تم عقد مؤتمر مصيري في اليابان حول التعريف بالإسلام، حيث اجتمعت في صالة المؤتمرات الضخمة
في طوكيو شخصيات يابانية علمية، وسياسية مرموقة، واجتماعية ذات مناصب، ورجال أعمال ورؤساء شركات عملاقة، وبعض الوزراء، ورجال الدين الشنتي والكونفوشيوسي. جلس الكل يستمعون بإنصات بالغ إلى المحاضرات التي يلقيها الوفد الإسلامي القادم من الشرق الأوسط للتعريف بدين الإسلام.
وخلال ثلاثة أيام متلاحقة من المحاضرات المكثفة المملوءة بالحيوية والحماس، تم استعراض عدالة الإسلام، ومكانة المرأة، وفكرة الحاكمية، ونظام الشورى، والتربية الروحية، والحرية الفكرية في الإسلام.
كان اليابانيون يهزون رؤوسهم في كل مرة بالاستحسان والإعجاب، وفي نهاية المؤتمر تم توزيع كتيبات صغيرة بالتعريف بالإسلام، وشروط دخوله، وكيفية النطق بالشهادتين، وأركان الإسلام الخمسة.
كان كل شيء يمشي بهدوء لولا أن قطع جو الاستحسان سؤال تقدم به أحد المفكرين اليابانيين حول قتل المرتد؟
سيدة يابانية من المقدمة:
هل اعتبر هذا مثل المصيدة أو السجن للذي يأتي فيدخل الاسلام، مسموح له بالدخول، ممنوع عليه الخروج، إنها أشبه بالنكتة، أليس في هذا مصادرة للرأي وحرية الاعتقاد، لأن الترك أخو الاعتناق، والخروج صنو الدخول، ولكن ماذا تفعل بهذا النص القرآني الواضح، الذي أعلن هذا الرأي في وقت مبكر من التاريخ الانساني، قبل أن يعلنه فولتير بصرخته (اسحقوا العار) حينما قال: قد اختلف عنك تماماً بالرأي، ولكنني مستعد أن أموت من أجل أن أدعك تعبِّر عن آراءك، وقبل أن تتبناها الديمواقراطيات الحديثة، ولكنها ربما كفرا في نظركم، كما أنني فهمت من قرآنكم أن ما يسمى الجهاد تم تشويه فكرته، فأصبح لفتح البلاد وتدويخ العباد، وليس الدفاع عن المظلومين وحماية الانسان من أجل التعبير عن رأيه، من خلال انشاء حلف عالمي لحماية المظلومين والمضطهدين سياسياً، بحيث يهرب كل اللاجئين السياسيين الى دار الاسلام، وليس أن يأتوا الينا كما هو الحال اليوم حيث معظم الهاربين السياسيين هم من العالم الاسلامي بحكومات إسلامية وغير إسلامية. فالجهاد لم يشرع عندكم لنشر الاسلام بحال من الأحوال، ولكن من أجل منع الفتنة أي حرية العقيدة والرأي. فهذا النص (لا إكراه في الدين) والنص الآخر الذي لا يقل التماعا وروعة الذي سحرني أنا اليابانية (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) كما أن الآيات العديدة التي تذكر من آمن ثم كفر أنه لا يقتل حتى ولو دخل وخرج العديد من المرات (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) فهو حسب النص الذي تتسلح به وتحتكر الحقيقة لنفسك، لم يكن بمقدوره أن يكفر للمرة الثانية لو أزهقت روحه أنت وجماعتك بعد كفره في المرة الأولى!
رئيس الوفد (بشيء من التضايق):
هل تريد أن تعلمينني ديني، أنا الذي جئتُ ألقِنُكِ أبجدياته، القرآن يا قوم عام والحديث خاص يوضح ملابسات الكلام العام، ولذا كانت الأحاديث واضحة في قتل المرتد.
ياباني من جامعة ناغازاكي (سائلاً):
ما هذه الأحاديث المزعومة التي تهدم أصلاً عظيما في قرآنكم؟
رئيس الوفد (وابتسامة خفيفة على وجهه وشعور القوة والاطمئنان بادية على محياه):
أول دليل يفقأ العين قتال المرتدين، فكانت حادثة مروعة قتل فيها الآلاف وليس أفرادا متناثرين، فكانت بمثابة الظاهرة الاجتماعية المزلزلة، فالخلفاء الراشدين عندما رأوا الأعراب تركوا الاسلام قاتلوهم مباشرة لإدخالهم مرة أخرى بقوة السيف في الاسلام، بموجب أحاديث واضحة أنه (لا يحل دم امريء مسلم الا بثلاث: قاتل النفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة) وحديث (من بدَّل دينه فاقتلوه) وحديث (أهل عرينة الذين جاؤوا للعلاج في المدينة فلما ارتدوا وهربوا بالابل لم يكتف الرسول ص بقتلهم بل سمل عيونهم وقطع أطرافهم)، فهل تريدون أدلة ميدانية أقوى من هذا.
ياباني (متخصص في دراسة الأديان المقارنة) يعقب بشكل طويل:
مع أنني غير ضليع بعلم الحديث الذي تستشهد به، ولكنني حللت هذه الأحاديث بدراسة مستقلة واستشرت بعض المفكرين فعلمت أشياء غريبة، منها أن الحديث لا يبلغ في القوة مهما بلغ درجة أن يهدم ركنا هاما من الاسلام مثل مبدأ عدم الاكراه، فالنص القرآني هو المرجع النهائي عند الخلاف، فإذا جاء نص من الحديث يخالف النص القرآني صراحةً، بشكل يقطع الطريق على المفهوم القرآني ألغاه النص القرآني بشكلٍ آلي، فعندما تقول الآية أن مبدأ الاكراه ملغي جملة وتفصيلا، ملغي فلا يستخدم ضد أي إنسان، ويجب تحييد الجسد وعدم تعذيبه لإجباره على اعتناق مبدأ ما، أو التعلق به بالقوة، كذلك أباح القرآن على حد علمي عكسه تماما، فعند استخدام القوة يمكن للإنسان في ظروف كهذه التظاهر بالكفر مع الاحتفاظ بالإيمان سرا، ريثما تنجلي الازمة، لأن ثقة القرآن بالضمير لا حد لها، فهو يحترم العقل والإيمان والقناعة ويحميها، فهو لا يجبر في ثلاث صور: لا يجبر على الاعتناق بالقوة. لا يجبر على الترك بالقوة، كما لا يجبر على الاحتفاظ بالقوة. فهو يريد تحييد الجسد بالكامل في لعبة القناعة، فهو يراهن على أن العاقبة هي للعقل والقناعة، وليس أساليب القهر والإكراه التي تحمل فشلها سلفا وضمنا باتباعها هذا الأسلوب، لأن طريقة الإقناع غير مرتبطة بالقوة بل بالفهم والاقتناع.
وبهذه الطريقة تم إلغاء كل هذه النصوص التي اعتمدتها يا سيدي. وأريد أن أريحك أكثر ومن خلال النصوص التي استخدمتها، أن مشكلة النصوص تكمن أيضاً في التفسير والاستخدام الصحيح لها؛ فالنص الذي استخدمته (من بدَّل دينه فاقتلوه) هل تريد منا أو أفهم عليك أن المسيحي يقتل أيضاً فيما لو بدل دينه فأراد اعتناق الاسلام مثلاً؟ فنغلق الطريق الى الدخول الى الاسلام الذي نصبنا أنفسنا للدعوة له ـ أي أصبحنا أعداء له من حيث لا نشعرـ شيء رهيب أليس كذلك؟!
أي أن مبدأ (الطريق الواحد) ساري المفعول لكل الأديان، فنخرج بلاغاً أن وضع الدين يأخذ صفة الجينات الوراثية، التي لا يجب التلاعب فيها بحال من الأحوال. لا يا سيدي حتى الجينات نحاول أحيانا التداخل لتغييرها في حالات الأمراض الوراثية، أما حسب مفهومكم فكل ذو دين يجب أن يحافظ على ديانته، وكل صاحب مذهب يجب أن لا يبدله، فهي أمور خُتم عليها بالشمع الأحمر الى يوم القيامة بغير رجعة، وممنوع التفكير فيها تحت طائلة الشنق وقطع الرقبة بجريمة الردة؟!
أليس في هذا مصادرة كاملة لكل الخيار الانساني وإنشاء مجتمع أحادي التفكير، ديكتاتوري الصبغة تحت العباءة الإسلامية، منافق الصفات، خائف على نفسه، منحبس التفكير من أي حركة عقلية خوف الانزلاق باتجاه (إنكار معلومٍ من الدين بالضرورة) لا ضمانة فيه لأي إنسان أن يغير رأيه، مع أن الانسان في حالة صيرورة لا تتوقف، فهي حركة تجمد وتوقف في الزمن. ثم إن حديث أهل عرينة الذي استندت إليه راجعناه، وعرفنا أن المسألة مختلفة كلية عن الطريقة التي عرض فيها الحديث، بصورة حملت الإسقاطات والاكراهات الفكرية التي تحملونها، فهؤلاء قُتِلوا لأنهم قَتَلوا وليس لأنهم غيروا رأيهم، يا قوم الا ترون أنكم تسيئون الى دينكم ونبيكم، الى درجة أنكم أصبحتم ليس نورا لنشر الفكر، بل فرامل لإعاقة الحركة العقلية. وأن دينكم خائف وجل من نفسه فيريد المحافظة على أتباعه بأي ثمن ولو تحت التهديد بالقتل، مثل جماعات المافيات؟!
إن أهل عرينة استاقوا الإبل وقتلوا الناس وهربوا، وبعد كل هذا كان إنكار الاسلام منهم تحصيل حاصل، فكان موقف الرسول ص منطقي في معاقبة مجموعات من القتلة الخطرين، في ظل مرحلة تاريخية، وهو الذي يفعله قانوننا أحياناً تجاه المجرمين، ولكن عرضكم شوه الصورة وقلب الموضوع؛ بحيث لم تعودوا تخدموا مبادئكم بشكل منطقي وعقلاني وإنساني متفتح، فأصبحتم أعداء مبادئكم من حيث لا تشعرون.
وأما حديث قتل (التارك لدينه المفارق للجماعة) فهو واضح أنه انقلب على الجماعة وتآمر عليها وساعد أعداءها وهو ما فعله المرتدون أيضاً بإعلان العصيان المسلح، وهو يقودنا الى ظاهرة المرتدين ومعالجتها في صدر الاسلام، وهي مرة أخرى تشعرنا أنكم تقرأون تراثكم بعيون الموتى.
دعني يا سيدي أضرب لك مثلا معاصرا في هذا الموضوع؛ لأقرب لك حيثيات البحث: لنفترض أن الدولة طالبت أهل مدينة ما بدفع الضرائب فامتنع أهلها عن ذلك، بل قتلوا الشرطة التي جاءت لتحصيلها، وأعلنوا ثورةً مسلحة ضد الدولة، يعلنون فيها عدم استعدادهم لدفع الضرائب، ماذا تفعل الدولة في موقف كهذا حيالهم؟
تأمل تعليل أبي بكر الصديق (ر) لمقاتلة المرتدين، حينما أصر على (عقال بعير) أي تحصيل الضرائب منهم، فهو لم يقاتلهم بسبب تغيير آرائهم أو تركهم للإسلام، بل بسبب مهاجمة المدينة، وقطع الطريق، ونهب القوافل، واستباحة الحرمات، وقتل العباد، والإفساد في الأرض