ويبدو أن الطغاة العرب ليسوا النموذج المتفرد في العالم فهناك ما يعزيهم ويغريهم من بقايا جيوب ستالينية في بورما وكوريا الشمالية وكوبا كي يعلنوا البيعة الأبدية لأنفسهم أو تكرارها مثل حبات المسبحة في ثلاث وثلاثين انتخابا، حتى يضطر الشباب أن يصرخوا في المظاهرات كفى، ويلبسون قمصانا كتب عليها "لا لإعادة الانتخاب .. لا لوراثة الحكم". بعد أن استعد حسب الله السادس عشر للانتخاب الخامس. وهو ليس الوحيد في غابة العروبة. حتى خسف الله به الأرض ولكنه بعث من جديد مثل طير الفينيق فالعسكر فيها روح أوزيس وازيريس الفرعونية.
ثم حدث الحدث الجلل فاحتشدت كل طاقة كوريا الشمالية من أجل حدث جلل وكان يومها الاحتفال بمولد كيم يونج الثالث بعد الستين (63) ، وجاءت التعليمات خاصة للنساء أن لا يزيد طول شعر الواحدة منهن عن 7 سبعة سنتمتر. وقبل هذا في مطلع فبراير عام 2005م أعلن القائد المحبوب أن كوريا الشمالية أصبحت دولة عظمى فقد امتلكت السلاح النووي؟ وهو صنم لا يضر. أو بتعبير (فؤاد زكريا) في كتابه (خطاب إلى العقل العربي) إنها أسلحة ميتة مميتة ليست للاستخدام ولكن لماذا ينتجوها؟
والدول المعروفة حتى اليوم والتي تملك السلاح النووي هي ثمانية وتملك ما تدمر الكرة الأرضية وتفني البشر عدة مرات، وإفناء البشر مرة واحدة كافي، فـ (أمريكا) عندها من المخزون النووي (10656) رأساً نووياً، محمول على 116 نوع من القاذفات من عمق الأرض (السيلو) أو من بطن الحوت (الغواصات) مقابل (روسيا 10000) و(الصين 402) و(فرنسا 348) وإسرائيل (أكثر من 200 رأسا) ومن أجيال ثلاثة وما أدراك ما الأجيال الثلاثة؟ وبريطانيا العظمى (185) وباكستان (30 ـ 50) والهند (30 ـ 40).
والآن تنضم كوريا الشمالية إلى نادي الأشرار النووي ببضع قنابل قابلة للزيادة، بعد أن أعلنت انسحابها من اتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة النووية، وضحكت على أمريكا وأوربا والعالم، وحصدت مليارات الدولارات وهي تهيئ في الخفاء ليوم الفصل العظيم. ثم لوحت بصاروخ (رودونج ـ واحد Rodong I) طار فوق رؤوس اليابانيين يئز أزا، وعدواتهم مع اليابانيين قديمة وشديدة، وكيم سونج الوالد قاد حرب التحرير في الحرب العالمية الثانية ضد اليابانيين تحت تدريب وأموال وتوجيه ستالين، حيث ولد هناك (كيم يونج) في معسكر روسي للتدريب في منطقة نائية في (شاباروفسك Chabarowsk) ثم فقد والدته عام 1949م ليصبح تحت وصية زوجة والده (آي Ae)، وكلمة آي هي الوجع في اللغة العربية وكذلك كانت هي له عدوا وحزنا، فقد حاولت أن تدفع بابنها لتسلم العرش بعد موت سونج الثاني، ولكن (كيم يونج) استطاع عام 1974م بشراسة ودهاء أن ينتزع العرش لنفسه، ثم يتولى قيادة المخابرات، ومن حكم المخابرات في عالم المافيات الاشتراكي حكم البلد، كما هو الحال في جمهوريات الخوف والبطالة عند العربان. وقبل ذلك بسنتين عام 1972 قام بحذف تعريف كلمة (الحكم الوراثي) في القاموس الكوري الذي نص على أنه "نظام رجعي نهاب" وهكذا كسب القاموس كلمة وخسر الواقع حقيقة.
وغلطة أمريكا مع بقايا الطغاة في العالم أنها بدأت في الحلقة الضعيفة من السلسلة حيث ألقت القبض على صدام مثل الجرذ في مجرور تحت أرضي، وتلوح أنها تريد التخلص من إيران وربي أعلم بما يدور في الخفاء فهو يعلم السر وأخفى. والأهم كما يقول الكاتب الأمريكي (بوب وود وارد Bob Woodward) في كتابه المعنون (خطة الهجوم Plan of Attack) أن التخلص من أخطر الديكتاتوريين في كوريا الشمالية كان يجب أن يتصدر القائمة، وأمريكا تعلم علم اليقين رحلته في الوصول إلى السلاح النووي، من خلال عملاء ألمان (كما ذكر ذلك التقرير التفصيلي في مجلة الشبيجل الألمانية ـ عدد 7 2005م ) (جوتهارد ليرش Gotthard Lerch) والأخوة تينر وجيرهارد فيسر وجايجز بالإضافة إلى رئيس مؤسسة تراديفين المدعو ماير) الذين حاولوا توصيل تقنية فصل غازات اليورانيوم على ظهر الباخرة (BBC China) إلى القذافي مع طنين من اليورانيوم ولكن الأخير تحت الخوف من أمريكا فتح بلده وحافظ على عرشه (مؤقتاً)، وسلم البضاعة لأمريكا فرست في مفاعل (أواك ريدج) النووي الأمريكي كما في قصة غواصة هتلر 234، فقد أرسل هتلر في أبريل 1945م بعد أن تيقن من الهزيمة واستعد للانتحار غواصة محملة بآخر وأهم تقنيات الحرب مع أول طيارة نفاثة قابلة للتركيب، مع أكثر من 500 كغ من اليورانيوم الجاهز للاستعمال فأصبح من غنائم الحرب للأمريكيين واستعمل اليورانيوم لضرب اليابان بدلا من نجدتها؟
والديكتاتور الكوري القصير كما هو الحال مع ملالي إيران يظنون أن السلاح النووي يقي الدول الاستبدادية من السقوط ولو عمرت على الظلم وأشلاء المعذبين. ولكن انهيار الدول يأتي من الداخل، وعندما انهارت دولة أشور لم ينقصها عتاد أو تقنية. والاتحاد السوفيتي انهار بدون هجوم خارجي، وهو يملك أسلحة تدمير الكون مرات، وبأقوى من كوريا القزم بعشرة آلاف مرة.
ومشكلة الطغاة في كل مكان هي واحدة فقد سئل القذافي قبل أن يقذف بشواظ من نار عن معنى الديموقراطية فقال إنها كلمة أصلها عربي (ديموكراسي) أي الديمومة على الكراسي. والمسخوط الآن في محكمة العدالة الالهية فلا ينتصران.
اقرأ المزيد
ثلاث جمهوريات بنفس قافية الحروف ولكن اللعنة واحدة. وحديثنا اليوم عن أحد الجيوب الستالينية المفزعة هي كوريا الشمالية. وهو يقول لكم ماذا يفعل النظام السياسي فهو بمثابة الدماغ فإن صلح الدماغ صلح الجسد.
وكما جاء في الحديث ألا أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله. وعندما خُسفت الأرض بصدام المصدوم كان حزن (كيم يونج II Kim Jong) زعيم كوريا الشمالية كبيرا فقد اختفى لمدة خمسين يوماً عن الأنظار، ثم ظهر على الناس ليقول: إذا كانت أمريكا تظن أننا سوف نتخلى عن أسلحتنا فخطؤها كبير.
وعادة الاختفاء هذه يقلد فيها آلهة الإنكا، أو بتعبير الفيلسوف البليهي (هالة الغموض وسحر الغياب). وفي علم النفس التحليلي يقول (سكينر B.F.Skinner) في كتابه (ما خلف الحرية والكرامة Beyond Freedom and Dignity) الذي ترجمته سلسلة عالم المعرفة إلى (تكنولوجيا السلوك الإنساني)أن هناك (علاقة عكسية بين مقدار التقدير ووضوح الأسباب). وأن مقدار ثنائنا على شخص يدير جهازا معقدا هي من غموض العملية أمامنا فإذا عرفنا سرها تبخرت هالة الشخص.
ويشرح (روبرت غرين) في كتابه (شطرنج القوة) أن علم الدجل يقوم على خمس درجات: ابق الأمر غامضا ـ ركز على البصري والحسي أكثر من الفكري ـ اقتبس طقوس الدين ـ موه مصادر دخلك ـ وأما الخطوة الخامسة فأقم حركية (نحن) ضد (هم). وهو ما اعتمده الطاغية: دمروا الإمبريالية الأمريكية.
وتحت هذا القانون فقد اختفى الرجل مع حداد والده ليس ثلاثة أيام بل ثلاث سنوات، ثم خرج على الناس فقال: إن القائد واحد، والتاريخ رحم ينجب العباقرة مرة واحدة، ثم قام بحركة مسرحية فاستغنى عن رئاسة البلد، وقال هناك قائد واحد (أبدي)، واتخذ لنفسه اسماً متواضعاً (القائد المحبوب).
أما العصابة من حوله فقد سمته الرمز والأمل، والمخلص، وهدية السماء إلى الشعب الكوري، والمهندس الأعظم في كل الأزمنة، والمخرج السينمائي الذي لن يلحقه فنان، والموسيقى الموهوب الأمهر بين كل نوابغ الموسيقى، وأن عنده ملك لا ينبغي لأحد من بعد.
وقريبا من (بيونج يانج) العاصمة أقيم متحف فيه 200 غرفة بأشد إضاءة ممكنة لبلد يحتاج لشمعة، وداخل المتحف صور تعظيم الأب القائد والابن الأمل بـ 49808 قطعة مهداة من 170 دولة مثل بارودة صيد من بوتين، وشماغ من ياسر عرفات، وحقيبة من جلد تمساح من كاسترو، أو دب اصطاده تشاوسسكو بنفسه وحفظه محنطا فأهداه للرفاق، وأما خارج العاصمة حيث يرتفع تمثال الأب بأعلى من ناطحة سحاب فلا شيء يعمل، والشيء الوحيد المتماسك هو الجيش والمخابرات، والشيء الوحيد الذي يصدرونه هو تقنية الصواريخ، وهم قاموا بتبادل فني مع باكستان فأعطوهم الصواريخ، وأخذوا منهم تقنية الوصول للقنبلة النووية، كل ذلك على يد (روبن هود) العصر النووي العالم الباكستاني (عبد القادر خان) الذي زاد مشاكل العالم مشكلة، وأدخل الشرق الأقصى رحلة سباق تسلح.
وقصة الطاغية في كوريا الذي يلوح حاليا بالدمية النووية ترجع إلى عهد ستالين، فقد نصب الشيوعيون والده (كيم سونج الثاني Kim II Sung) على كوريا الشمالية عام 1948 م الذي حكم مثل جنكيزخان وبول بوت لمدة 46 سنة حتى نفق عام 1994م، ثم جعل الحكم الثوري ملكيا، كما هو الحال مع الثوريين العرب الذين جاءوا حفاة عراة فتركوا لأولادهم العروش الملكية بعباءة جمهورية فضفاضة.
وكيم يونج يحب النساء السويديات حصرا بسيقان طويلة، وتحت تصرفه سيارة مرسيدس بقيمة عشرين مليون دولار مما يذكر بعدي وقصي، وينطلق في شوارع (بيونج يانج PJOENGJANG) مع مسدس يتسلى به في إصابات أنوار أعمدة الكهرباء، وأكثر ولعه بأفلام الرعب وجيمس بوند، وعنده وهو الاشتراكي 20 ألف فيلم غربي، وحينما أعجبته الممثلة (شوي اون هوي Choi Un Heu) عام 1978م خطفها من هونج كونج ثم ألحق بها المخرج (شين سانج أوك Shin Sang Ok) حتى تمكن الاثنان من الفرار لاحقاً من جمهورية الجوع.
و(القائد المحبوب) قتل عام 1974م زوجة رئيس كوريا الجنوبية (بارك شونج هي Park Chung Hee) ـ كما في قصة قتل الحريري في لبنان ـ وأكملها بقتل حفنة من الوزراء (الكوريين الجنوبيين) كانوا مجتمعين في رانجون عاصمة بورما عام 1983م ، وثلثَّها بقتل 115 بريء على ظهر طائرة كورية جنوبية، كما في قصص قتل جنبلاط ومعوض وحسن خالد والرائع سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة الحوادث، الذي جاء إلى جنازة أمه في بيروت فلحق بها بعد أن كسرت المخابرات السورية أصابعه التي بها يكتب، وهو مصير كاد أن يلحقني حينما ذهبت لجنازة والدتي في الأردن ومن نجاني كان جواز سفري الكندي. فلا أمان في غابة العروبة لقط أو طير.
والمشكلة عند (القائد المحبوب) في طوله 160 سنتمتر، ولذا فهو ينوع أشكال روافع الحذاء بأكثر من أحذية النساء بدون فائدة، ويستعين عن قصر القامة بلبس بدلة طويلة؟ ويحكم البلد مثل مافيات المخدرات فيتاجر بكل شيء بما فيها تزوير الدولار فليس من مهنة قذرة ولو كانت قاذورة.
اقرأ المزيد
مع نهاية عام 2021 م كان معظم الناس على وجه الأرض يربضون في بيوتهم مع احتفال محدود على تخوف من فيروس خفي يضرب الأرض ومتحوراته وتغيرات شكله على نحو متقلب يقف العلم والعقل حائرا تجاه هذا الكيان الهش بأحجام لايرى إلا مكبرا عشرات الالاف من المرات.
وأذكر جيدا حين مرت أيام وفي وقت متقارب بين أعياد الميلاد وكربلاء، وبين عيد الميلاد وعيد المسلمين وهو أمر أذكره جيدا حيث ترعرعت؛ فأنا رجل ولدت في مدينة اسمها (القامشلي) فيها عشر لغات، وثماني أديان، بما فيها المسيحية المنقرضة (النسطورية)، وعشرين لهجة (كوسموبوليتيان) بين سريان وأرمن وآشوريين، وطخلركه وكرمنج وشيعة، وماردينيين وداغستان، وشمريين وعلوية، وشراكسة وشوام، وكلدان ودروز، وكاثوليك وبروتستانت، ومحلمية وعبدة الشيطان من اليزيديين. وطبعا هم لايسمون أنفسهم أنهم عبدة الشيطان بل لهم فلسفة لاتخلو من معقولية عن تفسير الشر في العالم أن الشيطان يحكم العالم لفترة عشرة آلاف سنة واسمه طاووس ولذا يتجنبونه خوف بطشه وشره فلا يتعوذون بالله من الشيطان الرجيم ويتجنبون أي كلمة فيها شين وطاء مثل مشط وطشت وشاط وطاش مطاش وشطيح ولطش. ويمكن عقل إي انسان وحبسه إذا رسمت حوله دائرة فلا يخرج مالم يأتي أخر فيمسح طرف الدائرة فيخرج!
وهكذا فالقامشلي المدينة العجيبة التي ولدت فيها سريالية كل شارع بلغة ومدرسة وكنيسة، وكل دكان بطربوش وطاقية وعمة وعقال وشرشوبة وشروال؟؟ كأننا في هوليوود في فيلم تاجر البندقية!!
والدي اعتمر الطربوش العصملي الأحمر، وخالي يونس من عشيرة طيء بعقال، وخال آخر كانت من نصيب جدي فتزوجها (الذي تزوج مثنى وثلاث ورباع منها تركية من مدينة سامسون من البحر الأسود عائشة ومنها جاءت والدتي جاهدة وهكذا فأنا مزيج من شعوب البحر المتوسط وقزوين والأسود وبحر أيجا والمتوسط وجبال طوروس كما أظهرت ذلك أيضا لطخة الـ DNA عندي) وهي أرمنية كنت أراها وقد حسن إسلامها وتصلي الصلوات الخمس ولا تذكر من نكبة أهلها في تركيا شيئا سوى أنني كنت ألاحظ في عينيها العبرات تترقرق في المآق حين تذكر أمها. كانت تقول فصلوها عن أمها وترجت القوم أن يحافظوا على أخيها معها وكان لها ذلك. الأخ أصبح من موالي بيت البيطار في دمشق. اجتمعت به وعائلته الشامية الجديدة. وكان رجل ميكانيكي سيارات وهي صنعة لبوس للأرمن حيث حلوا وارتحلوا. ومن أم عدنان الشامية ولد له وصال وحنان وامتثال وزياد ومن امتثال جاء غلام اعتنق التدين الشامي ثم أصبح من الحزب القومي السوري الذي يؤمن بسوريا الكبرى أنِشأه نصراني اسمه انطوان سعادة اتهم بقتل رئيس الوزراء اللبناني الصلح فانتهت حياته على المشنقة. واجتمعت بابن امتثال في مؤتمر في بروكسل وكان مع رجل أسمه شقرا رئيس الحزب القومي السوري الاجتماعي وأنا أتأمله متعجبا من تصاريف الزمن من أرمني إلى صوفي إلى قومي واعجبا واعجبا.
وكما أشرت فخالي طلعت كانت أمه من أصول مسيحية أرمنية من أيام (القفلات = القوافل من طوابير النقل الجماعي الذي قامت به الدولة العثمانية بعد التمرد المسلح في شرق تركيا) وهو لا يعلم، أو يعلم ولا يصرح، وهي تلك الزيجات التي تمت أثناء الترحيل القسري للأرمن من تركيا في عشرينيات القرن الفائت، ففاز البعض بالفتيات الجميلات، وهن نجون من التشرد والدعارة، فأسلمن وحسن أسلامهن، وقصص التاريخ مرة حزينة..
لذا لا غرابة عندي إن ناقشت أرثوذكسيا عن سبب انشقاق الكنيسة عند صدع البلقان على طبيعة الآب والأبن والروح القدس، ومن أين اشتق روح القدس هل من الآب أم الابن أم من كليهما معا؟ أو كاثوليكيا لماذا يرسمون صدورهم بالصليب وهي أداة قتل المسيح؟ وهل يقدس أهل القتيل المسدس الذي قتل به ولدهم؟
كنا نحتفل معهم في أعياد الميلاد، كما نحتفل برمضان والضحية، وجوزيف بدكانه المختص ببيع العرق والويسكي؟ الملاصق لدكان والدي يبيع كل أنواع الخمر المعتقة؟
أصدقائي رافع أبو الحسن الدرزي، وهابو وأخوه جيجي الأرمني، وجودت وابن أخيه سمير العلوي، وجورج ابن الصائغ الكاثوليكي، ودنحو السرياني (الوزير الحزبي الذي اجتمعت به أثناء الإمساك بي في درعا يوما)، ومروان شريف المردلي (الشارد من البعث إلى الطليان لاحقا) من نفس ملتي، قبل أن يرسخ حزب البعث الطائفية إلى درجة القرف والتقزز وحواف الحرب الأهلية..
هكذا كان حالي حتى جئت بلاد السلفية والوهابية فرأيت العجب؛ وأفهم هذا لأنهم مثل طيور البطريق إذا اجتمعوا في الانتراكتيس (القطب الجنوبي)، فلا يفرقون عن بعضهم في عقال وغطرة ودشداشة، ولأنهم محرومون من الرؤية الفراغية، والتباينات المذهبية، فلا يتصورون إلا لونا واحدا من الطعام واللباس؛ الكبسة والعباءة والغطرة...
وأذكر في يوم من أيام عيد الميلاد، كيف تربص (الشباب الطيبة) بمجموعة من الممرضين والممرضات الفيليبينيين، فكبسوا البيت عليهم عسى أن يضبطوهم متلبسين بالجريمة النكراء وهم يحتفلون بعيدهم الذي احتفل به أجدادهم من قبل، ويحتفل به أهلوهم في كل مكان...
إن الشباب الطيبة من المتعصبين المتشددين، يرتكبون ثلاث جرائم دون أن يشعروا برائحة جريمة؛ التجسس على القوم، ودخول البيوت من غير أبوابها، واقتحام الخصوصيات من غير استئذان، وأخيرا نار التعصب لظى نزاعة للشوى..
والله حرم التجسس، وحرم الاقتحام، وأمر بالاستئذان والرحمة والمرحمة...
ولكن بيننا وبين هذه المفاهيم الإنسانية مسافة قطر المجرة مائة ألف سنة ضوئية!!
وفي النقاش الذي دار فيما سبق بين جيمس سواكرت وديدات قال له؛ سمحنا لك بالتبشير بالإسلام هنا في بوسطن وفيلادلفيا ونيوجرسي؛ فهل يمكن أن تعاملونا بالمثل فنعرض أفكارنا بين أظهركم كما فعلتم بنا؟
كان جواب ديدات ـ رحمه الله ـ نعم حين تأذن تأشيرة دخول لبلدنا، وهي أن تعلن إسلامك؟؟
والأمر يصلح للنكتة وليس للنقاش؟؟
الله يقول ولا تخاطبوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، ونحن حريصون على أن نخاطبهم بالتي هي أسوأ..
وفي يوم عيد الميلاد المجيد بدل أن نهنئهم ونبذل لهم المعروف؛ فإننا جدا حريصون على اعتباره بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار؟
أما رفع الرايات والصور في عبادة الشخصيات فليست بدعة، والفتوى جاهزة بمعول يناسب فتحة هدم الإسلام..
وهكذا فلا يجوز مبادأتهم بالسلام، وإذا كنا في طريق يجب أن (ندفشهم) على جنب، ونجبرهم إلى أضيق الطريق، وتحويل حياتهم بيننا إلى جحيم وعداوة، تحت أحاديث مشبوهة عرجاء برصاء شوهاء عوراء.. ..
لا عجب أن علَّم ابن حنبل ابنه خمسة آلاف حديث مكذوب، ليقول له في النهاية إذا مرت عليك فانتبه لها فكلها أحاديث مكذوبة..
اقرأ المزيد
منذ أيام مسيلمة وسجاح راج سوق المشعوذين والمنجمين بل وفي كل عام يخرج علينا أناس يزعمون أنهم يقرأون المستقبل. بل مما علمت أن كل رئيس دولة معه منجم يشير عليه! ومما نقل عن الاسكندر إنه حين اراد اجتياح الشرق مر على مصر وكان ثمة كرة خيطان عليه أن يفكها فما كان منه إلا ان ضربها بالسيف فانفلقت ! فزع كهنة آمون وكان جوابه هذا هو الحل كما قال شاعرنا السيف أصدق انباء من الكتب. وما زال التاريخ الإنساني يمشي ببطء نحو العقلانية. وحاليا لولا وجود سلاح الفناء الكامل لدخلنا حربا كونية. مع ذلك فالجنس البشري مهدد بحماقات من نوع ترامب وبوطين.
نحن الآن ندخل عام 2021 ميلادية وسيكون رائعا لو أمكن قراءة المستقبل، وهو ما دأب المفكرون منذ القدم على محاولة سبر غور المستقبل؛ ففي القرن الثالث عشر للميلاد تصور الراهب الدومينيكاني (روجر بيكون ROGER BACON ) ( 1216 ـ 1292 م) من مؤسسي المدرسة السكولاستيكية، تخيل الناس وهي تركب عربات حديدة مبردة مقفلة تقطع المسافات على شوارع، تشنف الآذان بصدح فرقة موسيقية طول الرحلة، وهو واقع السيارات اليوم، كما تصور ذلك على قضبان حديدية، وهي القطارات التي وصلت الى مستوى الطيران فوق وسادات مغناطيسية بارتفاع عدة سنتمترات بسرعة 500 كم \ ساعة.
وفي القرن الخامس عشر دشن عبقري النهضة الإيطالية (ليوناردو دافنشي LEONARDO DA VINCI)(1452 ـ 1519 م) حزمة من الاختراعات العجيبة؛ من التلفون وغازات القتال السامة والتوربينات، وتصور (الباراشوت) على صورة هرم مقلوب مفرغ يتدلى منه انسان بحبل؟
وفي القرن السادس عشر قام الفلكي يوهان كبلر (JOHANNES KEPLER)(1571 ـ 1630 م) بوضع تصاميم النزول على سطح القمر، وهو مشروع أبوللو الأمريكي لاحقاً.
وفي القرن السابع عشر قام جون ويلكينس (JOHN WILKINS) بوضع تصميم الحاكي (الجرامافون GRAMMOPHON).
وبدأت موجة الخيالات العلمية (SCIENCE FICTION) تظهر على السطح بشكل مكثف منذ بداية الثورة الصناعية، لتبلغ ذروتها مع الرسو على سطح القمر.
وفي عام 1840 م وصف الشاعر الأمريكي (ايدجار آلان EDGAR ALLAN ) لأول مرة فكرة (السايبورج CYBORG) شبه الكلي؛ على هيئة بشر بأعضاء صناعية، على غرار فيلم (يد من حديد HAND OF STEEL ).
وبعده بخمس سنوات عام 1845 نشر الكاتب الفرنسي (ايميل سوفيستر EMILE SOUVESTRE) نظرة مستقبلية بعنوان العالم كيف سيكون (LE MONDE TEL QU, IL SERA) وتجري أحداث القصة عام 3000 م.
وحسب نظرة الفرنسي (سوفيستر) سيكون هناك (اوتوبيا) عالم مثالي بمصانع كاملة ذاتية الآلية، ومدن بشوارع تحت الأرض (تنشيء الآن في اليابان أو فكرة أنفاق المترو عامة) ومناخ ينظم باليد (قريب منه اليوم مكيفات البيوت) وأهم من ذلك تنبؤه بمناخ اجتماعي، منظم بصرامة، تتحكم فيه تربية جماعية، مما يحوله الى مجتمع حديدي بارد، في صلابة الحديد وبرودته، وتبخر العواطف الانسانية والعلاقات الحميمة.
وفي نهاية القرن التاسع عشر بدا عصر الازدهار لتخيلات المستقبل بكثافة أشد
ولعل أهمهم الكاتب الفرنسي جول فيرن (JULES VERN) في روايات متعددة له مثل الرحلة الى مركز الأرض، وعشرين ألف فرسخ تحت الماء، الذي مثله السينمائي الأمريكي (كيرك دوغلاس) في فيلم أخَّاذ، وطبعت الملايين من نسخ الروايات وبعدة لغات، ورواياته رائجة حتى اليوم. وفي بريطانيا وحدها ظهر قرابة 55 كتاباً عن الرحلات الى الكواكب بين عامي 1889 ـ 1915 م. وكتب المؤرخ البريطاني (هربرت جورج ويلز H . G . WELLS) كتابه المشهور حول حرب العوالم وآلة الزمان.
ولكن بدأت صورة العالم المستقبلي الخلاَّب في الانكماش يجللها الفزع، عندما كتب ويلز قصته (العالم يعيش حراً THE WORLD SET FREE) عام 1914 م يصف فيها النتائج المروعة لتفجير القنبلة الذرية، ولم يخب ظنه فقبل موته اكتحلت عيناه برؤية ماوصفه بقلمه من آثار تفجير السلاح النووي فوق رؤوس اليابانيين ؛ فكان أكثر المتنبئن صدقاً ولكن في الاتجاه السلبي القاتم .
ثم ظهرت روايتان الأولى : لجورج أوريل (GEORGE ORWELLS)(عام 1984 م) التي يصف فيها نظام توتاليتاري مرعب يمسك برقبة العالم، مسلح بكل التقنيات الحديثة، الى درجة التحكم في عواطف الحب بين الأنثى والذكر، مثله فيلم قصة المزرعة (THE FARM). والثانية: رواية (الدوس هكسلي ALDOUS HUXLEYS) عن العالم الجديد الجميل، وفيه أشارة الى فكرة الاستنساخ التي نجحت في عام 1996 م وتم عرضها على الرأي العام العالمي للمرة الأولى في فبراير عام 1997 م على يد ايان ويلموت الاسكتلندي، قبل أن تقتل من نفس الفريق العلمي للآثار غير المشجعة.
هاتان الروايتان فجرتا المخاوف الانسانية في القرن العشرين لإمكانيات حدوث تحولات مريعة في المجتمع تبرر تشاؤمية الفيلسوف الدنماركي ( كيركجارد ) التي أطلقها قبل أكثر من 150 سنة بأن كل تقدم علمي سيوجه سلباً الى صدورنا لاحقاً ، في انهيار كوني لافكاك منه ولاخلاص. وهو ماحاوله الفيلسوف الألماني المحدث (يورغن هابرماز JUERGEN HABERMAS) من مدرسة فرانكفورت ، شق الطريق فيه الى عالم مابعد الحداثة ، في محاولة إنقاذ مايمكن إنقاذه من العقلانية الغربية.
اقرأ المزيد
ومع أن القرآن يذكر كلمة (الشهادة) ومرادفاتها 82 مرة (شهيد 36 مرة) و(الشهداء 20 مرة) و(الشهادة 26 مرة) ولكنه لم يذكرها مرة واحدة بصدد القتل والموت، بل بمعنى مختلف هو الحضور الواعي (أو ألقى السمع وهو شهيد) (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض) (والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود) (والله على كل شيء شهيد)(أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت)(عالم الغيب والشهادة) (ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين) أو بمعنى الإقرار والاعتراف (قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا) أو الجمع بين الأمرين (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين).
وبهذا تكون (الشهادة) ليس ما يعنيها الناس من الموت في سبيل الله حصرا، بل على نحو أدق التمثيل المميز (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).
ومنه جاء كلمة (الشاهد) في المحكمة لأنه إنسان عاين الواقعة بدقة، بأذن واعية وألقى السمع وهو شهيد، فهو يدلي (بشهادته) أي يفيد بما حدث صدقا وعدلا. و(الشهادة) بذلك أي الدخول في الإسلام والنطق بالشهادتين هي الاعتراف والإقرار بصدق ووعي (أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)، ولكن السياسيين يطلون أصنامهم بدهانات إسلامية فيخطئون مرتين: أولاً بنسبة ما ليس للألفاظ منها، وثانياً بالخطأ فيما يريد القرآن من هذا اللفظ فيوظفونه في القتل والإجرام؟
وهذا الكلام يفيدنا في أن نرجع فنحرِّر المعاني كما يقول (ابن خلدون) ثم نكسي المعاني ثوب الألفاظ.
ونحن في العالم العربي مغرمون بالألفاظ فيخسر الواقع حقيقة، ويكسب القاموس لفظة، كما يقول (النيهوم)، فنسمي الشهيد من يقتل في سبيل قضية وبدون قضية؟ والشهادة بمعنى الحضور الواعي للعالم والإدلاء بالرأي شيء لا علاقة له بالإرهاب والقتل والجريمة.
ستكتب شهادتهم ويسألون؟
وتحت هذا المفهوم قد يدخل من يموت صادقا في سبيل قضية إنسانية كبرى. وهنا يؤدي دور الإقرار والاعتراف لصدقه وتعلقه بفكرته والإخلاص لها بغض النظر عن صحة الفكرة.
وليس هناك من صدق أكبر من أن يقدم الإنسان حياته في سبيل قضية كبيرة.
وقد يقتل الناس من أجل عفونات كثيرة من الصراع القومي والعرقي والطبقي والفئوي، ويحصد الناس حصدا في الحروب الأهلية مثل الذباب، كما حدث في لبنان وراوندا والجزائر.
كما قد يموت أناس من أجل حفنة دولارات أو مصالح تافهة أو صراع على أرض. ولا تساوي كل الأرض سفك دم إنسان واحد.
ولا يوجد أرض مقدسة في نظر الإسلام؛ فالقدسية لا تخلع على التراب، ولكن تستمد قدسيتها من (القدوس) السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر عالم الغيب و(الشهادة).
وهنا يجب التفريق بين (الموت) من أجل فكرة و(صدق) تلك الفكرة. فليس كل من يموت من اجل فكرة يعني تلقائياً (صحة الفكرة). ومات الكثير من الشيوعيين والفاشيين والملحدين من أجل أفكارهم فلا يعني هذا أن الشيوعية كبد الحقيقة أو أن الفاشية منتهى التاريخ.
وهناك أناس تافهون ماتوا من أجل قضايا تافهة.
وتذكر صحفية مصرية راقبت المشنوقين على يد (العشماوي) أن أثبت الناس جنانا كان تاجر مخدرات دخَّن سيجاره قبل الموت وضحك لمن حوله، وقال: هل هي سوى موتة، وهي موتتي، وكل الناس تموت، ولا يفر أحد من الموت، وسنموت على كل حال بشكل وآخر. فعاش مجرما ومات فيلسوفا.
وأمام هذه الحقيقة كان الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) عندما يسأل: هل عندك استعداد أن تموت من اجل أفكارك؟ كان جوابه: لا .. لأنني قد أكون مخطئاً فأموت عبثا؟!.
وفي الفلسفة المسيحية ينقل الإنجيل في أعمال الرسل أن البذرة حتى تتحول إلى شجرة يجب أن تدفن. وعلى ما يبدو أن الأفكار تخلد وتنتشر بهذه الطريقة. وهي تفسر طرفاً من الآية أن من يقتل في سبيل الله حي عند الله بطريقة وأخرى. ومن يموت من أجل أفكاره يدفع الحياة في أفكاره.
وكسبت أفكار سيد قطب طابع القدسية بعد شنقه فخدمه عبد الناصر أكثر مما آذاه. فنشر أفكاره من حيث أراد القضاء عليها.
والرجلان بين يدي رب العزة الآن يختصمان.
ومن ظلمات الديكتاتورية والظلم ولدت ظاهرة (الظواهري) فانتقل إلى أفغانستان فكان عبد الناصر مثل الجراح الخايب، الذي فتح بالسكين على السرطان؛ فلم يستأصله بل نشر السرطان بأشد مما كان.
ونفس سيد قطب يقول إن "كلماتنا تبقى عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الحياة"؟!
ولكن الكلمات منها الصحيح ومنها القاتل؛ فإذا عاد فرانكنشتاين إلى الحياة تعدى الأمر فلم يعد مزحة بسيطة بل رعب مخيف.
ومع إعدام مروان حديد في سوريا غرق البلد في حرب شبه أهلية؟
فهذا قانون...
وكل كتاب ممنوع ينتشر أكثر... .
وكل محظور مرغوب...
وكل أشجار الجنة لم تكن كافية لآدم فذهب إلى الشجرة الوحيدة المحرمة فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما.
وليس ألذ من اتصال جنسي في الحرام.
وترك الملك إدوارد الثامن كل الملك والمال من أجل عيني امرأة؟
وسقط سور الصين من اجل محظية جنرال.
وهنا تحضرني قصة؛ ففي مناسبة ما يسمى (يوم الشهداء) تبارى الخطباء في تمجيد الشهداء، بحضور مجموعة من الأمهات المفجوعات، كما كان يفعل الترابي مع حملات الجنوب، التي كان قرابينها خمسين ألفا أو يزيدون، قبل رفع الراية البيضاء للسلام، في يد سياسيين كذابين، حتى جاء دور رجل فتوجه إلى الأمهات قائلاً: لا يغرنكم قول هؤلاء فلم يكن أولادكن سوى قرابين بشرية لأصنام هؤلاء؟؟؟
فاحمرت الأحداق واشتدت القبضات، ولكنه نجا من أيديهم، وخرج من بينهم بدون أن يضربوه بالنعال على الوجوه والأدبار.
أما الرجل فكان داعية السلام جودت سعيد ....
اقرأ المزيد
ليس هناك كلمة تهز الوجدان مثل الشهيد. ولا يوجد كلمة أسيء استخدامها مثل كلمة الشهيد. ولا يوجد كلمة غامضة مثل الشهيد. ولا يوجد كلمة مضللة مثل كلمة الشهيد. وفي القرآن جاءت مفردات هذه الكلمة 82 مرة ولم تكن مرة واحدة فيما يريده ويكررها الناس.
وفي الحقبة الناصرية (جمال عبد الناصر والوحدة العربية بين مصر وسوريا) ما زلت أتذكر نفسي، وكنت يومها طالباً في المرحلة المتوسطة، وكانت لا تمر ثلاثة أيام؛ إلا وخرجنا نهتف بحياة شهيد من الشهداء، منهم الشيوعيين، وانتهاء بصانعي الانقلابات!
وفي يوم كانت المظاهرة للهتاف بحياة (الشهيد) (باتريس لومومبا) وكان الناس يتهامسون من يكون هذا الرجل؟ وهذا ليس انتقاصا لقدره فقد رأيت عنه برنامجا في قناة الديسكفري فتحت عيني على حقيقة الرجل لأول مرة خارج الدجل الناصري وصيحات (الصحاف) القديم أحمد سعيد في صوت العرب.
وفي يومٍ مررت على قبر مجرم (عبد الكريم الجندي) لمع نجمه كجلاد ورئيس مخابرات في سوريا أيام البعث الأولى، وكان الرجل يحب استعمال نعله في التعذيب (الشاروخ)، فقرأت فوق قبره "ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون؟" وكان المجرم المذكور يحب ضرب كرام الناس بنعله على وجوههم كما ذكرت. ولم ينجو أحد من يده بمن فيهن النساء.
وفي يوم وقع تحت يده رجل دين مسيحي؛ فقال له أعلم أن الفاتيكان سيتدخل لإنقاذك، ولكنك ستمضي عندي يومان، هما في عمر الزمن سنتان، ثم أمر بحبسه في دورة مياه طافحة؟
ثم مات الرجل قتلا أو انتحارا بيد جلاد أدهى منه وأمر، ثم مات الرجلان إلى الأبد، كما كانت الجماهير المغفلة تزعق بحياتهما إلى الأبد، فهما الآن في دار الحق يختصمان.
وفي 22 يوليو من عام 2003م انتهت حياة قصي وعدي (السبطين!) قتلاً، كما قتلا الكثير من الناس؛ فذاقا من نفس الكأس، واتبعوا في هذه لعنة، ويوم القيامة هم من المقبوحين.
وفي الأردن اجتمع الناس لتلقي العزاء على سيدي شباب أهل الجنة السبطين عدي وقصي؟
ولا يستبعد أن تمتلئ كتب التاريخ بقصة (شهادة) البطلين وهما يقارعان (العلوج) الأمريكيين كما اعتدنا على الكذب في كتب التاريخ التي تدرس للطلبة المنكوبين.
وفي يوم انتشرت الموضة في العالم العربي فمنهم من سما ابنه (ستالين) وآخر ابنته (جيفارا) وثالث (سيد قطب)، والأولاد يحملون أوزارا فوق ظهورهم من أسماء لا ينتسبون لها إن لم يكن عكسها وغير مسئولين عنها.
وعندما قتل (آرنستو تشي غيفارا) الطبيب الأرجنتيني في غابات بوليفيا اعتبره الثوريون العرب سيد الشهداء مثل حمزة بن عبد المطلب.
وعندما يفجر الفلسطيني نفسه في حافلة فيقتل ويقتل يعتبر عند مفتي الديار في بلد ثوري، أنها (شهادة في سبيل الله) لا يقترب منها شهداء القادسية واليرموك.
أما اليهود فيسمون الفاعل إرهابياً وقاتل نفسه وانتحاري.
وما يحكم على عمل ما ليس الفتاوى والنصوص بل العواقب. وقل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى؟
وعندما يتصارع فريقان فيقدمان (قرابين) بشرية يعتبر القتيل في عين أهله شهيدا. وفي أعين خصومه مجرما.
والفرق بين (الجريمة) و(الجهاد) شعرة. وبين (الزنا) و(الاغتصاب) و(الزواج) أقل من شعرة؛ فكلها ممارسة لعمل جنسي، ولكن الأول يقوم على (السرية) والثاني على (الإكراه)، والثالث على (الرضا والقبول والإشهار).
وعندما جاهد (الخوارج) لم يكن عملهم جهادا، أما هم فسموا أنفسهم الشراة، أي من باعوا نفسهم في سبيل الله لقضية لم تكن ناجحة.
وإذا أراد الجراح استئصال زائدة دودية في سوق الخضار فإنه يعد قصاباً ولو كان سيد الجراحين.
فهذه الفروق لا يستوعبها الشباب المتحمس، وهم نصف معذورين، ولكن أئمة الفكر المنحرف هم الذي يسقون عقول الشباب بهذه السموم.
وليس هناك من أمر أكثر إثارة من (الجهاد) و(الاستشهاد) كما لا يوجد موضوع أكثر خطرا وضبابية منهما.
وفي يوم كان أحدهم يكلمني فقال ألا تقرأ قوله تعالى: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين"؟ فقلت له ألا تقرأ قوله تعالى: "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة"؟، وقوله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"؟
والقرآن حينما يقرأه أحدنا لا يجد في نهايته فهرساً للموضوعات مثل القتال والشهادة متى؟ وكيف؟ وأين؟ ومن؟ بل يجد آيات متناثرة مثل النجوم في قبة القرآن.
وإذا كنا في نجوم القطب نصل بينها بخط ؛ فنعرف الشمال من الجنوب، ونهتدي بها في ظلمات البر والبحر، كذلك الحال في آيات القرآن.
ورؤية فراغية بنيوية من هذا النوع مفيدة في فهم آيات القرآن.
والمشكلة مضاعفة في معالجة نظام الفكر.
فالعقلية النقلية هنا تواجه العقلية النقدية. وهي مشكلة أعترف أنها ليست سهلة الحل ولكن لا بد من خوض غمارها واقتحام لججها.
وابن لادن اعتبر أن تفجير أبراج نيويورك عين الجهاد وقمة الشهادة وضرب الكفار في دار الحرب حيث يستباح كل شيء؟ في الوقت الذي اعتبرت أمريكا أنه جريمة نكراء وانتحاريون مجرمون.
وكما يقول (نعوم تشومسكي) الناقد الأمريكي أن قرصاناً ألقي القبض عليه في زمن الاسكندر فبدأ في توبيخه كيف يزعج البحر؟ قال القرصان: أنا أنهب بسفينة صغيرة فأسمى قرصاناً أما أنت فتنهب شعوبا بأساطيل فتسمى إمبراطورا؟!
وعندما انتشرت مفاهيم (الجاهلية) من فكر (سيد قطب) في الستينات من القرن العشرين ومن ذيولها فكرة (العزلة الشعورية) مما دفع البعض إلى اعتبار أن احترام (إشارات المرور) هو احترام الجاهلية، وأن خرق أنظمة المرور هو عين التقوى؛ لأنه تمزيق شبكة المجتمع الجاهلي، لمسلم يعيش في مجتمع جاهلي (عضوياً) ويحاربه فكريا وعمليا.
اقرأ المزيد
ـ لم يواجه الإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر تحديا مثل الوقت الحاضر، المتدينون منحسرون ورجال الفلسفة يضحكون وأهل المخابر العلمية إذا مروا بهم يتغامزون.
ـ نشأت آلهة شتى من العلم والفلسفة في الوقت الذي انزوى الدين في جحر الإيديولوجية. وانحشر البابا في كيلومترات قليلة في الفاتيكان. ومهمة شيخ الأزهر لعن الثورات ودعم الحكام العسكريين.
ـ لم يعاني العالم منذ زمن الأنبياء حتى اليوم مايعانيه من الجفاف الروحي وعبادة آمون العجل الذهبي.
إنها قصة جحا قيمة الإنسان من ذهبه. فمن ملأ جحره بالذهب رفع علما يناسب المقدار وقد يكذب!
ـ في الوقت الذي يتحول الدين إلى علم يصبح عالميا فلا يختلف الناس حولهما. كما في حبة الإسبرين وأشعة رونتجن وجراحات الكولون وخياطة الجروح بالبرولين.
هل يختلف جراح صيني عن صربي في فتح البطن الجراحي، أم هل يتوانى الطبيب الألماني عن السعودي في استخدام الطنين المغناطيسي (MRI) والتصوير الطبقي المحوري (CT-Scan)
ـ مهمة هذا الكتاب محاولة صياغة معادلة تشبه معادلة آينشتاين بين الطاقة والمادة أنهما وجهان لحقيقة واحدة، أو أن المادة طاقة مكثفة، أو أن أحدهما يقود تلقائيا للآخر. كذلك نريد من هذه الدراسة تحويل الدين إلى علم والعلم إلى دين. وطبيعة المهمة كما نرى أن نجعل من باحث الذرة السجود لرب العالمين بخشوع، ومكتشفات الكود الوراثي في نواة الخلية بثلاث مليارات من الأحماض النووية أن يسبح العظيم الغفار.
ـ هدف الإديان واحد هو الاهتداء إلى المطلق ومعنى الكون والوجود ونظامه، ولعلها خطوط تماس حول دائرة واحدة مليئة بالألغاز والقدسية والمعنى. وبذا يتوقف الصراع عند هذه الحافة ونردد مع القرآن أن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والبوذيين والزرادشتيين والكنوفوشوسيين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ـ الدين يحرر الإنسان من أعظم شعورين ساحقين بالتوقف في الزمن وتعضل الحركة. الحزن شد للماضي. والخوف توقف عن اقتحام المستقبل، وبالتحرر من هذين الشعورين تتحرر النفس بطلاقة وتسبح عبر الزمن الممتد بدون سلاسل.
هذا ماقالته الآية وكرره الأنجيل أنه يرفع عنه إصرهم والأغلال التي كانت عليهم. ويكررها المسيح إن نيري خفيف.
ـ الدين بوصلة أخلاقية لايمكن للفرد أن يعيش بدونها، والمؤسسة الدينية ماكينة رعب اخترعها رجال الدين باسماء شتى من محاكم التفتيش والسنهدرين والأزهر لتأييد الطغيان، وهو ماجمعت بينهما الآية القرانية عن لعن الجبت والطاغوت: الطاغوت هو الطاغية وعسكره، والجبت هو رجل الدين بطربوش وعمامة ولفة وشروال وجلابية وقلنسوة وقفطان ومبخرة. يرسلون الجنود إلى المقابر ويملأون الجيوب بالدراهم.
ـ حين حطم المسيح عليه السلام موائد الصيارفة وأعشاش بيت الحمام في معبد القدس صرخ فيهم الويل لكم حولت معبد الله إلى ماخور! أيها القادة العميان إنكم كالقبور من خارج مطلي بالبياض ومن الداخل تملؤه النجاسات والعظام النخرة.
كذلك حال المؤسسة الدينية من أي دين كانت.
ـ أمراض أهل الكتاب واحدة سواء يعبدون الصليب أو يحجون للكعبة أو يهزون رؤوسهم بجنب حائط المبكى أو يقرعون الصنج ويلبسون الأصفر في لاسا بالتيبت. ولم يكن لله أولاد أحباء من النصارى أو اليهود أو المسلمين أو البوذيين، بل يعذب الجميع بذنوبهم وأخطائهم واقترافاتهم.
كان ذلك في الكتاب مسطورا.
اقرأ المزيد
كان الهدف الأول من فلسفة القرآن تخليص الضمير من أزمة الفناء في ظاهرة الموت فمامعنى الموت؟ ولماذا خلق الموت؟
نحن نعلم أن وسوسة الشيطان لآدم كانت في اثنتين: شجرة الخلد وملك لايبلى. الخلود مع بقاء الشباب وملحقاته من ملكيات القوة والصحة والمتعة من الطعام والشراب والأمن والجنس العائلة والمال. وفي الأساطير اليونانية يروى أن ملكة الحب افروديت عشقت شابا فطلبت من زيوس رب الآلهة في الأولمب أن يمنحه الخلود! وإذ اجتمعت الالهة واتخذت قرارها بمنحه الخلود غلطت أفروديت غلطا رهيبا لأنها لم تقلد الشيطان حين وسوس لآدم ليس فقط بالخلد بل ملك لايبلى! هنا بدأ العشق يذوي مع تقدم السن للمعشوق وتراكب الهرم والضعف والشيخوخة والمرض والخرف بل بدأ يثرثر بدون توقف على عادة المسنين الذين يحبون أن يسمع لهم أحد ترهاتهم. أنا شخصيا كنت أتمنى من والدي أن يشرح لنا الفترة التي عاشها وهي القرن العشرين؟
كان يتضايق من سؤالي حتى كان ذلك اليوم الذي قال نحن عشنا ولم نعش! وهو مخطيء بهذا لأن أشياء كثيرة من التحولات مرت به ويجب أن يسجلها. هنا ترد فكرة خطيرة أن كل واحد منا يظن أن الاخرين فعلوا شيئا وهو لم يفعل شيء؟ في الواقع فنحن وكل واحد منا قارة متنقلة من الأحداث والمشاعر والذكريات ولكن لانتفطن لهذا الحقيقة. المهم كانت النتيجة أن آلهة الأولمب اجتمعت مجددا لتمسخ المعشوق إلى صرصار الليل الذي لايكف عن حك رجليه وأجنحته؛ فهذه كانت النتيجة التي انتهت اليها افروديت حين طلبت الخلود بدون شباب. وهو تفسير حالة صاحبنا الذي شاخ وأين صار؟ وهنا تحضرني قصة الأستاذ الجامعي عندما بدأ الموت يطبق عليه فبدأ يحاور تلميذه الصحفي (ميتشم ألبم) في كل يوم ثلاثاء في تجربة فريدة لتسجيل مشاعر الميت وهو يودع الحياة وسلم الأولويات في الحياة وينقل حكمته من الحياة لمن بعده.
من الأمور العجيبة التي تم تسجيها على مدار ثلاثة أشهر أن الإنسان يتطهر وينظف وتبدأ أولويات حياته تتغير بالكامل. فما كان مهماً أصبح تافهاً وما كان مهملاً قفز إلى الواجهة. وهكذا بدأ لقاء الثلاثاء الأسبوعي الذي دام لأشهر. كان موري يذكر طالبه بفكرة عند البوذيين تتطلب تخيل عصفورة على كتفنا، وسؤالها مع بداية كل نهار: "أيتها العصفورة! هل هذا هو اليوم الذي سأموت فيه؟" كان موري يقول لآلبم أن تذكره اليومي للموت سيجعله أكثر إنسانية وأكثر شفافية. وهذا يذكر بالكاتب الفرنسي (فيكتور هيوغو) والذي شبه موت المسن بسفينة تصل إلى الميناء، بينما شبه موت الشاب بسفينة تتحطم في عرض البحر. موت الشباب يشبه أيضا رواية مثيرة تتوقف في منتصف الحبكة، صاعقة كل من حولهم بحزن عميق وشعور بخسارة مباغتة. عندما نواجه الموت وأن هذا سيكون بعد أيام نشعر أنه علينا إعادة ترتيب الاهتمامات والأولويات. فتبدأ أمور تصغر في العين إلى نقطة رياضية وكانت كبيرة بحجم الجبل ، وتبدأ أمور أخرى تكبر وتعظم بقدر المحيط وكنا لا نأبه لها أو نهتم.
إن إدراكنا للموت يجعلنا نتصرف ونفكر بشكل مختلف. وإن وجود الموت كمفهوم حيوي في ثقافة ما يكّون أفرادا أكثر إنسانية. وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. إن الثقافة الغربية لا تشجع على التفكير في الموت، ولهذا بدأ العديد من الكتاب الغربيين يعيدون النظر في الموت، ويدركون أهميته كفكرة مركزية في حياتنا. وعندما كنت في ألمانيا شعرت أن غرق الناس في الحياة والتمتع بخضراءها وحلوها شيء مستولي على القلوب ولذلك فإن فاجعة الموت يتلقونها بصدمة غير عادية فهي تمثل انقطاعا لشيء يبدو أنه يجب أن لا ينقطع وهو غفلة كبرى عن هذه الظاهرة المستحكمة، وأكثر ما شغل قلوب الجبارين بدءً من الإمبراطور (شين) الذي أسس الصين ومرورا بجنكيزخان وانتهاء بالطاغية ستالين كان قلق الموت قد استولي عليهم وطلبوا الحكماء والفلاسفة حلاً لهذا الإشكالية.
ويروى عن الفيلسوف الذي استقدمه جنكيزخان من مسافة 4000 كم من بكين حتى افغانستان حيث كان يذبح العباد بالجملة أن أول سؤال وجهه إليه عن إكسير الحياة فقال له أما الموت فلا سلطان لي عليه ولكن إن أردت أن أجعلك تعيش بشكل جيد قلت لك سري ومبلغ علمي فأصيب الجبار جنكيزخان بالحزن وعندما رأى الفيلسوف مايحدث من فظاعات في معسكر الطاغية طلب منه أن يخلي سبيله.
وقصة العصفورة البوذية تعكس أيضا مركزية الموت في الإسلام. وجاء في الحديث مامعناه: "اعمل لدنياك وكأنك تعيش أبد الدهر، واعمل لآخرتك وكأنك تموت غدا." وقام (ستيفن كوفي) الكاتب في علم التنظيم والنجاح، ومستشار الرئيس الأمريكي (بيل كلنتون) في الإدراة الفعالة، باستعمال الموت في تدريب تلاميذه. ففي كتابه (سبع عادات فعالة للناس الناجحين)، يخبرنا كيف سأل طلبته بأن يتخيلوا موتهم بعد ثلاثة أشهر، وطلب منهم أن يكتبوا مذكرات تفصيلية لهذه الفترة التي يجب أن يعيشوها وهم يفكرون بالموت المقترب.
وكانت المفاجئة للطلبة عندما اكتشفوا أن أولوياتهم قد تغيرت وأن مشاعرهم قد تبدلت. فهم أصبحوا يكتبون الرسائل للأقرباء والأصدقاء ويتصلون أكثر بجداتهم وأمهاتهم. وفي هذا الكتاب يطلب كوفي من قراءه أن يتخيلوا ما يريدون أن يقال عنهم يوم جنازتهم، ويشرح أن كل ما نريده أن يقال عنا في هذا اليوم هو أولوياتنا في الحياة. وروت لي ابنتي عن صديقة لها توفيت بالسرطان في ميعة الشباب فطلبت من الواعظ قبل موتها أن يتحدث عن البعث في جنازتها بدل الموت.
وعندما بدأ كلمته عن البعث نزولا عند وصيتها قال للحضور إنه يصعب عليه التحدث عن البعث لأناس يتألمون على موت عزير لهم. ولكن في النهاية، قال لهم إنه فهم لماذا طلبت منه هذا، فقد شعر بقوة الإيمان والحياة وهو يتحدث عن البعث. يجب أن نفكر في البعث عندما نواجه الموت، ويجب أن نتذكر الموت عندما نواجه الحياة.
اقرأ المزيد
ليس (أضل) من رجل الدين، عندما يعتلي منبر السياسة فيحلل الأوضاع، مثل الأخرس الذي ينقل عن آخر مهمته الكلام، أو الصيني الذي يريد التحدث بلغة صربية. ولا (أخبث) من السياسي، حينما يلبس مسوح الكهان فيتحدث بالأخلاقيات والمباديء. وليس (أقبح) من منظر الرجل المخنث أو المرأة المتصابية، لأن كلاً منهما لا يؤدي دوره.
(السياسة) تعني الكذب كما صرح بذلك (توني بلير) رئيس الوزراء البريطاني؛ فصدق خلاف العادة حينما قال: إن أحاديثنا مع الزعماء العرب تدور على مستويين فما نقوله بيننا لا نصرح به على الملأ.
والواعظ الأمريكي (جيري فولويل) خرج على الناس يوما فقال عن محمد ص: إنه إرهابي. وهو بهذا يمزج بين ثلاثة أمور لا يمكن أن تشكل سوى مركب شديد الانفجار: (كذب السياسة) و(قلة الاطلاع) و(التهور ) كمن وضع أصابعه في عش الدبابير الإسلامية مع الإساءة إلى خمس الجنس البشري؛ فخسر صدق المتدينين وكسب نفاق السياسيين ألا ساء ما يحكمون.
على كل حال لا يوجد في الإسلام رجال دين، بل علماء، وهم معرضون لنفس المرض السابق عندما يتحولون إلى وعاظ السلاطين؛ فلا يغيروا رسم القرآن، ولكن يفسرونه حسب المسطرة السلطانية، ويحفرون ثغرة في الدين تناسب حجم السلطان السمين.
وتفنيد التهمة السابقة سهل، وهي شغل يجب أن لا نقع فيه في معركة (صراع الأفكار) كما يقول (مالك بن نبي)، على مبدأ (المرآة العاكسة) التي شرحها (روبرت غرين) في كتابه (شطرنج القوة) حسب المبدأ 44: أن المرايا خداعة بشكل هائل، لأنها تخلق شعورا بأنك تنظر إلى العالم الحقيقي والواقع أنك لا تنظر إلا إلى قطعة من الزجاج، فكل شيء مقلوب إلى عكسه.
وفي كتاب مالك بن نبي (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة) توضيح لهذه الآلية الخفية في إدارة كفة الصراع وتسليط الظلال على أفكار بعينها لتشويهها؛ فالثور لا ينتبه لمن يلعب بالخرقة الحمراء؛ فيقع في النهاية صريعا تحت استحسان الجمهور وصفيرهم وتصفيقهم للمصارع الجسور.
وجرب (أحمد ديدات) سابقا حظه مع (جيمس سواكرت) حينما دعاه للمناظرة في أمريكا، وكان كلاً منهما يحاول أن يثبت للآخر أن دين الثاني باطل، وأن كتابه مليء بالتناقضات؛ فأساءا إلى القرآن والإنجيل معا، وحركا قضايا قديمة بكلمات جديدة، في الوقت الذي نادى الدين، أي دين إلى التسابق في الخيرات، والاعتراف بالآخر وأن الكون مبني على الاختلاف.
يذكر المؤرخ النمساوي غومبريتش في كتابه (مختصر تاريخ العالم ـ سلسلة عالم المعرفة 400 ـ ص 268) أن خلطة عصر التنوير كانت ثلاثة مباديء: العقلانية وسماها (المنطق) مع التسامح والإنسانية. ولكن فقهاء الدين يحاولون بكل سبيل إرجاعنا إلى ما قبل التنوير لندخل عصر الظلمات وباسم الله.
وحينما كان غاندي في محنته مع المتعصبين من الهندوس والمسلمين أعلن الصيام حتى الموت، حتى تتوقف أعمال العنف؛ فلما هدأت ثورة الدم تقدم الهندوسي، وهو يبكي، وقال قتل المسلم ولدي!
قال له غاندي: وماذا فعلت أنت؟
قال قتلته: ثأرا لابني!
قال غاندي، وهو بالكاد يستطيع النطق: هل أدلك على طريق يهديك إلى الجنة؟ أن لا تقتله، بل تربي ولده على الإسلام كما أراد والده أن ينشأ.
عندما كنت في ألمانيا اجتمعت بخليط لا نهاية له من الفرق المسيحية، وكنت أكرر عليهم جملة واحدة: هاتوا لي فقرة واحدة في الإنجيل يقول فيها المسيح عن نفسه أنه الله؟ فضلاً عن عقيدة التثليث ومركب الأقانيم، وأن الله انشطر إلى ثلاثة بدون أن ينشطر، وأن الله ثلاثة ولكنه واحد فيما هو ضد الرياضيات!
كان القوم يصابون بالذهول، لأنهم وجدوا آباءهم على أمة؛ فهم على آثارهم يهرعون، ولم يكونوا معتادين على مواجهة سؤال من هذا النوع. وكان البعض يعترف وهم قلة. وفريق ثان كان يقول لا مجال للفهم أو العقل في العقيدة كما اعترفت لي بذلك راهبة بروتستانتية.
ومنهم من كان يماحك، فيقول جاءت فقرة في أول إنجيل يوحنا: في البدء كان الكلمة وكان الكلمة الله!
ولكن مثله مثل من يريد بناء برج بيزا على ظهر حيوان اللاما متسلقا جبال الانديز؟
ومن أعجب ما قرأت لقس مسيحي كتابا يقول فيه إن القرآن جاء بألوهية المسيح مستشهدا بقوله تعالى من سورة الزخرف: "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين"، وهي جملة شرطية كما نرى. سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون. وهكذا، فالجدل في هذه الأمور يمكن أن يدوم ألف سنة دون دخول بوابة العلم.
كنت أقول لهم ألا تتعجبوا من موضوع ألوهية المسيح غير المبرهنة وغير الواضحة في الإنجيل، فمن أين جاءت هذه العقيدة التي تبنتها الكنيسة؟ كانوا يقولون، فماذا تفعل بكلمة أبي الذي في السموات؟
كان جوابي، إنه لا يزيد عن معنى رمزي، وهو أمر علمه لجميع الناس في موعظة الجبل (طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون).
كل منادى بالسلام، مثل غاندي ومالكولم اكس وروزا باركس السوداء، والمناضلة البورمية أوانج سو كايا وبيرتا فون سوتنر الألمانية والهندية أراندهاتي روي وامرأة فرعون وقرة عين الفارسية وايميلن بونكهرست التي قادت مظاهرة في لندن في 18 نوفمبر من عام 1910م، فضربهن ألف من الشرطة لمدة ست ساعات متواصلة وماتت سيدتان.
كلهن أبناء الله وبنات الله بالإضافة، وليس الاشتقاق وبالمعنى الرمزي. والإسلام دفعاً لهذه الإشكالية برمتها حذفها جملة وتفصيلا ووضع بدلا عنها كلمة عبد الله.
قد تكون الكلمة في الأصل هكذا؛ فاختلطت على المترجمين من الآرامية إلى اليونانية، أو أنها كانت معنى اصطلاحيا شائعا كما نقول نحن رب المنزل وربة المنزل، فلا نعني بها أن المرأة والرجل تحولا إلى آلهة من دون الله يعبدون.
ولكن لا المسلمين يعرفون هذا، لأنهم لا يقرأون الإنجيل، ولا شهود يهوه وفرق المسيحيين يقرأون القرآن، فيعرفون المتشابه في روح الرسالة.
اقرأ المزيد
وفي الوقت الذي أنشأ الفاطميون الأزهر لا يوجد اليوم فاطمي واحد في الأزهر. في حين أن العراق بلد الشقاق والتناحر والعنف. فيه ألف ملة ونحلة ولغة. فمنهم من يوحد الإله، أو يزعم أنه انشطر إلى ثلاثة بدون أن ينشطر، أومن يقدس عليا ونسله، أو يعبد الشيطان ويسميه طاووس بذنب وثيل. من كرد وعرب، وشيعة وسنة، وتركمان وآشوريين، وكلدان وسريان، ويزيديين وأرمن، وآراميين وزرادشتين؟
كل طائفة وملة ونحلة بمدرسة ومعبد وكنيسة وفرقة موسيقية وعلم يرفرف؟
كل حزب بما لديهم فرحون؟
هي أرض شظايا الأديان والحضارات، خلال ستة آلاف سنة،على حد تعبير المؤرخ البريطاني توينبي، في شرانق مغلقة تتبادل الريبة والكراهية، كما أعرف ذلك من مدينتي القامشلي التي ولدت فيها فهي على خاصرة العراق؟ ففيها ثماني أديان و12 لغة و18 لهجة في 28 شرنقة.
والعراق منذ القديم لا يعرف كيف يحكم نفسه، ويعجز عن حكمه من يأتيه من الخارج؛ إلا الحجاج ومن سار على دربه..
وما أمر فرعون برشيد.
وحسب عالم الاجتماع العراقي (علي الوردي) فإن العراق مصاب بثلاث مصائب كل واحدة كافية أن تكون مرضا غير قابل للعلاج:
من ازدواج الشخصية. وصراع البداوة والحضارة. وأخيرا التناشز الاجتماعي بين التراث والحداثة.
وحسب (البزاز) فإن أعظم كارثة حلت بالعراق هي تريف المدينة مع الانقلابات الثورية على يد عساكر الأقليات وأميين الريف؛ فدمر المجتمع المدني تدميرا، وهو ما حصل في عاصمة الأمويين؟ وقد يكون كلام البزاز يمثل نصف الحقيقة؛ فالحقيقة عادة صادمة موجعة.
لقد حاولت أمريكا على ظهر الدبابات بالبارودة والعصا أن تحدث تجربة تاريخية في خلق (ديمقراطية كاذبة) في بلاد الرافدين، فكانت النتيجة مذابح الهوجونوت والكاثوليك ـ عفوا السنة والشيعة والأكراد والتركمان ـ لجهلهم بطبيعة الأمم وقوانين التاريخ، وأن التغيير بالدبابة لا يأتي إلا بالذباب، وتتويج سلاطين من حجم ترانزنستور من نوعية المالكي بدون ملك؟
ويبقى خيار (الديمقراطية) أفضل من (الإلوهية السياسية الحقيقية). وفي الوقت الذي تهزم فيه أمريكا عند بابل وأوروك سيتم مطاردتها في كل مكان، وستدمر إسرائيل ربما في نصف قرن تدميرا كما يتوقع (أوري أفنيري) الصحفي الإسرائيلي ونشره في مقال معبر بعنوان لبسنا قمص نيسوس اشتقاقا من الأساطير اليونانية حين أرادت امرأة هرقل أن يعشقها زوجها فكلفت نيسوس برأس انسان وجسم حصان أن يغمس قميصا في نبع الحب فيلبسه هرقل فيهيم بها عشقا ! وما حصل أن نيسوس غمسه في نبع السم فلبسه هرقل فمات من فوره.
وحسب عالم الاجتماع الألماني (ماكس فيبر) في كتابه (روح الرأسمالية والأخلاق البروتستانتية) فإن أوربا احتاجت أيضاً أجيالا حتى انبعث الفكر النقدي من رحم الفكر النقلي ـ كما رأينا في نماذج الفكر التنويري على يد (مندلسون) و(ليسنج) وكلاهما كانا متعاصرين، كما كان الحال بين ابن رشد وابن طفيل في الأندلس.
كلاهما نشأ من أب تقليدي متشدد؛ ولكنهما شقا الطريق إلى الحداثة، كان أبو الأول كاتب للتوراة، وكان والد الثاني الثاني واعظ لوثري، ومن رحم التقليد خرج فكر التنوير، كما يخرج الله الحي من الميت ذلكم الله فأنى تؤفكون.
ومن نور الحداثة ونارها تم تدمير الكنيسة والإقطاع. وولد الرأسمال والعمل والبرلمان والصحافة والتعددية والتأمينات الاجتماعية ونقل السلطة السلمي.
إن الطائفية شر مستطير على الطائفة قبل غيرها.
من يلعب في النار لا يجعل النار لعب بتعبير النيهوم.
وهي خطر على كل مستقبل الطائفة، لأن يوم الفصل كان ميقاتا، فيحكم بقطع رأسها على مقصلة التاريخ. ولنا في قصة مذابح التوتسي والهوتو ويوغسلافيا عبرة لمن يعتبر.
واليوم ودع العالم حكم العائلة والقبيلة والطائفة والدولة الإقليمية فهذا هو روح العصر.
ونحن ليس أمامنا إلا سنن من قبلنا. ولا يمكن حرق المراحل ولكن كشف قانون الشيء يمنحنا السيطرة عليه وتسريع عمليات الشفاء. كما نفعل مع المريض.
وكما يقول مالك بن نبي إن التعامل مع القانون لا يعني إلغاؤه بل التعامل معه، بما يمنحنا السيطرة عليه، كما أمكن للحديد أن يطير عل شكل طائرات؛ فهنا لم يتم إلغاء القانون، بل تم التعامل معه حسب وجوده الأزلي بتداخل القوانين على بعضها البعض وتسخيرها لبعض.
وأوربا اليوم ودعت مرحلة الدولة القومية، باتجاه الدولة العالمية ، في أعظم تجمع عرفه التاريخ، بدون سيف جنكيزخان، ولا مدافع نابليون، أو مدرعات هتلر، وأشرقت شمس اليورو تحت كلمة التوحيد؛ فلا يتخذ البشر بعضهم بعضا أربابا من دون الله.
إن كل ما نكتبه لا قيمة له والشعوب تتعلم بالمعاناة.
وحتى يعود الوعي من المنفى ليس أمامنا إلا البكاء وصرير الأسنان والحروب الطائفية، والمذابح المذهبية، وموت الإنسان بتفاهة ورخص وبدون قضية.
والشعوب لا تصل إلى شاطيء الوعي إلا على جسر من المعاناة فوق نهر من الدموع.
إن ما حدث من زلزال في العالم العربي بعد طول ركود، يجعلنا نؤمن أن التاريخ تقدمي، وليس عبثيا، وأن الزبد يذهب جفاء، وما ينفع الناس يمكث في الأرض.. كذلك يضرب الله الأمثال..
وأن الأمم سوف تتعافى من سل الطائفية وجذام الحزبية وإيدز العائلية وسرطان العسكرية ولو بعد حين؟
اقرأ المزيد