يقول غورباتشوف (( الحرب النووية لايمكن أن تكون وسيلة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وإيديولوجية أو أي أهداف أخرى وتكتسب هذه الخلاصة في الحقيقة طابعاً ثورياً كونها تعني قطعاً نهائياً مع التصورات التقليدية حول الحرب والسلام ، فالوظيفة السياسية للحرب كان تبريرها عقلانياً أما الحرب النووية فهي عقيمة وغير عقلانية ففي النزاع النووي لن يكون هناك رابحون وخاسرون لإن الحضارة العالمية سوف تفنى فالنزاع النووي ليس حرباً بالمفهوم التقليدي بل هو انتحار )) ( 9 ) وانتبه الرئيس الأمريكي ( آيزنهاور ) إلى هذا التحول النوعي منذ عام 1956 م فأشار إلى أن الخيار المفتوح أمام الجنس البشري هو بين الموت والحوار وبأن عصر التسلح قد ولى ؟!
وإذا كان العالم قد وصل إلى هذه المرحلة في ضوء هذه البانوراما فلماذا تحدث الحروب التقليدية هنا وهناك في البوسنة وراوندا ، في اذربيجان والشيشان ؟؟ سألت زوجة الدكتور كامل بشغف لتسمع الإجابة فكل الشرح السابق لم يعطها برد اليقين .
إن هذا يتطلب إلقاء الضوء في زاوية جديدة مختلفة عن المسار الذي شرحناه وقدمناه . وهي تشمل الباقة الزهرية الفكرية التالية من حديقة الفكر :
( 1 ) تقول الفكرة الأولى : إن العالم الذي نعيش فيه قد تحول إلى شريحتين متميزتين ، الشريحة الأولى مضت في الشوط حتى منتهاه ، وطورت كل الأسلحة التي تخطر على البال ولاتخطر ، فوصلت إلى هذه الحقيقة التي قررها الرئيس الأمريكي ( آيزنهاور ) أي أنه لاسبيل إلى حل المشاكل عن طريق القوة المسلحة ، وفض النزاعات عن طريق الحروب ، ولذا توقفت عن استعمال القوة فيما بين بعضها بعضاً ، وهكذا اقتربت فرنسا وألمانيا مع كل العداوات التاريخية القديمة ، وتشكلت الوحدة الأوربية التي يزداد أعضاؤها كل يوم ، بحيث تتحول البحيرة الأوربية مع كل يوم إلى بحيرة سلام ، وأرض تفيض عسلاً ولبناً . والشريحة الثانية التي لم تدرك طبيعة التحول النوعي الذي دخله العالم بتطليق القوة ثلاثاً لارجعة فيها ، فهو وإن كان يعيش بيولوجياً في نهاية القرن العشرين ولكنه مازال يعيش عقلياً في القرن التاسع عشر ، فهي شريحة منتسبة إلى العهد العتيق ؛ عصر الغابة والهراوة والسيف والترس وامتداداتها من سبطانة المدفع أو التلمظ لـ ( صنم ) السامري الجديد ، سلاح شمشون الجبار ، القنبلة النووية ، التي يفككها من بدأ بصناعتها ، ويندم على مليارات الدولارات التي أنفقها في إنتاجها ، ويعلم علم اليقين أنها سلاحاً ليس للاستخدام ، فهي صنم السامري الذي له خوار ( فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار ) ولكنه لايضر ولاينفع ولايملك موتا ولاحياة ولانشورا ، ولو كان للاستعمال لاستخدمته أمريكا في أشد الظروف حلكة ً ، في حرب فيتنام وكوريا وسواه .
( 2 ) وتقول الفكرة الثانية : إن عيوننا ترى العجيب والمتناقض الآن فهناك تياران في العالم ، الأول يرمي بالسلاح ويتخلص منه ، بعد أن شعر أنه صنم لايضر ولاينفع ، وبدأ يكتشف أن أعظم سلاح هو الانسان الجديد المسلح بالعلم والسلم ، فهما الجناحان اللذان سوف يطير بهما إلى عالم المستقبل ، وتيار يكدس السلاح ويشتريه الليل والنهار ، بل والمضحك أكثر ، أن الفريق الأول يفكك السلاح الاستراتيجي فلايبيعه ، ويبيع السلاح السخيف ، فيقبض عليه أموالا وفيرة ، وهكذا أنفق العالم العربي في تكديس السلاح السخيف ودفع ( مليون مليون = تريليون ) دولار في مدى العشرين سنة المنصرمة ومازال ، كل ذلك بسبب هذه العمى التاريخي عن المتحولات الخطيرة في صيرورة التاريخ ووقع أحداثه .
( 3 ) وتقول الفكرة الثالثة : إن هذه اللعبة العجائبية والمسلية ، يدركها أساطين السياسة ، ودهاة التخطيط الاستراتيجي في العالم الغربي علم اليقين ، ولكنهم يحاولون المحافظة على هذا الوضع إلى أبعد مدى وأكبر وقت ممكن ، لقناعتهم الراسخة أنه في الوقت الذي يبطل فيه سحرهم سيخسرون امتيازاتهم ، ويتراجع مركزهم في العالم ، ليزيحوا المكان لقوى عالمية جديدة . ولذلك فإنهم يحافظون بل ويشعلون الحروب هنا وهناك ، لقناعتهم الكاملة أنها كلها حرائق مسيطر عليها وأماكن تجربة لحصر القوى الجديدة أن تبقى بعيداً عن الفهم الجديد ، ولذا فكل الحروب التي تشتعل هنا وهناك ، يجب أن نعلم أنها ليست تحت سيطرتنا ، بل تحت سيطرتهم ، وحتى عندما نبدأها فنهايتها ومصيرها ليست بأيدينا بل بأيديهم ، فهم ينصرون من يرون أن من مصلحتهم نصره ، ويخذلون من يرون في خذلانه فائدة لهم ، وإذا أرادوا أن يمدوا في حرب قرابة عقد من السنين لتصبح أطول من الحرب العالمية الثانية فلا حرج ، كي تجري فيها جنباً إلى جنب مصالحهم ودماء الآخرين ، واللعبة هي بين خبث الذكي وبلادة الغبي ، ولكن الملام الأكبر هو نحن المغفلين ،
( 4 ) وتقول الفكرة الرابعة : طالما هم الذين ( يدركون ) و ( يستطيعون ) فلماذا لايطفؤون الحرائق ، أو لايشعلونها على الأقل ، وجواب هذا هو أن العالم الذي نعيش فيه كما وصفه المؤرخ البريطاني توينبي يعيش حالة فراق بين العلم والقيم ، فالعلم شق الطريق إلى السلم ، كما فعلت التكنولوجيا الجديدة من ربط الناس وسرعة الاتصال وتطوير الأجهزة ، ولكن الذي حصل هو أن السياسيين مازالوا لم يقفزوا نفس القفزة النوعية التي قفزها العلم ، فهم مازالوا يريدون وضع الطاقة الجديدة في القربة القديمة ،، فمسلمة ( كلاوسفيتز ) القديمة في فن الحرب ، من أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل جدبدة ، قد طواها الزمن وأكلها العث ، ولكنها مازالت حية في أذهان الكثيرين الذين لم يعوا التحول الجديد . ومن هنا فإن المفكرين والفلاسفة يسبقون عصرهم ويتركون آثاراً بعيدة ، فلايظهر أثرهم إلا قليلاً في عصرهم الذي عاشوه ، فابن رشد مازال يعيش في ذاكرة التاريخ في الحين الذي لانذكر الحاكم أو الدولة التي كان يعيش فيها .
اقرأ المزيد
إن الحرب هي التجلي الأعظم لإلغاء الإنسان أخيه الإنسان ، فعندما يختلف اثنان هناك طريقان لاثالث لهما لحل المشكلة القائمة بينهما ، إما محاولة التفاهم بحيث يغير الآخر موقفه من تلقاء نفسه وبقناعته الخاصة ، وإما باستخدام أساليب ( الاكراه ) للآخر بصور شتى لاتنتهي ، فالعنف يبدأ من الكلمة وينتهي بالرصاصة ، وأشكال السلوك العنيفة لاتنتهي من رفع الصوت وحدة النظر والتوتر والانفعال والتآمر والكراهية والغضب والحقد والخبث والضرب والأذية ، وتتوج في النهاية بالإلغاء الكامل والتصفية الجسدية ، فالحرب هي الصورة النهائية والتجلي الختامي لحذف الآخر الذي لانعترف بوجوده ، نحذفه من الوجود بالسكين والمسدس والقذيفة والسلاح النووي والكيمياوي؟! فهذه هي فلسفة الحرب وجذر العدوان .
الحرب قديمة قدم الإنسان والحضارة ، وتشكلت كخطأ ( كروموسومي ) مع بداية تشكل المجتمع الإنساني ، فمع الحضارة ولدت الدولة ونشأت المؤسسة العسكرية الذكورية ، ومع ولادة التخصصات في المجتمع وتطور التقانة نبتت العلوم العسكرية والتكنولوجيا الحربية ، وبتعانق هذا الثالوث المشؤوم ( المؤسسة + العلوم + التكنولوجيا ) ولدت الحرب من رحم العنف ؛ صغيرة ضعيفة لتكبر وتنمو بأشد من السرطان والغيلان ، بل إن مجتمعات بكاملها تحولت لفترة طويلة أو قصيرة إلى مجتمعات عسكرية بالكامل كما حدث مع مجتمع ( اسبرطة ) القديم والذي أصبح مضرب مثل السوء ، مقابل مجتمع ( أثينا ) مركز العلم والفلسفة والفنون . ومع تطور آلة الحرب وعلوم استخدامها ، وضخامة المؤسسة العسكرية واستفحالها وتغول الدولة ، تفجرت الحروب والصدامات كتحصيل حاصل وكنتيجة حتمية ، وكلها تحت ستار ( الدفاع ) عن النفس المشروع ، أو أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع ، وبآلية الاستعداد المزدوج للدفاع يتشكل برميل البارود الذي لايحتاج لأكثر من عود ثقاب كي يتفجر ، فكانت الحرب كما وصفها ( غاستون بوتول ) بنت الحضارة وقاتلتها بنفس الوقت فالحروب قررت مصير العديد من الدول والامبراطوريات فارتفعت لتسقط بعد حين وبنفس الآلية .
ومرت دورات الحرب لتفرز أسلحة جديدة تنفع سواء في الصدم أو الوقاية أو الحركة ، وهكذا طور الآشوريون العربة الحربية ، واستخدم هانيبال الفيلة ، وطور الاسكندر نظام الفالانكس ببراعة ، واستخدم الرومان نظام اللجيون بدقة وتفوق ، وفتح الاتراك القسطنطينية بالمدفع الجبار ، وحول كل من جنكيزخان وهتلر جيوشه إلى فرق محمولة سواء بالخيالة أو البانزر ( الدبابات ) ، ومع دخول النيران سقطت القلاع والحصون ، وبتطوير المدفع الرشاش هزم الانكليز دولة التعايشي خليفة المهدي في السودان ، كما حصد الرشاش أرواح مايزيد عن ستين ألفاً من خيرة الجنود البريطانيين في الحرب العالمية الأولى وفي 12 ساعة فقط ( معركة السوم ) ، ثم حصل التحول النوعي عندما انتشر الفطر النووي فوق سماء هيروشيما معلناً وصول الإنسان إلى سقف القوة ، ممتلكاً هذه المرة سلاحاً ليس كالأسلحة ، فهذه المرة وضع يده ودفعة واحدة على الوقود النووي وأصبح مصير الجنس البشري برمته مهددا بالفناء ، فمع تطوير الجيل الثاني من السلاح النووي ( القنابل الحرارية النووية الالتحامية من عيار الميجاطن ) أصبح بالإمكان مسح عاصمة دولة عظمى تضم 20 مليون نسمة ؟؟؟!! وتحويل سطح الأرض في النهاية إلى مايشبه سطح القمر بدون شجر أو مدر ، وتحويل الكرة الأرضية إلى جمهورية من الأعشاب والصراصير والعقارب ربما ؟! .
تعتبر الحرب حسب تعريف المعهد الفرنسي لعلم الحرب أنها كارثة ذات ( 18 ) ثماني عشر وجه فهي : (( هيمنة وتأكيد مبدأ المانوية وعدم الاعتراف بالغير بل وإنكار وجوده واندلاع العنف وغياب الحق والمخاطرة بحياة الإنسان وتدمير الثروات المتنوعة وتكريس جميع النشاطات للمجابهات الدموية وأفضلية اللامعقول على المعقول والمطلق على النسبي في إطار عقلي شمولي ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة والفوضى واشتداد الأزمات والدم والعرق والدموع واللقاء الحتمي مع الموت وانقطاع أحمق يبرهن على فشل العقل والقلب )). مع كل صورة ( التنين ) ذو الألسنة النارية الثمانية عشر هذه كما تتكلم الأساطير ، فإن الإنسان يخطط لها ويبرمج ، ويسعى لها ويحفد ، يتدرب ويستعد ، فالثكنات العسكرية كلها للتدريب على قتل الإنسان أخيه الإنسان ، والأسلحة المرهفة الثاقبة والمفجرة قد أعدت بعناية فائقة لنسف الإنسان وتقطيعه ؟؟!!
لعل أخطر مرضين أصيب بهما الجنس البشري هما ( الرق ) و ( الحرب ) فالحرب كانت تفرز الرقيق ، والرق كان ( الآلة القديمة ) فعضلات الإنسان كانت هي الآلة المستخدمة في حرث الأرض وحصد المحاصيل وتربية الحيوان والنقل وماشابه ، وبدخول الإنسان عالم الصناعة كان إلغاء الرق محصلة طبيعية ، فلولم يُلغ الرق قانوناً لألغته الآلة عملياً ، فاختراع الإنسان الآلة وفر الجهد البشري ، فكان تحرير الرق تابعاً لهذا التطور النوعي ، وبنفس هذه الآلية يزحف الإنسان ببطء إلى إلغاء المرض الثاني ( الحرب ) وكل توابعها وتأثيراتها على الإدارة والعلوم والفنون . وهذا التطور الجديد يحتاج بالتالي إلى فكر جديد فلم تعد أوعية الفكر وأساليبها العتيقة مناسبة للعصر النووي ، فلابد من استراتيجية فكرية مناسبة للتطور العلمي الجديد .
اقرأ المزيد
مع كتابة هذه الأسطر يمسك العالم أنفاسه على احتمال حرب بين روسيا وأوكرانيا مما دفعني إلى وضع بانوراما عن حماقة الحروب وانها ثلاث: جنون وجريمة وإفلاس أخلاقي. وقد يستغرب القاريء لو قلت له : إن زمن الحرب قد ولَّى وأننا نطأ بأقدامنا عتبة ( عالم السلام ) ونحقق علم الله القديم فينا وسيعتبرني بعضهم مسرفاً في التفاؤل أو غير واقعي بل قد يرى البعض أنني أتكلم ضد التاريخ وأحداث العالم !!
نعم قد يختلط هذا الأمر على كثير من الناس وهم يسمعون طبول الحرب ويرون فرقعات السلاح في أرجاء المعمورة ، ولكن الغوص الصبور والتأمل الفاحص في بطن الواقع ، سيكشف الغطاء عن بصيرتنا ؛ أن هذه المظاهر هامشية وجانبية أمام زخم التدفق العام لحركة التاريخ ، فهذه الفرقعات هي بقايا فلول جيش منهزم أومحتضر في سكرات الموت ، فالعالم أصبح الآن وكأن رأسه في عالم السلام وقدماه ملوثتان في برك الدم وهو يخرج منها ، فدماغه مع العهد الجديد ، وأطرافه مازالت في العهد القديم ، وعدم تصديق هذا التحول النوعي الجديد يأتي من عدم حضور العالم و ( شهود ) مايحدث فيه ، والكهنة ( الجدد ) للعالم الصناعي يدركون تماماً أن سحرهم قد بطل وأن أصنام القوة لاتضر ولاتنفع ، ولكنهم يحاولون احتكار الامتيازات في العالم الجديد حتى الرمق الأخير .
مازلت أتذكر الدكتور كامل رأسه متألماً على وضع مدينة ( جروزني ) وبوطين يحولها إلى أنقاض ويتصاعد منها رائحة البارود وتسقط في بركة دم . وعقبت زوجته قائلة : يحق لهم أن يدافعوا عن أنفسهم ؛ فالروس سمحوا باستقلال الكثير من الجمهوريات فلماذا يحرمون منها الشيشان؟ صديقنا بوطين كان رئيس قسم الستازي بعشرين ألف غرفت تنصت على مواطني ألمانيا الشرقية.
إن صورة الدمار والحروب في بؤر التوتر والنزاع تشوش البانوراما ( الصورة الشمولية ) التي رسمناها عن مصير الحرب وزوال المؤسسة العسكرية ، فماذا نقول عن مذابح راوندا والبوسنة ؟ وصراع اذربيجان والأرمن ؟ والحرب الأهلية في الصومال وأفغانستان ؟ بل ماذا نقول أمام شهادة ( ويل ديورانت ) وهو المؤرخ الحجة في التاريخ الذي يقول في آخر كتاب صدر له : (( الحرب أحد ثوابت التاريخ لم تتناقص مع الحضارة والديموقراطية فمن بين السنوات الحادية والعشرين بعد الثلاثة آلاف والاربعمائة سنة الأخيرة ( 3421 ) من التاريخ المسجل لاتوجد سوى ( 268 ) سنة بغير حرب)) فعلى حساب ديورانت المذكور يصبح تاريخ الجنس البشري في غاية الظلام والإحباط ، لإنه مع كل دورة ( 14 ) أربع عشرة عاماً في التاريخ تلطخت ( 13 ) ثلاثة عشر عاماً منها بالدم الإنساني وسكت منجل ( عزرائيل ) ملك الموت سنة واحدة فقط ؟! فإذا أخذنا هذه الصورة القاتمة لم تكن الوحيدة من مآسي التاريخ المروعة ، وجعبة التاريخ مليئة من مثل تدمير حضارة الازتيك في المكسيك على النحو الذي رسمه ( تزفيتان تودوروف ) في كتابه ( فتح أمريكا مسألة الآخر ) ( 3 ) حيث كشف النقاب بعد مرور خمس قرون ومن خلال استنطاق نفس النصوص التاريخية للغزاة الاسبان ( المبشر لاس كاساس ) عن إبادة ( 80 ) ثمانين مليون من أصل ( 100 مائة ) مليون نسمة كانوا يعيشون في الأمريكيتين ، تم إبادة معظمهم على يد الاسبان والبرتغاليين .
أم ماذا نقول عن حصار قرطاجنة وذبح معظم سكانها على يد الرومان عام 164 قبل الميلاد وحمل ماتبقى منهم عبيداً إلى ساحات المجالدين لتسلية الرومان المتخمين ، أم ماذا نتكلم عن تراجيديا شعب ( الوبيخ ) من شعوب شمال قفقاسيا المجاورة لمنطقة الشيشان الحالية ، الذي لم ينقل إلينا خبره إلا رجل واحد فقط ، سجل النهاية المروعة لذوبان أمة بأكملها في قصة ( آخر الراحلين ) بحيث تنقل لنا بوضوح مآساة شعوب شمال قفقاسيا في منتصف القرن التاسع عشر ، بنزوحهم عن موطنهم الأصلي وتفرقهم في تركيا والأردن وسوريا ومصر هذه القصة من قصص التراجيديا التي لاتقترب منها قصص التراجيديا العالمية بشيء ، لاقصة البؤساء أو قصة عاصفة وقلب ( 6 ) لــ ( فيكتور هوجو ) ، لاقصة ماجدولين للمنفلوطي ، أو قصص ديستوفسكي وتولستوي ، لإنها رواية شعب يفنى بكامله فلايبقى حتى من يقص خبر اختفاءه من سطح الأرض ، إنها ليست قصة عاطفية ومأساة فردية ، بل هي مصير أمة ونهاية شعب بالكامل ، إنها قصة يصاب من يقرؤها بالصدمة ولايتركها إلا وقد بكى مرات ومرات .. وروعتها أنها ليست قصة من تأليف الخيال ، بل هي مأساة واقعية حدثت بالفعل ، عن تاريخ الإنسان الوحش وبطشه بأخيه الإنسان .. إلى درجة أن البعض فكر أنه من الأفضل للانسان أن يهرب من المجتمع ويرجع إلى الغابة التي خرج منها مرة أخرى ، فثعابين الغابة ووحوشها أرحم من بطش الانسان وظلمه ...
ويروي لنا القرآن قصة فتية الكهف الذين هربوا إلى الجبال ولجأوا إلى الكهوف ، لإنهم توقعوا شر ميتة فيما لو عادوا إلى قومهم ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ) كله بسبب الخلاف في الرأي ، حتى ضنوا بالكلب أن يعيش في ذلك المجتمع ، فمجتمع من هذا النوع ليس فيه الضمانات حتى للحيوان ؟! ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعبا ) ولاغرابة في هذا الكلام فالمجتمع الإسلامي لاتموت فيه القطط جوعا والكلاب هرسا بدواليب السيارات ، بل يغفر الله لمن سقى كلباً عطشاناً ودخلت النار امرأة أجاعت قطة حتى الموت . ولكن صبراً فهذه ليست القصة ولاكامل الجرعة ، فلابد من تملي الصورة جيداً ورؤية التاريخ الإنساني في ضوء جديد ...
والسؤال الكبير والمحير والذي اجتهد الفلاسفة والمفكرون في تحليله هو لماذا الحرب ؟ كيف يقتل الإنسان أخيه الإنسان ؟ كيف نشأت الحرب وتطورت ؟ أين نشأت وماهي ظروف تكوينها الجنينية ؟ وماهي جذور العنف والحرب عموماً ؟ ثم إلى أين وصلت اليوم ؟ وماهو مصيرها في المستقبل ؟
اقرأ المزيد
في أول كتابه (رسالة في تحسين العقل) يذهب الفيلسوف (باروخ سبينوزا) أن الناس يركضون بأشد من ضباح الخيل، وتهافت الفراش على النار، على ثلاث مصادر، أنها أكيدة، ويقينية، ومضمونة، لسعادة لا تعرف النفاد هي: (المال ـ الشهرة ـ الشهوة). ولكنها لا تزيد عن سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء . ثم يمضي فيلسوف التنوير في شرح الأفكار الثلاثة. أن الشهوة مرض والمال يزول والشهرة تتكسر فأين إذن السعادة الدائمة والشاملة الغامرة؟
وما كتب الرجل في حياته لم تتجاوز أربعة كتب، ومات عن عمر 42 سنة، منفوثا بالسل، بعد طعنة سكين في رقبته من المتعصبين، أنه يريد إثبات عدم وجود الله ؟ والرجل كان تقيا نقيا زاهدا، عميق التصوف، بحراً في الفلسفة، قال عنه ديورانت: أن نابليون، كان أنفع له من كل الفتوحات العسكرية، لو ألف أو قرأ طرفا مما كتب الرجل، ولكن العسكريين في العادة، في جلّهم، مغامرين متهورين، ضحلي الثقافة، عظيمي التأثير في حياة الناس، بكل أسف . فهذه هي سخرية التاريخ. وكلفت سبينوزا أفكاره أن يُلعن كل من اقترب منه أربعة أذرع، أو أكل معه، أو شرب، أو نام معه تحت سقف واحد، أو قدم له يد المعونة في دواء وغذاء. ولكن كتاباته تبقى محطة لكل من ارتاد مغامرات العقل الإنساني عبر العصور. وفي مطلع البحث يقول أن السعادة يجب أن تحقق ثلاث أمور: أن تكون أكيدة (حقيقية) غامرة، بهيجة، تقلب الحياة قلبا، وتضعها باتجاه على سكة، تاركة بصماتها على التصرفات؛ فالسعادة نور داخلي قبل كل شيء. وان تكون (مستمرة) متدفقة لا تعرف التوقف والكبح والمحدودية. وأن تكون (شاملة) تغطي الحياة وما حوت، والمشاعر وما أخفت.
وبالطبع فإن سعادة من هذا النوع لا يصل إليها إلا ثلة من الأولين وقليل من الآخرين؛ ويسميها علم النفس الحديث (تحقيق الذات Self actualization)؛ فالنفس تبقى في توتر ثلاثي، قبل الهدوء والراحة؛ فتنتقل كما يقول الغزالي في كتابه (معارج القدس في مدارج معرفة النفس)، من النفس (الأمّارة بالسوء)، إلى (النفس اللوامة)، إلى (النفس المطمئنة)، التي تدخل الجنة قبل دخولها . يقول سبينوزا يظن البعض أن الثروة تخلق السعادة، وهي جزء من الحقيقة، وليست كل الحقيقة، فنحن في الدنيا نركب زورقا باتجاه هدف، وحاجات الحياة لا بد منها، ولكن هناك من يريد البقاء في الزورق، أو بناء قصر فوق قنطرة يعبرها، كما يقول بوذا، وكل الألم يأتي من عدم إدراك هذه الحقيقة، والعمى فيها يضيع لب التنوير. ويلتقي هنا مع الحديث الذي يقول: ما لي وللدنيا إنما أنا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها. فليس أغنى من (كريستينا) بنت (أوناسيس) إمبراطور ناقلات البترول اليوناني (Tycoon)، الذي تزوج (جاكلين كيندي)، وجعلها تنفق كل نهار، خمسين ألف دولار لشراء الملابس علها تشبع؟ فلم تشبع ؟ وماتت ابنته (كريستينا) وريثة ثروته، التي فاقت ثروة قارون انتحارا وقهرا وغماً.
وجربت أكثر من زيجة ففشلت، وطردت ذكور النحل من حياتها، المتراكمين حولها من أجل ثروتها، وانتفخت بالسمنة والملل فلم يغن عنها شيئا، وماتت في أبأس حال. وفي يناير من عام 2010 م أعلن عن موت (كيسي جونسون) حفيدة إمبراطور الشركة الدوائية، وابنة الرجل الذي اشترى نادي نيويورك بـ 630 مليون دولار، وتقول الفتاة قبل موتها ليس من ثمة تعاسة أعظم من ملك ثروة ليس لها نفاد. والقرآن يقول ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر. وهكذا فلو كان المال (شرفا) لكان قارون سيد الأنبياء، فخسف الله به وبداره الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله، وما كان منتصرا.
ويظن البعض أن (الشهرة) سبب للسعادة، ولو كان ذلك صحيحا، لكانت (مارلين مونرو) الممثلة الأمريكية، الشهيرة الجميلة، صاحبة الحسن والدلال والإغراء، سيدة السعداء، ولكنها أنهت حياتها بالانتحار ؟! ولو كان (النفوذ) سببا للسعادة لما أنهى وزير المالية الفرنسي (فوكيه) زمن الملك لويس الرابع عشر، الملقب بملك الشمس، حياته في زنزانة انفرادية، في جبال الألب. أو العديد من الوزراء، والمسئولين الكبار، وهم يرتعدون فرقا كل حياتهم في المنصب، وخارج المنصب !.
ويروى عن (نيكيتا خروتشوف) أن ما أبقى رأسه فوق كتفيه، أنه تحول إلى (مهرج) في حفلات ستالين، فكان الطاغية يصب على رأسه الفودكا، ويضحك ملء شدقيه . ويظن البعض أن (اللذة) هي السعادة، ومنه دعا الفيلسوف اليوناني (أبيقور) إلى اغتراف اللذات في الحياة، وينقل عنه قوله، عندما يحضر الموت فلن نكون موجودين، فلم الخوف من زائر مرعب لن نتلاقى معا؟ ومن أثينا خرج الفلاسفة (الكلبيون)، الذين دعوا الناس من أجل الراحة أن يقلدوا أخلاق الكلاب. وهي ليست مزحة؟ وأكبر نموذج في اغتراف اللذات، شاعر الجاهلية (طرفة بن العبد) و(عمر الخيام) اللذين رأيا في الحياة، تلك الفترة القصيرة، التي هي أقصر، من أن نقصرها بالترهات، فيجب ملء كأسها بالملذات دهاقا. ولكن الملذات (مشكلة) من جهتين؛ فالإفراط في تعاطي الكحول، يقود لتشمع الكبد، والإفراط في الجنس، يقود إلى الأمراض التناسلية، أو البرود الجنسي عكس مقصوده.
وأعظم اللذات تحققا، عندما تأتي في وضع الإشباع؛ سواء الماء مع شدة العطش، أو الطعام مع فرط الجوع، أو الاتصال الجنسي بحرمان مناسب. ويرى عالم النفس البريطاني (هدفيلد) أنه لابد من التفريق بين ثلاث: السرور والسعادة واللذة؛ فاللذة هي ممارسة الغريزة بدون بعد أخلاقي، وهو أمر نشترك فيه مع الحيوانات.
أما السرور فهو ممارسة متعة الغريزة، ضمن إطارها المعنوي الأخلاقي. ولكن السعادة هي عملية التوازن في إشباع الغرائز، وهو يصل بكلامه هذا إلى فتح علمي؛ فيمكن لفلاحة أو بدوية تعيش في خيمة، أن تكون في سعادة يحسدها عليها أكبر مسئول في أكبر وزارة، لا ينقصه المال والخدم والحشم والنفوذ والشهرة. وكرسي الحكم أعظم لذة، فهو كرسي الإعدام، لا ينجو منه في العادة أحد، تفوق حلاوته كل لذة، خاصة في إمبراطوريات الدول الثورية.
اقرأ المزيد
من أجمل الكتب التي قرأتها من تراثنا (فقه اللغة وسر العربية) للإمام أبي منصور اسماعيل الثعالبي النيسابوري (429 هـ ـ 1038 م) وهو يقوم بتقسيم وتفصيص الكلمات فإذا انت في مواجهة خرائط نفسية عجيبة للمصطلحات وهكذا فالحب غير العشق وغير التيم. ويبدو ان هذا المركب أعني الحب يدخل في مراحل ولقد قرأت قبل فترة قصيرة بحثا مثيرا في مجلة (در شبيجل) الألمانية عن ظاهرة علمية تدرس عن الحب من النظرة الأولى.
وفي فيلم (شاب الى الأبد) بقي الفتى يحفظ الحب حتى بلغ الثمانين بعد أن حيل بينهما ووضع في قالب مجمد مبرد نصف قرن من الزمان ليخرج من الأجداث الجليدية وهو يرتعش بردا وعجبا وفي النهاية اجتمع بمن يحب فتجرأ وقال لها هل تتزوجينني؟ ولكن الإمام الثعالبي يأخذ بيدنا بالتدريج في تفهم الآلية التي يدخل الحب معراجها فيقول: إن أول مراتب الحب (الهوى) فإذا سيطر درجة أصبح اسمه (العلاقة) وهي الحب اللازم للقلب.
فإذا اشتدت فوعته أصبح (الكلف) وهو شدة الحب. فإذا زاد عن ذلك أصبح اسمه (العشق) يقول الثعالبي (ثم العشق وهو اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه الحب) ولعله يقصد من تعشق الشيء أي شدة الالتصاق وسبحان من جعل بينهما مودة ورحمة.
فإذا بدأ صاحبنا يحترق من لواعج الحب دخل مرحلة خطيرة اسمها (الشعف) واعترف أنني أقرأها للمرة الأولى ويعرفها أنها (هو إحراق الحب للقلب مع لذة يجدها) أي هو الاكتواء بنار الحب. بعدها يدخل المبتلى المسكين في الدرجة السادسة وهي (اللوعة) و (اللاعج) ويعرفها على النحو التالي: (وهذا هو الهوى المحرق).
فإذا زاد الأمر عن ذلك استولى على القلب من داخله يقول:( ثم الشغف وهو أن يبلغ الحب شغاف القلب وهي جلدة دونه) ونحن نعرف اليوم طبيا أن القلب مغطى بورقتين من الخارج اسمها التامور ومن الداخل واسمه الشغاف فمرحى للجمع بين علمي التشريح والغرام. ولكن هل يمكن أن يزيد عن هذا يقول نعم يبدأ صاحبنا بالمرض فعلاً فلا يكاد يتلفت الا ويرى صاحبته على نحو ما أمامه. يقول الثعالبي( ثم الجوى وهو الهوى الباطن). عند هذه المرحلة تبدأ حالة المرض والسقام، وتستولي الحالة على صاحبها فلا يملك لها دفعا ولا هم ينصرون، ويقع في حالة انهيار، وأنا اعرف رجلاً من هذا الصنف كاد أن يموت ويذوي عشقا وانهيارا وانحلالا، فكانت أخبار المعشوقة إذا وصلته يصاب بنوبات أغماء، والحمد لله الذي نجانا، حتى سارعت فتدخلت فأنقذته من الموت، وهو أمر يحدث وليس للنكتة، ويومها كنا نقرأ رسائله فنبكي معه حتى تحول البيت عندي إلى عزاء فقلت لزوجتي زوجيه على أية صورة، ثم فرج الله عليه فتزوج وأنجب، فإذا قابلته سألته أين وصل الحب؟ قال: زاد أضعافاً ؟! وأنا لا أصدقهم كثيرا فقناعتي أنه متى حصل الزواج ذهب المرض وانطفأت اللوعة.
ويجب أن لا نستخف بهذه القصص فسور الصين انهار فاجتاحته الذئاب البشرية المنغولية من وراء قصة حب، وأسرار الجيش الفرنسي طارت للألمان على يد الرقاصة المشهورة الهولندية في الحرب العالمية الأولية ثم أعدمت، وأكثر من قيصر روماني وقع في هوى كليوباترة لدرجة أن المؤرخ كار يكتب عن فلسفة التاريخ تحت لغز أنف كليوباترة، وهناك عشق من النظرة الأولى، وهناك كما يقول ابن حزم عشق بالسماع، ومن أراد أن يعرف عجائب هذا العالم فليراجع كتابين (طوق الحمامة) لابن حزم، والأسرار الجنسية لكولن، وهذا الأمر ليس هناك من أحد محصن ضده بمن فيهم العلماء، ولقد قرأت من قصصهم الشيء المحير، والفلاسفة يحملون أمرين متناقضين نشاط جنسي عارم وفرامل عقلية جبارة، وهناك من يصاب منهم بالأمراض والقرحات والعقد. ويقول الثعالبي متابعاً درجات الحب ثم يأتي (التيم) بتسكين التاء وهو أن يستعبده الحب. ومنه سمي تيم الله أي عبد الله ومنه رجل متيم.
ويبدو أن الرحلة لم تنته بعد، فيمكن لصاحبها أن يقع في أحضان الحب في القعر تماما أي يغطس فيه حتى قراريط أذنيه، ويقول الثعالبي بعدها تأتي مرحلة (التبل) وهو أن يسقمه الهوى ومنه رجل متبول. فإذا غاص أكثر بدأ يفقد عقله، وهناك قصص تروى في هذا الصدد؛ فالحب فظيع عجيب، يقول الثعالبي بعدها (التدليه) وهو ذهاب العقل من الهوى ومنه رجل مدله. وبعد كل ماذكرناه هل انتهت فصول رواية الحب؟ يبدو أننا لم نخلص فبعد ذهاب العقل وتيه صاحبه على وجهه يقول الثعالبي: ثم الهيوم وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه ومنه رجل هائم. وهكذا ترانا أمام 11 درجة للحب وبالتدرج الهوى ـ العلاقة ـ الكلف ـ العشق ـ الشعف ـ الشغف ـ الجوى ـ التيم ـ التبل ـ التدليه ـ الهيوم والهيمان على الوجه. ولكن هل فعلاً الأمر هكذا أم أنه مجرد تحكم لفظي؟ وهل يقول علم النفس شيئاً في هذا والجواب إن الواقع أشد مرارة مما عرضناه.
ويذكر ابن حزم الاندلسي في كتابه (طوق الحمامة في الألفة والايلاف ) من قصص الغرام وهو الفقيه المجتهد ماجعل المتشددون يتعجبون من هذه الثقافة التي تجمع بين الدين والدنيا والفقه والمتعة والعلم والغرام. إن هذا الاستعار الفظيع بين الجنسين وشدة الميل والتلهف هو خدعة كبيرة تقوم بها الطبيعة من أجل الضحك علينا حتى تستنبت من ظهورنا نسلا جديدا تعمر بها الحياة. ويقول الفيلسوف شوبنهاور إن الطبيعة تسحق الفرد ولا تأبه بقدر ما تصون وتحافظ على النوع، فهذا هو السر خلف الطاقة الجنسية التي تقارن بالطاقة النووية وهما أشد طاقات الكون فتكا وتدميرا.
بقي أن نقول أن أمامنا الثعالبي لم يضع لنا (الغرام) بين درجاته الـ 11 فأين هو ياترى؟ وهل هناك 12 درجة في الحب؟ والجواب إن الحياة كلها تقوم على قدر من الطيف المتدرج وليس هناك من انكسارات حادة وإنما هي تصوراتنا وهي لا تغني من الحق شيئاً. والحب لا يخرج عن هذه القاعدة.
اقرأ المزيد
يحتفل الناس في يوم 14 فبراير من كل عام بالفالانتين (عيد الحب)، بينما يعيش العالم العربي حالة الحرب؛ وفي عالم الكلمة الفرق بسيط بين حب وحرب، أما في عالم الواقع فالأول حياة والثاني موت. وبسبب غياب المرأة عن «الربيع العربي»، فقد تحول إلى شتاء وأوحال وبرك دماء وموت.
لقد ترددت في كتابة مقالتي عن الحب، وأنا أرى بلدي سوريا وقد تحول إلى جثة يجري تقطيعها بين القوزاق الروس والفرس والعجم وأحفاد ريتشارد قلب الأسد. فهل من نور في الظلمات؟ فعلاً يجب استحضار الإنسانية في ذواتنا ونحن نشهد موت الإنسان.
لقد سُئِلت امرأةٌ عجوز عن الحب وما معناه، فأجابت: أول مرة سمعت هذه الكلمة كنتُ صغيرةً، وكان من والدي الذي قبلني وقال إني أحبك؛ فقلت الحب هو الحنان والأمان والحضن الدافئ. وعندما بلغت سن الرشد وجدت رسالة من شاب فيها كلمة «أحبك»؛ فعرفت أن هناك من يريد مشاركتي الحياة، وأدركت أن الحب عطاء ومشاركة، والكراهية ارتداد على الذات، وتدمير لها قبل الآخر. وعندما تزوجت كانت أول كلمة قالها لي زوجي: أحبك؛ فعرفت أنها المودة الخالصة من قلب شارك الآخر حياته. وحين غبت عنه قليلاً أرسل لي يخاطبني بكلمة «أحبك»؛ فعرفت أن الحب شوق وافتقاد. وحين ولدت بأول طفلي، جاء زوجي، وكنت متعبة على السرير، فأمسك برأسي وقبلني وقال: أحبك؟ فعرفت أن الحب امتنان وعطف. وحين تقدمت بنا السنون وتقوست الظهر وشاب الشعر التفت إلي زوجي عصر يوم فقال: كم أحبك؟ وحين بدأنا نمشي مستندين على العكاكيز، وكل منا يسند الآخر، قال لي والدمعة في عينه: هل تعلمين كم أحبك؟ فعرفت أن الحب وفاء وصدق.
هناك من تزوجا فأحبا فالتهبا بعاصفة عشق ليس لها قرار. هل الزواج هو إنجاب الأطفال وبناء عائلة؟ والجواب أيضاً إنها نصف الحقيقة، فهناك العديد من الأزواج من دون أطفال، سواء بانعدام القدرة أو الرغبة بعدم الإنجاب، وهناك المطلقات مع كومة أطفال. فما هو الحب يا ترى؟
إن الزواج هو مزيج من العواطف والكيمياء والجنس والإنجاب، وقد اختصره القرآن الكريم بكلمات: سكينة ومودة ورحمة ولباس وحمل وإنجاب. واعتبره آية مثل دورة القمر ونبات الزرع والرياح المرسلات.
ولأن المرأة هي من تذكرنا بالحب، فلأنها تحمل الثقافة والجنين، فتربي الطفل وترضعه الثقافة، وتنقل له اللغة والمفاهيم، فيتحول إلى كائن اجتماعي، ولولا المرأة لبقي الإنسان أقرب للشمبانزي والغوريلات. المرأة هي أم الحضارة ولولاها لما انبثقت الحضارة، وهو كشف تعرف عليه علماء الأنثروبولوجيا. المرأة هي سيدة الجمال الباهر، واللطف والأنس، والشخصية المؤثرة، والثقافة باعتدال وتسامح. سحر المرأة جذب كبار السن، ليبنوا بمن هن أصغر سناً؛ فـ«بيكاسو» سيد اللوحة وأبو السيريالية تزوج من أربع فاتنات كانت الأخيرة منهن في العشرينيات. و«شليمان» الكهل أبو الاكتشافات، لم يشأ أن يضع كنز «بريام» من أنقاض طروادة، إلا على صدر حبيبته الصغيرة اليونانية ذات العشرين ربيعاً. و«سنان» أبو العمران بنى ما بنى جسور الإمبراطورية العثمانية، تزوج في نهاية حياته بشابة صغيرة وهو في الثمانين؛ فأنجبت له غلاماً زكياً. ونابليون وهو في جزيرة المنفى «سانت هيلانة»، آنسته خليلة حملت منه بطفلة، ولدت له في باريس كانت نابليونة. و«سيشرون» أبو الخطابة والجمهورية، أنهى حياته في حضن شابة صغيرة وهو في الستينيات، فمنحته أجمل ساعات حياته في دنيا طوقتها الحروب الأهلية والمؤامرات والدماء تجري كالأنهار
الحب فيض داخلي
الحب يفيض من النفس بعد معالجة التشظي الداخلي، وتحقيق وحدة النفس داخلياً بتفجير حب الذات أولاً بالصلح الداخلي، من خلال رد الاعتبار للذات واحترامها والاعتراف بها؛ فلا يمكن أن نحب الآخرين قبل أن نحب أنفسنا، ولا يمكن أن نحترم الآخرين مالم نحترم أنفسنا، ونعترف بذواتنا ونتأملها في ضوء جديد، بل ولادة جديدة ، فالانسان بعد الولادة الرحمية أمامها ولادات أخرى.
أشار القرآن اليها عندما قال (أو من كان ميتا فأحييناه) فهذا مؤشر الى أن النفس تقسو (فتصبح كالحجارة أو أشد قسوة) وأن النفس تمرض بمرض (فطال عليهم العمر) وتصل الى الموت بانقطاع (الصيرورة) فالحياة تدفق لايتوقف للصيرورة، ولكن قد يتعفن الانسان فيموت قبل الموت، ويجب أن نفهم الضلال والشقاء كحالة نفسية من موت النفس في الحياة، بتعطيل منافذ الفهم كمصادر تغذية للروح، والايمان تلك النشوة من الأمل المشرق والنشوة العارمة من معايشة الحياة والناس والتاريخ.
الحب هو ذلك الترياق الذي يعيد الحيوية الى مفاصل الجسم كي يعيش مستقبِلاً لوميض ومؤشرات الحياة التي لاتنتهي. وأعجب ماتركه لنا التراث الاسلامي مذكرات رجل فقيه دشن اتجاهاً عقلانياً بالكامل في الاندلس عرف بالمدرسة الظاهرية، ولكنه في كتابه (طوق الحمامة في الإلفة والإيلاف) يتحدث بكل صراحة عن الجنس والحب، في حديث يتناول عشرات التجارب والقصص له شخصياً ولإصحابه، في تفكيك فلسفي وتحليل نفساني بديع مثير، مما يجعلنا نفهم صورة التقوى على نمط جديد من التوازن النفسي، وإشباع الحاجات، وضبط الغرائز بالتروية المعتدلة، وعدم السباحة في الهلوسات الجنسية، والمطاردة السرية للقصص الخليعة، وانتظار برامج المحطات الفضائية بعد منتصف الليل، أو الاشتراك في برامج التشفير مدفوعة الثمن بالعملة الصعبة.
يذكر (ابن حزم) في كتابه قصة حب عجيبة عن رجل اندلسي هام بجاريته حباً وغضب منها يوماً فباعها لآخر (لنعذر ابن حزم فهكذا كانت الأيام وقتها) ثم شعر بعظم غلطته، فحاول استردادها بكل مايملك، ويبدو أن الفتاة كانت غير عادية مما جعلت الثاني يعشقها حتى العظم؛ فلما احتكما الى الوالي قدمهما الى تجربة مريعة هي الى حافة الموت أقرب! فالوالي كان على شرف عظيم (مرتفع من الأرض) فطلب من الأول رمز حبه وصدقه في التعلق بها؟ فما كان منه الى أن رمى بنفسه من الشرف فهوى مترضرضاً نفد من الهلاك بقوة الحب، فطلب من الثاني أن يفعل كما فعل صاحبه فتردد فدفع بالجارية الى الأول.
الحب أعمى، وانجذاب ساحر، وقوة تعلق، ومعنى في الحياة، ونمو لايعرف التوقف، وأحياناً يموت صاحبها كلفاً وعشقاً وهياماً بالهدف. ولله في خلقه شؤون.
وراجعوا في هذا كتاب صحاح اللغة للثعالي لتكتشفوا أن للحب 11 درجة.
اقرأ المزيد
يخطيء كثيراً من يظن أن (الجينات) هي رقم محدد لوظائف محدودة وعندما نعلم أنها (شبكات عمل) نصاب بالذعر، وأن اكتشافها يعني رفع الستار عن جبل تضرب قممه في غمام المعلومات. من جينات تتشابك لتكوين لغة جديدة حروفها ليست سبع وعشرين حرفاً بل 40 ألفاً (حسب تقديرات مشيو كاكو في كتابه عقول المستقبل).
يكفي أن نعلم أن مانعرفه عن تنظيم الضغط يشترك فيه أكثر من 200 جينا في سلم متدرج يأخذ بعضها برقاب البعض. والسؤال كيف يعمل الدماغ تحديداً؟ وماهي الكيمياء التي كانت تفرز وتفرغ في دماغ الطغاة من أمثال إيفان وتيمورلنك وستالين؟ وهل يمكن بتسليط تيارات كهرطيسية على الدماغ تغيير السلوك؟ لا أحد يملك الأجابة عنه حتى الآن. ويفسر البعض أن الوعي لايزيد عن (نتاج) عمل الشبكة العصبية، وهي تتوهج مجتمعة تحت قانون التراكم (الكمي) يقود الى انقلاب (نوعي)؛ فالوعي يولد من رحم التعقيد.
وهناك من يرى أن عمل الدماغ (لغز محير) لن نصل الى فهمه أبداً كما وصل الى هذه النتيجة العالم الكندي (وايلدر بنفيلدWilder Penfield ) الذي أعلنه في كتابه (لغز العقل Mystery of MIND) بعد عمل خمسين عاماً على قشرة الدماغ عند ألف انسان رسم فيه (خارطة) القشرة الدماغية بكامل وظائفها، ليخلص الى نتيجة عجيبة أن هناك شيء اسمه (العقل) لانعقله وهو خالد لاينتهي بانتهاء المادة الدماغية مع الموت.
ومع تطور الكمبيوتر بدأت أبحاث مثيرة عن إمكانية دمج الخلايا العصبية (النورونات Neurons) مع رقائق الكمبيوتر (Chips). كما فعل (بيتر فروم هيرتس Peter Fromherz) رئيس قسم الفيزياء العصبية الخلوية في معهد (ماكس بلانك Max Planck) للكيمياء الحيوية في (مارتينسريد Martinsried) فزرع خلايا عصبية من دماغ (الحلزون) على شريحة كمبيوتر.
وكذلك مافعله (اكسيل لوركه Axel Lorke) في معهد علوم النانوغرام (العلوم فائقة الدقة)(Center for Nanosciences)(مجلة الشبيجل عدد 19 \ 2000 ص 164) في جامعة ميونيخ في ألمانيا من زرع عشرات الخلايا العصبية من أدمغة (الجرذان) على الشرائح الكمبيوترية ودراسة الذكاء عند 169 تقاطعا.
ولعل أنجحها مافعله (ويليام ديتو( William Ditto رئيس قسم (أبحاث الفوضى Chaos - research) في (المعهد التكنولوجي في جورجيا Georgia Institute of Technology) حيث قام بوصل خلايا حيوان العلق العصبية مع رقائق الكمبيوتر وقام بدراسة الظاهرة على الشاشة فلاحظ قدرة الوصلة الجديدة في عمليات حسابية بسيطة. وهي خطوة أولية بسيطة ولكنها تذكر بقفزة الأخوة (رايت) مع مطلع القرن العشرين حينما حققوا أول ارتفاع عن الأرض بالطيران لمسافة أمتار معدودة لنصل إلى أرسال المسابر إلى المريخ وترسل وكالة (ناسا Nasa) المسبار (نييرNear) ليصل الى كويكب الحب (ايروسEros) على بعد 300 مليون كم من الأرض، بعد رحلة خمس سنوات ليحط على ظهر كويكب الجاذبية فيه أقل من الأرض بـ 3000 مرة، ينتقل فيه الانسان بالقفز من ظهر جبل إلى وادي، ويحوي الكويكب المعادن الثمينة من ذهب وفضة وبلاتين بكميات خرافية في كل قبضة منه، هذا رزقنا ماله من نفاد، بما لم يحلم به أوناسيس وبيل جيت ولم يملكه الفرعون خوفو ورمسيس. وبهذه الطريقة ينمو العلم ولكن أكثر الناس لايعلمون.
العلم الآن يمضي ليس لأصلاح العطب في الجسم البشري بتعديل الارتجاف في داء (باركنسون) أو تبخر الذاكرة عند مرضى (ألزهايمر) أو الشلل عند المقعدين ومنح الأبصار للعمي والسمع لمن حيل بينهم وبين نعمة موسيقى الكلام ودخلوا عالم الصمت والاشارة فهم في ريبهم يترددون؛ بل هو في طريقه إلى قفزة نوعية لاتخطر على بال بشر، من توسيع المدارك الحسية والعقلية؛ فطالما أمسكنا بآليات الوظيفة وسرها الدفين فيمكن مطها في نفس المساحة أو إضافة مزايا جديدة كما هو الحاصل في أجيال الكمبيوتر التي وصلت الى سرعة تزيد عن ألف مرة من نموذج البانتيوم.
بكلمة ثانية يمكن إرهاف حاسة السمع وحدة البصر وقدرة الذوق وزيادة الشم؛ فنرى أفضل من نسر وباشق، ونسمع أفضل من خفاش، ونشم أفضل من الكلاب والثعالب، ونتذوق أفضل من الأرانب والقطط؛ بل ونضيف فوق الحواس حواسا فنرى تحت الحمراء مثل الثعابين، ونستشعر فراغياً بأفضل من قرون الصراصير، ونبصر بالاشعة مافوق الصوتية أحسن من الدلفين، وتكتشف ألسنتنا السموم وماقتل فنبصقه قبل ابتلاع. ونطور مفاصلنا لتكون خفيفة رشيقة فنتسلق الجدران بأفضل من العناكب. وإذا سقطنا جاءت كسقوط النملة من شاهق فنتابع المسير بعد أن ننفض الغبار. بل وحتى تطوير انسان المستقبل الى شكل (يخضوري) فيتحول إلى نبات ذكي برائحة طيبة لايأكل اللحم ويعيش على أشعة الشمس فقط كما تفعل النباتات، كما جاء في كتاب (التنبؤ العلمي) لعبد المحسن صالح(راجع كتاب التنبؤ العلمي سلسلة عالم المعرفة تأليف عبد المحسن صالح).
يذكر البروفسور (دتليف لينكه Detlef Linke) في كتابه الجديد (الدماغ Das Gehirn) من جامعة (بونBonn) الباحث في قسم (الفيزياء العصبية) أنه امكن إنقاذ انسان من الانتحار بواسطة زرع (ميكروشيبس) في دماغه حرَّرته من نوبة الكآبة بزيادة جرعة (السيروتونين Serotonin) عندما انخفض مستواه في الدماغ كما نفعل بزرع منظم ضربات القلب (Pace Maker) حتى لايقع المريض تدور أعينه كالذي يغشى عليه من الموت.
اقرأ المزيد
جاء في كتاب (القوانين) لافلاطون:( إن ارتكب أحد إثماً ضد قوانين التناسب فأعطى شيئاً كبيراً للغاية الى شيء صغير للغاية ليتولى حمله مثل تزويد سفينة صغيرة للغاية بشراع كبير للغاية، وإعطاء وجبات ضخمة للغاية لجسم صغير للغاية، وإضفاء سلطات واسعة للغاية على نفس صغيرة للغاية ؛ لو تم ذلك لكانت النتيجة وبالاً تاماً. ففي صورة الحمق يسرع الجسم البطن صوب المرض، في حين يندفع المتغطرس صوب الفجور الذي يغذيه الحمق)(كتاب القوانين لافلاطون ص 691 نقلاً عن مختصر دراسة التاريخ لتوينبي الجزء الثاني ص 102 ـ الادارة الثقافية ـ ترجمة فؤاد محمد شبل)
وليس هناك حماقة أكبر من الحرب ومع ذلك فإن البشر يخوضونها ومازالوا. إن لم يكن ضد البشر فليكن ضد الحجر كما فعل الطالبان في أفغانستان ضد تمثال بوذا الشاهق وكان بإمكانهم الاستفادة منه للسواح البوذيين ولكن هذا يذكر بقصة الأصمعي مع الغلام حين قال له ماتقول يا غلام أعطيك الف دينار على أن تكون أحمقا؟ فكر الغلام ثم قال لاياعماه! قال به ويلك إنها ألف دينار! أجاب الغلام: لأنني أبذرها وأبقى أحمقا.
ويذكر المؤرخ البريطاني (توينبيToynbee) في كتابه (مختصر دراسة التاريخ) نموذجين عن تدمير النزعة الحربية فأما الأولى فهو نموذج الدولة الآشورية التي ماتت مختنقة في درعها. وأما الثاني فهو (تيمورلنك) الذي خلّد اسمه في التاريخ بالفظاعات.
قال توينبي: (شخصية عسكرية اقترفت من الفظائع طوال فترة الأربعة والعشرين عاماً من حكمه مثلما اقترفه الملوك الآشوريون خلال مائة وعشرين سنة. إننا لنتخيل المجرم الذي سوَّى مدينة اسفراين بالأرض عام 1381 وكدس خمسة آلاف رأس بشرية في المآذن في زيري في نفس السنة. وطرح أسراه من لوريستان أحياء من أعلى المنحدرات عام 1386. وذبح سبعين ألف شخص وجمع رؤوس القتلى في هيئة مآذن في اصفهان عام 1387. وذبح مائة ألف أسير في دلهي عام 1389. ودفن أحياء اربعة آلاف جندي مسيحي من حامية سيواس عقب القبض عليهم عام 1400. وابتنى عشرين برجاُ من جماجم القتلى في سوريا عام 1400 ـ 1401.
إن تيمور جعل ذكراه تختلط بذكرى غيلان السهب مثل جنكيزخان وأتيلا وأترابهما. وإن جنون العظمة التي جعلت تيمور يصاب بجنون التدمير قد تحكمت فيه فكرة واحدة مدارها الايحاء الى المخيلة الانسانية بأدراك قوته الحربية عن طريق الاساءة إلى البشر إساءة منكرة. كما عبر الشاعر الانجليزي (مارلو) على لسانه: إن جوبيتر وقد رآني في السلاح قد بدا ممتقعا كئيبا خشية أن تنزعه قوتي من عرشه. تجلس ملايين النفوس على شواطيء العالم السفلي ترقب رجعة قارب شارون. إن جهنم ودار النعيم تزخران بأشباح الناس الذين أرسلتهم من ميادين القتال المختلفة لينشروا شهرتي عبر جهنم وحتى السماء)( نفس المصدر ص 120).
إن هذه الفظاعات عند نماذج من طراز إيفان الرهيب الذي حاصر مدينة (كييف) وسوَّرها كي لايفلت أحد ثم قتل جميع أهلها البالغ عددهم سبعين ألفاً، ثم قتل زوجته وابنه وأقرب الناس إليه تروي كارثة أبعد من عمل الثقافة. إنها تروي مرض الفرد (النفسي) عندما يعجز المجتمع عن ردعه ليقود في النهاية من خلال حلقة مفرغة مفزعة عكوسة لاتكف عن الاتساع الى تدمير مجتمع أو تعديل مسار التاريخ على نحو مؤسف، كما أوقف (تيمورلنك) مسيرة الاسلام في أوراسيا وأوربا.
إننا بحاجة إلى مزيد من فهم الانسان حتى نتجنب الكوارث. من هنا انصب التفكير على فهم عمل الدماغ؛ فليس هناك من بوابة لفهم الانسان غير الدماغ، وكل مايحدث في العالم هو انطباع التفكير على الواقع في إسقاط تاريخي.
واليوم تعكف الأبحاث العصبية على فك أهم تركيب على الاطلاق. وإذا كان القرن العشرين حقق انجازاته في الفيزياء؛ فإن القرن الواحد والعشرين سيكون للبيولوجيا.
إن مدرسة (علم النفس التحليلي) اكتشفت عمقاً مخيفاً في تركيبة الدماغ وهو عالم (اللاوعي) الذي يتحكم في 95% من تصرفاتنا من حيث لانشعر أمام 5% من الوعي الذي يظهر على السطح مثل ضوء المنارة على شاطيء المحيط. وإن اختبار (ستافورد ـ بينيهStaford-Binet) الذي وضع اختبار الذكاء (IQ) لم يعد يعتد به أمام كشف (هوارد جاردنر) الذي طرحه في كتابه (أطر العقل Frames of Mind) عام 1983 وأن العمليات المنطقية والرياضية واللغوية لاتمثل إلا بوابة صغيرة من فهم الذكاء الانساني، ليقترح سبعة أبواب جديدة لكشف القارة المجهولة فينا، ثم ليقفز الرقم عام 1993 الى عشرين بوابة، لينتهي إلى أن الذكاء الانساني غير محدود ولايمكن تطويقه في اختبار. وأن اختبارات الذكاء ليست إلا مسابر لقياس عمق محيط لانعرف قاعه حتى الآن، وكوكب لانحيط به علما، ويبدو أن المسافة أمامنا طويلة لفهم التركيب الانساني.
واليوم بعد فك الشيفرة الوراثية عند الانسان في مشروع (الجينوم البشري) يبدو أن العمل الفعلي بدأ الآن لفهم الخلطة السحرية التي تكون البيولوجيا عندنا. ويخطيء كثيراً من يظن أن (الجينات) هي رقم محدد لوظائف محدودة وعندما نعلم أنها (شبكات عمل) نصاب بالذعر، وأن اكتشافها يعني رفع الستار عن جبل تضرب قممه في غمام المعلومات. من جينات تتشابك لتكوين لغة جديدة حروفها ليست سبع وعشرين حرفاً بل 40 ألفاً (حسب تقديرات مشيو كاكو في كتابه عقول المستقبل).
ومنه جاءت عبارة (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) في القرآن عن هذا التعقيد.
اقرأ المزيد
في عام 1864 وصل الأمر إلى تدخل رئيس الوزراء البريطاني"بنجامين دزرائيلي" Benjamin Disraeli ليوضح أن النزاع حول نظرية أصل الأنواع يدور في الواقع حول سؤال : هل الإنسان قرد أم ملاك؟ وهذا من وجهة نظر علم الأنثروبولوجيا خطأ منهجي فالإنسان ليس قردا ولا شيطانا ولا ملكا، بل هو بشر ممن خلق.
وفي عام 1865 بدأ العلم يدلي بدلوه فتقدم الراهب "جريجوري مندل" في أطروحة له لم تلفت النظر عن نتائج عمله على البازلاء، في تجارب التصالب والتهجين، أن الصفات الوراثية تنتقل عبر الأجيال في ثلاثة قوانين، ولم يكن أحد يعرف شيئا عن مكونات الخلية والكود الوراثي، وفـي عام 1890 شن فريق من الكونجرس الأميركي حملة على باحث التطور الأميركـي"أوثنيل مارش" Othniel Marsh أجبرته على الاستقالة من كل مناصبه.
وفــي عام 1901 جاء الجواب في التطور العلمي هذه المرة من هولندا حيث اكتشف"هوجو دي فريس" قوانين مندل مجددا، وأومأ إلى قانون الطفرة الوراثية المسؤولة عن التغيرات العفوية في المادة الوراثية، وأنها المحرك الرئيسي في التطور، وهو يذكر بالعمل الجبار الذي قامت به "باربارا مك كلينتوك" في كشفها عن تبدل الجينات، وأنها ليست ثابتة مثل حبات اللؤلؤ في جيد حسناء، الذي نالت عليه جائزة نوبل لاحقا.
وفي عاـم 1940 قام كل من "ثيودوسيوس دوبسانسـكي"Theodosius Dobzhansky و»إرنست ماير« Ernst Mayer بعدة خطوات، فأسسا نظرية التطور الجديدة التركيبية، وتعتمد مزيجا من الطفرة والانتخاب الطبيعي فهما يكملان بعضهما بعضا في تشكيل الأنواع.
وفي عام 1953 جاء التحول وفتح الفتوح فقد تقدم كل من "جيمس واتسون« James Watson و"فرانسيس كريك" ًFrancis Cric بموديل الكود الوراثي، وأخذ لقب اللولب المزدوج ونالا عليه لاحقا جائزة نوبل، وإن كنا عرفنا لاحقا أنهما سرقا بالتعاون مع ثالث جهد عالمة ماتت بسرطان الثدي هي "روزاليند فرانكلين" فهي التي طورت تقنية كشف المادة الوراثية بالأشعة السينية.
ولا نعرف إن كان جهدها ومتابعتها تحت هذه المادة الحارقة هو الذي قاد إلى إصابتها بالسرطان ومن ثم موتها المبكر عن 37 سنة؟ وفي عام 1987 أصدرت المحكمة العليا في أميركا قرارها بتدريس نظرية دارون في المدارس، وإزاحة النظرية التقليدية، ويومها تشكلت حركة التصميم الذكي ID = Intelligent Design التي حاولت الاتشاح بثوب علمي كاذب، حدث هذا بعد صدمة السبوتنيك، عندما سبق الروس الأميركيين في أبحاث الفضاء، فعمدت أميركا إلى تغيير مناهج التعليم، ومنها فرملة الاتجاه الديني التقليدي الذي يحد من العمل العقلي في مناهج التربية والتعليم.
وفي عام 1995 بدأت الردة المضادة لنظرية التطور ففي ألاباما أصبحت كتب التدريس تنص على أن نظرية التطور موضوع متنازع حوله، ولا تمثل الحقيقة النهائية.
وفي عام 1996 أوعز البابا يوحنا بولس الثاني في رسالة له إلى الأكاديمية البابوية للعلم أن ينظر إلى نظرية التطور أكثر من كونها افتراضا، وأنها تتوافق مع ما جاء في قصة الخلق الإنجيلي.
وفي عام 2005 يعترض 11 من الآباء في بنسلفانيا على تدريس نظرية التصميم الذكي أو الخلاق، وألا تعتمد كحقيقة نهائية في التدريس، وأن يبقى في الصف المجال للنقاش الحر بدون إيديولوجيا مسيطرة.
هذا التطور في انتقال الأمر من مرحلة إلى مرحلة يعطي فكرة عن الصراع الفكري حول نظرية التطور وأنها لم تصبح علما نهائيا، في الوقت الذي تشن الأيديولوجيات الدينية الحرب عليها بخيل ورجال وأموال وتسخر المعاهد العلمية لهذا الغرض، وهي تذكر بالقصة القديمة التي حدثت في روسيا حينما استبدل ستالين عالم الوراثة "أفيلوف" Avilow بالحزبي"ليزانكو" ,Lizanko فستالين رأى أن تغير الإنسان بالاقتصاد.
وعلم الوراثة رأى غير ذلك، فتوجب نحر العلم على مقصلة الإيديولوجيا، كما طار رأس "أنطوان لافوازيية"وهو أبو الكيمياء الحديثة، في أيام الثورة الفرنسية، وعندما قال أتقتلني وأنا العالم؟ كان جواب القاضي : لا حاجة للثورة بالعلماء؟
والخلاصة التي ننتهي بها وهي أكثر من هامة أن هذه النظرية لاعلاقة لها بكفر وإيمان وإنما هي تصور لكيفية الخلق الألهي إما دفعة واحدة أو بالتدرج، ومن تاريخنا وصل إلى حقيقة التدرج في الخلق صاحب المقدمة المشهورة ابن خلدون واليكم ماجاء في المقدمة صفحة 96: ( ثم انظر الى عالم التكوين كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدرج. آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش وما لابذر له، وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون والصدف، ولم يوجد لهما إلا قوة اللمس فقط. ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد الغريب لأن يصير أول أفق الذي بعده واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه وانتهى إلى في تدريج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر والروية ترتفع إليه من عالم القردة (في النص المزوّر القدرة) الذي اجتمع فيه الحس والإدراك ولم ينته إلى الروية والفكر بالفعل وكان ذلك أول أفق من الإنسان بعده وهذه غاية شهودنا) اهـ.
اقرأ المزيد
أن المريض عندما تبدأ الحرارة عنده في الارتفاع لايسقط طريح الفراش ، لإنه يكون عندها في مرحلة ( المعاوضة - COMPENSATION ) وليس في المرحلة ( السريرية - CLINICA ) أي لايحتاج لإدخال المستشفى للعلاج في السرير ، وهذا الذي حدث مع العالم الإسلامي وبالتدريج ، الذي أصيب ( التجرثم الدموي - SEPTICEMIA ) مع معركة صفين ، ليبدأ بالنوافض ( SEIZURES ) المجنونة مع الخوارج ، والنزف ( BLEEDING ) العباسي ، والحرارة ( FEVER ) الأندلسية ، والغيبوبة ( COMA ) المملوكية ، والدخول في الصدمة SHOCK) ) والانهيار البونابرتي ، وأخيراً ( السرير ) الاستعماري مع نهاية القرن التاسع عشر ، ثم ( التشريح ) في قاعة العمليات ، حيث جرت عمليات البوسنة ( استئصال الأعضاء ) أو زرع الأعضاء ( زراعة إسرائيل ) ، ولا أدري هل انتهت العمليات ونقلنا إلى العناية المشددة _ اللهم إذا أُكرمنا بعناية مشددة ونحن الأيتام في مأدبة اللئام _ أم إلى ثلاجات الموتى ، لانستطيع أن نقول شيئاً ، لإننا لانعرف ماذا يجرى لنا ، ولانعرف ماذا يفعله سحرة الأمم المتحدة وقوى الاستكبار العالمية ، ولانملك العقل الخلدوني التحليلي .
إذا كان هذا التحليل الخطير صادقاً ، فإن العالم الإسلامي انحدر في الواقع إلى مادون السلبي في المخطط البياني ، أي تحت خط الصفر ، كما نرى ذلك في مخطط القلب الكهربي ، حيث ينحدر الخط إلى ماتحت الخط الأفقي ، الذي هو خط الصفر .
إن المؤرخ الأمريكي باول كينيدي في كتابيه ( صعود وسقوط القوى العظمى ) و ( التحضير للقرن الواحد والعشرين ) يؤرخ لـ ( المعجزة الأوربية ) التي أمسكت بمقود التاريخ وبالتدريج في مدى القرون الفارطة ، كما أنه يرى أنه ليس لنا مكان في القرن الواحد والعشرين ، حسب الخانات التي يوزعها . ففي الوقت الذي كان الغرب ينهض كان العالم الإسلامي يغط في أحلام وردية على رقصات ( الدراويش ) ، وازدراد الأساطير ، وقصص ألف ليلة وليلة ، وأخبار الجن والعفاريت ، فإذا قيل للسلطان العثماني أن شيئاً جديداً يدب في الغرب فهل لك في الزيارة والتعرف على مايحدث كان يجيب : سلطان المسلمين لايدخل بلاد الكفار إلا فاتحاً !! ولكن بفعلته قصيرة النظر هذه لم يدرك ، أنه سيحول أولاده بعد فترة من ( فاتحي ) أوربا إلى ( متسولي ) أوربا ، وراجعوا قصة ( علي التركي - ALI ) تعطيكم الخبر اليقين ( 8 ) وهذه هي سنة التاريخ الصارمة .
يتساءل باول كينيدي في كتابه القوى العظمى : (( لماذا قدر لتلك السلسلة التي لاتتوقف عن النمو الاقتصادي والابتكار التكنولوجي أن تحدث بين هذه الشعوب المتفوقة والضحلة التي تقطن الأجزاء الغربية من الكتلة الأرضية الآسيوية الأوربية التي تحولت إلى الريادة العسكرية والتجارية في الشؤون العالمية ؟ هذا سؤال شغل العلماء والمراقبين لقرون عديدة ... ففي سبيل فهم مسارالسياسة العالمية يجب تركيز الاهتمام على العناصر المادية طويلة المدى لاعلى الأهواء الشخصية والتقلبات التي تميز الدبلوماسية والسياسة )) ويضع كينيدي مجموعة من عناصر التفوق ، ولكن العنصر البارز هو السيطرة على البحار ، فبواسطته تم السيطرة على الثروة العالمية ، وتحويل قارات بأكملها إلى المسيحية ، وأما الانفجار العلمي فجاء كنتيجة جانبية لكل هذا التطور الجديد ، فقاد بالتالي إلى بداية تشكيل نظام عالمي جديد ، للغرب فيه اليد العليا ( 9 ) وهكذا ففي الوقت الذي كان نجم الغرب يتألق عبر الأفق ، كان شمس الحضارة الإسلامية يغلفها شفق المغيب ، وهذا الليل كان ( منظومة الأفكار ) بالدرجة الأولى ، وتوقف العقل عن النبض كان بسبب مجموعة انتحارية من الأفكار ، ونظم معين من ( العقلية ) المتشكل .
إذا كان ( طنين الذبابة ) عند أذن ديكارت أوحى له بـ ( الهندسة التحليلية ) ( 10 ) في مجالس ( مارين ميرسين ) في بورت رويال في باريس ، وسقوط ( التفاحة ) أوحت إلى نيوتن بقانون ( الجاذبية ) وأبريق الشاي الذي يغلي إلى دينيس ببان بفكرة ( قوة البخار ) ، وعضلات الضفدع إلى غالفاني بفكرة ( الكهرباء ) ، فإن العقل الإسلامي كان قد ختم على نفسه بالشمع الأحمر ، وأقفل عقله بأكثر من مفاتيح قارون على خزائنه ، وإن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة من الرجال ؟!! ( 11 ) . وفي الوقت الذي كان الانكشارية يحاصرون فيينا كان نيوتن يكتب ( الأسس الرياضية للفلسفة الطبيعية - PHILOSOPHY NATURALIS PRINCIPIA (MATHIMATICA وكان غاليلو يقوم بتجاربه على السرعات ، ويطُوَّر التلسكوب والبارومتر والمجهر على يد آخرين ، في الحين الذي كان العقل المسلم قد أصيب بحالة ( استعصاء تاريخية ) لم يتعافى منها حتى الآن ، وهي حالة الشلل العقلي الذي أدخله الليل الحضاري ، ليدخل في ( دارة معيبة ) يؤثر كل طرف على الآخر سلباً ، بين ( العطالة ) العقلية و( العجز ) الحضاري .
إن الفوضى الاجتماعية في العالم الأسلامي هي ( فوضى عقلية ) قبل كل شيء ، وإن التنظيم الألماني المدهش هو عقل هيجل الممتد المنبسط على الأرض ، لذا فإن أعظم عمل يمكن أن ندشنه هو تفكييك العقلية الإسلامية ، لمعرفة الآليات المسيطرة عليها ، والتي أعطبتها العطالة . لذا كان الكاتب المغربي ( الجابري ) موفقاً للغاية عندما انتبه إلى هذا الحقل فكتب في ( بنية العقل العربي ) ( 12 ) ولعل أكبر نكبة مني بها العقل العربي هي مرض ( الآبائية ) ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) ( 13 ) مع كل تكثيف القرآن على خبث هذا المرض العقلي .
يذكر ابن كثير في تفسيره واقعةً ملفتةً للنظر عن صحابي أُصيب بالدهشة عندما أخبره ( l ) عن حدث مروع سوف يطال المجتمع الإسلامي فيتبخر منه ( العلم ) !! فلم يستطع الصحابي تصور ذلك ، طالما كان القرآن بين يدي الناس يقرؤه كل جيل ، وينقله إلى الآخر ، فأرشده ( l ) إلى أن هذا ممكن مع وجود القرآن ( 14 ) بسبب العقل المتعطل ، فلا يستفيد من أعظم الكنوز ، وأن أعظم الكتب يمكن أن تتحول إلى مجرد أوراق ميتة على ظهر حمار ( كمثل الحمار يحمل أسفاراً ) حينما تفقد وظيفتها الإحيائية للعقل ( 15 ) وهذه الواقعة إن دلت على شيء ؛ فهو أن العقل حينما يتعطل لايستفيد من كل عجائب الأرض التي تحيط به ، ويمر على الآيات ( وهو عنها معرض ) لإن الإنسان عندما يخسر نفسه فلن يربح شيئاً . وأن ماحدث في يوم لأمة سوف يحدث لغيرها في يوم لاحق . فالقانون الألهي يطوق عباده جميعاً .
هوامش ومراجع :
( 8 ) كتبها رجل ألماني تزيَ بزي تركي ، وعمل لمدة ثلاث سنوات ، وهو يتظاهر أنه تركي في ألمانيا ورأى العجائب وحقائق القلوب فكتب كتابه هذا الذي حقق له ريعاً زاد عن عشرة مليون مارك !! ( 9 ) القوى العظمى - التغيرات الاقتصادية والصراع العسكري من 1500 حتى 2000 - باول كينيدي - مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية -ترجمة عبد الوهاب علوب - ص 38 و49 و50 ( 10 ) جاء في كتاب عندما تغير العالم (( ومن الطريف والمثير أن تحدث قصة بسيطة ذات يوم أثناء الاجتماعات التي كانت تعقد عند راهب فرانسيسكاني يدعى مارين ميرسين .. فقد سمع ديكارت طنين ذبابة تطير في المكان الذي كان يعقد فيه الاجتمناع ، أخذ ديكارت يفكر في موقع الذبابة فتصور موقعها لابد أن يكون تحت نقطة يتقاطع عندها في زوايا قائمة خطان ، أحدهما خارج من الاتجاه الجانبي والآخر من أسفل ، هذان المحوران يعطيان محورين إحداثيين لتحديد موقع الذبابة في أي وقت ، ويمكن قياس بعدهما باستخدام إحداثيين متعامدين وفي مستوى واحد ، وهذا النظام الجديد للأحداث الرياضي هو مانسميه اليوم ( الخط البياني ) - عالم المعرفة 185 - تأليف جيمس بيرك - ترجمة ليلى الجبالي - ص 201 ( 11 ) سورة القصص 76 ( 12 ) أصدر المفكر المغربي عابد الجابري تحت نقد العقل العربي جزئين بنية العقل العربي وتكوين العقل العربي - مركز دراسات الوحدة العربية ( 13 ) الزخرف 23 ( 14 ) الحديث : (( ذكر النبي ( l ) شيئاً فقال : وذاك عند ذهاب العلم . قلنا يارسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ، وأبناؤنا يقرئونه أبناءهم إلى يوم القيامة ؟ فقال : ثكلتك أمك يابن لبيد ، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة . أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والانجيل ولاينتفعون مما فيهما بشيء )) ذكره ابن كثير في تفسير الآية 66 المائدة وصححه ( 15 ) تأمل الآية القرآنية ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً ) سورة الجمعة آية 5 .
اقرأ المزيد