مقالات بقلم خالص جلبي

خرافات الطاقة الحيوية 
نحن نعاني اليوم ليس من شح المعلومات بل فيضها بكذب منهمر. وبعد كورونا والتخاطب عن بعد تحول العالم إلى مستنقع لكل التفاهات؛ فلا يمر علي يوم إلا وخرافة تهبط على رأسي يسألني صاحبها عنها، أو دجال جديد هبط من سقف المعرفة فهو محيط بالسر وأخفى. بل وحتى نبي جديد أوحي إليه ربه زخرف القول غرورا. منها خرافة جديدة قفزت إلى السطح هي العلاج بالطاقة عن بعد. وسببها أن رجلا فاضلا ممن أعرف ضربته الكورونا فأخذ إلى المشفى على عجل. فتبرع شخص أعرفه قبل نصف قرن حموي الأصل فقال إن عنده من طرق العلاج مايحيل الحجر إلى ذهب ويقلب العصي ثعابين. قال ثمة شيء تدربت عليه هي الطاقة الحيوية؟ ظننت أنها كما حصل معي في مدينة مسيساجا الكندية حيث اجتمعت بطبيبة هربت من المحرقة السورية ثم عملت شيء اسمه الطب البديل وهي شعوذة جديدة تعتمد على غفلة المساكين أكثر من التأسيس العلمي الذي تعب فيه العلماء عبر القرون حتى أسسوه. ونفس الشيء لاحظته عند سيدة حلبية تشرب أشياء وخلطات لأنها لاتعرف النوم فتنام على وقع أفلام الكوبوي من التلفزيون المنصوب عندها في غرفة النوم. وأتذكر من مدينتي القامشلي المقرودة وكمية السحر والدجل المنتشر هناك فأقول لاجديد من ديانة مسيلمة فهي تبدل أثوابها كل مرة. وحين أخبرني صديقي الحموي القديم أنه يعالج بالطاقة من بعد لم استوعب الفكرة،  ولم أكن قد سمعت بها من قبل فكل يوم هو في شان؟ قلت لزوجتي هل يستحق الموضوع أن أفرغ له من وقتي فأعرف البدعة الجديدة فترددتْ في النصيحة. المهم راجعت المصادر لأعرف ماهو السحر الجديد؟ فهالني الخبر وكمية الدجل فيه. وكان تعجبي من البشر وكيفية تورطهم في أي خرافة دون تمحيص. هنا تذكرت ايضا صديقي الطبيب الكذاب الذي اجتمعت به في عسير وكان مدرسة في الكذب ولكن الناس تسمع وتضل وكما جاء في الأنجيل أعمى يقود أعمى الاثنان يقعان في الحفرة. قال القوم سحرة العصر الجديد إن الجسم جسمان وهو ليس كما ترونه بل نحن نراه على شكل طاقة وأثير تحومان وتحلقان حول بدن الإنسان. نحن نراها وهي خفية عليكم كما في الآية إنه يراكم هو وقبيله من حيث لاترونهم . نحن ذلك القبيل أي الجن غير المرئية. فهذه هي عيوننا الجديدة التي بها نبصر وأنتم لاتبصرون. قال السحرة الجدد نحن نقوم مثل محطات البنزين فنفرغ الزيت القديم من الموتور ثم نملأه بزيت جديد. هذه هي طاقتنا التي لاتعرفونها. قلنا للسحرة الجدد وحين تفتحون قنوات التواصل المزعومة فتدخلون على روح هذا المسكين كم عدد الجلسات ومدتها يقولون العلاج أكيد ويحتاج لتكثيف إذا لزم الأمر؟ تذكرت الشيخ العمري من جبال عسير الذي كان يخرج الجن من رؤوس المعتوهين. كان يقول الجن نوعان جن الجبال وجن السهول! أما جن الجبال فهم عتاة لاطاقة لي بهم خلاف جن السهول فأمرهم سهل. والعمري هذا في الجبال فكان إذا فشل في علاج يقول عليكم بالمشفى فاقصدوه. بختلف الشيخ العمري عن سحرة العلاج بالطاقة أنه مع العتاة الغلاظ المحيطين به من المأجورين المرتزقة فيبطحون المريض أرضا ثم يبدأ بخنقه فإذا بدأ يحشرج هتف الشيخ العمري لقد خرج الجني بطاقته السلبية والأن سوف أحقنه بالطاقة الإيجابية كما في السحرة الجدد. الشيخ العمري كان يدخل الأموال إلى حسابه فلا يعدها لكثرتها وأصبح عنده عيادات ومواعيد. تقدم له شاب سوري مغامر من تنومة وقال علمني مما علمك الله فطرده كي لاينكشف أمره. أصدقاؤنا الجدد من سحرة العلاج بالطاقة نسألهم ماهي الأمراض التي تعالجونها غير طرد الأشباح والجن ؟ جوابهم تصور ماتتصور نحن نعالج ومن بعد تماما كما هو الحال هذه الأيام بعد كارثة كورونا (الحقيقية أو المصطنعة أو المصنوعة): إننا نعالج كل الأمراض النفسية مثل الاكتئاب و الوسواس القهرى والتوتر والعصبية وأمراض عضوية كالبرد والكحة وارتفاع الحرارة والديسك والبواسير  وحصوات الكلى والمرارة والضعف الجنسى والسكر وارتفاع ضغط الدم، فجميعها تلعب الطاقة السلبية دورا كبيرا فى الإصابة بها. لاتنسوا دفع التكاليف يرحمكم الله. أما نسبة الشفاء فيقولوا لأننا ندخل إلى جذور الأمراض وخبايا الإصابات فالشفاء بإذن الله أو عفوا إذن الشيطان : نسبة الشفاء العلاج بالطاقة تكون 100%، لكن الكثير من الأشخاص لا يعلمون الكثير عن العلاج بالطاقة الحيوية وأننا نشفي من كل العلل والإصابات ولو نكسا في صمامات القلب واحتقانا في الرئة وغانغرين في الساقين. بل ويمكن الاستغناء عن الأدوية طالما عالجنا كل شيء. صديقي الحموي الذي أعرفه قبل نصف قرن فغطس مثل أهل الكهف نصف قرن ليخرج لي بسحره  الجديد أخبرته برأيي في المسألة فقلت له: أجسادنا التي بها نتسربل سنودعها ثم نمضي إلى حيث لاندري. اطلعت على مذهبكم على لسان مصري.  أظنكم تسبحون في أوهام من الطب بدون طب. والمريض تحسن بفعل عناية طبية فائقة وسوف ينكس بعد يومين ويودع (بسبب الشيخوخة المدنفة).  انا عشت نصف قرن في عالم البرزخ (العناية المركزة) أرى الموتى على مدار الساعة. هناك متطفلون ودجالون كثر يؤسسون لعلم بدون علم. تشكر اخي على اهتمامك اما طبكم فهو خارج الطب. أجابني الرجل مشكورا بأنه قبل شهرين ولد لابنه الأصغر طفلة في الشهر الثامن من الحمل وتعرضت لنقص الأكسجين اثناء الولادة العسيرة وثبت ذلك بالرنين المغناطيسي. وانذرنا الأطباء انها ستعيش معوقة فاستنفرت وعملت لها جلسات كثيرة، وقلت في نفسي اذا لم اسخر موهبتي التي اعطانيها الله لعلاج حفيدتي فلا خير فيها،  وبعد عشرة أيام اعادوا الرنين المغناطيسي وكان التقرير انها بخير. وهي الآن بصحة جيدة والحمد لله رب العالمين. فهذه هي معركة الدجل والخرافة مع العلم منذ أيام كافور الأخشيدي وامنحوتب الرابع وبيبي الثاني.
اقرأ المزيد
هل مات ديكارت مسموماً ؟ (4) 
مفهوم لا إكراه في الدين:     إن القرآن حينما طرح شعار (لا إكراه في الدين) أراد منها تحييد الجسد في لعبة الصراع الفكري، وهذا المفهوم ينبثق عنه ثلاث مفاهيم خطيرة مازال الجنس البشري يعس من أجل تحقيقها، ولم يصل الى ذلك حتى الآن الى بعضها الا بشق الأنفس.   هذه المفاهيم الثلاثة هي بالتتالي:  (1) ـ أولاً: تحييد العرق، وبذلك يتوقف الصراع العرقي وتزول العنصرية من العالم. (2) ـ ثانياً: كما يصب تحييد الجسد في مفاهيم العنف واللاعنف فيتوقف إكراه الانسان وتعذيبه من أجل معتقداته، فلايقتل الانسان من أجل أفكاره، بل بما جنت يداه، والقرآن مشى في اتجاهين في مواجهة هذه المشكلة الانسانية التاريخية. فهو أولاً: أعلن من جهته توقف الاكراه في العالم، بكل صوره، فكلمة (لا إكراه في الدين) كلمة جامعة شاملة لكل المعتقدات والمباديء والأديان، فنفى كل صور الضغط والاكراه وضمن أي دين أو مبدأ . ومن هذا النبع النمير نكتشف بؤس الفقه حين دشن مشروعية قتل المرتد أي من يغير معتقداته، على الرغم من عدم وجود نص واحد في القرآن يفيد هذا الحكم الشنيع، فمن أراد دخول الإسلام ثم الخروج منه عليه أن يخرج بدون رأٍس؟؟ ومن أراد صناعة السيارات عملها تمشي للأمام فقط، فإذا دخلت الكاراج وأرادت الخروج انحشرت فما غادرته أبد الدهر؟؟ رفع الأكراه هو في اعتناق مبدأ أو تركه، دخولاً وخروجاً، وكان هذا الاعلان ـ وهو أمر مثير ـ أنه جاء من طرف واحد، وليس في صور اتفاقيات متعددة الجوانب؟ وهذا يفسر قسماً من سر انتشار الاسلام في العالم وانسياحه حتى هذه اللحظة في ضمائر البشر جميعاً. وهو ثانياً: ترك الهامش أمام (التظاهر) بالتراجع عن المبدأ في حال التعرض للاكراه (الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) كله في محاولة لتحييد الجسد عند اختلاف الآراء والعقائد، من أجل الوصول الى مجتمع انساني حر التفكير خالي من كل صور الاضطهاد والضغط المادي والأدبي، فلا تستخدم أي صورة من صور  الضغط لادخال الناس بالقوة في أي مبدأ، أو إخراجهم من أي دين بالقوة، في كلا الاتجاهين، دخولاً وخروجاً. والعنف المادي ضمن هذه البانوراما هو تلك الوسيلة التي تحتكرها الدولة لتحييد كل صور الاكراه على الانسان ضمن المجتمع كي يعيش آمناً، والجهاد بمعنى استخدام الآلة المسلحة هو لرفع الظلم عن الانسان أينما كان، والظلم من أي جهة انطلق حتى لو قام بها مسلم، من أجل إيقاف عملية إخراج الناس من ديارهم وعقائدهم بالقوة المسلحة، فهي دعوة لأقامة حلف عالمي لرفع الظلم عن الانسان أممياً، وبذلك يتحول العالم الاسلامي تحت هذا المفهوم وضمن هذه الصورة الى مكان يهرب اليه اللاجئون السياسيون كل مكان وليس العكس. ومن عجيب تفكير الإصوليين أنهم يقولوا نعم هناك حرية اعتقاد ولا إكراه ولكن هذا في الدخول أما الخروج فلا؟!! بدون أي مستند من النص. وكله تأويل فاسد ضد العقل والمنطق والتاريخ والإنسانية والتطور الدافع للتقدم الإنساني .. (3) ـ ثالثاً: كذلك يدخل ضمن تحييد الجسد حل جذري لمشكلة المرأة، كما يتحسن وضع المراة في العالم، فوضع المرأة غير مريح في الشرق والغرب على حد سواء، وعندما يتم تحييد الجسد من خلال الجنس، تتوقف المساومة على جسد المراة، التي أخذت طابع المراهنة على الجنس، ونسيان انها انسان كامل وروح متميزة. مفهوم تحييد الجسد في الصراع الفكري:   لعل ديكارت لو بعث في أيامنا الحالية كان سيتمتع بوضع اوربا وكيف أينعت الثمرات التي وضعها هو وجيل الفلاسفة من القرن السابع عشر، وما وصلت إليه في الخلافات الفكرية، فالانسان في الغرب لايعذب من أجل أفكاره، ولايقتل من أجل معتقداته تركاً أو اعتقاداً وتحولاً،  كما أن الأرض الأروربية أصبحت إن شئنا أم أبينا ملجأً للفارين السياسيين، الذين يبحثون عن نجاة لجلودهم من محاكم تفتيش القرن العشرين، فالمسعري السعودي حمته بريطانيا وحين تدخلت السياسة فطيرته لكوبا وترينيدياد تدخل القضاء البريطاني فأعاده لضباب لندن، كذلك الحال مع الغنوشي والبيانوني في اسكتلنده وويلز. كذلك الحال مع البيطار البعثي والحوراني الاشتراكي الذي آوتهما فرنسا، والعطار الذي يقضي بقية أيامه في سلام في آخن من حيث انطلقت الحملات الصليبية على الشرق الأوسط في القرون الوسطى، عظة للغافلين وآية للمتوسمين.. كذلك حققت الحضارة الصناعية ماهو أهم من انتاج السيارات والطيارات من نقل السلطة السلمي، وتدخل أوربا الآن تحولاً مذهلاً لم يعرفه الجنس البشري من قبل وهو الاتحاد بغير طريقة نابوليون أو هتلر، فلم تعد ألمانيا فوق الجميع بل مثل الجميع، ولم يعد توحيد أوربا بمدرعات غودريان ومدفعية نابليون بل باتفاق المونتان لإنتاج الحديد المشترك في الوحدة الاقتصادية. وحكام أوربا يجتمعون ليتحدوا بدون اجتياح أحد للآخر، وبدون أن يخسر أحد زعامة أو مالاً أو أرضاً. ولايعني هذا أن نهاية الرحلة الانسانية سوف تختم على طريقة فوكوياما بالديموقراطية السياسية والليبرالية الاقتصادية الغربية، فالانسان الغربي حقق الرفاهية والأمن الاجتماعي ولكنه لم ينجح في الطمأنينة الروحية بعد، أما نحن في عالم الأطراف والمحيط؛ فلا رفاهية ولا أمنا، بل رحلة الجوع والخوف والتيه والهولوكوست إلى قرون طويلة، وذرارينا الذين يولدون في الشرق المنكوب ليس أمامهم إلا المجهول والانفجارات والمذابح الأهليه والحروب الطائفية وحكم البعث والعبث، ومؤامرات النصرانية والناصرية والشيع والتشيع والوقوف في خنادق الزمن متجمدين عند خلافات طواها الزمن. والرحلة طويلة أمامنا لنتعلم، ولكننا لن نخرج عن خط التحول التاريخي بحال، إنما هي المسافة الزمنية قرونا بين ذلك طويلة..
اقرأ المزيد
هل مات ديكارت مسموماً ؟ (3) 
نتابع في الحلقة الثالثة من قصة نهاية الفيلسوف ديكارت مسموما بالزرنيخ ولكن لابد من التعريج على أهم أفكار وإنجازات الرجل ولعل من ابرزها ما اهتدي إليه في مجلس كاهن كان يحرص على جمع العقول الأوربية. طنين الذبابة وانبثاق الهندسة التحليلية:   في ضاحية باريس عمد مفكر لاهوتي هو (مارين ميرسين)( MARIN MERSENNE)(5) في مطلع القرن السابع عشر، الى عملٍ لم ينتبه  له أحد، ولكنه كان مثل الزلزال للعقلية الأوربية، حيث كان يعمد الى عقد اجتماعين اسبوعيا يعقد فيها خيوط الاتصال بين أهل الفكر الحر في أوربا. وفي مجلسه العلمي المتواضع اجتمعت خيرة العقول الأوربية الحرة في ذلك الوقت، لتنتشر منها موجات التنوير بدون توقف. هذا العمل كان مثل تحركات القارات الجيولوجية، ويعني للمفكرين أملاً لاينضب في إمكانية تحسين التفكير الانساني. كان ديكارت لايكف دماغه عن العمل في كل مكان، وعندما أزعجه طنين الذبابة بدأ في التفكير عن احتمالات وجودها، فقاده هذا التفكير الى وضع قواعد المخطط البياني والهندسة التحليلية، التي أصبحت أحد أعمدة الرياضيات حتى وقتنا الحالي. يقول جاك بيرج صاحب كتاب (عندما تغير العالم):   (ومن الطريف والمثير أيضاً أن تحدث قصة بسيطة ذات يوم أثناء الاجتماعات التي كانت تعقد في صومعة الراهب ميرسين مرتين اسبوعيا، لتسهم اسهاماً مهماً في التفسير الرياضي لتسيير الكون، فجرَّتها مجرد ملاحظات شخصية، فقد سمع ديكارت طنين ذبابة تطير في المكان الذي كان يعقد فيه الاجتماع. أخذ ديكارت يفكر في موقع الذبابة؛ فتصور موقعها لابد أن يكون تحت نقطة يتقاطع عندها في زوايا قائمة خطان، أحدهما خارج من الاتجاه الجانبي، والآخر من أسفل. هذان المحوران يعطيان محورين إحداثيين لتحديد موقع الذبابة في أي وقت، ويمكن قياس بعدهما باستخدام إحداثيين متعامدين وفي مستوى واحد، وهذا النظام الجديد للأحداث الرياضي هو مانسميه اليوم بالخط البياني)(6) جمجمة ديكارت وعظامه الناقصة:  حتى يثبت الدكتور والصحفي (آيكه بيس) مزاعمه حول تسمم ديكارت قام برحلة بحث حول بقايا عظام الفيلسوف بعد مرور ثلاثة قرون ونصف على بلاها؛ فتبين له أن عظامه وصلت ناقصة الى فرنسا  بعد دفنه في السويد عشية وفاته، حيث تم استخراجها من جديد ودفنها عام 1666م مرة أخرى في كنيسة القديس جرمان دي بري، ولم يُنتبه الى أن الهيكل غير كامل الا بعد فتح التابوت عام 1819م،  ولم تصل الجمجمة لتوضع في المتحف الانساني في باريس الا في عام 1878م . يقول الدكتور بيس عندما وضعت يدي على جمجمة الفيلسوف أردت أن أغامر فأقوم بكحت العظام وأخذ عينة منه لكشف آثار الجريمة، فالزرنيخ المعدني لاتخيب آثاره في الكشف عنها ولو بعد قرون، ولكن جرأتي خانتي في مشهد من هذا النوع !! وأما تتمة قصة الرسالة فَعُرف أن الملكة كريستينا قامت بحملة سياسية لإعلان موت الفيلسوف، أن سببه كان التهابا رئويا صاعقا ، وعندما علمت بأمر رسلة طبيب البلاط  قامت بمصادرتها، وأحيلت الى الأرشيف الملكي، ليكشف النقاب عنها بعد تطاول القرون،  في أرشيف جامعة ليدن التي حفظتْ الوثيقة. التصفية الجسدية لأهل الفكر:   جرت العادة في العصور الوسطى أن يتم التخلص من مقلقي النوم العام (كذا؟)، فأي فكرة تطرح يجب أن لاتوقظ نائماً ولاتزعج مستيقظاً، فإذا انتشرت الفكرة اعتبر صاحبها من المفسدين، فالتهمة التي وجهت لموسى عليه السلام أنه (يظهر في الأرض الفساد)... أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وإلهتك؟؟  وكانت العادة تجرى بعزلهم عن فكر المجتمع في ثلاث صور، فإما النفي أو السجن أو التصفية الجسدية (ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله). وينطبق على صاحب الفكر قانون الدجاجة المجروحة، فعندما تكتشف الدجاجات أن إحداهن مجروحة ؛ تُهرع إليها فتنقر مكان الجرح النازف حتى الموت، ولكن القدر التاريخي يبدو أنه يسير في مسرى آخر، في غير هذه الصورة القاتمة، بل إن التغير الاجتماعي يحدث ضمن دورة مختلفة، ترسي في النهاية لصالح الفكر التغييري الأصلح، ضمن جبروت القانون الالهي بأن الزبد يذهب جفاءً وماينفع الناس يمكث في الأرض. ودفاع المجتمع عن أفكاره مبررٌ في قسم منها والا تعرض المجتمع لهزات لانهاية لها مع نزوات البشر بدون نهاية، ولكن صمود وأحقية الفكر التغييري هو الذي يعطيه طاقة الصمود والتحدي والصبر حتى تجاوز معصرة المحنة والتطهر من خلالها، ونقل المجتمع الى عتبة جديدة أكثر تقدمية. وأياً كانت صحة قصة تسميم ديكارت فالتصفية الجسدية لأهل الفكر ليست جديدة ، حتى إن القرآن عندما أشار الى نفي الصلب عن المسيح كان ـ في تقديري ـ ينطلق من خلفية أهم من كونه مات على الصليب أو قُتل بطرق أخرى، فالقرآن يشير الى أن كثيراً من الأنبياء قتل، وليست جديداً محاولة صلب أحد الأنبياء (وقتلهم الأنبياء بغير حق). في تقديري كانت حركة القرآن لنفي قصة الصلب وصولاً الى تحييد العقيدة التي قامت عليها قضية الصلب: أي التثليث وألوهية المسيح، أكثر منها لنفي الطريقة التي قتل فيها ، بسبب ارتباط العقيدة بطريقة القتل . هوامش ومراجع:   (5) يراجع كتاب عندما تغير العالم ـ تأليف جيمس بيرك ـ ترجمة ليلى الجبالي ـ عالم المعرفة رقم 185 ـ ص 196 (6) نفس المصدر السابق ص 201  
اقرأ المزيد
هل مات ديكارت مسموماً ؟ (2) 
والآن ما الذي قاد ديكارت الى السويد ليلاقي حتفه فيها!!   في خريف عام 1649 م أرسلت ملكة السويد كريستينا (ابنة الملك جوستاف أدولف)(GUSTAV  ADOLF) ضابط كبير برتبة أدميرال الى الفيلسوف المتواري في هولندا والذي كان يُروى عنه دوماً  المثل: (عاش سعيداً من توارى في الظل وأمعن في الاختفاء عن الأنظار) تطلب منه المثول إليها الى استوكهولم لتتعلم على يديه (فن التفكير الصحيح)؟! كان ديكارت يومها يعيش في هولندا متوارياً، يغير بيته أربع وعشرين مرة في أقل من عشرين عاماً، قد سمع بأهوال محاكم التفتيش والمصير الذي تعرض له الفيلسوف والعالم الأيطالي (جاليلو)، كما أن حرق جيوردانو برونو الذي دُشِّن به القرن السابع عشر حين أحرق حياً في ساحة عامة في روما، في عام 1600 للميلاد، عن عمر يناهز 52 سنة بعد سجن وإذلال لفترة ثماني سنوات؛ جعلت ديكارت يلجأ الى هولندا التي انتشر فيها روح التسامح الديني، فكان يسافر الى فرنسا بين حين لآخر لتدبير أموره المالية، ليعود الى هولندا يعيش حياته الخاصة بعيداً عن الناس في صحراء اجتماعية، ولكن في جنة فلسفية. وفي هذه الدوحة الفلسفية كان يقطف ثمرات يانعة للفكر الانساني، وفيها أنضج معظم أفكاره فكتب معظم مؤلفاته بما فيها أعظم كتاب له، الذي اشتهر به وهو (المقال على المنهج) الذي أرسى فيه القواعد الأساسية للوصول الى الحقيقة في العلوم. الشك أداة معرفية للوصول الى اليقين !!     كان ديكارت يطمح الى الوصول الى الوثاقة واليقين التي تتمتع بصلابتها الرياضيات، بحيث يؤسس بقية العلوم على هذه القاعدة من اليقين، وكان كتابه (المقال على المنهج) في إطار توليد اليقين من أرضية الشك . كان الشك الذي استولى على عقل ديكارت كبيرا رهيبا، بحيث قاده الى قطيعة معرفية مع عقلية العصور الوسطى؛ فشطَّب دفعة واحدة الآراء المسيطرة في المجتمع. وشق الطريق الى اعتماد المحاكمة العقلية سبيلاً للفهم أكثر من الآراء المسيطرة، فليس هناك من وسيلة لقتل العقل مثل التقليد واتباع آراء الآباء، كما نعى ذلك القرآن على كفار قريش (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) ومضى به الشك كما حصل مع الإمام الغزالي سابقاً، حينما اهتزت عنده حتى الضروريات والمحسوسات. كان يخاطب نفسه إذا كان كل الشعور موجوداً في المنام ولايزيد المنام أن يكون وهماً كاملاً!! فما الذي يضمن لي أن لاتكون الحياة برمتها نوعاً من الوهم الخادع على صورة منام كبير؟! وإذا كانت الحواس تخدع، والمعرفة تاتي عن طريق الحواس، فكيف يتأتى لي أن أصدق هذه المعلومات المتدفقة الى عقلي وطريقها هو الحواس؟!   استمرت رحلة الشك حتى مرض الغزالي؛ فكاد أن يهلك كما روى في كتابه المنقذ من الضلال، وأما ديكارت فلم يمت ولكن دماغه كاد أن ينفجر في ليلةٍ حاسمة غيَّرت مجرى حياته بالكامل، في شتاء قاسي، وحرب الثلاثين عاماً الطاحنة تزهق أرواح الناس على الأرض الألمانية. ليلة ديكارت التاريخية:  ابتدأت حرب الثلاثين عاماً الدينية على الأرض الألمانية في عام 1618م، ولم تنته إلا عام 1648م، بعد ثلاثة عقودٍ كاملة قتل فيها الملايين من الناس من كلا الجانبين والمذهبين، من البروتستانت والكاثوليك، وعم الخراب، وانتشرت المجاعة، وتحولت ألمانيا الى أنقاض اشتركت فيها جيوش شتى من كل القارة الأوربية، ولم تُترك فظاعة الا ارتكبت، على عادة الحروب الأهلية. ولكن أشد من عانى يومها، كان الشعب الألماني الذي مات منه ذبحاً قرابة الستة ملايين ونصف، من أصل تعداد سكان يصل الى عشرين مليوناً فقط، مما اضطر الكنيسة يومها الى استصدار قرار اشتهر بقرار نورمبرغ، أباحت فيه تعدد الزواج استناداً الى قصص العهد القديم، لتعوض النسل المنقرض، ولم تنتعش ألمانيا الا بعد مرور ثمانين عاماً (3). ويصاب الانسان بالعجب الى حد الانبهار، كيف تولدت أفكار المنهج عند ديكارت في جو حروبٍ أهلية واضطرابات من هذا الحجم؟ ففي هذا الجو الجهنمي العجيب يروي ديكارت قصة عجيبة؛ عندما أجبرته الثلوج والبرد الى الاحتماء طيلة الشتاء الى غرفة دافئة، لايعكره فيه هوى ولاهم او حزن، حتى كانت ليلة عمد فيها الى التفكير؛ فكاد دماغه ان يحترق من وهج التفكير (كما يروي)(4) ثم جاءه مايشبه الوحي من التفكير بحيث انفتحت أمام بصيرته الطريقة الجديدة في قيادة العقل الى الأحكام الصحيحة. إن ديكارت عندما شك في كل شيء وصل الى طرح هذا السؤال: إذا كنت أشك في كل شيء، فهل هناك شيء ولو كان وحيداً منفرداً لا أشك فيه يقيناً؟ كانت اللمعة العجيبة التي التمعت في ذهنه: نعم قد أشك في كل شيء، ولكن الشيء الذي لا أشك فيه يقيناً هو أنني أشك، والشك تفكير، فهناك إذن حقيقة أساسية هي أنني أفكر لأنني أشك، وعندما أفكر فأنا موجود، على صورة من الصور، أي أن هناك حقيقة لوجودي على شكلٍ من الأشكال، فحقيقة التفكير تعني أني موجود على صورة من الصور. ومن هنا أطلق ديكارت عبارته التاريخية: أنا أفكر أنا موجود.    هذه الفاتحة المدهشة في نقلةٍ عقلية بسيطة، ولكنها في مثل ثقل الجبال، هي التي ساقته فيما بعد الى تأسيس الفكر المنهجي التحليلي اللاحق، الذي اشتهر به، عندما أرسى المربعات الفكرية الأربعة المعروفة : ـ لا أقبل شيئاً مالم يكن في غاية الوضوح ـ  كل قضية مركبة تحلل الى عناصرها الأولية ـ  بعد حل العناصر البسيطة يعاد تركيب القضية ـ  تجرى عمليات النقد الذاتي والاختبار للتأكد من كافة مراحل العمليات العقلية لإحكام ضبطها. هوامش ومراجع:   (3) يراجع بالتفصيل عن كارثة الحرب هذه كتاب قصة الحضارة لويل ديورانت (4) كتاب المقال على المنهج ـ ترجمة محمود محمد الخضيري ـ دار الكاتب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة، ويعد هذا الكتاب من روائع النثر الفرنسي، وقوته هي من بساطته وسحر الأدب الذي يغلف كلماته
اقرأ المزيد
هل مات ديكارت مسموماً ؟ (1) 
بمناسية مرور 400 اربعمائة سنة على ولادة فيلسوف التنوير  الفرنسي (رينيه ديكارت)(RENE  DESCARTES) الذي اعتمد آليات الشك لتمحيص الحقيقة، وألقى في القارة الاوربية بذور النهضة العقلية، تقدم صحفي وطبيب ألماني هو (آيكه بيس 54 عاما)(EIKE  PIES 54) بتحقيق هز فيه الأوساط الاكاديمية، يزعم فيه أن الفيلسوف  ديكارت لم يمت من برد السويد بالتهاب رئوي؛ بل بالحري مسموماً بجريمةٍ مدبرة، تم ترتيبها بين مبعوث الفاتيكان الذي كان يقوم بمهمة إقناع ملكة السويد بترك المذهب البروتستانتي والتحول الى الكثلكة، وبين منافسين لديكارت داخل البلاط الملكي يعملون في حقل الفيلولوجيا (PHILOLOGY)(1) .   وهي تذكر بقصة حديثة نشرتها قناة الديسكفري العلمية عن طبيب أسنان سويدي أماط اللثام عن الطريقة التي أنتهى فيها نابليون مسموما أيضا بالرزرنيخ، وعلى يد أقرب الناس إليه في جزيرة هيلانا، بعد أن نفحه خمسة ملايين فرنك، وكان الأخير قد دفع زوجته إلى أحضان الامبراطور فحبلت وولدت بطفلة أخذت اسم نابليونة!! عرف ذلك يقينا أثناء نقل جثمان نابليون من المقبرة بعد 14 عاما فكان كما هو وكأنه دفن البارحة فظن القوم أنها معجزة للقديس نابليون، ولكن الطبيب السويدي ومن خلال بقايا خصلات شعر الجنرال عند محبيه عرف أنه مات مسموما وبالتدريج بالزرنيخ مع جرعات الخمر. ولعل نهاية الأسكندر الذي مات شابا كانت قريبا من هذه الطريقة. ولكن الذي مات بالسم علنا كان سقراط حين حكمت عليه ديموقراطية أثينا بتجرع سم الشوكران!! ويقال عن تسميم أبو حنيفة والحسن بن علي والأمام العادل عمر بن عبد العزيز أنهم أنهوا حياتهم أيضا موتا بالسم غيلة.. ولد الفيلسوف ديكارت في (لاهي) وهي بلدة صغيرة في منطقة التورين (TOURAINE) بفرنسا عام 1596م (2) وفي عام 1650 م اختتمت حياته عندما أعلنت ملكة السويد (كريستينا)(CHRISTINE) نبأ وفاته بالتهاب رئوي حاد عن عمر يناهز 54 عاماً. ترك ديكارت خلفه أثراً مزلزلاً ومازال في مفاصل العقل الانساني الجمعي؛ فديكارت يعتبر اليوم محطة عقلية لكل من يرتاد حقل الفلسفة، أو يريد التعرف على التحولات العقلية الكبرى فيها، وكل من جاء بعده ممارساً للفكر؛ لابد أن يتأثر بالطريقة التي طرحها بشكل أو بآخر، فيعتبر أهم ماكتب الفيلسوف سبينوزا من بقايا بصمات ديكارت عليه، فرسالته في (تحسين العقل) ينحو منحى ديكارت في كتاب (المقال على المنهج) كما أن رسالته الهامة الثانية عندما أراد أن يفهم الأخلاق بشكل هندسي (الأخلاق مؤيدة بالبرهان الهندسي) هي من آثار ديكارت في فهم كل شيء في الكون بشكل ميكانيكي. والآن ما الذي أثار شبهة موت ديكارت مسموماً بالزرنيخ؟   كان مفتاح هذه القصة الخطاب الذي تبادله اثنين من الاطباء فأما الأول فهو طبيب البلاط السويدي، الدكتور (يوهان  فان فوللن)(JOHANN  VAN  WULLEN) الذي عاصر لحظات ديكارت الأخيرة وتطور مرضه في الأيام الأولى من شهر فبراير من عام 1650 للميلاد، في استوكهولم عاصمة السويد، وأما الطبيب الثاني الذي عُنوِّن له الخطاب ولم يتسلمه قط فهو طبيب عاش في القرن السابع عشر، وهو جد بعيد للدكتور (آيكه بيس) الذي أثار الموضوع في مدينة فوبرتال (WUPPERTAL) الألمانية، وكان يومها الطبيب الخاص للأمير (يوهان  موريتس  فون  ناساو - زيجن)(JOHANN  MORITZ  VON  NASSAU -  SIEGEN) . هذه الوثيقة البريئة !! وقعت في يد الدكتور والصحفي (بيس) والتي كانت نائمة في أرشيف جامعة (ليدن من هولندا)(LEIDEN) كل تلك القرون؟!! ولكن لماذا استقرت في هولندا ولم تصل ليد الدكتور (ويليم بيس)(WILLEM  PIES) الجد الأعلى للدكتور (آيكه بيس) المقيم في فوبرتال ؟!! كانت الرسالة وثيقة مريبة عن وصف حالة فيلسوف التنوير ديكارت وهو في سكرات الموت، فالدكتور السويدي الذي كان يسجل يوميات انهيار صحة الفيلسوف بأعراض لاتُخفي مظاهر التسمم بالزرنيخ، مثل البول المدمى واللعاب المسود الغزير ودوران العينين التائه، ونوعية تقطع التنفس، المشير للتسمم الحاد بالزرنيخ، كما أن ديكارت نفسه ارتعب من جو المكائد التي هرب منها طول حياته فلحقته الى السويد. وهو الذي كان يقول عاش سعيدا من بقي في الظل. ويبدو أنه أدرك أنه وقع في المصيدة، فطلب بعض الأدوية التي تحرض عنده الاقياءات، كي يتخلص من السم اللعين، ولكن يبدو أن جرعة أخرى لحقته في اليوم الثامن من كربه فألحقته بالقبر. الدكتور (آيكه بيس) فتح الباب الى قصةٍ مثيرة من القصص البوليسية التاريخية، فبمقارنة الخطاب المرسل من طبيب لآخر، وباستعراض مظاهر المرض التي بدات مع اليوم الثاني من شهر فبراير من عام 1650 م والتي أنهت حياة الفيلسوف ديكارت في اليوم 11 منه في الساعة الرابعة صباحاً، افترض أن جرعة السم الأولى أعطيت له مع جرعة النوم، وأما الثانية فكانت للقضاء المبرم عليه في اليوم الثامن. ويبقى لإثبات هذه الفرضية الاجرامية التاريخية الوصول الى المتبقي من عظام الفيلسوف لفحصها عن طريق الطب الشرعي، فسم الزرنيخ يبقى في العظام فلا يزول، ويمكن التاكد منه بفحص الجمجمة مثلاً. هوامش ومراجع: (1) تم نشر الخبر في مقال مطول في مجلة الشبيجل الألمانية في قسمها الثقافي، وأشارت المجلة المذكورة الى طبع كتاب في هذا الصدد للدكتور (آيكه بيس) الذي وضع له عنواناً (حادثة قتل الفيلسوف ديكارت) ـ  مجلة الشبيجل العدد 32 عام 1996 م ص 160 ، وتم تكرار القصة مرة أخرى في الشبيجل العدد 46 عام 2009م ص 160 وعلم الفيلولوجيا هو العلم الذي يعني بتحقيق اللغة والنصوص اللغوية، وكان ديكارت يعتبر عملهم مضيعة للوقت يومها قبل تطور وثورة علم الالسنيات الحديثة (2) قصة الحضارة ـ ويل ديورانت ـ الجزء 30 ـ ص 321
اقرأ المزيد
متى نفهم إسرائيل ؟ (2)
الوضع العربي هذه الأيام كارثة والجسم العربي يتفسخ بسبب موت مقيم وهي حال الجثث حين تموت. وأعجبني النيهوم الكاتب  الليبي حين يقول الفرد العربي لاغبار عليه من طبيب ومهندس ومقاول ولكن شبكة العلاقات الاجتماعية مقطعة. فهذا هو المجتمع هو ليس كومة أقراد بل شبكة علاقات اجتماعية. والغرب الحالي قوته من شبكة العلاقات أما الأفراد فلا يختلفون عن الأفراد عندنا.   ومما روى لي زيرك الكردي أنه هرب من كردستان العراق إلى تركيا فاليونان وهناك ألقوا القبض عليه ولكنه عومل معاملة (أوربية) فلم يعذب ويهان، وسلم ليد المسلمين الأتراك فبقي أياما في العراء تحت المطر بدون طعام فتحول إلى زاحف يزحف على بطنه. ثم رأى بعينه كيف يهوي الجنود الأتراك بالعصي الغليظة على يد المتسللين يكسرونها حتى لا تنفع في تسلل جديد. ومن فارق أوربا ودخل أرض السلاطين العثمانيين وبلاد العربان دخل أرض الشقاء والبلاء والوباء والنحس والحبس. وفي الوقت الذي تسلم إسرائيل الأسرى العرب هناك من أصبح له في السجن في بلد عربي أكثر من ثلاث وعشرين سنة بدون محاكمة. وهناك من دخل السجن بتهمة ثرثرة الانترنيت ففتح موقعاً للمعارضة فأصبح له عاماً بدون زيارة ومحاكمة وهو شيء مضحك لولا أنه يحدث. ورجال المخابرات يعيشون حالياً مرحلة الديناصورات قبل الانقراض العظيم. ولم ينتبهوا إلى أن العلم حطم الجغرافيا. ومع الانترنيت لم يبق حدود. وولى زمان (كتمان العلم). ويمكن لأي كتاب أن يطير على أجنحة إلكترونية بلحظات من قارة إلى قارة. ولكن رجال المخابرات أصبحوا مثل ساحرات العصور الوسطى يقفزون بالمكانس لاصطياد أطباق طائرة تئز فوق رؤوسهم بسرعة الضوء. وعندما يتم تبادل المئات مقابل واحد بين إسرائيل والعرب فهو إعلان لقيمة المواطن العربي عند الأنظمة العربية. وقيمة المواطن في نظر الحكومة الإسرائيلية فمتى نفتح عيوننا على الحقائق فلا نهلل للنصر المبين بل نبكي على أنفسنا وذلنا في العالمين. متى نرى إسرائيل أنها من (الداخل) دولة ديموقراطية، ومن يعيش في ظلها يناقش رسالة الدكتوراة من خلف قضبان السجون بالتلفون. وأن سجون إسرائيل عامرة بالكتب أكثر من دواليب الفلق في أقبية المخابرات العربية. وأنها من (الداخل) أصلح من كثير من الحكومات العربية لشعوبها. وأنهم أشداء على العرب رحماء بينهم؟ وأن  العرب تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون؟ وان هناك من يخرج من المحطة الفضائية من داخل إسرائيل فينتقد أكبر رأس سياسي فيها. ومن يتجرأ عندنا فيفتح موقعا للمعارضة في الانترنيت يسجن سنة بدون زيارة وكرامة.  ولكن من يقول هذا يعد خائنا خبيثاً. ومن يطالع الأخبار يصاب بالصدمة مثل الفنان الذي ترسله حكومة عربية إلى أفضل مصحات العلاج خارج الوطن لمرض يمكن معالجته بمشافي من الدرجة الثانية عندنا. لأنه ممثل بارع يتقن النفاق فيخرج أفلاماً في عظمة حكام العرب وحكمتهم اللامتناهية. في الوقت الذي لا يجد المواطن العادي نفقة دخول مستشفى من الدرجة الخامسة؟  فمتى نفتح عيوننا على عيوبنا وننتقد أنفسنا؟ قد يكون حزب الله وأمثاله في قدرتهم طرد إسرائيل كما فعل المجاهدون الأفغان مع من هو أعظم من إسرائيل مائة مرة؛ فالاتحاد السوفيتي كان يملك من الأسلحة النووية ما يمسح أفغانستان من خارطة الوجود مائة مرة، ولكنه هزم على يد أناس تدربوا على القتل. ولما خرج الاتحاد السوفيتي أقاموا دولة الطالبان فأهلكوا الحرث والنسل. ودمروا أفغانستان عشر مرات في سنة واحدة ما لم يفعله الروس في عشر سنين. ووصل أذاهم إلى الأحياء وتماثيل الأموات. وحزب الله اشترك في طرد إسرائيل ولكنه نموذج مكرر للمجاهدين الأفغان من حجم ترانزستور. فمن يفهم القتل وسيلة للتغيير ليس بمقدوره بناء الديموقراطية. وهذا الأمر يختلط على الكثيرين فيظنوا أن القتل والتفجير هو وسيلة التغيير.واليوم انتقلت موضة الانتحار الفلسطينية إلى الرياض واستانبول. وأسلوب حزب الله نصح به بعض السياسيين الذين لا يرون أبعد من أرنبة أنفهم مثل من ينصح مريض القرحة بتناول الأسبرين. وقد يتخلص المرء من الصداع بتناول قرص الأسبرين ولكنه عند مريض القرحة يقتل بالنزف. وإسرائيل في لبنان ليست إسرائيل داخل أرض الميعاد. وقتال أفراد من الجنود في شريط حدودي ليس مثل  مواجهة أمة تعد ستة ملايين فلا يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون؟ وعلى فرض أن تخلص العرب من إسرائيل فخسف الله بها الأرض فلن تنتهي خلافات العرب وصراعاتهم. وزوال إسرائيل لا يعني زوال مشكلات العرب. وولادة دولة عربية جديدة يعني زيادة الدول القمعية في المنطقة دولة. فيزداد مرض العرب مرضا. فيجب أن نفتح عيوننا على هذه الحقيقة المفزعة. ما دفع البعض من الفلسطينيين اقتراح فكرة دولة واحدة بقوميتين ونهاية فكرة دولة فلسطين. متى نستوعب أن مشكلتنا داخلية وأن الصراع العربي العربي هو الجوهري والأساسي وأن الصراع العربي الإسرائيلي هو الهامشي والجانبي. مثل حصول الخراجات عند مريض السكري. وأنه لولا انهيار الجهاز المناعي العربي ما ولدت إسرائيل. وعندما يتعافى الجسم العربي فلن تزيد إسرائيل عن فورموزا الشرق الأوسط. وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.
اقرأ المزيد
متى نفهم إسرائيل ؟ (1) 
العرب مع إسرائيل في حالة عجيبة كانت وما زالت من القفز بين معادلتين بعشرة مجاهيل؟ فهي في يوم دويلة العصابات وهي في يوم تنين نووي؟ وهي ليست بذاك ولا ذلك. هي محصلة طبيعية لانهيار الجهاز المناعي العربي، وانهيار الدولة العثمانية السابق. وأذكر جيدا من فيلم لورانس حين جرى النقاش بعده وكنت يومها في ألمانيا فقال المعقب أن إسرائيل لم تكن لتولد لولم تنهار دولة آل عثمان التي كانت تملك مصير الشرق الأوسط؛ فبعد هزيمتها في العراق دخل الجنرال اللنبي إلى القدس ثم بدأ المسلسل المستمر حتى اليوم.  ومن أعجب مايصلني أن هناك أنبياء كذبة يتنبأون أن نهاية دولة إسرائيل ستكون في ربيع هذا العام 2022م، والسؤال ماذا لو لم تتم النبوءة؟ والجواب سهل فهذا النبي الجديد سوف يقول لم تفهموا علي تماما؟ فالزوال لاتعني أن يخسف بها الأرض وتختفي من الخارطة! بل تعني الانتقال من حال إلى حال كما يقول المغاربة عن الوقت بعد الزوال. وهناك فلسطيني رجل أعمال (غالبا من الشفارة) اسمه من فصيلة حيوانات الغابة، أطل علينا بإطلالة قال فيها أن حربا قادمة بين الصين وأمريكا قادمة وكانت تكهناته أنها ستكون في نهاية عام 2020م قالها وبتعبيره الغبي (شوية صواريخ). وطبعا فالمنجمون أكثر من رمال تندوف. وكذلك الحال مع التكهن بأن دولة بني صهيون سوف تختفي من الخارطة مع ربيع 2020م؟ وهذا يحيلنا إلى مسألة أصولية وهي أننا حتى اليوم لم نفهم دولة بني صهيون بدقة، وأذكر جيدا من  ذكريات عيد الأضحى لعام 1424هـ حين تم تبادل أكثر من 400 أسير عربي مقابل عسكري إسرائيلي واحد حي وثلاث جثث تم التأكد منها بفحص الحامض النووي؛ فهلل العرب للنصر المبين؟ وهو في حقيقته ذل مقيم بأن الأموات الإسرائيليين أفضل من الأحياء العرب؟ وفي نفس العيد الحزين خرج أكثر من مائة من سجن عربي بعد سنين طويلة من الذل منهم رجل أمضى في السجن 29 سنة. فلم يهلل أحد لأن كل البلد سجن. ومن كان خارج السجن لا يفترق كثيرا عمن هو داخل السجن فالكل يرزح في سجن كبير بقضبان من الخارج وقضبان داخل الضمير. وحاليا رغيد الططري مسجون في سجون البعث منذ 42 سنة بدون تهمة ومحاكمة. وروى لي صديقي (زيرك) الكردي أن رجلا خرج من سجن صدام بعد ستين سنة فلا يذكر سوى الملك فيصل الأول، ولم يعرف ماذا حدث بعد ذلك فكانت دهشته مثل دهشة أصحاب الكهف الذين أرسلوا أحدهم بورقهم فاكتشف الناس أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا. ومما روى لي أن حملة الأنفال أخذت اسمها من القرآن ولكن فعلها كان من أبالسة الجحيم فقتل من الأكراد قريبا من مائتي ألفاً. ومسحت خمسة آلاف قرية كردية نقل أهلها إلى محميات كما فعل ستالين مع الشيشان والأمريكيون مع الهنود الحمر. ولكن صدام اختلف عنهم بأبشع من الصرب في سيبرينسكا فقتل من قبيلة البرزان سبعة آلاف ثم نقل النساء إلى معسكر بغرف يدخل على النساء من يشاء من عبيد صدام لمدة أربع سنين فخرج من الأطفال (النغولة) من  لا يعترف عليهم أحد سوى أمهاتهن اللواتي تبرأ منهن الجميع فلا يحسن سوى الدعارة اليوم. وذنب هؤلاء النسوة مغفور ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم. وذنب أولئك الأبالسة غير مغفور.وأحسنت جريدة الشرق الأوسط صنعاً وهي ترسم الكاريكاتور لسجين عربي أطلقته إسرائيل يحتضنه شيخ وبجواره رجل المخابرات العربي ينتظره بـ (الكلبشات) وهو يبتسم؟ وما حصل في إطلاق أسرى العرب يعني في علم (السياسة) أن إسرائيل رضت لنفسها ظاهرياً الذل لتفدي المئات مقابل فرد واحد. ولكن الأمي لا يفك الخط ولو كان من أحب الناس وأبغضهم إليه. فالرسالة يقرأها من يحسن القراءة. وإسرائيل تتكلم بلغة لا نفهمها نحن الأميين؟ و(الحدث) يعني في علم (الرياضيات) أن إسرائيل اعتبرت أن ثلاث جثث وحي واحد يساوي في الميزان أي عدد آخر من العرب ولو بلغ المئات والآلاف. وهو يعني في علم (المنطق الأخلاقي) أن حياة الإسرائيلي ولو كان عربي الأصل غالي جدا في الميزان. مقابل الإنسان العربي المهان في بلاد العربان، كما حدث مع (ماهر عرار) العربي الأصل كندي الجنسية الذي ذاق العذاب المهين على يد بني العروبة في بلده الذي هرب منه (سوريا) فهو يقيم دعوى قضائية ضد بلده الذي هاجر إليه كندا (في النهاية أخذ تعويض من الحكومة الكندية بمبلغ 12 مليون دولار فهو يلاحق الان الحكومة الأمريكية التي سلمته لسوريا)؟ ولم ينقذه إلا الكنديون. وهو تطور مهم أن من يعتقل لم يعد نسيا منسيا بل أصبحت قضيته تحت المجهر. وأمريكا التي سلمته اقترحت عليه أن يتطوع بنقله  إلى سجن بلده الأم العربي (سوريا) الذي ولد فيه فصاح فيهم أرجوكم خذوني إلى أي مكان و لا هذا المكان قالوا له لماذا؟ قال العذاب الأليم؟ ولولا جنسيته الكندية وتدخل الحكومة الكندية للبث في السجن بأكثر من سني يوسف وأشد من عذاب النبي أيوب. أني مسني الشيطان بنصب وعذاب.          
اقرأ المزيد
كوانتوم الوعي واللاوعي  تسخير علم النفس للدعاية  (تمرير المعلومات مباشرة الى اللاوعي) 
ثمة حكمة ملفتة للنظر في جدلية العلم والضمير مما جعلت الفيلسوف الألماني (ايمانويل كانت) أن يطلب من تلاميذه أن ينقشوا على قبره من بعده هذه العبارة: شيئان يملآن صدري بالاعجاب: (السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي، والقانون الاخلاقي في صدري) ؛ فــ (كوانتم الوعي) تم استخدامه في التلاعب بعقول الناس، كما هو الحال في الديموقراطية الغربية، ولقد أظهر كوانتوم الوعي أمرا غريبا في دخول المعلومات إلى دماغنا فهو لايدخل حقل الوعي أولا بل حقل (اللاوعي) قبل أن يفرز إلى الوعي باعتبار أن دماغنا ثلاث طبقات من اللاوعي والوعي ومافوق الوعي (السوبر). وهكذا فالديموقراطية يمكن وصفها بأنها أقل الاشياء سوءً في العالم، فظاهرة التمثيل النيابي تخضع لجبروت المؤسسات المالية، مما لاتجعل التمثيل صحيحاً تماماً، وبالطبع لايمكن مقارنة هذا باوضاع دول شتى من العالم التي لاتعرف نظام نقل السلطة السلمي بالكامل ولم تسمع به، ولعل أجمل مافي الديموقراطية هي هشاشتها وإمكانية نقدها من داخلها، كما فعل نعوم تشومسكي في كتابه المزلزل (ردع الديموقراطية). كذلك حصل مع نظرية الكوانتم في الوعي، فعندما يمكن في التلفزيون تمرير كمية من المعلومات السياسية أو التجارية، ولكن بسرعة مُتحكم فيها بحيث تراهن على بطء (الوعي) في الاستيعاب فإن هذه المعلومات ترى بالعين وتسمع بالاذن، ولكنها عملياً لاترى ولاتسمع، لآنها تسربت عبر منافذ اللاوعي، ويبقى الانسان يتذكرها وكأنه رآها فعلاً، بسبب تدفقها المباشر الى مخزن اللاوعي في الذاكرة، وهكذا يمكن التلاعب بالانسان من خلال تسخير العلم؟!!  ولقد تم الكشف عن هذه الحيل وفاحت رائحتها الية السطح، ولكن ياترى كم من هذه الحيل العلمية تستخدم اليوم للتلاعب بالانسان تحت اسم العلم والتقدم؟! بنتاجون (خماسي) الأخلاق عند داماسيو:   انطلق داماسيو من محاولة الوصول الى منابع المشاعر الأساسية؛ فاعتبر أن هناك خمسة مشاعر تشكل حزمة وجودنا العاطفي بالكامل، فكما كانت الألوان الثلاثة: الأزرق والأحمر والأصفر، هي التي تكون بقية الألوان، كذلك فإن تحليل أي موقف عاطفي يرجع الى طيفٍ من ألوان شتى من المشاعر. ولكن قاعدتها هي مزيج معقد من خمسةٍ من المشاعر القاعدية، فإما الحزمة الخماسية للمشاعر فهي: السرور والحزن، الغضب والخوف والاشمئزاز. هذه واحدة ومضى داماسيو في تدعيم نظريته الى أن الجسم والدماغ هما في حوار ودي لايعرف التوقف والانقطاع، آناء الليل وأطراف النهار؛ في تسبيحة متواصلة، ليصل في النهاية الى تعليل ماأصاب مريضه ايليوت (صداع شديد بسبب ورم سليم في الفص الجبهي من الدماغ أدى استئصاله إلى اضطراب كامل في الشخصية) إن الذي حدث هو انقطاع (كابل) التواصل العاطفي العقلي، فكما كان للماكينة (جير) التعشيق مع عمود الحركة، كذلك لعب الفص الجبهي في الدماغ هذا الدور، في جدلية المشاعر والتفكير المنظم التحليلي. إن دامسيو بهذا الطرح يزعم أنه وصل الى تحديد الوعي وآلية عمله عند الانسان، لذلك فهو يرى أن طرح ديكارت السابق هو خاطيء. داماسيو بهذا الطرح يضع يده على مفاتيح جديدة في فهم آلية عمل الوعي والدماغ. بين ديكارت وداماسيو: أنا أفكر .. أنا موجود ؟!  أنا موجود أنا أفكر:   في إحدى التجليات الروحية كاد دماغ ديكارت أن يحترق وهو يتعذب في ظلمات الشك الحالكة. وهو يقول كما قال الغزالي سابقاً: ليس هناك من شيء يمكن أن يستقر أو يقف على قدميه. لإنني أشك في كل شيء. لم يعد هناك شيء لم أعد أشك به، فكل ماتعلمناه بني على التقليد لا أكثر. ثم أنقدح نور في هذا الظلام، بدأ يكبر وينير رحلة العقل المضنية، وشعر ديكارت بالتماسك بعد هذا الدوار العقلي. نعم إنني أشك في كل شيء، ولكن هناك شيء لا أشك فيه وهو أنني أشك؟!! فإنا إذاً أفكر لأن الشك تفكير، وإذا كنت أفكر فهناك حقيقة موجودة ولاشك، وهي حقيقة عقلية بالدرجة الأولى، فأنا موجود على صورة من الصور .... أنا أفكر .. إذاً أنا موجود ... هذه هي الحقيقة الديكارتية، التي كانت إحدى مصابيح التنوير في النهضة الأوربية. وكانت قبساً من وهج عقلية الغزالي، الذي سار بنفس الخطوات، ولكن نهاية ديكارت كانت نهضة عقلية، في حين أن نهاية الغزالي كانت انتحاراً صوفياً على ضرب صنج الحضرة، عندما يدخل الانسان تلك النشوة الروحية ويتم اغتيال عقله بالكامل، ومصادرة كل إمكانية تفكير، تحت ثلاث شعارات: من قال لشيخه لا لم يفلح ؟!! والمريد بين الشيخين كالمرأة بين الرجلين، والمريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل ؟! يزعم داماسيو إن ديكارت يجب أن يقلب الآن رأساً على عقب، لأن مركز الوعي هو في تلك الجدلية التي يبدأ الدماغ رحلتها، فمع (وجود الدماغ) أمكن للروح أن تتنفس، فالبدن هو تجلي الروح وتعبيرها وطريقة تنفسها في جدلية وضفيرة لاتقبل الانفصام. أراد داماسيو أن يكتب في الأول كتاباً بعنوان خطأ ديكارت ولكنه بعد مؤتمر سان دييغو بدله الى عنوان: ديكارت مقلوباً  .. أنا موجود ... انا أفكر ؟!!
اقرأ المزيد
بين الفرينولوجيا وبيولوجيا الجزيئات 
محاولات فهم الإنسان تعددت منذ أيام أبو قراط قبل الميلاد في القرن الخامس، وحاولت الفلسفة الدخول على الخط، وجربت علوم النفس الدخول إلى هذا المجهول مما دفع الكسيس كاريل في كتابه الإنسان ذلك المجهول أن يصف المحاولات وكأننا نتنقل في غابة لاتكف أشجارها من تغيير إشكالها مواقعها باستمرار. قال الرجل نحن  نحاول أن نفكك الظاهرة إلى وحدات ولكن الظاهرة لاتعمل هكذا. في يوم ثلج نرى الثلج ولكن هناك خليط لانهائي من الرطوبة ودرجة الحرارة والضغط وحركة الكوكب والجاذبية والسرعات ... الخ.   ومن هذه المحاولات التي راجت ثم بارت كان علم (الفرينولوجيا) ومن روجها كان طبيب يشهد له بالعلم. تصور الرجل أننا إذا وضعنا كفنا على جمجمة مخلوق عرفناه ووضع تقسيمات عجيبة يمكن الرجوع إليها وقراءتها. ولكن النتيجة أنه ضل طريقه وما هدى. وهكذا كانت الاثارة العلمية التي أثارها مجموعة من العلماء في القرن التاسع عشر عن زعم فهم الانسان بمجرد تأمل وقياس القحف أخذت اسم الفرينولوجيا. كذلك فإن علماء (بيولوجيا الجزيئات) يعلوهم هذا الشعور اليوم، ولكن الأيام تعلمنا كل يوم، أن كل النظريات التي تريد تطويق فهم الانسان تتهاوى تحت قدميه. تجربة القيصر فردريك الثاني في الامساك بالروح:   بل إن محاولة فهم الكيان المعنوي عند الانسان قديمة قدم الانسان مما ينقل لنا التاريخ بعض القصص المثيرة عن الملك فريدريك الثاني الذي أغلق الحجرة تماماً على محكوم عليهم بالاعدام، ثم حاول بعد موت الضحية، أن يفتح بحذر وبطء كوةً في الجدار، ليرى ماذا يتسرب منها؟ هل ثمة آخر خاص غير البدن الذي عانق الموت.  تجربة عالم النفس مكدوجل بوزن الروح:   بل إن عالم النفس الأمريكي (دانكان مكدوجل)(DUNCAN MacDOUGALL) قام بتجربةٍ مثيرة أكثر، عندما راقب المحتضرين في سكرات الموت، فقام بحملهم الى موازين في غاية الدقة، تفرق بين الغرامات، فوصل الى نتيجة مفادها: أن الموتى الذين يودعون الى العالم الآخر، يخسرون من وزنهم في المتوسط بين 10 ـ 42 غراماً، دلالةً على أن شيئاً ما ولو بهذا القدر البسيط يودع الجسم؛ فإذا علمنا علاقة الطاقة بالمادة من خلال معادلة آينشتاين، التي تقول بأن المادة والطاقة هما وجهان لحقيقة واحدة، وكانت الروح ثمة طاقة ما فإن الطاقة المتسربة رهيبة للغاية، لأن الطاقة هي تحول المادة مضروبة في سرعة الضوء المضاعفة، أي قوة تسعين مليار. هذا إذا صدقت هذه المزاعم وصمدت للحقيقة، لأن مكدوجل أردف بأن وزن الكلاب لم يتغير في تجاربه، قبل وبعد الموت، ومزاعم مكدوجل حتى الآن لم تكذب تماماً (3) . ملاحظات طريفة حول عمل الوعي:   ومن النقاط التي أثيرت في المؤتمر هي آليات عمل الوعي وكيفية عمله؟ فلقد تم رصد مجموعة من الملاحظات الملفتة للنظر: 1 ـ لقد لوحظ أولاً: أن إمكانية الاستيعاب في الوعي محدودة، فبإمكان الوعي أن يلتقط سبعة وحدات من المعلومات في الوقت الواحد  لا تزيد. 2 ـ ثانياً: يعمل الوعي ببطء شديد إذا قورن مع أجهزة الكمبيوتر، فلا يستطيع التمييز بين أكثر من أربعين حدثاً في الثانية الواحدة. في حين أن أجهزة الكمبيوتر العادية تعمل بطاقة تزيد عن هذا بملايين المرات في كمية المعلومات؛ فالوعي مقارنة بالكمبيوتر يبدو جهازاً سخيفاً !! ولكن هل هو كذلك؟ 3 ـ ثالثاً: مع كل تركيز الوعي فإن الدماغ لايشتغل بكل طاقته، بل يستخدم في المتوسط فقط واحد بالمائة من خلاياه العصبية. لماذا  ياترى؟! رابعاً: يعمل الوعي ببلادة وتراخي ملفت للنظر، فهو يعرج خلف الزمن لاهثاً متصبباً عرقاً  بدون قدرة اللحاق به. إنه خلف الزمن دوماً بحوالي ثلث الثانية. وهذا يدخلنا الى أبحاث عالم النفس الأمريكي (برايان تريسي) الذي لفت النظر الى كيفية عمل العقل الانساني في كتابه (أسس علم نفس النجاح)(4) نظرية (براين تريسي) في كيفية عمل الدماغ:  يرى عالم النفس الأمريكي أن أفضل مايكون عمل العقل عندما يكون مرتخياً؛ فالمسمار حتى تدخله الحائط يجب أن تضربه بالمطرقة بقوة وتوجيه؛ حتى تقتحم بالمسمار صلابة الحائط. في حين أن الدماغ لايعمل بنفس الطريقة؛  فعند الانفعال يهتز عمله، وخير الاوساط لعمل الدماغ الانساني هي أن يعمل بهدوء وحب. قشرة الدماغ تسيطر على العمليات العقلية وتأخذ الوقود من الدماغ السفلي والمتوسط.   الدماغ السفلي هو دماغ التماسيح الرهيبة ، لتأدية الأعمال التي تشبه في قساوتها سماكة جلد التماسيح. والدماغ المتوسط مركز الزلازل والبراكين العاطفية، وهي مثل طاقة البخار فيمكن إدخالها في مرجل العقل كي تؤدي دورها على خير وجه . ولكن تسرب الطاقة من مفاصل ماكينة التفكير البارد التحليلي العقلاني يقود الى الانفجارات المروعة وتأرجح عمل الماكينة العقلية إذا صح التعبير. يضطرب الانسان عندما ينفعل؛ فترتجف أصابعه، ويجف عرقه ينحبس بوله، ويرتفع الضغط عنده، يصاب بالامساك وتجف عصارة المعدة وتبدأ بالتقرح، ويصب الادرنالين في الدم مدرارا . كل هذا يتولد في جو الانفعال، والاهم من هذا هو اضطراب التفكير المتوازن، وهذا هو قسم من تفسير المنازعات الانسانية، لأن مشاعر الخنازير والتماسيح وصراع الغابة يَمسح ودفعة واحدة؛ كل قشرة الدماغ وتطورها الذي استغرق ملايين السنين ، لنرتد وننهار دفعةً واحدةً من الانسانية ؛ الى قعر خندق الحيوانية البئيس . لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين.   يجب أن نضع أمام مكتبنا هذه الحكمة دوماً: ( يجب ضبط النفس في انفجار بركان الغضب، وعند اشتعال نار الانفعال، في كسرة الحزن، وانهيار الخوف، وعند اشتداد ضباب الشهوة) .
اقرأ المزيد
سحرية العدد سبعة 
لماذا كان الطواف سبعا؟ بل طيف العواطف سبعا؟ بل بناء الذرة وأطواق الالكترونات والقفز من مدار لآخر حسب الفيزيائي نيلز بور. بل حتى تكسر الأمواج على شاطيء البحر ليحاول أحدنا عدها بحذر. لقد وضع (رمزي غنيم) كتابا كاملا عن منظومة العقل البشري سماها نظرية المدارات السبع ـ النظرية الذرية في العقل والمعرفة. وقسمها على شكل دوائر تحمل مايلي: (مدارات الجسم والمحسوسات ـ مدارات التفكير والاستبطان ـ مدارات العاطفة والوجدان ـ مدارات الخيال والجنون ـ مدارات النسيان ومخازن الذاكرة ـ مدارات الغيبوية النوم والأحلام ـ وأخيرا مدار المطلق وما وراء العقل النسبي).   لقد استطاع العالم الأمريكي (جورج ميللر)(GEORGE  MILLER) عام 1956م أن يفك طلسماً آخر من كيفية عمل الدماغ والوعي الانساني! إنه القانون السباعي؛ فطريقة فهم الانسان تعتمد على نوع من النظم المعين السباعي: إذا بلغت الكلمة سبعة حروف التقطها الوعي برشاقة وساقها الى ساحات الادراك؛ وعند تجاوزها فوق سبعة حروف اُضطر الى تهجئتها وتقسيمها من جديد، فالوعي يلتقط الكلمة كقطعة واحدة، تقذف في فرن الوعي لهضمها. نفس الشيء ينطبق على فهم مجموعة أو حزمة الكلمات، حيث تقفز الى مستوى المغزى المحدد في إطار السبع كلمات؛ فإذا تجاوز المعنى الكلمات السبع اُضطر الفهم من جديد الى تقسيم الكلمات. ويبدو أن كل اللغات الانسانية المنطوقة تعتمد مثل هذه القاعدة السحرية السباعية، وتعرف بطريقة (شان كينج)(CHUNKING). نفس الشيء ينطبق على المحادثات التلفونية في الأرقام (من هنا اعتمدت الأرقام التلفونية كسبعة أرقام كحد أقصى ـ رقمي الكندي مثلا  – 630-7792) كذلك في اللغط  وتمييز الاصوات من أي شخص تصدر؛ كلها يفككها ويتعامل معها الوعي بنفس الطريقة، وتحويلها الى أفكار او صور ذهنية. كوانتم الوعي (ميكانيكا الكم في إطار العمل العقلي):   هذه الظاهرة من محدودية الوعي بقيت الى فترة قريبة غير ملاحظة، بسبب التقلب الدائم بين حقول التأثير، بل حتى التدفق الدائم لتيار الوعي وانقلابه المستمر يمشي ببطء ملفت للنظر؛ فــ (نوافذ الوقت) إذا صح التعبير التي يعمل عليها الوعي تبلغ حوالي ثلاثين ميلي ثانية (أي ثلاثين جزءً من الألف من الثانية) والوعي يتعامل مع وحدات الزمن بهذه القسمة، حيث تم التأكد من ذلك بتطبيقها على بشر متطوعين لمثل هذه التجارب؛ فــ (تكة الساعة) مثلاً يستطيع الوعي أن يفرق بينها وبين التي بعدها، حتى إذا انضغطت وحدة الزمن الى عشرين ميلي ثانية، أي إذا تسارعت حركة تتالي نظم الصوت بين الصوت والذي بعده؛ بمعنى الفاصل بين الوحدتين، امكن للدماغ استيعاب مايأتيه، ويكلّ اذا تجاوز هذا المقدار. ويقفز عمل الوعي الى مايشبه قوانين الكوانتم (ميكانيكا الكم) حيث يمكن للعقل الانساني أن يستقبل العالم الخارجي إذا تلقى وحدات الصوت هل هي موسيقى أو شعر، قصائد أو أهازيج، أفكار أو تجليات روحية، فيما إذا خضعت لقانون الثلاث ثواني؛ فكما يقوم الكون كما فهمه العالم الألماني (ماكس بلانك) على الانفصال على صورة وحدات، كما في كومة حبات القمح عند النظر إليها فهي تبدو كأنها كومة متصلة؛ فإذا اقترب الانسان منها أدرك أنها مكونة من حبات منفصلات. هكذا أيضاً يتعامل الوعي. هنا نشير إلى أن قانون الكم لماكس بلانك له وحدة رياضية؛ كذلك فقد تم كشفها في مستوى الوعي؛ فوحدة الفهم هي في حدود 30 ميلي ثانية، والفرق بين النبضتين الصوتيتين 20 ميلي ثانية، ولكن وحدة الفهم يجب أن تكون في حدود ثلاث ثواني. فإذا تجاوزت الجملة أو الحركة الصوتية هذه الحبسة الزمنية، اُضطر العقل من جديد الى تجزئتها وفق قانون الثواني الثلاث. الوعي محبوس في زنزانة الماضي بدون أي أمل في النجاة: ومن الأفكار التي جاءت في مؤتمر العلوم العصبية في سان دييجو عام 1996م عن الوعي والتي هزت وعي الحاضرين هي جدلية الوعي واللاوعي، وغطس المعلومات في اللاوعي قبل انبثاقه الى الوعي، فقد استطاع (بنيامين ليبيت)(BENJAMIN  LIBET) الباحث في فسيولوجيا الاعصاب من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، من فتح عاصفة من الاثارة حول ظاهرة مايعرف الان بــ (فترة الحضانة) بين الفكر والعمل وبشكل معكوس. وتم كل هذا من خلال تطوير تقنيات جديدة من ملامسة قشرة المخ مباشرة بواسطة مسابر خاصة، ودراسة الزمن بين التحريض أو تلقي التحريض، بمعنى البدء بإشارة التفكير، فالذي يقوم بالتجربة يبدأ الفعل ولكن الفعل لايبدأ فوراً، بل يغطس في عالم آخر يُعالج فيه ويتفاعل قبل أن يطل برأسه في عالم الوعي ليلحق بالأمر، كما أن العكس صحيح فعندما تمس اليد لانتلقى الأثر في الدماغ الا بعد مرور أجزاء من الثانية، تتراوح بين ثلث ونصف ثانية. هذه التجارب أثارت عاصفة فلسفية، فالانسان يبدو وفق هذا المنظور خارج الزمن تماماً، ويعلق تشارلز فورست على ذلك بقوله: (وقد يكون التأويل الممكن لهذا الاكتشاف هو أن العصبونات المسؤولة عن الادراك الواعي تتواجد في مكان آخر غير قشرة الدماغ، وقد تعكس فترة الحضانة للتنبيه القشري في تجربة واعية التشارك بين الوعي والتعقيد العصبي الفيزيولوجي).
اقرأ المزيد
حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram