- -

قوانين الحرب
في يوم 24 فبراير من عام 2022 تم اجتياح أوكرانيا من الجيش الروسي وتفرق الناس مزعا في التفسيرات، وجاء وقت لمعان الفضائيات المضللة أو تصريحات السياسيين الكذابين، ولأن لي فلسفة خاصة في الحرب فقد عكفت على صياغة حوالي خمس وعشرين قانونا معرفيا لفهم فلسفة الحرب. والحرب الأوكرانية لاتخرج عن هذا الإطار.  القانون الأول: الحرب يشنها واحد من ثلاثة: المتخلفون أو أشباه المتخلفين أو لتأديب المتخلفين. القانون الثاني: قد تغتصب امرأة ولكن لن تنال قلبها أو احترامها بل حقدها الدفين إلى يوم الانتقام. ومافعله بوطين في اغتصاب أوكرانيا لايخرج عن هذا القانون من عالم النفس إلى عالم السياسة.  القانون الثالث: الحرب يمكن أن تخوضها في أي وقت ولكن الخروج منها ليست في يدك ولا في كل وقت تريده. في الحرب الأهلية الأمريكية أحضر الجنرالات زوجاتهم للفرجة في ظنهم أنها مسألة ستة أيام فدامت ستة سنوات بكلفة 600 ألف قتيل. كذلك الحال مع الإمارات والسعودية وحربهم في اليمن ضد الحوثيين. القانون الرابع: تختصر الحرب هي في ثلاث كلمات: جريمة وجنون وإفلاس أخلاقي. القانون الخامس: لن يعطيك خصمك سلاحا تتفوق به عليه. وإن أعطاك فهو يستخدمك ضد آخرين للتجريب وأحيانا للخذلان كما في فئران التجارب. لنتذكر دبابات صدام T72 ومدى المدفعية مع دبابات ابرامز الأمريكية التي كانت أبعد مدى فاصطادت دبابات صدام مثل طيور الحجل. أو مد الأفغان بصواريخ ستينجر لصيد طائرات الروس وحرمان سوريا منها فنزلت فوق رؤوسهم كالحميم يصهر به مافي بطونهم والجلود من سبعين ألف برميل. القانون السادس: كانت الحرب فيما سبق سعيا وراء مغنم وكسب واليوم يقول الاستراتيجيون يجب تجنبها قبل أن نعلق في أوحالها. القانون السابع : كل من يخوض الحرب خاسر ماليا وقبلها أخلاقيا وما تجر من ويلات وآهات وآثام. القانون الثامن: الانفلات والتزحلق من الحرب التقليدية إلى الحرب الذرية وارد في كل لحظة مع الحماقة. القانون التاسع: الحرب العادلة تتطلب أربعة شروط حسب الجنرال البريطاني ديفيد فيشر في كتابه الحرب والأخلاق: قضية عادلة + نية حسنة + قوة مخولة + كآخر خيار. والقضية العادلة بدورها لها اربعة حقول: الإبادة الجماعية + التطهير العرقي + جرائم حرب + جرائم ضد الإنسانية. القانون العاشر: حين تنزلق الثورات إلى التسلح فالحرب الأهلية يصبح مصيرها بيد من يملك السلاح والتمويل، وقبلها مايريده هو لا أنت والثوار. القانون الحادي عشر: الحرب الذرية تعني نهاية الحضارة في ثلث ساعة، ولا أحد يريد الفناء؛ فأي بقعة على وجه الأرض يمكن الوصول إليها بالصواريخ المخبأة في المدافن الأرضية (SILO) تحمل الرؤوس الهيدروجينية المتعددة يكفي رأس منها لمسح عاصمة عالمية وما حوت. وحسب جورباتشوف الرئيس الروسي الأسبق أن غواصة نووية واحدة تحمل في بطنها من الطاقة النارية أكثر من كل النيران التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية. القانون الثاني عشر: حين تتسلح الثورات يمكن شراء الثورات والثوار بدراهم معدودة وطيران درجة أولى للمؤتمرات وفنادق سبعة نجوم لتتحول الثورة إلى ثروة المنافقين والعملاء. القانون الثالث عشر: جربت أوربا كل أنواع الحروب الدينية والقومية والعالمية لتعقل وتكف عن هذا الشر. هكذا ولد الاتحاد الأوربي بنصف مليار من الأنام، في بحيرة سلام، ولمع نجم اليور فوق الغمام. القانون الرابع عشر: الحرب هي كل الشر؛ لأنها تعتمد إفناء الآخر ومع ذلك يخوضها البشر حتى تضع الحرب أوزارها. ومنه صدق القرآن حين قال لأدم اهبطوا بعضكم لبعض عدو. مع هذا لم يقل كلكم لكل عدو كما في فلسفة (هوبز) الفيلسوف البريطاني الذي رأى الحل في الملكية المطلقة. القانون الخامس عشر : من أوقف نشوب الحرب العالمية الثالثة الوصول إلى سقف القوة فالكل على بوابة الجحيم خائفين خاشعين من الذل وأفئدتهم هواء. القانون السادس عشر: لن يوقف الحرب في العالم إلا بناء الدولة العالمية وبرلمان دولي تشترك فيه كل دول الأرض عنده قدرة تنفيذ القرارات، حينها  ندخل السلام الأبدي كما في تعبير الفيلسوف (ايمانويل كانط) في كتابه السلام الأبدي (Zum ewigen Frieden). القانون السابع عشر: (قانون جوليفر) تحولت الحرب مع التكنولوجيا إلى  إنسان جوليفر بمعنى العمالقة في أرض الأقزام! لنتصور أن رجلا يدب في مدينة طوله 150 مترا ووزنه 200 طن؟ هل يبقى بشرا سويا؟ وكذلك الحرب وضخامتها لم تعد حربا. كما أن المواجهة بالترس والرمح انتهت فقد يكبس جندي على زر يطلق قنبلة حرارية أقوى من هيروشيما بألف مرة؟ القانون الثامن عشر: نصيحتي للمتحمسين تذكر قول الشاعر العربي الذي وصف الحرب على الشكل التالي:
أول ماتــــــــكون الحرب فتية   تســــعى بزينتها لكل جهول حتى إذا حميت وشب ضرامها  غدت عجوزا غير ذات خليل شمطاء جزت شعرها  وتنكرت  مكروهة للشــــــــم والتقبيل
في الحرب يخسر الإنسان فرديته وحريته واستقلاله وقراره ليتحول إلى قطعة لحم في مجموعة تقتل على الأوامر. والمشكلة هي في ورطة البشر في بناء الدولة المركزية، حيث يتحكم في القرار حلقة ضيقة من القادة ومساعديهم، وهي ورطة وقع في شباكها الجنس البشري منذ ستة آلاف سنة.  لايعرف فظاعات الحرب وأهوالها إلا من ذاقها وتبقى للآخرين في الورق والفيديو والصور الميتة مع الموتى فلا تسمع لهم ركزا. في جبهة السوم في الحرب العالمية الأولى خسر 1265000 جندي حياتهم من البريطانيين والفرنسيين والألمان موعظة للغافلين وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. في حرب الثلاثين سنة في أوربا (1618 ـ 1648) قتل على الأرض الألمانية سبعة ملايين من الناس وعدد السكان 21 مليون ودمر ثمانين ألف قرية ومدينة وأكل الناس الجرذان ولحوم المشنوقين. في معركة كربلاء 5 قتل 65000 شاب عراقي وإيراني وفي حملة الإنفال من أوصل رقم من قتل من الأكراد إلى 180000 ألف ضحية هذا غير المفقودين والمعطوبين والمشلولين. ثمة خطة عند أمريكا لمسح 12500 موقع ومدينة في روسيا إذا وقت الواقعة. في الحرب الكورية طلب الجنرال مك آرثر من الرئيس ترومان 17 قنبلة ذرية لمسح الكوريين والصين فطلب منه الاستقالة. في قصة ولدي آدم من قتل خسر وأصبح من النادمين، وكذلك سيكون مصير أبو البوطين بعد أن يجر أذيال الخيبة من الوحل الأوكراني، وقد يأتي من انقراض أجله  تحرير السوريين المظلومين بعد انقضاء أجل الطاغية أبو البوطين.  
اقرأ المزيد
قصة إسلام الصحفية البريطانية رايدلي 
في عام 1991م كان الغزالي رحمه الله يخطب في مكة ويعرض وساطته لإنهاء النزاع ، في الوقت الذي اجتمع في بغداد زعماء مهمون للحركات الإسلامية شدوا النصوص لطرفهم بعدم الاستعانة بكافر، ومن أنهى النزاع كانت أمريكا فأخرجت صدام من الكويت، ولم تخرجه الفتاوى ولا النصوص. وفي أي خلاف يحاول كل طرف تجنيد كل الأدلة النقلية والعقلية لطرفه، والكل متحيز متعصب، وقد يكون أقلهم تحيزا من ينتبه لنفسه أنه متحيز.  والمسلمون يحتجون بإنجيل (برنابا) ولكن لم يكن الجدل بالنصوص يوماً هاديا ودليلا للحقيقة، وفي أوربا خضعت النصوص للدراسة النقدية ولم تكن عملية مريحة بل عملية قيصرية وحروب دينية، وهو أمر يحدث في كل ثقافة تريد تجديد نفسها. والحقيقة ماضية مهما علاها الغبار، ولم يفقد الذهب قيمته على الرغم من فكه عن الدولار منذ السبعينات، فهو الملجأ في كل خطر، وقيمة القرآن قيمة كونية مثل حقائق الوجود والشمس والقمر، فلا ينبغي الخوف عليه. والقرآن له منطق داخلي، وبنية موضوعية خاصة به تتعالى على كل تفسير، ويتكسر عندها كل معنى نهائي، فالقرآن سحر كل من قرأه وأدخل في الإيمان به أناس لا حصر لهم، وبقوة إقناع ذاتية، وهو منبع للطاقة يكهرب إرادة الجموع. وكتب التفسير التي وضعت حول القرآن زادت عن عشرين ألفاً، ولكن لم يزعم أحد أنه قنص الحقيقة النهائية، وما كتب حتى الآن يحتاج إلى مزيد، ويجب الإسراع بوضع تفسير جديد بتسخير العلوم الإنسانية المساعدة، فلا يمكن فتح جمجمة اليوم بأدوات فرعونية، كما لا يمكن فهم الآيات بتفسير ابن كثير، وهو ليس إنقاصا من قدر الرجل، ولو كان حاضرا لكتب لنا الجديد، والعيب فينا أن نتوقف عنده، فيجب تسخير علوم شتى مثل التاريخ والجيوبوليتيك في معنى غلبت الروم وظهور الإسلام تحديدا في هذا الوقت، أو الكوسمولوجيا في مكان عاد. والفيزياء الكونية لخلق الكون، وعلم النفس في الإيمان، وعلم الاجتماع في التغيير السياسي. أو علم البحار لكشف طوفان نوح، وأن يكتب هذا بالصوت والصورة مع أشرطة الفيديو والأقراص المدمجة، وهو مشروع اطمح أن أحققه في حياتي فأحقق قفزة نوعية. وهو المعنى الذي تحدث عنه (جيفري لانج) أستاذ الرياضيات الأمريكي، الذي كان ملحدا فشرح الله صدره للإيمان وكتب (الصراع من أجل الإيمان) ووصف القرآن بأنه عالم نفس صارم دقيق يكشف خبايا النفوس ويدفع للتغيير، وإن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم. وهناك من يظن أن الباطل والحق لو أعطوا فرصا متساوية انتصر الباطل، وهو ظنهم بربهم الذي أرداهم. وما يبديء الباطل وما يعيد؟  ومن يحول بين انتشار الإسلام والناس هم المسلمون، كما جاء في قصة إسلام الصحفية البريطانية فوني رايدلي Yvonne Ridley التي اعتقلها الطالبان، ففي المقابلة التي أجرتها معها مجلة در شبيجل الألمانية عدد 42 2002م سألتها: لقد كنت لمدة عشرة أيام رهينة الطالبان بعد أحداث 11 سبتمبر والآن تعلنين اعتناقك للإسلام لماذا؟ قالت رايدلي: عندما كنت في أفغانستان رهينة روعت بمنظر الطالبان وقسوتهم، وصرخت في وجوههم كي يطلقوا سراحي، سأل فريق الشبيجل مجددا: "ولكن الغريب في قصتك الآن هذا الحب للإسلام؟". أجابت رايدلي بطمأنينة: " ما زلت اذكر اليوم السادس من اعتقالي عندما جاء إلي إمام من الطالبان وسألني إن كنت أريد اعتناق الإسلام؟ عندها أصبت حقاً بالرعب لأن قولي لهم لا بالرفض يعني إهانة دينهم، وإن قلت له نعم خنت ضميري، فاخترت الحل الوسط ، فقلت لهم أنني سوف أقرأ القرآن بعد إطلاق سراحي. وكان وعدا. قالت مجلة الشبيجل معقبةً: الوعد وعد. أجابت رايدلي: هذا مؤكد. تابعت رايدلي: "في البدء كان مشروع إطلاع أكاديمي، ولأنني بروتستانتية متدينة، فقد حرك مشاعري المناظر التي رأيتها في فلسطين من تطويق كنيسة مولد المسيح بواسطة القوات الإسرائيلية، ولم يتحرك رجل دين مسيحي ليقول شيئاً أو يدين الفعل. عندها شعرت بأن المسيحية فشلت. قالت لها مجلة الشبيجل: هل تعتبرين الإسلام بديلا؟ قالت رايدلي: على سبيل المثال قرأت ما يتعلق بحقوق المرأة في الطلاق فاكتشفت أنه لو أرادت هوليود إخراج فيلم بمحامي بارع لما نجحت فيما نجح فيه القرآن؟! فتعجبت في نفسي وقلت لا يمكن أن يصدق المرء أن هذه النصوص قديمة. سألت الشبيجل بخبث: وماذا عن دور المرأة؟ أجابت رايدلي: إنه شيء مختلف عما كنت أفكر به بادي ذي بدء، واليوم أعرف الكثير من النساء المسلمات اللواتي يدعمن بعضهن بعضا، بما يجعل حركات تحرير المرأة في بريطانيا ليست بذي بال. والقرآن بذاته ليس المشكلة فيه وفي نصوصه ولكن ما يفعله به البعض من التأويل المحرف. ولقد تمنيت بعد إطلاعي على القرآن والأشياء الكثيرة التي تعلمتها عن الإسلام أن أكون قد عرفتها من قبل حتى أنوِّر بها عقول الطالبان. هذه القصة تحكي ثلاث حقائق: أن من يقف أمام انتشار الإسلام هم طوائف من المسلمين. وأن ترجمة القرآن ونشره في العالم أهم من كل عمل انتحاري ونسف سفارة وتفجير مرقص وحانة وحرق دكان أشرطة فيديو. وثالثا أن الإسلام ينتشر بقوته الذاتية فمع كل ضعف المسلمين يدخل الناس في دين الله أفواجاً. وكذلك فعلت الصحفية (رايدلي) فقد رفضت إسلام الطالبان فلما رجعت إلى النبع الإلهي ولت إلى قومها منذرة فقالت يا قوم إني سمعت كتابا أنزل من بعد المسيح يهدي إلى صراط مستقيم يا قومي أجيبوا داعي الله.
اقرأ المزيد
مصير الحرب .. إلى أين ؟ (3) 
يقول غورباتشوف (( الحرب النووية لايمكن أن تكون وسيلة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وإيديولوجية أو أي أهداف أخرى وتكتسب هذه الخلاصة في الحقيقة طابعاً ثورياً كونها تعني قطعاً نهائياً مع التصورات التقليدية حول الحرب والسلام ، فالوظيفة السياسية للحرب كان تبريرها عقلانياً أما الحرب النووية فهي عقيمة وغير عقلانية ففي النزاع النووي لن يكون هناك رابحون وخاسرون لإن الحضارة العالمية سوف تفنى فالنزاع النووي ليس حرباً بالمفهوم التقليدي بل هو انتحار )) ( 9 ) وانتبه الرئيس الأمريكي ( آيزنهاور ) إلى هذا التحول النوعي منذ عام 1956 م فأشار إلى أن الخيار المفتوح أمام الجنس البشري هو بين الموت والحوار وبأن عصر التسلح قد ولى ؟!   وإذا كان العالم قد وصل إلى هذه المرحلة في ضوء هذه البانوراما فلماذا تحدث الحروب التقليدية هنا وهناك في البوسنة وراوندا ، في اذربيجان والشيشان ؟؟ سألت زوجة الدكتور كامل بشغف لتسمع الإجابة فكل الشرح السابق لم يعطها برد اليقين . إن هذا يتطلب إلقاء الضوء في زاوية جديدة مختلفة عن المسار الذي شرحناه وقدمناه . وهي تشمل الباقة الزهرية الفكرية التالية من حديقة الفكر : ( 1 ) تقول الفكرة الأولى : إن العالم الذي نعيش فيه قد تحول إلى شريحتين متميزتين ، الشريحة الأولى مضت في الشوط حتى منتهاه ، وطورت كل الأسلحة التي تخطر على البال ولاتخطر ، فوصلت إلى هذه الحقيقة التي قررها الرئيس الأمريكي ( آيزنهاور ) أي أنه لاسبيل إلى حل المشاكل عن طريق القوة المسلحة ، وفض النزاعات عن طريق الحروب ، ولذا توقفت عن استعمال القوة فيما بين بعضها بعضاً ، وهكذا اقتربت فرنسا وألمانيا مع كل العداوات التاريخية القديمة ، وتشكلت الوحدة الأوربية التي يزداد أعضاؤها كل يوم ، بحيث تتحول البحيرة الأوربية مع كل يوم إلى بحيرة سلام ، وأرض تفيض عسلاً ولبناً . والشريحة الثانية التي لم تدرك طبيعة التحول النوعي الذي دخله العالم بتطليق القوة ثلاثاً لارجعة فيها ، فهو وإن كان يعيش بيولوجياً في نهاية القرن العشرين ولكنه مازال يعيش عقلياً في القرن التاسع عشر ، فهي شريحة منتسبة إلى العهد العتيق ؛ عصر الغابة والهراوة والسيف والترس وامتداداتها من سبطانة المدفع أو التلمظ لـ ( صنم ) السامري الجديد ، سلاح شمشون الجبار ، القنبلة النووية ، التي يفككها من بدأ بصناعتها ، ويندم على مليارات الدولارات التي أنفقها في إنتاجها ، ويعلم علم اليقين أنها سلاحاً ليس للاستخدام ، فهي صنم السامري الذي له خوار ( فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار ) ولكنه لايضر ولاينفع ولايملك موتا ولاحياة ولانشورا ، ولو كان للاستعمال لاستخدمته أمريكا في أشد الظروف حلكة ً ، في حرب فيتنام وكوريا وسواه . ( 2 ) وتقول الفكرة الثانية : إن عيوننا ترى العجيب والمتناقض الآن فهناك تياران في العالم ، الأول يرمي بالسلاح ويتخلص منه ، بعد أن شعر أنه صنم لايضر ولاينفع ، وبدأ  يكتشف أن أعظم سلاح هو الانسان الجديد المسلح بالعلم والسلم ، فهما الجناحان اللذان سوف يطير بهما إلى عالم المستقبل ، وتيار يكدس السلاح ويشتريه الليل والنهار ، بل والمضحك أكثر ، أن الفريق الأول يفكك السلاح الاستراتيجي فلايبيعه ، ويبيع السلاح السخيف ، فيقبض عليه أموالا وفيرة ، وهكذا أنفق العالم العربي في تكديس السلاح السخيف ودفع ( مليون مليون = تريليون ) دولار في مدى العشرين سنة المنصرمة ومازال ، كل ذلك بسبب هذه العمى التاريخي عن المتحولات الخطيرة في صيرورة التاريخ ووقع أحداثه . ( 3 ) وتقول الفكرة الثالثة : إن هذه اللعبة العجائبية والمسلية ، يدركها أساطين السياسة ، ودهاة التخطيط الاستراتيجي في العالم الغربي علم اليقين ، ولكنهم يحاولون المحافظة على هذا الوضع إلى أبعد مدى وأكبر وقت ممكن ، لقناعتهم الراسخة أنه في الوقت الذي يبطل فيه سحرهم سيخسرون امتيازاتهم ، ويتراجع مركزهم في العالم ، ليزيحوا المكان لقوى عالمية جديدة . ولذلك فإنهم يحافظون بل ويشعلون الحروب هنا وهناك ، لقناعتهم الكاملة أنها كلها حرائق مسيطر عليها وأماكن تجربة لحصر القوى الجديدة أن تبقى بعيداً عن الفهم الجديد ، ولذا فكل الحروب التي تشتعل هنا وهناك ، يجب أن نعلم أنها ليست تحت سيطرتنا ، بل تحت سيطرتهم ، وحتى عندما نبدأها فنهايتها ومصيرها ليست بأيدينا بل بأيديهم ، فهم ينصرون من يرون أن من مصلحتهم نصره ، ويخذلون من يرون في خذلانه فائدة لهم ، وإذا أرادوا أن يمدوا في حرب قرابة عقد من السنين لتصبح أطول من الحرب العالمية الثانية فلا حرج ،  كي تجري فيها جنباً إلى جنب مصالحهم ودماء الآخرين ، واللعبة هي بين خبث الذكي وبلادة الغبي ، ولكن الملام الأكبر هو نحن المغفلين ، ( 4 ) وتقول الفكرة الرابعة : طالما هم الذين ( يدركون ) و ( يستطيعون ) فلماذا لايطفؤون الحرائق ، أو لايشعلونها على الأقل ، وجواب هذا هو أن العالم الذي نعيش فيه كما وصفه المؤرخ البريطاني توينبي يعيش حالة فراق بين العلم والقيم ، فالعلم شق الطريق إلى السلم ، كما فعلت التكنولوجيا الجديدة من ربط الناس وسرعة الاتصال وتطوير الأجهزة ، ولكن الذي حصل هو أن السياسيين مازالوا لم يقفزوا نفس القفزة النوعية التي قفزها العلم ، فهم مازالوا يريدون وضع  الطاقة الجديدة في القربة القديمة ،، فمسلمة ( كلاوسفيتز ) القديمة في فن الحرب ، من أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل جدبدة ، قد طواها الزمن وأكلها العث ، ولكنها مازالت حية في أذهان الكثيرين الذين لم يعوا التحول الجديد . ومن هنا فإن المفكرين والفلاسفة يسبقون عصرهم ويتركون آثاراً بعيدة ، فلايظهر أثرهم إلا قليلاً في عصرهم الذي عاشوه ، فابن رشد مازال يعيش في ذاكرة التاريخ في الحين الذي لانذكر الحاكم أو الدولة التي كان يعيش فيها .
اقرأ المزيد
مصير الحرب .. إلى أين ؟ (2) 
إن الحرب هي التجلي الأعظم لإلغاء الإنسان أخيه الإنسان ، فعندما يختلف اثنان هناك طريقان لاثالث لهما لحل المشكلة القائمة بينهما ، إما محاولة التفاهم بحيث يغير الآخر موقفه من تلقاء نفسه وبقناعته الخاصة ، وإما باستخدام أساليب ( الاكراه ) للآخر بصور شتى لاتنتهي ، فالعنف يبدأ من الكلمة وينتهي بالرصاصة ، وأشكال السلوك العنيفة لاتنتهي من رفع الصوت وحدة النظر والتوتر والانفعال والتآمر والكراهية والغضب والحقد والخبث والضرب والأذية ، وتتوج في النهاية بالإلغاء الكامل والتصفية الجسدية ، فالحرب هي الصورة النهائية والتجلي الختامي لحذف الآخر الذي لانعترف بوجوده ، نحذفه من الوجود بالسكين والمسدس والقذيفة والسلاح النووي والكيمياوي؟! فهذه هي فلسفة الحرب وجذر العدوان .  الحرب قديمة قدم الإنسان والحضارة ، وتشكلت كخطأ ( كروموسومي ) مع بداية تشكل المجتمع الإنساني ، فمع الحضارة ولدت الدولة ونشأت المؤسسة العسكرية الذكورية ، ومع ولادة التخصصات في المجتمع وتطور التقانة نبتت العلوم العسكرية والتكنولوجيا الحربية ، وبتعانق هذا الثالوث المشؤوم ( المؤسسة + العلوم + التكنولوجيا ) ولدت الحرب من رحم العنف ؛ صغيرة ضعيفة لتكبر وتنمو بأشد من السرطان والغيلان ، بل إن مجتمعات بكاملها تحولت لفترة طويلة أو قصيرة إلى مجتمعات عسكرية بالكامل كما حدث مع مجتمع ( اسبرطة ) القديم والذي أصبح مضرب مثل السوء ، مقابل مجتمع ( أثينا ) مركز العلم والفلسفة والفنون . ومع تطور آلة الحرب وعلوم استخدامها ، وضخامة المؤسسة العسكرية واستفحالها وتغول الدولة ، تفجرت الحروب والصدامات كتحصيل حاصل وكنتيجة حتمية ، وكلها تحت ستار ( الدفاع ) عن النفس المشروع ، أو أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع ، وبآلية الاستعداد المزدوج للدفاع يتشكل برميل البارود الذي لايحتاج لأكثر من عود ثقاب كي يتفجر ، فكانت الحرب كما وصفها ( غاستون بوتول ) بنت الحضارة وقاتلتها بنفس الوقت فالحروب قررت مصير العديد من الدول والامبراطوريات فارتفعت لتسقط بعد حين وبنفس الآلية . ومرت دورات الحرب لتفرز أسلحة جديدة تنفع سواء في الصدم أو الوقاية أو الحركة ، وهكذا طور الآشوريون العربة الحربية ، واستخدم هانيبال الفيلة ، وطور الاسكندر نظام الفالانكس ببراعة ، واستخدم الرومان نظام اللجيون بدقة وتفوق ، وفتح الاتراك القسطنطينية بالمدفع الجبار ، وحول كل من جنكيزخان وهتلر جيوشه إلى فرق محمولة سواء بالخيالة أو البانزر ( الدبابات ) ، ومع دخول النيران سقطت القلاع والحصون ، وبتطوير المدفع الرشاش هزم الانكليز دولة التعايشي خليفة المهدي في السودان ، كما حصد الرشاش أرواح مايزيد عن ستين ألفاً من خيرة الجنود البريطانيين في الحرب العالمية الأولى وفي 12 ساعة فقط ( معركة السوم ) ، ثم حصل التحول النوعي عندما انتشر الفطر النووي فوق سماء هيروشيما معلناً وصول الإنسان إلى سقف القوة ، ممتلكاً هذه المرة سلاحاً ليس كالأسلحة ، فهذه المرة وضع يده ودفعة واحدة على الوقود النووي وأصبح مصير الجنس البشري برمته مهددا بالفناء ، فمع تطوير الجيل الثاني من السلاح النووي ( القنابل الحرارية النووية الالتحامية من عيار الميجاطن ) أصبح بالإمكان مسح عاصمة دولة عظمى تضم 20 مليون نسمة ؟؟؟!! وتحويل سطح الأرض في النهاية إلى مايشبه سطح القمر بدون شجر أو مدر ، وتحويل الكرة الأرضية إلى جمهورية من الأعشاب والصراصير والعقارب ربما ؟!  . تعتبر الحرب حسب تعريف المعهد الفرنسي لعلم الحرب أنها كارثة ذات ( 18 ) ثماني عشر وجه فهي : (( هيمنة وتأكيد مبدأ المانوية وعدم الاعتراف بالغير بل وإنكار وجوده واندلاع العنف وغياب الحق والمخاطرة بحياة الإنسان وتدمير الثروات المتنوعة وتكريس جميع النشاطات للمجابهات الدموية وأفضلية اللامعقول على المعقول والمطلق على النسبي في إطار عقلي شمولي ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة والفوضى واشتداد الأزمات والدم والعرق والدموع واللقاء الحتمي مع الموت وانقطاع أحمق يبرهن على فشل العقل والقلب )). مع كل صورة ( التنين ) ذو الألسنة النارية الثمانية عشر هذه كما تتكلم الأساطير ، فإن الإنسان يخطط لها ويبرمج ، ويسعى لها ويحفد ، يتدرب ويستعد ، فالثكنات العسكرية كلها للتدريب على قتل الإنسان أخيه الإنسان ، والأسلحة المرهفة الثاقبة والمفجرة قد أعدت بعناية فائقة لنسف الإنسان وتقطيعه ؟؟!! لعل أخطر مرضين أصيب بهما الجنس البشري هما ( الرق ) و ( الحرب ) فالحرب كانت تفرز الرقيق ، والرق كان ( الآلة القديمة ) فعضلات الإنسان كانت هي الآلة المستخدمة في حرث الأرض وحصد المحاصيل وتربية الحيوان والنقل وماشابه ، وبدخول الإنسان عالم الصناعة كان إلغاء الرق محصلة طبيعية ، فلولم يُلغ الرق قانوناً لألغته الآلة عملياً ، فاختراع الإنسان الآلة وفر الجهد البشري ، فكان تحرير الرق تابعاً لهذا التطور النوعي ، وبنفس هذه الآلية يزحف الإنسان ببطء إلى إلغاء المرض الثاني ( الحرب ) وكل توابعها وتأثيراتها على الإدارة والعلوم والفنون . وهذا التطور الجديد يحتاج بالتالي إلى فكر جديد فلم تعد أوعية الفكر وأساليبها العتيقة مناسبة للعصر النووي ، فلابد من استراتيجية فكرية مناسبة للتطور العلمي الجديد .
اقرأ المزيد
مصير الحرب .. إلى أين ؟ (1) 
مع كتابة هذه الأسطر يمسك العالم أنفاسه على احتمال حرب بين روسيا وأوكرانيا مما دفعني إلى وضع بانوراما عن حماقة الحروب وانها ثلاث: جنون وجريمة وإفلاس أخلاقي. وقد يستغرب القاريء لو قلت له : إن زمن الحرب قد ولَّى وأننا نطأ بأقدامنا عتبة ( عالم السلام ) ونحقق علم الله القديم فينا وسيعتبرني بعضهم مسرفاً في التفاؤل أو غير واقعي بل قد يرى البعض أنني أتكلم ضد التاريخ وأحداث العالم !! نعم قد يختلط هذا الأمر على كثير من الناس وهم يسمعون طبول الحرب ويرون فرقعات السلاح في أرجاء المعمورة ، ولكن الغوص الصبور والتأمل الفاحص في بطن الواقع ، سيكشف الغطاء عن بصيرتنا ؛ أن هذه المظاهر هامشية وجانبية أمام زخم التدفق العام لحركة التاريخ ، فهذه الفرقعات هي بقايا فلول جيش منهزم أومحتضر في سكرات الموت ، فالعالم أصبح الآن وكأن رأسه في عالم السلام وقدماه ملوثتان في برك الدم وهو يخرج منها ، فدماغه مع العهد الجديد ، وأطرافه مازالت في العهد القديم ، وعدم تصديق هذا التحول النوعي الجديد يأتي من عدم حضور العالم و ( شهود ) مايحدث فيه ، والكهنة ( الجدد ) للعالم الصناعي يدركون تماماً أن سحرهم قد بطل وأن أصنام القوة لاتضر ولاتنفع ، ولكنهم يحاولون احتكار الامتيازات في العالم الجديد حتى الرمق الأخير . مازلت أتذكر الدكتور كامل رأسه متألماً على وضع مدينة ( جروزني ) وبوطين يحولها إلى أنقاض ويتصاعد منها رائحة البارود وتسقط في بركة دم . وعقبت زوجته قائلة : يحق لهم أن يدافعوا عن أنفسهم ؛ فالروس سمحوا باستقلال الكثير من الجمهوريات فلماذا يحرمون منها الشيشان؟ صديقنا بوطين كان رئيس قسم الستازي بعشرين ألف غرفت تنصت على مواطني ألمانيا الشرقية. إن صورة الدمار والحروب في بؤر التوتر والنزاع تشوش البانوراما ( الصورة الشمولية ) التي رسمناها عن مصير الحرب وزوال المؤسسة العسكرية ، فماذا نقول عن مذابح راوندا والبوسنة ؟ وصراع اذربيجان والأرمن ؟ والحرب الأهلية في الصومال وأفغانستان ؟ بل ماذا نقول أمام شهادة ( ويل ديورانت ) وهو المؤرخ الحجة في التاريخ الذي يقول في آخر كتاب صدر له : (( الحرب أحد ثوابت التاريخ لم تتناقص مع الحضارة والديموقراطية فمن بين السنوات الحادية والعشرين بعد الثلاثة آلاف والاربعمائة سنة الأخيرة ( 3421 ) من التاريخ المسجل لاتوجد سوى ( 268 ) سنة بغير حرب)) فعلى حساب ديورانت المذكور يصبح تاريخ الجنس البشري في غاية الظلام والإحباط ، لإنه مع كل دورة ( 14 ) أربع عشرة عاماً في التاريخ تلطخت ( 13 ) ثلاثة عشر عاماً منها بالدم الإنساني وسكت منجل ( عزرائيل ) ملك الموت سنة واحدة فقط ؟! فإذا أخذنا هذه الصورة القاتمة لم تكن الوحيدة من مآسي التاريخ المروعة ، وجعبة التاريخ مليئة من مثل تدمير حضارة الازتيك في المكسيك على النحو الذي رسمه ( تزفيتان تودوروف ) في كتابه ( فتح أمريكا مسألة الآخر ) ( 3 ) حيث كشف النقاب بعد مرور خمس قرون ومن خلال استنطاق نفس النصوص التاريخية للغزاة الاسبان ( المبشر لاس كاساس ) عن إبادة ( 80 ) ثمانين مليون من أصل ( 100 مائة ) مليون نسمة كانوا يعيشون في الأمريكيتين ، تم إبادة معظمهم على يد الاسبان والبرتغاليين . أم ماذا نقول عن حصار قرطاجنة وذبح معظم سكانها على يد الرومان عام 164 قبل الميلاد وحمل ماتبقى منهم عبيداً إلى ساحات المجالدين لتسلية الرومان المتخمين ، أم ماذا نتكلم عن تراجيديا شعب ( الوبيخ ) من شعوب شمال قفقاسيا المجاورة لمنطقة الشيشان الحالية ، الذي لم ينقل إلينا خبره إلا رجل واحد فقط ، سجل النهاية المروعة لذوبان أمة بأكملها في قصة ( آخر الراحلين ) بحيث تنقل لنا بوضوح مآساة شعوب شمال قفقاسيا في منتصف القرن التاسع عشر ، بنزوحهم عن موطنهم  الأصلي وتفرقهم في تركيا والأردن وسوريا ومصر هذه القصة من قصص التراجيديا التي لاتقترب منها قصص التراجيديا العالمية بشيء ، لاقصة البؤساء أو قصة عاصفة وقلب ( 6 ) لــ ( فيكتور هوجو ) ، لاقصة ماجدولين للمنفلوطي ، أو قصص ديستوفسكي وتولستوي ، لإنها رواية شعب يفنى بكامله فلايبقى حتى من يقص خبر اختفاءه من سطح الأرض ، إنها ليست قصة عاطفية ومأساة فردية ، بل هي مصير أمة ونهاية شعب بالكامل ، إنها قصة يصاب من يقرؤها بالصدمة ولايتركها إلا وقد بكى مرات ومرات ..  وروعتها أنها ليست قصة من تأليف الخيال ، بل هي مأساة واقعية حدثت بالفعل ، عن تاريخ الإنسان الوحش وبطشه بأخيه الإنسان .. إلى درجة أن البعض فكر أنه من الأفضل للانسان أن يهرب من المجتمع ويرجع إلى الغابة التي خرج منها مرة أخرى ، فثعابين الغابة ووحوشها أرحم من بطش الانسان وظلمه ... ويروي لنا القرآن قصة فتية الكهف الذين هربوا إلى الجبال ولجأوا إلى الكهوف ، لإنهم توقعوا شر ميتة فيما لو عادوا إلى قومهم ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ) كله بسبب الخلاف في الرأي ، حتى ضنوا بالكلب أن يعيش في ذلك المجتمع ، فمجتمع من هذا النوع ليس فيه الضمانات حتى للحيوان ؟! ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعبا ) ولاغرابة في هذا الكلام فالمجتمع الإسلامي لاتموت فيه القطط جوعا والكلاب هرسا بدواليب السيارات ، بل يغفر الله لمن سقى كلباً عطشاناً ودخلت النار امرأة أجاعت قطة حتى الموت  . ولكن صبراً فهذه ليست القصة ولاكامل الجرعة ، فلابد من تملي الصورة جيداً ورؤية التاريخ الإنساني في ضوء جديد ... والسؤال الكبير والمحير والذي اجتهد الفلاسفة والمفكرون في تحليله هو لماذا الحرب ؟ كيف يقتل الإنسان أخيه الإنسان ؟ كيف نشأت الحرب وتطورت ؟ أين نشأت وماهي ظروف تكوينها الجنينية ؟ وماهي جذور العنف والحرب عموماً ؟ ثم إلى أين وصلت اليوم ؟ وماهو مصيرها في المستقبل ؟  
اقرأ المزيد
سبينوزا ورسالته في تحسين الفهم 
في أول كتابه (رسالة في تحسين العقل) يذهب الفيلسوف (باروخ سبينوزا) أن الناس يركضون بأشد من ضباح الخيل، وتهافت الفراش على النار، على ثلاث مصادر، أنها أكيدة، ويقينية، ومضمونة، لسعادة لا تعرف النفاد هي: (المال ـ الشهرة ـ الشهوة). ولكنها لا تزيد عن سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء . ثم يمضي فيلسوف التنوير في شرح الأفكار الثلاثة. أن الشهوة مرض والمال يزول والشهرة تتكسر فأين إذن السعادة الدائمة والشاملة الغامرة؟ وما كتب الرجل في حياته لم تتجاوز أربعة كتب، ومات عن عمر 42 سنة، منفوثا بالسل، بعد طعنة سكين في رقبته من المتعصبين، أنه يريد إثبات عدم وجود الله ؟ والرجل كان تقيا نقيا زاهدا، عميق التصوف، بحراً في الفلسفة، قال عنه ديورانت: أن نابليون، كان أنفع له من كل الفتوحات العسكرية، لو ألف أو قرأ طرفا مما كتب الرجل، ولكن العسكريين في العادة، في جلّهم، مغامرين متهورين، ضحلي الثقافة، عظيمي التأثير في حياة الناس، بكل أسف . فهذه هي سخرية التاريخ. وكلفت سبينوزا أفكاره أن يُلعن كل من اقترب منه أربعة أذرع، أو أكل معه، أو شرب، أو نام معه تحت سقف واحد، أو قدم له يد المعونة في دواء وغذاء. ولكن كتاباته تبقى محطة لكل من ارتاد مغامرات العقل الإنساني عبر العصور. وفي مطلع البحث يقول أن السعادة يجب أن تحقق ثلاث أمور: أن تكون أكيدة (حقيقية) غامرة، بهيجة، تقلب الحياة قلبا، وتضعها باتجاه على سكة، تاركة بصماتها على التصرفات؛ فالسعادة نور داخلي قبل كل شيء. وان تكون (مستمرة) متدفقة لا تعرف التوقف والكبح والمحدودية. وأن تكون (شاملة) تغطي الحياة وما حوت، والمشاعر وما أخفت. وبالطبع فإن سعادة من هذا النوع لا يصل إليها إلا ثلة من الأولين وقليل من الآخرين؛ ويسميها علم النفس الحديث (تحقيق الذات Self actualization)؛ فالنفس تبقى في توتر ثلاثي، قبل الهدوء والراحة؛ فتنتقل كما يقول الغزالي في كتابه (معارج القدس في مدارج معرفة النفس)، من النفس (الأمّارة بالسوء)، إلى (النفس اللوامة)، إلى (النفس المطمئنة)، التي تدخل الجنة قبل دخولها . يقول سبينوزا يظن البعض أن الثروة تخلق السعادة، وهي جزء من الحقيقة، وليست كل الحقيقة، فنحن في الدنيا نركب زورقا باتجاه هدف، وحاجات الحياة لا بد منها، ولكن هناك من يريد البقاء في الزورق، أو بناء قصر فوق قنطرة يعبرها، كما يقول بوذا، وكل الألم يأتي من عدم إدراك هذه الحقيقة، والعمى فيها  يضيع لب التنوير. ويلتقي هنا مع الحديث الذي يقول: ما لي وللدنيا إنما أنا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها. فليس أغنى من (كريستينا) بنت (أوناسيس) إمبراطور ناقلات البترول اليوناني (Tycoon)، الذي تزوج (جاكلين كيندي)، وجعلها تنفق كل نهار، خمسين ألف دولار لشراء الملابس علها تشبع؟ فلم تشبع ؟ وماتت ابنته (كريستينا) وريثة ثروته، التي فاقت ثروة قارون انتحارا وقهرا وغماً. وجربت أكثر من زيجة ففشلت، وطردت ذكور النحل من حياتها، المتراكمين حولها من أجل ثروتها، وانتفخت بالسمنة والملل فلم يغن عنها شيئا، وماتت في أبأس حال. وفي يناير من عام 2010 م أعلن عن موت (كيسي جونسون) حفيدة إمبراطور الشركة الدوائية، وابنة الرجل الذي اشترى نادي نيويورك بـ 630 مليون دولار، وتقول الفتاة قبل موتها ليس من ثمة تعاسة أعظم من ملك ثروة ليس لها نفاد. والقرآن يقول ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر. وهكذا فلو كان المال (شرفا) لكان قارون سيد الأنبياء، فخسف الله به وبداره الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله، وما كان منتصرا. ويظن البعض أن (الشهرة) سبب للسعادة، ولو كان ذلك صحيحا، لكانت (مارلين مونرو) الممثلة الأمريكية، الشهيرة  الجميلة، صاحبة الحسن والدلال والإغراء،  سيدة السعداء، ولكنها أنهت حياتها بالانتحار ؟! ولو كان (النفوذ) سببا للسعادة لما أنهى وزير المالية الفرنسي (فوكيه) زمن الملك لويس الرابع عشر، الملقب بملك الشمس، حياته في زنزانة انفرادية، في جبال الألب. أو العديد من الوزراء، والمسئولين الكبار، وهم يرتعدون فرقا كل حياتهم في المنصب، وخارج المنصب !. ويروى عن (نيكيتا خروتشوف) أن ما أبقى رأسه فوق كتفيه، أنه تحول إلى (مهرج) في حفلات ستالين، فكان الطاغية يصب على رأسه  الفودكا، ويضحك ملء شدقيه . ويظن البعض أن (اللذة) هي السعادة، ومنه دعا الفيلسوف اليوناني (أبيقور) إلى اغتراف اللذات في الحياة، وينقل عنه قوله، عندما يحضر الموت فلن نكون موجودين، فلم الخوف من زائر مرعب لن نتلاقى معا؟ ومن أثينا خرج الفلاسفة (الكلبيون)، الذين دعوا الناس من أجل الراحة أن يقلدوا أخلاق الكلاب. وهي ليست مزحة؟ وأكبر نموذج في اغتراف اللذات، شاعر الجاهلية (طرفة بن العبد) و(عمر الخيام) اللذين رأيا في الحياة، تلك الفترة القصيرة، التي هي أقصر،  من أن نقصرها بالترهات، فيجب ملء كأسها بالملذات دهاقا. ولكن الملذات (مشكلة) من جهتين؛ فالإفراط في تعاطي الكحول، يقود لتشمع الكبد، والإفراط في الجنس، يقود إلى الأمراض التناسلية، أو البرود الجنسي عكس مقصوده. وأعظم اللذات تحققا، عندما تأتي في وضع الإشباع؛ سواء الماء مع شدة العطش، أو الطعام مع فرط الجوع، أو الاتصال الجنسي بحرمان مناسب. ويرى عالم النفس البريطاني (هدفيلد) أنه لابد من التفريق بين ثلاث: السرور والسعادة واللذة؛ فاللذة هي ممارسة الغريزة بدون بعد أخلاقي، وهو أمر نشترك فيه مع الحيوانات. أما السرور فهو ممارسة متعة الغريزة، ضمن إطارها المعنوي الأخلاقي. ولكن السعادة هي عملية التوازن في إشباع الغرائز، وهو يصل بكلامه هذا إلى فتح علمي؛ فيمكن لفلاحة أو بدوية تعيش في خيمة، أن تكون في سعادة يحسدها عليها أكبر مسئول في أكبر وزارة، لا ينقصه المال والخدم والحشم والنفوذ والشهرة. وكرسي الحكم أعظم لذة، فهو كرسي الإعدام، لا ينجو منه في العادة أحد، تفوق حلاوته  كل لذة، خاصة في إمبراطوريات الدول الثورية.
اقرأ المزيد
آباء ومؤسسي الطب هيبوكراتيس وجالينوس 
هناك من يخلط بين (أبوقراط) و(جالينوس) وأسماؤهم باللغة اللاتينية كما جاءت أعلاه، وأبو قراط يعني باللغة اليونانية ماسك الخيل، وعاش  أبوقراط في القرن الخامس قبل الميلاد (460 ـ 380) ق.م، أما جالينوس فقد عاش في القرن الثاني بعد الميلاد (129 ـ 199 م)، وهذا يعني أن قرونا متطاولة تفرق بين الرجلين، ويتحدث (ابن أبي أصيبعة) الدمشقي في كتابه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) عن أبي قراط في أول مجلده الضخم فيغطيه في 19 صفحة، أما كتاب (الكرونيك) الألماني وهي سلسلة كتب تغطي حقولا معرفية شتى ومنها الطب فتعرض الفن بكامله على شكل تدرج زمني فتكلمت عن أبي قراط بشكل مختلف قليلا عن ابن أبي أصيبعة، على الدقة الألمانية المعهودة، ومن أعجب الأمور أن ما تعلمناه في الطب عن قسم أبي قراط ليس هو الذي صاغه بل من بعده ونسبه إليه، وهناك مجموعة من الكتب بلغت ستين كتاباً عن أبي قراط ولكن لم يكتب منها الرجل إلا أقل القليل ويذكر ابن أبي أصيبعة حوالي الثلاثين منها، ومن هذه الكتب: (كتاب الأجنة) و(أوجاع النساء) و(الأمراض الحادة) و(قوانين في نفس الطبيب) وهو كتاب الفصول و(طبيعة الإنسان) و(الغذاء) و(حانوت الطبيب)  وكتاب (الكسر والجبر) وكتاب (ناموس الطب) و(الوصية) واحتفظ لنفسه مثل السر بكتاب يذكر خمس وعشرون علامة دالة على الموت قيل أنها عرفت لاحقا عنه واستخرجت من قبره. ومما يبدو من تاريخ حياته ومماته انه عاصر سقراط ونقل عنه أفلاطون، فسقراط كما نعلم أعدم عام 399 قبل الميلاد حينما كان أبو قراط في عمر 41 سنة. عاش الرجل في مدينة كوس وطاف وتعلم ثم استقر في مدينة لاريسا وهي مدينة أثرية اليوم في جزيرة تركية ليس فيها إلا الأطلال فسبحان الباقي الحي، وترك الرجل ولدين هما (دراكون) و(تيسالوس) وزعم ابن أبي أصيبعة أنه ترك ابنة أيضاً هي (مالانا أرسا) وكلهم أصبح طبيبا وطوروا مدرسته عبر التاريخ مع صهر له يدعى (بوليبوس). وأبو قراط اعتبر أن هناك وحدة إمراضية بين الطبيعة والإنسان فيجب النظر لكل عناصر مسببات المرض من تغير المناخ وطبيعة الجغرافيا والفلك، وهي أمور صحيحة فالأنفلونزا  وخثرات الأوعية الدموية تشتد في البرد، وضخامة الغدة الدرقية تنمو في المناطق التي تفتقر عنصر اليود في الطعام. وأبوقراط كان يرى أن الطبيب فيلسوف وبالعكس فهو يتعامل مع الكون الأصغر، وهو ما دفعني أن أكتب كتابا بعنوان حوار الطب والفلسفة، واقترحت أكثر من مرة على من ينظم المؤتمرات الطبية إدخال كلمات من هذا النوع في جدول اللقاء بدون فائدة، لأن الأطباء اليوم مهنيين غارقين في ثقب أسود من الاختصاص، وأبو قراط هو من طور فكرة المشفى السريري واسمه باللغة اليونانية (أخسندوكين) كما هو في اللغة الفارسية (البيمارستان) فهي مكونة من كلمتين بيما وتعني بالفارسية وستان البيت، كما هو الحال في اللغة الألمانية (كرانكن هاوس) والكرنك هو المريض وجمعه مرضى كرانكن والهاوس المنزل فكان معناه بيت المرضى، وأهم ما فعله أبو قراط أنه أرسى قواعد الطب المنهجي والعلاج وفهم آليات حدوث المرض بطريقة تجريبية، حتى جاء جالينوس فطور الطب على نحو جديد ولكنه أعاق تقدمه بأيديولوجية سيطرت على السوق الطبية ألفي عام، حتى كسرها الطب الحديث، ومما يذكر المؤرخ الأمريكي (ويل ديورانت) عن عام 1543 أنه كان عام العجائب لأن ثلاث فتوحات معرفية حدثت فيه: كوبرنيكوس في قلب فهم حركة الأرض ودوران الشمس، وماجلان في خريطة الأرض، والثالث فيساليوس المشرح والطبيب الذي شرح جسم الإنسان للمرة الأولى، أما جالينوس فقد اعتمد تشريح جسم الخنزير، لأن العصر الذي كان يعيش فيه لم يسمح له بأكثر من هذا فوقع في أخطاء فاحشة، مثل أن الرحم عند المرأة مكون من سبع حجرات، والسبب هو نقل تشريح الخنزير وتطبيقه على جسم ابن آدم، وهذا قياس مع الفارق كما يقول المناطقة. ومما ينقل من الحكم عن أبو قراط قوله: (إن الطب أشرف الصنائع كلها) و(ينبغي لمن أراد تعلم الطب أن يكون ذا طبيعة جيدة وحرص شديد ورغبة تامة) و(ينبغي على الطبيب أن يكون مشاركا للعليل مشفقا عليه حافظاً للأسرار) و(ينبغي أن يكون محتملا للشتيمة) وهي قضية اكتشفتها من القرآن فيجب تحمل المريض وأهله تحت قوله تعالى (ليس على المريض حرج). ويصف أبو قراط لباس الطبيب أن يكون: (ثيابه بيضاء نقية لينة) وينقل (ابن جلجل) من أخلاقه السمحة أن (أفليمون) كان يدعي الفراسة من رؤية صورة المرء فلما عرضوا عليه صورة أبو قراط قال هذا رجل يحب الزنا قيل له يا معلم ولكن هذا أبو قراط؟ ولم يكن اجتمع به قال إني شديد الفراسة فانقلوا له كلامي، فلما وصله قال: صدق أفليمون فأنا رجل أحب الزنا ولكني أملك نفسي؟ ومن حكمه التي قالها: (إنما نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل) و(الأمن مع الفقر خير من الغنى مع الخوف) و(العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما يبلغك قليله إلى كثيره). ووصفه (المبشر بن فاتك) في كتابه (مختار الحكم ومحاسن الكلم) أنه كان "ربعة أبيض حسن الصورة عظيم الهامة بطيء الحركة إذا التفت التفت بكليته، كثير الإطراق، مصيبا، متأنيا في كلامه، يكرره على سامعه، كثير الصوم قليل الأكل، بيده دوما إما مبضع أو مرود (للكحل)" ولم يخدم أبوقراط ملكا لزيادة ماله، وفلسفته تقوم على المال الضروري وحسب، فهو خير خادم وشر سيد، وحينما طلبه طاغية الفرس في مرض ألم به مع عرض مالي سخي رفض قائلاً: (لست أبدل الفضيلة بالمال). وحين عالج ملك مقدونيا انصرف في فترة إقامته يعالج فقراء المنطقة. ومات الرجل بالفالج وقال حينما دنت منيته(خذوا عني جامع العلم: من كثر نومه ولانت طبيعته ونديت جلدته طال عمره) وهي أمور صحيحة في العرف الطبي من راحة البال والغذاء الجيد وعدم التعرض للجفاف. وأخيرا ودع تاركاً خلفه ذكرا في العالمين ومدرسة تعتمد التجريب والنظر إلى المريض، وأن الطبيب يجب أن يبحث عن سبب العلة ليس عند الآلهة بل في جسم المريض. ومن الغريب أن صاحب كتاب المائة الأعظم في التاريخ (مايكل هاردت) الفلكي الأمريكي لم يضع كلا الرجلين جالينوس أو أبو قراط بين العظماء مع أن الرجلين أسسا الطب في العصر القديم.  
اقرأ المزيد
درجات الحب  
من أجمل الكتب التي قرأتها من تراثنا (فقه اللغة وسر العربية) للإمام أبي منصور اسماعيل الثعالبي النيسابوري (429 هـ ـ 1038 م) وهو يقوم بتقسيم وتفصيص الكلمات فإذا انت في مواجهة خرائط نفسية عجيبة للمصطلحات وهكذا فالحب غير العشق وغير التيم. ويبدو ان هذا المركب أعني الحب يدخل في مراحل ولقد قرأت قبل فترة قصيرة بحثا مثيرا في مجلة (در شبيجل) الألمانية عن ظاهرة علمية تدرس عن الحب من النظرة الأولى. وفي فيلم (شاب الى الأبد) بقي الفتى يحفظ الحب حتى بلغ الثمانين بعد أن حيل بينهما ووضع في قالب مجمد مبرد نصف قرن من الزمان ليخرج من الأجداث الجليدية وهو يرتعش بردا وعجبا وفي النهاية اجتمع بمن يحب فتجرأ وقال لها هل تتزوجينني؟ ولكن الإمام الثعالبي يأخذ بيدنا بالتدريج في تفهم الآلية التي يدخل الحب معراجها فيقول: إن أول مراتب الحب (الهوى) فإذا سيطر درجة أصبح اسمه (العلاقة) وهي الحب اللازم للقلب. فإذا اشتدت فوعته أصبح (الكلف) وهو شدة الحب. فإذا زاد عن ذلك أصبح اسمه (العشق) يقول الثعالبي (ثم العشق وهو اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه الحب) ولعله يقصد من تعشق الشيء أي شدة الالتصاق وسبحان من جعل بينهما مودة ورحمة. فإذا بدأ صاحبنا يحترق من لواعج الحب دخل مرحلة خطيرة اسمها (الشعف) واعترف أنني أقرأها للمرة الأولى ويعرفها أنها (هو إحراق الحب للقلب مع لذة يجدها) أي هو الاكتواء بنار الحب. بعدها يدخل المبتلى المسكين في الدرجة السادسة وهي (اللوعة) و (اللاعج) ويعرفها على النحو التالي: (وهذا هو الهوى المحرق). فإذا زاد الأمر عن ذلك استولى على القلب من داخله يقول:( ثم الشغف وهو أن يبلغ الحب شغاف القلب وهي جلدة دونه) ونحن نعرف اليوم طبيا أن القلب مغطى بورقتين من الخارج اسمها التامور ومن الداخل واسمه الشغاف فمرحى للجمع بين علمي التشريح والغرام. ولكن هل يمكن أن يزيد عن هذا يقول نعم يبدأ صاحبنا بالمرض فعلاً فلا يكاد يتلفت الا ويرى صاحبته على نحو ما أمامه. يقول  الثعالبي( ثم الجوى وهو الهوى الباطن). عند هذه المرحلة تبدأ حالة المرض والسقام، وتستولي الحالة على صاحبها فلا يملك لها دفعا ولا هم ينصرون، ويقع في حالة انهيار، وأنا اعرف رجلاً من هذا الصنف كاد أن يموت ويذوي عشقا وانهيارا وانحلالا، فكانت أخبار المعشوقة إذا وصلته يصاب بنوبات أغماء، والحمد لله الذي نجانا، حتى سارعت فتدخلت فأنقذته من الموت، وهو أمر يحدث وليس للنكتة، ويومها كنا نقرأ رسائله فنبكي معه حتى تحول البيت عندي إلى عزاء فقلت لزوجتي زوجيه على أية صورة، ثم فرج الله عليه فتزوج وأنجب، فإذا قابلته سألته أين وصل الحب؟ قال: زاد أضعافاً ؟! وأنا لا أصدقهم كثيرا فقناعتي أنه متى حصل الزواج ذهب المرض وانطفأت اللوعة. ويجب أن لا نستخف بهذه القصص فسور الصين انهار فاجتاحته الذئاب البشرية المنغولية من وراء قصة حب، وأسرار الجيش الفرنسي طارت للألمان على يد الرقاصة المشهورة الهولندية في الحرب العالمية الأولية ثم أعدمت، وأكثر من قيصر روماني وقع في هوى كليوباترة لدرجة أن المؤرخ كار يكتب عن فلسفة التاريخ تحت لغز أنف كليوباترة، وهناك عشق من النظرة الأولى، وهناك كما يقول ابن حزم عشق بالسماع، ومن أراد أن يعرف عجائب هذا العالم فليراجع كتابين (طوق الحمامة) لابن حزم، والأسرار الجنسية لكولن، وهذا الأمر ليس هناك من أحد محصن ضده بمن فيهم العلماء، ولقد قرأت من قصصهم الشيء المحير، والفلاسفة يحملون أمرين متناقضين نشاط جنسي عارم وفرامل عقلية جبارة، وهناك من يصاب منهم بالأمراض والقرحات والعقد. ويقول الثعالبي متابعاً درجات الحب ثم يأتي (التيم) بتسكين التاء وهو أن يستعبده الحب. ومنه سمي تيم الله أي عبد الله ومنه رجل متيم. ويبدو أن الرحلة لم تنته بعد، فيمكن لصاحبها أن يقع في أحضان الحب في القعر تماما أي يغطس فيه حتى قراريط أذنيه،  ويقول الثعالبي بعدها تأتي مرحلة (التبل) وهو أن يسقمه الهوى ومنه رجل متبول. فإذا غاص أكثر بدأ يفقد عقله، وهناك قصص تروى في هذا الصدد؛ فالحب فظيع عجيب، يقول الثعالبي بعدها (التدليه) وهو ذهاب العقل من الهوى ومنه رجل مدله. وبعد كل ماذكرناه هل انتهت فصول رواية الحب؟ يبدو أننا لم نخلص فبعد ذهاب العقل وتيه صاحبه على وجهه يقول الثعالبي: ثم الهيوم وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه ومنه رجل هائم. وهكذا ترانا أمام 11 درجة للحب وبالتدرج الهوى ـ العلاقة ـ الكلف ـ العشق ـ الشعف ـ الشغف ـ الجوى ـ التيم ـ التبل ـ التدليه ـ الهيوم والهيمان على الوجه. ولكن هل فعلاً الأمر هكذا أم أنه مجرد تحكم لفظي؟ وهل يقول علم النفس شيئاً في هذا والجواب إن الواقع أشد مرارة مما عرضناه. ويذكر ابن حزم الاندلسي في كتابه (طوق الحمامة في الألفة والايلاف ) من قصص الغرام وهو الفقيه المجتهد ماجعل المتشددون يتعجبون من هذه الثقافة التي تجمع بين الدين والدنيا والفقه والمتعة والعلم والغرام. إن هذا الاستعار الفظيع بين الجنسين وشدة الميل والتلهف هو خدعة كبيرة تقوم بها الطبيعة من أجل الضحك علينا حتى تستنبت من ظهورنا نسلا جديدا تعمر بها الحياة. ويقول الفيلسوف شوبنهاور إن الطبيعة تسحق الفرد ولا تأبه بقدر ما تصون وتحافظ على النوع، فهذا هو السر خلف الطاقة الجنسية التي تقارن بالطاقة النووية وهما أشد طاقات الكون فتكا وتدميرا. بقي أن نقول أن أمامنا الثعالبي لم يضع لنا (الغرام) بين درجاته الـ 11 فأين هو ياترى؟ وهل هناك 12 درجة في الحب؟ والجواب إن الحياة كلها تقوم على قدر من الطيف المتدرج وليس هناك من انكسارات حادة وإنما هي تصوراتنا وهي لا تغني من الحق شيئاً. والحب لا يخرج عن هذه القاعدة.
اقرأ المزيد
برد فبراير ودفء عيد الحب  عيد فالانتين  
اختلفت الروايات حول المناسبة التي يحتفل يها كل عام في 14 فبراير. عندنا في مونتريال مع هذا اليوم من عام 2022 بلغت درجة الحرارة عشرين تحت الصفر وقفزت الأسعار عشرين بالمائة ويزيد ليس بسبب العيد بل لاجتماع كجموعة عناصر منها فيروس الكوفيد وإشراب الشاحانات في كندا. والمهم فهذه المناسبة هي لتكريس أعظم عاطفة يحملها الإنسان وهي التي تقرب الذكر من الأنثى ليتوج هذا اللقاء بإنتاج الإنسان من ذكر وأنثى.  أعظم الخلائق الإنسان، ولكن أعظم خلق الله هو المرأة، فنحن الذكور قساة، منحني الظهور، مدشني الحروب، بكروش مدلاة، يعلونا الشعر وبرا، مثل جلد الحيوانات، أشبه بالغوريلات. أما المرأة فهي ذلك المخلوق المشرق الرائع، الذي يشع جمالا ورقة، ونعومة وأنوثة، وسحرا ودلالا. صوتها موسيقى، وحركاتها سحر، وفتنتها طاغية، وحضورها يؤنسن المجتمع، ويدفع فيه الرحمة. لذا اعتبر القرآن أن الزواج هو الذي يحول البشر إلى كائنات إنسانية، بالمودة والرحمة والسكينة. وكل من يفعل هذا هي المرأة، فهي سيدة الوجود، وصانعة الحضارة بالثورة الزراعية، حين كان الفحل يهيم على وجهه في ظلمات الصيد وجمع الثمار. هي من تمنح الحب بلا مقياس، ولا تشارك في الحروب التي يصنعها الرجال، كراهية وحسدا وحقدا وطمعا وجشعا وجنونا.. لذا استعملتها الطبيعة في موضع الإنجاب، حملته أمه وهنا ووضعته كرها، ووكلت إليها أمانة نقل الثقافة، وتربية الرجل بمنحه العائلة والهدوء في كل معمعة، فبوركت يا أنثى فأنت موضع حب النبي.. قال ص حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة. فكانت المرأة المحبوبة الموهوبة أحد أسرار الحياة الثلاث: الروح والريحان وجنة نعيم.. المرأة هي من تحمل الثقافة والجنين، فتربي الطفل وترضعه الثقافة، وتنقل له اللغة والمفاهيم، فيتحول من لحم بشري إلى كائن اجتماعي، ولولا المرأة لبقي الإنسان أقرب للشمبانزي والغوريلات والأورانج أوتان.. المرأة هي أم الحضارة ولولاها لما انبثقت الحضارة، وهو كشف تعرف عليه علماء الأنثروبولوجيا، مع أسفهم لماذا لم تقود المرأة المجتمع، وتركت المجال للفحول، يركِّبون الحضارة على عجل وخطأ، بنموذج الثكنة وهيراركي الرجال (الباتريارك)؛ فأصبح المجتمع أحولا أكتعا، يقفز برجل واحدة مثل أسطورة شق وسطيح، فأما الأول فكان بدون فقرات مثل الكائنات الرخوية، وأما الثاني شق؛ فكان نصفا بساق واحدة، يقفز قفزا مثل الجراد.. المرأة هي سيدة الجمال الباهر، والشخصية المؤثرة، والثقافة باعتدال وتسامح، واللطف والأنس، عرفت ذلك من تلك المرأة التي قاربت الكمال ليلى سعيد، زوجتي التي اشتاق لها الرب فناداها على عجل، فلم تعمر، وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب، ولقد أنقص من عمرها فودعتنا، فاجعة من مرض وماتت في عمر النبوة رضي الله عنها ورضيت عنه. سحر المرأة جذب كبار السن، ليبنوا بمن هن أصغر سنا جدا، لهذا السحر الذي لا يقاوم، واللغز المحير في الأنثى؛ فبيكاسو سيد اللوحة وأبو السيريالية تزوج من أربع فاتنات كانت الأخيرة في العشرينات، وشليمان الكهل أبو الاكتشافات، لم يشأ أن يضع كنز بريام من أنقاض طروادة إلا على صدر حبيبته الصغيرة اليونانية ذات العشرين ربيعا. وسنان أبو العمران بنى ما بنى من كل جسور الإمبراطورية العثمانية، بنى في نهاية حياته بشابة صغيرة وهو في الثمانين؛ فأنجبت له غلاما زكيا. ونابليون وهو في جزيرة المنفى سانت هيلانة، آنسته خليلة حملت منه بطفلة، ولدت له في باريس كانت نابليونة. وسيشرون  أبو الخطابة والجمهورية، أنهى حياته في حضن شابة صغيرة وهو في الستينات، فمنحته أجمل ساعات حياته طرا، في دنيا طوقتها الحروب الأهلية والمؤامرات والدماء كالأنهار. ونبي الرحمة الرسول ص أحب عائشة الصغيرة الشقراء، ومات على صدرها في آخر لحظات حياته، وهو يقول بل الرفيق الأعلى ذكرى وفاء لخديجة. هذه الأيام نحن في ذكرى عيد الحب فالانتين، ونحن نرى أزمة المجتمع العربي واضحة جدا بغياب المرأة، فالبيوت قلاع والنوافذ ضيقة والتهوية رديئة، كله بسبب الحجر على المرأة. والتعليم فاسد والفساد طام كله بسبب غياب المرأة. والقسوة والحرب والظلم عام عارم كله بسبب غياب المرأة. لذا وجب أن نقف في برد فبراير لنأخذ قسطا من دفء الحب في عيد فالانتين، الذي عاش للحب وقتله الإمبراطور، لأنه يشيع الحب بين الجنود فيتقاعسون عن مهمة ذبح الشعوب. قال جلال الدين الرومي في الحب: " سأقول لك كيف خُلِقَ الإنسان من طين؟ ذلك أن الله – جل جلاله – نفخ في الطين أنفاس الحبّ. سأقول لك لماذا تمضي السماوات في حركاتها الدائرية؟ ذلك أن عرش الله – سبحانه – يملؤها بانعكاسات الحب! سأقول لك لماذا تهبّ رياح الصباح؟ ذلك لأنها تريد دائما أن تعبث بالأوراق النائمة على شجيرات ورود الحب! سأقول لك لماذا يتشح الليل بغلائله؟ ذلك أنه يدعو الناس إلى الصلاة في مخدع الحب! إنني لأستطيع أن أفسر لك كل ألغاز الخليقة؟ فما الحل الأوحد لكل الألغاز سوى الحب!" فليكن يوم فالنتين هذا عيد حب للجميع، تتبادل فيه الشفاه رحيقها، والقلوب أسرارها، والأجساد لذتها الأبدية.  
اقرأ المزيد
بين الحب والحرب  
يحتفل الناس في يوم 14 فبراير من كل عام بالفالانتين (عيد الحب)، بينما يعيش العالم العربي حالة الحرب؛ وفي عالم الكلمة الفرق بسيط بين حب وحرب، أما في عالم الواقع فالأول حياة والثاني موت. وبسبب غياب المرأة عن «الربيع العربي»، فقد تحول إلى شتاء وأوحال وبرك دماء وموت.  لقد ترددت في كتابة مقالتي عن الحب، وأنا أرى بلدي سوريا وقد تحول إلى جثة يجري تقطيعها بين القوزاق الروس والفرس والعجم وأحفاد ريتشارد قلب الأسد. فهل من نور في الظلمات؟ فعلاً يجب استحضار الإنسانية في ذواتنا ونحن نشهد موت الإنسان. لقد سُئِلت امرأةٌ عجوز عن الحب وما معناه، فأجابت: أول مرة سمعت هذه الكلمة كنتُ صغيرةً، وكان من والدي الذي قبلني وقال إني أحبك؛ فقلت الحب هو الحنان والأمان والحضن الدافئ. وعندما بلغت سن الرشد وجدت رسالة من شاب فيها كلمة «أحبك»؛ فعرفت أن هناك من يريد مشاركتي الحياة، وأدركت أن الحب عطاء ومشاركة، والكراهية ارتداد على الذات، وتدمير لها قبل الآخر. وعندما تزوجت كانت أول كلمة قالها لي زوجي: أحبك؛ فعرفت أنها المودة الخالصة من قلب شارك الآخر حياته. وحين غبت عنه قليلاً أرسل لي يخاطبني بكلمة «أحبك»؛ فعرفت أن الحب شوق وافتقاد. وحين ولدت بأول طفلي، جاء زوجي، وكنت متعبة على السرير، فأمسك برأسي وقبلني وقال: أحبك؟ فعرفت أن الحب امتنان وعطف. وحين تقدمت بنا السنون وتقوست الظهر وشاب الشعر التفت إلي زوجي عصر يوم فقال: كم أحبك؟ وحين بدأنا نمشي مستندين على العكاكيز، وكل منا يسند الآخر، قال لي والدمعة في عينه: هل تعلمين كم أحبك؟ فعرفت أن الحب وفاء وصدق. هناك من تزوجا فأحبا فالتهبا بعاصفة عشق ليس لها قرار. هل الزواج هو إنجاب الأطفال وبناء عائلة؟ والجواب أيضاً إنها نصف الحقيقة، فهناك العديد من الأزواج من دون أطفال، سواء بانعدام القدرة أو الرغبة بعدم الإنجاب، وهناك المطلقات مع كومة أطفال. فما هو الحب يا ترى؟ إن الزواج هو مزيج من العواطف والكيمياء والجنس والإنجاب، وقد اختصره القرآن الكريم بكلمات: سكينة ومودة ورحمة ولباس وحمل وإنجاب. واعتبره آية مثل دورة القمر ونبات الزرع والرياح المرسلات. ولأن المرأة هي من تذكرنا بالحب، فلأنها تحمل الثقافة والجنين، فتربي الطفل وترضعه الثقافة، وتنقل له اللغة والمفاهيم، فيتحول إلى كائن اجتماعي، ولولا المرأة لبقي الإنسان أقرب للشمبانزي والغوريلات. المرأة هي أم الحضارة ولولاها لما انبثقت الحضارة، وهو كشف تعرف عليه علماء الأنثروبولوجيا. المرأة هي سيدة الجمال الباهر، واللطف والأنس، والشخصية المؤثرة، والثقافة باعتدال وتسامح. سحر المرأة جذب كبار السن، ليبنوا بمن هن أصغر سناً؛ فـ«بيكاسو» سيد اللوحة وأبو السيريالية تزوج من أربع فاتنات كانت الأخيرة منهن في العشرينيات. و«شليمان» الكهل أبو الاكتشافات، لم يشأ أن يضع كنز «بريام» من أنقاض طروادة، إلا على صدر حبيبته الصغيرة اليونانية ذات العشرين ربيعاً. و«سنان» أبو العمران بنى ما بنى جسور الإمبراطورية العثمانية، تزوج في نهاية حياته بشابة صغيرة وهو في الثمانين؛ فأنجبت له غلاماً زكياً. ونابليون وهو في جزيرة المنفى «سانت هيلانة»، آنسته خليلة حملت منه بطفلة، ولدت له في باريس كانت نابليونة. و«سيشرون» أبو الخطابة والجمهورية، أنهى حياته في حضن شابة صغيرة وهو في الستينيات، فمنحته أجمل ساعات حياته في دنيا طوقتها الحروب الأهلية والمؤامرات والدماء تجري كالأنهار الحب فيض داخلي  الحب يفيض من النفس بعد معالجة التشظي الداخلي، وتحقيق وحدة النفس داخلياً بتفجير حب الذات أولاً بالصلح الداخلي، من خلال رد الاعتبار للذات واحترامها والاعتراف بها؛ فلا يمكن أن نحب الآخرين قبل أن نحب أنفسنا، ولا يمكن أن نحترم الآخرين مالم نحترم أنفسنا، ونعترف بذواتنا ونتأملها في ضوء جديد، بل ولادة جديدة ، فالانسان بعد الولادة الرحمية أمامها ولادات أخرى. أشار القرآن اليها عندما قال (أو من كان ميتا فأحييناه) فهذا مؤشر الى أن النفس تقسو (فتصبح كالحجارة أو أشد قسوة) وأن النفس تمرض بمرض (فطال عليهم العمر) وتصل الى الموت بانقطاع (الصيرورة) فالحياة تدفق لايتوقف للصيرورة، ولكن قد يتعفن الانسان فيموت قبل الموت، ويجب أن نفهم الضلال والشقاء كحالة نفسية من موت النفس في الحياة، بتعطيل منافذ الفهم كمصادر تغذية للروح، والايمان تلك النشوة من الأمل المشرق والنشوة العارمة من معايشة الحياة والناس والتاريخ. الحب هو ذلك الترياق الذي يعيد الحيوية الى مفاصل الجسم كي يعيش مستقبِلاً لوميض ومؤشرات الحياة التي لاتنتهي. وأعجب ماتركه لنا التراث الاسلامي مذكرات رجل فقيه دشن اتجاهاً عقلانياً بالكامل في الاندلس عرف بالمدرسة الظاهرية، ولكنه في كتابه (طوق الحمامة في الإلفة والإيلاف) يتحدث بكل صراحة عن الجنس والحب، في حديث يتناول عشرات التجارب والقصص له شخصياً ولإصحابه، في تفكيك فلسفي وتحليل نفساني بديع مثير، مما يجعلنا نفهم صورة التقوى على نمط جديد من التوازن النفسي، وإشباع الحاجات، وضبط الغرائز بالتروية المعتدلة، وعدم السباحة في الهلوسات الجنسية، والمطاردة السرية للقصص الخليعة، وانتظار برامج المحطات الفضائية بعد منتصف الليل، أو الاشتراك في برامج التشفير مدفوعة الثمن بالعملة الصعبة. يذكر (ابن حزم) في كتابه قصة حب عجيبة عن رجل اندلسي هام بجاريته حباً وغضب منها يوماً فباعها لآخر (لنعذر ابن حزم فهكذا كانت الأيام وقتها) ثم شعر بعظم غلطته، فحاول استردادها بكل مايملك، ويبدو أن الفتاة كانت غير عادية مما جعلت الثاني يعشقها حتى العظم؛ فلما احتكما الى الوالي قدمهما الى تجربة مريعة هي الى حافة الموت أقرب! فالوالي كان على شرف عظيم (مرتفع من الأرض) فطلب من الأول رمز حبه وصدقه في التعلق بها؟ فما كان منه الى أن رمى بنفسه من الشرف فهوى مترضرضاً نفد من الهلاك بقوة الحب، فطلب من الثاني أن يفعل كما فعل صاحبه فتردد فدفع بالجارية الى الأول. الحب أعمى، وانجذاب ساحر، وقوة تعلق، ومعنى في الحياة، ونمو لايعرف التوقف، وأحياناً يموت صاحبها كلفاً وعشقاً وهياماً بالهدف. ولله في خلقه شؤون. وراجعوا في هذا كتاب صحاح اللغة للثعالي لتكتشفوا أن للحب 11 درجة.
اقرأ المزيد
حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram