محاولات فهم الإنسان تعددت منذ أيام أبو قراط قبل الميلاد في القرن الخامس، وحاولت الفلسفة الدخول على الخط، وجربت علوم النفس الدخول إلى هذا المجهول مما دفع الكسيس كاريل في كتابه الإنسان ذلك المجهول أن يصف المحاولات وكأننا نتنقل في غابة لاتكف أشجارها من تغيير إشكالها مواقعها باستمرار. قال الرجل نحن نحاول أن نفكك الظاهرة إلى وحدات ولكن الظاهرة لاتعمل هكذا. في يوم ثلج نرى الثلج ولكن هناك خليط لانهائي من الرطوبة ودرجة الحرارة والضغط وحركة الكوكب والجاذبية والسرعات ... الخ.
ومن هذه المحاولات التي راجت ثم بارت كان علم (الفرينولوجيا) ومن روجها كان طبيب يشهد له بالعلم. تصور الرجل أننا إذا وضعنا كفنا على جمجمة مخلوق عرفناه ووضع تقسيمات عجيبة يمكن الرجوع إليها وقراءتها. ولكن النتيجة أنه ضل طريقه وما هدى.
وهكذا كانت الاثارة العلمية التي أثارها مجموعة من العلماء في القرن التاسع عشر عن زعم فهم الانسان بمجرد تأمل وقياس القحف أخذت اسم الفرينولوجيا. كذلك فإن علماء (بيولوجيا الجزيئات) يعلوهم هذا الشعور اليوم، ولكن الأيام تعلمنا كل يوم، أن كل النظريات التي تريد تطويق فهم الانسان تتهاوى تحت قدميه.
تجربة القيصر فردريك الثاني في الامساك بالروح:
بل إن محاولة فهم الكيان المعنوي عند الانسان قديمة قدم الانسان مما ينقل لنا التاريخ بعض القصص المثيرة عن الملك فريدريك الثاني الذي أغلق الحجرة تماماً على محكوم عليهم بالاعدام، ثم حاول بعد موت الضحية، أن يفتح بحذر وبطء كوةً في الجدار، ليرى ماذا يتسرب منها؟ هل ثمة آخر خاص غير البدن الذي عانق الموت.
تجربة عالم النفس مكدوجل بوزن الروح:
بل إن عالم النفس الأمريكي (دانكان مكدوجل)(DUNCAN MacDOUGALL) قام بتجربةٍ مثيرة أكثر، عندما راقب المحتضرين في سكرات الموت، فقام بحملهم الى موازين في غاية الدقة، تفرق بين الغرامات، فوصل الى نتيجة مفادها: أن الموتى الذين يودعون الى العالم الآخر، يخسرون من وزنهم في المتوسط بين 10 ـ 42 غراماً، دلالةً على أن شيئاً ما ولو بهذا القدر البسيط يودع الجسم؛ فإذا علمنا علاقة الطاقة بالمادة من خلال معادلة آينشتاين، التي تقول بأن المادة والطاقة هما وجهان لحقيقة واحدة، وكانت الروح ثمة طاقة ما فإن الطاقة المتسربة رهيبة للغاية، لأن الطاقة هي تحول المادة مضروبة في سرعة الضوء المضاعفة، أي قوة تسعين مليار. هذا إذا صدقت هذه المزاعم وصمدت للحقيقة، لأن مكدوجل أردف بأن وزن الكلاب لم يتغير في تجاربه، قبل وبعد الموت، ومزاعم مكدوجل حتى الآن لم تكذب تماماً (3) .
ملاحظات طريفة حول عمل الوعي:
ومن النقاط التي أثيرت في المؤتمر هي آليات عمل الوعي وكيفية عمله؟ فلقد تم رصد مجموعة من الملاحظات الملفتة للنظر:
1 ـ لقد لوحظ أولاً: أن إمكانية الاستيعاب في الوعي محدودة، فبإمكان الوعي أن يلتقط سبعة وحدات من المعلومات في الوقت الواحد لا تزيد.
2 ـ ثانياً: يعمل الوعي ببطء شديد إذا قورن مع أجهزة الكمبيوتر، فلا يستطيع التمييز بين أكثر من أربعين حدثاً في الثانية الواحدة. في حين أن أجهزة الكمبيوتر العادية تعمل بطاقة تزيد عن هذا بملايين المرات في كمية المعلومات؛ فالوعي مقارنة بالكمبيوتر يبدو جهازاً سخيفاً !! ولكن هل هو كذلك؟
3 ـ ثالثاً: مع كل تركيز الوعي فإن الدماغ لايشتغل بكل طاقته، بل يستخدم في المتوسط فقط واحد بالمائة من خلاياه العصبية. لماذا ياترى؟!
رابعاً: يعمل الوعي ببلادة وتراخي ملفت للنظر، فهو يعرج خلف الزمن لاهثاً متصبباً عرقاً بدون قدرة اللحاق به. إنه خلف الزمن دوماً بحوالي ثلث الثانية. وهذا يدخلنا الى أبحاث عالم النفس الأمريكي (برايان تريسي) الذي لفت النظر الى كيفية عمل العقل الانساني في كتابه (أسس علم نفس النجاح)(4)
نظرية (براين تريسي) في كيفية عمل الدماغ:
يرى عالم النفس الأمريكي أن أفضل مايكون عمل العقل عندما يكون مرتخياً؛ فالمسمار حتى تدخله الحائط يجب أن تضربه بالمطرقة بقوة وتوجيه؛ حتى تقتحم بالمسمار صلابة الحائط. في حين أن الدماغ لايعمل بنفس الطريقة؛ فعند الانفعال يهتز عمله، وخير الاوساط لعمل الدماغ الانساني هي أن يعمل بهدوء وحب.
قشرة الدماغ تسيطر على العمليات العقلية وتأخذ الوقود من الدماغ السفلي والمتوسط.
الدماغ السفلي هو دماغ التماسيح الرهيبة ، لتأدية الأعمال التي تشبه في قساوتها سماكة جلد التماسيح. والدماغ المتوسط مركز الزلازل والبراكين العاطفية، وهي مثل طاقة البخار فيمكن إدخالها في مرجل العقل كي تؤدي دورها على خير وجه . ولكن تسرب الطاقة من مفاصل ماكينة التفكير البارد التحليلي العقلاني يقود الى الانفجارات المروعة وتأرجح عمل الماكينة العقلية إذا صح التعبير.
يضطرب الانسان عندما ينفعل؛ فترتجف أصابعه، ويجف عرقه ينحبس بوله، ويرتفع الضغط عنده، يصاب بالامساك وتجف عصارة المعدة وتبدأ بالتقرح، ويصب الادرنالين في الدم مدرارا .
كل هذا يتولد في جو الانفعال، والاهم من هذا هو اضطراب التفكير المتوازن، وهذا هو قسم من تفسير المنازعات الانسانية، لأن مشاعر الخنازير والتماسيح وصراع الغابة يَمسح ودفعة واحدة؛ كل قشرة الدماغ وتطورها الذي استغرق ملايين السنين ، لنرتد وننهار دفعةً واحدةً من الانسانية ؛ الى قعر خندق الحيوانية البئيس .
لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين.
يجب أن نضع أمام مكتبنا هذه الحكمة دوماً: ( يجب ضبط النفس في انفجار بركان الغضب، وعند اشتعال نار الانفعال، في كسرة الحزن، وانهيار الخوف، وعند اشتداد ضباب الشهوة) .