقيم في فوبرتال ؟!!
كانت الرسالة وثيقة مريبة عن وصف حالة فيلسوف التنوير ديكارت وهو في سكرات الموت، فالدكتور السويدي الذي كان يسجل يوميات انهيار صحة الفيلسوف بأعراض لاتُخفي مظاهر التسمم بالزرنيخ، مثل البول المدمى واللعاب المسود الغزير ودوران العينين التائه، ونوعية تقطع التنفس، المشير للتسمم الحاد بالزرنيخ، كما أن ديكارت نفسه ارتعب من جو المكائد التي هرب منها طول حياته فلحقته الى السويد. وهو الذي كان يقول عاش سعيدا من بقي في الظل.
ويبدو أنه أدرك أنه وقع في المصيدة، فطلب بعض الأدوية التي تحرض عنده الاقياءات، كي يتخلص من السم اللعين، ولكن يبدو أن جرعة أخرى لحقته في اليوم الثامن من كربه فألحقته بالقبر.
الدكتور (آيكه بيس) فتح الباب الى قصةٍ مثيرة من القصص البوليسية التاريخية، فبمقارنة الخطاب المرسل من طبيب لآخر، وباستعراض مظاهر المرض التي بدات مع اليوم الثاني من شهر فبراير من عام 1650 م والتي أنهت حياة الفيلسوف ديكارت في اليوم 11 منه في الساعة الرابعة صباحاً، افترض أن جرعة السم الأولى أعطيت له مع جرعة النوم، وأما الثانية فكانت للقضاء المبرم عليه في اليوم الثامن.
ويبقى لإثبات هذه الفرضية الاجرامية التاريخية الوصول الى المتبقي من عظام الفيلسوف لفحصها عن طريق الطب الشرعي، فسم الزرنيخ يبقى في العظام فلا يزول، ويمكن التاكد منه بفحص الجمجمة مثلاً.
هوامش ومراجع:
(1) تم نشر الخبر في مقال مطول في مجلة الشبيجل الألمانية في قسمها الثقافي، وأشارت المجلة المذكورة الى طبع كتاب في هذا الصدد للدكتور (آيكه بيس) الذي وضع له عنواناً (حادثة قتل الفيلسوف ديكارت) ـ مجلة الشبيجل العدد 32 عام 1996 م ص 160 ، وتم تكرار القصة مرة أخرى في الشبيجل العدد 46 عام 2009م ص 160 وعلم الفيلولوجيا هو العلم الذي يعني بتحقيق اللغة والنصوص اللغوية، وكان ديكارت يعتبر عملهم مضيعة للوقت يومها قبل تطور وثورة علم الالسنيات الحديثة (2) قصة الحضارة ـ ويل ديورانت ـ الجزء 30 ـ ص 321