- -

ترنح الدولار ... هل هو مؤشر لبداية سقوط أمريكا العالمي ؟!!
بين عامي 1949 - 1995 م تعرض الدولار الأمريكي إلى مرض عضال لم يتعافى منه حتى اللحظة ، فخسر مقابل المارك الألماني أكثر من ثلثي قوته ( 1 ) فهو يكافح للبقاء بأقل من ثلث طاقته الأصلية ، ولم ينتشله من وضعه البئيس حتى الآن ، كل حفلات تدخل البنوك العالمية ، ولاحقن الكورتيزون المالية ، أو جرعات العلاج الكيمياوي الاقتصادية ، فهو يذوي ويضمر مع كل يوم مثل مريض السرطان المدنف ، أو مثل البيت المنهار الذي نسمع قرقعة جدرانه المتساقطة ، وتَقَصْفَ سَقْفِه المتداعي ( فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لايشعرون )( 2 ) وهذا يطرح العديد من الأسئلة فهل هذا مجرد تراجع لعملةٍ في السوق ؟ أم مظاهرة عميقة لافلاسٍ اقتصادي بدون قاع ؟ وانكماش مالي خطير يضع الولايات المتحدة في حالة صدمة مالية غير قابلة للتراجع ؟ كما هو معروف في الوفيات الجراحية ( IRREVERSIBLE SHOCK ) وعلى الشكل الذي شرحها الاقتصاديان الأمريكيان ( هاري فيجي ) و ( جيرالد سوانسون ) في كتابهما ( الأفلاس 1995 الانهيار القادم لأمريكا ) بمخطط عصا الهوكي في العجز المالي الأمريكي ، والذي تنبأ بكارثةٍ للدولار الأمريكي في فبراير - شباط من عام 1995 م ( 3 ) . هل نحن شهود تراجع أعظم امبراطورية عرفها الجنس البشري حتى الآن ؟ لتصبح دولة من الدرجة الثانية كما يتنبأ لها بذلك المؤرخ الأمريكي ( باول كينيدي ) تحت دراسته الموسعة لصعود وأفول نجم القوى العظمى خلال القرون الخمسة الفارطة ، فينطبق على أمريكا ماانطبق على الامبراطورية الاسبانية في القرن السادس عشر والانكليزية في القرن العشرين ( 4 ) ، لتودع أمريكا صدارة العالم مع القرن الواحد والعشرين ، مخلِّيةً المكان لليابان التي تستعد لاستلام قيادة مجال الباسفيك _ على الأقل _ كخليفة جديد مرشح بعد انهيار الولايات المتحدة الأمريكية على النحو الذي طرحه ( شينتارو ايشيهارا ) عضو الدايت ( البرلمان ) الياباني في كتابه ( اليابان تقول لأمريكا لا ) ( 5 ) . هل ستسقط الولايات المتحدة كما سقط الاتحاد السوفيتي صريعاً لليدين والجنب بدون أي هجوم خارجي وهو يملك أسلحة تدمير الكون عدة مرات ؟ وهل كان صراع الديناصورات العظمى واستنزاف معظم الامكانيات في التسلح ومتعلقاته والنزف المالي الرهيب الذي يضخ رحلة التسلح بدون توقف هو الذي قاد الى هذا السقوط المريع ؟ هل كان مؤشر موت الديناصور الأول دلالةً بعيدة المغزى للسقوط الوشيك للديناصور الثاني وبنفس آلية النزف السابقة التي أودت بحياة مملكة لينين وأتباعه ؟ ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) ( 6 ) وهل سيكون القرن الواحد والعشرون قرن اليابان وألمانيا وعصر الين والمارك ؟؟ أم أن هناك قوى جديدة غير متوقعة ستبرز للساحة ؟ وأين مصير العالم الاسلامي كله في هذه البانوراما الكونية ؟ ********************* من الغريب أن نكبة الدولار الحالية قد تنبأ بها اثنان من المحللين الاقتصاديين الأمريكيين ، اللذين أعلنا صيحة الخطر بشكل مفزع عن الوضع الاقتصادي الأمريكي ، في كتابٍ صدر لهما قبل سنتين ، بأن أمريكا مقبلة على أفلاس مالي كامل ، وأن الدولار لن يبقى له أية قيمة مع حلول عام 1997 م !! (( لن يبقى للولايات المتحدة التي نعرفها اليوم أي وجود بحلول عام 1995 م ففي هذا العام ستنزلق البلاد نحو الافلاس وحينها سيزول عصر القوة الامريكية بزوال طريقة الحياة الأمريكية ولن تخرج البلاد من أزمتها اطلاقا مالم يبدأ العمل فوراً لانقاذها من الكارثة الوشيكة ))( 7 ) !! ويتوقع هذا المحلل الاقتصادي أن البلاد ( ستعيش تحت وطأة كابوس اقتصادي يفوق الكساد العظيم بمراحل ، ويحول أمريكا إلى دولةٍ سادت ثم بادت )) ( 8 ) . قد يكون هذا الكلام الذي تقدم به صاحبه فيه قدرٌ من المبالغة ولايخلو من تأثير الحملات الانتخابية الأمريكية ، حيث أنه كتب مع نهاية خلافة بوش ، إلا أن الاحصائيات التي يتقدم بها والتي عمل عليها قرابة عقد من السنوات يجعلنا نتأمل هذا التحليل في ضوء مرض الدولار الذي لاينتهي (( وفيما يتعلق بالاحصائيات والرسومات المرفقة في هذا الكتاب ، فإنني وعلى الرغم من انهماكي في اعدادها ودراستها لمدة ثماني سنوات كاملة ، لازلت أشعر بالصدمة والذهول لدى رؤيتي لها ولازلت أشعر بالأسى والحنق عند مقارنتي للديون الأمريكية التي تراكمت خلال مائتي عام وتلك التي تراكمت بشكل مخيف خلال عشر سنوات فقط ، وكلما رأيت الرسمين البيانيين المتعلقين بذلك ، أدركت أن جيلنا فقد كل قيم الشجاعة والإيمان والتضحية والجد التي تحلت بها كل الأجيال السابقة والتي بذلت كل جهد ممكن لإيجاد دولة قوية وثرية وحرة ، وبعد استلامنا لهذه الدولة بدأت تفقد الكثير من مزاياها فياللعار !! ) ( 9 ) . وهذان المؤلفان يبنيان هذا الحكم القاسي على خريطة تطور الديون الأمريكية التي ستصل في فترة قريبة إلى رقم فلكي ، بحيث ستعجز كل إمكانيات أمريكا حتى عن سداد فوائد الديون التي ستصل إلى قرابة ( 1520 ) مليار دولار في العام ، أما الديون الفيدرالية فهي حاليا ( 56.6 تريليون دولار ) وسوف تقفز مع عام 2000 ميلادي إلى ( 13 ) تريليون دولار ( التريليون = مليون مليون ) وهذا يعني _ حسب وجهة نظر الاقتصاديين _ صدمة اقتصادية لانهوض منها . *********************** والآن لنتأمل هذه الظاهرة خارج سطوع المارك وكسوف الدولار وبريق الذهب وجنون البورصات ، بوضع سؤال محوري ( عقلاني ) بعيدا عن توترات الأسواق المالية وانفعالاتها اللاعقلانية ، هل وضع الولايات المتحدة حقا كما يقول الاقتصاديون ؟ ثم ماذا يعني الاقتصاد بالنسبة للوضع الثقافي للأمة ؟ وهل يمكن قياس الوضع الحضاري من خلال المشعر الاقتصادي ؟ بل ماهو المال في الأصل وكيف نفهمه ؟ وكيف يؤثر على الوضع الحضاري سلباً وإيجاباً ؟ ******************** في الواقع ومن خلال تحليل جهات شتى ، نرى أنها كلها تصب في نفس هذا المعنى يزيد أو ينقص ، من شهادات المؤرخين أو السياسيين فضلاً عن الاقتصاديين ، وبين أيدينا في هذا المقالة تحليل مؤرخ أمريكي ( باول كينيدي ) ومفكر فرنسي ( جاك أتالييه ) وسياسي ياباني ( شينتارو ايشيهارا ) ، من ثلاث قارات متباعدة ، وثلاث ميادين متباينة ، في محاولة تبين الأسباب العميقة لهذا الانهيار الوشيك ، أو ليل الظلام الذي بدأ يلف ، والانحسار الذي بدأ يضرب بكل قوة في مفاصل المجتمع الأمريكي . خلافاً للطرح الذي تقدم به فيما سبق ( فرانسيس فوكوياما ) الأمريكي ذو الأصل الياباني الذي رأى النموذج الأمريكي أنه نهاية التاريخ والنموذج الأخير للإنسان أو الذي صرح به لمندوب وكالة اورينت برس ( نحن الأقوى والأعظم ) ( 10 ) ********************* لنبدأ بشهادة الأمريكي المؤرخ ( باول كينيدي ) في مؤلفه الهام صعود وسقوط القوى العظمى ، فالمؤلف يرى بلده في متحارجةٍ لايحسد عليها ، بين ( المدفع والزبدة والاستثمار )(11) وهو يعني بكلماته هذه الخيار الصعب بين الدفاع والاستهلاك والاستثمار ) : (( ليست هناك إجابات سهلة في التعامل مع التوتر الثلاثي بين الدفاع والاستهلاك والاستثمار القومي )) ( 12 ) ثم يخلص بنتيجةٍ مفادها أن الولايات المتحدة قد أصيبت بالترهل الامبراطوري ، وأن نسق التاريخ سينطبق على بلده كما انطبق على روما وبابل (( وهكذا فإن الإجابة على السؤال المطروح عن إمكانية احتفاظ الولايات المتحدة بوضعها الحالي هي : لا )) (( فإذا كان هذا هو حقا نسق التاريخ فإن المرء يمكن أن يقول ماقاله برناردشو : روما سقطت وبابل سقطت وسيأتي الدور على غيرهما )( 13 ) وفيما يتعلق بالديون فإنه يورد نفس احصائيات فيجي وسوانسون السابقة (( إن استمرار هذه الاتجاهات سيدفع بالدين القومي الأمريكي إلى حوالي 13 ألف مليار دولار عام 2000 ( 14 ضعفا عما كان سابقا عن عام 1980 ) وبفوائد هذا الدين إلى 1500 مليار دولار ( 29 مثلا عن عام 1980 ) ويخلص في النهاية إلى أن الولايات المتحدة ستنكمش إلى حجمها الطبيعي فتمتلك 16% من الثروة والقوة العالمية ، في حين أنها تمتلك اليوم قرابة 40% . ********************* أما المفكر الفرنسي ( جاك أتالي ) فإنه يقرر بشكل قطعي بعنوان مستقل : هبوط الولايات المتحدة الأمريكية بأنها (( متحدة الاتجاه ولايمكن نكرانها )) ( 14 ) وبأن ( الولايات المتحدة لم تعد تصدر عمليا من أراضيها لاسيارات ولا أجهزة تلفزيون ولاسلعاً تجهيزية بالرغم مــــــن جهودها المتكررة لاعطاء الاقتصاد الامريكي قدرة تنافسية مصطنعة عن طريق التخفيضات المتكررة للدولار )( 15 ) وعندما يأتي أتالي لتفسير هذا الهبوط فإنه يمسك بالمفتاح (( هذه التطورات كلها تكمن جذورها في تحولات ثقافية عميقة فالصورة التي يكونها الشعب الامريكي عن نفسه تتمركز حول ابراز حنيني لمجده الذاتي ، إن الاهتمام المفرط بالحاضر السريع والانصراف عن المستقبل الواسع لدى أمة أخذت تنطوي على ذاتها بالرغم من ماضيها المتميز بالنزعة العالمية يفسر هذه الظاهرة أحسن من أي شرح اقتصادي )) ( 16 ) ويرد على من يزعم بأن العجز الأمريكي ناتج عن سياسة الحماية اليابانية وتخلف شبكات التوزيع فيقول : (( إن سياسة الحماية اليابانية تزيد بالتأكيد من العجز الأمريكي ولكنها لاتستطيع أن تخلقه فليس من حماية جمركية قادرة على الثبات طويلا أمام منافسة المنتجات )) ( 17 ) وبنفس الوقت فإن أتالي يفسر صعود اليابان مرة أخرى بخلفية ثقافية : (( إن أسباب هذا الصعود الياباني المدهش هي في جوهرها ثقافية أيضا )) ثم يلخص بعض هذه الشروط (( وهكذا تتجمع لليابان جميع الشروط للقيام بدور القلب : رؤية بعيدة المدى لمصالحها ، وطاقة على العمل ، وإرادة تدعم مستوى الأداء ، وسيطرة على تقنيات الاتصال الحديثة ، وأهلية لاختراع وإنتاج السلع الجديدة ذات الاستهلاك الجماهيري ، وإرادة التعلم ، وديناميكية موجهة للخارج ، وبدون أن تعلــن عـــن ذلـــــــك أو تجعل غيرها يعلنه تتحول اليابان إلى مركز القطب المسيطر في مجال المحيط الهادي )) ( 18 ) ومصطلح القلب الذي يستعمله يفسره في مكان آخر ، عندما كان يتحول القلب النابض التجاري العالمي من مكان لآخر ، بدءاً من القرن 13 حتى القرن العشرين حيث مر في ثماني مراكز ضخمة بدءاً من نابولي وجنوة في ايطاليا ومرورا بانفرس وامستردام في هولندا ثم لندن وانتهاءا بنييورك وهو الآن يزحف ليتشكل في طوكيو . ********************** وأما السياسي الياباني ( شنتارو ايشيهارا ) فإنه يصرح بأمور في غاية الأهمية في كتابه ( اليابان تقول لأمريكا .. لا ) فهو يكشف النقاب عن انتهاء الحرب الباردة بسبب ياباني !! فهو يقول : (( فمنطلق الدولتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في منع استخدام الاسلحة النووية لم يكن لادراكهما المشترك بخطورة هذه الاسلحة على الانسانية ، قد يتصور البعض أن نجاح مباحثات الحد من الاسلحة يعود الى الدوافع النبيلة لكلتا الدولتين ، ولكنني وجدت اسباب نجاح المباحثات تقبع في مكان آخر ، فالاسلحة المتوسطة المدى تعتمد على دقة التصويب في الصواريخ البلاستية عابرة القارات على نوعية الحاسبات المستخدمة ، فالصواريخ عابرة القارات تحمل عدة رؤوس مستقلة ( ميرف ) تستطيع شن ثماني أو تسع هجمات بقنابل هيدروجينية كل منها قادر على اصابة هدف مختلف ولدى كل من الدولتين العظميين قائمة بالأهداف التي تسعى لمهاجمتها فهدف الضربة الأولى لموسكو اصابة قاعدة الصواريخ في قاعدة ( فاندنبرج ) الجوية في كاليفورنيا ، التي توجد تحت الأرض تحدها حوائط سميكة من الخرسانة المسلحة يبلغ سمكها خمسين أوستين مترا ، وتستطيع مستودعات الصواريخ هذه مقاومة الهزات الأرضية القوية ومصدر الخطورة يكمن في انفجار قنبلة هيدروجينية بشكل مباشر فيها )) وهذه تعتمد على التوجيه الدقيق وخطأ السوفيات هو في حدود 60 مترا في حين أن الأمريكيين يصل الى 15 مترا ، وهنا يكشف ايشيهارا السر فيقول إن دقة التصويب تعتمد الكمبيوترات المتقدمة التي تستخدم الرقائق الحاسبة التي هي انتاج ياباني ، وهكذا تتدخل اليابان في تفوق أي فريق نووي بقدر ماتقدم له من الشراح الكمبيوترية ؟! ( 19 ) ليصل في حديثه عن التفوق التكنولوجي الذي تتمتع به على الولايات المتحدة منها ( القطارات المغناطيسية الطائرة ) تلك التي تسير بسرعة 500 كم في الساعة على وسادة مغناطيسية ، فهذه برع فيها الألمان وايابانيون ، فأما الألمان فاستطاعوا أن يُطِّيروا القطار عن القضبان 8 ملم ، في حين أن اليابانيين جعلوه يقفز فوق القضبان عشرة سنتمترات !! ولم يلحق أحد من العالم بهم حتى الآن . كما يملك اليابانيون أكبر عدد ممن الروبوت ( الانسان الصناعي ) ، وعندما يتحدث عن أخلاقيات العمل عند الأمريكيين يشير إلى حمى البورصات وجنون قفزات أسعار العقارات والسهم ( والذي جاءتنا عدواه بدلاً من روح العمل والانتاج اليابانية ) والبحث عن الربح السريع وعقلية النظر إلى الأمام عشرة دقائق وليس عشر سنوات (( ينصب اهتمامهم على العائد السريع والمرتفع لرؤوس أموالهم )) ثم يقول (( لايساعد اللعب في أسواق المال على تقدم الصناعة أو تقديم الخدمات في المدى الطويل )) ( 20 ) ويعرض حلقات من الضعف تبلغ ستة في الأداء الصناعي الأمريكي منها الضعف التقني ومحدودية الأفق والاستراتيجيات المتخلفة وانهيار التعاون ... الخ وعندما يصل الى مشكلة ديون أمريكا يكرر أن اجمالي ديون امريكا لليابان تبلغ 3.1تريليون دولار واستثمارات اليابان في أمريكا بـــ ( 700 ) سبعمائة مليار دولار ، فاليابان تشتري أمريكا اليوم وترتهنها ، بل وتضربها بقنبلة نووية ولكن من نوع اقتصادي !! ********************** إن قصة انهيار الدولار فيها مجموعة من العظات والعبر نختصرها على الشكل التالي : أولاً : إن التراجع الحالي للدولار ليس مؤقتاً كما يخيل لسمك القرش المالي ومضاربي البورصات المعتوهين ، فهو قدر قد طوق أمريكا لافكاك منه ، فإذا هبط الدولار أمام المارك فأصبح بعد خمس سنوات نصف مارك وأمام الين أقل من خمسين ين فهو أمر طبيعي ، لإن قوة العملة هي من صحة الاقتصاد ، فالعملة هي مثل نضارة الوجه أو اصفراره ، وهي مؤشر قوة الأمة ، فالاقتصاد المتين يخلق عملة قوية والعكس بالعكس . ثانياً : إن مصيبة التسلح والانفاق العسكري عليه وأحلام حرب النجوم التي حلم بها ريغان وأحلام الصراع مع الاتحاد السوفيتي وجعله ينزف اقتصاديا حتى اليوم في رحلة تسابق التسلح المحمومة لنا فيها أكثر من عظة بأن القرن الواحد والعشرين هو عصر من نوع جديد ليس للتسلح فيه مكان ، وعندما يسقط الاتحاد السوفيتي نزفا فسوف يلحقه من دخل معه الصراع ولو بعد حين ( وعلينا أخذ العبرة من الاتحاد السوفيتي الذي كان القوة الأولى في العالم ، والذي أصبح دولاً مشتتة ، وقد يحل بنا ماحل بالاتحاد السوفيتي إذا بقينا ساكنين ) ( الافلاس ص 81 ) ثالثاً : ومن الغريب في موضوع التسلح هذا أن العالم الإسلامي مازال يتلمظ إليه ، مع أن أصحابه ودَّعوه ونفضوا أيديهم منه بعد أن مشوا الشوط إلى نهايته ، والانهيار الاقتصادي الامريكي هو مكرر لانهيار امبراطوريات سابقة مثل امبراطورية النمسا وهنغاريا أو القيصرية أو روما وبابل وآشور قديما . رابعاً : إننا في الواقع ونحن نودع القرن العشرين ونستقبل القرن الواحد والعشرين ، فإن قوى جديدة سوف تبرز إلى الساحة العالمية ، وسوف تتراجع الولايات المتحدة كما تراجعت قوى عظمى سابقتها سنة الله التي خلت في عباده ، كما تراجعت الامبراطورية الاسبانية في القرن السادس عشر ، وانكمشت الهولندية في السابع عشر ، وذوت البريطانية في القرن العشرين ، كذلك سـتنـحسر أمــــريكـــا مع القـــــرن الواحد والعشرين لتبرز اليابان والشرق الأقصى بشكل خاص . خامساً : إن الاقتصاد هو عمل وعرق وتعب وإنتاج أولاً وأخيراً وإن الله لايضيع أجر من أحسن عملا ، في حين أن عمل البورصات والمقامرين ، وسمك القرش الاجتماعي المتلمظ للربح السريع بدون تعب ، كله قد يوصل إلى بعض الربح المؤقت ، ولكنه في النهاية يصير إلى ماقال الله عنه ( وقدمنا إلى ماعملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) وهو في حقيقته سراب خادع كما حصل مع ارتفاع الدولار الكاذب في فترة حكم ريغان ، وأدرك العلماء ذلك وركض معه مجانين البورصات ليروا في النهاية ( يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ) وهذا هو جوهر المرض الأمريكي ، وهو بنفس الوقت سر فعالية وتفوق الياباني ، فالأول يريد أن يربح بدون أن يعمل والثاني يعمل ليربح ، وهو مايقوله اليابانيون للأمريكيين دوماً . سادساً : إن قرابة ألف مليار دولار تعوم وتسبح في كل الاتجاهات كل 24 ساعة بيعاً وشراءً ، ومشكلتها أن هناك من أبطال البورصات والحيتان المالية من ينهش في الاقتصاد العالمي فيورثه العطب ، ونحن الذين نعمل ندفع من دمنا وتعب عمرنا لهؤلاء الأشقياء ، وإلا كيف نفسر أن في مدى أشهر قليلة تتبخر مدخرات الربع أو الثلث ممن ادخر وتعب وعرق ، في هذه العواصف المرعبة في الأسواق المالية ، وكله مبني كما نرى على خُلُق النهب المنظم لتعب الآخرين ، كما أن الذين يخوضون هذا الميدان طمعا في الربح لايعــرفون هــــــــــــذه الأقنية المظلمة وكهوفها المظلمة ، فتتحول اللعبة إلى قمار صريح ، ومن هنا نفهم معنى تحريم الاسلام للقمار وتزكيته للعمل والانتاج . كما نفهم المعنى المرعب لتحول القيم العليا في الحياة إلى ربح وتكديس للمال فقط ( الذي جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده ) وهكذا ظنت أمريكا بالخلود ، والذي يحدث كما يقول المؤرخ البريطاني تونبي أن الامبراطوريات العظمى تسقط ، في الحين الذي يظن ابناؤها أن مقود التاريخ استسلم لهم ( وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس ). سابعاً : وأمام هذه الفوضى المالية العالمية وجب علينا أن نقف للتأمل وأخذ العظة لبناء حياتنا الاقتصادية بشكل ( عقلاني ) و( مستقل ) و ( مستقر ) فإذا أردنا لمجتمعاتنا أن تتحرك بأرادة مستقلة فلابد من استقلال اقتصادي ، ومن أبرز دروس الدولار الأمريكي هو عدم الوقوع في مصيدة الدين الرهيبة ، ليتحول الانتاج بعد ذلك لتغطية فوائد الدين بدون توقف ، فإذا كانت اعظم دولة في الأرض تترنح لتسقط من عبء الديون فكيف الحال بدول الأطراف الفقيرة ثامناً : ويجب أن نفهم أيضاً أن مايحصل من مرض حالي هو مرض الرأسمالية عموماً ، ففي تحليل الاقتصادي الأمريكي ( رافي باترا ) الهندي الأصل ، في كتابه ( الكساد العظيم ) وصل الى اكتشاف مرض دوري يصيب النظالم الاقتصادي الرأسمالي كل حوالي ( 60 ) ستين عاماً ، بحيث تهب عاصفة مالية تحول الأسواق المالية إلى حصاد الهشيم فيما بعد ، وتنبأ لأمريكا بذلك والعالم في التسعينات من هذا القرن ، على أساس أنها ستون عاماً بعد الكساد الرهيب الذي حدث عام 1930 ميلادي قبل الحرب العالمية الثانية ، وهذا المرض الرأسمالي سيصيب في المستقبل أيضاً نفس الاقتصاد الياباني والألماني المزدهران ، بسبب بناء كلا الاثنين على نفس الأسس الرأسمالية ، ولذا فمن الطبيعي أن يصيبهم في المستقبل مايصيب الأمريكيين اليوم ، وهنا ندرك المعنى العميق لفلسفة الربا ، ودورة المال الربوية ، التي هي العمود الفقري للنظام الرأسمالي ، وأثره في إحداث هذه الأزمات الدورية التي يدفع الناس من جهدهم وأعصابهم الشيء الكثير ، وكما يعرف أهل الاقتصاد الحقائق الضخمة في عالم المال والاقتصاد ، وإحداثياته في كل اتجاه ، فكما يعرفون أن أعمدة الاقتصاد العالمية هي الين والايكو الأوربي والدولار ، وكما يدركون الوعاء الاقتصادي بالنقد والسلع والخدمات ، كذلك فإنهم يعرفون أن أثر الفائدة على الانتعاش الاقتصادي ، مثل تأثير الهورمونات وضخ القلب لكتلة الدم في شرايين الجسم ، نرى هذا واضحاً من إصرار الولايات المتحدة على عدم رفع الفوائد ، ولاينسون أبداً ( طير ريغان ) الذي ارتفع برفع الفوائد المخيف ، ليسقط بعده كما نرى اليوم فتدق عنقه ؟! . ******************* تاسعاً : وما ذكرناه عن أمريكا لايعني أنها ستتحول بين يوم وليلة إلى دولة تشبه غانا أو الصومال ، والذي سيحدث هو أقرب إلى تصـــــــــور المؤرخ كينيدي ، من انها ستنكمش وتتحول إلى مايوازي حقيقتها بدون زيادة أو نقصان ، أي ربما إلى ربع أو ثلث وضعها الحالي ، وفي مدى العشرين سنة القادمة ، وستبقى دولة مهمة ذات نفوذ في العالم ، ولكنها لن تبقى الأولى والعظمى والأقوى . عاشراً : إن الانهيار المالي لن ينتهي بنزهة جميلة في العادة ، فهناك حوت ( التضخم المالي ) حين تفقد الأوراق المالية القوة الشرائية ، وينقل لنا التاريخ قصصاً مرعبة في هذا الاتجاه ، ففي عهد الأباطرة الرومان الثلاثة ( كاليجولا وكلاوديوس ونيرون ) (( نضبت الأموال في الخزينة بسبب قيام هؤلاء الحكام بصرفها على إقامة الأعياد والاحتفالات وبناء البيوت الفخمة وتشييد المعابد ، وعلى رشوة الجيش والحرس الخاص من أجل ضمان ولائهم ، ولما جفت الأموال قاموا بفرض الضرائب المرتفعة وبالاستيلاء على أموال الميسورين ، كما أنهم قاموا بضرب العملة من جديد ......... وكنتيجة لهذه الممارسات الخاطئة مرت البلاد بأزمة حادة من التضخم ، ففي القرن الثالث قبل الميلاد وفي فترة لاتتجاوز الثلاثين عاماً ارتفع سعر القمح بمقدار ( 100000 % مائة ألف بالمائة ) أي أنه لو افترضنا أن ثمن رغيف الخبز كان حينها لايتجاوز 2 دولار فقد أصبح من خلال التضخم ألفي دولار وقبيل انهيار روما كان الاقتصاد الروماني قد دُمر تماماً ) ( الافلاس 1995 ص 132 ) وكما انهارت روما فإن نفس الشيء سرى على الامبراطورية الاسبانية التي ( اضطرت للاقتراض لتغطية تكاليف الحرب والخدمات المدنية ومحـــــاربة الفساد ، وبحلول القرن السادس عشر لم تعد الواردات تغطي سوى نصف النفقات الحكومية ، ومرة أخرى تكرر المشهد ذاته حيث فقدت العملة قيمتها وبدأ التضخم بالازدياد ، ودمرت الضرائب المرتفعة اقتصاد الدولة ومواردها الزراعية ، وأدى فقر البلاد إلى فقدان نفوذها إذ انكمشت رقعة الامبراطورية إلى حدودها الأصلية ) ( الافلاس 1995 ص 132 ) ، كذلك الحال بعد الحرب العالمية الأولى لكل من النمسا وألمانيا حيث وصل سعر رغيف الخبز في ألمانيا ( المزدهرة اليوم ) في نهاية عام 1923 م إلى 428 مليار مارك ؟؟!! ********************* عندما كان الشاعر القديم أبو البقاء الرندي يرثي سقوط الاندلس لم يكن يعلم أن مرثيته ستنطبق على أمم شتى ، وستقرأ في جنازات دول عظمى بين الحين والآخر : لكل شيءٍ إذا ماتمَّ نقـــــــــــــصانُ فلا يُغرَّ بطيبِ العيشِ انسانُ هـــــــي الأمـورُ كما شاهدْتَها دولاً من سرَّه زمنٌ ساءته أزمـــــانُ وهذه الــــدارُ لاتُبقي على أحــــــدٍ ولايدومُ على حالٍ لها شــــــانُ أين الملوكُ ذوو التيجانِ من يمنٍ وأيــن منهم أكاليلٌ وتيجـــــانُ وأين ماشـــــــــــــاده شدَّاد في إرمٍ وأين عادٌ وعدنانٌ وقحطــــــانُ أتـــى على الكلِ أمرٌ لامـــــــردَّ لــه حتى قَضوا فكأنَّ القومَ ماكانوا هوامش ومراجع : ( 1 ) في عدد مجلة الشبيجل الألمانية ( 11 ) الصادر في 13 \ 3 \ \ 1995 م ص 101 ( كان سعر صرف الدولار الأمريكي يعادل في 19 \ 9 \ 1949 م ( 2.4 ) مارك ألماني ليصبح في 8 \ 3 \ 1995 بأقل من ( 37.1 ) من المارك الألماني ( 2 ) سورة النحل الآية 26 ( 3 ) يراجع في هذا كتاب الافلاس الأمريكي لعام 1995 - تأليف هاري فيجي وجيرالد سوانسون - ترجمة محمد دبور - الأهلية للنشر والتوزيع - ص 74 حيث عرض المؤلف الديون الأمريكية منذ عام 1780 م حتى نهاية القرن على فرض استمرارها فأعطى المخطط البياني صورة ( مضرب لعبة الهوكي مقلوبة ) حيث ارتفعت الديون بشكل حاد مفاجيء ، فقبل حكم جونسون لم يتجاوز العجز 44مليار دولار ليصل في عهد ريغان الى 3.1 تريليون دولار وهي حاليا مايزيد عن 6 ستة تريليون والتوقعات أنها ستصل مع نهاية القرن عام 2000 ميلادي الى 13 ثلاث عشرة تريليون دولار؟!! ( 4 ) يراجع في هذا كتاب صعود وسقوط القوى العظمى - التغيرات الاقتصادية والصراع العسكري من 1500 حتى 2000 ميلادي ص 705 : وفي هذا الصدد هناك بعض الصدق في تشبيه وضع الولايات المتحدة اليوم بوضع القوى المهيمنة السابقة التي اعتراها التدهور ( 5 ) ترجمة هالة العوري الناشر يافا ص 34 : (( ان العالم على أبواب مرحلة زمنية تتسم بالتحول .. فالواقع ان قوة العالم اليوم التقنية والصناعية والاقتصادية آخذة في التحول التدريجي من الغرب إلى الشرق ولست أدري إن كان هذا يعني بزوغ الحقبة الباسيفيكية .. ولهذا ينبغي على الساسة الامريكيين توضيح الامرلشعبهم بان الزمن آخذ في التغيير )) ( 6 ) آل عمران الآية رقم 140 ( 7 ) نفس المصدر السابق ص 9 ( 8 ) نفس المصدر السابق ص 19 ( 9 ) نفس المصدر السابق ص 199 ( 10 ) نهاية التاريخ - فرانسيس فوكوياما - ترجمة حسين الشيخ - دار العلوم العربية - ص 7 ( 11 ) باول كينيدي - القوى العظمى - من 1500 إلى 2000 - ترجمة عبد الوهاب علوب - مركز ابن خلدون - ص 710 ( 12 ) نفس المصدر السابق ص 706 ( 13 ) نفس المصدر السابق ص 708 ( 14 ) آفاق المستقبل - جاك أتالي - ترجمة محمد زكريا اسماعيل - دار العلم للملايين ص 84 ( 15 ) وهو خلاف ظن البعض الذين يرون في أمريكا الحذق بهذه الطريقة وهي تنقلب عليها في النهاية ( 16 ) نفس المصدر السابق ص 87 ( 17 ) نفس المصدر ص 89 ( 18 ) نفس المصدر السابق ص 91( 19 ) اليابان تقول لأمريكا لا ص 25 ( 20 ) نفس المصدر ص 89 . رحلة سقوط الدولار المتواصلة أمام المارك الألماني بين عامي 1949 - 1995 م 1- 19\ 9 \ 1949 م الولار يعادل 2.4 مارك ألماني 5 - اتفاقية بلازا في 20 \ 9 \ 1985 م فرملة صعود الدولار الكاذب الى 89.2 2- 6 \ 3 \ 1961 يصبح الدولار 4 ماركات 6 - اتفاقية اللوفر في 22 \ 2 \ 1987 م ايقاف هبوط الدولار الى 83.1 مارك 3 - 27 \ 10 \ 1969 ترفع قيمة المارك ليصبح الدولار مساوياً 66.3 مارك 7 - 19 \ 10 \ 1987 م يوم الاثنين الأسود 77.1 4 - 19 \ 3 \ 1973 تحرير الدولار من الذهب ليصبح 82.2 مارك 8 - مستوى الدولار ,1 37 مارك في 8 \ 3 \ 1995 والحبل على الغارب ؟ !!!
اقرأ المزيد
الصراع حول امتلاك المستقبل الجوجول ـ الفيسبوك ـ آبل ـ الأمازون
قديما كانوا يقولون من يملك البحار يملك الثروات ويملك العالم. ولكن بحار العالم اليوم خضراء إلكترونية والبشر يتواصلون عبر شبكة إلكترونية فيتعارف بعضهم على بعض محققين كلمة الله القديمة: جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم. التقوى بمعنى أكثر التزاما بخدمة البشرية. حاليا عالم الانترنت يحوم فوقه أربع نسور خاطفة تحاول سبيه وسلبه إلى عشها في حرب ضروس. القوى العالمية الجديدة ليست عسكرية ولا سياسية بل علمية ثقافية اقتصادية تكنولوجية. العمالقة الأربعة المتصارعون هم الجوجول وآبل والفيسبوك والأمازون. وكل له حقله الذي نبت فيه واشتدت أذرعته وبأسه .المؤسسات الأربعة تمثل أربع حقول مختلفة؛ الجوجول يمثل المعرفة الكلية. والفيس بوك الشفافية الكلية. وآبل الديناميكية الكلية. والأمازون العرض والسوق الكلية. وحتى نأخذ فكرة عن العمل الخارق والقوة العظمى التي تمثلها قوى المستقبل الأربعة، فيمكن بلغة الأرقام أن نقول التالي: في الجوجول يجري يوميا من الداخلين على النت بحث عن مليار سؤال يحتاح الإجابة والشرح. أذكر جيدا حين بحثت عن كلمة (غثبر) في قاموس المحيط والصحاح لابن منظور الأفريقي لم يسعفني فأسعفني البحث في الجوجول فتأمل! (أصيب بالتَّعنية، وهي انقباض مؤلِم في الشَّرج مع الرَّغبة الملحَّة في التبرُّز مصحوب بحزق لا إراديّ وتبرُّز قليل) رئيس آبل الحالي تيم كوك (كوك تعني الطباخ) أعلن عن بيع 146 مليون جهاز من نوع آي فون    (iPhones)  في الربع الثالث من عام 2011م فكم سيكون الرقم في عام 2020م؟ حين أحضرت لي ابنتي هديتها من هذا الجهاز ضحكت وقالت لاتخاف منه جربه فقط. أنا شخصيا ارتحت مع جهازي الدمعة المطور ولكن من يعتاد على الآيفون ينسى ما عداه لحد العشق؛ فقد ربطوا الانترنت على الموبايل؛ فأصبحت المعلومات تركب سيقانا للحركة. الأمازون تصل الطلبات عندها في كل شيء تقريبا وفي أيام الذروة إلى 13.7 مليون طلب. وصفحات البيع تغطي ما يبحث الشاري وما يحير الباحث. كانت سابقا في الكتب أما الآن فهي تبيع كل شيء، وسوف تضرب سوبرماركات العالم أجمعين. إنها تبيع السيارات والطيارات وإطارات السيارات والكتب النفيسة وحمامات السباحة. أذكر جيدا قبل فترة كيف قام المزاد العلني في لندن في بيع نسخة قديمة أصلية من كتاب أصلي بخط أرخميدس، عثر عليه من بيت راهب قد يكون أصله من كنيسة في القدس، مما دفع راعي الكنيسة أن يطارد المخطوطة عبثا. وصادها (جيف بيزوس) ملياردير الأمازون بمبلغ 2.3 مليون دولار ولا خوف من هذا الرقم فالرجل في جيبه خزانة من تسعين مليار دولار وهي الآن فوق المائة مليار، وأضحكني طلاق زوجته إنها وضعت في حقيبة تجميلها وكحلها عشرات المليارات من الدولارات وهي مبالغ سوف يعوضها البيزوس وأكثر. أما الشاب العفريت علامة جبل السكر (مارك شوجر بيرج) Mark Zuckerberg)) مؤسس الفيسبوك فيجمع حوله نادي عالمي بما لم يحلم به إنس ولا جان بعضوية 800 مليون إنسان ويزيد على مدار ارجاء المعمورة. فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ هؤلاء العمالقة الأربعة غيروا حياتنا وطرائق تفكيرنا بما لم يسبق إليه أحد من قبل!. في البداية اقتسموا عالم الديجتال فيما بينهم؛ أما الآن فبعضهم لبعض عدو يحاول كل واحد إزاحة الثاني ورميه من العرش واغتصاب حقه وملكه. وهناك الكثير من الإفكار والاكتشافات وبراءات الاختراعات، يقوم بها كل لوحده، ولكن ماوصل إليه هذا الرباعي هي كنوز من المال مالم يجمعه خوفو في هرمه، ولا قارون في خزائنه، ولا زورو (Soros) اليهودي الحالي. إنه مال أكثر من التصور .. مال كثير وفي فترة قصيرة نسبيا. تصوروا مافعله الشاب علامة جبل السكر (Mark Zuckerberg) ذو الـ 36 عاما (ولادة 14 مايو 1984م) مخترع الفيسبوك من فقير خاوي الوفاض إلى ملياردير بجيب محشي بمائة مليار دولار خلال سبع سنين بين عامي 2004 و 2011م وجمعية تضم 800 مليون عضو من الأنام وهي الآن أضخم وجيبه أكبر! هل يمكن تصديق هذا؟ ليس هذا فقط بل الإعلان عن دخول الفيسبوك إلى سوق البورصة، كما أعلنت عن ذلك مجلات مهمة في عالم الاقتصاد مثل (ميجا بورزينجانج Boersengang  Mega)  وحمى الفيسبوك Facebook Fieber إن ثروة هذه العمالقة الأربعة شيء مخيف! لنقرأ الأرقام التالية  :أقلهم (الأمازون Amazon) بـ 90 مليار دولار بقيادة الإمبراطور جيف بيزوس  (Jeff Bezos) ومع كتابة هذه الأسطر قفزت إلى 120 مليار، وبعده جبل السكر  (Zuckerberg)  سيد (الفيس بوك) بمبلغ 100 مليار دولار، يأتي بعده (الجوجول) الذي يملكه الثنائي المرح لاري الصفحة (Larry Page) وسيرجي برين (Sergey Brin) بمبلغ 200 مليار دولار. وعلى قمة الثروة تتربع آبل بمبلغ خرافي يصل إلى 360 مليار دولار!. حاصل جمع الأرقام السابقة يصل إلى سقف ينقلب إليك البصر فيه خاسئا وهو حسير. إنه رقم 750 مليار دولار قريبا من تريليون دولار. ما يتمناه الاتحاد الأوربي للخلاص من ورطة الحريق اليوناني وانخساف الأرض باليورو، وكل إنفاق أمريكا العسكري لايصل إلى تخومه (500 مليار للعقد القادم) إنه رقم تقوم على أكتافه إمبراطوريات وتنهدم دول وعروش.هذا المال.. المال الكثير هو ملكية أربع مؤسسات وخمس أشخاص!. (جيف بيزوس  (Jeff Bezos) + Mark Zuckerberg = مارك جبل السكر +  (Larry Page) وسيرجي برين (Sergey Brin) + ستيف جوبز ومن بعده) وهذه العمالقة الأربعة هي أمريكية مما يجعلنا نرى نوعا من التجدد الخفي في شرايين إمبراطورية اليانكي، بعد سلسلة من الهزائم في حروب خاسرة بين العراق وأفغانستان، وما حصل في وول ستريت حيث طالب المتظاهرون باحتلاله، بعد سمعته السيئة تالية لنكبة السوق العقارية وتبخر مئات المليارات في سوق الحرامية. وتوقف إرسال المسابر والمنصات للملأ العلوي منذ فترة وبوار سوق صناعة السيارات. وإعلان البنتاجون التقشف لإيجاد جهاز دفاعي أرشق بتكاليف أقل وارتفاع ديون أمريكا إلى ذرى لم تصل إليه في كل تاريخها بتريليونات! هؤلاء العمالقة الأربعة يبدلون العالم ومعه أيضا أمريكا التي تقود العالم... إلى حين. مع هذا فالحرب ضروس بين العمالقة الأربعة هي حول امتلاك المستقبل. الجدير بالذكر أن هذه المؤسسات ليست عسكرية وسياسية بل تكنولوجية اقتصادية وثقافية. ولكن متى بدأ عمل أولئك العباقرة وولد إنتاجهم فضربوا ضربتهم ووضعوا أيديهم على سطح الكرة الأرضية؟ أين مكان توضعهم؟ وإلى أين يميل ميزان القوى؟ مع مزايا العمالقة الأربعة تطير أمريكا بأربعة أجنحة إلى المستقبل. منتجات آبل تنقل المعلومات مع الحركة. الجوجول يفتح خزائن معرفته لكل سائل بالمجان. واجهات لخزائن كل شيء يطلبه الشاري والباحث في مخازن الأمازون. ويقوم الفيسبوك بربط الناس بشفافية فيبنون الصداقات ويتذكرون طفولة بعضهم بعضا وقرابتهم عبر القارات. مجموع كل هذا يكرر إنتاج مايعرف بالطريقة الأمريكية في الحياة. الأربعة هم القوى العظمى وديناصورات عالم الديجتال. بينهم لايوجد سلام. وما يدفع الكل هو جنون العظمة أن يسيطر كل واحد على كل شيء، ما يجعل المستقبل طوع أمره وفقط. الاربعة شركاء متشاكسون لايرضون بأقل من السيطرة على عالم الانترنت في الغابة العالمية. فلمن سيكون المستقبل؟الوضع الحالي يقول أن الاشتباك حاصل بين هذه الحيتان الضخمة؛ الجوجول يحاول السيطرة على سوق الموبايلات فيدفع آبل بعيدا. الفيسبوك يحاول منافسة الجوجول في السيطرة على المعلومات فينافس في مجال البحث عن المعلومة. الأمازون ينافس آبل بأجهزة القراءة ليزر مما يتفوق به على آي باد (iPAD). آبل تحاول غزو سوق التلفزيونات. بقية العالم يتفرج على هذا التخاطف لآخر معاقل الثقافة الإنسانية طالما تتحول إلى ديجتال.لمن سيكون الاجتياح ؟ لا أحد عنده الجواب النهائي؟ والآن ماذا يمثل كل من العمالقة الأربعة وما هي مراكز ثقلهم وحقول تأثيرهم؟ عالم الديجتال هو قارة جديدة مجهولة ونحن نعيش عصر ما بعد الرأسمالية. والكون الإلكتروني ليس له إرادة أو أخلاق أو هدف. إنه بكلمة مختصرة نسيج ابتكرته العقول الإنسانية واستخدمه الجنس البشري فانقلب العالم فجأة. أنا شخصيا أتذكر نفسي جيدا عام 1993م حين كنت أرسل مقالاتي بالبريد لنتحول فجأة إلى الفاكس ونحن مسحورون! كان الكمبيوتر في بداياته عام 1988م وقوة الذاكرة في حدود 20 ميجا بايت ونحن نفرك عيوننا من الدهشة. كانت المراسلات بيني وبين أصدقائي بالبريد العادي وليس الإلكتروني. كنت أجلس يوم الخميس بعد صدور مقالتي (جريدة الرياض يومها) فأصور منها عددا ثم أطويها في مغلفات خاصة وأرسلها لأصدقائي. قال لي أبو محمد من حلب إن المخابرات السورية رابها الإرسال المنتظم للمقالات ففتحت صندق بريده وحققت معه! قال لهم هل أقول له أن لايرسل؟ قالوا لا دعه يرسل لنعرف ماذا يرسل؟ كانت المقالات في معظمها علمية. حاليا اضحك أنا من غباء الأجهزة الأمنية وعدم مواكبتها التطور العلمي. إنهم يشبهةن من جهة ساحرات العصور الوسطى يريدون اصطياد طائرات نفاثة تئز من فوقهم بعصا! إن الثورات في الربيع العربي تدين بقسم منها إلى عالم الديجتال. الرباعي الذي يتقاسم عالم الديجتال حاليا هم (الجوجول Google) الذي يدعي (المعرفة الكلية). و(الآبل Apple) صاحب المعرفة المتنقلة (الحركة الكلية) كما وصفته مجلة در شبيجل الألمانية (49\2011) أما الثالث (الأمازون Amazon) فهو المورد لكل شيء فلم تعد مبيعات الأمازون الكتب بل يبيع كل شيء ويكسر احتكار الطفيليين بين البائع والمشتري. أخيرا (الفيسبوك Facebook) مملكة مارك جبل السكر (تسوكربيرج) فهي عالم الشفافية الكاملة. ولنبدأ أولا بعالم الجوجول فما هو؟ 1 ـ جوجول (GOOGLE) : المعرفة الكلية (Total Knowledge): الجوجول: دنيا المعرفة الكلية. يمكن مقارنة ما فعله الجوجول بإيصال المياه المركزية النقية إلى البيوت. أنا شخصيا عرفت هذا التحول بعد أن كنا نعتمد على مياه الآبار. كانت ثورة في عالم السكن أن تمد يدك فتغسل من صنبور (حنفية = روبين بتعبير المغاربة) تعطيك الماء النقي فتغسل بالماء الدافئ على مدار الساعة، بعد أن اقترنت خدمة البيوت بالكهرباء والماء. هذه هي الحياة العصرية. سفلتة الشوارع. المياه. الكهرباء. السيارة، والآن يتوج البشر بعالم الديجتال الذي يوصل العالم من أقصاه لأقصاه، وتتربع الجوجول على ينابيع لانهاية لها من المعرفة، يدخل على أبوابها السائلون بأكثر من مليار استفسار وبحث يوميا. حين بدأ الثنائي (سيرجي برين) و (لاري بيج) عملهما عام 1998م تحت عنوان سنجمع كل معلومات الجنس البشري، وحين ولد المشروع في في كاراج كان أشبه بالمزحة ولكن هذا ماحصل، وحاليا يعمل الشابان في إمبراطورية رأسمالها 200 مليار دولار و24400 خبير في كاليفورنيا في جبل الرؤية (ماونتن فيو Mountain View). لم يقف الأمر عند المعلومات؛ فبعد سبع سنوات (عام 2005م) من الإقلاع في عالم الديجتال وخزن المعلومات جاء الدور على جوجول إيرث (جوجول الأرض Google Earth) وبدمج المعلومة على الموبايل، أمكن للإنسان أن يعرف نفسه في أي مكان بالعالم، بعد أن تم ترسيم خرائط العالم أجمع، بل المشي في الشوارع سياحة بدون سياحة. أنا شخصيا أتأمل بيتي في هضبة الجولان حيث بنيت لنفسي فيلا جميلة وحرمني منها البعثيون العبثيون فحولوها إلى مركز تعذيب المواطنين العبيد، بنفس الوقت أقفز لكندا فأرى رأي العين بيتي في مونتريال، وكذلك حافة الأطلنطي في المغرب حيث سكنت في مجمع كاليفورنيا في مدينة الجديدة. إنه عالم جديد أليس كذلك ذلك الذي حققه الجوجول؟ فلم يعد يدهش أحد وهو يستخدم جوجول الأرض في التحليق فوق الكرة الأرضية يديرها كيف يشاء؛ فيستعرض القارات والبحار؛ فيعرف أي أرض تقله وأي سماء تظله، وأي نجم يشع فوق رأسه، وكل مكتبات العالم المليونية تحت تصرفه. إنه عالم بهيج وخطير بنفس الوقت؛ فنحن نودع الذاكرة البشرية في أيدي مؤسسات متطاحنة، تريد السيطرة على أفكارنا ووسائلنا واتصالاتنا، والويل لنا من هذا الفخ الذي نصبناها لأنفسنا بأيدينا. يقول المثل العربي (يداك أوكتا وفوك نفخ) عن ذلك البدوي الذي نفخ القربة ليعبر بها نهر الفرات؛ فلما كان في اللجة نفَّست القربة فقد كانت مثقوبة، ولما كان صاحبنا لايحسن السباحة فقد غرق؛ فذهب مثلا في الحماقة التي يرتكبها صاحبها بيده وينتهي بالهلاك. بالمناسبة كلمة جوجول كان أول تعرفي عليها من عالم البيولوجيا من كتاب الدماغ لسيد رصاص، حين ذكر أن جزيئات الكون كلها تبلغ عشرة قوة 83 ولكن ترابطات نورونات الدماغ تقفز فوق عشرة قوة مائة إنه الجوجول. وهي رمز المعرفة الكلية كما ذكرتها مجلة در شبيجل الألمانية عن هذه القفزة النوعية في المعرفة الإنسانية. كنت قبل أيام في صدد البحث عن كلمة غثبر؟ عييت في القاموس المحيط للفيرز آبادي وكذلك لسان العرب لابن منظور الأفريقي ولكن الجوجول اعطاني المعنى بسرعة خرافية. قال هو الذي يعكر المياه والأخلاط . ربما أو ذلك الذي يعاني من جهازه الهضمي؟ في الحقيقة الكلمات نحن من يشحنها بالمعنى فهذه هي فلسفة الكلمة. يقول رئيس المؤسسة (ايريك شميدت) أنه لو أمكن تسريع البرنامج 2 ـ 5 ثواني في البحث فلسوف نوفر على البشرية مائة ألف من سنين البحث. المعرفة الكلية أصبحت في متناول كل إنسان، وفي أي حقل معرفي، وفي السؤال عن أي شيء. لم يعد من حاجة لدخول مكتبة والعس فيها الأيام  والليالي؛ بل بكبسة زر فتتداعى المعلومات من دماغ عملاق يلف الأرض والجغرافيا والتاريخ وفنون المعرفة، التي تعبت في تحصيلها جهود الجنس البشري خلال ستة آلاف من السنين. مع هذا فالتطاحن الآن مع المؤسسات الثلاث الأخرى آبل + فيسبوك +أمازون في أكثر من ميدان واختراع، مثل (كيندل فاير Kindle fire) في وجه آبل وجوجول + في وجه الفيس بوك أو الاندروئيد الذي طوره الجني (أندرو روبين) فاحترق قلب (ستيف جوبز) مؤسس آبل وقال لقد سرقوه من إبداعنا للآي فون (iPhone) ولسوف أكرس كل قرش من ثروتي البالغة أربعين مليار دولار في إشعال حرب نووية حرارية معهم! ثم ودع وأصبح ضيف التراب الأبدي. إنهم يبالغون جدا أليس كذلك! أعذب الشعر أكذبه أليس كذلك؟ كان البدوي الصحراوي الشاعر يقول أن لو أغضبوه ملأ البحر سفينا وهو لم ير البحر كما ورد عن عمرو بن كلثوم في قصيدته مَـلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا            وَظَهرَ البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا إِذَا بَلَـغَ الفِطَـــــامَ لَنَا صَبِـيٌ             تَخِـرُّ لَهُ الجَبَــابِرُ سَاجِديْنَـا إنه جميل أن تجمع المعرفة الإنسانية على هذا النحو الكلي واستدعاءها بالسرعة الخارقة حتى لو أراد الإنسان قطع مسافة بين مدينة وأخرى. أذكر سفرتي بين مونتريال وفيلادلفيا في أمريكا وكيف زرنا منطقة الأميش الذين لايعرفون كل هذه التقنيات الجديدة، ويتنقلون بالحناطير (عربات تسوقها الخيل) ولايستخدمون الكهرباء، ويتعاملون بسلام مع المجتمع الأمريكي المحيط بهم؛ فهم قوم لايؤمنون بالدفاع عن النفس. لقد مثلهم فيلم الشاهد (Witness) الذي كان بطله هاريسون فورد خير تمثيل. الطريق إليهم أعطانا الجوجول تفصيلات عجيبة في كل كيلومتر نعبره من نقطة الانطلاق حتى الوصول؛ فأين مقتفي الآثار ليروا العالم الجديد الذي أصبح لكل احد منا مثل كفه؟ فيقرأ الخطوط والثنيات والتعرجات والبصمات . ومن سنحت له فرصة زيارة مكان الجوجول في كاليفورنيا فلسوف يدهش من عالم ملون مريح. حمامات سباحة. دراجات. أمكنة رياضة واستجمام لكل من يريد. زوايا قهوة. وأذرع من الخضرة البهيجة في كل مكان. إنه مكان مريح للعمل؛ وفي المنتصف تمثال هائل لديناصور برونزي. وحسب المدير الحالي فهو يطمح إلى عالم الجوجول الذي ينتج سيارات خاصة به، تغذى بالكمبيوتر، وتلفون جوجول يعمل بطرق التخيل. إن طموح الشركة لاحدود له كما قال (ايريك شميدت) ذلك لمجلة (البوردا) أثناء زيارته لميونيخ.   آبل (Apple) : الحركة الكلية (Total Mobility) إن مبيعات آبل التي اقتحمت كل بيت، ووصلت مبيعاتها في ربع عام 2011م إلى 146 مليون جهاز في العالم، بدأت متأخرة عن الأمازون، التي كانت السباقة بين العمالقة الأربعة، فقد بدأت الأمازون عام 1995م وببيع الكتب فقط وتحت عنوان هل هناك كتاب لم تعثر عليه بعد؟. تلتها الجوجول عام 1998م . لتلحق بها آبل عام 2001م بالموسيقى بجهاز آي بود (iPod) ثم وفي عام 2003 تثني بالآي توينس (iTunes) قبل أن تقفز إلى آي فون الشهير عام 2007م (iPhone) الذي لم يبق مدر ووبر إلى ودخله. صديقي عبد الواحد يلعب ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات في  واحد منه ويسمع الموسيقى. أنا شخصيا مازلت على موبايل الدمعة المطور، مرتاح معه ومسرور من إداءه، تحت فلسفة الموبايل للحديث بصوت واضح، وإرسال رسائل نصية واضحة. حتى فاجأتني ابنتي بهدية من تلفون ذكي بدل العالم عندي فبدأنا نتحدث مع كل العالم مجانا على نظام الواتس أب والأيمو. أخيرا في عام 2010م قفزت آبل إلى بناء كتابها الخاص بنظام آي باد (iPad)والتحدي كبير امامها بعد وفاة مؤسس الشركة (ستيف جوبز) أن تبقى على معدل التنافس والسباق ومد السوق بهذه المعيارية من جمال الأجهزة. يقول (مارتين ليندشتروم) من التسوق العصبي إن جهاز الايفون يعمل فعل الإدمان ولكن بالحب لهذه الجهاز الأنيق. يبدو أن كل من تعامل معه أحبه وأصبح صديقه. حتى عام 2007 حين بدأت آبل في تثوير نقل المعلومات كما رايت أنا عند ابنتي في مونتريال وهم يتلقون الأخبار من كل مكان يتحركون به، ومن خلال الفيس بوك آخر أخبار الثورة السورية. لم يعد التلفزيون في البيت. إنه الآن في جيبك مع المعلومة. هذا هو إبداع آبل كما سمتها مجلة در شبيجل الألمانية: الحركة الكلية. قالت يومها (موتورولا) و(نوكيا) لايمكن أن يحدث هذا؟ ولكنها نفس مقولة الموبايل بذاته كيف يمكن أن يسمع الإنسان التلفون بدون شريط وجهاز؟ الموبايل كسر الجمود لصالح الحركة، وحاليا توجد مليارات الموبايلات على امتداد الأرض وبعشرات الأشكال. وكل من المؤسسات الأربعة تريد ربط هذه الأجهزة بنظامها فقط. هذا هو الصراع الجديد. وماعملته آبل ليس أحهزة جميلة أنيقة بل عالم يقترب من المثال. تأمل جهاز الآي فون لتدرك ذلك وكل يوم هو في شان. وأعلن ستيف جوبز (الحمصي الأصل بالمناسبة) قبل موته بشهرين أنه في صدد نقل مشاريعه إلى عالم التلفزيون، ولسوف يصمم جهازا سهل التحكم والقيادة، وكانت توقعاته أن يكون في نهاية عام 2012م ولكن يد المنية كانت أسرع فمات شابا وهذه هي الحياة ونهاية المبدعين. إن ستيف جوبز مثال للنموذج الفردي الأمريكي، كيف يمكن لفرد أن يصل إلى بناء إمبراطورية برأسمال 360 مليار دولار، وبشركة تضم 46600 خبير وبوقت قصير نسبيا. قارن هذا الإبداع بما تفعله ديكتاتوريات العالم العربي ومنظر الدماء المسفوحة لأهل حمص وستيف جوبز هو من أصل حمصي! فأين وصل هو؟ وماذا نال أهل حمص من صواريخ طاغية دمشق البراميلي إنها الغابة البعثية العبثية أليس كذلك؟   ولادة العمالقة الأربعة استفدنا من المفكر الجزائري (مالك بن نبي) قاعدة تقول أن كل حدث هو علاقية جدلية بين السبب والنتيجة؛ بمعنى أن كل حدث هو في نفس الوقت سبب ونتيجة في جدلية الزمن؛ بكلمة أخرى هو نتيجة لما قبله وهو بنفس الوقت سبب لما سيأتي بعده. ومن هذه القاعدة يجب معرفة ظروف ووقت ولادة العمالقة الأربعة؟ يبدو أن نهاية القرن العشرين هو الذي دشن هذا الفتح المبين؛ فبين عامي 1995م و2011 على امتداد 15 عاما تلاحقت فتوحات عالم الديجتال. أنا شخصيا كان من أدخلني إلى عالم الكمبيوتر ابنتي مريم حين أدخلنا إلى منزلنا الكمبيوتر بسرعة بسيطة و رام (RAM) لايتجاوز 16 اليوم 256 عادي وكنا مع البنتيوم فرحين ونحن الان على عتبة كمبيوتر الكوانتوم حسب قانون التسارع المعروف في عالم الكمبيوتر وبناؤه، بل يقوم ماركرام في لوزان بمحاولة تقليد بناء الدماغ من عمل شيبس الكمبيوتر (الرقائق). في عام 1995م بدأ الأمازون في أمريكا وانطلق من عالم الكتب. أنا شخصيا أتذكر مكتبة عجان الحديد في حلب وفي مكتبته ليس من كتاب في التراث إلا وجدته عنده. من الخارج لم تكن تغري كثيرا أما محتواها فهائل. الأمازون في عام 2010 بعد 15 سنة من الانطلاقة كانت مبيعاته السنوية 32.2 مليار دولار بربح سنوي 1,2 مليار دولار وشركة تجمع من العاملين 33700 خبير! مركز إمبراطورية جيف بيزو في سياتل ـ واشنطن. فكر جيف بيزوس في عالم الكتب فضرب آبل بدل (آي باد) بتنزيل الكيندل فاير (Kindle ire) حيث يمكن قراءة 1400 كتاب لمكتبة عامرة وبطريقة سهلة وبمزايا أنيقة في تتبع القراءة والكتب. في نفس الوقت جعلت هذا الجهاز من ملكياتها فلا يمكن لأي جهاز أن يعمل عليه إلا مايختارون. بعد الأمازون بثلاث سنين في عام 1998م تأسست شركة الجوجول ليلحقها بعد سبع سنين (2005) جوجول الأرض (Google - Earth) مع خدمة الخرائط التي تصل حاليا إلى أبعاد لم يحلم بها إنس ولا جان. اليوم كنت أسمع من قناة مونت كارلو عن تقنيات جديدة لراكبي السيارة أن تمسح لهم المنطقة من حولهم حيث يسافرون بل ويتخاطبون مع السيارات المجاورة لهم وهو يقودون عرباتهم المرفهة. إنها جنات من ديجتال مصفى ولهم فيها ماتشتهي الأنفس وتلذ الأعين. الجوجول تعمل حاليا في جبل الرؤية (ماونتن فيو ـ كاليفورنيا) وبعمل يصل إلى 29,3 مليار دولار وربح سنوي وصل عام 2010م إلى 8,5 مليار دولار ويعمل في المؤسسة 24400 عامل وخبير، وضربت الجوجول ضربات مضاعفة جديدة في تقوية مركزها في السوق فانزلت الاندروئيد وهو مطور عن الآي فون ويقرأ حالة الجو وتلوث المناخ ودرجات الحرارة وما شابه، وفي وجه منافسة الفيسبوك أنزلت نظام جوجول بلس (Google +) آبل (Apple) تأخرت قليلا في السباق وبدأت بعد ست سنوات من الأمازون عام 2001م  وثلاث سنوات بعد الجوجول. بدأت بالموسيقى فأبدعت  آي توينس وآي بود (iTunes , iPod). آبل أسسها شخص واحد (ستيف جوبز) يقال أن أصله حمصي ربما من باب عمر حيث قصفت براجمات الصواريخ الأسدية في شتاء 2012م! آبل مقرها في (كيوبريتنو) في كاليفورنيا بلغت عملياتها عام 2010م 64,2 مليار دولار وربحت 14 مليار دولار يعمل عندها 46600 خبير. إنها مدينة عقول وخبرات أليس كذلك؟ استطاعت آبل لاحقا عام 2007 م تنزيل الآي فون الرائع وتبيع في ربع سنة حوالي 150 مليون جهاز في العالم. جيلنا ينظر حاليا إلى أطفال الآي فون بدهشة. أنا شخصيا مازلت أحمل جهاز دمعة مطور وقد خسر السباق مع الآب فون بشكل ملحوظ أداء وأناقة. آبل تخطط لغزو عالم التلفزيون ولكنها تلقت ضربة هائلة مع موت مؤسسها ستيف جوبز فمن سيربح في هذا الماراتون؟ أما مؤسسة الفيسبوك فتأخرت عن المازون تسع سنين عددا وعن الجوجول سبع سنين وعن آبل أربع سنوات، ولكن (مارك تسوكربيرج) ضرب ضربته وحقق فائض مالي تجاوز مائة مليار دولار في سبع سنوات سمان. بدأ الفيس بوك ع عام 2012م بنادي عالمي يضم 800 مليون عضو وعملة خاصة وآلية عمل خاص ونظام ضرائب ويدخل سوق البورصات بقوة وهو ما يرشحه أن يستولي على عالم المستقبل كما جاء في مجلة در شبيجل الألمانية (49\2011م) الفيسبوك (Facebook) اليوم رابضة في بالتو ألتو في كاليفورنيا (Palto - Alto) وتعمل بمليارين من الدولارات وتربح 0,6 مليار دولار سنويا ويعمل فيها من الخبراء ألفي شخص. الشفافية الكاملة (Complete Transparence) الفيس بوك: 800 مليون عضو على امتداد مساحة الكوكب. بمعدل كل واحد من ثلاث من سكان الأرض يدخل على النت. في ألمانيا كان العدد 14 مليونا ارتفع إلى 22 مليونا. خطتهم من يدخل على اليوتيوب يكون دخل على النت. يوصف مارك تسوكربيرج (Mark Zuckerberg) ملك الفيس بوك بأنه شاب في الثلاثينات بسيط الثياب والهندام جم النشاط والذكاء فالمال يفتح المواهب والرجل أصبح في جيبه أكثر من كنوز خوفو وقارون فقد تراكمت ثروته في سبع سنين سمان من الصفر إلى 100 مليار دولار. والرجل كريم يتبرع بمائة مليون دولار ضربة واحدة مساعدة للمدارس. شعاره سنغير العالم. ويريد معرفة كل شيء عن المشتركين عنده في الفيسبوك. الأمازون (كل شيء تحت التصرف ويمكن الوصول إليه). أنتجوا الكندل فاير بـ 1400 كتاب في مكتبة متنقلة ملئية بذخائر المعرفة. إنها تذكرني بمشروعي الفكري قوانين البناء المعرفي فقد حرصت على جمع كتب تنمي المعرفة أقل من هذا فيمكن بذلك لكل شاب يريد بناء نفسه معرفيا أن يحمل هذه الكتب الألفية ويشتغل عليها عشرين عاما. إنه مشروع تثوير القراءة وتراكم المعرفة الكمي. جهاز الكندل خفيف الوزن مثل الهاندي (Handy) وإذا مرت كلمة لم يفهمها القاريء أتاه الجواب بكبسة زر فلا حاجة لقاموس الفيروزآبادي و قاموس المحيط أو لسان العرب لابن منظور الأفريقي. وهناك القراءة الاجتماعية فيمكن الاطلاع على ملاحظات الأخرين، كما أن المكان الذي توقف عنده القاريء ليلا يجده صباحا وهو يقرأ في الكاندل الفقرة الأخيرة التي توقف عنده فلا حاجة لتشخيط المكان وطوي الصفحة. كله عالم عبقر بدون ورق وحبر. يباع الكندل حاليا بمبلغ 79 دولارا وفي ألمانيا بـ 99 يورو. إنها قفزة نوعية في التحصيل المعرفي.. جيف بيزوس إمبراطور المازون يريد الاحتفاظ بالاحتكار لنفسه ويشبه في هذا روكفلر قبل مائة عام وإضاءة العالم بنور القناديل. لذا فكتب الجهاز كندل لاتعمل عند غيره. كذلك فإن مبيعات الأمازون حاليا أقل مافيها الكتب، فهي تبيع كل شيء بدء من حمامات وأحواض السباحة إلى إطارات السيارات وقطع الغيار. خطورة هذا التطور أمران؛ من المصنع إلى البيت توصل الأغراض بدون طفيلي، وسوبر ماركت دونه كل سوبر ماركات العالم أجمعين. إن مجمع الأمازون في مدينة مثل (لايبزيج) يضيع فيها الإنسان من كثرة الأشياء الموجودة فيها من كتب ومعلبات ومصنعات واختراعات مايعرفه المرء ويجهل معظمه. نحن ندخل عصرا جديدا من البيع والشراء عن طريق النت. كنت يوما في البريد وقلت لهم انتهى عصركم بعد الفاكس والنت؟ قالوا على العكس اليوم بدأ عملنا. هذا الكلام صحيح على مستوى مبيعات المازون ولكن لامكان للكسالى والمتخلفين عن نبض التاريخ والتكنولوجيا وعالم الديجتال. بضاعة تصل لأي إنسان في أي مكان فقط عليه أن يحدد مكانه ويدفع الثمن عن طريق البطاقات الائتمانية. في عام 2010م باعت الأمازون 6 مليون جهاز كندل وبلغ سقف المبيعات عام 2000م 2.7 مليار دولار ليصل عام 2010 م إلى 34 مليار دولار. شعاره صديقي الشاري هل ثمة كتاب لم تعثر عليه؟ وغرض تعثرت في الوصول إليه؟ نحن في خدمتك وبالطبع يدنا في جيبك؟ وهكذا فأي شيء في أي مكان أصبح تحت التصرف وبأبخس الأثمان أو هكذا يزعمون. بوجود الحيتان الأربعة نشي صراع ضاري على امتلاك القارة المجهولة الجديدة عالم الديجتال.. فلمن ستكون الغلبة في امتلاك المستقبل؟ أذكر جيدا حين بدأ نظام (الفيديو ـ Vedio) عام 1979م . كنت حينها في ألمانيا والثورة الإيرانية في أوجها. بدأ النظام واشترينا من وكالة جرونديك (Grundig) أشرطتها الثقيلة العريضة وفرحنا. ولكن لم يدم فرحنا طويلا فلم ينجح النظام. جاء نظام (البيتا ماكس Beta Max) ففاز وكان حجم الشريط صغيرا عمليا، ثم نافسه (VHS) وكان بحجم الكف أكبر من البيتاماكس فطار وحلق ونسينا نظام الجرونديك. أتذكر تلك الأيام جيدا وكيف بدأ نظام الفيديو فيلم أيضا وكان جهاز التصوير منفصلا عن الفيديو بوزن خمس كيلوجرام. وحاليا لم يبق نظام بيتا ماكس إلا في الذاكرة. ومازلت أحتفظ بأشرطة من نظام (VHS) وهي جيدة وتعمل ولو بعد مرور ربع قرن، ولعلها أفضل من نظام الأقراص الليزرية (CD) من جهة حيث تعمل بدون مشاكل، ولكن ليس بنقاوة الأقراص الليزرية كما لاننس فارق الحجم، حيث يمكن حمل قرص واحد عليه العديد من الأفلام بدل الشريط الثخين القديم فلا يستويان مثلا، ولذا هجر الناس النظام القديم إلى الجديد؛ فلم يعد يشتري الناس أجهزة تعمل فيها الأشرطة القديمة إلا ربما من أجل نقل التراث القديم من أفلام شتى، حيث بلغ عدد الأفلام الممثلة حتى اليوم حوالي مائة ألف فيلم ويزيد. قانون التاريخ يتقدم على ساقين من الحذف والأضافة؛ فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام. مازلت أتذكر عام 1979 م فلا أنساه ونحن نسجل وقائع الثورة الإيرانية على أشرطة (VHS) والغرب يرجف من يقظة الشرق، ولم يكن يخطر على بالي ولو في أشد كوابيس المنامات أن تتحول الثورة الإيرانية إلى عدو للشعب السوري، وتساند نظاما قمعيا إجراميا دمويا، فقد انقلبت الثورة إلى دولة، ومن نظام حرية إلى وضع طائفي بغيض خارج إحداثيات التاريخ والجغرافيا، كل همها بناء صنم نووي ليس للاستخدام بل وحتى ليس للأكل مثل صنم عمر رضي الله عنه قبل إسلامه فكان إذا جاع أكله! إنها السياسة الوسخة فلنرجع إلى العلم النقي.عالم الديجتال كما ذكرنا يشبه من وجه قارة الانتراكتيس أي القطب الجنوبي؛ فهي أرض خلاف القطب الشمالي الذي هو جليد وصقيع من ماء. وعلى الرغم من انخفاض درجة الحرارة هناك دون الخمسين تحت الصفر ولكنها أرض عذراء نقية بما فيها من بحيرات عذبة لم تتلوث منذ خمسين ألف عام. عالم الديجتال يختلف عن الانتراكتيس أنه اختراع وليس اكتشاف؛ فهي قارة مجهولة ولكن مخترعيه عباقرة ضربوا ضربتهم وأبدعوا وغيروا العالم وملأوا جيوبهم من مال وفير. (الأمازون Amazon) يضع تحت تصرفك ما ترغب، و(الآبل Apple) يعطيك التنقل الكامل بالمعلومة وتلقيها أينما كنت، و(الفيسبوك Facebook)الشفافية الكاملة، أما (الجوجول Google) فيدخلك إلى كهف معرفة لاتنضب معلوماته وتزداد كل يوم فهو بحر المعرفة الكلية. ولكن هناك مشكلة خطيرة بين هذه المؤسسات الرباعية فهي تخوض صراعا ضاريا في الاستحواذ على خريطة الديجتال، وقد نفاجيء بخامس يضاف لهذا الرباعي فيضيف لما نعرف الجديد والمفيد. المشكلة في هذه المؤسسات العملاقة أنها تعطي المزيد من الراحة لكل من يتعامل معها، ولكن من جهة خفية تسحب منه مزيدا من الحرية؛ فالفيسبوك يخترقنا، والجوجول أئتمناه على ذاكرتنا. إنها مؤسسات تصطاد الأفراد بشبكات تحتبس فيها هذه الكائنات. فلسفة الجوجول قد تحمل لونا من التناقض فهي تعطي المعلومة بالمجان، ولكنها حصرية عليها ولها؛ فهل هي عين الصدق ونبع التقوى؟ تأمل مثلا الويكيبيديا ومن يدخل عليها. الفيسبوك يقضي على الخصوصية وتقع كامل الشبكة في قبضة الشمولية. وتشتهي حكومات كثيرة أن تمتلك عن الأفراد ماتعرفه الفيسبوك عن 800 مليون إنسان في المعمورة. لاغرابة أن لايثق الواحد بالبقية، والكل يتجسس على الآخر، والكل يسرق من الكل. إنها حكومات جديدة متشاكسة. (ستيف جوبز) مؤسس الآبل أقسم وتوعد وهدد أنه سينفق كل قرش يملكه من ثروته التي تبلغ 40 مليار دولار أن يدمر الاندروئيد الذي طورته الجوجول! قال الرجل إنه نسخة عن الآيفون! قال إذا تطلب الأمر أن نشن حربا نووية فأنا مستعد، ولكن الموت كان أسرع إليه من شراك نعله. إن المبالغات لا حد لها كما نرى. ولكن بنفس الوقت عمق الإحباط وهو يرى أجمل ماتعب عليه يلعب به الآخرون وجهده يسرقون! ما هو الاندروئيد؟ رجل ذكي كان من صنعه من وادي السليكون اسمه (اندرو روبين) ويمكن أن يعمل الجهاز على 300 نوع من الموبايلات خلاف الآيفون. ومستوى بيعه خرافي فقد ظهر مخطط البيع صاعدا مثل طائرة تقلع من ارض مطار. يقول روبين سوف نجعل الايفون من آبل من منسيات التاريخ! ميزة الاندروئيد أنه صالح لآلاف الاستخدامات في أجهزة القياس وحرارة الكون ورطوبة الجو ومقدار تلوث الهواء ويعطيك التفصيلات عن مشكلة الاحترار الكوني وهو يجمعها من ملايين نقاط المعلومات المتفردة. أما الفيسبوك فقد نبعت الحاجة لها من حاجة الناس إلى العلاقات الاجتماعية الحميمة أكثر من من المعلومات والمعلومات فقط. الصراع بين الجوجول والفيسبوك بلغ الذروة حول الأدمغة والخبرات، ولذا فقد تقدم الجوجول لخبير مهم بنصف مليون دولار هبة مع زيادة مترقية في الراتب. مع هذا فهؤلاء (الأدمغة) ينظرون للمستقبل ومع دخول الفيسبوك إلى مستوى البورصات فلسوف يحققوا من الارباح أكثر من عظيم الرواتب فهم إلى حقول الفيسبوك يزحفون. يسري (مثل) في أمريكا الشمالية أن أصحاب الرواتب الثابتة لن يصبحوا أغنياء قط مهما علا مقدار الراتب. أذكر جيدا من كندا ذلك الشاب المضارب (ميشكو) كيف حقق ثروة باللعب بهذا القمار فخلال سنوات من المضاربات جمع ثروة ارتاح على ظهرها ولا أعرف هل أفلس أم زاد؟ إنها أمريكا وسحرها وسحاريها أليس كذلك؟ حاولت الجوجول الرد على الفيس بوك وقالت حسنا هل تريدون أكثر من المعلومات من حميمية الاتصالات فلنخترع شيئا جديدا فيه ميزة المعلومة والاتصال وهكذا اخترعت الجوجول ماسمي بجوجول بلس (Google +). (آميت سينجهال Amit Singhal) يعتبر من الأدمغة الخمسين في أمريكا الشمالية خلف نظام المعلوماتية هو من طور القفزة الجديدة لجوجول وهو يرى أن المعلومة يجب أن لاتكون قطعة مفردة بل لها بعد شخصي أيضا وهذا يعني ثورة عالمية. بالمقابل يرى (جون كالاس John Callas) وهو رائد في تطوير نظام آبل أن من يستفيد من التطوير والمعلومات يعني بالنسبة للمؤسسات أرض فلاحية وزراعة تنتج رؤوس سلطة، والحصاد هو المهم، تماما كما يفعل أصحاب المحميات في بيع الخضار. أين وصلت الأمور؟ يعتبر ستيف جوبز نموذج الحلم الأمريكي شخص واحد يبني مؤسسة تضم أكثر من أربعين ألف موظف وخبير وبرأسمال يقترب من حافة 400 مليار دولار. مشكلة آبل أن مؤسسها فارق الحياة بسرعة. وفي اليوم 14 من تكريمه اجتمع عمال وموظفو آبل ليتحدث إليهم الخليفة الجديد تيم الطباخ (كوك) قال بصوت خاشع لاتكونوا مثل والت ديزني الذي انتهت شركته مع موته ليتابع كل منكم مايستطيع فعله ولكن القول سهل أليس كذلك! كان مشروع ستيف جوبز الأخير هو دخول عالم التلفزيون فبعد نقل المعلومة لتصبح متحركة مع جهاز الآيفون يحاول أن يقوم بنفس الحركة فترى بجهازه ماتراه في منزلك من التلفزيون. كلام الرجل فيه قدر من المصداقية فهناك العديد من المؤسسات التي تحاول كسر الهيمنة الأمريكية بوجود أو موت مؤسسيها مثل (IBM) و (Microsoft) و (Yahoo)  و ((Netscape و (AOL )  و My) Space ) وعند الصينيين مثل Baida)  و Sina ). الخلاصة التي تنتهي لها مجلة در شبيجل الألمانية أن آبل استنفدت إمكانياتها، ومع موت مؤسسها لن تصمد أمام زحف الفيسبوك، وقد قدمت أفضل ماعندها، وجميل لها أن تحافظ على مكتسباتها، أمام تنافس سمك القرش العالمي. فمن سوف يسيطر؟ يبدو أنها جمهورية علامة جبل السكر (مارك تسوكر بيرج). يبدو أن المستقبل سيكون للفيس بوك فقد تجنبت أغلاط شركات مثل AOLالتي وقعت في أغلاط الجمهوريات الاشتراكية التي تضخمت فيها البيروقراطية إلى درجة الانهيار كما حدث مع جمهورية ألمانيا الديموقراطية الاشتراكية فانهارت مع هونيكر. إنها لحظات مخيفة لانهيار الأنظمة كما حصل مع الرحيل الجماعي من جمهورية ألمانيا الشرقية. وحاليا تقوم الفيسبوك على سياسة حكيمة من عملة خاصة ونظام ضريبي وتشجيع مغري للعاملين وأعضاء وصل عددهم إلى 800 مليون عضو بشفافية خطيرة وقواعد مرنة للتعامل وما ينتظر هذه المؤسسة غد من نزوح جماعي من باقي المؤسسات إليها! فهل هذا الكلام جدي وصحيح؟ تعلمنا من القرآن قوله: قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى. جبابرة المستقبل الأربعة عالم اليوم ديجتال، والكرة الأرضية غرفة صوتية. والعلم حطم الجغرافيا محققاً كلمة الله القائلة بأن الشعوب والقبائل واللغات والمذاهب تتعارف. لكن من قاد هذا الانقلاب في تفكير وعلاقات البشر، ليسوا العسكر ولا الساسة، وإنما شباب مدوا أيديهم إلى عالم الديجتال فامتلكوه. إنهم الرباعي المرح: "جيف بيزوس" إمبراطور "الأمازون"، والثنائي "لاري بيج" و"سيرجي برين" سيدا جوجول، و"تيم كوك" صاحب التفاحة الذي باع من أجهزة الآي فون في عام واحد 146 مليون جهاز وبنى ثروة تصل 360 مليار دولار، مقابل 80 مليار دولار للأمازون و200 مليار لجماعة الجوجول و100 مليار لمارك شوكربيرج الذي حقق ثروته من الصفر وخلال سبع سنوات فقط. إنهم يذكرون بجيتس وبرنامج السوفت وورد والماوس الرهيب الذي حببنا في الفيران، مثل قصة الراتتيو التي أنتجتها والت ديزني عن الفأر الطباخ. يطلب على جوجل يومياً مليار باحث بسؤال يريد إجابة، ويتكدس حول شوكربيرج 800 مليون عضو في الفيس بوك. ويطلب من الأمازون يومياً 800 مليون طلب، فقد آن الأوان لإغلاق السوبر ماركت وحدوث انقلاب في تكديس وتوزيع البضائع، في ضربة موجعة للسوق الرأسمالية. إنه عصر ما بعد الرأسمالية تحمله أمواج البحر الأخضر الإلكتروني بأجنحة من الإنترنت، ويطوف فيه من يريد معرفة العالم محلقاً حول الكرة الأرضية وما حوت، بواسطة "جوجل إيرث". كلهم ضربوا ضربتهم بقفزات في ثلاث سنوات (الأمازون 1995 ، جوجل 1998، آبل 2001، الفيس بوك 2003) وملأوا خزائنهم بمال كثير... أكثر من خزائن قارون ومستودعات خوفو. وكانت بركتهم بدون حدود لحركات احتجاج الشباب العربي، فأشعلوا الأرض ناراً في الشوارع والساحات بين شباب بطال عطال لا أمل له في المستقبل، فمنحوه أمل التغيير، وقفز الإسلاميون إلى سلطة تجهزت لهم على غير موعد لكن على طبق من جوجول وفيس بوك. هذا الرباعي يتنافسون بل ويتحاربون على امتلاك المستقبل. "جوجل" الذي يملك المعرفة الكلية ويزداد مخزونه من المعلومات ما تبكي أمامه مكتبة الإسكندرية لأنه يخزن يومياً عشرة أضعاف ما تحويه المكتبة في أطنان الكتب. الأمازون: كل شيء للبيع. آبل منحتنا الحركة الكلية بأجهزة تربطنا بعالم الإنترنت. وأخيراً الفيس بوك الذي يملك الشفافية وبناء مجتمعات الصداقة واكتشاف الأصدقاء. إذن هذا المزيج من العمالقة الأربعة الذين يملكون مفاتيح المستقبل الأربعة: المعرفة، الحركة، الخدمة، الشفافية، بدأوا الآن حرباً تذكر بقول الرب "بعضكم لبعض عدو" في عضاض ونهاش. أما الذي سيملك المستقبل فهو من كان خير زكاة وأقرب رحما، حتى ولو طال الصراع، فالكون مبني ليس على العبث بل على الحق. وحالياً هناك اتجاه في عالم الأدوية يطرح إمكانية دمج الأدوية المختلفة التي يتناولها شخص يعاني من عدة أمراض في دواء واحد. والسؤال الآن: لماذا لا يمتزج هذا الرباعي في حبة واحدة لفائدة الجنس البشري؟
اقرأ المزيد
حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram