- -

متى يرسو أول إنسان على سطح المريخ؟
سيكون أول أقدام إنسان تطأ أرض المريخ هو يوم الأحد الموافق الثاني من آوجست من عام 2048مً! ولكن من يزعم ويقرر هذا؟ هذا مايقوله العالم الألماني اولريش والتر 62 عاما (Ulrich Walter) في كتابه الذي صدر بعنوان (في الثقب الأسود =Loch ist der Teufel los  Im schwarzen) (دار النشر كومبليت ميديا =  Komplett - Mediaفي قطع من 272 صفحة بثمن 18 يورو) والرجل حجة في علم الفلك، ويرأس معهد تقنية رحلات الفضاء في جامعة ميونيخ، كما كان في الفضاء لمدة عشرة أيام في رحلة كولومبيا عام 1993م، وهناك في أجواء الرحلة خرج برؤى جميلة عن استعمار المجرة، كما فعل رجال البولينيز في استعمار جزر المحيط جيلا بعد جيل، وهو ماحرك المخيلة عند المؤرخ توينبي في فهمه لسير الحضارات ولغز التماثيل في جزيرة الفصح (ايسترن Estern Island). وهذه لها قصة عجيبة فقد عثر على هياكل وأصنام في جزر غير مأهولة في عرض المحيط أطلقوا عليها جزر عيد الفصح وبقوا يتساءلون من جاء وكيف عاش وقعد حتى نحت هذه الأشكال الجميلة؟ متى ومن وكيف؟ ليس عندنا جواب حولها ولا عند المؤرخ توينبي ولكن الشيء الأكيد أن ثمة مجموعات بشرية استقرت في هذه الجزر دهرا حتى نحتت هذه التماثيل! ويمكن بتفقد الجوجول الاطلاع عليها كي نصاب بالعجب منها وهي ليست الوحيدة على وجه الأرض ومثلا فحضارة الازتيك تركت أهرامات ولم يبق منهم أوثقافتهم شيء ويحاول الاركيولوجيون فك طلاسم كتبهم. وبالمناسبة كانت الحالة نفسها مع الكتابة الهيروغليفية ورسوماتها حتى فكها شامبليون ولكن بجهد زاد عن 14 سنة. كذلك كانت الحالة مع الكتابة المسمارية حين عثر على مكتبة كاملة تضم عشرين ألف روح محفور بطريقة وكأنهاعمل المسامير في الطين ولكننا اليوم نقرأ منها ملحمة جلجميش عن الفناء والخلود. والفلكي (فالتر) يذكر هذا في معرض أنباء الكارثة التي حلت بالمكوك الفضائي الذي حمل اسم العالم الإيطالي شياباريللي (Schiaparelli) ـ صاحب نظرية أقنية المريخ التي روج لها يوما في القرن 19 (1877) وتبين أنها لاتزيد عن خيالات، حيث حام حول المريخ، وفي رحلة هبوطه على ظهر الكوكب تعطلت فرامل صواريخ الدفع المضاد؛ فهوى مثل حجر على ظهر المريخ في أكتوبر الفائت. ويعزي ماحدث إلى خطأ في البرمجة، ولكنه أمر لن يثني أو يحجم وكالة الفضاء الأوربية (ESA) عن إرسال متجول (ROVER) كان من المفروض أن يطلق عام 2020م ليتحرى آثار الحياة على ظهر كوكب الحرب الأحمر الغاضب؟ هذه المرة لن ينزل من علو ثلاث 3 كم كما كان الحال مع المكوك (شياباريللي) بل من علو شاهق يمكن التحكم فيه على نحو أفضل بفرامل التحكم (صواريخ دفع مضاد كما أشرنا). ومن الجدير بالذكر أن الأمريكيين يخططون لإرسال أول إنسان إلى المريخ عام 2030 م، ويعلق الفلكي الألماني (والتر) أنه متأكد أن البعثة لن تتم، وهو يحدد أفضل وقت للقاء المريخ، حيث يكون أقرب مايمكن من الأرض تختصر فيه المسافة والطاقة والزمن إلى النصف؛ فيصل رائد الفضاء في رحلة الملكوت عبر 375 مليون كم خلال 114 يوما بدل ستة أشهر، وهو للصحة والمزاج أفضل مايمكن والرواد يسبحون في الليل البهيم، وسيكون هبوطهم هو الزمن الذي أشرنا إليه في مطلع المقالة، الثاني من آوجست الساخن بعد 36 سنة. وينبه الفضائي الألماني أن هذا الاقتراب بين الأرض والمريخ يحدث كل 15 عام، ومنه فيجب أن تنطلق الرحلة تماما في 11 أبريل من عام 2048م؟ وهناك عنصر هام أيضا في الرحلة وقاية للرواد من حيث تعرضهم لنار الأشعة الكونية مما قد تفجر في أجسادهم أوراما غير حميدة، ويقترح في هذا أن يكون الرواد متقدمين في العمر، لذا يضحك صاحبنا، وقد دخل في عمر الستين، أن سنه سيكون مناسبا لتلك الرحلة وقد ذرف على التسعين فلا خوف من سرطانات في الجلد أو الحلق؟ لن تكون الرحلة سهلة لا في البدء ولا في النهاية، ولا في الوسط؛ فعليهم بعد الوصول الاستقرار سنة ونصف هناك، قبل أن يشدوا عصا الترحال في رحلة العودة للأرض، وعليهم أن يتزودوا من الكوكب الأحمر من الأكسجين والطاقة مايمكنهم من الانكفاء للأرض مجددا؛ فليس من سبيل لحمل ماثقل في رحلة الانطلاق، أما في ملامسة مناخ الأرض وهم يطيرون بسرعة (51000) واحد وخمسين ألف كم في الساعة؛ فأمامهم عقبة ليست بالسهلة، سوف تطيح بهم ارتدادا إلى القمر أياما آمنين قبل أن يدخلوا مناخ الأرض الأم معتنقين تائبين عائدين. أما عن إحياء هذا الكوكب الميت الأحمر فأمام الجنس البشري مراحل تعد بمئات السنين في حساباتنا الأرضية، من ضخ الأوكسجين من خلال استنبات أعشاب ونباتات، تمنح كوكب الحرب هدوء بنفحة من غاز الأوكسجين، قبل الانتقال لمرحلة العيش الهنيء فيه، وهي ضرورة أمام حماقات البشر التي لاتنتهي، وهم يدمرون الكوكب مناخا وبالسلاح الذي ـ لو استخدم ـ لن يبق ولن يذر لواحة للبشر.  
اقرأ المزيد
كيف ولدت فكرة ميكانيكا الكم
تقدم الرسول التركي المعمم قد وضع يده على مقبض سيفه المعقوف فدفع بالرسالة إلى القائد النمساوي ستارهمبرج (STARHEMBERG) ففضها على عجل؛ ليقرأ انذاراً مروعاً من قائد الجيش العثماني (قره مصطفى باشا)؛ يأمره فيها بالتسليم لأن السلطان العثماني قد قرر ضم النمسا لملكه، فمن امتثل حافظ على روحه وممتلكاته، ومن عصى شَطَرَه ومايملك بحد السيف!!. كان ذلك في صيف عام 1683م بعد 35 سنة من نهاية حرب الثلاثين عاما المذهبية في أوربا، والتي قضت على ثلث الساكنة في ألمانيا (ستة ملايين من أصل 21 مليونا) وتم تدمير ثمانين ألف قرية ومدينة، ويراجع في هذا قصة الحضارة لويل ديورانت في فهم تفصيل الكارثة. وهكذا جاءت كارثة جديدة فوق رأس الأوربيين بعد كارثة حرب الثلاثين سنة. كانت فيها العاصمة النمساوية محاصرة بجيش تركي قوامه ربع مليون جندي، وكان هذا الحصار الثالث (والأخير) من نوعه، الذي يخترق فيه العثمانيون وسط أوربا، ففي 12 أيلول سبتمبر بعد حوالي شهرين من الحصار؛ حيث فر فيها معظم الأهالي بمن فيهم القيصر النمساوي ليوبولد الأول، أمكن صد الهجوم وفك الحصار، وكان العنصر الرئيسي في هذا التحول جيش بولوني قاده الملك يوحنا سويبسكي الثالث، قفز لنجدة أهل فيينا في اللحظة التاريخية الحرجة فأنقذ ليس فقط النمسا، وتنفست أوربا كلها الصعداء من الخطر العثماني الذي انكسرت حدته تماماً بعد ذلك، بل وانكسر الميزان العسكري بكامله، فلم يرى العثمانيون بعدها انتصارات ذات بال؛ بل بالأحرى هزائم وعلى شكل كوارث، وتابع المخطط العثماني التاريخي مسيرته الانحدارية، حتى أسلمت دولة آل عثمان الروح مع مطلع القرن العشرين. كان الانكسار العثماني على أبواب فيينا نقطة تحول في التاريخ الأوربي الحديث ففي الوقت الذي بدأت فيه مسيرة التراجع العثماني قفزت قوى جديدة الى المقدمة، فصعدت الامبراطورية النمساوية الهنغارية، لتنهار في النهاية هي وغريمتها العثمانية مع نهاية الحرب العالمية الأولى. وهذا التحول على أبواب فيينا لم يكن في أعماقه عسكرياً فحسب بل تحولاً حضارياً بالكامل، فالعقل الأوربي كان قد بدأ مسيرته قبل ذلك، وفي الوقت الذي كان السلطان العثماني (محمد خان الرابع) يُعزل من العرش عام 1687م، كان (اسحق نيوتن) منهمكاً في انتاج كتابه (الأسس الرياضية للفلسفة الطبيعية) (PRINCIPIA MATHEMATICA PHILOSOPHIA NATURALIS) الذي ترك بصماته على الفكر الانساني حتى هذه اللحظة. ولكن من أين تنبع أهمية كتاب اسحق نيوتن في فلسفة الطبيعة؟ في الوقت الذي كان الاتراك يحاصرون فيينا والحروب الدينية تعصف في أوربا، كان اسحاق نيوتن يقوم بتطوير حساب التفاضل والتكامل، ويكتشف قانون الجاذبية، ويستهويه الضوء فيريد معرفة أسراره، فأوربا التي صدت الخطر التركي في الربع الأخير من القرن السابع عشر، كانت غير أوربا التي اقتحمها العرب من الغرب في القرن الثامن الميلادي، وغير أوربا بعد ستة قرون التي اقتحمها الأتراك من الشرق هذه المرة في القرن الرابع عشر للميلاد، فقد بدأت روح جديدة في التدفق في مفاصل المجتمع الأوربي المسيحي، واسحاق نيوتن كان خلية من هذا الجسد الجديد الفتي، كما أن نيوتن لم يأت من فراغ ولم يتشكل فكره إلا من خلال وثبات فكرية سابقة، ففي عام 1543 للميلاد حدثت زلزلة عقلية مثلثة الزوايا في فهم الكون والجسم الانساني وجغرافية الكرة الأرضية، فــ (كوبرنيكوس) اكتحلت عيناه قبل موته بساعات قليلة برؤية كتابه حول دوران الكرات السماوية، فقلب التفكير الانساني حول الكون، فأصبحت الشمس لاتدور حول الأرض بل العكس، وتحولت الأرض إلى تابع بسيط حول الشمس، واستطاع (فيزاليوس) أن يقوم بأول تشريح لجسم الانسان وكان من المحرمات، كما تم تدشين الجغرافيا الجديدة للكرة الأرضية، فعرفت قارات جديدة وتحول بحر الظلمات الى المحيط الاطلنطي، مما دفع المؤرخ الأمريكي (ويل ديورانت) أن يسمي هذا العام في كتابه قصة الحضارة بعام العجائب. ويجب الانتباه إلى عدم الخلط بين تاريخ 1543 وعام 1453 فعام العجائب كان مع منتصف القرن السادس عشر الميلادي أما منتصف القرن الخامس عشر فترافق مع استيلاء العثمانيين على لؤلؤة الشرق القسطنطينية ليتحول اسمها إلى مركز الاسلام أو مدينة الإسلام (اسلام بول أو استانبول). كان نيوتن يتساءل لماذا يتشكل طيف قوس قزح من مجموعة من الألوان؟ ما لذي يجعل الضوء فجأة بمجموعة سبعة ألوان بعد أن كان أبيضاً أو لنقل بكلمة أصح عديم اللون؟ هل الضوء (مكون) من مجموعة ألوان فاذا امتزجت هذه الألوان تشكل الضوء الذي نعرفه؟ ثم ماهي طبيعة الضوء؟ مم يتكون في الحقيقة؟ وهل له سرعة؟ في الواقع إن الضوء كان ومازال (مستودع الأسرار) فمنه انطلق (نيوتن) في فهم ظاهرة الطيف اللوني (قوس قزح) ومنه انهارت الفيزياء الكلاسيكية فجاء المقتل من نفس المولد كما سنرى بعد قليل، ومنه انبثقت النظرية النسبية التي لاترى شيئاً مطلقاً ثابتاً في هذا العالم الا (ثبات) سرعة الضوء العجيبة فوصلت إلى قلب مفاهيم الزمان والمكان والطاقة والمادة، ومنه انبثقت (ميكانيكا الكم) من خلال حل معضلة (اشعاع الجسم الأسود).
اقرأ المزيد
 الولادة ومعجزة الحمل 
ولنلقِ نظرة على أجهزة هذا الجنين عندما يحين الوقت لنزوله إلى الكدح!! إن وزن القلب 20 غراماً ووزن الرئة 30 غراماً ووزن الكلية 12 غراماً ووزن الدماغ 350 غراماً، أما وزن الدرق والمعثكلة فهي 3 غرامات والكبد يزن 125 غراماً، أما وزن النخامة ملكة الغدد فهو نصف غرام لا أكثر!!.. بينما وزن المشيمة 500 غرام لأنها في الحقيقة تمثل جميع أعضائه وأجهزته العاملة فهي التي تغذيه وتحميه وتهيء له كل ما يحتاج لنموه واستقراره واتزانه فما أعقلها تلك الأم الصغيرة؟! ثم لننظر إلى هذه الأنشوطة التي يتعلق بها الجنين وهو يتأرجح بها مسروراً والتي تسمى بالحبل السري إنها أرجوحة مسلية (طول الحبل السري 50 سم) فهو يلعب ويتحرك كيفما يشاء ويخبط برجليه ويديه جدار الرحم معلناً وجوده وحياته، ومخبراً بوضعه وسروره بهذه الحالة، كما أن هذا الحبل يحوي مواسير (أنابيب) الدم التي تُنقل من المشيمة إلى الجنين، حيث نجد في الحبل وريداً ضخماً وشريانين يقومان بإيصال الدم وإرجاعه فهي مهمة مقدسة، ولذا كان لهذا الحبل مزايا مهمة جداً فقصره يعرض لشدة الضغط على المشيمة وبالتالي انفكاكها وتعريض حياة الجنين للخطر بنقص تروية الدم، كما أن طول الحبل قد يجعله ينسدل أو يلتف على عنق الجنين ليقوم بعمل أشبه ما يكون بعملية شنق للجنين، وهي إذا حدثت قطعت ورود الدم إلى الدماغ وبالتالي هلاك الجنين، فأي أسرار وأي إبداع في كل جزء من هذا المخلوق وهذا الكون (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين) (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، (ولقد كرمنا بني آدم).. وطالما تحدثنا في هذه الضخامة التي وصل إليها الجنين وهي من ناحية الطول أكثر بـ 17 مرة، ومن ناحية الوزن أكثر بـ 325 مرة عما كانت عليه المضغة في نهاية الشهر الثاني حيث حصل الانعطاف الإنساني في تخليق المضغة وتكوينها، فماذا يحصل للرحم وهل هو بهذه السعة والضخامة أم إنه يتمدد؟ وإذا تمدد فهل يصل إلى هذا التمدد الهائل؟ يجيبنا الطب ويقول: إن الرحم يبلغ من الحجم عند الفتاة العذراء حوالي 2-3سم3 (بقدر حبة الكستناء) بينما هي تصل في أواخر الحمل إلى حجم خمسة ألتار أو ما يعادل 5000 سم3 أي أن حجم الرحم ازداد بمقدار 2500 ضعف تقريباً، كما أنه يصل في بعض الحالات إلى 10 ليترات أو حتى 15 ليتراً كما في الحالات المرضية التي تعرف بالاستسقاء الأمينوسي أو الجنين العرطل أو الحمل التوأم!! فكيف استطاعت عضلات الرحم أن تتمطط بهذه الكيفية حتى استطاعت أن توسع الحجم إلى ألفين وخمسمائة ضعف كما أنها بعد الوضع تعود إلى ما كانت عليه فأي سر عجيب هذا الذي تحتويه؟! وأما الوزن فتزداد عشرين ضعفاً حيث يكون وزن الرحم قبل الحمل 50 غراماً بينما هو عند الوضع كيلو غرام واحد فما هي المواد التي انضمت إليها وتشربت بها حتى زادت بهذا الشكل؟ إنها أسرار وألغاز يحتار حتى الطب في تعليلها وهي من اختصاصه!! ثم نتساءل حول هذه الضخامة المفرطة كيف يتسنى للبطن أن يحتويها حتى ليصل قعر الرحم إلى أسفل عظم القص والذي يسمى بالذيل الخنجري؟ حقاً إن الحمل معجزة بحد ذاته لولا أننا نراها كل يوم فتبلد حسناً اتجاهها، ثم لننظر في مستويات أخرى حتى نرى هذا الانقلاب الهائل في جسم المرأة والذي يتجلى في كل ناحية من نواحي جسمها، أولاً على مستوى الحوض حيث إنها تستعد لتدخل الجنين وخروجه حياً، وهذا بحد ذاته عجيبة من العجائب سنتعرض لها بعد قليل، ثم إن المبيض يكون قد لجم فلم يعد يفرز شيئاً وكأنه صامت ينظر إلى هذه المسرحية العجيبة وهي مسرحية تخلق الإنسان، وأما الدم فهو قد أعلن استنفاره للقضية ولكن كيف بإمكانه أن يخدم القضية الخطيرة؟ هنا يحصل تشاور على مستوى عالٍ وتكون النتيجة كالتالي: يقول الدم، ما هو الشيء الذي أستطيع أن أقدمه لكم فتكون الإجابة لا عليك سوف تبعث الغدة النخامية أوامرها لقشر الكظر حتى يزيد من إفراز هورمون الحابس للملح والماء وهو الألدوسترون؛ فإذا زادت كتلة الدم بزيادة الماء كان هذا أحسن وذلك احتياطياً للطوارئ فيما لو حصل نزف فتكون كمية الدم أكبر ولكن هل هذا يكفي؟ إنه لا يكفي اتصلوا سريعاً بالكبد حتى يزيد لنا من كمية مولد الليفين (الفيبرونوجين) ويدفعها إلى الدم حتى يتخثر الدم بسرعة فيما لو حصل نزف؟ خاصة وإن المشيمة سوف تقتلع وتتسلخ من قعر الرحم، وكل هذا سيعرّض لخطر النزف، وأما أنت أيها الدم فاستوعب كل ما نرسل إليك طالما أظهرت إخلاصك للموضوع، ويكون جواب الدم إنني الخادم المخلص لهذا الإنسان العظيم الذي أساعد في إظهاره إلى صفحة الوجود، ثم لا تلبث الأوامر المشددة أن تنطلق إلى الكبد ليزيد من تقوية الدم وشد أزره في الأزمات وذلك بتوليد المزيد من الحديد والخضاب، وهكذا يحصل التعاون ما بين الغدة النخامية والكظر والكبد والدم، وهناك أمور أخرى يجب أن نحتاط لها وهي موضوع الجراثيم الانتهازية التي تنتظر مثل هذه الفرص حيث تنفتح الأوساط العقيمة فتجدها مزارع طيبة للنمو والتكاثر!! إذن فلترسل الأوامر إلى نقي العظام حتى يزيد من إنتاج الكريات البيض وجعلها في أهبة الاستعداد لمقاومة الإنتان، وهكذا يرتفع رقم الكريات البيض بضعة آلاف في الملم3 بالإضافة إلى الصفيحات التي ترسل إلى الدم لتعاون هي أيضاً في قطع النزيف فيما لو حصل؟!! انقلاب شامل في كل أجهزة البدن، كلها تستعد للمهمة الخطيرة: الأعصاب، الغدد، الأخلاط، العضلات، المفاصل، العظام.. ترسل الأوامر الهورمونية إلى مفاصل الحوض بالخاصة حتى ترتخي وتهيء الطريق ولا تضايق المرور، وهذا عن طريق هورمون الرولاكسين الذي يقوم بهذا الفعل خاصة، ثم ماذا عن الهورمونات السحرية العجيبة التي تفعل بترقيق شديد جداً يبلغ الجزء من المليون، إنها تعمل على أروع المستويات، فالجسم الأصفر الذي استمر في دأبه ونشاطه مدة خمسة أشهر وسطياً تقول له المشيمة جزاك الله كل خير فلقد تعبت كثيراً وأرى أن ترتاح لأقوم بالمهمة التي تقوم بها، وإذا بخلايا المشيمة الأمامية تقوم بالإضافة إلى عملها الامتصاصي للدم تقوم بإفراز هورمونات تعين على استقرار الجنين داخل الرحم وهي ما تسمى بالبرولانات (آ) و(ب) B +A بالإضافة إلى الجريبين واللوتئين، وهذه الهورمونات على تفاهم مستمر مع النخامة، وهي تخبر النخامة في كل لحظة عن صحة الجنين ونموه وتقدمه، وعن نموه الخلوي والجهازي والعضوي على وجه العموم، وعندما تحين ساعة الصفر تكون الخطة أن توقف هذه الهورمونات المفرزة وخاصة الجريبين دفعة واحدة، حيث تحصل المفاجأة العجيبة وهي انقطاع الهورمونات التي كانت تحفظ استقرار الجنين داخل الرحم. إنها قضية مدبرة بتفاهم كامل بين الغدد والأعضاء، وهكذا يتزعزع وجود الجنين ويبدأ المخاض الشاق، وهنا تحصل العجيبة وهي مرور الجنين من الأعضاء التناسلية إلى الخارج، إن فوهة العنق مغلقة تماماً بسدادة ليفينية، وإن المضيق العلوي فيه فتحة عظمية يبلغ قطرها في حدود (12) سم فكيف سيمر الجنين من هذه الفتحة؟ تبدأ ملكة الغدد النشيطة في إرسال الأوامر من الفص الخلفي بشكل منظم إلى عضلات الرحم وهذا الهورمون يفرز من خلايا خاصة مهمتها هي هذه، وفي هذا القسم يفرز هورمون آخر مهمته أن يضاد إدرار البول، فماذا يحصل لو حصل خطأ بسيط، فكانت الأوامر للخلايا الثانية وليست الأولى، لم يحصل هذا مطلقاً ولا في امرأة واحدة فكيف سار هذا الناموس البديع المتناسق المحكم؟؟ يبدأ هورمون الفص الخلفي للنخامة بإفرازاته المنظمة المقلصة لعضلات الرحم، وهكذا تسير التقلصات وتدفع الجنين إلى أسفل، وتبدأ آلام المخاض عند الحامل، ومع تكرار هذا الأمر ينفتح العنق وفيه خاصية عجيبة أيضاً حيث يبلغ من انفتاحه درجة كاملة بحيث يتساوى مع جدران الرحم، ثم ينبثق جيب المياه الذي تكلمنا عنه، ويبدأ رأس الجنين بالتقدم فيحاول أن يتطابق مع الفوهة التي سيمر بها، ويكون هذا بإطباق ذقنه إلى صدره، والتقدم بمؤخرة رأسه، وهكذا يمر الولد إلى أسفل، بينما تكون الأم في آلامها المريرة تعاني ما تعاني!! ولكن ما أن ترى المولود بجنبها حتى تنسى كل ما تألمت في سبيل هذه الثمرة العزيزة الغالية التي هي ثمرة الحب (المولود الجديد) وعندما يصل المولود إلى هذه الحياة تحصل معجزة جديدة في حد ذاتها وهي حجم الرحم الكبير والفراغ الكبير بعد خروج الجنين، وليس هذا المهم بقدر أهمية انسلاخ المشيمة وانفتاح برك الدم الذي كانت تغذي الجنين، لولا إرادة الله العجيبة التي حفظت هذا الكائن في كل مراحله لكانت كل ولادة معناها الموت الحقيقي للأم، لأن الدم سيخرج كالسيل الدافق من أفواه تلك البرك التي تنضح به، ولكن ما أن تنزل المشيمة حتى ينقبض الرحم بشكل عجيب حيث يصبح في قساوة الحجر، بحيث أن الذي يضع يده على بطن الولود يشعر بتلك الكتلة القاسية التي هي دلالة ممتازة على انقباض الرحم، ولذا سميت هذه العملية بعملية الإرقاء الحي وسمي الرحم في هذه الحالة بكرة الأمان وفعلاً إنها كرة أمان تطمئن الطبيب إلى أن الوضع على ما يرام ولا خوف على الأم التي وضعت فتبارك الله أحسن الخالقين. تغذية الطفل: أسرار وأسرار يحار الطب والعلم في تفسيرها ومنها كيف سيتغذى هذا الوليد بعد أن جاء إلى هذا العالم الجديد وهو غريب عليه، ولم تعد معه تلك المشيمة التي كانت تقدم له الطعام مهضوماً جاهزاً؟ إن الإرادة الحكيمة هيأت له الثدي كأحسن ما يكون فلننظر بدقة إلى كيفية هذا التكوين: خلال الحمل تكون الأوامر المرسلة للثدي هي بالاستعداد فقط وهي هنا تكاثر الغدد ولذا نرى حوالي 25 فصاً عذباً  للبن، ومتى حان الوضع ترسل النخامة أوامرها لغدد الثدي بالإفراز ويبدأ الإفراز، وهنا نتساءل كيف تحول الدم الذي يغذي الثدي إلى لبن مفيد للطفل؟ حقاً إنه من الأسرار العجيبة المدهشة، فلقد وجد أن طريقة وصول المواد الدسمة وغيرها عن طريق اللبن هو عن طريق الإفراز العائد للخلية، ومعنى هذا أن الخلية الغدية تمتلئء بكرات الدسم فلا تستطيع عبور الغشاء الخلوي فينجرف مقدمة الخلية مع كرات الدسم، ثم تعود الخلية فتجدد الغشاء الخلوي وما ذهب منها، وهكذا ولقد وجد أن اللبن يحتوي على كافة المواد التي يحتاجها الجسم، وإن تركيز المواد فيه يختلف مع تطور عمر الطفل.. كما أن اللبن معقم فلا يحتوي على الجراثيم بالإضافة إلى أن أجسام المناعة التي تمر من خلاله مما تعطي الطفل مناعة مهمة ضد الأمراض وذلك من دم والدته، وإذا ذهبنا نعدد مزايا حليب الأم وأفضليته على باقي أنواع الحليب سواء حليب الحيوانات أو الحليب المجفف "يتفوق بشدة.. وهذا كله من رحمة الله بهذا المخلوق الذي يلد ضعيفاً وهو يحتاج للرحمة والعناية والغذاء فأمن له كل ذلك وبشكل متناسق فتغذية الطفل تخلق حناناً وعطفاً ورحمة من الأم على ولدها وتشد الناحية الروحية العاطفية بينهما..
اقرأ المزيد
البيكادون : الالتماع النووي
بصوت رفيع متهدج وبلغة أدبية منمقة تحدث الامبراطور (هيروهيتو) الى شعبه صبيحة يوم الخامس عشر من شهر أغسطس (غشت) عام 1945 . كانت الكلمات قليلة ولكنها واضحة وفي منتهى القسوة والصراحة: ( إن عدونا بدأ في استخدام سلاح في غاية الخبث ، يمتلك من قوة التدمير مالاعهد للانسان به ، ومالاطاقة لنا به ) وتابع الامبراطور بيانه على الشعب الياباني في ذلك اليوم العصيب من تاريخ اليابان : ( وإنني أخشى ياشعبي الغالي أن استمرارنا في الحرب يعني فناء الشعب الياباني بهذا السلاح الجهنمي الجديد ) ؟‍! كان الامبراطور الياباني قد أدرك العهد الجديد الذي دخلته الانسانية ، أكثر من كل العسكريين والسياسيين وآباء صناع السلاح الذري ، فهذه القنبلة غيرت العالم ، والتاريخ ومصير الجنس البشري ، والفكر الانساني ، في ضربة واحدة وفجرت معها عصراً جديدا ؛ فدخل العالم حقبة جديدة ، وتكون خلقاً أخر ، ونشأة مستأنفة . وختم الامبراطور كلمته : ( علي أن أقول لكم إننا خسرنا الحرب وعلينا أن نتحمل مالاطاقة لنا به ؟! ) القاذفة ( اينولا جاي ENOLA GAY) والضابط ( باول تيبتس PAUL.W.TIBBETS.) : كانت الساعة( 2.52 ) صباحاً عندما كانت القاذفة الأمريكية من نوع ( B ـ 29 تتحرك من جزيرة ( تينيان ) في المحيط الهادي باتجاه الجزر اليابانية ، ومدينة هيروشيما تغط في نوم عميق ولاتدري القدر الرهيب الذي ينتظرها بعد ساعات . يقود السرب الضابط ( باول تيبتس )( PAUL . W . TIBBETS ) وخبير الأسلحة ( ويليام بارسونز )( WILIAM PARSONS ) . كانت الطائرة تحلق بارتفاع 1200 متر عندما أعد بارسونز سيجاره وهو يربت على كتف تيبتس : علينا أن نبدأ الان . كان الظلام يحيط بالطائرة التي أخذت اسم والدة الطيار باول تيبتس ( اينولا جاي )( ENOLA GAY ) . كان على متن الطائرة قارورة كبيرة تشبه اسطوانة الغاز الكبيرة ذات ( أنف مبعوج ) ولايزيد قطرها عن 60 سم ويتراوح محتواها الأساسي حوالي ستين كغ من مادة اليورانيم 235 المكثف ، الا أنها بالغلاف الفولاذي المحيط بها ارتفع وزنها الى أربعة أطنان . وبجانب الطائرة اينولا جاي حلقت طائرتان حربيتان أخريتان الأولى تحمل مخبراً كاملاً لدراسة استخدام ( السلاح الجديد ) والثانية تحمل أدوات التصوير للنار الجديدة التي ستشوي الناس بلظاها . في الساعة 3.10 عمد ( بارسونز ) الى إغلاق زناد القنبلة بعد أن تأكد من قائمة التوصيلات المكونة من 11 نقطة في هذه المهمة التي أخذت لقب ( بعثة التدمير الخاصة ذات الرقم 13 ) وهتف : كل شيء على مايرام !! . عند الساعة ( 4.55 ) حلَّق التشكيل الثلاثي بشكل حرف ثمانية باللغة العربية ؛ حيث تحتل القاذفة النووية ( اينولا جاي ) رأس التشكيلة ، وسأل المساعد بوب كارون ( BOB CARON ) هل سنشطر الذرة اليوم ؟ علق تيبتس : لقد بدأتَ تفهم الأمور ! كانت مدينة هيروشيما قد برمجت للمسح من ملف الوجود ، وكخيارات احتياطية فقد وضعت ثلاث مدن أخرى للرحيل الى العالم الأخروي ، وهذا يحكي قصة الأقدار في مثل هذه الظروف ، فلو تغير الطقس فوق مدينة هيروشيما ؛ لربما استضاف الموت طوابير مدينة أخرى الإعدادات الجنائزية عند الساعة 6.30 بدأت الإعدادات الجنائزية لسكان العالم السفلي في مدينة هيروشيما ، فاستل ( بارسونز ) ثلاث وصلات خضراء اللون من القنبلة ، ليضع بدلاً عنها حمراء اللون ، وبهذه الطريقة أصبح التيار الكهربي داخل الجهاز مغلقاً ، وأصبحت القنبلة بهذه الطريقة جاهزة لقدح الزناد . عندها صرخ الضابط ( باول تيبتس ) للمرة الأولى بكل علانية ليخبر طاقم الطائرة الذي علم الآن سر الرقم 13 لهذه البعثة التدميرية : إننا نحمل القنبلة الذرية الأولى في العالم على متن طائرتنا !! عند الساعة 7.25 صعد تشكيل الطائرات من ارتفاع 8000 قدم الى 9500 ليسمع الأخبار الحاسمة من الرائد ( كلود ايثرليس CLAUDE EATHERLS ) الذي بثهم أخبار الطقس والقدرة الدفاعية ضد الطائرات أو وجود طائرات معادية في الجو ، صاح فيهم : ياشباب كل شيء على مايرام ... دمروا الهدف الأول على القائمة !! وكانت هذه الكلمة تعني الحكم بالإعدام لـ 140000 من البشر الذين تحت طير أبابيل الذرية يفتتحون يوماً جديداً في الحياة ، وليس عندهم أقل تصور ، لقصر المسافة بينهم وبين هوة الموت ، التي فتحت فاهها العريض لاستقبال جحافل الموتى بأبشع طريقة وسلاح . إنها هيروشيما !! صاح تيبتس : إنها هيروشيما !! ثم نظر الى بارسونز بعد أن هبطت القاذفة مخترقة فتحة من السحب وسأله : هل هي هدفنا بالضبط ؟ أجاب بارسونز بهز رأسه فهو يعرف المدينة ذات الأذرع الثمانية المستلقية بارتخاء تحتضن البحر ، وصاح تيبتس بطاقم الطائرة : أعدوا نظارات ( لحام الاكسجين ) الحماية ؛ فالوهج الذي سينطلق سيعي العيون كما أفادونا علماء لوس آلاموس !! عند الساعة 8.13 هتف تيبتس بمساعده ( توم فيريبي TOM FEREBEE ) لقد جاء دورك الآن ‍‍!! فتولى الآخر قيادة الطائرة ، التي كانت السرعة فيها تشير الى الرقم 460 \كم في الساعة . كانت المدينة معروفة تماماً لتوم فيريبي ، فهو يعرف نهر ( الاوتا OTA ) الذي يتشعب منه سبعة فروع ، كأنها راحة اليد المفتوحة ، كما يعرف جسر ايواي AIOI ) المشهور ، ذو شكل حرف T باللغة الانكليزية . في هذه اللحظة اقتربت القاذفة تماماً من نقطة الهدف ، وعند الثانية 17 بعد الدقيقة 15 من الساعة الثامنة باضت القاذفة البيضة الكبيرة ذات الاطنان الأربعة بين رجليها . مالت القنبلة أولاً الى الجانب ثم استقرت وأنفها المسطح نحو الأسفل وقد زودت بمظلتين . وعندما تحررت القاذفة من هذا الثقل عمدت الى الأعلى بكل قوة ، فالأوامر كانت تقول : ولايلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون . وبدأ العد التنازلي للثواني 43 القادمة ؛ فالمفروض أن يحصل الانفجار على ارتفاع خمسين متراً وفي تمام الساعة 8.16 من صباح ذلك اليوم النحس ، فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل منقعر . عند الرقم 43 أطل الفطر النووي برأسه عندما وصل العد الى 35 ثانية وضع الطيار نظارة الوقاية ( التي تستخدم في لحم الاكسجين ) ولكنه لم يرى شيئاً فرماها جانباً ، وصاح هل ترون شيئاً ؟ أجاب أحدهم لاشيء على الاطلاق ‍!! كان خوف الأمريكيين كبيراً أن تفشل التجربة خاصة وأن هذه القنبلة لم تجرب في منطقة آلامو جوردو (1) لثقتهم العالية أنها لن تخيب !! كان اللويتنانت ( ملازم ثاني ) نوريس جبسون يعد بفارغ الصبر ، وعندما وصل الرقم الى 43 توقف وللحظة ظن أن التجربة فشلت ، ولكن في هذه اللحظة أشرقت الأرض بنور وهاج يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ؛ فالتمعت كل الطائرة ، وأبصر ( بوب كارون ) الذي كان في المؤخرة بزوغ حلقة مرعبة من الضوء ، صعدت كالعملاق الى الأعلى وكأنه الضوء القادم من كوكب آخر ، وانطلقت قوة عاتية قذفت بالطائرة الى الأعلى ، مما أطلق صفارات الإنذار داخلها ، وسمع تيبتس مايشبه طلقة المدفع من عيار 88 ملمتر ، بعدها بقليل رجت الطائرة قوة أخرى ، فصاح تيبتس : إنها قوة الضغط المعاكسة حافظوا على النظام . وعندما كانت مدينة هيروشيما تمسح من الوجود كان ( بوب كارون ) يسجل : ( ارتفع عمود فظيع من الدخان الى الأعلى وبسرعة ، في وسط العمود نار حمراء . كانت الحرائق تلتهم كل شيء ... كانت كثيرة للغاية ... أكثر من يحصيها العدد ... والآن جاءت .. جاءت ... لقد تشكل مايشبه رأس الفطر الذي نراه في الحقول ... انظروا ... انظروا الى هذا المنظر العجيب ... ) مصطلح الفطر يستخدم للمرة الأولى في تاريخ العلم صعق تيبتس من هول مارأى وقال : لم أكن أتوقع تدميرا كهذا تراه عيني ... ثم أرسل تلكس الى القاعدة الجوية في تينيان ( TINIAN ) : تحقق التدمير والنتائج ممتازة !! صاح بارسونز : ماذا أرسلت ؟ إن هذا لايكفي !! وعمد الى إرسال تلكس آخر : كانت النتائج ناجحة وذات أثر أكبر مما حصل في تجربة آلامو جوردو (2) الا أن الرعب تملك بقية طاقة الطائرة وارتسمت علامات الخوف على وجه لويس مساعد القيادة وأخذ يخاطب نفسه : رباه ماذا جنت يدانا .. ماذا فعلنا .. ماذا فعلنا .. ‍‍!! وأنه أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا كان الطيارون الأمريكيون يفركون أيديهم من قوة الإنجاز وحسمه ، ووجه ليزلي جروفز ( LESLIE GROVES ) يطفح بالبشر والسرور ، الجنرال المشرف على المشروع العسكري ابن القس البروتستانتي في لوس آلاموس ، الذي لم يندم لحظة واحدة عما حصل حتى بقية حياته ، ووجه الرئيس الأمريكي ترومان يشع بالغطرسة والتجبر ، فبدأ يفرض في مؤتمر برلين مع ستالين شروطاً مستحيلة بعد أن سكر بخمر القوة . في نفس الوقت كان أهل هيروشيما يحترقون بالنار ذات الوقود ، يذوبون ويشوون ، ويموت بالجملة الأطفال والنساء ، الشباب والعجائز ، فالنار التي كانت تنزل شواظ من نار ونحاس ، ترمي بشرر كالقصور ، كأنها الجمال الصفر المتراقصة .... وكأن القيامة قد قامت ؟‍‍! درجة الحرارة فوق مركز المدينة وصلت الى 300 ألف درجة : عندما اشتعلت كرة النار على ارتفاع 550 متراً فوق مستشفى ( كا أورو شيماس )( KAORU - SHIMAS ) في مركز مدينة هيروشيما اليابانية في تمام الساعة الثامنة صباحاً و16 دقيقة من يوم السادس من أغسطس عام 1945 م كان العالم يدخل حقبة جديدة ، ليس بفعل الحرارة الجهنمية التي وصلت الى 300 ألف درجة بحيث تبخر المستشفى بمن فيه من المرضى ، ولكن بفعل امتلاك طاقة الوقود الشمسي ، وهذا التطور يعتبر نوعيا في تاريخ الجنس البشري . فلقد كان تاريخ القوة حتى تلك اللحظة تصعيداً تدريجياً في الطاقة النارية ، ويعني خسارة فادحة في الجنس البشري مع كل نزاع ، أما هذه المرة فأصبح بإمكان الانسان أن يفني جنسه للمرة الأولى في تاريخه ، حين امتلك سقف القوة ، ووضع يده على طاقة النجوم ، وتحت ضغط هذه الحقيقة العلمية أكثر من مواعظ الأخلاقيين وتعاليم المصلحين ، دلف العالم الى السلام العالمي مرغماً مفاجئاً لايكاد يصدق ، فهو يعيش حيرة التناقض بين انشطار التاريخ بين مفهوم القوة والتطور العلمي وعتبته الجديدة . هذه القوة العاتية التي استخدمت مرة واحدة فوق رؤوس البشر ولعلها الأخيرة ، توقفت القوة أن تكون سبيلاً لحل المشاكل ؛ في مستوى دول العالم الأول على الأقل ، حيث أصبحت الحروب اليوم موضة المتخلفين ، أو تأديب المتخلفين ، الذين لم يدخلوا العصر بعد ، وهذا يحمل تباشير أن يدخل الانسان المرحلة ( الانسانية ) في التاريخ ، ويبدأ عهد الانبياء فعلاً الذي نادوا به وبشروا بإمكانية إقامته ، وبذا كانت قنبلة ( هيروشيما ) نذيراً وبشيراً للبشر في آن واحد ، نذيراً بالفناء وبشيرا بالسلام . البيكادون ( PIKADON ) الالتماع المدوي كانت المدرِّسة ( كاتسوكو هوريبي ـ KATSUKO HORIBE ) بفعل ظروف الحرب قررت القدوم بشكل مبكر الى المدرسة الابتدائية ( هونكاوا ـ HONKAWA ) وكان الوقت ثواني قليلة بعد الدقيقة 16 من الساعة الثامنة صباحاً ، وقد اجتمع الطلبة وبدأت الحياة تضخ بنظمها المعهود (3) عندما قامت القيامة . تقول المدرِّسة كاتسوكو إنها لم تسمع شيئاً على الإطلاق ولكنها لاحظت فجأة أن غرفة التدريس غرقت بضوء أزرق متوهج يكاد يعمي الأبصار ، ثم انفجر زجاج النافذة وطارت الشظايا البللورية ، لتغرز نهاياتها الحادة في رأسها وذراعها الأيسر . لم تشعر بشيء ولكنها ارتمت أرضاً ، وخلال لحظات ساد سكون قاتل ، ثم ساد ظلام عجيب ، وكأن النهار تحول الى ليل . كانت الصدفة لاأكثر هي التي أبقت على حياة المدرَّسة ( كاتسوكو هوريبي ) لإن زملاءها العشرة الذين جاؤوا بالترام على الموعد تحولوا في لحظات الى قطع من الفحم الأسود ( واختارت أمريكا المكان والزمان بدقة لإيقاع أكبر قدر من الخسائر ، وأعظم عتبة من الخوف والمفاجأة فألقت القنبلة بدون سابق إنذار ) كذلك حالف الحظ المدرسة كاتسوكو في مركز الانفجار ؛ فالمفروض أن تكون نقطة الانفجار 250 مترا فوق جسر ايوئي ( AIOI ) والذي حصل أن مركز الانفجار حصل بارتفاع 550 مترا فوق مستشفى كاأورو شيماس كما ذكرنا ، الذي اختفى بالكلية وانمسح من الوجود بكل مافيه من أشياء وأناسي ، فتبخر الجميع في وهج حرارة وصلت الى 300 ألف درجة ، حولت في مدى نصف قطر 500 متر كل شيء الى رماد وهباب فحم ، وحتى 3.2 كم ارتفعت الحرارة الى 3000 درجة فعرضت كل من صادفته الى أبشع الحروق ، والى مسافة 14 كم احترق الورق ، وبذا تحولت هيروشيما تحت تأثي رالضغط والحرارة والاشعاع الى جهنم تتلظى ، فقضى نحبهم فورا ثمانون ألف انسان من السكان ثم تتابع عشرات الألاوف بعد ذلك ليقترب العدد الإجمالي الى قريب 150 الف انسان . باتجاه نهر الموتوياس ( MOTOYAS ) عندما استعادت كاتسوكو وعيها اندفعت الى المدرسة باتجاه نهر الموتوياس لإنقاذ سبعة أطفال من حرق مرعب أكل وجوههم وحول ملابسهم الى أسمال ومزق ، صاحت بالأطفال : باتجاه النهر .. عليكم بالنهر ‍‍!! كان النهر هو أملهم الوحيد ، ولكن ال120 مترا أصبحت طريقاً لاينتهي ، بين جثث محترقة ، وأكتاف تتدافع قد أصابها من الحرق ماحولَّها الى جموع شاردة مجنونة تزعق من الألم ، كما أن النهر بذاته أصبح مطوقاً من النا رمن كل جانب ، فمركز المدينة بالكامل قد استحال الى كتلة نارية ملتهبة ، تزداد بالاتساع ، واختفى الأطفال السبعة من ناظريها في الاتون الملتهب . شعرت المدرِّسة هوريبي بأنها تموت واستولى عليها نوبة من الاقياءات المرة ، وعندما نظرت الى ملابسها كانت مقطعة قد غرقت بالدماء ، لم تعرف تفسير ماحدث ، هل هي نهاية العالم ؟ مابال هذه الجثث المحترقة ؟ مامعنى اكوام الموتى ؟ قصدت النهر فغطست فيه حتى الذقن هرباً من النار الحارقة ، حتى إذا انتعشت هرعت الى بقايا مدرستها التي كانت مبنية من الخرسانة المسلحة المتينة ، والتي كانت خلف نجاتها ، فرأت منظراً لاتنساه : كانت بقية زميلاتها من المدرِّسات قد تحولن الى قطع متناثرة من الجثث المتفحمة وكأنه يوم الحشر والدينونة كانت ( ساكائي ايتو SAKAE ITO ) في مجموعة من المتطوعين ، لتهيئة المدينة لمقاومة هجوم جوي ، تتذكر كيف شبت النار في معطفها فجأة بدون سابق إنذار ، وخلال لحظات عم الظلام ، ثم بدأ مطر أسود لزج قطراني يتساقط من السماء ، لم تفهم ماحدث ؟‍! ووجدت نفسها تحت أنقاض منزل !! وعندما نظرت باتجاه تلة ( هيجي ياما ـ HIJIYAMA ) رأت القمة بوضوح وكأنها قريبة . لم يبق هناك من المدينة مايعزل عن رؤيتها ، فالمدينة كنست ‍!! واندفعت باتجاه جسر ( تسورومي ـ TSURUMI ) وهي تتساءل أي قنبلة هذه التي حولت كل المدينة الى أنقاض ، لم تسمع انفجارا أو ترى حفرة في الأرض ‍!! هكذا اصطلح أهل المدينة على تسمية ماحدث بيكادون ، وهي اجتماع كلمتين ( البيكا ) وتعني الالتماع و ( الدون ) الصوت الخارق المدوي . كل من كان بالمدينة لم يشعر الا بالالتماع والتوهج ، ومن كان في البعيد رأى تألق الضوء وصوت الفرقعة . كانت طوابير الناس المحترقة المتألمة المختنقة والمتبقية من ( الهولوكوست ) المحرقة الكبرى ، تزدحم في الجسر ، يغلفها منظر واحد مكرر ، حفاة عراة ، لم يتبق على أجسادهم تجنباً لاحتكاك الجلد المحترق المؤلم ، وقد تدلت قطع الجلد المحترقة المهترئة ، يلوح بها الهواء ، لم يعد يفرق بين الذكر والانثى ، الوجه من القفا ، يصرخون في طلب الماء ، يتأوهون من الألم ، يجرون أقدامهم بين الجثث المتناثرة ، قد احترقت شعورهم وتجعدت وتصاعدت رائحة الشواء منها ، وانتفخت وجوههم من الحرق ، فلم يعد بالإمكان التعرف على هوية المصاب ، والكل كأنه في حلم ، ماالذي حدث ؟ ماالذي دهى البلد ؟ هل هو سلاح ؟ هل هي نهاية البلدة كما في بركان فيزوف في إيطاليا الذي دفن مدينة بومبي في العصرالروماني ؟ أم هي نهاية العالم ويوم القيامة التي تحدثت عنها الكتب المقدسة ؟ لاأحد يفسر !! لاأحد عنده الإجابة !! كان الجميع يبحثون عن أي مصدر للماء لتخفيف آلام حروقهم ، فعمد البعض الى دفن رؤوسهم في أحواض الماء ، التي خصصتها الحكومة لإطفاء حرائق الحرب ، وبدأ البعض في تحريك رؤوسهم في هذه الأحواض ، إلا إن الموت فاجأهم فبقوا جثثاً فوق الأحواض ؟!! وماتبقى منهم جاء وصفهم على لسان كاتب ياباني معروف هو ( يوكو اوتا ) مايلي : (( لم أتوصل بسهولة إلى فهم كيف استطاعت بيئتنا أن تتحول إلى هذا الشكل خلال لحظة ، وظننت أنه من المفروض أن يكون قد حدث شيء ما ، لاعلاقة له مطلقاً بالحرب ، إنه لاشك نهاية العالم ، كما كنت اقرؤها في الكتب عندما كنت طفلاً )) . أو مارواه شاهد عيان : (( بعد قليل شرعت مواكب المعوقين من جميع الأنواع والأشكال _ لم يعرف لها التاريخ مثيلاً ، تتهافت وهي تنزح من وسط المدينة ، باتجاه الضواحي المحيطة بها )) : (( كانت أذرعهم تتدلى ووجوههم _ ليس فقط جلود أيديهم وحدها ، بل أيضاً جلود وجوههم وجميع أطرافهم كانت تتساقط مهترأة ، ولو اقتصر الأمر على شخصين أو ثلاث لهان الأمر ، ولكن حيثما كنت أتوجه كنت أصادف مثل هؤلاء البؤساء ، كثيرون سقطوا أمواتاً على طول الطريق ، ولازلت أراهم ثانية وهم يتقدمون كالأشباح ، ولم يبد عليهم أنهم ينتمون إلى هذا العالم .. وبسبب جراح اولئك الناس لم يكن بالإمكان أن يعرف فيما إذا كنا نراهم من الوجه أو الظهر )) مفاجأة إضافية : مرض الأشعة نجى الدكتور ( ميشيهيكو هاشيا MISHIHIKO HACHIYA ) بإعجوبة بعد أن سقط منزله فوق رأسه ، ونزف من أربعين جرحاً في جسده ورأسه ، وعندما انطلق الى الشارع اكتشف نفسه عارياً !! يقول الدكتور ( هاشيا ) كان منظر العري هذا متكرراً حيثما وقعت عيني على الكارثة ؛ فالضغط والحرارة والحرائق أطاحت بكل شيء بما فيها الملابس ، ولكن العورات مع الحرائق لم يعد المرء يفرق بين الذكور والإناث ؟! وفيما هو يُعالج في مشفاه الذي كان مديراً له ، أثارت فضوله العلمي ظاهرة محيرة لم يعرف كيف حدثت ؟ ماهو نوع السلاح المستخدم الجديد ؟ وعندما لاحظ أن مرضاه يتغوطون دماً على شكل إسهال مدمى ، تبادر الى ذهنه ؛ أن السلاح قد يكون من النوع البيولوجي ؟! ولكن مظاهر أخرى رافقت هذه الظاهرة ، من نقص المناعة وانخفاض عدد الكريات البيض ، الى حدود 500 كرية في المليمتر المكعب الوحد ( الطبيعي يتراوح بين 4000 ـ 7000 ) والتهاب الحلق الشديد ، وسقوط الشعر ونقص الشهية وتراجع الوزن وارتفاع الحرارة ، جعله يفكر ويطلق على هذه الظاهرة ؛ وكان محقاً في هذه التسمية وكان الأول الذي لفت النظر إليها ـ سماها ( مرض الأشعة ) ؟! إذاً فهذا السلاح الجهنمي يفسر ظاهرة تساقط الأموات بدون توقف مع اختفاء النيران والدخان والحرائق ، بل وعودة الحياة الطبيعية الى مدينة هيرشيما . بل مازال الفريق العلمي حتى اليوم بعد مرور نصف قرن ، مازال يتتبع الآثار المدمرة للاشعاع الذري . هذه المفاجأة غير السارة في تلويث البيئة بالأشعة جعلت السلاح النووي خطيراً للغاية ، ولم يكن في حساب الفيزيائيين ، الذين أقدموا على التلاعب بقوى الكون من أجل الانتصارات العسكرية . خمسة صور فقط حُفظت للذاكرة الانسانية كان المراسل الصحفي ( يوشيتو ماتسوشيجي YOSHITO MATSUSHIGE ) يعمل لصالح جريدة ( شوجوكو شيمبون CHUGOKU SHIMBON ) والتي مازالت الجريدة الرسمية في هيروشيما حتى اليوم . يقول كان عمري يومها 32 عاماً ( وه ومازال على قيد الحياة يرزق وعمره 82 سنة ، ومازال يمارس مهنته المحببة التصوير حتى اليوم ؟‍! ) عندما سقط منزلي فوق رأسي بعد ظاهرة البيكادون ؟! هُرع لاى متن دراجته ليرى ماحل بالمدينة ؟ وليعرف ماجرى لمحل الحلاقة الذي تعمل فيه زوجته ؟ ماوقعت عيناه عليه أن كل شيء تهدم ، ولكن كاميرته من نوع ( ماميا MAMYA ) كانت ماتزال تعمل ، فانطلق وهي تتأرجح على الدراجة ، ولم ينتبه الى جروحه لتي كانت تنزف ، كل ماستولى على تفكيره كان مصير صالون الحلاقة التي تعمل فيه زوجته . كان منزله يبعد 2700 متراً عن النقطة زيرو ( ZERO صفر ) لمركز الانفجار . مازال يتذكر ويقول : حقاً إنه شيء عجيب أن يجرح الانسان بدون صوت قنبلة ؟ وعندما وصل الى مركز المدينة رأت عيناه ماندم عليه بقية عمره أن يفعله ، عندما كان الشاهد والمصور الأول ، الذي خرج من الاتون النووي حياً ، ولم ينتبه الى أنه كان أول من رأت عيناه الهول ، ولكنه لم يصور سوى خمس صور يتيمة هي كل مابقت للجنس البشري نذيرا للبشر عن هول ماحدث ؟‍! هذه اللقطات الخمس ، مازالت تتكرر ملايين المرات حتى اليوم ، بمثابة الشاهد الوحيد اليتيم عن آثار الحرب النووية ، كشاهد ليوم الفزع الأكبر الذي حل بهيروشيما ، ولم يعلم وقتها أن قنبلة ذرية انفجرت فوق رأسه لأول مرة في تاريخ الجنس البشري ، التي ربما لن يراها البشر مرة ثانية . يقول المصور ( يوشيتو ) : كان ركاَّب الترام في منظ رمفزع حقاً ، فبعضهم قد تمزق وسقط ارضاً ، ولكن الكثيرين كانوا يجلسون في مقاعدهم ، قد حافظوا على هيأتهم كما كانوا ، وكأن شيئاً لم يحدث ، ووما لفت نظري يومها اثنان مازالت أيديهم تقبض على أحزمة الجلد ( القشاطات ) مثل مخالب الصقور ، وكأنهم أمسكوها لتوهم بعد أن أعلن الترام الصفير بدء التحرك الى المحطة التالية ، ولكن وجوههم كانت بشكل عجيب ؛ فكأنها طليت بفحم المداخن الأسود . كانت الوجوه الجميلة قد شوهت بكل السخام والقتام الفظيع . كانت المحافظ بجنب الناس بدورها متفحمة ، كانت المظلات وأشياء أخرى كثيرة من حاجيات الناس اليومية قد أكلتها النيران وحولتها الى قطع متفحمة شوهاء بلهاء . كان الشيء المشترك والمريع ؛ يتابع المصور الياباني قصته : والذي ترك في نفسي أثراً لاتمحوه مرور الليالي ؛ تلك الوجوه والنظرات الفارغة من المعنى المحملقة في الأفق البعيد ، بعد أن عانقت الموت ، الذي جاءها من بعيد ، الذي عرفنا لاحقاً أنه جاء من لوس آلاموس . كأن الناس في متحف شمع ولكن بلون أسود قاتم ، قد انطفأت الحياة وتوقفت فيها . ويبقى السؤال لماذا لم يصور تلك الوثائق التي لاتقدر بثمن للجنس البشري ؟ يجيب المصور الياباني ( يوشيتو ـ ماتسوشيجي ) : كان سببه التقاليد اليابانية ، التي تنهى عن عن النظر في وجوه الأموات والمصابين ، والتعليمات الصارمة العسكرية ، أن لاتصور المشاهد المروعة والمقيتة من الجثث المشوهة ، كي لايفت في عضد الناس ، وتنهار المعنويات . كان العسكريون يريدون أن تستمر آلة الحرب نشيطة ، والناس تغذيها نارها التي تتلظى بالقرابين البشرية بدون انقطاع ، بل هل من مزيد . وقبل هذا أن المصور لم يكن يدري أن مارأته عيناه كانت المشاهد الأولى من حرب نوعية جديدة قفزت فيها القوة الى سقف النجوم المستعرة ، وأنه دخل عصر الذرة . النتائج فاقت كل التوقعات في نفس هذا الصباح وعلى الشاطيء الآخر من الاطلنطي ، كان الرئيس الأمريكي (ترومان ) يجتمع مع ( ستالين ) على مائدة المفاوضات بين أنقاض وخرائب المدينة الألمانية ( بوتسدام ) في صدد تقسيم العالم والنفوذ في مرحلة مابعد الحرب الكونية الثانية !! وقد علت البهجة وجه الرئيس الأمريكي ، وغطى السرور محياه ، ظهر ذلك في حركات يديه وعينيه ، بعد أن وضعت بين يديه البرقية ( العملية تمت صباحاً . التشخيص لم يكتمل بعد . يبدو أن النتائج مطمئنة . وفاقت كل التوقعات ) . وعندما سطعت الشمس النووية ، وحلَّق ( الفطر النووي ) البئيس فوق مدينة ( هيروشيما ) ، وطوى تحت جناحيه أشباح وأرواح عشرات الآلاف من البشر ، عندها أدركت عائلة ( ويسل مان ) وسائق القطار ( ايدلين ) والمذعور ( لويس فاريس ) من قرية ( كوريثوثو ) أنهم كانوا الشهود الأوائل على سطوع الشمس النووية الجديدة ، بل وولادة عصر جديد . وتبين أن ماشاهدوه كان في الواقع تجربة أول انفجار نووي على ظهر الأرض ، في صورة تفجير قنبلة البلوتونيوم 239 . بقي أن نقول أن منظر الفطر النووي حول راحلته ليبزغ مرة أخرى بعد ثلاثة أيام ، فوق مدينة أخرى ، كأن ماحدث في هيروشيما لم يكن كافياً ، فتكرر منظر الحرائق واللهب والتفحم والانفجار ، فالتهمت النار ذات الوقود مرة أخرى قريباً من مائة ألف انسان في مدينة ناغازاكي . كان قرار الرئيس الأمريكي ترومان صارما واضحا : نقل ربع مليون انسان الى العالم الأخروي في أيام معدودة ، وانعطاف نوعي في تاريخ الجنس البشري . في نفس يوم التاسع من آب الذي مسحت فيه مدينة ناغازاكي ، كانت مدينة هيروشيما تضمد جراحها ، وتكنس الخرائب التي لاتنتهي ، ويبدأ الترام فيها صفيره مرة أخرى ، وتدب الحركة والحياة فيها من جديد ، في أقل من 72 ساعة ، شاهداً على حيوية شعب بإرادة أقوى من السلاح الذري . مراجع وهوامش : (1) يعتمد بناء السلاح الذري الانشطاري على استخلاصه من اليورانيوم 238 في طريقين الأول : استخلاص اليورانيوم المكثف 235 وهو بمعدل سبع ذرات من كل ألف ذرة يورانيوم 238 أي أن كل 1000 ألف ذرة يورانيوم خام فيها 993 ذرة غير قابلة للانشطار ، وسبع ذرات 235 صالحة لبناء السلاح النووي منها كونها ذرات قابلة للانشطار غير مستقرة . والثاني التلاعب باليورانيوم 238 وقلبه الى 239 غير مستقر قابل للانشطار بدوره ، وأعطي لقب بلوتونيوم من الكوكب التاسع بلوتو !! وكما نرى فهناك طريقة صعبة مكلفة ، وثانية صناعية أسرع وأسهل وتضخ باستمرار وتتم عن طريق المفاعل النووي ، الذي ركبه انريكو فيرمي الايطالي للمرة الأولى في تاريخ الجنس البشري مع نهاية عام 1942 عندما أرسل برقيته الشهيرة الى الرئيس الأمريكي دولانو روزفلت يقول : لقد رسى الملاح الإيطالي على الأرض الجديدة !! بقي أن نقول أن قنبلة البلوتونيوم 239 هي التي أنتجها مخبر لوس آلاموس الذري وتم تجريبها في الساعة الخامسة والنصف من صباح 16 تموز يوليو عام 1945 وقصفت بها مدينة ناغازاكي ، أما قنبلة اليورانيوم 235 المخصب فلم تجرب لثقتهم بنجاحهما ، وتم تركيبها في مختبر أواك ريدج عند التنيسي وقصفت بها مدينة هيروشيما . ولم تكن الولايات المتحدة تملك أثناءها سوى عدد لايتجاوز أصابع اليد ، ولكن سر السلاح النووي أصبح في يدها وبالتالي يمكن تصنيع العدد الذي تريده قبل انتقال سره الى الآخرين كما حدث لاحقاً عندما فجر الاتحاد السوفيتي أول قنبلة له عام 1949 م قنبلة ( جو ) الأولى نسبة الى جوزيف ستالين ، وبدأت رحلة التسابق النووي التي عاصرناها كما عاصرنا نهايتها ، وتوقف العالم عن السير في رحلة القوة ، وبدء رحلة السلام ، ونزع فتيل الحرب ومعه السلاح النووي (2) من المفارقات العجيبة التي كشف عنها العلم النووي لاحقاً أن قنبلة هيروشيما كانت تزن 60 ستين كيلوغرام من اليورانيوم 235 المخصب ولم ينفجر منها سوى 700 غرام أقل من كيلوغرام واحد ـ لحسن حظ أهالي هيروشيما فلم يكن ليبقى منها شيء لو انفجرت كل طاقتها ـ بمعنى أن كمية التفجير بلغت 2% فقط من كميتها ؟! وأما قنبلة ناغازاكي فوزنت 6,2 كغ وتفجر منها 1.3 كغ بمعنى أن ماتفجر منها 21% لذلك عمد فريق التسلح النووي لاحقاً لتطوير نظام الحقن المدعم بجرعة إضافية ( BOOSTER ) من مادة التريتيوم لتحقيق أكبر كمية تفجير ممكن من المادة (3) اتخذ الرئيس ترومان قراره بالضرب المزدوج للمدينتين بتوقيع واحد على أن يكون متتابعاً مريعاً مفاجئاً بدون أي إنذار وفي وقت بدء الحياة ، كي تكون جرعة الصدمة والرعب في أقصى مداها وجرعتها . ( توثيق المعلومات تم أخذها من مجلة الشبيجل الألمانية وكتاب القصة السرية للسلاح النووي للكاتب الأمريكي مهندس الكمبيوتر جاك هانزن وكتاب مصير الكوكب الأرضي لجوناثان شيل ومصادر أخرى متفرقة )
اقرأ المزيد
الالتماع النووي، قصة ولادته .. تطوره .. ومصيره !! (1)
عندما سقطت المانيا الهتلرية في الحرب العالمية الثانية ، كان هاجس الحلفاء هو المدى الذي بلغته المانيا في تطوير سلاحها ؟ وما كُنْه السلاح السري الذي هدَّدَ به هتلر العالم ، عندما كان الرايخ الثالث يغرغر في سكرات الموت ؟ وهل قصد به السلاح النووي ؟ وكان همُّ الحلفاء مركزاً على وجه الخصوص على سلاحين ، فأما الأول فكانت ألمانيا قد بدأت في تطويره قبل نهاية الحرب بقليل وهو سلاح الطيارات بدون طيارين والصواريخ ( ف 1 و ف 2 _ V1 V2 ) الذي ذاقت منه لندن الويلات يومها ، وأما الثاني وهو الأكثر أهمية فهو السلاح النووي ، فبحمل المقذوف النووي على ظهر الصاروخ يمكن تدمير أي بقعة على وجه الأرض ، وبامتلاك سلاح من هذا النوع لايبقى فرق بين دولة صغرى وعظمى . غنائم الحرب : المادة الرمادية الثمينة ( الأدمغة العلمية ) !! في الوقت الذي كان الاتحاد السوفيتي يقتلع القضبان الحديدية ويجمع بقايا المعامل الألمانية فيما عرف بعد ذلك بألمانيا الشرقية ( DDR ) كغنائم حرب ومعها العلماء ، كان همُّ الحلفاء _ وبوجه خاص الولايات المتحدة الأمريكية _ منصباً على الاستيلاء على المادة الرمادية أي الأدمغة العلمية ( والمادة المادية _ GRAY MATTER _ تعني قشرة المخ )(1) وخوف الحلفاء هل مايبرره ، وحرصهم دليل على قمة الذكاء ، لان التفوق العسكري هو تفوق تقني وعملية ذكاء قبل كل شيء ، وتنقل لنا أسرار الحرب خبرين من صراع الديناصورات الخفي ، الأول الاجتماع الذي قامت به وزارة الدفاع الألمانية في بداية الحرب العالمية الثانية مع فريق العلماء بقيادة الجنرال ( ميلش MILCH )(2) والثاني التنصت السري الذي مارسته استخبارات الحلفاء على الفريق العلمي الألماني الذي سقط في يد الحلفاء ابان سقوط الرايخ الثالث . حوار العسكريين والعلماء في وزارة الدفاع الألمانية : حصل اجتماع هام ومصيري في وزارة الدفاع الألمانية قاده أحد الجنرالات النازيين المخضرمين ( ميلش ) حين وجه السؤال للفيزيائي المبدع ( فيرنر هايزنبرغ ) عن الطاقة النووية والقدرة التدميرية فيها ؟ وهزته الاجابة أنها في امكانية أن تمسح مدينة بكاملها من خارطة الوجود !! فأغرته الأجابة بمتابعة التفصيلات : ياترى كم حجم هذه القنبلة ؟؟ وكان الجواب صاعقاً : ربما لاتزيد عن حجم رأس ثمرة الأناناس ؟!! ( كان وزن قنبلة البلوتونيوم التي القيت على ناغازاكي 2.6 كغ ولم ينفجر منها الا 21% فقط !! ) فتابع يسأل : ولكن كيف الطريق الى امتلاك مثل هذا السلاح ؟ وكان جواب هايزنبرغ والفريق العلمي المرافق : إن الطاقة النووية هي الآن ليست أكثر من فكرة نظرية وصلت اليها الفيزياء النووية منذ فترة قريبة (3) وهي تقوم على انشطار نواة اليورانيوم ، وبموجب المعادلة النسبية ( الخاصة ) التي وحدت مابين الطاقة والكتلة ؛ فان كمية قليلة من مادة اليورانيم سوف تقود الى نتائج تدميرية لم تخطر بعد على قلب بشر ، الا أن الطريق لمثل هذا السلاح يحتاج الى سنوات طويلة قد تصل ربما الى العشرين سنة ، وشعر الجنرال النازي بكثير من الاحباط لطول الوقت والتكاليف ، وكانت الحرب العالمية الثانية قدحمي أوارها واشتد سعارها وتعالى نارها ، فاكتفى النظام النازي بدفع المشروع باتجاه التطوير بدون حماس كبير خاصة وأن ( القائد _ - FUEHRالفوهرر لايميل كثيرا الى هذه الكيمياء اليهودية (4) الى أين وصلت رحلة التسلح النووي الألمانية مع نهاية الحرب ؟ عندما تم اعتقال مجموعة من العلماء الفيزيائيين الألمان كغنائم حرب (5) لايتجاوز عددهم ( الدزينة الواحدة ) مع سقوط ألمانيا النازية ، تم وضعهم في فيلا مريحة للغاية في بريطانيا مع كل تجهيزات الرفاهية الممكنة ، الا أن الفيلا كانت قد صممت بكيفية شيطانية على طريقة ( ارسين لوبين وشارلوك هولمز وقصص أجاتا كريستي ) حيث لاتوجد زاوية أو حائط أو طاولة أو جهاز بدون ميكرفون صغير أو لوحة تسجيل وتنصت ، وهذه الشبكة الفظيعة متصلة بمركز مراقبة مركزي ، يسجل كل حديث عابر ، أو خاطرة فكرة ، أو زفرة حسرة تصدر عن أي عالم من هذه المجموعة العلمية الهامة ، وعلى مدار الأربع وعشرين ساعة ، وكان المشرفون على عملية التنصت خبراء متقنون للغة الألمانية ، واجتمعت أشرطة بطولٍ بلغ كيلومترات لانهاية لها في نهاية المطاف ، وبعد مراقبة استغرقت ستة أشهر كاملة (6) وفي نهاية الرحلة تبين للحلفاء كمية العمل الذي قام به الفريق العلمي الألماني والمدى المتواضع الذي وصل اليه البحث النووي ، الذي كانت أمريكا تمثل فيه ( المونوبول الدولي ) أي الاحتكار الدولي الكامل من طرف واحد ، فالفريق الألماني لم يتقدم شيئاً يذكر في مجال تطوير السلاح النووي خلافاً لنظام الصواريخ الذي استفادت منه الولايات المتحدة بعد ذلك لتطوير نظامها العابر للقارات . كان الفريق العلمي الألماني الخاضع للتجربة مثل فئران المخابر يتكون من أدمغة في غاية الذكاء والنباهة والابداع مثل ( فيرنر هايزنبرغ ) صاحب نظرية الارتياب ومطور ميكانيكا الكم ، و( اوتو هان ) الذي انشطرت الذرة على طاولته ، و( كارل فريدريش فون فايتسكر ) الذي اهتدى للوقود النووي الذي تستخدمه الشمس في لهيبها الذي مر عليه خمسة مليارات سنة . الفطر النووي يرتفع فوق هيروشيما : بعد سقوط ألمانيا بأشهر قليلة كان السلاح النووي جاهزاً في المخبر الصحراوي في ( لوس ألاموس _ LOS ALAMOS ) في ولاية نيومكسيكو ، وفي صبيحة اليوم السادس عشر من تموز يوليو 1945م وعند الساعة الخامسة والنصف صباحاً ارتفع الفطر النووي وتحررت الطاقة النووية من قمقمق الذرة كجني علاء الدين و المصباح السحري ، وهتف ( روبرت اوبنهايمر ) الرأس العلمي للمشروع : لقد تحولتُ الى مدمرٍ للعالم ، وراقب الفريق العلمي بذهول وللمرة الأولى هذا الفطر النووي البئيس والمرعب وهو يرتفع فوق رؤوسهم ، بطاقةٍ لم يصل اليها البشر ولا في أحلامهم ؛ فأما العسكريون فشدوا قبضة اليد تحت سكرة القوة ، وأما العلماء فأدركوا أن عصراً جديداً قد ولد ، كما حصل مع الذين رأوا قارون في زينته حيث دهش الذين لايرون أبعد من أرنبة أنفهم فغرهم وهم القوة والثراء الفارغ ، وأما العلماء فأدركوا أنه سراب خادع وخطر مبين !! ( قال الذين اوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولايلقاها الا الصابرون ) ولادة العصر النووي ومغزاه الفلسفي : كانت تجربة تفجير السلاح النووي في صحراء نيفادا في منطقة آلامو جوردو ذات أبعاد فلسفية ، فلأول مرة في تاريخ الجنس البشري العاقل تصل القوة الى مرحلة عجيبة ، ستتجلى بعد ذلك في كل مراحل انعطاف القوة ( سقوط الصين في يد الشيوعيين 1948 م _ حرب كوريا 1950 م _ ازمة قناة السويس 1956 م _ حرب فيتنام 1965 _ ازمة كوبا 1960 _ الحروب العربية الاسرائيلية 1967 و 1973 الخ ... ) وهي عدم القدرة على استخدامها ، وأن القوة بدأت في فرملة وكبح والغاء القوة كوسيلة في تعامل البشر ، فالرئيس الأمريكي ترومان حينما وقع على مسح مدينتين يابانيتين وفي وقت واحد من خارطة الوجود ، أدرك بعدها مستوى الدمار الذي يملكه هذا السلاح الجديد ، فالسلاح النووي الآن أصبح ذات فلسفة وجودية ( انطولوجية ) يؤشر على انعطاف في مسرح الأحداث العالمية ومسيرة الجنس البشري ، أكثر منه قفزة جديدة في تطوير سلاح جديد ، فالسلاح النووي هذه المرة تجاوز أن يكون سلاحاً ، ليتحول الى قوة كمونية تحمل مخاطر انهاء الجنس البشري العاقل برمته من الوجود ، وكفت الحرب أن تكون غالبا ومغلوبا ، وانقلبت الى انتحار لكل الأطراف ، وهذا هو السر في التحول الخفي والبطيء في توقف عالم الكبار عن الصراع وتوديع أسلوب القوة ، هذا التحول لم يدركه بعد فريق كبير من صانعي القرار وسياسي العالم الثالث ، فشهوة امتلاك السلاح النووي وسيلان اللعاب باتجاهه ، أشبه بعجل السامري الذي أغوى بني اسرائيل ، فالسلاح النووي يشبه اليوم الأصنام التي لاتضر ولاتنفع ، أو مسدسات المطاط التي يلعب بها الأولاد، فهي أسلحة ليست للاستخدام ، وفي اللحظة التي ينتبه فيها انسان العالم الثالث الى حقيقة هذه الأصنام ، فسوف تخر صريعة لليدين والجنب ، وسيتوقف عن الخوف منها ومن سدنتها . الا أن هذا التحول مر في مراحل ، من الطريف أن نتناول تطورها خطوة خطوة ، فقنبلة هيروشيما كانت ذات قوة تدميرية رهيبة ( 15 _ 20 كيلو طن ) ولكنها مع كل هذا ليست شيئاً مع التطور الذي تلاها ( قنابل الميجاطن )(7) . انفلات السر النووي من يد الولايات المتحدة عام 1949 م : في ايلول سبتمبر من عام 1949 كانت طائرة التجسس الأمريكية ب _ 29 تحوم في منطقة صحراء ( سيمي بالاتنسك _ SEMIPALATNSK ) في كازخستان ، فوق الاتحاد السوفيتي على ارتفاع 15 كم ؛ فاصطدمت بغمامة شعاعية تم التأكد أنها من عقابيل تفجير نووي ، ومع تبليغ البنتاغون دقت أمريكا أجراس الخطر ، حيث علم أن النظام الشيوعي فجر أول قنبلة نووية تحمل اسم جوزيف ستالين ( القنبلة جو 1 ) فبدأت الرحلة الجديدة باتجاهين : تطوير الجيل الثاني من السلاح النووي والحرب الباردة ، وجاءت الساعة الذهبية لمنافس ( اوبنهايمر ) الهنغاري ( ادوارد تيللر _ EDWARD TELLER ) الذي عمل مع اوبنهايمر في مشروع ( مانهاتن _ MANHATTEN PROJECT ) لتطوير السلاح النووي الانشطاري الذي جرب في آلامو جوردو من صحراء نيفادا . فادوار تيللر كان يضحك من مشروع ( الألعاب النارية ) التي تستخدم في أيام الأعياد ؟!! يقصد بها تفجير بضع آلاف من مادة ( ت . ن . ت ) وهي التي حققتها القنبلة الذرية الأولى حيث بلغت قوة التدمير في حدود 20 عشرين ألف طن ( 20 كيلو طن ) . كان تيللر يطمح الى ( قنبلة السوبر _ SUPER BOMB ) القنبلة الالتحامية الهيدرجينية التي يقوم عليها استعار الشمس وغليانها ، حيث تصل القوة التفجيرية الى حدود الميجاطن = قوة تفجير من عيار مليون طن من مادة ت . ن . ت أي أقوى من قنبلة هيروشيما بخمسين مرة ) وكان ذلك في موعد مع اكتوبر من عام 1952 بعد سبعة أعوام من تفجير قنبلة اليورانيوم 235 الولد الصغير ( LITTLE BOY ) و قنبلة البلوتونيوم 239 الرجل السمين ( FAT MAN ) . مشروع مايك ( MIKE ) الجهنمي ( القنبلة .. السوبر ) : عندما كلف البنتاغون تيللر بالانطلاق في مشروع الماموت الجديد ، والذي كان قد مات منذ أيام العمل في لوس آلاموس لانتاج القنبلة الانشطارية الأولى فرك الهنغاري يديه فرحاً كونه سيحقق حلمه القديم ، فقنبلة الهيدرجين تقوم على مبدأ مختلف ، فهي تنتج من التحام ذرات الهيدرجين لانتاج مادة الهليوم ، وكان كلاً من العالمين ( هانس بيته ) و ( كارل فريدريش فون فايتسكر ) قد وصلا الى فهم ديمومة الشمس في بث الطاقة وعمر الشمس التقريبي بناء على ذلك ، فالشمس لاتنتج وقودا تقليدياً ، بل هي تقوم على التحام ذرات الهيدرجين لانتاج ذرات مادة الهليوم ، وبذلك تبلغ الحرارة على سطح الشمس حوالي ستة آلاف درجة ، وهو سطح الفرن الخارجي ، أما محل الطبخ الرهيب في قلب الفرن فتبلغ الحرارة حوالي 15 خمس عشرة مليون درجة ، والقنبلة الهيدرجينية النووية الالتحامية تقلد الشمس فتشعل هذا الفرن فوق رؤوس الناس على الأرض !! مبدأ القبضة الفولاذية المضاعفة ( F . F . F . F . = fission . fission . fussion. fission) ( انشطار _ انشطار _ التحام _ انشطار ) : انطلقر ادوارد تيللر بكل حماس لهذا المشروع ولكنه فوجيء بمصاعب فنية جمة ، حتى أنقذه في ذلك عالم رياضي شاب موهوب هو ( ستانيسلوف أولام _ STANISLAW ULAM ) من خلال تطوير مبدأ اشعال قنبلة نوووية انشطارية في حوض محكم ، يحوي مادة نظائر الهيدرجين ( الدويتريوم والتريتيوم ) المبردة السائلة في وعاء داخل الوعاء ، فيضغطها من الخارج ، بنفس الوقت يقود التفجير الأول الى تفجير قنبلة نووية انشطارية ثانية ، كالجزرة المغروسة داخل وعاء نظائر الهيدرجين ، فتصبح مادة الهيدرجين تحت ضغط مرعب من قنبلتين نوويتين في نفس الوقت ، من الخارج والداخل على حد سواء ، وتحت هذا الهرس الساحق الماحق تبدأ نويات الهيدرجين في الاندماج والتحول الى مادة الهليوم واطلاق الطاقة النووية الرهيبة ، ويكون بانتظار هذا التحول الجهنمي ، الذي ينتهي في أجزاء من المليون من الثانية ، قشرة يورانية ( مادة اليورانيوم ) تنتظر الأشعال ، فتبدأ في الانفجار هي بدورها ، فاذا نحن أمام انفجار ثلاث قنابل انشطارية وانفجار قنبلة التحامية معاً ، فلا غرابة من وصول الطاقة الى عشرات الميجاطن أحياناً !! وهذا الذي حدث مع قنبلة مايك الأولى التي بلغت طول ستة أمتار وقطر المترين ووزن 65 طن ، بحيث لم يمكن حملها على ظهر طائرة الى جزر المارشال للتجريب ، بل نقلتها بارجة حربية . وفي مارس آذار من عام 1954 م تمت تجربة جديدة وكان من المتوقع أن قوة التفجير في حدود ستة ميجاطن فتبين أنه 15 ميجاطن ( أقوى من قنبلة هيروشيما بـألف مرة ؟!! ) فانخسفت الجزيرة الى قاع البحر ، وانطبخت الأسماك والحيتان في قاع المحيط ، ودمرت الحياة النباتية والحيوانية في المنطقة برمتها ، وأصابت صيادين في زورقٍ ياباني على بعد 80 كم فتأذوا جميعا ً بالأشعة ، ولكن العسكريين كالعادة صفقوا وصفروا فرحاً بنشوة القوة ، حيث أصبح بأمكانهم مسح الأرض ومن فيها ، وتبين أن هذه القنبلة ( السوبر ) بالأمكان تصعيد طاقتها التدميرية بدون حدود ، حتى لربما نصل الى فهم لغز اختفاء الكوكب بين المريخ والمشتري ، وبقاء نفايات غبار وحطامٍ من صخور لربما هي النهاية البئيسة لكوكب سابق ، ارتكب أهلوه حماقة نووية ؟!! (8) الجنون النووي الكامل ( قنبلة الجروباتز بعيار 58 ميجاطن والبنتاغون يخطط لــــ 100 ميجاطن ) ؟! في الوقت الذي كانت فيه أمريكا تطور ترسانتها النووية لم يقف الاتحاد السوفيتي متفرجاً ، بل قفز بسرعة رهيبة نحو الأمام ففجَّر في نهاية الستينات قنبلة لم يكن أعظم وأشد بطشاً منها ، فاقت كل أحلام جنون القوة . كانت قوة التفجير ( 58 ) ميجاطن أي أشد من قنبلة هيرشيما بــ ( 3800 مرة = ثلاثة آلاف وثمانمائة مرة ؟!! ) فارتعب منها جنرالات الجيش الأمريكي ، وتخلخلت منها مفاصل استراتيجيي البنتاغون ، فدعوا الى حملة لاتبقي ولاتذر ، وأسرعوا الى اجتماع طاريء وبدأوا في التفكير لانتاج قنبلة لم يسمع بها ولا أبالسة الجحيم : هذه املرة من عيار 100 مائة ميجاطن ، أي أقوى من قنبلة هيروشيما بــ ( 6600 ) ستة آلاف وستمائة مرة (9)؟! ولكنهم أدركوا أن هذا الخط لايفضي في النهاية الا الى الجنون المطبق ، واستنزاف كل الموارد ، وتلويث البيئة ، وانتاج لعب ليست للاستخدام ، حتى كانت أزمة كوبا التي نجا منها العالم بأعجوبة !! العالم يقف على حافة الانهيار النووي في أزمة كوبا في الستينات : يذكر روبرت كنيدي في مذكراته تلك اللحظات عندما تم وضع الترسانة الأمريكية في حالة الانذار القصوى بتاريخ 24 تشرين أول 1962 م في الساعة العاشرة وبضع دقائق عندما اقتربت سفينتان حربيتان سوفييتان تواكبهما غواصة لعدة أميال من المنطقة التي فرض عليها الحصار البحري ( اعتقد أن الرئيس الأمريكي جون كنيدي قد مرت عليه لحظات عصيبة من القلق الذي يعصف به متسائلاً : هل أصبح العالم على حافة الهاوية فعلاً ؟ هل ارتكبنا خطأ ؟ هل كان هذا خطأنا ؟ هل أهملنا حلاً عُرض علينا ؟ هل ذهبنا بعيداً بهذا الطريق ؟ كان الرئيس قد حمل يده الى وجهه وأخفى بها فمه ، كان يطبق قبضة يده ويفتحها وكانت قسمات وجهه مشدودة ونظراته حزينة مكفهرة وكنا نتبادل النظرات فوق المنضدة فاعتقدنا لعدة ثواني أنه ليس من أحد غيرنا في المكان وأنه لم يعد الرئيس ، وكانت الساعة قد دنت من اتخاذ القرار النهائي وانفتحت أمامنا الهوة وليس من مهرب ؟ هذه المرة وجب علينا الجزم واعطاء الكلمة المباشرة ليس في الاسبوع القادم حين كنا نقول سنقرر في الاجتماع القادم ليس غداً ولاحتى بعد ثماني ساعات حين كنا نقول ابعثوا برسالة جديدة الى خروتشوف نحاول اذعانه للصواب والحق كلا ولاشيء من كل هذا . كان ممكناً في تلك اللحظات فعلى بعد 1500 كم من هنا وفي هذه الامتدادات الشاسعة من المحيط الاطلسي يجب اتخاذ القرار في الدقائق التالية فقد صعد الرئيس جون كنيدي الأحداث لكنه سيفقد السيطرة عليها من الآن وصاعداً ) (10) مراجع وهوامش : (1) الدماغ البشري مكون من قشر بسماكة عدة مليمترات وفيه النورونات العصبية أي الخلايا العصبية مركز التفكير والنشاط الذهني بعدد يصل الى مائة مليار خلية عصبية ولون هذه الطبقة رمادي ، وأما لب الدماغ فهو ذو لون أبيض وهو كم مرعب من الاتصالات ( الكابلات العصبية ) لهذا الرقم من الخلايا (2) نقلت مجلة الشبيجل الألمانية في خمس حلقات السلسلة الكاملة للاسرار الخفية لانتاج السلاح النووي ، كما أن وزارة الطاقة الأمريكية فتحت المجال للباحثين بعد مرور الفترة الزمنية الكافية مما جعل مهندس الكمبيوتر الأمريكي ( جك هانزن ) يكتب كتاباً كاملاً في هذا عن القصة السرية لانتاج السلاح النووي الأمريكي (3) وصل الكيميائي الألماني ( اوتو هان _ OTTO HAHN ) قبل الحرب العالمية الثانية بقليل وبشكل تجريبي الى امكانية شطر الذرة ، وبذلك نسف المسلمة اليونانية القديمة عن الجزء الذي لايتجزأ ( الذرة ) (4) اشترك الكثير من العلماء اليهود في تطوير السلاح النووي ويكفي أن نعلم ان رأس المشروع النووي العلمي في أمريكا كان روبرت اوبنهايمر وهو يهودي ، ولاغرابة أيضاً من تطوير المشروع النووي الاسرائيلي على يد عالم يهودي كيميائي ذو أصول ألمانية ( بيرغمان ) (5) كتاب الجزء والكل حوارات في الفيزياء الذرية _ فيرنر هايزنبرغ _ حيث يذكر العالم الفيزيائي كيف سقط أسيرا في يد القوات الأمريكية وكيف كان يتوقع هزيمة ألمانيا في الحرب وهو الألماني ، كون الحرب تكنولوجية بالدرجة الأولى ، وكيف بقى في ألمانيا من أجل بناء جيل مابعد الحرب ، فهو الذي ساهم في بناء مؤسسة ( ماكس بلانك ) في تطوير البحوث العلمية الالمانية في فترة مابعد الحرب (6) مجلة صورة العلم الألمانية ( BILD DER WISSENSCHAFT ) (7) الميجاطن هي القوة التفجيرية لمليون طن من مادة ت . ن . ت أي أقوى من قنبلة هيروشيما بما لايقل عن خمسين مرة وهي عيار واحد ميجاطن فقط وهي تكفي لمسح مدينة في حجم دمشق أو القاهرة ؟!! (8) بحساب أبعاد الكواكب عن الشمس تم الاهتداء الى قانون عجيب في الأبعاد ، حيث ظهر أن منازل الكواكب ( الزهرة _ عطارد _ الأرض _ المريخ الخ ) تمشي وفق مسلسل عددي يبدأ بالصفر ، ثم يتدرج بضرب الرقم 3 في اثنين واضافة اربعة الى كل رقم بعد ذلك ، فتصبح الأرقام هكذا : ( 4 _ 7 _ 10 _ 16 _ 28 _ 52 _ الخ ) فاذا ضرب الرقم الناتج بتسعة حصَّلنا مسافة بُعد كل كوكب بملايين الأميال بشكل تقريبي ، فالزهرة تبعد 36 مليون ميل ، والأرض تسعين وهكذا ، ولكن ثغرة القانون ظهرت بين رقمي 16 و 52 فعند الرقم 28 لم يظهر أي كوكب ، ولكن البحث الفلكي المكثف أظهر بعد ذلك وجود ليس كوكب بل ( كويكبات ) أي بقايا كوكب محطم مندثر ، فهل كان كوكبا عامرا بالحياة فارتكب أهلوه حماقةً نووية فتفجر كوكبهم ؟؟ تراجع فكرة القانون بالتفصيل في كتاب قصة الايمان _ نديم الجسر _ توزيع دار العربية _ ص 308 (9) مجلة ( P . M ) الألمانية ( 10) كتاب مصير كوكب الأرض في الحرب النووية _ تأليف جون ناثال _ ترجمة موسى الزعبي _ مكتب الخدمات الطباعية دمشق 1986 م ص 14 .
اقرأ المزيد
جمهورية الصراصير والعقارب ؟!
ماحدث في بيروت بتاريخ 4 غشت 2020 يذكر بحدث الصحراء الجزائرية بفارق أن التفجير الفرنسي كان على الأرض الجزائرية وفي الصحراء، أما ماحدث في بيروت فبين الناس وفوق بيوتهم، وهو في الغالب صراع بين بني صهيون والأصابع الإيرانية. 13نتابع حديثنا عن السلاح النووي ففي فبراير (شباط) 1960 م كان السكون يخيم في الصحراء الجزائرية ولايعكر هذا الهدوء سوى الريح التي تصفر فوق الرمال الممتدة عبر الأفق، وفجأةً يمزق هذا الهدوء إعصار مدمر ورعد مجلجل، ويرتفع عمود هائل من النار عبر السماء، وترتسم في الأفق كرة نارية هائلة، لايلبث أن يتلو ذلك ارتفاع غمامة من الدخان تأخذ شكل رأس الفطر. إنها فرنسا تجرب السلاح النووي الأول لها، ليس فوق التراب الفرنسي، بل على الأرض الجزائرية، فالجزائر بلد التجارب من كل الأنواع، فهو المستودع الخلفي لنفايات فرنسا! كما حصل لاحقا في سلسلة التجارب الفرنسية في جزر المحيط الهادي (مورورو) بعد خمس وثلاثين سنة من التجربة الأولى، على الرغم من غضب أهل الأرض وحنقهم جميعاً! كل المنطقة المحيطة بالانفجار تحولت الى موتٍ كامل ودمارٍ مطبق، فالرمال الناعمة نُفخت في الاتجاهات الأربعة، وتقعر باطن الأرض بفوهة قبيحة، وبرزت ندبةٍ واسعة لاتعرفها الأرض منذ العصر الجوراسي، وتشوه وجه الطبيعة الجميل. تفحمت النباتات جميعاً، واحترقت الحيوانات بنارٍ تتلظى. وماكان في مركز الانفجار أو قريباً منه تبخر الى السماء بفعل درجة الحرارة التي ارتفعت الى مايزيد عن عشرة ملايين درجة! وماكان بعيداً عن مكان الظاهرة الكونية الجديدة قضى نحبه من هول الاشعاعات؛ فهذا السلاح يقضى عل الحياة باللهب الحارق، أو الضغط الساحق، أو الشعاع الماحق، فهي طاقة لم يحلم بها حتى أبالسة الجحيم! إلا إن العسكريين الواقعين تحت سكرة القوة ونشوة الجبروت، فغروا أفواههم من الدهشة حينما وقعت أعينهم على عقربٍ صحراوي في مكان الانفجار، يتحرك بكل اطمئنان، غيرُ عابيءٍ بكل مايحدث حوله، قد رفع زعنفته بنهايتها السمية المدببة، ملوحاً بها يتحدى الجنرالات الفرنسيين!. ولكن كيف نجا هذا الشقي من العاصفة النارية والأشعة الخارقة التي التمعت فوق جحره ولم تؤثر في قوته بحال؟ فهو يمشي ولاتظهر عليه أية مظاهر للتعب أو الترنح أو الأعياء! وبعد مرور كل هذه السنوات لم يصل العلماء الى الجواب الذي يروي الغليل عن سر قوة العقرب الصحراوي الجزائري الذي صمد في وجه الإعصار النووي! الا إن المعلومات التي أمكن جمعها حول هذا الحيوان المدرع ذو الزعنفة السامة منذ تجربة الاعصار النووي قادت الى معرفة مدهشة بخصائص هذا الحيوان الذي عكف على دراسته العالم الفرنسي (فاشون vachon) لأكثر من ربع قرن، فهذه المقاومة الخارقة للحرارة والأشعة الناجمة عن تفجير السلاح الحراري النووي، قد تكون المفتاح لتطوير مادة دفاعية في جسم الانسان تقيه من الكوارث النووية للمستقبل، خاصة الجيل الثالث من السلاح النووي (النتروني) ومن أجل فهم هذا السر الخفي في جسم هذا الحيوان المرتبط بالذاكرة الانسانية بالخبث والغدر واللدغ، فقد تبين من دراسة طراز حياته وعاداته اليومية، التي تمت في متحف باريس قسم التاريخ الطبيعي، أنه يمتاز بصفات لايكاد يصدقها الانسان، فالعقرب (اللدَّاغ) منحنا الكثير من الدروس الملهمة والحكم القيمة. 1- أولاً: فهذا العقرب الذي يصل طوله الى حوالي عشرين سنتيمتر، لايجاريه في صومه وزهده فقراء الهنود المستلقين على المسامير الحادة لفترةٍ الطويلة، كما لايصل الى تحمله في الحرمان من الطعام والشراب أشد النساك، ولاأكثر من يمارس الصيام، فهو يستطيع أن يتابع صومه لمدة ثلاث سنوات كاملة بدون طعام أو شراب. 2 ـ ثانياً: كما أنه يستطيع كتم أنفاسه تحت الماء متربصاً هادئاً بدون أي أكسجين لمدة يومين بالكامل! 3 ـ ثالثاً: واذا غطس في الثلاجة في درجة الحرارة تحت الصفر، ونقل بعدها الى درجة حرارة الصحراء ذات الستين درجة؛ فإنه يحافظ على حيويته، ويستطيع الارتكاس بنفس السرعة فيقفز للدغ والدفاع، فهو يتكيف بشكل مدهش مع كل التبدلات المريعة في درجة الحرارة. 4 ـ رابعاً: واذا وضع في حمام من الجراثيم ذات الذيافين الفظيعة التي تنهك الانسان وتورثه المرض فانه يَمُرُّ بها، كما لو كان يأخذ حماماً لطيفاً، بدون أي مرض أو عطب، ولايتأثر بدنه البتة. 5 ـ خامساً: وأما تحمله لجرعة الاشعاع النووي فهي تصل الى ثلاثمائة ضعف (300) من الكمية السمية القاتلة من الاشعاع ، تلك التي يقضي الانسان بها نحبه ، ويصبح بعدها رميم. ويعود الفضل في مقاومته للاشعة النووية ، الى أن مايدور في أحشائه ليس دما أحمرا كالذي نملكه نحن بني الانسان، بل هو عصير (مصل) أصفر يقوم بدور أساسي في ترميم الخلايا المُدَمَّرة من الاشعاع النووي، ويبدو أن هذه الخاصية الدفاعية قد تشكلت عنده منذ فترة طويلة، فهو كائن يعيش على الأرض منذ حوالي خمسمائة مليون سنة. ويبدو أن هذه الفترة السحيقة التي عاشها وهو يواجه كل أنواع الاشعاعات الكونية طورت فيه جهازاً دفاعياً متميزاً . وتمت التجربة على الجرذان بحقنها بـ ( سيروم ) العقرب المُخَفَّف والمُعَدَّل ، ثم عُرِّضَتْ للأشعة النووية فارتفعت عندها المقاومة بشكل هائل وبسرعة . ويتفق الباحثون المتخصصون في ( العقارب ) اليوم أن كلَ السرِ مختبيءٌ في التركيب الجيني له ، ولذا فان فك هذا السر في مدى عشر السنوات القادمة سوف يقفز باتجاه حل هذا اللغز ، خاصةً بعد تجاوز الحرب الباردة وكثرة استخدام الطاقة في الأغراض السلمية ، فيمكن تطوير لقاح خاص ، لايقدر بثمن لحماية العاملين في المؤسسات النووية . فلسفة الضار والنافع ؟!! ليس مانحبه أو نكرهه هو المقياس للصحة والخطأ ( وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) فمشاعرنا خدَّاعة ، وأبصارنا زائغة ، وقلوبنا متقلبة ، وليس شعورنا بالبرد أو الحر هو مقياس الكون ، فدرجة حرارة 37 التي يعوم فيها جسمنا ويسبح ؛ هي درجة من سلم حراري يتأرجح على شكل طيف من 273,15 تحت الصفر وهي درجة الصفر المطلق لكالفن ، الى درجة حرارة باطن الشمس التي تصل الى 15 مليون درجة !! ونحن نخطيء كثيرا حينما نقيم الكون على صورة ثنائية وليس على صورة الطيف ، وقصة العقرب التي أوردناها تبرز المعنى الفلسفي لجود العقرب في الطبيعة ، فلم يعد ذلك الكائن الضار والخبيث والغدَّار ، بل أصبح ملهم الحكمة ، ومصدر المصول الطبية الواقية ، وأحد أسلحتنا الدفاعية في ترسانة الحرب ؛ ضد الأخطار المحيقة بنا ، فتحول بهذا المنظور الى صديق حميم بعد أن كان العدو اللدود ، ولايعني هذا أن ينام الانسان معه في فراش واحد !! بل أن يحافظ عليه ضمن إطاره في الطبيعة . كما أننا نرى الطبيعة في صورته بلون مختلف ، فالطبيعة كلها ذات كيان متكامل ومترابط ، متفاهم ومتوازن ، ويجب أن نفهمها كذلك ، فالبعوض بجانب الضفادع ، والعناكب بجانب الحشرات ، والذباب بجانب النمل ، والأشجار بجانب الحيوانات تنفحنا الاكسجين بعطاء مستمر ، بدون مَنِّ ٍولا أذى بشكل متوازن ، فهناك حلقة كونية جبارة محكمة التماسك ، متوازنة الأطراف ، تعدل بعضها بعضاً في لحظات الخلل ، لم نفهم سرها الخالد حتى اليوم ، وهكذا أُميط اللثام الآن عن بعض أسرار العقرب المسكين ( الذي صُبت عليه كل قصائد الذم والهجاء .. حب الأذية من طباع العقرب .. الخ ) كما لانفهم حتى اليوم تدخلنا وكسرنا لحلقة الطبيعة ، واعتداءاتنا المتواصلة عليها ؛ إلا بين الحين والآخر وبشكل درامي ، كما حصل مع تخريب الغابات وانفلات فيروس ( الايبولا الدموي ) (2) الرهيب ، يعلن الدفاع عن البيئة ويحصد من لايحترم هذا القانون ، فحتى الغابة لها قانونها ، واذا كان هذا العقرب الحكيم ، هو الذي يقاوم الأشعة الكونية المؤذية ، ويرمم فيه العصير الأصفر الذي يتدفق في مفاصله كل تخربات الخلايا ، التي تدمرها أشعة جاما المنطلقة مع الانفجارات النووية ، فإنه على مايبدو يعمل بحكمة أكبر من الانسان في التهيؤ للتربع على جمهورية المستقبل : ( جمهورية الصراصير والأعشاب والعقارب ؟!! ) عندما يرتكب الانسان حماقته النووية فيقضي على نوعه . جاء في كتاب الحكماء الثلاثة من فلسفة بوذا مما يفضي الى هذا المعنى ، تحت المبدأ الخامس : (( الحياة واحدة غير منقسمة وإن كانت أشكالها المتغيرة على الدوام لاحصر لها وهي قابلة للفناء ، وليس هناك في الحقيقة موت وإن كان الموت مصير كل صورة من صور الحياة ، والرحمة هي وليدة إدراك وحدة الحياة وفهمها في هذا الأطار ، وقد وصفت الرحمة بأنها قانون القوانين ، وأنها التناسق الأبدي ، وأن الذي يشذ عن هذا التناسق سوف يصيبه الألم والمكابدة ، كما أنه يؤخر من تنويره وتثقيفه ))(3) . واذا كانت الديناصورات قد اختفت من ساحة الأرض قبل خمس وستين مليون سنة ، فلايستبعد أن ينتهي الجنس البشري في حماقة كبرى من هذا النوع ، وان كانت كل المؤشرات تدل على أن الخطر النووي في طريقه للتقلص الآن . جمهورية من الصراصير والأعشاب ... والعقارب ؟!! كتب الدكتور ( فرنون . م . ستيرن _ VERNON . M . STERN ) وهو عالم اختصاصي بالحشرات في جامعة كاليفورنيا ( ريفر سايد ) في كتابه ( الزراعة وتربية المواشي ) عن قدرة الحشرات مثل الصراصير على الصمود في العاصفة النووية ، بحيث أنها تتكاثر بشكل جيد بعد ذلك ، في الوقت الذي يسرع الجنس البشري للهلاك : (( وستكون الأعشاب آخر مايهلك .. ويبدو أن الولايات المتحدة لن تكون أكثر من جمهورية من الأعشاب والحشرات )(4) وحسب الدراسات الفرنسية الأخيرة فسوف تسود العقارب على مايبدو ظهر البسيطة بقدرتها غير العادية على مقاومة الأشعة النووية الفتاكة . والحديث عن الأشعة النووية المهلكة لم تكن في حساب آباء القنبلة النووية عندما انفجرت المرة الأولى فوق رؤوس اليابانيين . وعندما انتهى الحريق النووي فوق هيروشيما وناغازاكي ؛ فإن أثر القنبلة لم ينته حتى يومنا الحالي ، فتشوهت الأجنة في أرحامِ مَنْ لم يقتل من النساء ، وأسرعت أمراض السرطانات تفتك في البقية الباقية من الذين لم يطوهم الحريق الكبير !! (5) وعندما تم تطوير ماعرف بالجيل الثاني من السلاح النووي ، الذي عرف بالسلاح النووي الحراري ، والذي يقوم على مبدأ الالتحام الهيدرجيني ، ومنه أخذت القنبلة اسمها ( الهيدرجينية ) اشتدت وطأة هذه الظاهرة ، أي أثر الأشعة والغبار النووي المتساقط ، فبدأ التفكير في تطوير الجيل الثالث من السلاح النووي ( 6 ) أي ماعرف بالقنبلة النظيفة ، ولم تكن نظيفةً بحال ؟!! ( كونها تنظف البيئة من الانسان فتحافظ على الأبنية والآلات وتفني البشر في مدى ساعات الى أيام ) وهو أيضاً مالم يفكر به حتى ابليس اللعين ؟!! القنبلة النظيفة .. لقتل الأحياء فقط ؟؟ !! ( قنبلة النيوترون ) : قفز السباق النووي بعد مرحلة الجيل الثاني أي جيل القنابل الالتحامية الى تفكير جهنمي من نوع جديد ، فتفتقت عبقرية الشر هذه المرة عن سلاح جديد يحافظ على الأشياء ويمحو الانسان من ظهر الأرض ، في مدى ساعات الى أيام ، بعد موت مرعب مليء بالمعاناة ، والسبب الذي دفع العلماء الى ابتكار هذا السلاح هو ظاهرة الغبار النووي المتساقط ( FALLOUT ) فبعد قنبلة هيروشيما ظهر التأثير الثالث للقنبلة النووية ، وبشكل غير متوقع ، فبدأ الناس يموتون على الرغم من عدم تعرضهم المباشر للدمار ، ولم يمكن تفسير هذه الظاهرة فوراً فالجنرالات كانوا مشغولين بنشوة الظفر وتأليه القوة ، وكان أول من سماها هو الدكتور الياباني ( ميشيهيكو هاشيا _ MISHIHIKO HASHIYA ) فأطلق عليها بحق ( مرض الأشعة ) عندما لاحظ على مرضاه الاسهال المدمى ونقص الكريات البيض وتحطم جهاز المناعة وانهيار الانسان والموت بعد ذلك (7) يعتبر العالم ( سام كوهن _ SAM COHEN ) أحد الذين شقوا الطريق الى الجيل الثالث من السلاح النووي ، فالقنبلة النووية في العادة تولد ثلاث أنواع من الطاقة : الحرارة والضغط والأشعة ، بنسبة مايزيد عن 50% ضغط ، ومايزيد عن 35% حرارة ، والباقي في صورة تدمير شعاعي ، فتم التلاعب في طريقة الانفجار ، بحيث يتم زحزحة الطاقة باتجاه توليد قدر أكبر من الأشعة المهلكة للانسجة الحية ، وهكذا فبدلاً من توليد الطاقة الشعاعية بنسبة 5% تقفز الى حوالي 30% وأكثر فتصبح القنبلة ذات آثار مهلكة بصورة شعاعية بالدرجة الأولى ، فيقتل الجنود في ساحات المعارك في دباباتهم وخلف دروعهم وهم لايشعرون ؟!! (8) ولذا فإن هذه القنبلة تناسب أماكن حشود الجنود والبشر لكنس الأرض منهم ، ووضع اليد على مخلفات الأجهزة والمعدات الحربية ، فهي أهم من اللحم الآدمي الرخيص . حلقة الدمار المريعة لقنبلة النيوترون : اذا سقطت قنبلةٌ نيوترونية فوق بقعة من الأرض وعلى ارتفاع 150 مائة وخمسين متراً ، تجلت آثارها على الشكل التالي : في قطر ( 120 ) مترا تعمل ( آلية الضغط ) أولاً فتتفتت المدرعات ويتبخر الناس ؟! وأما في مدى ( 400 ) اربعمائة متر فتتفجر البنايات المسلحة وتتطاير الى بقايا من أحجار وتراب وشظايا من الزجاج في الهواء !! وأما في حدود ( 700 ) سبعمائة متر فسوف يصاب الجنود داخل مدرعاتهم بالشلل الكامل ؛ فتتعطل ملكات القتال ، ليموتوا في مدى أربع وعشرين ساعة بشكل عذاب مرعب لايطاق ، وأما في مدى 900 متر فسيجتاحهم الشلل ليتلوه الموت بعد 2 _ 6 أيام ، وأما في حدود 1200 متر فسيكون مصيرهم الموت الجماعي بالانسمام الشعاعي ، وفي الكيلومترين الباقيين فسيموت الناس غير المحميين في حفلة مروعة من الموت الجماعي بالسم الشعاعي ، الذي لايرونه ولايحسون بهم فيأتيهم العذاب من حيث لايشعرون ؟!! هوامش ومراجع : (1) مجلة ( P . M ) العلمية الألمانية العدد التاسع _ عام 1992 م تاريخ 21 أغسطس _ ص ( 50 ) حيث ظهرت صورة العالم الفرنسي الذي أجرى أبحاثه (2) اندفع من الغابات فيروس قاتل جديد هو ألعن من فيروس الأيدز بمرات وأفردناه بمقالة خاصة في جريدة الرياض _ المقالة رقم 47 مما كتبت حتى الآن في الجريدة _ العدد 9845 تاريخ 24 محرم 1416 هـ الموافق 22 يونيو حزيران 1995 بعنوان ( الايبولا ) عصر الفيروسات القاتلة _ ويقتل هذا الفيروس المصابين به في مدى ساعات بانحلال دموي معمم ( 3 ) كتاب الحكماء الثلاثة _ سلسلة اقرأ _ رقم 123 _ الطبعة الثانية عام 1967م _ تأليف أحمد الشنتناوي _ دار المعارف بمصر _ ص 106 _ حيث جاء هذا المبدأ من أصل 12 مبدأ حصرت فيه الحكمة البوذية (4) مصير كوكب الأرض في الحرب النووية _ تأليف جوناثان شيل _ ترجمة موسى الزعبي وعيسى طنوس _ ص 72و 74 ( 5 ) كانت مقالتي رقم 51 في جريدة الرياض بالتفصيل عن هذه الظاهرة _ مقالة الحريق الأعظم في هيروشيما _ عدد 9915 تاريخ 21 ربيع أول 1416هـ الموافق 17 أغسطس 1995 م ( 6 ) كما نرى في القنبلة النووية فقد مشت في ثلاثة أجيال : الأول الذي يقوم على مبدأ الانشطار من نوع قنبلة هيروشيما وناغازاكي ، حيث صنعت الأولى من مادة اليورانيوم 235 والثانية من مادة البلوتونيوم 239 ، والجيل الثاني : يقوم على مبدأ الالتحام بين ذرات الهيدرجين لانتاج مادة الهليوم ، وهي تقليد لما يحصل في الشمس من نار وطاقة ، وتحتاج هذه القنبلة الى عود ثقاب من قنبلة انشطارية لانتاجها ؟! وأما الجيل الثالث فهو استخدام أحد صور الطاقة ( الحرارة والضغط والأشعة ) وهي في قنبلة النيوترون الأشعة ، بحيث تكثف طاقة الأشعة فتتحول القنبلة في أعظم تأثيراتها الى الأثر المدمر للأشعة ( 7 ) نجا الدكتور المذكور من الموت بأعجوبة في الحريق الأعظم في هيروشيما ، بعد أن سقط منزله فوق رأسه ونزف من أربعين جرحاً في جسده ورأسه ، وعندما انطلق الى الشارع اكتشف نفسه عارياً فلم يترك الحريق عليه من ملابس ، يقول الدكتور هاشيا : كان منظر العري هذا متكرراً حيثما وقعت عيني على الكارثة فالضغط والحرارة والحرائق أحاطت بكل شيء ، بما فيها الملابس ولكن العورات مع الحرائق لم تعيد تميز الذكور من الأناث !! ( وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ) وفيما هو يعالج مرضاه بعد أن شفي أثارت فضوله هذه الظاهرة المحيرة كيف حدثت ؟ وماهو نوع السلاح الجديد المستخدم حيث لم يكن قد عُرف بعد أن السلاح النووي قد ألقي فوق رؤوس الناس ، حتى لم يكلف الناس انفسهم في تصوير هذه المشاهد الفلكية التي لن تتكرر بعد اليوم ، فقنبلة هيروشيما ألقيت مرة واحدة ولم تتكرر ، وكانت أحدى الكبر نذيرا للبشر ، وعندما لاحظ أن مرضاه بدأوا يتساقطون الى الموت خطر في باله أن سلاحاً بيولوجيا قد استخدم ، ولكن تكرر الظاهرة ودراستها التفصيلية كشفت عن أثر مدمر في التركيب الخلوي والجيني للانسان ربما يبقى ينخر الى ثلاثين جيلاً ( 8 ) مجلة العلم الأمريكية عن التسلح والأمن والمترجمة للالمانية ( RUESTUNG UND SICHERHEIT ) ( مجلة الطيف _ SPECTRUM ) بحث المدخل .
اقرأ المزيد
انقلاب السحر على الساحر .. !!
في 6 ديسمبر _ كانون أول عام 1965 م أبحرت حاملة الطائرات الأمريكية ( تيكون ديروجا _ TICONDEROGA ) عندما كانت نار الحرب محتدمة في فيتنام ، وهي تحمل على ظهرها العديد من الطائرات المزودة بالقنابل الهيدرجينية ( الالتحامية الحرارية النووية من عيار الميجاطن ) وكان ذلك ضمن الاستنفار النووي الأمريكي خوفا من تطور نووي غير محسوب ، فحدثت واقعة نووية تم التكتم عليها في وقتها ، وهي سقوط احدى الطائرات من نوع ( سكاي هوك ) تحمل في بطنها قنبلة هيدرجينية ، من عيار واحد ( 1 ) ميجاطن من على ظهر حاملة الطائرات الى قاع البحر (1) لتستقر في عمق 4880 متر في ظلام المحيط ، تحمل 33 رطلاً من البلوتونيوم ، باتجاه الساحل الياباني قريباً من اوكيناوا على بعد 130 كم بين تايوان والجزيرة اليابانية الكبرى شيكوكو ، وطوى البنتاغون سر القنبلة الثمينة الضائعة يومها ، وليس هذا هو السر النووي اليتيم ، فقد تم إماطة اللثام في الفترة الأخيرة أن مدينة ناغازاكي ضربت بقنبلتين وليس بقنبلة نووية واحدة كما هو معروف تاريخياً الا أن احداهما لم تنفجر ؟!! قنبلة نووية من عيار ميجاطن في قعر المحيط : والذي كشف الواقعة هو كاتب أمريكي اسمه ( ويليام أركين _ WILLIAM ARKIN ) الخبير في القضايا الاستراتيجية حيث نشر كتابا أشار فيه الى مايزيد عن 1200 واقعة نووية من هذا النوع في البحار ، منها 11 مفاعل نووي ضمن غواصة نووية هوت الى القاع ومنها 48 رأسا نوويا غرقت في قاع البحر من الشكل الذي بين أيدينا ، وبعد مضي عشرات السنوات عرف أهل الجزيرة بأن أمام ساحلهم وفي قاع البحر يرقد شر سلاح عرفه الجنس البشري ، ولكن البنتاغون هدَّأ أهل الجزيرة ، بأن فترة الاثني عشر سنة قد انتهت (2) ولذا فلاخوف من بأس القنبلة الراقدة في أعماق المياه الباردة ، ولاندري ماهي مشاعر سمك القرش وهو يحوم سابحاً ، حول هذا الضيف الغريب غير المرغوب فيه ، حيث لاأمل من مغادرته ضيافة قاع المحيط؟!! القنبلة النووية المفقودة ؟!! ومن جملة الأسرار التي خرجت للسطح أيضاً في الفترة الأخيرة أن ناغازاكي ضربت بقنبلتين من نوع الرجل السمين ( FAT MAN _ البلوتونيوم 239 ) بدلاً من واحدة ، وان كان بعض الخبراء قد شكك في الواقعة ، وتم تسليمها الى السوفييت عن طريق اليابانيين ، قبل دخول الجنرال الأمريكي ( مارك آرثر ) الجزر اليابانية بأيام قليلة ، وكان حرص اليابانيين على ذلك أن لاتنفرد أمريكا بسر السلاح النووي (3) وربما كان مخطط ضرب المدينة بقنبلتين ، بسبب جغرافية المدينة المحاطة بالجبال ، ولذا كان تأثر ناغازاكي أقل من تأثر مدينة هيروشيما بالكارثة النووية نسبيآً . وسواء ضربت ناغازاكي بقنبلة واحدة أو اثنتين فان المحصلة النهائية أن عهدا جديداً قد انبثق ، وأطل العصر النووي برأس الفطر المرعب ، وهو يحلق فوق مصير الجنس البشري ، تماماً كما في الأساطير التي نعرفها ماحصل مع علاء الدين والمصباح السحري . قصة علاء الدين والمصباح السحري والجني : تروي الأساطير أن علاء الدين الفقير أغراه الساحر بالدخول الى مغارة سحيقة ليخرج منها مصباحاً عتيقاً ، والذي حصل أن علاء الدين عندما وقع على المصباح رآه قد علاه التراب ، فلما أراد تنظيفه خرج من فوهة المصباح جنياً هائلاً يفعل الأعاجيب ، انتشر كالدخان ينتظر الأوامر من صاحب المصباح ، ولكن ميزة العصر الجديد الذي أخرج الجني ( النووي ) من القمقم أنه ليس مصباحاً واحداً يتيماً ، كما أن السحَّارين يزداد عددهم باضطراد ، ليس كوريا الشمالية واسرائيل آخرهم ، ولذا فإن العالم يعيش أزمة نووية حتى اليوم ، فهو استطاع ترويض الجني ( النووي ) ومازال ممسكاً به ، ولكن كثرة السحرة والمصابيح التي بها يمسكون والجن المختبيء فيها ، يجعل العالم الذي نعيش فيه عالم الجن وعبقر وعالم الخوف وعدم الاطمئنان للمردة الجدد ، الذين أعادوا الينا روح الأساطير وقصص الجان مرة أخرى . وفي الواقع يجب أن لانضحك أو نستخف بالأساطير ، لانها مخزن الحكمة الانسانية ، كما تحكي رغبات الانسان الخفية والمظلمة والتي تحرك اللاوعي عنده ، من مثل امتلاك قوة لاتخطر على بال أحد . دور الأسطورة في الذاكرة الجماعية للجنس البشري : ليس المهم في الأسطورة أنها تمثل حقيقةً أم لا ؟ المهم فيها أنها تمثل وقود تحريك الانسان ، فالسيارة تحتاج للبنزين لتمشي ، أما الانسان فيمكن أن يتحرك ويمشي بل ويقتل بالوهم ، فالذاكرة الجماعية للصرب مثلاً مازالت تتغذى من معركة ( أمسل فلد _ AMSELFELD )(4) التي جرت في كوزوفو عام 1389م ، كما أن الخيال اليهودي مازال يشحن من تهديم ( تيطس _ TITUS ) للمعبد عام 60 للميلاد ، وهذه الظاهرة لاتخلو منها أمة ، ومنها تتغذى ذكريات الأطفال ، وتشحن بها الذاكرة الجماعية للأمة ، وتُخَلِّد بها الأمة ذكريات أبطالها بكيفية ما ، وفي تراثنا هناك الكثير من الأساطير التي مازال ( الحكواتي ) يرويها في الحارات الشعبية في دمشق والقاهرة والقيروان ، من أمثال قصص ( حمزة البهلوان ، والأميرة ذات الهمة ، وعلي الزيبق ، وتغريبة بني هلال ... وماشابه ) وقصة علاء الدين والمصباح السحري تدخل تحت هذه المنظومة المعرفية ، وقصة سندباد لم يبق طفل في العالم لم يشاهدها فقد مثلَّها اليابانيون بأفلام الكرتون وترجمت الى شتى لغات العالم . وهذا يعني أن عشق الانسان للقوة وغرامه بتطويرها تكمن في العمق الرهيب للاوعي الانساني منذ قرون طويلة ، ولذا كانت المحرك العميق خلفه للتطوير بدون توقف ، ولكن هراوة الغابة غير السلاح النووي ، والقوة النارية ليست كالفطر النووي ، والذي حصل في هذا التطور الفريد ، والقفزة النوعية المذهلة للقوة ، والتي عاشها جيلنا فقط ، ولم يهضمها العقل الجماعي الانساني بعد ، يجعله يقتات من مشاعر الأسطورة ، وأحاسيس الغابة ، والاعتماد على مبدأ الهراوة . والذي حصل بكل بساطة هو تطور ثوري جديد في مفهوم القوة ، قاد الى عكس مفعوله ونقيض ماأُريد له ، حيث ألغت نفسها بنفسها ؛ فالقوة أصبحت كائناً خرافياً مثل قوى الأساطير التي سمعناها عن الجني الذي انطلق من مصباح علاء الدين ، وبات الخوف من جهاز الرعب هذا داعياً لتفكيكه من جديد ، ولكن رحلة الصعود تكون أسهل من رحلة النزول أحياناً ، واسترداد الثقة بعد كسرها بين بني البشر أصعب بما لايقارن مع فقدها . الكائن الخرافي ( الاسطوري _ الحقيقي ) الجديد : لم يفهم ساسة العالم ( بُعد ) ومدى التطور الجديد للقوة بما فيهم ( كلينتون ) الذي أعلن إيقاف التجارب الأمريكية النووية أو تطويرها ، وأوعز في نفس الوقت ، الى المخابر الجديدة بتطوير تقنيات جديدة ، لاتعتمد على التفجير وسيلةً لمعرفة فاعلية السلاح النووي كما سنشرحه بشكل تفصيلي لاحقاً ، حيث يعتمد التفجير داخل الكمبيوتر وليس في باطن الأرض ، من خلال تطوير نظام كمبيوترات متقدم ؛ بسرعة وقدرة خزن تفوق ألف مرة الكمبيوترات المعروفة اليوم ، وبكلفة إجمالية تصل الى اربعين مليار دولار تنفق في مدى العشر سنوات القادمة ، للمحافظة على التفوق النووي ، ويعرف هذا المشروع الان ببرنامج البحث والانتظار العلمي ( STOCKPILE STEWARDSHIP AND MANAGEMENT PROGRAM ) ويرمز له اختصاراً ( SSMP ) . أو استخدام جرعات مجهرية في التفجير بدون الحاجة لتفجير قنابل عيار ( المائة كيلو طن ). الا إن الذي حصل في نمو القوة الخرافي أنها لم تعد قوة ، كما يفكر الانسان ، على النحو الذي شرحه صاحب كتاب الحرب العالمية الثالثة ( الخوف الكبير ) الجنرال فيكتور فيرنر ، عندما نتصور انساناً يدب في المدينة ، بطول مائتي متر ووزن عدة مئات من الأطنان ، فإنه لن يبقى أنساناً حتى لو حافظ على شكله الانساني ، فامتلك رأساً انما بقدر غرفة كبيرة ، أو أذنا ولكن بمقدار صيوان الفيل وأكبر !! (5) أو على النحو الذي شرحه الرئيس الروسي الأسبق جورباتشوف في كتابه ( البيروستويكا ) حيث أشار الى أن الطاقة النووية التي تحملها غواصة نووية واحدة ، هي أشد من كل النيران التي اشتعلت في كامل الحرب العالمية الثانية ، فقال (( ولأول مرة في التاريخ أصبح هناك حاجة حيوية لادراج المعايير والقواعد الأخلاقية _ الجمالية الانسانية العالمية في أساس السياسة الدولية وأنسنة العلاقات الدولية )) (6) مأزق العصر النووي : ولذا فان العصر النووي في الواقع طوَّح بكل القيم السياسية والعسكرية السابقة ، وأدخل مفهوما ً فلسفياً جديداً في علاقات البشر والدول ، وكان هذا للمرة الأولى بعد المأزق النووي ، وانتبه الى هذا بشكل مبكر نفس الدماغ العلمي المشرف على ( مشروع مانهاتن ) في ( لوس آلاموس ) الفيزيائي الأمريكي ( روبرت اوبنهايمر ) الذي كان خلف التفجير النووي الأول في تاريخ الجنس البشري ، في منطقة ( آلامو جوردو ) ، عندما تصور علاقات القوى ( كعقربين تحت ناقوس زجاجي واحد اذا اشتبكا في صراع فان الموت سيطبق بقبضته عليهما جميعاً ) وتحت هذا المفهوم قال الرئيس الأمريكي السابق ( آيزنهاور ) عام 1956 م في احدى رسائله : (( يجب على الطرفين المهتمين بالحرب أن يجلسا في يوم ما على طاولة المفاوضات وهما مقتنعان بأن عصر التسلح قد ولى وبأنه يتوجب على البشر الخضوع لهذه الحقيقة او اختيار الموت ))(7) وهذا الكلام أدركه بشكل جيد يومها خروتشوف الزعيم السوفييتي عندما قال في النمسا في يوليو تموز عام 1960 (( نحن سكان هذا الكوكب نشبه من بعض النواحي سكان فلك نوح .. فاذا لم نستطع أن نعيش على هذه الأرض كما استطاعت الكائنات الحية على فلك نوح ، وإذا نحن بدأنا حرباً لتسوية المنازعات بين الدول ، ومنها مايبغض الرأسمالية ومنها مايبغض الشيوعية ، دمرنا فلك نوح الذي عليه نعيش وهو الأرض ))(8) وقريباً من هذا الكلام كرَّره جورباتشوف بعد ذلك بثلاثين سنة في كتابه البريسترويكا (( استحالة حل التناقضات الدولية حلاً عسكرياً نووياً ينتج ديالكتيكاً جديداً للقوة والأمن ، اذ لايمكن ضمان الأمن بالوسائل العسكرية ، لاباستخدام السلاح ولابالتهويل المستمر لـ ( السيف والترس ) كما أن المحاولات الجديدة التي تبذل لتحقيق التفوق العسكري تبدو مضحكة وساذجة )) (9) ليخلص في النهاية الى أن (( الحرب النووية لايمكن أن تكون وسيلة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وايديولوجية أو أي أهداف أخرى ، وتكسب هذه الخلاصة في الحقيقة طابعاً ثورياً ، كونها تعني قطعاً نهائياً مع التصورات التقليدية حول الحرب والسلم ، فالوظيفة السياسية للحرب كانت دائما تبريرها ومغزاها أو جوهرها ( عقلاني ) أما الحرب النووية فهي عقيمة وغير عقلانية ، ففي النزاع النووي العالمي لن يكون هناك رابحون وخاسرون ، لان الحضارة العالمية سوف تفنى فيه حتما . ان النزاع النووي ليس حربا بالمفهوم التقليدي بل هو انتحار )(10) وكان هذا الانعطاف وهذا ( الفهم ) هو بعد المواجهة النووية في أزمة كوبا بوجه خاص ، حيث تم توقيع أول اتفاقية نووية حول منع التجارب النووية في الغلاف الخارجي أو الجو الأرضي أو المياه . رحلة السلاح النووي في نصف القرن السابق : حتى عام 1960 كان السباق المحموم هو في إطار تضخيم وتكبير السلاح النووي ، من خلال تطوير ماعرف بالجيل الثاني ( القنبلة الهيدرجينية ) وحتى عام 1958 م فجرت أمريكا 118 قنبلة ، في جنوب المحيط الهادي قضت فيها على كل حياة حيوانية ونباتية ، وفي عام 1954 فجرت سلسلة من القنابل تحت الاسم السري ( كاسل ) في جزر المارشال منطقة ( بيكيني _ أتول ) حيث تم تفجير سبع قنابل هيدروجينية بشكل متلاحق ، تحت تصفير وتزمير العسكريين وفرحهم الشديد بألعاب العيد النووي !! وفي الأول من آذار عام 1954 م هتف الجنرالات لتفجير قنبلة جديدة كان المتوقع أن تكون بقوة 6 ميجاطن فانكشف الغطاء عن جبروت نووي بلغ 15 ميجاطن ( أقوى من هيروشيما بألف مرة ؟! ! ) فارتجت الأرض من تحتهم وحلق في السماء مارد علاء الدين النووي الجديد يطل برأسه من ارتفاع 25 كم ، وأرسل الجنرال المتحمس يصف الاعصار النووي على الشكل التالي : (( اندفع الفطر النووي محلقا الى ارتفاع 25 كم في عنان السماء وبسرعة مخيفة انطلقت الغمامة النووية ترغي وتزبد لتشكل ثلاث كرات من الكريستال اللامع ، وعندما وصل الانفجار الى أوجه التمعت السماء فجأة بلون أزرق بنفسجي في تضاعيف التشرد الأيوني المقدس !! ) (11 ) فجُن جنون السوفيات فانطلقوا لايلوون على شيء في تطوير أعظم منها ففجروا في نهاية الستينات قنبلة بلغت قوة ( 58 ميجاطن = أقوى من هيروشيما بـ 3800 مرة !! ) فصرَّ جنرالات البنتاجون حنقاً على أسنانهم وقرروا المضي في مشروع لم يحلم به ابليس اللعين ، بتفجير قنبلة من عيار ( مائة ميجاطن = أقوى من هيروشيما بـ6600 مرة !! ) كل هذا قبل اتفاقية عدم التفجير في الهواء والماء التي ذكرناها والاحتفاظ بالتفجير تحت الأرض فقط . المسموح به فقط اقلاق عظام الموتى تحت الأرض ؟!! في السبعينات تم الاتفاق على السماح بمتابعة لعبة الموت وتجارب التفجير تحت الأرض فقط ، لتقفز الاتفاقية بعد ذلك على تحديد قوة التفجير بما لايزيد عن ( 150 ) كيلوطن ( أقوى من هيروشيما بعشر مرات !! ) وكان كل ذلك في ضباب الحرب الباردة قبل أن تدفن الأخيرة في جنازة خاشعة في باريس ، مع التسعينات من هذا القرن بعد أن زُلزل العالم عدة مرات وبلغت القلوب الحناجر ، وفي السبعينات حصل تطوران هامين في التطوير النووي الأول : هو في اتجاه التصغير ( MINIMIZING ) والثاني في التلاعب في اتجاه الطاقة حيث تم انتاج قنبلة النيوترون ذات التأثير الاشعاعي . انتاج قنابل فاكهة التفاح !! كانت القنبلة الهيدرجينية الأولى التي أخذت اسم ( مايك ) والتي أنتجت في خريف عام 1952م ذات حجم مرعب ، بطول ستة أمتار وبقطر 8.1 متر وبوزن 65 طن ، وهي التي عرفت بالسلاح الاستراتيجي ، ولم يمكن حملها على ظهر طائرة في ذلك الوقت ، بل شحنت على ظهر بارجة حربية ، وفي عام 1956م استطاع الأمريكيون حمل أول قنبلة هيدرجينية على ظهر طائرة حربية من نوع ( ب _ 52 ) وكانت القوة الجوية الضاربة لأمريكا مكونة من ثماني طائرات من هذا النوع ، ولكن التطوير الجديد مشى بعكس هذا تماماً ، بانتاج ماعرف بالاسلحة التكتيكية ، حيث أمكن تصغير القنابل الى حجم الفاكهة الصغيرة ، أي أصغر من قنبلة هيروشيما ذات القوة التدميرية ( 15 كيلوطن ) ، وهكذا أصبحت الخيارات منوعة بين القنابل ( الاستراتيجية ) والـ ( التكتيكية ) ونشأ رعب جديد من هذا الطيف من الامكانيات ، حيث قفز الى الإمكان حدوث حروب تستخدم فيها الاسلحة التكتيكية الصغيرة ، ولكن الاستراتيجية النووية أظهرت مرة أخرى ، أنه مع العصر النووي أن السحر قد انقلب على الساحر ، لانه لايوجد هامش واضح بين السلاح التكتيكي والاستراتيجي ، فيمكن الانزلاق بأبسط ممايتصور الانسان من الحرب التكتيكية الى الحرب العظمى التي لاتبقي ولاتذر ، تحت تأثير أعصاب انفلتت ، وأحقاد تفجرت ، ودماء سالت؛ فالانسان مازال يحمل في جمجمته بقايا تلافيف دماغ التماسيح وسمك القرش ، كما نكتشف بين الحين والآخر عن مدى رقة وتفاهة قشرة الحضارة في القشرة الدماغية في تلافيف دماغ الانسان ، والا كيف يمكن أن نفهم صواريخ كابول ، واغتصاب خمسين ألف امراة في البوسنة من سن السبع سنوات الى السبعين على يد الصرب ؟!! تطوير نظام الصواريخ ونتائجه البعيدة : وبقي لتتويج رحلة السلاح النووي تطوير الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية ، ومن هنا تطور علم الفضاء وارسال الأقمار الصناعية ، التي أتت بالخير لنا من حيث لايشعر العسكريون ، حيث ينتظر الجنس البشري الآن ، امكانية ربطٍ هائلة للجنس البشري من المعلومات والاتصالات ، وتهيئة الجو لبناء الدولة العالمية الواحدة وإنتاج الانسان العالمي الثقافة الجديد ، وإيقاف الحروب نهائيا واجتثاث فقر ومجاعات العالم ، وفتح الامكانية لارتياد الفضاء واكتشاف الحياة في كواكب النظم الشمسية الأخرى . المفاجأة الكبرى في نظام الصواريخ : بين اختراع أول سلاح نووي وبين الوضع العالمي الجديد قفزات لاتخطر على بال ، بين عقيدة الهجوم النووي الأول ، فمن يهاجم أولاً يربح بالقضاء الكامل المبرم على الخصم ، وتبين مع الوقت مدى سطحيته وعدم جدواه وامتلاءه بالثغرات ، فتحولت العقيدة الى الردع النووي ، أي في الحين الذي يهاجم أحد الأطراف ، فإن الطرف الثاني يطلق صواريخه النووية _ وهو يغرغر في سكرات الموت _ التي سوف تصل الى الخصم في فترة أقصاها عشرين دقيقة ، فتأخذ الخصم مع نزع الروح معا ً الى قبر مشترك ؟!! ثم تطورت عقيدة ثالثة تقول بعدم جدوى وأمان أي وسيلة أمام الحرب النووية ، فالأمر لايحتاج لهجوم أو دفاع ، بل يكفي الانتحار النووي ، فتفجير أحد الأطراف قنابله التي يملكها هو بالذات ، وفوق رأسه بالذات ، سوف تقود العالم الى شتاء نووي رهيب ، ينقرض فيه الجنس البشري ، كما انقرضت الديناصورات بظروف مشابهة . كذلك فان الياباني ( شينتارو ايشيهارا )(12) لم يضن علينا بكشف السر عن سبب الاريحية والاخلاقية المتميزة ، التي جعلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تكف عن التسابق النووي !! وكان السر في نظام الالكترونيات المتطور ، الذي خرج من أيدي الديناصورات الكبرى ، ليصبح مصير تطويره في يد دولة غير نووية هي اليابان !! فالصواريخ حتى تصيب أهدافها بخطأ محدود يعتمد بالدرجة الأولى على نظام الكمبيوتر المتطور ، و( الميكرو شيبس ) التي تُخَفِّض امكانية الخطأ الى أمتار قليلة أصبحت انتاجاً يابانياً ، فحتى يمكن تدمير القنبلة الهيدرجينية _ المختبأة في ( السيلو _ SILO )(13) مباشرة وبضربة رأس لرأس ، وفي فوهة البئر النووي تماماً ، المحصن ضد الزلازل ، بجدار من الخراسانة الاسمنتية المسلحة حتى ستين متراً ، كما في المخابيء النووية الأمريكية الموجودة بشكل رئيسي في كاليفورنيا في قاعدة ( فاندنبرغ ) _ لابد من امتلاك الكمبيوترات اليابانية ، وهكذا فان قصة انقلاب السحر على الساحر أخذت بعدا ً جديداً ، حيث ظهر مرة أخرى قصر نظر العسكريين ، ومدى رجاحة عقل العلماء الذين انتبهوا الى روح العصر الجديد ، فاقتراب العالم تدريجيا ً من السلم ، كان العلم هو المطور الأكبر خلفه ، أكثر من أي اعتبار آخر أو أية موعظة أخلاقية . هوامش ومراجع : (1) مجلة الشبيجل الألمانية حيث أوردت تقرير الخبير الأمريكي بالتفصيل عن مجموع الواقعات النووية ويراجع في هذا كتاب عندما بزغت الشمس للكاتب _ نشر دار الكتب العربية _ دمشق ص 189 فصل الجيل الثاني من السلاح النووي (2) تعتبر مادة نظير الهيدرجين ( التريتيوم _ TRITIUM ) ذات حياة تصل الى ( 3.12 ) عاماً وهذا يعني أنه لابد من حقن القنبلة مرة أخرة بهذه المادة حتى تحافظ القنبلة على مفعولها ، وهو مبدأ الجرعة الداعمة كما هو في اللقاح الطبي ؟!! (3) أشارت الى هذا الخبر المجلة الألمانية شديدة الدقة ( الشبيجل ) في عددها رقم 10 من عام 1992 م حيث ذكرت اسم الترجمان والحزبي الشيوعي الروسي ( تيتارنكو _ TITARENKO ) الذي كانت مشتركاً في اللقاء الذي عقد بين القيادة اليابانية ( بالصور ) وبين القيادة الروسية اثناء استسلام الجيش الياباني في نهاية الحرب العالمية الثانية ، والذي كشف اللثام عن رسالة تيتارنكو التي أرسلها الى القيادة الروسية يومها هو الروسي المتخصص في التاريخ العسكري ( ايجور موروسوف _ IGOR MOROSOW ) والذي كتب مؤرخاً للحرب بكتاب أخذ عنوان ( الحرب التي لاتنسى ) وتم عرض فيلم وثائقي في ألمانيا بـ 16 حلقة عن الحرب تحت نفس العنوان (4) معركة أمسل فلد ( AMSELFELD ) جرت عام 1389 م حيث هزمت فيها القوات الصربية أمام الجيش العثماني بقيادة السطان العثماني مراد خان الأول وقتل في هذه المعركة كلا القائدين فأما الملك الصربي ( لازار ) فقتل في المعركة بعد الأسر ، وأما السلطان العثماني فأثناء تفقده ساحة المعركة من جريح صربي متظاهر بالموت _ يراجع في هذا كتاب تاريخ الدولة العلية العثمانية _ عن معركة قوص أوه _ تأليف محمد فريد بك المحامي _ دار النفائس ص 135 (5) كتاب الحرب العالمية الثالثة ( الخوف الكبير) تأليف الجنرال فيكتور فيرنر _ المؤسسة العربية للدراسات والنشر _ ترجمة الدكتور هيثم كيلاني _ ص 21 (6) بيروسترويكا _ م . س . غورباتشوف _ الفارابي _ ص 200 (7) مصير كوكب الأرض في الحرب النووية _ جوناثان شيل _ ترجمة موسى الزعبي ص 14 (8) حول منع الحرب _ تأليف جون ستراتشي _ ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد _ الدار المصرية للتأليف والترجمة _ ص 16 (9) نفس المصدر السابق ص 200 (10) نفس المصدر السابق ص 199 (11) مجلة الشبيجل عدد 13 عام 1990 ص 278 (12) كتاب اليابان تقول .. لا شينتارو ايشيهارا _ ترجمة د. أسعد رزوق _ دار الحمراء _ ص 17 _ 20 ( 13 ) المخبأ النووي للصاروخ الذي يحمل العديد من الرؤوس النووية وقسم منها وهمي .
اقرأ المزيد
السرطان والثورة البيولوجية الحديثة
السرطان حيوان قشري لا يثير منظره الرعب ولكن هذا الحيوان البريء اقرن بطائفة من الأمراض تعتبر الإصابة بها بمثابة الحكم بالإعدام على حاملها ولو بعد حين, فحين يطبق على الإنسان لا يتركه إلا وقد مات الاثنان السرطان وحامله, فهو يتصرف بحماقة القرد الذي نشر الغصن الذي يقعد عليه من شجرة الحياة, ولكن لماذا سمي هذا المرض المفزع بالسرطان؟ ولماذا يحمل انعدام الأمل؟ واقترن بالموت؟ وإذا كان له آلية عمل فهم هناك سرطانات اجتماعية؟ أو وضع سرطاني اجتماعي مثل سرطانات الأفراد البيولوجية؟ وإذا كانت الثورة البيولوجية الحديثة تجتاز فضاءات معرفية جيدة لفك لغز السرطان, والسيطرة على الأمراض الوراثية وجراحة الكروموسومات ومعالجة مرض الإيدز فأين العلوم الاجتماعية من هذا؟ تقدم لي الأستاذ الثانوي وهو يبتسم: جميل أني رأيتك في المخبر هنا وأود استشارتك في هذه الكتلة التي أحس بها في إبطي الأيسر, كنت في ذلك الوقت جديد التخرج من كلية الطب وليس عندي تصور لمثل هذا النوع من الأمراض الرهيبة تحسست منطقة الإبط التي أشار إليها فشعرت بكتلة صغيرة بقد البندقة أو الجوزة الصغيرة تتحرك تحت أناملي, قلت له من الأفضل أن تؤخذ للفحص النسيجي لمعرفة طبيعتها, إلا أن المعلومات التي تواردت بعد ذلك أعطت صورة مختلفة لطبيعة هذه العقد الليمفاوية المتضخمة, فالرجل كان قد شعر بأن شامة (خال) في ذراعه بدأت بالكبر فلم يعرها انتباهاً, إلا أنها مع الوقت بدأت تغير طبيعتها بكبر الحجم واسوداد اللون والتقرح وغياب الشعر منها والنزف, ثم بدأت العقد الليمفاوية الأبطية بالانتفاخ, وخلال الأشهر القليلة التالية لم ينفع أي علاج من جراحة وتفريغ الأبط من العقد الليمفاوية أو الأشعة الحارقة أو المعالجة الكيماوية من استخلاص الأستاذ الرفاعي –رحمه الله- من قبضة السرطان والموت فواراه التراب شاباً ذكياً نشيطاً ووقفت أردد مع الشاعر ألا رب وجه في التراب عتيق ويا رب حسن في التراب رقيق ويا رب رأي في التراب ونجدة ويا رب حزم في التراب وثيق فقل لقريب الدار أنك راحل إلى منزل ناء المحل سحيق وما الناس إلا هالك وأبن هالك وذو نسب في الهالكين عريق إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق يبدو أن هنالك علاقة جدلية ما بين الأشياء فما هو شر لطرف قد يكون خيراً لطرف ثان وما يضحك البعض قد يبكي الآخرين وعندما يخسر طرف يربح الآخر وإذا طار المال من يد سقط في يد أخرى وفي اللحظة التي تتدفق فيها الحياة في مكان يستولي الموت في مكان ثان ومع كل شروق شمس تدفع الأرحام الأجنة إلى الحياة ومع كل غروب شمس تستقبل القبور طوابير الأموات!! وعندما بدأ مرض الإيدز في الانتشار عكف الأطباء على دراسة طبيعة هذا المرض الذي لم تحدد هويته تماماً حتى لحظة كتابة هذه الأسطر مع هذا لمع طيف من الأمل وقبس من الخير مع موجة المرض المعذرة هذه حيث عرف أن طبيعة المرض يمكن إرجاعها إلى فيروس ذي طبيعة قلوبة عكوسة فهو بدلاً من وظيفته في تلقي الأوامر من أعلى من مركز الخلية فإنه يمشي (عكس) التيار وضد طبيعة تركيب أمثاله فيتسلل للخلية ومكان المفاتيح الرئيسية بل وبقص في تركيب الحامض النووي الذي يعتبر الشيفرة السرية لبناء كل محتويات الجسم ويفسح لنفسه فليس أمام الخلية إلا إعادة طباعة هذا الغازي وتشكلي فوتوكوبي مكرر في نموذج هذا اللص؟! وهكذا تتبع الخلية مضاعفات ومشابهات هذا الفيروس أي تصبح نواة الخلية مركز إصدار أوامر لتوليد المزيد والمزيد من نسخ جديدة للفيروس المقتحم وبذا يتحول المقود قائداً والعبد سيداً؟! الفيروس القلوب هذا (الريتروفيروس) سوف يصبح مفتاحاً للدخول إلى الخريطة الوراثية عند الإنسان فكما استخرج البنسلين من العفن (عفن المقابر قيل؟) وكما استخرج الأنسولين من جراثيم الغائط سيكون هذا الفيروس المجرم بعد ترويضه حلقة الوصول إلى مفتاح الخريطة الرئيسية ومكان إصدار الأوامر لتشكيل قطعات الجسم وتشكيلاته الأساسية من أجل إدخال التعديل المطلوب, ولكن كيف يدخل؟ ما هي مكوناته ؟ ما هي هذه الخريطة الوراثية والشيفرة السرية؟ وأين تقعد؟ مع إنجازات الطب الحديثة وكشوفات المجهر الإلكتروني المكبرة عشرات الآلاف من المرات أمكن معرفة أن كل ما تقع عليه عيننا ليس أبسط الأشياء ولا أصغر الموجودات, فالشعرة التي تسقط من رأسنا والعشبة التي نطأها بأقدامنا وقطعة الخبز التي نلوكها بأفواهنا, مكونة من وحدات أصغر وأصغر مثل قصة الصندوق داخل الصندوق إلى ما لا نهاية!... وهكذا فالشعرة الواحدة وقلامة الظفر التافهة وقشرة البصل التي لا نأبها لها مكونة من ملايين ملايين الوحدات التي تشكل كل وحدة فيها كياناً قائماً في ذاته مستقل عاملاً بمفرده وبالانسجام مع نظيراته وأشباهه من الخلايا أو المختلفة في الاختصاص أخذ وعطاء. هذه الوحدة التي تعمل كمصنع فيه الإنتاج والاختصاص والصيانة بنفس الوقت, له دماغ مركزي ووحدة تحكم أولية وكمبيوتر أساسي تعمل في أحدث الأجهزة بل تتضائل أمامه أعقد كمبيوترات العصر, وفي داخل الدماغ المركزي تم العثور على قطع غريبة في شكلها عظيمة في أثرها وفعلها ونظراً لولعها الشديد بالألوان تتشربها الفائق للأصباغ سميت بالصبغيات (الكرموسومات) متباينة الأحجام هي ألياف رفيعة للغاية وخيوط متناهية في النحافة قد ضمت بإتقان لا حد له وضغطت بشكل كبب بحيث أنها إذا فردت وفككت تحولت إلى خيوط بالغة الرفع لا ترى إلا بالمجهر الكبر آلاف المرات فإذا مدت كحبل متصل وصلت إلى ثلاثة أمتار ويبقى المرء متعجباً عن هذه اليد الخفية التي لففت وجمعت وحفظت ثلاثة أمتار من خيط رفيع في كبة لا ترى إلا مكبرة عشرة آلاف مرة؟! أكثر من ذلك إذا اقتربنا إلى هذا الخيط الذي يهتز أمام أبصارنا تبين لنا أنه ليس خيطاً واحداً بل هو في الواقع خيطان مثل حافتي الجسر أو عمودا السلم الذي تربط بين حافتيه أو جانبيه درجات وهو قد وضع بشكل السلم الأنيق الذي يشبه سلماً أو درجات الصعود داخل المنارة أو البرج تماما كما ه يفي الساعة الخضراء المنصوبة في مدينة عنيزة والتي أقامتها بلدية القصيم برشاقة وبدقة هندسية جميلة أكثر من ذلك حافتا الدرج أو عمودا السلم إذا اقتربنا لنراها أكبر فأكبر لنرى مما تتكون وحداتها الأولى ولبناتها الأصلية لعرفنا شيئاً هو لغز الوجود وسر الكون الذي يقوم على البساطة فكل هذا التعقيد يقوم على البساطة فكما نكتب القصائد الرائعة والأفكار الضخمة والمجلدات التي لا تنتهي من عشرين حرفاً فقط فإن اللغة البيولوجية الأساسية لسر الخلق هنا هو أربعة حروف لا تزيد وليس 28 حرفا كما في اللغة هذه اللبنات الأساسية الأربعة هي أربعة حروف تماماً كما في ا.ب.س.ج وهذه الحروف تصطف وتلتحم وترتبط بعضها ببعض لتشكل في النهاية خيطاً طويلاً يصل إلى حوالي الأمتار الثلاثة. وهذان الخيطان المترابطان متشابهان تماماً من ناحية التركيب والكمية ويلتقيان كما يلتقي (السحاب) الذي نستعمله في ملابسنا لإغلاق الفتحات كما في (البنطلون) أو (الفستان) وأكثر من ذلك فإن هذه الحروف الأربعة تصل ببعضها بشكل مختلف . ولا غرابة لأن الكمبيوتر يقوم على قاعدة (الشخطة والنقطة _ .) وحتى نفهم الموضوع أكثر نقول أن تسلسل هذه الحروف هو الذي يشكل لغة الخلق السرية؟! هذه اللغة العظيمة والخفية التي تنساب لك رشاقة حتى بدون نقط وفواصل وإشارات تعجب بقي أن نعرف أن تسلسل هذه الحروف يكون مجلداً ب 500 صفحة هو كتاب (كتاب خلق الإنسان) فإذا نظرت إليه راعك المنظر من تتابع غامض سحري كأنك دخلت الهرم لتقرأ اللغة الهيروغليفية لأول مرة وأكثر من هذا فكل تسلسل من هذه الحروف صغر أم كبر هو مكان ومركز صناعة شيء وصلة في كريه حمراء اتصال في نسيج عظمي, خميرة مهمة, أنسولين لحرق السكر, هورمون لحبس الماء والملح الخ هذه القطعة سميت بالجبن (GEN) وكأنها جن نبي سليمان التي كانت (تغوص وتعمل عملاً دون ذلك وكنا لهم حافظين) هذه الجينات تبلغ حوالي ثلاثة مليارات قطعة وهناك مشروع الآن هو اعظم من مشروع ناسا (NASA) لارتياد الفضاء في فك الشيفرة (الجينية) عند الإنسان على وجه الدقة بحيث يصبح (كتاب السر الأكبر واللوح المحفوظ) معروفاً مكشوفاً لنا ويتوقع العلماء أن كشف اللثام عن مجموع الجينات الكامل يحتاج إلى 10-15 عاماً وهناك إثارة ملفتة للنظر في الحث حيث يتوقعون أن ما يعمل لإنتاج كل تركيب الجسم لا يزيد على 100-150 ألف جين فقط ويبقى السؤال والمليارات البقية هل هي (سلطة) لا معنى لها؟ أم أنها مخصصة ومعدة لأهداف مستقبلية؟ أم هي مسؤولة عن التركيب النفسي مثلاً؟ أم أن هذه الجينات بالفعل هي مخصصة لوظائف وأشياء في عمق أعماقنا ولا نعرفها لأننا لا نعرف أنفسنا فعلاً ؟؟ وكما يتكون القماش الذي تخاط منه ثيابنا التي نلبسها, وكما أن قطعة القماش مكونة من خيوط أولية بألوان مختلفة صنع على نفس الطريقة وبني على هذه الشاكلة, وبألوان شتى بن عظم أبض ودم أحمر وسائل مراري بلون الذهب وحليب أبيض بل وغائط بني, فهي كلها مكونة من خيوط أولية معروفة بالأحماض الأمينية, فهي اللغة التي يتشكل منها هذا البناء (اللغوي البيولوجي) وعرف أن هذه اللغة التي يبنى منها (قميص الجسد) مكون من عشرين خيطاً أو أن هذه (اللغة البيولوجية) مكونة من عشرين حرفاً, وهناك حلقة تفاهم ما بين لغة الكروموسومات المكونة من أربعة حروف أو أربعة خيوط بألوان مختلفة, حلقة التفاهم تمشي باتجاه واحد من الكروموسومات إلى الجسد فكل ثلاثة خيوط (تنجدل) أو (تشكل ضفيرة) من حروف الكروموسومات الأربعة فتوعز بشكل حرف واحد من حروف الجسم العشرين, وقد يتعجب الإنسان من كمية الاحتمالات, وهل يمكن لأربعة حروف أن تنتج من احتمالاتها عشرين احتمالا. أي عشرين حرفاًَ, والواقع نعم إن الطبيعة والخلق الإلهي المدهش أودع إمكانية ليست الضعف بل ثلاثة أضعافها وحاول أن تقوم أيها القارئ ولو أنني أتعبت دماغك قليلاً بحساب هذا فسوف تصل إلى أربعة وستين احتمالا. وعرف أكثر عن هذا الجسد العجيب فهناك تنسيق وتفاهم مدهشين بين اللغتين اللتين ذكرنا, بحيث أن كل إشارة تفسر على ما يرام, وكل حركة تأخذ مكانها للإنتاج بما يليق فلا خلل ولا شطط ولا نقص ولا زيادة, وعلى هذا الميزان يقوم بدننا فتنهدم في اللحظة الواحدة ملايين الخلايا, في اللحظة التي تتكاثر فيها ملايين جديدة, وأي خلل ولو في خلية واحدة يعتبر خروجاً على القانون وتمرداً على النظام وإعلان (ثورة) داخل البدن, وقيادة لعصيان مسلح وهذا هو (السرطان=CANCER) والسرطان ذلك الحيوان القشري البريء تمتد منه أذرع كثيرة, كذلك هذه العصابة المدمرة, فالخلايا السرطانية تمد أذرعها إلى كل مكان ومن هنا سمي مرض السرطان بـ (السرطان) لأنه خبيث أكال ممتد شرس يحفر وجوده في كل مكان ويمتد إلى كل نسيج وبذا تسبح خلاياه مثلاً من أنسجة الكولون حيث الغائط والقذر فتترك مكانها إلى الصدر النظيف والكبد النشيط والدماغ المتألق فيضيق الصدر وتحشرج الروح ويتفتت الكبد ويدمر الدماغ؟!! فالسرطان في الواقع إعلان عن الاختلال الخلوي الزماني المكاني الوظيفي وثورة عشوائية مدمرة فلا تبقى الخلية مكانها ولا تؤدي وظيفتها وتتكاثر زعماً منها أنها تخدم البدن وهي في هذا قد ارتكبت حماقة ستقودها إلى الموت مع الجسد الذي تدمره وهنا معنى اجتماعي كبير في السرطان الاجتماعي أيضاً حيث نبصر الأفراد يفعلون قريباً من هذا عندما تتغير طبيعة الوظائف فيتحول الحارث إلى لص والحامي إلى مدمر وأهل الفكر إلى فقراء والانتهازيون إلى (أصحاب ملايين) في الواقع يصبح المجتمع في حالة (سرطانية) وهؤلاء سمك القرش الجدد يظنون أنهم عندما يسيئون إلى المجتمع الذي يهبهم دم الحياة، والسفينة التي عليها يعومون، إنهم يحسنون صنعاً( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) بكل أسف لا يدرك الكل، كما لا يشعر حامل السرطان أنه يحمل السرطان حتى ينفجر عليه في صورة انثقاب معدة مثلاً والسرطان بإساءته إلى الجسد الذي غذاه سوف يقضي على نفسه في النهاية فالجسد الذي سيعود إلى التراب سيحمل معه نفس الخلايا السرطانية الإجرامية، والمجتمع الذي ينهار سوف يضم في حفرة القبر معه أيضاً الانتهازيين واللصوص وسمك القرش الاجتماعي. وهذا مغذى عظيم اجتماعي من مرض السرطان. ما الذي يحدث حتى تتحول الخلية من خلية مسالمة لها مكانها المعروف ونشاطها المتزن إلى خلية سلطانية تعلن التمرد على نظام الجسم هذا ما فتحت الثورة البيولوجية الطريق إليه من خلال معرفة لغة الخلق وحروفها الأربعة التي أشرنا إليها والجواب هو: الخلل الجيني ! ولكن ما هو الخلل الجيني؟ إن الخلق قصيدة خالدة وديوان شعري رائع، فكل تركيب هو قطعة فنية مدهشة، هندسة العظام. دورة الكريات الحمر. نسيج الكبد. وظيفة الكلية. تألق الدماغ. الجهاز المناعي. الإفراز الهرموني. توازن الشوارد والمعادن. استقرار أخلاط البدن كلها في أحسن تقويم وأروع خلق. كلمات مصفوفة بجانب بعضها البعض، مكونة من حروف ربطت إلى بعضها برشاقة، وكما في حياتنا العادية فأي خلل في نظام الكلمات أو ربط الحروف يؤدي إلى كارثة في التعبير فيتحول المدح قدحاً والثناء ذماً والهجاء رثاءً كذلك الحال في التعبير البيولوجي، فالأمراض هي اضطراب حروف وكلمات اللغة البيولوجية، الأمراض هي تراكيب لم تتسق وتنتظم بحيث تشكل تعبيراً متجانساً وشعراً موزوناً وقافية محكمة وتنطبق هذه القاعدة بدورها على العلاقات والأمراض الاجتماعية. لنحاول التقدم خطوة أخرى في كشف الغطاء عن هذه الحكم القريبة المحجوبة, لنتصور لغة الخلق على شكل كلمات مصفوفة بجانب تعضها البعض والكلمة الواحدة ترابط محكم لمجموعة من الحروف, لنأخذ كلمة(حرب) فهي كلمة شنيعة تمثل افظع ما دمر النسيج البشري وافسد العلاقات الإنسانية على النحو الذي استعرضناه في جريدة الرياض تحت مقالتين (كفى بالحر واعظاً) و(عبثية الحرب). كلمة (حرب) مكونة من ثلاثة حروف ولكن سحب الحرف الثاني منها يقلب (الحرب) إلى (حب) والفرق بين الحرب والحب فرق بين الوجود والعدم لأن الحب مشاركة والحرب نفي الحب نماء والحر عدم ,الحب أعظم عاطفة في الوجود والحرب هي غاية الحقد والكراهية, فإذا رجعنا وأضفنا حرف الراء المحذوف إلى نهاية كلمة حب تحولت إلى (حبر) التي تفيد مادة فإذا قلبنا الحروف قلبة ثانية تحولت كلمة (حرب) إلى (بحر) ذلك الكيان المائي المتلاطم وهكذا يمكن توليد ست كلمات بستة معان مختلفة من خلال إدخال الاختلاف إلى ترابط الحروف بعضها ببعض فكلمة (حرب) تصبح (حبر ـ برح ـ بحر ـ رحب ـ ربح). هذه اللغة البيولوجية تتشكل من عشرين حرفا لتكوين كل تراكيب الجسم ولكل منظومة منها تشكل قطعة مسؤولة عن وظيفة أساسية فالأنسولين مثلاً مكون من سلسلتين من الوحدات الأولية تماما مثل بيتي الشعر ولا يختلف أنسولين البشر عن أنسولين الخنازير مثلاً إلا بكلمة واحدة في نهاية البيت الثاني ولا غرابة لأن شاعر هارون الرشيد كاد أن يفقد حياته حينما هجى المحظية (خالصة) فأنشد: لقد ضاع شعري عندكم كما ضاع عقد على خالصة وعندما شعر بالخطر من نفوذ المحظية أنقذ رقبته فقط بمسح نهاية حرف العين فتحولت إلى همزة (ع) (ء) وهكذا أصبح بيت الشعر على لسان أبي نواس: لقد ضاء شعري عندكم كما ضاء عقد على خالصة؟!! هذا الدخول إلى الكنز المخبأ والمفتاح السري والخريطة العظمى الأساسية والنسخة الأصلية للخلق واللوح المحفوظ في الدماغ المركزي في نواة الخلية هو بداية قفزة نوعية في علم الإنسان والمعالجة الطبية وإذا كانت الأمراض الوراثية التي تم اكتشاف حوالي (800) منها حتى الآن سببها (خلل جيني) بما فيه (السرطان) فإننا عمليا وكل منا يحمل إمكانية خلل جيني في مكان ما وإذا كان مرض (الإيدز) الفظيع هو تسلسل فيروسي يخلع معطفه وملابسه وقشرته الخارجية ليتزوج الحمض النووي الداخلي ليصبح قطعة في تكوينه لكي ينتج ذرية له كما يحدث في أي زواج وعاقبته من إنتاج الأطفال فإن بإمكان العلم استخدام هذا (التكتيك) تماماً مثل (حصان طروادة) للدخول إلى الخريطة الأساسية ومفاتح التحكم في الإنتاج الخلوي من خلال التحكم في الحمض النووي المركزي بحيث يمكن أو وصول إلى الخلل الجيني وإصلاحه سواء كان بإضافة قطعة ناقصة أو تعديل تركيب مغلوط. إن السرطان يكشف اللثام عن أسراره اليوم حيث يمكن فهمه أيضاً ضمن هذه اللعبة فالتكاثر الخلوي يخضع لتوازن دقيق من خلال عمل جيني محكم والخلل الجيني هو الذي يطلق جماع التكاثر الخلوي من خلال فقد آلية السيطرة على التكاثر بل نبدأ نفهم من لعنة السرطان هذه سر الحياة أكثر ولماذا كتب علينا أن نعيش عشرات السنوات فقط وهل الانقسام الخلوي محدد كما يقال على حوالي خمسين انقساما فقط؟ ولكن لماذا تمضي الخلايا السرطانية المجنونة بانقسام رهيب لا يتوقف بحيث إذا أخذت الخلايا السرطانية في جسم المريض مات المريض ولكن الخلايا تستمر في التكاثر المرعب طالما ضمن لها الغذاء الذي يمد في عمرها عندها قد لا نرى في السرطان لعنة بل رحمة من خلال إدراك سر التكاثر الخلوي؟!! ثم أليس تكاثر خلايا الجنين في بطن أمه تكاثراً سرطانياً من نوع آخر إيجابي حيث تتكاثر الخلية الواحدة إلى مليارات الخلايات المتخصصة؟ ما هي الآلية يا ترى التي تسرع في الخلايا وهو جنين في الرحم ثم تتباطأ أكثر فأكثر مع الخروج من الرحم؟ كلها أسئلة يخترقها العلم الجديد اليوم ويجب أن تتعلم حقيقتين من العرض السابق ... الأولى تقول يجب أن لا نخاف من العلم ففيه قدرة التصحيح الذاتي كما قاد العلم إلى السلم مرغماً على النحو الذي عرضناه في علاقة العلم بالسلم في مقالات سابقة. والحقيقة الثانية أن الزبد سيذهب جفاء وما ينفع الناس سيمكث في الأرض ويجب أن لا يفزعنا التطور العلمي لأنه سيأتي بشواهد جديدة على الحق الذي بنيت عليه السماوات والأرض الهوامش والمراجع : (1) تكشل العقد اللمفاوية شبكة الإصطياد للجراثيم والعناصر الغريبة القادمة من خارج الجسم بعد حاجز الجلد والصراغ ضد الكريات البيضاء. فإذا انتفخت العقد اللمفاوية كان معناه مرحلة متقدمة لتقدم فرق اللإجتياح الغريبة. (2) أصيب الأستاذ المذكور بسرطان جلدي يعتبر من أخبث الأنواع وأشدها انتشارا وفتكاً وهو المعروف بالسرطان القتاميني (الصبغي) وينمو على شامة في الجلد. (3) تنسب هذه الأبيات لأبي العتاهية في ديوانه المشهور (4) في المؤتمر العالمي الأخير في اليابان عن مرض الإيدز تمت الإشارة إلى وجود زمر فيروسية إضافية تتسبب في المرض. (5) يعتبر الحامض النووي المرمز له بـ (د.ن.أ.(D.N.A هو المحتوي الرئيسي للجينات التي هي بدورها لقطع المتصلة ببعضها البعض والتي تشكل الكروموسومات (الصبغيات) والمسؤولة عن الشيفرة السرية لأوامر تشكيل كل شيء في البدن. (6) لمزيد من فهم هذه الآلية نقول أن الحامض النووي المركزي والذي يعتبر النسخة الأصلية يرسل أوامره السرية عن طريق حامض نووي آخر إسمه الرسول أو الناقل, والفيروسات تحوي ضمن كتلتها شبيهاً من المركز إلى المحيط أو أوامر الحامض المركزي إلى الجسم باستثناء الفيروس القلوب أو العكوس فإنه يمشي ضد التيار ومن هنا أخذ أسمه العكوس (ريتروفيروس) فهو يقتحم الحامض المركزي ويجلس داخله؟! (7) يتشكل الحمض الأميني المركزي من أربة أحماض أمينية هي (الأدتين والستوزين والجوانين والثمين). (8) لتطبيق مبدأ الاحتمالات من ربع حروف نقول مثلاً (أ.أ.أ.ب) (أ.أ.ب.ب) (أ.أ.ج.ج) (أ.أ.س.س) (أ.ب.ج.س) (أ.ج.ب.س) (أ.س.ب.ج) (أ.س.ج.ب) وهكذا فسوف تصل إلى 64 احتمالا كل احتمال يوعز إلى الجسم من خلال مطبعة عملاقة في الخلية أحماض أمينية مسؤولة عن هورمون ما أو الأنسولين وهو مكون من 51 حمضاً أو خضاب الدم وهو مكون من مئات الأحماض الأمينية وهكذا.
اقرأ المزيد
الجراحة الحديثة
تم تدشين ثلاث فتوحات علمية في عالم الجراحة في منتهى الخطورة والأهمية، هي تدشين الجراحة العجائبية الجديدة : جراحة بدون جراحين ( TELE - SURGERY )( 1 ) أو الجراحة بالفاكس ؟؟! والاستنساخ الإنساني ( CLONING ) الذي أوقفوه عن المضي في مسيرته لاعتبارات أخلاقية وقانونية ( 2 )، وجراحة الجينات (GEN - SURGERY ) من خلال حقن ثلاث مليارات خلية كبدية معدَّلة بإضافة الجين الناقص ( 3 ) لمريضة فرنسية من مقاطعة كيبك في كندا والمصابة بـ ( فرط الكولسترول العائلي المميت ) والمعروف ب ( FH ) ... هذه أخبار من قمة الوعاء العلمي ورأس حربة اختراق الفضاءات المعرفية الجديدة ، في الحين الذي يفاجئنا بعض مرضانا بعدم قناعته إلا بــ ( الكي ) وسيلة للخلاص من الألم والمرض ؟! . قبل 14 عاماً من الآن كان الطبيب الألماني كورت سيم ( KURT SEMM ) يعمل في عيادته كطبيب أخصائي في أمراض النساء والولادة ، في مدينة ( كيل ) الميناء الشمالي القصي من ألمانيا الغربية ، وبينما كان يقوم بعمله المعتاد في نفخ بطن المريضة تحت التخدير كي يدخل المنظار المستخدم لـ ( التشخيص ) عثر على زائدة دودية ملتهبة عند مريضته ، فانقدحت في ذهنه فكرة جديدة مفادها : لماذا لانستخدم نفس المنظار أداةً للعلاج الجراحي من خلال إدخال آلات مساعدة للقطع والشفط والحرق الكهربي ؟؟ ولكن هذا يعني أنه سيقوم بعمل الجراح وليس النسائي !! تساءل الطبيب ( كورت سيم ) لماذا لانستأصل وبنفس المنظار الزائدة الدودية الملتهبة أو الحويصل المراري الفاسد أو حتى أي عضو تعطل عن العمل ويمكن التخلص منه ومن خلال فتحات هي فوهات الدخول فقط ، طالما هي تحت أعيننا وفي متناول يدنا بل وتحت التكبير بحيث تراه العين بشكلٍ أفضل؟! كل مافي الأمر هو تطويل أصابع اليدين من خلال منظار إضافي يدخل إلى البطن !! كانت الفكرة رائدة وثورية وترتب عليها عملياً انعطاف نوعي في تاريخ الجراحة . وجاءت كالعادة ليست من حقل الجراحين بالذات ، بل من اختصاص آخر خارج الجراحة العامة ، كما حصل مع باستور والأطباء ، فباستور كان حتى من خارج الطب تماماً لإنه لم يكن طبيباً ولكنه خدم الطب بأعظم من دفعة أطباء ، وجرت السنة أن المبدعين والعباقرة يأتون عادة من خارج حقل المهنة ( 4 ) . ونظراً لإن الدكتور يمتلك تحت عيادته ورشة عمل ، وله صلة بأخيه الذي يسكن في الجنوب والذي يعمل مهندساً في صناعة الآلات الطبية فكان يقوم بتصميم المناظير وتطويرها باستمرار ويعمل بصمت وفي الظل حتى استطاع أن يقوم بإنجاز كمية كبيرة من العمليات الجراحية بهذه الطريقة ، ثم تقدم إلى مؤتمر الجراحين في ألمانيا لعرض نتائج عمله ؛ فقامت قيامة الجراحين من هذا المتطفل على ميدانهم والذي لايعتبرونه جراحاً بالأصل ؟! بل مضى بعضهم إلى المطالبة بمحاكمته على مااقترفت يداه بحق الجراحة التقليدية التي أُسست منذ مائة وخمسين عاماً !! فهرب إلى بريطانيا حيث سخِر منه الجراحون بل وزملاؤه أطباء النسائية حيث قال له أحدهم : لعلك تريد إجراء عملية قيصرية بهذه الطريقة ؟! ( 5 ) وهكذا قرر الطبيب المحاصَر أن يهرب من القارة الأوربية العجوز إلى العالم الجديد ؛ الولايات المتحدة الأمريكية حيث تم احتضانه وتبني أفكاره وتطوير أدواته ثم المباشرة بتطبيق طريقته ( لننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ) ، ورجع المهاجر إلى وطنه ( راغماً ) قومه مما جعلهم يتبنون طريقته ويحترمونه ، وهكذا وجد نصر المهاجر ( يجد مراغماً كثيراً وسعة ) . ( 6 ) تعتبر طريقة الدكتور ( سيم ) انقلاباً ثورياً في تاريخ الجراحة الحديثة ، لإنها شقت الطريق إلى تطوير الجراحة بشكل نوعي ، فهي فتحت باب الجراحة على إمكانياتٍ بدون حدود ، لاشقوق ولاندبات على البطن ، الوصول إلى أي مكان لمعالجته ، مع خروج سريع من المستشفى ، وتوقع اختصار في تكاليف العلاج للمستقبل ، وهكذا فالمنظار سيستأصل الحويصل المراري الفاسد والورم المدمر ، سيفتح الشريان المغلق ، ويغلق الفتق المنسدل ، يقطع العصب المريض ، ويرتق الأكياس المهترئة . بل وشق الطريق إلى معالم جراحة جديدة لم يكشف اللثام عنها بعد وهي الجراحة من بعد ( TELE - SURGERY ) بما يشبه الريموت كونترول ، وهكذا بدأت في العام الماضي تجارب في مدينة ( كالرسروهه ) في ألمانيا ، على جراحة تجرى بين جراح يبعد عن حقل العملية ( 3 ) كم من خلال عمل وثيق محكم مع ( إنسان صناعي = روبوت ) يجري العملية !! الروبوت يُسير من قبل الجراح المزود بنظارات خاصة تتمتع بميزة الأبعاد الثلاثية ، وهكذا يستطيع رؤية كل مافي جسم الإنسان ، من خلال تطوير أجهزة جديدة تلقم بكل المعلومات التفصيلية ( الداتا عن البناء الهندسي والوظيفي للجسم الإنساني ؛ إنه أشبه بالسحر وعالم الجان !! ولكن إذا استطعنا أن نقوم بإجراء العملية عن بعد ثلاثة كيلومترات ، فيمكن عن طريق التقنية الالكترونية المتقدمة أن نجري عمليتنا لمريض ممدد على طاولة العمليات على بعد 3000 كم ؟! وهكذا ستحمل جراحة الغد ، أن الجراح سيجلس وبدون أن يلوث يديه بالدم والقيح ومخاطر التهاب الكبد الإنتاني والأيدز ، يجري عمليته كما يلعب الطفل بلعبة ( الأتاري ) ، الجراح يجلس في نيويورك والمريض في تايلاند ، بل إن العالم السويسري ( كريستوف بوركهاردت ) الذي صمم الروبوت لوكالة ناسا لارتياد الفضاء ( 7 ) قام الآن بتطوير الروبوت الجديد للعمليات الجراحية ، وتم تدشين العمليات الأولى صيف العام الفائت حيث وقف الروبوت ليفتح فتحات صغيرة في جماجم مرضى مصابين بامراض دماغية في حالات ميؤوس منها وليقوم بمعالجتها من خلال عمل خاص يقوم به منفرداً ، ويطمح العلماء إلى الوصول إلى هذا المستوى من إعطاء الروبوت بكل الداتا المطلوبة ليقوم بعمليته منفرداً ، فهو على سبيل المثال يخطيء بمقدار ثلاثة من عشرة من الميلمتر ، في حين ان أحسن جراحي الأمراض العصبية على فرض أن يده لن تهتز ، يحمل إمكانية ان يخطيء بمقدار ميلمتر واحد فالجهاز الحالي أدق من أفضل جراح بثلاث مرات !! كما أن العملية التي يجريها أكمل وأسرع لإن ( حفَّار ) الجمجمة يدور أكثر من 500 دورة في الدقيقة ( مثل مثقب الأسنان ؟! ) ، وينهي العملية التي يحتاجها الجراح النطاسي في ساعات مضنية تكسر الظهر مع التركيز العصبي المهلك ، ينجزها الروبوت في أقل من نصف ساعة !! لم تعد المسافات مهمة وتقارب الزمان ، كل مافي الأمر هو التعاون الوثيق بين أصابع الجراح الرشيقة والآلة المتقنة التي أنتجتها بدورها أيضاً أنامل الإنسان المبدعة . حقاً إنه معنى كبير في العلاقة بين الصانع والمصنوع ، بين الإنسان والجهاز ؛ إننا نتلمس عبقرية الإنسان حقاً كلما استطاع أن ينجز جهازاً يحقق استقلالية أكثر فأكثر عنه وبشكل عكسي ، فالفرق كبير بين ( مضخة الماء ) التي تحتاج لليد الدائمة المرتبطة بها والتي لاتضخ الماء مالم تدفعها يد الإنسان ، أو الدراجة التي لاتمشي بدون ضغط الساق عليها ، وبين الكمبيوتر الذي يبدأ عمله بكبسة زر ، أو الروبوت الذي صنعه العالم السويسري لشركة ( ناسا ) فكلما صنع الإنسان جهازاً يستطيع أن يستقل عن الإنسان فيؤدي وظائف أكثر ، كلما كان معناه زيادة في الإبداع وعظمة في عبقرية المنتج ، وهذا يقودنا إلى فهم حقيقة وجودنا وتركيب أجسادنا العجيبة التي هي تنتج نفسها بنفسها ومعها جهاز الصيانة الخاص بها كما لو أن سيارة ( فرقع فيها الإطار ) فيقوم نفس الإطار بسد الثقب ولحمه ووضع الصمغ المناسب حتى يتابع سيره وكأن شيئاً لم يكن ، أن هذا يحدث في اللحظة الواحدة في الجسم وبملايين المرات !! نحن منحنا الوعي والإرادة والاستقلال والحرية بحيث يكون الإنسان مهندس مصيره ، فهذه الاستقلالية هي من روعة الجهاز وعظمة الخالق ، إن هذه القوة التي أخرجته للوجود بهذا الكيفية أعظم من ان يحوطها علم أو يصل إلى فهمها عقل هي مطلقة أزلية أبدية لاحدود لعظمتها وقدسيتها ربنا ماخلقت هذا باطلاً . أما الانفجار العلمي الثاني والذي يحمل مخاطر مرعبة إن لم يتم تطويقه بالغلالة الأخلاقية لإن الأخلاق بذاتها هي علم ، بل هي دينامية النفس السوية ، وهي المشكلة التي كرس الفيلسوف الهولندي اسبينوزا كتابه الموسوم ( الأخلاق مدعمة بالبرهان الهندسي ) لها . فماهو ياترى هذا الانفجار الجديد الذي حدث في خريف عام 1993م ؟؟ وماهي عملية الاستنساخ التي نسمع بها بين الحين والآخر ؟ هذه المرة الاستنساخ الإنساني !! الاستنساخ ( CLONING ) عملية نجح فيها الطبيب الأمريكي أخصائي الأمراض النسائية ( جيري هول ) لأول مرة في تاريخ الطب الإنساني في اكتوبر من عام 1993 م ، حيث تم الكشف أن الخلية الملقحة الأولى التي تتشكل من التحام رأس الحيوان المنوي مع البويضة في الثلث الوحشي ( البعيد ) من البوق ، تبدأ في الانقسام الهائل بعد التشكل وهي في رحلتها في البوق التي تستمر حوالي عشرة أيام حتى الرحم كي تعشش هناك . لقد عرف أن الاختصاص في الخلايا يبدأ بعد الانقسام الرابع لإن الخلايا قبل الانقسام الرابع متشابهة ، لننظر إلى عدد الخلايا وهي تنقسم ( 1 - 2-4-8-16-32-64-128-256-وهكذا ) وعند الانقسام ( 1 - 2 - 4 - 8 - ) وقبل أن تصل إلى 16 خلية تتشابه الخلايا تماماً ، ثم تبدأ كل مجموعة _ وحسب خطة عليا سرية _ في التشكل باتجاه معين فهذه الخلية تتكاثر لتوجد أذناً تسمع ، ولكن الأذن بدورها مكونة من مجموعة معقدة من الأعضاء ، فهي أذن خارجية تشكل صوان الأذن وعظام سمعية في الداخل وأذن باطنية في تعقيد مذهل يصل إلى درجة التيه ، مما جعل الأطباء يسمون القسم الداخلي من الأذن بالتيه ( LABYRINTH ) ومجموعة ثانية تذهب لتشكل الجهاز البصري الذي هو بدوره مكون من مجموعات ضخمة من الخلايا ذات الوظائف المتباينة ، فالقزحية ليست مثل الصلبة والثانية ليست مثل قعر العين الذي يحوي الشبكية ، التي هي مجموعة من الخلايا المنضدة فوق بعضها بعضاً في عشر طبقات تشكل الطبقة العميقة فيها مركز الإدراك البصري وهي الطبقة المعروفة بالعصي والمخاريط ، والعصي بدورها مسؤولة عن النور الأبيض والضوء الخفيف وهي موزعة في المحيط أكثر ، والمخاريط التي تشبه عواميد الجزر مختصة بتمييز الألوان ، وتذهب مجموعة ثالثة لتكوين خلايا الجهاز المخاطي في الأمعاء ورابعة للنسيج العظمي الشديد وهكذا ، أي أن تصبح هذه الخلايا المتخصصة في النهاية الإنسان الذي يسمع ويبصر ويتغذى ويتكاثر ، والوظيفة الأخيرة تقوم بها أيضاً مجموعة متخصصة من الخلايا التي تحافظ على النوع وهي الخلايا الجنسية ، هذه الخلايا الثمانية قبل أن تنقسم مرة أخرى لتصبح 16 خلية وعندها بالضبط عرف العلماء أن واحدة منها إذا تركت شكلت إنساناً كاملاً ، وإذا أخذت السبع خلايا الباقية أمكن من كل خلية منها أن تنتج إنساناً كاملاً قائماً بذاته !! بل ويمكن تجميد الخلية إلى حين واستخراجها بعد فترة لنفس عملية التصنيع المذكورة !! وهكذا ففي الواقع يوجد لكل فرد منا ليس نسخة أصلية واحدة بل ثماني نسخ أصلية ، بل نسخ لاتنتهي إذ نظر الى الاستنساخ من خلال التكاثر غير الجنسي ، لقد تم انتاج حيوانات ( عجول ) بهذه الطريقة حيث تم توليد ثماني نماذج متطابقة ، ونجحت التجربة في المستوى الإنساني إلا أن التجربة أُوقفت لاعتبارات أخلاقية وقانونية ، ونحن لانعرف بالضبط وعلى وجه الدقة هل أُوقفت التجربة فعلاً أما أننا سنفاجيء بعد فترة بالنماذج الثمانية وهي تطل برأسها على العالم ؟؟ وهذه الطريقة هي طريقة الاستنساخ الجنسي وهناك طريقة الاستنساخ اللاجنسي حيث يمكن توليد نماذج جديدة من أي خلية في الجسم ولقد نجحت هذه الطريقة على الضفادع كما أوردها الدكتور عبد المحسن صالح في كتابه التنبؤ العلمي ومستقبل الإنسان ( 8 ) وهذا يعني أن الفرد منا قد يمكن المحافظة عليه بطريق غير مباشر بنسخة خلف نسخة ؛ فمن المرأة العجوز يمكن استخراج نماذج مشابهة ولكن شابة وهكذا ؟؟!! يعتبر هذا الآن ضرب من الخيال العلمي ولكن المستقبل سيحمل لنا من المفاجآت ماهو أكبر من التصور وأعظم من الخيال ؟؟!! . والآن إلى قصة تدشين أول معالجة لمرض وراثي عند الإنسان ، عن طريق إضافة الجين الناقص اجتمع حشد من الأطباء والممرضات وكأَّن على رؤوسهم الطير ، في صمت مطبق وتوتر بالغ ، وهم يرقبون الدكتور ( ويلسون ) وهو يحمل بحذر بالغ حقنة كبيرة مملوءة بـ ( سائل بني ) يشبه عصير الفواكه الكوكتيل . اقترب من المريضة المممدة على السرير ، وهو يقول : ياسيدة ( فرانسين ) لاداعي للتوتر الآن فالمرحلة الصعبة قد مرت ، ونحن الآن أمام إعطاءك هذه الحقنة البسيطة ! ! برز من بطن المريضة ، من القسم العلوي الأيمن قثطرة متصلة بانبوب مطاطي ، فعمد الدكتور ( ويلسون ) بحذر إلى وصل الحقنة التي بيده ذات اللون البني ، والمحتوية على الخلاصة ( السحرية ) ، بالأنبوب المطاطي ، ليبدأ حقن المريضة ( فرانسين ) الكندية بالجرعة الأولى من ( خلاياها الكبدية بالذات ) والمعدلة بإدخال الجينات إليها . بعد عدة أيام من الحقنة الثالثة كانت المريضة تشعر وكأن حياة جديدة قد دبت فيها ، فهي تشعر للمرة الأولى أنها معافاة حقاً ، وعندما سألها الطبيب كيف تجدين نفسك الآن ؟ قالت كان مصيري الموت كأختي ، إلا أنني أشعر الآن وكأنني بعثت من الأموات !! ( 9 ) والآن ماهو الهام علمياً خلف هذه القصة ؟ وماهو المرض الذي كانت تعاني منه ؟ وماهي طبيعة هذه الحقنة الغامضة السحرية التي تم حقن المريضة فيها ولثلاث مرات ؟ في أي مكان تم هذا ؟ ماهي العتبة الجديدة والفضاءات المعرفية التي يرتادها العقل الإنساني الذي طَّوع الطب وآلته ، لفك شفرة الوجود ، وسر الخلق ، ولغز الحياة الدفين ؟؟ كانت السيدة ( فرانسين ) الكندية ، والتي تسكن في مقاطعة ( كيبك ) ذات الأكثرية الفرنسية ، مصابة بمرض فرط كولسترول الدم العائلي القاتل !! ( FAMILIAR HYPERCHOLESTERNAEMIA - FH ) ، حيث يصل مستوى الكولسترول إلى 600 - 800 ملغ في 100 سم مكعب من الدم وهي ماتعادل ثلاث إلى أربعة أضعاف سقف ارتفاع الكولسترول عند الإنسان العادي . والمعروف عن هذا المرض أنه يؤدي إلى انسداد الأوعية الدموية المبكر ، بسبب كثافة الدهن في الدم وبالتالي الموت المبكر باحتشاء القلب عند الشباب صغار السن ، واعتبر الأطباء أن عمرها مسألة سنوات قليلة . في قاعة العمليات في المستشفى الجامعي في فيلادلفيا مع الصباح الباكر كان رئيس الجراحين ( ستيفن رابرSTEVEN-RAPER ) ومساعده الدكتور ( هانزل ستيدمانHANSEL STEDMAN ) يقومون بمهمة صعبة هذه المرة في جراحة الكبد على المريضة فرنسين ، حيث عليهم أن يغيروا الطريقة التقليدية في جراحة الكبد ، من أجل إعطاء الدكتور ( ويلسون ) المتوتر في القاعة حصته النفيسة ، من خلايا كبدية حية ، تذهب مبردةً مباشرةً إلى مختبره الثمين . كان على الدكتور رابر مهمة أخرى هي وضع قثطرة من نوع ( HECKMAN CATHETER ) في الوريد البابي ( PORTAL VEIN ) الذي يضخ ثلاثة أرباع الدم الصاعد والمغذي للكبد . كان الدكتور ( ويلسون ) من النوع الذي لايطيق قاعة العمليات ، أورائحة اللحم المحترق ( بالكاوي الكهربائي ) ، ولغط ماكينات التخدير ؛ وينتظر بفارغ الصبر كنزه الكبير ، الذي سرعان ماهُرِع به إلى مخبره في وعاء بلاستيكي مبرد ، من خلال أروقة لاتنتهي وممرات لاتحصى بين البناء الضخم للمستشفى والمخبر . قبل خمس سنوات انطلقت الولايات المتحدة الأمريكية في مشروعٍ يعتبر أهم من مشروع ( ناسا ) لارتياد الفضاء ، وأهم من مشروع ( مانهاتن ) للسلاح النووي في ( لوس آلاموس ) الذي قاد الولايات المتحدة ، لتصنيع قنبلتها الذرية الأولى ، هو مشروع ( HUMAN GENOM-PROJECT ) أي مشروع المورثات الإنسانية ، لفك شيفرة الخلق الأولية ، المضغوطة في قلب نواة الخلية ، لمعرفة اللغة التي كتبت فيها ، وفك سرها المخزون . لقد وصل العلم إلى معرفة أن كل قطعة من تركيب بدننا ، سواء شعرة أو عظماً ، جلداً أو نسيج من العضلات ، الهورمونات أو الأنزيمات ، الانسولين أو الثيروكسين أو خضاب الدم ، يتكون من سلاسل طويلة أعدت بعناية فائقة وبدون أي خلل ، من مجموعة هائلة من ( الكلمات الأولية ) التي هي ( أحماض أمينية ) . كلها مكتوبة بلغة خاصة ، تماماً مثل المقالة التي بين يديك ؟! لقد عرف أن المبدع هنا هو كائن هش غريب الشكل ، يجلس بكل رفعة على عرش نواة الخلية ، إلا أنه مصغر إلى عشرات الآلاف من المرات ، مضغوط في أصغر حيز ممكن ، مخبأ في حرز أمين داخل نواة الخلية ، وفي شكل زوجي بلغت ( 23 ) زوجاً سميت لشدة أخذها الألوان بالـ ( الصبغيات ) ، وضمن هذه الكروموسومات أو الصبغيات ، تم ضغط قرابة ثلاثة مليارات من فقرات من كلمات الخلق ، بلغة سرية عجائبية لاتزيد عن أربعة حروف . هذه الفقرات هي ماتسمى ( الجينات ) ، والتي هي في حقيقتها أحماض أمينية مصفوفة ، تشكل بعدد محدود يزيد وينقص فقرة هامة ذات معنى محدد للجسم ، سواء كان بدن إنسان أو هيكل فراشة ، أو قطعة من التفاح . هذه الفقرات تعطي أوامرها بواسطة مطبعة خاصة ، إلى نقل هذه الرسالة إلى البدن كي يقوم بتصنيع دائم لكل مكوناته أو التعويض عما يفقد أو ترميم ماينهار ، في عملية على مدار الساعة ، لاتعرف الفتور والسآمة تسبح بحمد الله العلي الكبير . فهنا انسولين يحرق سكراً ، وهنا أدرينالين ينظم الضغط ، وهناك جرح يحتاج للالتئام . وفي مريضتنا ( فرانسين ) عُرف أن الخلل هو في الكروموسوم ذو الرقم ( 19 ) بنقص جيني محدد على وجه الدقة ، وعلى المتسلل الذكي أن يُسرب القطعة الناقصة لتلتحم بالأصل ، فتبدأ في العمل ، وهي هنا حياة المريضة للتخلص من طوفان تراكم شحم الدم . في الليلة السابقة لنقل العصارة الرائعة ، تم إغراق الخلايا الكبدية بالفيروسات المقلوبة ، وفي الصباح الباكر تم غسل الخلايا من جديد ، من بقايا أغلفة الفيروسات المكسرة والتي انتقلت مادتها الجينية الآن إلى نواة الخلايا الكبدية ، أصبحت الخلايا قد تم التلاعب بالمكونات الوراثية فيها ، ويبقى أمامهم وضعها في نابذ مركزي يدور بسرعة تزيد عن ألف دورة في الدقيقة ، حتى يتم طرد الخلايا الثقيلة إلى المحيط ، وأخذهم بالتالي في خلاصة بنية اللون للحقن . تَمَّ حقن المريضة فرانسين ثلاث مرات كل مرة بحوالي مليار خلية مُعَدَّلة الجينات ، على أمل استقرار الخلايا الجديدة في النسيج الكبدي وقيامها بدورها الحيوي في تكسير بللورات الكولسترول الخطيرة في الدوران . وإذا تمتعنا بهذه القصص السابقة في الإنجازات العلمية فإن هناك قصصاً أشد متعة في المعاناة اليومية للجراحين والتي توجب عليهم أن يتحلوا بالحكمة البالغة وهم يرون بعض الظواهر التي تدل على خلفية عقلية خاصة تحتاج إلى العلاج ربما أكثر من الظاهرة البيولوجية المرضية لنسمع هذه القصة : اتصل بي مساعدي الدكتور مصطفى وهو مرتاع من منظر المريض الذي دخل العيادة على الكرسي المتحرك ، قد بدأت في محياه سمات الانهاك ، وارتسمت على قسمات وجهه قصة ألم ممض طويل ، وعندما حُمل المريض إلى طاولة الفحص الطبية ، بدت ركبته بمنظر مرعب من انتفاخ لايكاد يصدق يصل إلى حجم ( البطيخة ) ، قد عقل ركبة المريض عن الحركة ، وبدأت القدم تدخل مرحلة الشلل . وبدأ العم ( خلف ) يتحدث عن قصة الأشهر الطويلة من الألم الذي لايطاق ، ثم استدار ليبرز أمكنة ( الكوي ) المتعددة فوق مكان الورم ، حيث حفرت أخاديد بشعة من احتراق الجلد . كانت الحالة ( أم دم ) المعروفة بالانورزم ( ANEURYSM ) وهذا الحجم الذي رأيناه يصعب رؤيته في الممارسة العادية لإنه يكون في الغالب قد قضى على صاحبه . كان حظ المريض جيداً وحظ ( الطبيب العربي ) أجود ، لإن مكان الكوي كان تماماً فوق مكان الورم الدموي ، حيث ينبض الورم الدموي ويرقص ويعربد . وعملية ( الكوي ) المتكرر وفوق ( القنبلة الدموية ) هذه كانت حظاً نادراً ، فلو انفجرت أثناء الحرق لقضى المريض نحبه بدقائق معدودة غارقاً بدمه ، قبل إمكانية إيصاله إلى أقرب مستشفى . هذه قصة ليست بالنادرة بل هي حالات تتكرر يومياً بحيث تمثل ( ظاهرة ) في بعض المناطق ويمكن أن اختصر تعليقي عليها بالأفكار التالية : تقول الفكرة الأولى : إن مانراه يشي في الواقع بأن من يعالج نفسه بهذه الصورة المريعة فيعرض نفسه للحرق الذي هو أشد الآلام طراً ، إنه لولا قناعته القصوى بهذه أكثر من كل طبنا الحديث ، وكل هذه ( الفلسفات ) التي نطرحها في المؤتمرات العلمية ؟! وماتحاول أن تبثه الثقافة اليومية ، أقول لما لجأ للشعوذة والدجل الذي يحاول أن يأخذ صوراً مقنعة لانهاية لها ، وبالتالي فإن هذا مؤشر خطير إلى مدى تفشي ( الخرافة ) وأن الواقع أقوى من كل كلماتنا التي نعتد بها ونعيدها . 2 _ وتقول الفكرة الثانية : إن العقلية الخرافية وعدم الاقتناع بكل موضة الطب الحديث هذا ، وأن الثقة بالكوي ( عند أول شكوى ولكل شكوى وليس آخر الدواء ) هي في ( الأرضية الثقافية ) وطالما كانت العقلية المختبئة خلف هذا النوع من القناعات في العلاج ، فيجب أن نتوقع سقوطاً في مطبات لانهاية لها في سلوكياتنا اليومية ، من مثل جدوى الدقة في العمل ، والمهارة اليدوية ، والانضباط ، والنظام ، والذوق الجمالي ، ومسؤولية الكلمة ، والفعالية ، ومعرفة قيمة الوقت ، واحترام القانون ، وروح النظافة ، والتعاون ، واحترام العمل مهما كان ، وتفشي روح السلامية . 3 - وتقول الفكرة الثالثة : وهذا لايعني أن شكل الخرافة واحد فصورها لانهائية ، بل إن الدجاجلة موجودون في أكثر البلاد رقياً ، بل وينشرون الدعاية لأسمائهم في المجلات اليومية ، ولكن الشيء الأكيد بنفس الوقت أن التيار العام بما فيه التيار الشعبي العميق ، والذي يمثل العمود الفقري للأمة واحتياطها التاريخي قد تخلص إلى قدر كبير من سيطرة الخرافة عندهم بفضل تفشي الروح العلمية ، فضلاً عن وجود المؤسسات العلمية العريقة ذات التاريخ الطويل والتي تنظر لها القاعدة العريضة من الأمة بالاحترام . 4 - وتقول الفكرة الرابعة : إن سيطرة العقلية الخرافية يصعد في مجتمعنا إلى مستويات عليا غير متوقعة ، ولاينحصر فقط ي دائرة ( الأميين ) فقد تجد أستاذاً في الرياضيات قد بنى نفسه على ماهو معروف بعلم ( الوثاقة واليقين ) ولكنه عندما يواجه موقفاً يومياً ، فإنه يتصرف كأكبر خرافي ومن خلال مناقشاتي الطويلة مع المثقفين يتأكد عندي هذا المعنى يوماً بعد يوم ، وخطورة هذا الموضوع أنه يُلبَّس بتفسيرات معينة ، بل قد تستخدم نصوصاً وفقرات من هنا وهناك لدعمه ، والمشكلة الفلسفية القديمة الحديثة هي أن أي نص لاينطق ، والذي يستنطقه هو الفهم الإنساني وبقدر عمق الفهم الإنساني ، بقدر عمق إدراك أي نص ، بل إدراك الوجود كله . فالنص والفقرات لاتشع بالمعنى بل هي تعكس المعنى ، وقد انتبه إلى ذلك الأمام الغزالي قديماً حينما ذكر في كتابه المستصفى من أصول الفقه (( أن من طلب المعاني من الألفاظ ضاع وهلك ، وكان كمن يستدبر المغرب وهو يطلبه ، ومن قرر المعاني أولاً ثم أتبع الألفاظ المعاني فقد نجا )) ( 10 ) 5 - وتقول الفكرة الخامسة : إن عملية أي إصلاح اجتماعية يجب أن تتبع شروط نقل الدم وزرع الأعضاء ، لإن بعض الاستعصاءات العقلية هي أشد من انسدادات الشرايين المزمنة ، بل إن الدم إذا لم ينقل وفق زمرته تماماً فإن الجسم يرفضه ويفضل الموت على الترحيب به ، وإن الجسم الذي هو بأمس الحاجة للكلية وهو مصاب بالقصور الكلوي يرفض العضو إن لم يقدم وفق الشروط التي يريدها ويرحب بها الجسم ، لذا يجب أن نتعلم احترام الإنسان حتى لو كان خرافياً غاطساً في الخرافة ويظن أن الكرة الأرضية جالسة على ظهر سلحفاة ، فاحترام الإنسان هي أهم قاعدة في تغييره ، لإننا يجب أن نحبه من خلال الاحترام من أجل فتح الحوار معه تمهيداً للتغيير العقلي الذي هو الولادة الجديدة للإنسان. لقد أدخل طفل صغير إلى المستشفى بسبب لدغ ثعبان له ، إلا أنه كان عندما يرانا يصرخ بأشد من خوفه من الثعبان ، لإن أمه قد كونت فيه الخوف من الطبيب ، فإذا أرادت تخويفه قالت له : هل تسكت أم أحضر لك الطبيب ليضربك إبرة ؟؟ فيسكت الطفل تحت خوف إبرة الطبيب المرعبة !! هل نعلم ياترى أن ثقافة الرعب تأخذ مداها عندنا في كل مستوى ونتشرب هذه الثقافة المريضة منذ أن نكون اطفالاً . إن الطفل الذي لدغه الثعبان يجب أن يعالج بنفس الأهمية من الصدمة النفسية المزدوجة من الخوف من الثعابين والأطباء على حد سواء . هوامش ومراجع : ( 1 ) قدمت مجلة الشبيجل الألمانية تقريراً موسعاً في عددها رقم 34 من عام 1994م عن هذا الموضوع ( 2 ) دشنها الدكتور جيري هول اكتوبر عام 1993م في أمريكا ( 3 ) دشنها الدكتور ويلسون في المشفى الجامعي في فيلادلفيا من ولاية بنسلفانيا فبراير شباط عام 1994م ( 4 ) في كتاب العبقرية والإبداع من كتب عالم المعرفة يشير المؤلف إلى أن معظم المبدعين جاؤوا من خارج التخصص لإناس عشقوا المادة واهتموا بهذا الفرع من المعرفة وفي سن مبكرة .( 5 ) روى لي زميلي الدكتور ( نشأت عساف ) استشاري أمراض النساء والولادة ، الذي زاره في مركز عمله في ألمانيا واستمع إلى محاضرته في جدة عندما زار المملكة وذكر أثناء محاضرته : أرجو أن لاتتعجبوا وتسخروا مني كما فعل الأطباء البريطانيون هل ستجري عملية قيصرية بهذه الطريقة ؟! ( 6 ) تأمل الآية الموجودة في سورة النساء رقم 100 (( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة )) ( 7 ) الدكتور كريستوف بوركهاردت وقصته رويت بالتفصيل في مجلة الشبيجل الألمانية عدد 34 عام 1994 . ( 8 ) ( ) كتاب التنبؤ العلمي ومستقبل الإنسان تأليف د . عبد المحسن صالح نشر كتب عالم المعرفة - الكويت عدد 48 ص \ 246 . ( 9 ) مجلة الشبيجل الألمانية عدد 19 عام 1994م ص 231 ( 10 ) يراجع كتاب المستصفى من أصول الفقه - الغزالي - الجزء الثاني ص 21 .
اقرأ المزيد
النسبية تفتح الطريق للمشروع النووي
كتب ( آينشتاين EINSTEIN ) أبو ( النسبية ) عن الأناس الفعَّالين يقول : (( إن معرفة الحقيقة مرةً واحدة لاتكفي ، والأهم منها هو المحافظة عليها بعناد كي لاتتعرض للضياع وتطويرها باستمرار فتبقى حيةً ناميةً بالتجديد الدائم . إن الحقيقة تشبه تمثال الرخام المنتصب في الصحراء ، مُهَدَدَّاً في كل لحظة بالدفن في لجة التراب ، بفعل عواصف الرمل المتربصة بها . الأيدي النشيطة التي لاتعرف الكلل ، والتي تمسح التراب عن التمثال بشكل متواصل ، هي التي تبقيه متألقاً تحت ضوء الشمس ))(1). وإذا كان آينشتاين (2) قد تكلم في معرفة ( الحقيقة ) فإن فيلسوف التنوير من القرن الثامن عشر ( ليسنغ LESSING) تكلم عن ( البحث عن الحقيقة ) فقال : (( لو أخذ الله الحقيقة المطلقة في يمناه والشوق الخالد للبحث عن هذه الحقيقة في يسراه ، ومعها الخطأ لزام لي ، وسألني أن أختار ؟ إذاً لجثوت ذليلاً عند يسراه بكل تواضع ، ثم قلت يارب : بل أعطني الرغبة إلى البحث ، لإن الحقيقة المطلقة لك وحدك )) ( 3 ) ، ففي هذا الجو النهم للمعرفة ولدت النظرية النسبية فما هي هذه النظرية التي قلبت المفاهيم وماهي ذيولها الفلسفية ؟ لنستمع إلى القصة المثيرة . سألني الدكتور ( ط ) وهو يحدقني بنظراته التي تشع ذكاءاً كالعادة : لك عندي مجموعة من الاستفسارات !! ومضى الليل إلى منتصفه ونحن يخوض في فضاءات معرفية مختلفة ، ونبحث بنهم مع آخرين في اختراقات المعرفة الجديدة ، ولكنه وقف أمام سؤال ليقول : أريد تعليقاً شافياً لقضية ( الجن والمس ) فماذا في جعبتك عنها ؟؟! كان جوابي على هذه المسألة متعدد المحاور ولكنني بدأتها بالفكرة التالية : أريد أن أخبركم أولاً أن ماأنجزه العقل البشري حتى الآن عجزت عنه الجن والمردة ( 4 ) انظروا إلى شاشة التلفزيون هذه أمامكم ، التي لم يحلم الإنسان فيها إلا من خلال أسطورة ( سندباد والجن الأزرق ) ، حيث نرى الساحر وهو ( يعزِّم ) على الكرة الزجاجية ليرى من خلالها الأحداث البعيدة ، إن هذا الجهاز ينقل لكم أحداث العالم كلها وبسرعة الضوء ، ماذا تقولون لو جاء رجل من الماضي قبل ألف سنة ثم دخل هذه الخيمة الآن ليرى هذه الشاشة _ وفي هذه اللحظة كان الفريق الأهلي يدخل هدفاً مما جعل معظم الحضور يصيحون صوتاً واحداً جول .. جول !! _ وعندما اختنقت كلماتي تحت هتاف الحماس لـ ( الكورة ) _ التي احترم قطعاً المتحمسين لها ، بدون إدراك سر الحماس فيها إلى درجة الاقتتال _ انتبه الدكتور ( هـ ) إلى أهمية الفكرة فهتف صائحاً : كان سيصاب بما يشبه الجنون !! . وتابعت البحث في محور ثاني ، فهناك قصة جميلة من ( القرآن ) تنقلنا إلى إدراك الفرق بين عمل ( الجن ) وأهل ( العلم ) وهي قصة تحمل طيفاً من المعاني الرائعة ، وهي قصة ( سليمان والهدهد والعرش والجن والصرح ) ( 5 ) ولكن قبل الدخول في القصة والتي أشارت إلى ( سرعات ) غير عادية نتساءل في ( عالم السرعات ) ماهي السرعات التي تنطلق بها الحيوانات أو الآلات أو حتى الأمواج ؟ هل هناك حدود قصوى للسرعة لايمكن تجاوزها ؟ وإذا كانت هناك سرعات قصوى فمن هو هذا الكائن الذي يحقق مثل هذه السرعة ؟ ثم كم هو مقدار هذه السرعة ؟ ثم هل أمكن قياس مثل هذه السرعات الخارقة مثلاً ؟ هذه الأسئلة ونظائرها تمثل أرقاً فلسفياً قديماً ، استطاع العلم الحديث أن يحل بعض ألغازه ، ويفك شيئاً من أسراره ، وكان ذلك مع نهاية القرن التاسع عشر ومطلع العشرين ، وكان هذا الكشف مدعاة لانبثاق نظرية هزت العالم ، وقوضت بنيان العالم الفيزيائي القديم ، وطوحت بنظريات أساسية حافظت على صلابتها لقرون بل آلاف السنوات ، فأما النظرية الجديدة فهي ( النسبية _ RELATIVITY THEORY _ ) وأما التي تهاوت فكانت فكرة الزمان والمكان لـ ( نيوتن وأقليدس ) . في عام 1907 تقدم إلى جامعة برن في سويسرا شاب يبلغ من العمر 26 عاماً ، خجول الوجه ، قليل الكلمات ، بسيط الملابس ، يبدو عليه فقر الحال ، ببحث غريب لايثير الانتباه في ( الديناميكيا الكهربية للجسم المتحرك ) . كان عنوان البحث لايبعث على التفاؤل إلى درجة أن الذي قُدم إليه رفض طلب الفتى وصرفه من وجهه !! وكان هذا البحث المرفوض هو خلاصة الثورة الفيزيائية الحالية والتي عرفت فيما بعد بـ ( النظرية النسبية الخاصة ) ، وعندما بدأ البحث تنتشر رائحته عمدت جريدة نمساوية إلى القول بظهور مشعوذ يدعي إمكانية ( انضغاط الزمن ) بـ ( حيلة رياضية ) فيمكن أن تكون الساعةُ ساعةً ، ويمكن أن لاتكون كذلك ، ويمكن أن يكون الزمن في مكان دونه في مكان آخر ؟! فالزمن لايتدفق بنفس السوية في كل الكون ، بل قد يكون الماضي حاضراً لآخرين والمستقبل ماضياً عند مجموعة ثانية ، لإن الزمن هو ترابط الحوادث ، المرتبطة بدورها بعامل السرعة ؟! ومع زيادة السرعة يتباطيء الزمن حتى التوقف عندما تبلغ السرعة سرعة الضوء ( 6 ) إن سرعة الإنسان سخيفة حتى في مستوى عدَّاء ( الماراتون ) الشهير ( فيديبيدس ) الذي ركض ( 224 كم ) بين مدينتي ( ماراتون ) واسبرطة القديمة للتحذير من الاجتياح الفارسي الوشيك لبلاد اليونان فهو لايزيد عن 15 - 20 كم \ ساعة ، في حين أن سرعة الحصان لاتزيد عن 70 كم \ ساعة ، ويبدو أن الفهد البري هو أسرع الحيوانات قاطبة إذ تعقب المكتشف الأمريكي ( روي تشابمان آندروز ) فهداً هندياً قريباً من نيبال بسيارته وبقي يزيد في السرعة فلم يستطع اللحاق به ولم يتعب الفهد الرشيق ، وربما بلغت سرعته حوالي 120 كم \ ساعة ، وتبقى الطيور هي المتفوقة بين كل كائنات الكرة الرضية فهناك مجموعة من الطيور تصل سرعتها حتى قريبا ً من سرعة الطائرات ( مايزيد عن 350 كم \ ساعة)(طير الفرقاطة) ، ويعتبر سمك (أبو سيف) أسرع الكائنات البحرية إذ يصل في سرعته حتى حوالي 100 كم في الساعة ، إلا أن القرآن يفتح عيوننا على ( سرعات ) تتفتح لها ( الشهية العلمية ) تماماً ، تقوم بها ثلاث كائنات واعية هي ( الملائكة ) التي يكشف القرآن النقاب فيها عن سرعة الضوء ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ) ، كما يشير القرآن إلى اختلاف الزمان بين مكان وآخر ، فـ ( اليوم = الزمن ) هو في مكان ( خمسين ألف سنة ) ولكنه في مكان آخر ( ألف سنة ) من الزمن الذي نتعامل به ( مما تعدون) (7) ، و ( الجن ) محدودي السرعة بعدة مئات من الكيلومترات في الساعة ، وكائنات عندها (إمكانيات علمية) لها سرعة الضوء بل وإمكانية نقل المواد على الطريقة التي عرضت في فيلم ( الهرب ضد الزمن - RUNNING AGAINST THE TIME - ) ( 8 ) حيث تم تكثيف المواد سواء الفيزيائية أو البيولوجية من خلال ( داتا = وحدات معلومات ) رهيبة ونقلها عبر الزمن إلى زمن آخر . وبالطبع فإن الفيلم الأخير هو من أفلام الخيال العلمي لاأكثر ، ولكن الإنجازات الإنسانية العظيمة جاءت كلها من خيالات ، وصاحبنا ( آينشتاين ) جاءت نظرية ( النسبية ) عنده من خياله وهو طفل (أن يركب شعاع الضوء). إن القصة وترميزاتها بين ( سليمان والهدهد والعرش والصرح ) تنعش العقل بإمكانيات لم يصل لها حلم الإنسان ، بل وحتى كل التصورات العلمية الحديثة ، باعتبار أن سرعة الضوء ثابتة لاتتغير كما لايمكن تجاوزها ، شرحت متابعاً المحور الثاني في حديثي ، كان السباق بين ( عفريت ) من الجن يريد إحضار العرش في مدى ساعات ( قبل أن تقوم من مقامك ) وبين من يملك إمكانية ( علمية ) ( عنده علم من الكتاب ) والذي عرض خدماته في إحضار العرش بسرعة الضوء ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) ، وأنا في حديثي هذا أنحو مع المفكر ( فؤاد زكريا ) إلى الحذر من قصة ( إقحام الآية في كشف علمي ) ( 9 ) ولكنني أميل إلى ماطرحه المفكر الجزائري ( مالك بن نبي ) عن ( القرآن ليس كتاباً علمياً ولكنه يخلق المناخ العلمي لتفتح الأفكار الرائدة ، وفي صفحاته إشارات خفية لحقائق علمية مذهلة ) ( 10 ) . كانت إذاً إمكانية ( الجني ) في سرعةٍ وصل إليها الإنسان بل ( تجاوزها ) في الوقت الراهن ، فهو أحضر حمولة بسيطة ( العرش ) وخلال ساعات ، والبشر اليوم يرسلون الصواريخ التي تخترق الجاذبية الأرضية بسرعة تجاوزت 12 ألف كم \ ساعة ، ولكن الإمكانيات البشرية لم تصل حتى اليوم إلى قدرة ذلك الذي عنده ( علم من الكتاب ) . لم تصل إلى مستوى عمله مرتين : ( الأولى ) لم تصل إلى سرعته ؛ لإنها سرعة الضوء ، لإن ( النسبية ) تضع ( استحالة ) في الوقت الراهن أمام الوصول إليها ، و( الثانية ) إمكانية نقل أي شيء عبر هذه السرعة التي تمثل أعظم سرعة في الوجود حيث يتحول من يصل إليها إلى ( كتلة لانهائية ) ويستهلك من الطاقة ( طاقة لانهائية ) وينضغط في ( الطول ) وينكمش إلى الصفر ، كما يتوقف ( الزمن ) عند ذلك !! بل إذا زادت السرعة عن سرعة الضوء انقلبت الأحداث بشكل معكوس فيقوم الأموات من القبور ، وتلد البنت أمها !! إنني أريد التنويه في بحثي قبل الغوص فيه إلى أحشاءه من أجل استعراض التركيب ( التشريحي ) له ثم ( الفيزيولوجي ) ، إلى أن هذا البحث لم يكتب لفيزيائي الكون ، أو الهندسة الذرية ، كما لم يكتب للمتبحرين في الفلك ، أو الغارقين في الرياضيات ، ففي جعبتهم مايجعل مثلهم لايستفيد من مثلي _ وإن كان البحث يهمهم ويستهويهم _ ، هذه المقالة وضعت لنفسها هدف مخاطبة القاريء العادي بغية ( التثقيف ) وأخذ بانوراما الأحداث العالمية الضخمة ، والتحولات المصيرية ، والأفكار المفصلية ( البنيوية ) ، لإننا سنرى بعد قليل الذيول الفلسفية لهذا ( العلم ) الذي جاء به ( الكتاب ) من أجل اكتشاف قوانا الداخلية الخفية المودعة ، كي نعمل في الحقل المفيد ، وليس الحقل الأسطوري الخلاب والمريح والسالب لنظرية ( الجهد الإنساني ) . تابعت الحديث في خط محوري ثالث ، وفي ( الحقل المفيد ) في فكرة ( إن كل سلطان شخصي يزعم أن له أصلاً خارقاً للطبيعة قد فات أوانه في تاريخ البشر ) ( 11 ) ففلسفة القرآن كلها تقوم على ( عدم ) اعتماد المعجزة أسلوباً للأقناع ، وإذا كانت ( هموم ) أهل قريش منحصرة في أن يصبح بيته من ( زخرف ) أو تتنزل الكتب من السماء ، أو أن تتدفق الأرض بالماء إلى آخر الطموحات الصبيانية ، فإن القرآن اعتمد سياقاً واضحاً من أجل تحرير العقل الإنساني من الخرافة ، فلا يتعلم السحر فهو قريب من الكفر ( فلا تكفر ) ، ويتجنب نصائح الكهان ( من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه فقد كفر بما انزل على محمد ) ، وأن لايتصل بالجن لإن لهم عالمهم الخاص بهم ( وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً ) ، وهو بهذا قطع أصل شجرة ( الحقل غير المفيد ) وغير العلمي ، وتحرير البشر من سلطان البشر . ورفع الإنسان إلى مستوى العلم الذي به يرتفع بغير حدود ، وبه يتحرر ، وبه يمتلك القوة الفعلية . ومضيت في شرح المحور الرابع وصديقي الدكتور يصغي بشغف المفكرين وتواضع العلماء : وإذا كان المجدي هو اتجاه ( العقل و ( العلم ) وتوديع ( الهوى ) و ( الظن ) ؛ فإن العلم يروي لنا أعظم قصة من الثورات العلمية التي دشنها الإنسان في قصة النسبية وسرعة الضوء ، لإنه لم يكن لهذه النظرية ان تشق الطريق لولا توديع الفكر ( العتيق ) ( 12 ) ، والعميق والرائع في النظرية النسبية والانقلابي ، هو عطشه العميق لاكتشاف العلاقات الكبرى بين قوانين الوجود ، وهكذا استطاعت النسبية أن تدمج المكان بالزمان ، ليتحول مفهوم ( الزمن ) إلى البعد الرابع ، وتتحول علاقة الزمان - المكان إلى كينونة واحدة ، وليدمج بين الطاقة والمادة ، فتتحول كل منهما إلى الأخرى وفق معادلة صغيرة ، لم يعد هناك زمن مطلق كما اعتبرته الفيزياء التقليدية ، كما نُسف مفهوم المكان المطلق ، لذا لاغرابة أن اعتبرته ( أي آينشتاين ) المجلة النمساوية ؛ مشعوذاً يريد أن يثبت تغير الزمن بحيل رياضية . ولكن كيف يمكن فهم تغير الزمن ؟ هل اليوم مثلاً في كوكب آخر هو غير اليوم على الأرض ؟ الجواب نعم فإن ( سنة ) الكوكب عطارد هي 88 يوماً ، ويومه قريب من ذلك ، فلافرق بين اليوم والسنة على ظهره ، فهو يدور حول نفسه بقدر دورانه حول الشمس ( 13 ) في حين أن سنة الكوكب ( بلوتو ) 238 سنة ( مما نعد نحن ) ثم أن الزمن يتعلق بالسرعة ، فالسرعة تضغط الزمن ، فكلما ازدادت السرعة انضغط الزمن أكثر ، فإذا وصلت السرعة إلى سرعة الضوء ، وهي مستحيلة لأي سرعة غير سرعة الضوء حسب معطيات العلم الحالي ، توقف الزمن !! . جاء في كتاب آينشتاين والنظرية النسبية للدكتور محمدعبد الرحمن مرحبا : (( ويستتبع القول بالزمان المحلي نتائج يصعب على العقل قبولها . إذ أنه لما كان هذا الزمن يتناول جسم الإنسان كله فيمكننا أن نستنتج أن الشخص المتحرك حركة بطيئة ( يشيخ ) قبل الشخص المتحرك حركة سريعة . بل إن الشخص الذي يتحرك بسرعة النور يعيش خارج الزمن ، أي لايشيخ أبداً . وكيما نوضح ذلك بطريقة محسوسة ونصور التحول العظيم الذي طرأ على علم الفيزياء نقتبس المثل الآتي من ( لونجفين ) ( 14 ) فقد تخيل هذا العالم رحالة فلكياً غادر الأرض بسرعة تساوي 1\ 20000 من سرعة الضوء ، وقفز في المستقبل قفزة إلى الأمام ليرى ماتكون عليه الأرض بعد سنتين من سنيه هو ، ولما آب راجعاً إلى مستقره على الأرض وجد أن السنتين اللتين قضاهما عبر الفضاء ذهاباً وإياباً تعدان قرنين من عمر الأرض ، ووجد الأرض آهلة بسكان جدد وعادات جديدة ووجد حضارة لاعهد له بها قبل منطلقه )) ( 15 ). استطاع آينشتاين بومضة عبقرية أن يكتشف علاقات الكون الأساسية ويربطها ببعض ، فالمكان ذو ثلاث أبعاد : طول وعرض وارتفاع ، ولكن الزمن هو بعد رابع ، إلا أننا لانستطيع تصوره بسبب طبيعة تركيب عقولنا ، والمركب ( الزمان - المكان ) مرتبط بدوره مع السرعة ، وأعظم سرعة في هذا الوجود هي سرعة الضوء ، فآينشتاين اعتبر أنه لاشيء ثابت في هذا الوجود إلا سرعة الضوء ، وسرعة الضوء فقط ، وبذلك مسح في أول ضربة نظرية الأثير القديمة ، وأعطى التعليل الراسخ للتجربة التي قام بها عالمان جليلان هما ( ميكلسون ومورلي ) ( 16 ) أجرياها بكل دقة من أجل قياس سرعة الضوء في كل الاتجاهات ، وهكذا فالضوء ينتشر وبسرعة ثابتة ومهما كانت سرعة حركة المصدر ، وتبين أن سرعة الضوء رهيبة ، حيث بلغت ( 300 ) ألف كم \ ثانية ، فلاغرابة إذاً إذا اعتبر ديكارت أن سرعة الضوء غير متناهية ، أو فشل غاليلو في قياس سرعته ، لإنه كان كمن يقيس الكرة الأرضية بالشبر !! وهكذا فالضوء يلف الكرة الأرضية سبع مرات ونصف خلال ثانية واحدة ، فلاغرابة أن نتحدث مع من هم في أقصى الأرض بنفس اللحظة ، كما يصل ضوء القمر في ثانية وثلث فقط ، في حين أن ضوء الشمس يغمر الأرض بعد انطلاقه بثماني دقائق . ونظراً للأبعاد الكونية الشاسعة فقد استخدمت هذه الوحدة في القياس ، فكلمة ( سنة ضوئية ) تعني المسافة التي يقطعها الضوء في مدة سنة كاملة ( أي ستة ملايين مليون ميل أو حوالي 9 مليون مليون كم ) وعلينا أن نعلم أن قطر المجرة اللبنية التي ننتسب إليها هي في حدود 100 ألف سنة ضوئية ، وهي مجرة متواضعة فمجرة المرأة المسلسلة مثلاً يصل إلى 150 ألف سنة ضوئية !! وأقرب مجرة إلينا تبعد حوالي مليونين من السنين الضوئية ، ولأخذ فكرة عن سعة الكون الذي نعيش فيه ، فماعلينا سوى وضع التصور التالي والمنقول عن كتاب الكون لكارل ساغان ( ص 167 ) : في قبضة اليد الواحدة من رمل الشاطيء حوالي عشرة آلاف حبة ، وفي الكون من النجوم ماهو أكثر من كل رمال الشواطيء في بحار الدنيا أجمعين. انطلقت النظرية النسبية من علاقة السرعة بالأشياء الأخرى ، وبذلك سجلت النسبية الخاصة الخطوات الأولى لعلاقة السرعة بالكتلة والزمان والمكان ؟ ماذا يحدث لو زادت السرعة في علاقتها بالكتلة ؟ ترى النسبية أنه مع السرعة يحدث تبدل في ثلاث اتجاهات ( الأول ) تزداد الكتلة و ( الثاني ) هو انضغاط الزمن و ( الثالث ) هو انضغاط الطول ، فإذا زادت السرعة مثلاً لعمود يبلغ طوله مترا حتى بلغت نصف سرعة الضوء انضغط الطول إلى حوالي 86 سم ، فإذا وصل إلى حوالي 90% من سرعة الضوء لم يبقى من المتر إلا 45 سم ، فإذا وصل إلى سرعة 99 % من سرعة الضوء انكمش المتر إلى 14 سم فقط ، فإذا وصلت السرعة إلى سرعة الضوء أصبح الطول صفراً !! ولايشعر بهذا الشيء من هو داخل العملية ، بل يشعر بها المراقب من الخارج فقط ، كما أنها تنطبق على كل شيء في هذا الوجود ، وهذه أمور لايستطيع العقل تصورها ، ولكنها قضايا فجرتها النظرية النسبية ، وبذلك نفهم النسبية ولماذا أخذت هذا الاسم ، فكل مافي الكون في حركة وبسرعة مختلفة ، فالأرض تدور حول نفسها بسرعة ربع ميل في الثانية ، وهي تدور بنفس الوقت حول الشمس بسرعة 5.18 ميل في الثانية ، والشمس وكواكبها سائرة باتجاه نقطة في المجرة بين مجموعة هرقل ( الجاثي ) ومجموعة اللورا وبسرعة 12 ميل في الثانية ، ومجرة الدرب الحليبية التي ننتمي إليها تدور حول نفسها دورة كاملة كل ربع مليار سنة وبسرعة 120 ميل في الثانية ، ومجرتنا تبتعد عن أخواتها المجرات الأخرى بسرعة تصل إلى ( 600 - 40000 ميل في الثانية ) وكل في فلك يسبحون ، لم يبق ثبات لشيء مطلقاً ، فلا الأحجام تبقى أحجاماً ، ولا الأبعاد أو الزمان أو المكان ، فكل مافي الكون هو في حالة ( يزيد في الخلق مايشاء ) و ( كل يوم هو في شأن ) و ( يخلق مالاتعلمون ) ، فالزمان الذي يتدفق مفكك الأوصال في هذا العالم الذي نعيشه ، وتياره الذي يجري مختلف من مكان إلى آخر ، فالزمن في مكان من الكون هو غير الزمن في مكان آخر ، ويتبع هذا تغير كل شيء من الأبعاد والأحجام والأوزان والحركات ، وكل هذا يتبع السرعة التي يتمتع بها الكوكب او المكان الذي يتدفق فيه الزمن ، بل هو حتى في الكرة الأرضية اليوم ليس كالغد ، فبعد خمسة مليارات سنة سيكون يوم الأرض 36 ساعة ، كل هذا بفعل تباطؤ حركة الأرض بفعل الاحتكاك ( 17 ) ، إذاً يبقى فهم العالم ووضعه بشكل نسبي حسب مكان المراقب ، هذا التحول العقلي هو الذي ألهم صاحبا كتاب العلم في منظوره الجديد أن يقولا أن هناك ثورة في المفاهيم أطاحت بالنظام القديم ، وشقت الطريق إلى فهم جديد للعالم بل رسم معالم حضارة جديدة (18). وأما أهم أمرين فتحت الطريق إليهما النظرية النسبية ، التي بدأت تتأكد مخبرياً ، فهما أولاً : ( نظرية الانفجار العظيم ) في كيفية تشكل الكون الأولي ، وثانياً : ومن خلال معادلة علاقة الطاقة بالمادة الانطلاق في المشروع النووي ، حيث أمكن انتاج طاقة لم يحلم بها حتى ( الجن ) التي أرقت مضجع صديقي الدكتور ، فلأول مرة يضع الإنسان يده على الوقود الكوني !! كان هذا من خلال بحث قام به عالمان هما ( كارل فريدريش فون فايسكر ) والثاني ( هانس بيته ) ، حيث ومن خلال معادلات آينشتاين ، تم الوصول إلى كشف السر عن نوع الوقود الذي يحترق في الشمس وأنه وقود غير تقليدي ، فلو كان مخزون الشمس من الفحم مثلا ً لاستُهلك في مدى 300 عاما ً لايزيد ، ولكنه من نوع القنابل الهيدرجينية ، التي تنفجر بدون توقف ، قاذفةً أحياناً شواظاً من لهب يتجاوز الـ 500 ألف كم خارج الجحيم الشمسي المستعر . كيف لاتنتهي الشمس مع كل ضخامة الوقود الذي تستهلكه . السبب أن الشمس تبلغ في القطر 3.1 مليون كم ، وكتلتها أكبر من الأرض بـ 330 ألف مرة ، وتستهلك في كل ثانية 4 مليون طن من غاز الهيدرجين ، ومع أن مااستهلكته في مدى خمسة مليارات سنة شيء ضخم ، مع هذا عندها من المخزون مايعادل 98% من كتلتها الحالية ، فكتلتها تصل إلى 2 بليون بليون بليون طن ( 19 ) وهذا يثير سؤالاً مهماً مفعماً بالمسؤولية ، عن إمكانية استمرار الحياة لخمس مليارات سنة أخرى على الأقل على الأرض ، والجريمة المروعة في السلاح النووي أو تلوث البيئة حينما تُوقف الحياة عليها بحماقة يرتكبها السياسيون . قادت النسبية إلى إدراك بانوراما جديدة لعلم الكوسمولوجيا ، كيف بدأ ؟ ماهو تركيبه ؟ وأين يتجه ؟ ومع أن آينشتاين نفسه قد أدرك منذ البداية أن المعادلات تقوده إلى عالم ( ديناميكي ) متمدد ، إلا أنه يقول هو نفسه أنه ارتكب اكبر حماقة في حياته ، حينما أراد إمساك المعادلات في قالب ( استاتيكي ) جامد فادخل ماأطلق عليه ( الثابت الكوسمولوجي ) . والذي حدث أن آخرين استخدموا معادلاته ليصلوا بها إلى تصور جديد لشكل الكون (المتوسع) ، وإذا كان الكون يتوسع فهذا يقود بشكل معكوس إلى أنه من قبل كان أصغر ، فإذا مشى التصور مقلوبا ً وصلنا إلى نقطة بدأ منها الكون ، وقد تم الكشف عن ذلك بواسطة ظاهرة ( الزحزحة الحمراء ) بواسطة العالم الفلكي (أدوين هابل) الذي عرف أن كل المجرات تبتعد عن بعضها في سرعة مخيفة ، وتم تحديد عمر الكون من خلال ذلك بين 15 وعشرين مليار سنة ، كما تم تحديد عمر النظام الشمسي الذي ننتسب إليه بحوالي ثماني مليارات من السنين . ولكن نقطة البدء الكوني هي التي تشكل التحدي العقلي الذي لم يحل حتى الان ، حيث تتوقف القوانين الكونية عن العمل ، فلايبقى زمان أو مكان أو طاقة أو مادة أو أي وجود لأي قوانين كونية ، إنها الحقبة ( المتفردة ) التي لايناسبها إلا كلمة الخلق من العدم !!. ومن علاقة الطاقة بالمادة استطاع آينشتاين أن يضع قانوناً بسيطا ً للغاية ، ولكن نتائجه كانت مروعة ، فالطاقة والمادة هما وجهان لحقيقة واحدة ، حتى الضوء هو كتلة مادية ولكنها متناهية في الدقة ، والطاقة تساوي المادة المتحولة ولكن مضروبة في مربع سرعة الضوء ، فإذا عرفنا أن سرعة الضوء 300 ألف كم في الثانية الواحدة كان معنى هذا أن الطاقة تساوي مايعادل 90 مليار من المادة المتحولة ، وهذا يحمل خبرين ( نذيرا وبشيرا ) فهي عالم الوصول إلى الطاقة الرخيصة ، وإذا توفرت الطاقة لم يبق نزاعات إنسانية ، فالبشر لايتخاصمون على ( الهواء ) ولكنهم يتقاتلون على مصادر المياه والبترول ، فإذا حلت مشكلة الطاقة الرخيصة إلى درجة المجان ، ربما حل القسم الأكبرمن المشاكل الإننسانية ، وأما النذير فهي أخبار هيروشيما وناغازاكي !! . وهنا فذلكة في عالم المادة والروح ، فالضوء يبقى محدود السرعة لإنه ( مادة ) ولكن رقيقة للغاية ، أما الروح الإنسانية فعندما غادرت عالم المادة لم تعد سرعة تقيدها ، وهذا ماسيكشف العلم القادم عن أسراره . شيء هام من ذيول الفكرة النسبية لم يتم التاكيد عليه ، وإن تمت الإشارة إليه أحياناً ، وهو معنى روحي كبير وفلسفي ضخم ، ولايقل عن الفتوحات المادية ، وهو علاقة الزمن بمتحولات أخرى دشنتها ( النسبية الخاصة ) بعلاقة الزمن بالسرعة ، ودشنتها ( النسبية العامة ) بعلاقتها بالكتلة فاعتبرت الأولى أن الزمن يتباطؤ كلما ازدادت السرعة ، إلى درجة أن الزمن قد يتوقف إذا وصلت السرعة إلى حد سرعة الضوء ، ومعنى توقف الزمن بكلمة أخرى دخول ( الخلود ) أو على حد تعبير العالم الفرنسي لونجفين توقف الشيخوخة ، فإذا عاش الإنسان على كوكب غير الأرض بسرعة كبيرة كسب من العمر المزيد فالمزيد ، ولكن دخوله سرعة الضوء يجعله يستعصي على الفناء ، لإن الزمن لن يأكله بعد اليوم بعد أن توقف أن يعمل . وعندما نسمع عن تحول بيولوجي لأهل الجنة ( التحول إلى طبيعة نورانية الذي يعني اكتساب سرعة الضوء أي توقف الزمن ) ( 21 ) فإن هذا يقرب إلى وعينا أكثر طبيعة الخلود والصمود أمام الموت والزمن . وأما في النسبية العامة فإن حياة الإنسان على كوكب ذو كتلة كبيرة تدخله نفس العملية من التاثير على الزمن ، وهكذا فالحياة على المشتري الذي يكبر الأرض أكثر بألف مرة ، يمنح الإنسان حياة أطول ، فإذا عاش على ظهر كوكب من النوع الذي قال عنه القرآن ( عرضها السموات والأرض ) كان معناه مرة أخرى توقف الزمن أن يفعل فعله المميت المدمر ، والدخول بالتالي عالم الخلود ( وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للمتقين ) وبذلك أدخلتنا النسبية إلى إمكانية الخلود مرتين وقربت إلى وعينا مفاهيم روحية مستعصية على العقل كي نصل إلى ذلك المزيج الرائع من العلم والإيمان . بقلم الدكتور خالص جلبي 19 \ 5 \ 1415 هـ الموافق 24 \ 10 \ 1994 م هوامش ومراجع ( 1 ) ALBERT EINSTEIN - JOHANNES WICKERT - RORO PAGE 7 ( 2 ) معنى كلمة آينشتاين باللغة الألمانية ( حجر واحد ) ! ( 3 ) ( ليسنغ ) راجع مقدمة كتاب الأمراض القلبية - مدني الخيمي - طباعة جامعة دمشق - ص 7 وقد نسب القول المذكور إلى ( غتلدلنغ ) ( 4 ) اكتشف ابن خلدون قانوناً هاماً في مقدمته عندما فند أقوال الذين زعموا أن الأهرامات شيدها العمالقة ، خاصة حينما يزعم إلى الرشيد أنه أراد هدم إيوان كسرى فعجز عن ذلك فكيف بالبناء ، وكفذك لما حاول المأمون هدم الأهرام ، في حين أن ابن خلدون لم ير فيها سوى إنجاز بشري وهندسي رائد _ راجع المقدمة ص 177 وص 346 ( 5 ) تراجع القصة بكاملها في سورة النمل ( 6 ) يراجع كتاب آينشتاين والنظرية النسبية - عبد الرحمن مرحبا - دار القلم بيروت - ص 80 ( 7 ) يراجع في هذا المجلد الثاني من موسوعة المعرفة ص 200 عن سرعة الحيوانات ، وأما فيما يتعلق بسرعة الملائكة والتي تبلغ سرعة الضوء فيمكن حسابها بزمن ( خمسين ألف سنة مما تعدون ) فهي حاصل ضرب 50000 في 365 في 24 ساعة في 60كم \ ساعة على أساس سرعة الحصان ( 60 - 70 كم \ ساعة - راجع موسوعة المعرفة مجلد 2 - ص 200 ) التي كانت أقصى سرعة بلغها الإنسان في وقت نزول القرآن ( مما تعدون ) وجداء الضرب هذا يبلغ = 000و000و280و26 كم ( 26 مليار و280 مليون كم ) وهي المسافة التي يقطعها الحصان في خمسين ألف سنة ، فإذا قسم هذا الرقم على الثواني التي يحويها اليوم الذي هو 24 ساعة ( مما تعدون ) بلغت 86400 ثانية ، فإذا قسم الرقم الأول على الثاني تحت قانون السرعة = المسافة تقسيم الزمن بلغت السرعة التي يشير إليها القرآن سرعة الضوء تقريباً وهي 300 ألف كم في الثانية الواحدة ( الرقم بالضبط = 304166 كم في الثانية الواحدة ) !! وهكذا فيوم العروج الروحي يستغرق نفس اليوم على ظهر الكرة الأرضية ، ولكنه يحقق بهذه السرعة مسافة تقاس بالسرعة الضوئية ، وهي مطابقة ملفتة للنظر ، ولكن الأهم منها أن العالم الإسلامي برمته لم ينتبه إلى أقل من هذا من كنوز القرآن !! وجاء اختلاف الزمن في آيتين الأولى من سورة السجدة حيث يعرج ( الأمر ) من الأرض إلى السماء بسرعة تبلغ ألف سنة من حساب الكرة الأرضية ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) السجدة - 5 - أما آية العروج الأخرى فهي في سورة المعارج ( تعرج الملائكة والروح إليه في كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ) الآية 4 ( 8 ) تقوم خلاصة هذا الفيلم على اختراع عالم ٍ لآلة بإمكانها دفع الإنسان عبر الزمن وفكروا في إنقاذ حياة الرئيس الأمريكي ( روبرت كيندي ) بحمايته من القتل كي يتم تغيير التاريخ وعدم تورط أمريكا في حرب فيتنام ، ولكن الذي حدث هو موت من أرسل !! فلما أرادوا إنقاذه شعروا أن أفضل شيء أن لايغيروا شيء ورجعوا إلى مذهب الخيام والجامعة داوود ( الكل باطل وقبض الريح ) وكأنهم انتهوا مع الفيلم إلى مذهب الجبرية !! ( 9 ) يراجع في هذا كتابه الصحوة الإسلامية في الميزان ( بحث التخلف الفكري وأبعاده الحضارية ص 46 - 47 ) ويعرض فيها أفكاراً قيمة ويتساءل وهو محق في هذا لماذا لم يتوصل المسلمون إلى كشف علمي من خلال آية قبل أن يصل إليه العلم ( 10 ) يراجع في هذا مؤلف مالك بن نبي رحمه الله ( دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين ) وكذلك كتاب شروط النهضة ( 11 ) تجديد التفكير الديني - محمد إقبال - دار آسيا - ص 145 ، وهذه الفكرة تولدت من فكرة عظيمة محورية وهي فكرة إلغاء النبوة حيث يرى فيلسوف الإسلام أن النبوة في الإسلام تبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها ، وبذلك يكون مجيء الإسلام للعالم ، هو إعلان ( مولد العقل الاستدلالي ) حيث تكف المعجزة عن العمل في حياة الناس ، كما كانت مع موسى في انشقاق البحر وإحياء الموتى لعيس ، فالقرآن دشن فلسفة واضحة بعدم اعتماد هذا الأسلوب ، وهو معنى مكرر في كل ثنايا القرآن . ( 12 ) يعتبرصاحبا كتاب العلم في منظوره الجديد ( روبرت أغروس وجورج ستانسيو ) أن نظرية النسبية قادت إلى التخلي إلى الأبدعن فكرتي الزمان والمكان المطلق - عالم المعرفة عدد 134 - ص 21 ( 13 ) الكون الأحدب ص 37 وعبد الرحمن مرحبا ص 75 ( 14 ) أبرز العلماء الفرنسيين الذين نشروا النظرية النسبية وروجوا لها في فرنسا ( 15 ) عبد الرحمن مرحبا ص 80 ( 16 ) تمت في كليفلاند عام 1881 م وكررت في كل فصول السنة وفي كل الاتجاهات وتبين ثبات سرعة الضوء - مرحبا ص 65 ( 17 ) كتاب التنبؤ العلمي ومستقبل الإنسان - د . عبد المحسن صالح - عالم المعرفة - ص 23 ( 18 ) العلم في منظوره الجديد ص 16 و 15 و 19 ( 19 ) التنبؤ العلمي ص 22 ( 20 ) الحديث : إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لايبولون ولايتغوطون ولايتمخطون ولايتفلون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء )) مروي في الصحيحين ( زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم - الشنقيطي - المجلد الأول ص 71 رقم الحديث 201 ) رواه البخاري ومسلم واللفظ له عن أبي هريرة .
اقرأ المزيد
حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram