تم عقد مؤتمر مصيري في اليابان حول التعريف بالإسلام، حيث اجتمعت في صالة المؤتمرات الضخمة في طوكيو شخصيات يابانية علمية، وسياسية مرموقة، واجتماعية ذات مناصب، ورجال أعمال ورؤساء شركات عملاقة، وبعض الوزراء، ورجال الدين الشنتي والكونفوشيوسي. جلس الكل يستمعون بإنصات بالغ إلى المحاضرات التي يلقيها الوفد الإسلامي القادم من الشرق الأوسط للتعريف بدين الإسلام .
وخلال ثلاثة أيام متلاحقة من المحاضرات المكثفة المملوءة بالحيوية والحماس، تم استعراض عدالة الإسلام، ومكانة المرأة، وفكرة الحاكمية، ونظام الشورى، والتربية الروحية، والحرية الفكرية في الإسلام.
كان اليابانيون يهزون رؤوسهم في كل مرة بالاستحسان والإعجاب، وفي نهاية المؤتمر تم توزيع كتيبات صغيرة بالتعريف بالإسلام، وشروط دخوله، وكيفية النطق بالشهادتين، وأركان الإسلام الخمسة.
كان كل شيء يمشي بهدوء لولا أن قطع جو الاستحسان سؤال تقدم به أحد المفكرين اليابانيين حول قتل المرتد؟
هنا وصل الحوار إلى قتال المرتدين على يد أبي بكر ثم علي مع الخوارج
فعلي (كرم الله وجهه) حينما قاتل الخوارج لم يقاتلهم لأنهم غيَّروا رأيهم وبدَّلوا دينهم، بل وضح رأيه فيهم عندما سُئِل عنهم: أكفارٌ هم؟ أجاب: من الكفر فروا.
قالوا سائلين: يا أمير المؤمنين: أو منافقون هم؟
قال: المنافقون لا يذكرون الله الا قليلا، وأولئك يذكرون الله كثيرا.
كرروا سائلين: فما تقول فيهم إذاً؟
أجاب في قولته الشهيرة التي تعتبر من درر الحكم، وقواعد التعامل الانساني في قانونٍ مزلزلٍ في العلاقات:
ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه.
ففي هذه الجملة حدد مجموعتي الانحراف في المجتمع الاسلامي: الأولى هي البيت الأموي الذين تاجروا مع الشيطان ففازوا بالباطل، أما مجموعة الانحراف الثانية فعنى بها الخوارج.
أما الكارثة الأموية فحدثت بفعل هشاشة المجتمع الاسلامي، وحنكتهم القيادية السابقة في التآمر ضد الاسلام بدءً من تخطيط معركة أحد والخندق وانتهاء بالتآمر الدولي الى بلاط النجاشي، وضعف الجهاز المناعي في المجتمع الاسلامي الوليد، الذي كان في بداية تشكله التاريخي؛ فأصيب بهذا المرض العصبي الأموي الرهيب الذي قاد لالتهاب الدماغ والسحايا للرأس الاسلامي، أسلمه بعدها الى عطالة عقلية وشلل حركي، كما يحدث في كل الأمراض التي تقود الى تدمير الجهاز العصبي المركزي، وحرق كمبيوتر الدماغ، يضاف الى هذا غلطة عمر (ر) في توليته معاوية فترة طويلة حكم الشام التي دامت حوالي عشرين سنة، فاستطاع تكوين جيش بيزنطي جديد، يلبس عباءات إسلامية جاهزة لضرب الكعبة، وذبح آل البيت، واستباحة المدينة، وصعود شخصيات جزاَّرين من طراز الحجاج الذي صفى معظم القيادات الفكرية في المجتمع الاسلامي.
أما مجموعة الانحراف الثانية الخوارج فكانوا بدو بسطاء صريحين لا يعرفون التواءات النفاق السياسي.
كانوا طلاب حق ولكنهم أخطأوا الوصول إليه .
كان الخوارج مخلصين ينقصهم الوعي، وكان الفريق الأموي خبيثاً ذكيا، واعياً ينقصه الإخلاص، يبحث عن مصالحه ولو على حساب إجهاض التجربة الإسلامية كلها، الى درجة أن تلك التجربة التاريخية العظيمة انتهت قبل أن تبدأ، في أقل من أربعة عقود، في جيلٍ واحد، ليتشكل مكان الدولة الراشدية دولة بيزنطية، لا تختلف عن بيزنطة في شيء، سوى أن الأمويين أدوها بسذاجة أعرابي جاء متأخراً عن درس التاريخ بسبعة آلاف سنة، يتلمس طريقه في الظلمات، بين أطلال حضارة قديمة مليئة بالأفخاخ والألغام.
كانت سياسة الأمام علي (ر) مع الخوارج واضحة (دعوهم ما لم يسفكوا دماً حراما) فهو قاتلهم ليس من أجل آرائهم غيَّروها أم بدَّلوها، مع كل اعتقاده أنهم الذين وصفهم الحديث، بأن أحدكم يحقر صلاته بجانب صلاتكم، وصيامه بجانب صيامكم، ولكنهم مع كل شدة العبادة هذه يمرقون من الدين، كما يمرق السهم إذا دخل الصيد فخرج منه بدون أثر (كما يمرق السهم من الرمية)؛ فمع اقتناع علي الكامل بأنهم مرقوا وخرجوا من الدين، لم يحاربهم من أجل أفكارهم، بل حاربهم من أجل رفع السلاح وفرض الرأي على الناس بالقوة المسلحة، وهذا الذي فعله أبو بكر الصديق في قتاله مع المرتدين ..
وأريد أن أضيف شيئاً آخر عن فعل رسول الله (ص) أنه لم يُنقل عنه أنه قتل مرتدا لأنه غيَّر رأيه فقط، كما لم يرسل أحداً يغتال الآخرين لمجرد آرائهم تبديلا وتحريفا، بل كان يقاتل من رَفع السيف على الناس لفرض الرأي بالقوة المسلحة، وتآمر وظاهر على الإجرام ..
لا أدري يا سيدي هذا بعضاً مما شُرح لي فماذا تقول ؟؟
الرأي ما سمعت.
من يرتد يستتاب فإن أصر على الكفر يُقتل، فهذا حكم الله وشرعه العادل.
ياباني (مختص في دراسة تاريخ الشرق الأوسط القديم):
قبل أن نختتم الجلسة هناك فكرتان ملحقتان بهذه الفكرة الخطيرة:
ـ الأولى إن هذا السلاح في غاية الخطورة، يمكن تسخيره تحت دعوى الردة، كما حصل من اطلاعي على التاريخ الاسلامي، فالحلاج قُتل أيام الخليفة العباسي المقتدر، والسهروردي زمن صلاح الدين الأيوبي، بفتوى أمسكوه فيها بكلمةٍ تفوهها.
كان الحلاج يصرخ في القاضي ومن معه في لجنة التحقيق: الله .. الله .. في دمي فقتلوه تقطيعا ً، فهذا السلاح (السياسي) يمكن استخدامه ضد أي إنسان معارض سياسياً، بدعوى أنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة، ولو راجعنا فتوى محمود طه السوداني، الذي أعدم أيام النميري بهذه الفتوى، لرأيناها من هذا القبيل، في التصفية السياسية المجردة ، فهذا الاتجاه الخطير الذي تشكل منذ الأيام الأولى لتشكل العالم الاسلامي العقلي والسياسي، مرض أموي لتصفية المعارضة وإجهاضها، وتصفية العقول المفكرة، وتراثهم، وضرب كل تجمع عقلاني كيفما وأينما وجد، ومحاولة تأسيس ثقافة أموية مازالت آثارها شغَّالة في الثقافة الشعبية حتى اليوم حتى في كلمات أهازيج العيد والسباب (سرسري .. بابا حسن) فبابا حسن هو الإمام علي كرم الله وجهه.
المشكلة أن عظام معاوية تحولت الى تراب منذ أمد بعيد، ولكن الثقافة الأموية مازالت حية نشيطة في تسميم الثقافة وعطالتها حتى اليوم، وفي هذا يجب أن نعترف لمعاوية بالدهاء التاريخي، يتحول أمامه ريشيليو وبسمارك الى تلاميذ بلهاء، ويتعلم على يديه مترنيخ وميكافيللي معاً.
ألا ترى يا هذا أنه سلاح سياسي خطير، وهو سلاح سياسي بالأصل؛ من أجل أن يتخلص الحاكم من المعارضة ولكن بفتوى شرعية.
2 ـ والفكرة الثانية : هي بث الرعب في مفاصل التفكير، أي ممارسة الإرهاب الفكري؛ فطالما كانت مثل هذه الأسلحة (الاستراتيجية) متوفرة فلا يمكن للإنسان أن يدلي بآرائه بصراحة في أي مجلس، بما فيها نقل وقائع هذا المؤتمر الى الرأي الشعبي الاسلامي، أي أن فكرةً من هذا النوع تلقي ظلالاً رهيبة للحجر الفكري، لأن أي بادرة فكرية قد تقود صاحبها الى الهرطقة، فيجب أن يحسب حساب أي فكرة تراوده، هل ستقوده الى قطع الرقبة وتكلفه حياته أم لا، أي أن الاسلام الذي جاء بالأصل لإطلاق الحرية انتهى عمله قبل أن يبدأه ؟!.
رئيس الوفد الاسلامي ( بعصبية ) :
لا جديد عندي أقوله ..
في نهاية المؤتمر ..
( يجتمع اليابانيون ليتداولوا الموقف وإمكانية اعتناقه على هذه الصورة): يقول سوموتا: إنه مبدأ خطير ليس علينا فقط بل على الجنس البشري ففي رأيي أن هذا المبدأ لا يُعتنق بحال ما لم تعدل هذه الفقرة ونظيراتها بشكل جوهري.
الثاني يعلق وهو رئيس قسم الأبحاث النووية في جامعة ناغازاكي: إنني أوافق على ما قاله الزميل سوموتا وأرى هذا الوفد القادم من الشرق الأوسط في غاية الخطورة على المعمورة؛ فيجب أن نحملهم وأمثالهم في صواريخ نووية الى كوكب آخر فهم يشكلون تهديداً جدياً للجنس البشري.
ويتقدم رئيس شركة تويوتا لصناعة السيارات فيقول: حقاً إنه مبدأ عجيب، تصوروا أنهم يريدون منا أن نصنع سياراتنا بدون إمكانية عودة للخلف (أنارييه) باتجاه واحد فقط، فإذا دخلت السيارة الكاراج لم تخرج منه قط!! إنها كارثة بحق على الصناعة اليابانية والعقلية اليابانية المبدعة، وسوف نفقد كل منافسة في الأسواق العالمية التي نعيش عليها، إنهم سيقودوننا الى كارثة عقلية واقتصادية مزدوجة.
ويعقب وزير المواصلات الذي كان متحمساً لاعتناق الاسلام في أول الجلسة: إنهم قوم عجيبون حقاً، يريدون منا بناء كل طرقنا السريعة الأنيقة باتجاه واحد بدون عودة فيه؟!
وبعد مداولات ومناقشات يتفق اليابانيون على تسفير هذا الوفد الخطير على متن أقرب طائرة وبدون أي توقف نهائياً، في أي محطة؛ لا في اليابان ولا في غيرها، الى بؤرتهم من حيث خرجوا منها، الى الشرق الأوسط بدون عودة ودعوة للمستقبل.