سيكون أول أقدام إنسان تطأ أرض المريخ هو يوم الأحد الموافق الثاني من آوجست من عام 2048مً! ولكن من يزعم ويقرر هذا؟
هذا مايقوله العالم الألماني اولريش والتر 62 عاما (Ulrich Walter) في كتابه الذي صدر بعنوان (في الثقب الأسود =Loch ist der Teufel los Im schwarzen) (دار النشر كومبليت ميديا = Komplett - Mediaفي قطع من 272 صفحة بثمن 18 يورو)
والرجل حجة في علم الفلك، ويرأس معهد تقنية رحلات الفضاء في جامعة ميونيخ، كما كان في الفضاء لمدة عشرة أيام في رحلة كولومبيا عام 1993م، وهناك في أجواء الرحلة خرج برؤى جميلة عن استعمار المجرة، كما فعل رجال البولينيز في استعمار جزر المحيط جيلا بعد جيل، وهو ماحرك المخيلة عند المؤرخ توينبي في فهمه لسير الحضارات ولغز التماثيل في جزيرة الفصح (ايسترن Estern Island).
وهذه لها قصة عجيبة فقد عثر على هياكل وأصنام في جزر غير مأهولة في عرض المحيط أطلقوا عليها جزر عيد الفصح وبقوا يتساءلون من جاء وكيف عاش وقعد حتى نحت هذه الأشكال الجميلة؟ متى ومن وكيف؟ ليس عندنا جواب حولها ولا عند المؤرخ توينبي ولكن الشيء الأكيد أن ثمة مجموعات بشرية استقرت في هذه الجزر دهرا حتى نحتت هذه التماثيل! ويمكن بتفقد الجوجول الاطلاع عليها كي نصاب بالعجب منها وهي ليست الوحيدة على وجه الأرض ومثلا فحضارة الازتيك تركت أهرامات ولم يبق منهم أوثقافتهم شيء ويحاول الاركيولوجيون فك طلاسم كتبهم.
وبالمناسبة كانت الحالة نفسها مع الكتابة الهيروغليفية ورسوماتها حتى فكها شامبليون ولكن بجهد زاد عن 14 سنة. كذلك كانت الحالة مع الكتابة المسمارية حين عثر على مكتبة كاملة تضم عشرين ألف روح محفور بطريقة وكأنهاعمل المسامير في الطين ولكننا اليوم نقرأ منها ملحمة جلجميش عن الفناء والخلود.
والفلكي (فالتر) يذكر هذا في معرض أنباء الكارثة التي حلت بالمكوك الفضائي الذي حمل اسم العالم الإيطالي شياباريللي (Schiaparelli) ـ صاحب نظرية أقنية المريخ التي روج لها يوما في القرن 19 (1877) وتبين أنها لاتزيد عن خيالات، حيث حام حول المريخ، وفي رحلة هبوطه على ظهر الكوكب تعطلت فرامل صواريخ الدفع المضاد؛ فهوى مثل حجر على ظهر المريخ في أكتوبر الفائت.
ويعزي ماحدث إلى خطأ في البرمجة، ولكنه أمر لن يثني أو يحجم وكالة الفضاء الأوربية (ESA) عن إرسال متجول (ROVER) كان من المفروض أن يطلق عام 2020م ليتحرى آثار الحياة على ظهر كوكب الحرب الأحمر الغاضب؟ هذه المرة لن ينزل من علو ثلاث 3 كم كما كان الحال مع المكوك (شياباريللي) بل من علو شاهق يمكن التحكم فيه على نحو أفضل بفرامل التحكم (صواريخ دفع مضاد كما أشرنا).
ومن الجدير بالذكر أن الأمريكيين يخططون لإرسال أول إنسان إلى المريخ عام 2030 م، ويعلق الفلكي الألماني (والتر) أنه متأكد أن البعثة لن تتم، وهو يحدد أفضل وقت للقاء المريخ، حيث يكون أقرب مايمكن من الأرض تختصر فيه المسافة والطاقة والزمن إلى النصف؛ فيصل رائد الفضاء في رحلة الملكوت عبر 375 مليون كم خلال 114 يوما بدل ستة أشهر، وهو للصحة والمزاج أفضل مايمكن والرواد يسبحون في الليل البهيم، وسيكون هبوطهم هو الزمن الذي أشرنا إليه في مطلع المقالة، الثاني من آوجست الساخن بعد 36 سنة. وينبه الفضائي الألماني أن هذا الاقتراب بين الأرض والمريخ يحدث كل 15 عام، ومنه فيجب أن تنطلق الرحلة تماما في 11 أبريل من عام 2048م؟
وهناك عنصر هام أيضا في الرحلة وقاية للرواد من حيث تعرضهم لنار الأشعة الكونية مما قد تفجر في أجسادهم أوراما غير حميدة، ويقترح في هذا أن يكون الرواد متقدمين في العمر، لذا يضحك صاحبنا، وقد دخل في عمر الستين، أن سنه سيكون مناسبا لتلك الرحلة وقد ذرف على التسعين فلا خوف من سرطانات في الجلد أو الحلق؟
لن تكون الرحلة سهلة لا في البدء ولا في النهاية، ولا في الوسط؛ فعليهم بعد الوصول الاستقرار سنة ونصف هناك، قبل أن يشدوا عصا الترحال في رحلة العودة للأرض، وعليهم أن يتزودوا من الكوكب الأحمر من الأكسجين والطاقة مايمكنهم من الانكفاء للأرض مجددا؛ فليس من سبيل لحمل ماثقل في رحلة الانطلاق، أما في ملامسة مناخ الأرض وهم يطيرون بسرعة (51000) واحد وخمسين ألف كم في الساعة؛ فأمامهم عقبة ليست بالسهلة، سوف تطيح بهم ارتدادا إلى القمر أياما آمنين قبل أن يدخلوا مناخ الأرض الأم معتنقين تائبين عائدين.
أما عن إحياء هذا الكوكب الميت الأحمر فأمام الجنس البشري مراحل تعد بمئات السنين في حساباتنا الأرضية، من ضخ الأوكسجين من خلال استنبات أعشاب ونباتات، تمنح كوكب الحرب هدوء بنفحة من غاز الأوكسجين، قبل الانتقال لمرحلة العيش الهنيء فيه، وهي ضرورة أمام حماقات البشر التي لاتنتهي، وهم يدمرون الكوكب مناخا وبالسلاح الذي ـ لو استخدم ـ لن يبق ولن يذر لواحة للبشر.
اقرأ المزيد
منذ أيام مسيلمة وسجاح راج سوق المشعوذين والمنجمين بل وفي كل عام يخرج علينا أناس يزعمون أنهم يقرأون المستقبل. بل مما علمت أن كل رئيس دولة معه منجم يشير عليه! ومما نقل عن الاسكندر إنه حين اراد اجتياح الشرق مر على مصر وكان ثمة كرة خيطان عليه أن يفكها فما كان منه إلا ان ضربها بالسيف فانفلقت ! فزع كهنة آمون وكان جوابه هذا هو الحل كما قال شاعرنا السيف أصدق انباء من الكتب. وما زال التاريخ الإنساني يمشي ببطء نحو العقلانية. وحاليا لولا وجود سلاح الفناء الكامل لدخلنا حربا كونية. مع ذلك فالجنس البشري مهدد بحماقات من نوع ترامب وبوطين.
نحن الآن ندخل عام 2021 ميلادية وسيكون رائعا لو أمكن قراءة المستقبل، وهو ما دأب المفكرون منذ القدم على محاولة سبر غور المستقبل؛ ففي القرن الثالث عشر للميلاد تصور الراهب الدومينيكاني (روجر بيكون ROGER BACON ) ( 1216 ـ 1292 م) من مؤسسي المدرسة السكولاستيكية، تخيل الناس وهي تركب عربات حديدة مبردة مقفلة تقطع المسافات على شوارع، تشنف الآذان بصدح فرقة موسيقية طول الرحلة، وهو واقع السيارات اليوم، كما تصور ذلك على قضبان حديدية، وهي القطارات التي وصلت الى مستوى الطيران فوق وسادات مغناطيسية بارتفاع عدة سنتمترات بسرعة 500 كم \ ساعة.
وفي القرن الخامس عشر دشن عبقري النهضة الإيطالية (ليوناردو دافنشي LEONARDO DA VINCI)(1452 ـ 1519 م) حزمة من الاختراعات العجيبة؛ من التلفون وغازات القتال السامة والتوربينات، وتصور (الباراشوت) على صورة هرم مقلوب مفرغ يتدلى منه انسان بحبل؟
وفي القرن السادس عشر قام الفلكي يوهان كبلر (JOHANNES KEPLER)(1571 ـ 1630 م) بوضع تصاميم النزول على سطح القمر، وهو مشروع أبوللو الأمريكي لاحقاً.
وفي القرن السابع عشر قام جون ويلكينس (JOHN WILKINS) بوضع تصميم الحاكي (الجرامافون GRAMMOPHON).
وبدأت موجة الخيالات العلمية (SCIENCE FICTION) تظهر على السطح بشكل مكثف منذ بداية الثورة الصناعية، لتبلغ ذروتها مع الرسو على سطح القمر.
وفي عام 1840 م وصف الشاعر الأمريكي (ايدجار آلان EDGAR ALLAN ) لأول مرة فكرة (السايبورج CYBORG) شبه الكلي؛ على هيئة بشر بأعضاء صناعية، على غرار فيلم (يد من حديد HAND OF STEEL ).
وبعده بخمس سنوات عام 1845 نشر الكاتب الفرنسي (ايميل سوفيستر EMILE SOUVESTRE) نظرة مستقبلية بعنوان العالم كيف سيكون (LE MONDE TEL QU, IL SERA) وتجري أحداث القصة عام 3000 م.
وحسب نظرة الفرنسي (سوفيستر) سيكون هناك (اوتوبيا) عالم مثالي بمصانع كاملة ذاتية الآلية، ومدن بشوارع تحت الأرض (تنشيء الآن في اليابان أو فكرة أنفاق المترو عامة) ومناخ ينظم باليد (قريب منه اليوم مكيفات البيوت) وأهم من ذلك تنبؤه بمناخ اجتماعي، منظم بصرامة، تتحكم فيه تربية جماعية، مما يحوله الى مجتمع حديدي بارد، في صلابة الحديد وبرودته، وتبخر العواطف الانسانية والعلاقات الحميمة.
وفي نهاية القرن التاسع عشر بدا عصر الازدهار لتخيلات المستقبل بكثافة أشد
ولعل أهمهم الكاتب الفرنسي جول فيرن (JULES VERN) في روايات متعددة له مثل الرحلة الى مركز الأرض، وعشرين ألف فرسخ تحت الماء، الذي مثله السينمائي الأمريكي (كيرك دوغلاس) في فيلم أخَّاذ، وطبعت الملايين من نسخ الروايات وبعدة لغات، ورواياته رائجة حتى اليوم. وفي بريطانيا وحدها ظهر قرابة 55 كتاباً عن الرحلات الى الكواكب بين عامي 1889 ـ 1915 م. وكتب المؤرخ البريطاني (هربرت جورج ويلز H . G . WELLS) كتابه المشهور حول حرب العوالم وآلة الزمان.
ولكن بدأت صورة العالم المستقبلي الخلاَّب في الانكماش يجللها الفزع، عندما كتب ويلز قصته (العالم يعيش حراً THE WORLD SET FREE) عام 1914 م يصف فيها النتائج المروعة لتفجير القنبلة الذرية، ولم يخب ظنه فقبل موته اكتحلت عيناه برؤية ماوصفه بقلمه من آثار تفجير السلاح النووي فوق رؤوس اليابانيين ؛ فكان أكثر المتنبئن صدقاً ولكن في الاتجاه السلبي القاتم .
ثم ظهرت روايتان الأولى : لجورج أوريل (GEORGE ORWELLS)(عام 1984 م) التي يصف فيها نظام توتاليتاري مرعب يمسك برقبة العالم، مسلح بكل التقنيات الحديثة، الى درجة التحكم في عواطف الحب بين الأنثى والذكر، مثله فيلم قصة المزرعة (THE FARM). والثانية: رواية (الدوس هكسلي ALDOUS HUXLEYS) عن العالم الجديد الجميل، وفيه أشارة الى فكرة الاستنساخ التي نجحت في عام 1996 م وتم عرضها على الرأي العام العالمي للمرة الأولى في فبراير عام 1997 م على يد ايان ويلموت الاسكتلندي، قبل أن تقتل من نفس الفريق العلمي للآثار غير المشجعة.
هاتان الروايتان فجرتا المخاوف الانسانية في القرن العشرين لإمكانيات حدوث تحولات مريعة في المجتمع تبرر تشاؤمية الفيلسوف الدنماركي ( كيركجارد ) التي أطلقها قبل أكثر من 150 سنة بأن كل تقدم علمي سيوجه سلباً الى صدورنا لاحقاً ، في انهيار كوني لافكاك منه ولاخلاص. وهو ماحاوله الفيلسوف الألماني المحدث (يورغن هابرماز JUERGEN HABERMAS) من مدرسة فرانكفورت ، شق الطريق فيه الى عالم مابعد الحداثة ، في محاولة إنقاذ مايمكن إنقاذه من العقلانية الغربية.
اقرأ المزيد
ومع أن القرآن يذكر كلمة (الشهادة) ومرادفاتها 82 مرة (شهيد 36 مرة) و(الشهداء 20 مرة) و(الشهادة 26 مرة) ولكنه لم يذكرها مرة واحدة بصدد القتل والموت، بل بمعنى مختلف هو الحضور الواعي (أو ألقى السمع وهو شهيد) (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض) (والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود) (والله على كل شيء شهيد)(أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت)(عالم الغيب والشهادة) (ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين) أو بمعنى الإقرار والاعتراف (قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا) أو الجمع بين الأمرين (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين).
وبهذا تكون (الشهادة) ليس ما يعنيها الناس من الموت في سبيل الله حصرا، بل على نحو أدق التمثيل المميز (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).
ومنه جاء كلمة (الشاهد) في المحكمة لأنه إنسان عاين الواقعة بدقة، بأذن واعية وألقى السمع وهو شهيد، فهو يدلي (بشهادته) أي يفيد بما حدث صدقا وعدلا. و(الشهادة) بذلك أي الدخول في الإسلام والنطق بالشهادتين هي الاعتراف والإقرار بصدق ووعي (أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)، ولكن السياسيين يطلون أصنامهم بدهانات إسلامية فيخطئون مرتين: أولاً بنسبة ما ليس للألفاظ منها، وثانياً بالخطأ فيما يريد القرآن من هذا اللفظ فيوظفونه في القتل والإجرام؟
وهذا الكلام يفيدنا في أن نرجع فنحرِّر المعاني كما يقول (ابن خلدون) ثم نكسي المعاني ثوب الألفاظ.
ونحن في العالم العربي مغرمون بالألفاظ فيخسر الواقع حقيقة، ويكسب القاموس لفظة، كما يقول (النيهوم)، فنسمي الشهيد من يقتل في سبيل قضية وبدون قضية؟ والشهادة بمعنى الحضور الواعي للعالم والإدلاء بالرأي شيء لا علاقة له بالإرهاب والقتل والجريمة.
ستكتب شهادتهم ويسألون؟
وتحت هذا المفهوم قد يدخل من يموت صادقا في سبيل قضية إنسانية كبرى. وهنا يؤدي دور الإقرار والاعتراف لصدقه وتعلقه بفكرته والإخلاص لها بغض النظر عن صحة الفكرة.
وليس هناك من صدق أكبر من أن يقدم الإنسان حياته في سبيل قضية كبيرة.
وقد يقتل الناس من أجل عفونات كثيرة من الصراع القومي والعرقي والطبقي والفئوي، ويحصد الناس حصدا في الحروب الأهلية مثل الذباب، كما حدث في لبنان وراوندا والجزائر.
كما قد يموت أناس من أجل حفنة دولارات أو مصالح تافهة أو صراع على أرض. ولا تساوي كل الأرض سفك دم إنسان واحد.
ولا يوجد أرض مقدسة في نظر الإسلام؛ فالقدسية لا تخلع على التراب، ولكن تستمد قدسيتها من (القدوس) السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر عالم الغيب و(الشهادة).
وهنا يجب التفريق بين (الموت) من أجل فكرة و(صدق) تلك الفكرة. فليس كل من يموت من اجل فكرة يعني تلقائياً (صحة الفكرة). ومات الكثير من الشيوعيين والفاشيين والملحدين من أجل أفكارهم فلا يعني هذا أن الشيوعية كبد الحقيقة أو أن الفاشية منتهى التاريخ.
وهناك أناس تافهون ماتوا من أجل قضايا تافهة.
وتذكر صحفية مصرية راقبت المشنوقين على يد (العشماوي) أن أثبت الناس جنانا كان تاجر مخدرات دخَّن سيجاره قبل الموت وضحك لمن حوله، وقال: هل هي سوى موتة، وهي موتتي، وكل الناس تموت، ولا يفر أحد من الموت، وسنموت على كل حال بشكل وآخر. فعاش مجرما ومات فيلسوفا.
وأمام هذه الحقيقة كان الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) عندما يسأل: هل عندك استعداد أن تموت من اجل أفكارك؟ كان جوابه: لا .. لأنني قد أكون مخطئاً فأموت عبثا؟!.
وفي الفلسفة المسيحية ينقل الإنجيل في أعمال الرسل أن البذرة حتى تتحول إلى شجرة يجب أن تدفن. وعلى ما يبدو أن الأفكار تخلد وتنتشر بهذه الطريقة. وهي تفسر طرفاً من الآية أن من يقتل في سبيل الله حي عند الله بطريقة وأخرى. ومن يموت من أجل أفكاره يدفع الحياة في أفكاره.
وكسبت أفكار سيد قطب طابع القدسية بعد شنقه فخدمه عبد الناصر أكثر مما آذاه. فنشر أفكاره من حيث أراد القضاء عليها.
والرجلان بين يدي رب العزة الآن يختصمان.
ومن ظلمات الديكتاتورية والظلم ولدت ظاهرة (الظواهري) فانتقل إلى أفغانستان فكان عبد الناصر مثل الجراح الخايب، الذي فتح بالسكين على السرطان؛ فلم يستأصله بل نشر السرطان بأشد مما كان.
ونفس سيد قطب يقول إن "كلماتنا تبقى عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الحياة"؟!
ولكن الكلمات منها الصحيح ومنها القاتل؛ فإذا عاد فرانكنشتاين إلى الحياة تعدى الأمر فلم يعد مزحة بسيطة بل رعب مخيف.
ومع إعدام مروان حديد في سوريا غرق البلد في حرب شبه أهلية؟
فهذا قانون...
وكل كتاب ممنوع ينتشر أكثر... .
وكل محظور مرغوب...
وكل أشجار الجنة لم تكن كافية لآدم فذهب إلى الشجرة الوحيدة المحرمة فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما.
وليس ألذ من اتصال جنسي في الحرام.
وترك الملك إدوارد الثامن كل الملك والمال من أجل عيني امرأة؟
وسقط سور الصين من اجل محظية جنرال.
وهنا تحضرني قصة؛ ففي مناسبة ما يسمى (يوم الشهداء) تبارى الخطباء في تمجيد الشهداء، بحضور مجموعة من الأمهات المفجوعات، كما كان يفعل الترابي مع حملات الجنوب، التي كان قرابينها خمسين ألفا أو يزيدون، قبل رفع الراية البيضاء للسلام، في يد سياسيين كذابين، حتى جاء دور رجل فتوجه إلى الأمهات قائلاً: لا يغرنكم قول هؤلاء فلم يكن أولادكن سوى قرابين بشرية لأصنام هؤلاء؟؟؟
فاحمرت الأحداق واشتدت القبضات، ولكنه نجا من أيديهم، وخرج من بينهم بدون أن يضربوه بالنعال على الوجوه والأدبار.
أما الرجل فكان داعية السلام جودت سعيد ....
اقرأ المزيد
ليس هناك كلمة تهز الوجدان مثل الشهيد. ولا يوجد كلمة أسيء استخدامها مثل كلمة الشهيد. ولا يوجد كلمة غامضة مثل الشهيد. ولا يوجد كلمة مضللة مثل كلمة الشهيد. وفي القرآن جاءت مفردات هذه الكلمة 82 مرة ولم تكن مرة واحدة فيما يريده ويكررها الناس.
وفي الحقبة الناصرية (جمال عبد الناصر والوحدة العربية بين مصر وسوريا) ما زلت أتذكر نفسي، وكنت يومها طالباً في المرحلة المتوسطة، وكانت لا تمر ثلاثة أيام؛ إلا وخرجنا نهتف بحياة شهيد من الشهداء، منهم الشيوعيين، وانتهاء بصانعي الانقلابات!
وفي يوم كانت المظاهرة للهتاف بحياة (الشهيد) (باتريس لومومبا) وكان الناس يتهامسون من يكون هذا الرجل؟ وهذا ليس انتقاصا لقدره فقد رأيت عنه برنامجا في قناة الديسكفري فتحت عيني على حقيقة الرجل لأول مرة خارج الدجل الناصري وصيحات (الصحاف) القديم أحمد سعيد في صوت العرب.
وفي يومٍ مررت على قبر مجرم (عبد الكريم الجندي) لمع نجمه كجلاد ورئيس مخابرات في سوريا أيام البعث الأولى، وكان الرجل يحب استعمال نعله في التعذيب (الشاروخ)، فقرأت فوق قبره "ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون؟" وكان المجرم المذكور يحب ضرب كرام الناس بنعله على وجوههم كما ذكرت. ولم ينجو أحد من يده بمن فيهن النساء.
وفي يوم وقع تحت يده رجل دين مسيحي؛ فقال له أعلم أن الفاتيكان سيتدخل لإنقاذك، ولكنك ستمضي عندي يومان، هما في عمر الزمن سنتان، ثم أمر بحبسه في دورة مياه طافحة؟
ثم مات الرجل قتلا أو انتحارا بيد جلاد أدهى منه وأمر، ثم مات الرجلان إلى الأبد، كما كانت الجماهير المغفلة تزعق بحياتهما إلى الأبد، فهما الآن في دار الحق يختصمان.
وفي 22 يوليو من عام 2003م انتهت حياة قصي وعدي (السبطين!) قتلاً، كما قتلا الكثير من الناس؛ فذاقا من نفس الكأس، واتبعوا في هذه لعنة، ويوم القيامة هم من المقبوحين.
وفي الأردن اجتمع الناس لتلقي العزاء على سيدي شباب أهل الجنة السبطين عدي وقصي؟
ولا يستبعد أن تمتلئ كتب التاريخ بقصة (شهادة) البطلين وهما يقارعان (العلوج) الأمريكيين كما اعتدنا على الكذب في كتب التاريخ التي تدرس للطلبة المنكوبين.
وفي يوم انتشرت الموضة في العالم العربي فمنهم من سما ابنه (ستالين) وآخر ابنته (جيفارا) وثالث (سيد قطب)، والأولاد يحملون أوزارا فوق ظهورهم من أسماء لا ينتسبون لها إن لم يكن عكسها وغير مسئولين عنها.
وعندما قتل (آرنستو تشي غيفارا) الطبيب الأرجنتيني في غابات بوليفيا اعتبره الثوريون العرب سيد الشهداء مثل حمزة بن عبد المطلب.
وعندما يفجر الفلسطيني نفسه في حافلة فيقتل ويقتل يعتبر عند مفتي الديار في بلد ثوري، أنها (شهادة في سبيل الله) لا يقترب منها شهداء القادسية واليرموك.
أما اليهود فيسمون الفاعل إرهابياً وقاتل نفسه وانتحاري.
وما يحكم على عمل ما ليس الفتاوى والنصوص بل العواقب. وقل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى؟
وعندما يتصارع فريقان فيقدمان (قرابين) بشرية يعتبر القتيل في عين أهله شهيدا. وفي أعين خصومه مجرما.
والفرق بين (الجريمة) و(الجهاد) شعرة. وبين (الزنا) و(الاغتصاب) و(الزواج) أقل من شعرة؛ فكلها ممارسة لعمل جنسي، ولكن الأول يقوم على (السرية) والثاني على (الإكراه)، والثالث على (الرضا والقبول والإشهار).
وعندما جاهد (الخوارج) لم يكن عملهم جهادا، أما هم فسموا أنفسهم الشراة، أي من باعوا نفسهم في سبيل الله لقضية لم تكن ناجحة.
وإذا أراد الجراح استئصال زائدة دودية في سوق الخضار فإنه يعد قصاباً ولو كان سيد الجراحين.
فهذه الفروق لا يستوعبها الشباب المتحمس، وهم نصف معذورين، ولكن أئمة الفكر المنحرف هم الذي يسقون عقول الشباب بهذه السموم.
وليس هناك من أمر أكثر إثارة من (الجهاد) و(الاستشهاد) كما لا يوجد موضوع أكثر خطرا وضبابية منهما.
وفي يوم كان أحدهم يكلمني فقال ألا تقرأ قوله تعالى: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين"؟ فقلت له ألا تقرأ قوله تعالى: "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة"؟، وقوله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"؟
والقرآن حينما يقرأه أحدنا لا يجد في نهايته فهرساً للموضوعات مثل القتال والشهادة متى؟ وكيف؟ وأين؟ ومن؟ بل يجد آيات متناثرة مثل النجوم في قبة القرآن.
وإذا كنا في نجوم القطب نصل بينها بخط ؛ فنعرف الشمال من الجنوب، ونهتدي بها في ظلمات البر والبحر، كذلك الحال في آيات القرآن.
ورؤية فراغية بنيوية من هذا النوع مفيدة في فهم آيات القرآن.
والمشكلة مضاعفة في معالجة نظام الفكر.
فالعقلية النقلية هنا تواجه العقلية النقدية. وهي مشكلة أعترف أنها ليست سهلة الحل ولكن لا بد من خوض غمارها واقتحام لججها.
وابن لادن اعتبر أن تفجير أبراج نيويورك عين الجهاد وقمة الشهادة وضرب الكفار في دار الحرب حيث يستباح كل شيء؟ في الوقت الذي اعتبرت أمريكا أنه جريمة نكراء وانتحاريون مجرمون.
وكما يقول (نعوم تشومسكي) الناقد الأمريكي أن قرصاناً ألقي القبض عليه في زمن الاسكندر فبدأ في توبيخه كيف يزعج البحر؟ قال القرصان: أنا أنهب بسفينة صغيرة فأسمى قرصاناً أما أنت فتنهب شعوبا بأساطيل فتسمى إمبراطورا؟!
وعندما انتشرت مفاهيم (الجاهلية) من فكر (سيد قطب) في الستينات من القرن العشرين ومن ذيولها فكرة (العزلة الشعورية) مما دفع البعض إلى اعتبار أن احترام (إشارات المرور) هو احترام الجاهلية، وأن خرق أنظمة المرور هو عين التقوى؛ لأنه تمزيق شبكة المجتمع الجاهلي، لمسلم يعيش في مجتمع جاهلي (عضوياً) ويحاربه فكريا وعمليا.
اقرأ المزيد
ـ لم يواجه الإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر تحديا مثل الوقت الحاضر، المتدينون منحسرون ورجال الفلسفة يضحكون وأهل المخابر العلمية إذا مروا بهم يتغامزون.
ـ نشأت آلهة شتى من العلم والفلسفة في الوقت الذي انزوى الدين في جحر الإيديولوجية. وانحشر البابا في كيلومترات قليلة في الفاتيكان. ومهمة شيخ الأزهر لعن الثورات ودعم الحكام العسكريين.
ـ لم يعاني العالم منذ زمن الأنبياء حتى اليوم مايعانيه من الجفاف الروحي وعبادة آمون العجل الذهبي.
إنها قصة جحا قيمة الإنسان من ذهبه. فمن ملأ جحره بالذهب رفع علما يناسب المقدار وقد يكذب!
ـ في الوقت الذي يتحول الدين إلى علم يصبح عالميا فلا يختلف الناس حولهما. كما في حبة الإسبرين وأشعة رونتجن وجراحات الكولون وخياطة الجروح بالبرولين.
هل يختلف جراح صيني عن صربي في فتح البطن الجراحي، أم هل يتوانى الطبيب الألماني عن السعودي في استخدام الطنين المغناطيسي (MRI) والتصوير الطبقي المحوري (CT-Scan)
ـ مهمة هذا الكتاب محاولة صياغة معادلة تشبه معادلة آينشتاين بين الطاقة والمادة أنهما وجهان لحقيقة واحدة، أو أن المادة طاقة مكثفة، أو أن أحدهما يقود تلقائيا للآخر. كذلك نريد من هذه الدراسة تحويل الدين إلى علم والعلم إلى دين. وطبيعة المهمة كما نرى أن نجعل من باحث الذرة السجود لرب العالمين بخشوع، ومكتشفات الكود الوراثي في نواة الخلية بثلاث مليارات من الأحماض النووية أن يسبح العظيم الغفار.
ـ هدف الإديان واحد هو الاهتداء إلى المطلق ومعنى الكون والوجود ونظامه، ولعلها خطوط تماس حول دائرة واحدة مليئة بالألغاز والقدسية والمعنى. وبذا يتوقف الصراع عند هذه الحافة ونردد مع القرآن أن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والبوذيين والزرادشتيين والكنوفوشوسيين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ـ الدين يحرر الإنسان من أعظم شعورين ساحقين بالتوقف في الزمن وتعضل الحركة. الحزن شد للماضي. والخوف توقف عن اقتحام المستقبل، وبالتحرر من هذين الشعورين تتحرر النفس بطلاقة وتسبح عبر الزمن الممتد بدون سلاسل.
هذا ماقالته الآية وكرره الأنجيل أنه يرفع عنه إصرهم والأغلال التي كانت عليهم. ويكررها المسيح إن نيري خفيف.
ـ الدين بوصلة أخلاقية لايمكن للفرد أن يعيش بدونها، والمؤسسة الدينية ماكينة رعب اخترعها رجال الدين باسماء شتى من محاكم التفتيش والسنهدرين والأزهر لتأييد الطغيان، وهو ماجمعت بينهما الآية القرانية عن لعن الجبت والطاغوت: الطاغوت هو الطاغية وعسكره، والجبت هو رجل الدين بطربوش وعمامة ولفة وشروال وجلابية وقلنسوة وقفطان ومبخرة. يرسلون الجنود إلى المقابر ويملأون الجيوب بالدراهم.
ـ حين حطم المسيح عليه السلام موائد الصيارفة وأعشاش بيت الحمام في معبد القدس صرخ فيهم الويل لكم حولت معبد الله إلى ماخور! أيها القادة العميان إنكم كالقبور من خارج مطلي بالبياض ومن الداخل تملؤه النجاسات والعظام النخرة.
كذلك حال المؤسسة الدينية من أي دين كانت.
ـ أمراض أهل الكتاب واحدة سواء يعبدون الصليب أو يحجون للكعبة أو يهزون رؤوسهم بجنب حائط المبكى أو يقرعون الصنج ويلبسون الأصفر في لاسا بالتيبت. ولم يكن لله أولاد أحباء من النصارى أو اليهود أو المسلمين أو البوذيين، بل يعذب الجميع بذنوبهم وأخطائهم واقترافاتهم.
كان ذلك في الكتاب مسطورا.
اقرأ المزيد
كان الهدف الأول من فلسفة القرآن تخليص الضمير من أزمة الفناء في ظاهرة الموت فمامعنى الموت؟ ولماذا خلق الموت؟
نحن نعلم أن وسوسة الشيطان لآدم كانت في اثنتين: شجرة الخلد وملك لايبلى. الخلود مع بقاء الشباب وملحقاته من ملكيات القوة والصحة والمتعة من الطعام والشراب والأمن والجنس العائلة والمال. وفي الأساطير اليونانية يروى أن ملكة الحب افروديت عشقت شابا فطلبت من زيوس رب الآلهة في الأولمب أن يمنحه الخلود! وإذ اجتمعت الالهة واتخذت قرارها بمنحه الخلود غلطت أفروديت غلطا رهيبا لأنها لم تقلد الشيطان حين وسوس لآدم ليس فقط بالخلد بل ملك لايبلى! هنا بدأ العشق يذوي مع تقدم السن للمعشوق وتراكب الهرم والضعف والشيخوخة والمرض والخرف بل بدأ يثرثر بدون توقف على عادة المسنين الذين يحبون أن يسمع لهم أحد ترهاتهم. أنا شخصيا كنت أتمنى من والدي أن يشرح لنا الفترة التي عاشها وهي القرن العشرين؟
كان يتضايق من سؤالي حتى كان ذلك اليوم الذي قال نحن عشنا ولم نعش! وهو مخطيء بهذا لأن أشياء كثيرة من التحولات مرت به ويجب أن يسجلها. هنا ترد فكرة خطيرة أن كل واحد منا يظن أن الاخرين فعلوا شيئا وهو لم يفعل شيء؟ في الواقع فنحن وكل واحد منا قارة متنقلة من الأحداث والمشاعر والذكريات ولكن لانتفطن لهذا الحقيقة. المهم كانت النتيجة أن آلهة الأولمب اجتمعت مجددا لتمسخ المعشوق إلى صرصار الليل الذي لايكف عن حك رجليه وأجنحته؛ فهذه كانت النتيجة التي انتهت اليها افروديت حين طلبت الخلود بدون شباب. وهو تفسير حالة صاحبنا الذي شاخ وأين صار؟ وهنا تحضرني قصة الأستاذ الجامعي عندما بدأ الموت يطبق عليه فبدأ يحاور تلميذه الصحفي (ميتشم ألبم) في كل يوم ثلاثاء في تجربة فريدة لتسجيل مشاعر الميت وهو يودع الحياة وسلم الأولويات في الحياة وينقل حكمته من الحياة لمن بعده.
من الأمور العجيبة التي تم تسجيها على مدار ثلاثة أشهر أن الإنسان يتطهر وينظف وتبدأ أولويات حياته تتغير بالكامل. فما كان مهماً أصبح تافهاً وما كان مهملاً قفز إلى الواجهة. وهكذا بدأ لقاء الثلاثاء الأسبوعي الذي دام لأشهر. كان موري يذكر طالبه بفكرة عند البوذيين تتطلب تخيل عصفورة على كتفنا، وسؤالها مع بداية كل نهار: "أيتها العصفورة! هل هذا هو اليوم الذي سأموت فيه؟" كان موري يقول لآلبم أن تذكره اليومي للموت سيجعله أكثر إنسانية وأكثر شفافية. وهذا يذكر بالكاتب الفرنسي (فيكتور هيوغو) والذي شبه موت المسن بسفينة تصل إلى الميناء، بينما شبه موت الشاب بسفينة تتحطم في عرض البحر. موت الشباب يشبه أيضا رواية مثيرة تتوقف في منتصف الحبكة، صاعقة كل من حولهم بحزن عميق وشعور بخسارة مباغتة. عندما نواجه الموت وأن هذا سيكون بعد أيام نشعر أنه علينا إعادة ترتيب الاهتمامات والأولويات. فتبدأ أمور تصغر في العين إلى نقطة رياضية وكانت كبيرة بحجم الجبل ، وتبدأ أمور أخرى تكبر وتعظم بقدر المحيط وكنا لا نأبه لها أو نهتم.
إن إدراكنا للموت يجعلنا نتصرف ونفكر بشكل مختلف. وإن وجود الموت كمفهوم حيوي في ثقافة ما يكّون أفرادا أكثر إنسانية. وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. إن الثقافة الغربية لا تشجع على التفكير في الموت، ولهذا بدأ العديد من الكتاب الغربيين يعيدون النظر في الموت، ويدركون أهميته كفكرة مركزية في حياتنا. وعندما كنت في ألمانيا شعرت أن غرق الناس في الحياة والتمتع بخضراءها وحلوها شيء مستولي على القلوب ولذلك فإن فاجعة الموت يتلقونها بصدمة غير عادية فهي تمثل انقطاعا لشيء يبدو أنه يجب أن لا ينقطع وهو غفلة كبرى عن هذه الظاهرة المستحكمة، وأكثر ما شغل قلوب الجبارين بدءً من الإمبراطور (شين) الذي أسس الصين ومرورا بجنكيزخان وانتهاء بالطاغية ستالين كان قلق الموت قد استولي عليهم وطلبوا الحكماء والفلاسفة حلاً لهذا الإشكالية.
ويروى عن الفيلسوف الذي استقدمه جنكيزخان من مسافة 4000 كم من بكين حتى افغانستان حيث كان يذبح العباد بالجملة أن أول سؤال وجهه إليه عن إكسير الحياة فقال له أما الموت فلا سلطان لي عليه ولكن إن أردت أن أجعلك تعيش بشكل جيد قلت لك سري ومبلغ علمي فأصيب الجبار جنكيزخان بالحزن وعندما رأى الفيلسوف مايحدث من فظاعات في معسكر الطاغية طلب منه أن يخلي سبيله.
وقصة العصفورة البوذية تعكس أيضا مركزية الموت في الإسلام. وجاء في الحديث مامعناه: "اعمل لدنياك وكأنك تعيش أبد الدهر، واعمل لآخرتك وكأنك تموت غدا." وقام (ستيفن كوفي) الكاتب في علم التنظيم والنجاح، ومستشار الرئيس الأمريكي (بيل كلنتون) في الإدراة الفعالة، باستعمال الموت في تدريب تلاميذه. ففي كتابه (سبع عادات فعالة للناس الناجحين)، يخبرنا كيف سأل طلبته بأن يتخيلوا موتهم بعد ثلاثة أشهر، وطلب منهم أن يكتبوا مذكرات تفصيلية لهذه الفترة التي يجب أن يعيشوها وهم يفكرون بالموت المقترب.
وكانت المفاجئة للطلبة عندما اكتشفوا أن أولوياتهم قد تغيرت وأن مشاعرهم قد تبدلت. فهم أصبحوا يكتبون الرسائل للأقرباء والأصدقاء ويتصلون أكثر بجداتهم وأمهاتهم. وفي هذا الكتاب يطلب كوفي من قراءه أن يتخيلوا ما يريدون أن يقال عنهم يوم جنازتهم، ويشرح أن كل ما نريده أن يقال عنا في هذا اليوم هو أولوياتنا في الحياة. وروت لي ابنتي عن صديقة لها توفيت بالسرطان في ميعة الشباب فطلبت من الواعظ قبل موتها أن يتحدث عن البعث في جنازتها بدل الموت.
وعندما بدأ كلمته عن البعث نزولا عند وصيتها قال للحضور إنه يصعب عليه التحدث عن البعث لأناس يتألمون على موت عزير لهم. ولكن في النهاية، قال لهم إنه فهم لماذا طلبت منه هذا، فقد شعر بقوة الإيمان والحياة وهو يتحدث عن البعث. يجب أن نفكر في البعث عندما نواجه الموت، ويجب أن نتذكر الموت عندما نواجه الحياة.
اقرأ المزيد
ليس (أضل) من رجل الدين، عندما يعتلي منبر السياسة فيحلل الأوضاع، مثل الأخرس الذي ينقل عن آخر مهمته الكلام، أو الصيني الذي يريد التحدث بلغة صربية. ولا (أخبث) من السياسي، حينما يلبس مسوح الكهان فيتحدث بالأخلاقيات والمباديء. وليس (أقبح) من منظر الرجل المخنث أو المرأة المتصابية، لأن كلاً منهما لا يؤدي دوره.
(السياسة) تعني الكذب كما صرح بذلك (توني بلير) رئيس الوزراء البريطاني؛ فصدق خلاف العادة حينما قال: إن أحاديثنا مع الزعماء العرب تدور على مستويين فما نقوله بيننا لا نصرح به على الملأ.
والواعظ الأمريكي (جيري فولويل) خرج على الناس يوما فقال عن محمد ص: إنه إرهابي. وهو بهذا يمزج بين ثلاثة أمور لا يمكن أن تشكل سوى مركب شديد الانفجار: (كذب السياسة) و(قلة الاطلاع) و(التهور ) كمن وضع أصابعه في عش الدبابير الإسلامية مع الإساءة إلى خمس الجنس البشري؛ فخسر صدق المتدينين وكسب نفاق السياسيين ألا ساء ما يحكمون.
على كل حال لا يوجد في الإسلام رجال دين، بل علماء، وهم معرضون لنفس المرض السابق عندما يتحولون إلى وعاظ السلاطين؛ فلا يغيروا رسم القرآن، ولكن يفسرونه حسب المسطرة السلطانية، ويحفرون ثغرة في الدين تناسب حجم السلطان السمين.
وتفنيد التهمة السابقة سهل، وهي شغل يجب أن لا نقع فيه في معركة (صراع الأفكار) كما يقول (مالك بن نبي)، على مبدأ (المرآة العاكسة) التي شرحها (روبرت غرين) في كتابه (شطرنج القوة) حسب المبدأ 44: أن المرايا خداعة بشكل هائل، لأنها تخلق شعورا بأنك تنظر إلى العالم الحقيقي والواقع أنك لا تنظر إلا إلى قطعة من الزجاج، فكل شيء مقلوب إلى عكسه.
وفي كتاب مالك بن نبي (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة) توضيح لهذه الآلية الخفية في إدارة كفة الصراع وتسليط الظلال على أفكار بعينها لتشويهها؛ فالثور لا ينتبه لمن يلعب بالخرقة الحمراء؛ فيقع في النهاية صريعا تحت استحسان الجمهور وصفيرهم وتصفيقهم للمصارع الجسور.
وجرب (أحمد ديدات) سابقا حظه مع (جيمس سواكرت) حينما دعاه للمناظرة في أمريكا، وكان كلاً منهما يحاول أن يثبت للآخر أن دين الثاني باطل، وأن كتابه مليء بالتناقضات؛ فأساءا إلى القرآن والإنجيل معا، وحركا قضايا قديمة بكلمات جديدة، في الوقت الذي نادى الدين، أي دين إلى التسابق في الخيرات، والاعتراف بالآخر وأن الكون مبني على الاختلاف.
يذكر المؤرخ النمساوي غومبريتش في كتابه (مختصر تاريخ العالم ـ سلسلة عالم المعرفة 400 ـ ص 268) أن خلطة عصر التنوير كانت ثلاثة مباديء: العقلانية وسماها (المنطق) مع التسامح والإنسانية. ولكن فقهاء الدين يحاولون بكل سبيل إرجاعنا إلى ما قبل التنوير لندخل عصر الظلمات وباسم الله.
وحينما كان غاندي في محنته مع المتعصبين من الهندوس والمسلمين أعلن الصيام حتى الموت، حتى تتوقف أعمال العنف؛ فلما هدأت ثورة الدم تقدم الهندوسي، وهو يبكي، وقال قتل المسلم ولدي!
قال له غاندي: وماذا فعلت أنت؟
قال قتلته: ثأرا لابني!
قال غاندي، وهو بالكاد يستطيع النطق: هل أدلك على طريق يهديك إلى الجنة؟ أن لا تقتله، بل تربي ولده على الإسلام كما أراد والده أن ينشأ.
عندما كنت في ألمانيا اجتمعت بخليط لا نهاية له من الفرق المسيحية، وكنت أكرر عليهم جملة واحدة: هاتوا لي فقرة واحدة في الإنجيل يقول فيها المسيح عن نفسه أنه الله؟ فضلاً عن عقيدة التثليث ومركب الأقانيم، وأن الله انشطر إلى ثلاثة بدون أن ينشطر، وأن الله ثلاثة ولكنه واحد فيما هو ضد الرياضيات!
كان القوم يصابون بالذهول، لأنهم وجدوا آباءهم على أمة؛ فهم على آثارهم يهرعون، ولم يكونوا معتادين على مواجهة سؤال من هذا النوع. وكان البعض يعترف وهم قلة. وفريق ثان كان يقول لا مجال للفهم أو العقل في العقيدة كما اعترفت لي بذلك راهبة بروتستانتية.
ومنهم من كان يماحك، فيقول جاءت فقرة في أول إنجيل يوحنا: في البدء كان الكلمة وكان الكلمة الله!
ولكن مثله مثل من يريد بناء برج بيزا على ظهر حيوان اللاما متسلقا جبال الانديز؟
ومن أعجب ما قرأت لقس مسيحي كتابا يقول فيه إن القرآن جاء بألوهية المسيح مستشهدا بقوله تعالى من سورة الزخرف: "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين"، وهي جملة شرطية كما نرى. سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون. وهكذا، فالجدل في هذه الأمور يمكن أن يدوم ألف سنة دون دخول بوابة العلم.
كنت أقول لهم ألا تتعجبوا من موضوع ألوهية المسيح غير المبرهنة وغير الواضحة في الإنجيل، فمن أين جاءت هذه العقيدة التي تبنتها الكنيسة؟ كانوا يقولون، فماذا تفعل بكلمة أبي الذي في السموات؟
كان جوابي، إنه لا يزيد عن معنى رمزي، وهو أمر علمه لجميع الناس في موعظة الجبل (طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون).
كل منادى بالسلام، مثل غاندي ومالكولم اكس وروزا باركس السوداء، والمناضلة البورمية أوانج سو كايا وبيرتا فون سوتنر الألمانية والهندية أراندهاتي روي وامرأة فرعون وقرة عين الفارسية وايميلن بونكهرست التي قادت مظاهرة في لندن في 18 نوفمبر من عام 1910م، فضربهن ألف من الشرطة لمدة ست ساعات متواصلة وماتت سيدتان.
كلهن أبناء الله وبنات الله بالإضافة، وليس الاشتقاق وبالمعنى الرمزي. والإسلام دفعاً لهذه الإشكالية برمتها حذفها جملة وتفصيلا ووضع بدلا عنها كلمة عبد الله.
قد تكون الكلمة في الأصل هكذا؛ فاختلطت على المترجمين من الآرامية إلى اليونانية، أو أنها كانت معنى اصطلاحيا شائعا كما نقول نحن رب المنزل وربة المنزل، فلا نعني بها أن المرأة والرجل تحولا إلى آلهة من دون الله يعبدون.
ولكن لا المسلمين يعرفون هذا، لأنهم لا يقرأون الإنجيل، ولا شهود يهوه وفرق المسيحيين يقرأون القرآن، فيعرفون المتشابه في روح الرسالة.
اقرأ المزيد
وفي الوقت الذي أنشأ الفاطميون الأزهر لا يوجد اليوم فاطمي واحد في الأزهر. في حين أن العراق بلد الشقاق والتناحر والعنف. فيه ألف ملة ونحلة ولغة. فمنهم من يوحد الإله، أو يزعم أنه انشطر إلى ثلاثة بدون أن ينشطر، أومن يقدس عليا ونسله، أو يعبد الشيطان ويسميه طاووس بذنب وثيل. من كرد وعرب، وشيعة وسنة، وتركمان وآشوريين، وكلدان وسريان، ويزيديين وأرمن، وآراميين وزرادشتين؟
كل طائفة وملة ونحلة بمدرسة ومعبد وكنيسة وفرقة موسيقية وعلم يرفرف؟
كل حزب بما لديهم فرحون؟
هي أرض شظايا الأديان والحضارات، خلال ستة آلاف سنة،على حد تعبير المؤرخ البريطاني توينبي، في شرانق مغلقة تتبادل الريبة والكراهية، كما أعرف ذلك من مدينتي القامشلي التي ولدت فيها فهي على خاصرة العراق؟ ففيها ثماني أديان و12 لغة و18 لهجة في 28 شرنقة.
والعراق منذ القديم لا يعرف كيف يحكم نفسه، ويعجز عن حكمه من يأتيه من الخارج؛ إلا الحجاج ومن سار على دربه..
وما أمر فرعون برشيد.
وحسب عالم الاجتماع العراقي (علي الوردي) فإن العراق مصاب بثلاث مصائب كل واحدة كافية أن تكون مرضا غير قابل للعلاج:
من ازدواج الشخصية. وصراع البداوة والحضارة. وأخيرا التناشز الاجتماعي بين التراث والحداثة.
وحسب (البزاز) فإن أعظم كارثة حلت بالعراق هي تريف المدينة مع الانقلابات الثورية على يد عساكر الأقليات وأميين الريف؛ فدمر المجتمع المدني تدميرا، وهو ما حصل في عاصمة الأمويين؟ وقد يكون كلام البزاز يمثل نصف الحقيقة؛ فالحقيقة عادة صادمة موجعة.
لقد حاولت أمريكا على ظهر الدبابات بالبارودة والعصا أن تحدث تجربة تاريخية في خلق (ديمقراطية كاذبة) في بلاد الرافدين، فكانت النتيجة مذابح الهوجونوت والكاثوليك ـ عفوا السنة والشيعة والأكراد والتركمان ـ لجهلهم بطبيعة الأمم وقوانين التاريخ، وأن التغيير بالدبابة لا يأتي إلا بالذباب، وتتويج سلاطين من حجم ترانزنستور من نوعية المالكي بدون ملك؟
ويبقى خيار (الديمقراطية) أفضل من (الإلوهية السياسية الحقيقية). وفي الوقت الذي تهزم فيه أمريكا عند بابل وأوروك سيتم مطاردتها في كل مكان، وستدمر إسرائيل ربما في نصف قرن تدميرا كما يتوقع (أوري أفنيري) الصحفي الإسرائيلي ونشره في مقال معبر بعنوان لبسنا قمص نيسوس اشتقاقا من الأساطير اليونانية حين أرادت امرأة هرقل أن يعشقها زوجها فكلفت نيسوس برأس انسان وجسم حصان أن يغمس قميصا في نبع الحب فيلبسه هرقل فيهيم بها عشقا ! وما حصل أن نيسوس غمسه في نبع السم فلبسه هرقل فمات من فوره.
وحسب عالم الاجتماع الألماني (ماكس فيبر) في كتابه (روح الرأسمالية والأخلاق البروتستانتية) فإن أوربا احتاجت أيضاً أجيالا حتى انبعث الفكر النقدي من رحم الفكر النقلي ـ كما رأينا في نماذج الفكر التنويري على يد (مندلسون) و(ليسنج) وكلاهما كانا متعاصرين، كما كان الحال بين ابن رشد وابن طفيل في الأندلس.
كلاهما نشأ من أب تقليدي متشدد؛ ولكنهما شقا الطريق إلى الحداثة، كان أبو الأول كاتب للتوراة، وكان والد الثاني الثاني واعظ لوثري، ومن رحم التقليد خرج فكر التنوير، كما يخرج الله الحي من الميت ذلكم الله فأنى تؤفكون.
ومن نور الحداثة ونارها تم تدمير الكنيسة والإقطاع. وولد الرأسمال والعمل والبرلمان والصحافة والتعددية والتأمينات الاجتماعية ونقل السلطة السلمي.
إن الطائفية شر مستطير على الطائفة قبل غيرها.
من يلعب في النار لا يجعل النار لعب بتعبير النيهوم.
وهي خطر على كل مستقبل الطائفة، لأن يوم الفصل كان ميقاتا، فيحكم بقطع رأسها على مقصلة التاريخ. ولنا في قصة مذابح التوتسي والهوتو ويوغسلافيا عبرة لمن يعتبر.
واليوم ودع العالم حكم العائلة والقبيلة والطائفة والدولة الإقليمية فهذا هو روح العصر.
ونحن ليس أمامنا إلا سنن من قبلنا. ولا يمكن حرق المراحل ولكن كشف قانون الشيء يمنحنا السيطرة عليه وتسريع عمليات الشفاء. كما نفعل مع المريض.
وكما يقول مالك بن نبي إن التعامل مع القانون لا يعني إلغاؤه بل التعامل معه، بما يمنحنا السيطرة عليه، كما أمكن للحديد أن يطير عل شكل طائرات؛ فهنا لم يتم إلغاء القانون، بل تم التعامل معه حسب وجوده الأزلي بتداخل القوانين على بعضها البعض وتسخيرها لبعض.
وأوربا اليوم ودعت مرحلة الدولة القومية، باتجاه الدولة العالمية ، في أعظم تجمع عرفه التاريخ، بدون سيف جنكيزخان، ولا مدافع نابليون، أو مدرعات هتلر، وأشرقت شمس اليورو تحت كلمة التوحيد؛ فلا يتخذ البشر بعضهم بعضا أربابا من دون الله.
إن كل ما نكتبه لا قيمة له والشعوب تتعلم بالمعاناة.
وحتى يعود الوعي من المنفى ليس أمامنا إلا البكاء وصرير الأسنان والحروب الطائفية، والمذابح المذهبية، وموت الإنسان بتفاهة ورخص وبدون قضية.
والشعوب لا تصل إلى شاطيء الوعي إلا على جسر من المعاناة فوق نهر من الدموع.
إن ما حدث من زلزال في العالم العربي بعد طول ركود، يجعلنا نؤمن أن التاريخ تقدمي، وليس عبثيا، وأن الزبد يذهب جفاء، وما ينفع الناس يمكث في الأرض.. كذلك يضرب الله الأمثال..
وأن الأمم سوف تتعافى من سل الطائفية وجذام الحزبية وإيدز العائلية وسرطان العسكرية ولو بعد حين؟
اقرأ المزيد
وغالب أقطار العروبة وقعت في قبضة عائلات إقطاعية مسلحة. في مربعات لسجن الضمير.
وأول شيء برعت فيه السلطة الفلسطينية أنها فرَّخت تنينات أمنية تقذف باللهب.
وجدير بالذكر أن أجهزة الرعب في أقطار أخرى اشتقت اسمها من فلسطين (فرع فلسطين) ، فما عجزت عنه بقية الأجهزة حله فرع فلسطين بكل اقتدار.
مع هذا فهناك دول عربية ليس فيها مرض الطائفية، بل يدين البلد كله بالإسلام، وبمذهب واحد (سني) ولكنه مبتلى بأشد من الطائفية من جنود فرعون وهامان، مما يدل على أن الجثة تتناوب عليها أشكال شتى من الحشرات.
وجثة العالم العربي اليوم تنهش فيها الديدان والذبان من كل صنف زوجان. فبلد عموده الفقري طائفي. وآخر الأمن المركزي. وثالث قبائل بني دوس وهذيل. ورابع عائلة تنتسب إلى النبي بسلسلة ذهبية. وخامس يزعم أن الكريات الحمر التي تدور في عروقه ملونة بلون نبوي أخضر. ومنهم من زعم أنه وصل إلى حل كل مشاكل الجنس البشري بما وضع نفسه في مكان الله رب العالمين بقرآن أخضر، كما كان من حكاية القذافي المقذوف الذي انتهى على الخازوق. إننا نعيش عصر الجنون العربي بدون مصحات عقلية وأسوار وأطباء وصدمات كهرباء وانسولين كالذي عولج به جون ناش العبقري المجنون؟
الطائفية مرض مثلث الزويا كل زاوية فيه تعلن إلغاء الإنسان:
فهي أولاً انشداد لطائفة لا حرية للإنسان في اختيار الرحم الذي انقذف منه إلى الحياة؛ فمن ولد في الناصرية سيكون شيعياً على الأغلب. ومن ولد في منطقة البربر نطق الأمازيغية. ومن ولد في جبل سنجار سيكون يزيدياً يعبد الشيطان ـ أو يخافه ـ ويقول أنه (طاووس) مستخلف من الله بحكم الأرض عشرة آلاف من السنين!
ومن ولد في حي الميدان في دمشق سيكون سنياً ما لم يحدث تسرب من فيروس شيوعي أو جرثوم بعثي عبثي؛ فيغير الكود الوراثي فيخرج كافرا بكل الملة.
يحدث هذا حتى يثبت العكس.
وله الحق في ذلك إذا اختار، ولكن هل هامش الخيار كما نتصور أم أنها إكراهات المجتمع.
والطائفية ثانيا تعني استقطاب واستخدام من هو من نفس الفصيلة الحيوانية، مثل تعاون الحشرات على التهام الفتات، والذئاب في مطاردة الفريسة؛ فهنا يغيب الوعي وتعمل الغريزة. كما حصل في سوريا بانتشار عفن الطائفية مثل الفطر في الغابات والبعوض في شرق ألمانيا والجراد في الصومال.
فكلها مناخات مريضة تنمو فيها العلل القاتلة.
والطائفية ثالثا تعني العمل لصالح مجموعة، والقتل باسمها بما يجر عداوة كل الطوائف.
وهو بكلمة ثانية تصدع المجتمع وبرمجة الحرب الأهلية ولو بعد حين. وإذا سالت الدماء في العراق أنهارا فهو أمر طبيعي. وإذا تكرر هذا الشلال المنكود المنكوب في بلد آخر فهو تحصيل حاصل كما في سقوط المطر إلى الأسفل وصعود الغازات لأعلى.
وإذا قتل الناس بعضهم بعضا بأشد من يوغسلافيا فهو تحصيل حاصل.
وهذا الكلام يفسر… ولا يبرر.
والقوانين الاجتماعية لها نظمها الخاص.
سنة الله في خلقه.
قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا (طوائف) ويذيق بعضكم بأس بعض؟؟ انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون؟
الطائفة في الأصل جمود في الزمن، وانتساب لعصر ولى وأدبر، وانتماء لأناس لسنا مسئولين عن تصرفهم وفهمهم؟ وقتل للفردية، وإعدام للاستقلالية وسلب كل ذي لب لبه.
وتعتبر مصر ـ بالمناسبة ـ مركز خصب لتفريخ الطوائف والأحزاب؛ فمنها خرج الإخوان المسلمون، والحاكم بأمر الله الفاطمي والإسماعيلية والحشاشون.
أما في مصر فقد أذابهم حمض الزمن، ولكن في سوريا حمتهم الجبال والعزلة والتاريخ، وسوف تذيبهم التكنولوجيا الحديثة..
كان ذلك في الكتاب مسطورا..
وكمال جنبلاط في لبنان لم يسم نفسه الحزب الدرزي وعقلاء الجبل، بل الحزب التقدمي؟ فهل هو تقدمي بكود وراثي طائفي؟ أم حقا تقدمي يتقدم إلى عرض التاريخ؟ على العموم التاريخ تقدمي ولو مع نكسات كما في مخططات البورصة وصعود وهبوط العملات والمعادن.
المدهش في مصر أنها رحم للطائفية بدون طائفية؛ فهي تصدر الأمراض ولا تصاب به مثل مرض الهيموفيليا (الناعور ـ سيلان الدم لأتفه جرح كما عرف التاريخ عن الكسي ابن نيقولا الثاني الروسي وراسبوتين الدجال ) الذي تحمله الإناث ولا يصبن به.
والسبب في مصر جغرافي بحت. فالنيل لا يسمح بتشكل الطائفية والطائفة. وليس أمام الناس على ضفتي النيل إلا الاختلاط والتجانس أو الموت في الصحراء.
ولعل هذا كان من أسرار نجاح ثورة 25 يناير 2011م حين التحم الأقباط والسنة والشيعة والأرمن وحركة كفاية و6 أبريل بفلاحيهم ومثقفيهم جاهلهم وعالمهم؛ فالمصريون يشبهون اليابانيون من جهة شدة التجانس واللغة والعادات منذ أيام الفرعون بيبي الثاني؟
كان هذا من أسرار نجاحهم حتى جاءتهم علة السلفية والإخوان، ولن يصلح أمرهم إلا بالتجانس من الجديد، وتعقيم البلد من جراثيم العسكر.
اقرأ المزيد
قرأت لأخي الدكتور أحمد كنعان تحليله الجميل عن مر ض الطائفية في سوريا. وقرأت فيما سبق للكاتب اليساري العظم وهو ينقد الفكر اليساري ويشير إلى شيء اسمه العلونة السياسية في سوريا.
وأخطر ماحدث مع الربيع العربي أن سوريا تدمرت ليس في الأبنية ولكن في النسيج الاجتماعي فتمزقت شر ممزق. وفي القرآن سورة كاملة تحمل اسم حضارة قامت وبادت في اليمن. حين قال القرآن: فمزقناهم كل ممزق وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لايؤمنون! واليوم لم يبق الفلسطينيون مشردين بل لحقهم السوريون أيضا على قائمة التمزق والتشرد.
والفرق بين النسختين أن الفلسطينيين عدوهم واضح من بني صهيون ولكن المرض السوري أدهى وأمر من السرطان الداخلي. فالاحتلال أمره سهل مثل احمرار الجلد بالالتهاب السطحي فيتظاهر بالألم الموضعي والاحمرار والحرارة ومعالجته هينة. أما السرطان فهو على العكس تماما ينتشر بدون ألم ويتسرب خفيا لواذا وينتشر على غفلة مثل الورم القتاميني (وحمة أو شامة الجلد) وإذا اكتشف مبكرا فعلاجه الاستئصال الواسع، وإن تأخر قضى على المريض فلا عودة. كذلك هو حال السرطانات الاجتماعية كما هو الحاصل في سوريا. تضم قائمتها الحالية البتر والهرب والديكتاتورية الطائفية البغيضة. لحسن الحظ الأفراد يموتون ولكن المجتمعات لاتموت بل تنهض من رقدة الموت ولو بشكل مختلف وهو الذي سيحصل مع سوريا حتى نهاية القرن الحالي. وحين تفجر الربيع العربي دخلت سوريا منعرجا خطيرا في الانزلاق إلى مستنقع أشد هولا من كل مامر من التسلح والاحتراب الدموي. المستنقع هو الطائفية وليس المرض الوحيد. وعلينا وضعه تحت مبضع التشريح لفهمه. وكان ابن خلدون بارعا حين وضع عنوانا لمقدمته في اعتراف غير مباشر للتعددية حين قال كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أخبار العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.
الطائفية مرض مثل الخراج الخفي. موجود في أكثر من قطر عربي. والكل يعلم به. والكل يكذب فلا يعترف به إلا همساً للرفاق والإخوان. والكل يكذب على الكل. والكل يصرّ على الأسنان للانتقام يوم لا ينفع مال ولا بنون.إلا من رحم ربك اللطيف المنان؟
ومن ينطق به يحاكم بتهمة الطائفية فيندم على اليوم الذي ولدته فيه أمه ويقول يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا؟
وأفضل علاج له الاعتراف به. كما أن أفضل علاج للخرَّاج فتحه للخارج. وإلا فتح نفسه للداخل فأصيب المريض بتسمم دموي فمات به.
ولكن هل اعترف البابا الكسندر السادس أنه مصاب بالزهري؟
والعالم العربي مصاب بمرض الطائفية وآخر من شكله أزواج. من أمراض (القبلية) و(احتقار المرأة) و(الإيمان بالغدر) و(تأليه الزعيم) و(عبادة القوة).
لقد دخلت مستوصفا قميئا في الجولان (خان أرنبة حيث احترب يوما جيشان) فرأيت 17 صورة للثالوث المقدس من الآب والابن والروح القدس، وهي صور مكررة في معظم مطارات العروبة، في إحياء لمركب الأقانيم الوثني في ديار تزعم أنها إسلامية؟؟
ويتحول نظام الحكم إلى شكل فرانكنشتاين ليس فيه مقومات الحياة، إلا أن يقتل؛ كما قتل بيده من أوجد فرانكنشتاين، كما حصل مع دوللي النعجة المستنسخة.
ووضع العرب هذه الأيام يذكر بجو دول الطوائف في الأندلس، أو جو الفرق المذهبية قديما، بين (معتزلة) و(شيعة) و(خوارج) و(مرجئة) و(قدرية) في خمس شعب، لا ظليل ولا تغني من اللهب.
فأما الشيعة فقد رفعوا من قدر علي وذريته؛ فزعموا أن القمر نزل في حضنه، وأن في دمه كريات حمر مختلفة مقدسة. وأما الخوارج فكفروا الجميع وقَتَلوا وقُتِلوا.
وأما المرجئة فهم أولئك السياسيون الملاعين والعسكر الخائبين، الذين يرون أن الله يغفر الذنوب جميعا، ولو قتل القاتل أمة من الناس؟ يكفي أن يلوك الإنسان كلمات سخيفات بلسان مصاب بالآفت (القلاع). وأما القدرية فقالوا بالحرية الإنسانية المطلقة، ودوروا القمر والشمس بأصابعهم، وعلى هذا الفكرة ذبح الجعد بن درهم.
وأما المعتزلة فحاولوا تحريك العقل، في وسط يموت، فماتوا مع الأموات، إلى يوم الدين..
واليوم تنهض هذه المذاهب بكل أمراضها وعيوبها، من التوابيت، وترجع إلى الحياة، ونحن مذهولون من هذه الرؤية غير المتوقعة، لجثث تدب فيها الحياة مذكرة بالزومبي.. ونقول يا ويلنا من بعثهم من مرقدهم؟؟؟
وما جري في العراق وسوريا وباء طام، يهدد كل المنطقة بطوفان نوح، من المذابح الطائفية والمذهبية، فبعد أن سبح العرب طويلا في قذارات النتن القومي البعثي، يتحول زورقهم المنكوب، إلى مستنقع أشد هولا وقذارة؛ من المذابح الدينية، باسم الله والصليب، وعلي والحسين، والحاكم بأمر الله الفاطمي، في رحلة انقلاب في محاور الزمن، نكسا إلى العصور الوسطى الظلماء.
وهكذا فبدل دخول الحداثة؛ ينتكس العرب على وجوههم، عميا وبكما وصما، مأواهم جهنم الطائفية، كلما خبت زدناهم سعيرا.
وإذا كان صدام قد حول البعث العراقي، إلى ماكينة للعبادة الشخصية بتجنيد المرتزقة والعشيرة، فقد فعل البعثي الأخر من فصيلة السنوريات في سوريا الأسد بتجنيد الطائفة والعصابة من الأزلام إلى ماكينة للعبادة الفردية.
يضاف إلى كل حزمة الأمراض السابقة من الأمراض تسلط ديناصورات أمنية تقذف بشرر كالقصر تذكر بملائكة العذاب عليها تسعة عشر.منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك.
اقرأ المزيد