مقالات بقلم خالص جلبي

عصر الانحطاط العربي في القرن 21 (2)  بين العالم الأول والعالم الرابع 
وهكذا ففي الوقت الذي دخل العالم القرن العشرين بقدر كبير من التفاؤل بقدر ما يدخله اليوم بكثير من عدم الثقة. والجدير بالذكر أنه وفي الأول من يناير عام 1901 جاء في افتتاحية جريدة «شيكاغو تريبيون» على الشكل التالي: «أن القرن العشرين سيكون قرن الإنسانية والأخوة لكل البشر وسيفوق في عظمته كل اكتشافات العلم وانتصارات الفن التي سبقته» والذي ظهر أن القرن العشرين كان قرن الحروب العالمية والأوبئة مثل أنفلونزا 1918 التي قضت في أربعة أشهر على البشر أكثر مما قضت الحرب العالمية على الجنود في أربع سنوات. وفرخت العنصرية والنازية والفاشية والديكتاتوريات العسكرية بالانقلابات (ومن هذه اللعنة شرب العالم العربي كؤوسا دهاقا). وفيه ولد حق الفيتو مثل أي كائن مشوه لا يصلح لحل مشاكل العالم سوى خدمة نادي الأقوياء، وتعطيل وتعضيل ولادة العدل في الأرض. والآن يتفق العديد من المفكرين مثل المؤرخ (ايرك هوبسباوم Eric Hobsbawm) من جامعة لندن، والفيلسوف نوربرت بولتس Norbert Bolz من جامعة إيسن من ألمانيا وعالم التاريخ رولف بيتر زيفرليه Rolf Peter Sieferle من جامعة برلين أن القرن الحالي أفضل ما يوصف فيه أن «البشرية مقبلة على عهد تزداد فيه الفوضى» وأنه على حد قول (هوبسباوم) كما في كتابه الشهير «عصر التطرف» «أنه لا توجد أي قوة عظمى بما فيها الولايات المتحدة أن تسيطر وتنظم العالم، وأن الكون في فوضى عارمة». وهو بذلك يولد ولادة جديدة لا يتجرأ أحد على التنبؤ بها فقد علمنا التاريخ مصير مسيلمة الكذاب والصحاف العراقي وجوبلز النازي وأحمد سعيد الناصري. لقد كتب الأمريكي ادوارد بيلامي Edward Bellamy عام 1888 قصته المثالية بعنوان (العالم عام 2000). توقع أن يكون العالم «خالياً من الطبقات تعمه الأخوة، بدون سيارات وطائرات وقنابل نووية، يساق للناس رزقهم عبر شبكة هائلة من الأنابيب بالعشي والإبكار». واليوم بعد مرور أكثر من قرن على أحلام الكاتب بيلامي نعرف أنها لا تزيد عن هلوسة. ونشر قسيس مجهول اسمه توماس مالتوس عام 1798 بحثاً قصيراً بعنوان «تزايد السكان وأثره في مستقبل نمو المجتمع» تنبأ بكارثة اجتماعية أمام تكاثر السكان وفق سلسلة هندسة أمام زيادة الغذاء وفق سلسلة حسابية (الحسابية 2-4-6-8-10 وهكذا والهندسية هي 2-4-8-16-32-64-128-256-512- 1024) ورأى أن الحل سيكون أحد أمرين: المجاعة أو الحرب أو كلاهما معاً. وحين كان يتكلم عن عدد السكان في الأرض كان العدد لا يزيد عن مليار إلا قليلا (عام 1803 كان عدد ساكنة الأرض مليار واحد ـ ومع بداية عام 2022 اقترب من 8 مليارات ويزداد يوميا مائة ألف أو يزيديون) واليوم وصل الرقم إلى الثمانية مليارات بدون مجاعة وحروب مهلكة من أجل الغذاء كما زعم صاحبنا مالتوس. وكرس البنتاغون معاهد خاصة لدراسة المستقبل اسمها «مستودعات التفكير ThinkTanks» ظهر أن أخطاء التنبؤ فيها تزيد عن 80%. أما (هيرمان كان) رئيس معهد «راند» للدراسات المستقبلية فقد توقع لعام 2000 أن لا يجد سوى 70% من الأمريكيين عملاً! وتوقع (رافي بترا) كسادا مزلزلاً للاقتصاد العالمي عام 1989 على أساس الأزمة الدورية التي تحيق بالنظام الرأسمالي كل ستين سنة، وقدم نصائحه للناس بأن يستعدوا لدخول سبع سنوات عجاف اشد من سنين يوسف. أما (هاري فيجي) و(جيرالد سوانسون) فقد ذهبا إلى أفظع من هذا في كتابهما «الإفلاس الأمريكي عام 1995» بقولهما «لن يبق للولايات المتحدة التي نعرفها اليوم أي وجود بحلول عام 1995». وانطلقا في هذه النبوءة التي رجت مفاصل الناس من فكرة مفادها أن الديون الأمريكية ستصل على صورة عصا الهوكي إلى مقدار 13 تريليون دولار بحيث يدخل الاقتصاد الأمريكي حالة اللاعودة كما في الصدمة اللامرتجعة عند الإنسان – Irreversible Shock». وفي الطب توقعت وزيرة الصحة الأمريكية عام 1982 الوصول إلى حل لمرض الإيدز في أربع سنوات. واليوم وبعد مرور أكثر من أربعين سنة على التصريح لا يوجد لقاح ضده. ويحمل هذا المرض اليوم أكثر من 33.4 مليون إنسان مات منهم 14 مليونا، وفي أمريكا وأوربا 1.4 مليون مصاب بالمرض. إلى أين يمضي التاريخ ومن يستطيع أن يتجرأ فيقول إلى أين يمضي؟ الشيء الأكيد أن التاريخ يمضي بخطى تقدمية على جسر من المعاناة فوق نهر من الدموع. والشيء الأكيد أن العالم العربي يعيش عصر الانحطاط ولم يتغير كثيرا عن عصر كافور الأخشيدي. وأن الشمس طلعت من مغربها. و«إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». والسؤال ما هو هذا الذي بأنفسنا ويحتاج للتغير؟ تقول الرواية أن طفلاً نزقا أراد أن يعلمه والده ضبط النفس فقال له كلما غضبت اثقب في الجدار ثقبا بطرق مسمار فيه ففعل وكانت كثيرة ومريعة. قال له أبوه: عندما تكف عن الثقب ارفع مسمارا عن كل يوم لا تغضب فيه ففعل. وبقي فترة طويلة حتى رفع كل المسامير. نظر الطفل فرأى أن الجدار زالت منه المسامير وبرز محلها فوهات لانهاية لها من آثار الثقوب. استحى الطفل في نفسه فقال له أبوه: قد نكف عن الغضب ولكن الإهانات التي نفعلها مع الناس تبقى ندبات لا تزول مع زوال نزواتنا، وهذه هي قصة العرب اليوم. فلو بكى أحدنا بقدر نهر دجلة فلن يعيد قتيلاً إلى الحياة. وللعلم فإن قتلى نظام البراميلي في سوريا فاقت المليون مالم يتله بنو صهيون في كل حروبهم مع العرب على كل الجبهات!
اقرأ المزيد
عصر الانحطاط العربي في القرن 21 (1)  بين العالم الأول والعالم الرابع  
في كتاب «حتى الملائكة تسأل» بقلم جيفري لانج، أستاذ الرياضيات الأمريكي، يذكر فيه أنه سأل والده حينما كان طفلاً: يا أبت هل تؤمن بالجنة والنار؟ فأجابه: «أما الجنة فلا علم لي بها أما جهنم فقد رأيتها». ووضع العالم العربي اليوم مثل المريض المدنف يصحو على نزف وينام على اختلاط بدون عناية مشددة وأطباء. ويعرف كل من حوله أنه مريض. ويعرف كل من حوله أنه لا يعرف طبيعة المرض أو نوع الدواء. والجميع بين خائف وحزين ويائس. وحين تدفق الربيع العربي أدركنا أننا في عصر الثلوج ولما يبزغ الفجر.   وفي المحطات الفضائية يرتدي مقدمو البرامج ملابس السحرة فيدمدمون ويسجعون ويجري الحديث عن اعتذار ومصالحات عربية كمن يعالج الايدز بالبخور. وهو ليس انتقاصا من قدر البخور سوى أنه ليس في مكانه. ذلك أن مرض الغدر لا يعالج بالكلام. «ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون». ويمضي التاريخ وفق قوانينه الخاصة. «ومضت سنة الأولين». وقبل دخول الألفية الثالثة سألتني مجلة (الرجل) فيما أذكر ثلاثة أسئلة عن أهم (الرجال) و(الأحداث) في فترة الـ 500 عام الماضية. و(العقد الفائت) و(العقد القادم)؟؟ وكان جوابي أن ما حدث خلال القرون الخمسة الفارطة واضح لأنه ظهر أثر أولئك الرجال مثل (كوبرنيكوس) الذي قلب النظام الكوني. و(ديكارت) الذي قلب عقولنا بمنهج الشك الذي يقود لليقين. و(دارون) الذي أعطانا مفهوماً جديداً لمعرفة نشأة الحياة وتطورها. و(غاندي) الذي أحيا منهج الأنبياء بدون نبوة وهو قهر الخصم بالحب دون قتله. و(كولومبوس) الذي قلب خرائط العالم ومعها أقدار الشعوب، وقفز الصليبيون الفقراء إلى واجهة التاريخ، ولم تعد ملكة بريطانيا تعيش على القرصنة على يد زعيم القراصنة (دارك) أو يقودهم ملك أمي إلى بيت المقدس؛ بل ملكوا البحار والثروات ومؤسسات البحث العلمي والجيوش الحديثة ومصارف المال وعالم الديجتال. ويبنى لأحفاد ريتشارد قلب الأسد بيوت في القطب الجنوبي والقمر والمريخ. أما رجال العقد الفارط فيختلف قدرهم من زاوية رؤيتهم مثل (ماري روبنسون) في حقوق الإنسان أو بروز تيار الإصلاحيين في إيران مع (خاتمي) قبل أن يختم عليه، أو انهيار حلم الوحدة العربية بعد عاصفة الخليج، أو الأحباط المقيم عن عقم الربيع العربي. ويبقى أصعب الأسئلة هو ماذا ينتظرنا ولكن الشيء المؤكد فيه هو حراك جماهيري عفوي غير مخطط له واهتزاز الأنظمة العربية أمام زلزال لم ترصده مراصد الصراع الفكري. وهو مؤشر قد يكون جيداً كونه يعطي مؤشرا دقيقا عن المرحلة الفعلية التي تمر بها الأمة العربية المتوقفة في مربع الزمن عند القرن الخامس عشر الميلادي مكتوبا بالهجري؟ قبل فترة الإصلاح الديني في أوربا، بفارق أنه عصر جاء في غير محله كمن يلبس قميصاً بنصف كم في بلاد الإسكيمو أو ما أشعر به حاليا وأنا أكتب هذه الأسطر في مونتريال ـ كندا ودرجة الحرارة 26 تحت الصفر. وأهمية معرفة المرحلة التي تمر فيها الأمة العربية ومؤشرات المستقبل تأتي من أهمية التاريخ العام للجنس البشري وتطوره، وأضع بين يدي القاريء المقابلة التي أجرتها مجلة «درشبيجل» الألمانية عدد 14ـ 2002 مع عالم الاجتماع (مانويل كاستلز Manuel Castells) من جامعة كاليفورنيا في بيركلين عن تطورات العالم الذي رأى أنه يتحول إلى مجتمع جديد إلكتروني من يدخل فيه على شبكة المعلومات انتمى إليه وأما الجاهلون فمصيرهم الانسحاق في ثقب أسود. وأن العالم الالكتروني سيكون حكراً على المتعلمين، ويذهب إلى ما ذهب إليه آندي جروف Andi Grove من رواد شركة انتيل للميكروشيبس أن قفزة عصر الانترنت تضاهي الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، وأن بنية المجتمع سوف تتغير كلية وتتراجع فيه سطوة الدولة والمخابرات فيفلت من قبضتها تدفق المال وتيار المعلومات في ضربة موجعة. وحيث الانترنت لا توجد مسافات، ومن كان خارج الانترنت كانت المسافات لا نهاية لها. وأنه عصر المرأة وأنه التحول الأعمق للمجتمع الإنساني بنشوء وعي نسائي مستقل، وهو غير قابل للارتداد. وأن من يقود العالم لم يعد رؤساء الدول بل ربابنة بحر الانترنت. وأن العالم سيعاني من ظاهرة «الاستقطاب Polarization» حيث يتحول إلى بنية مركبة من نواة فعالة للغاية تمثل 30% من الجنس البشري، في يدها العلم والمال والتكنولوجيا ومؤسسات البحث العلمي، وأنه مع دخولنا إلى الألفية سيكون ملياران من البشر من السعداء الفائزين، ملياران (2000000000) متصلان بعالم الشبكة الإلكترونية في الوقت الذي لا يعرف مليار من البشر تهجئة كلمة كومبيوتر وهم 16% من مجموع الجنس البشري. وأسوأ ما سيحدث ليس استعمارا من النوع القديم حيث تنهب ثروات الشعوب؛ بل تحول الجاهلين إلى (عالم رابع) يتم تجاهله لأنهم بكل بساطة ليسوا منتجين ولا مستهلكين للمعرفة. ومع هذا الاضطراب الكوني فسوف تنمو الأصولية في كل مكان من الدينية والعرقية والوطنية وتدخل فيها الأصولية الإسلامية والمسيحية والبوذية والصهيونية. ولسوف تتعاظم الجريمة المنظمة، وما ينفق اليوم على الجريمة 1.5 مليون مليون دولار (تريليون) وهو ما يعادل التجارة الأوربية في عام. وفي أمريكا يفتتح كل أسبوع سجن جديد يتسع لألف سجين، وينفق في كاليفورنيا على السجون ما ينفق على التعليم.
اقرأ المزيد
قواعد ودروس هامة من الحياة (2) 
فهذه قواعد استخلصتها في فترة أكثر من نصف قرن، من أيام صعبة، وليالي ممضة، وصدمات هائلات، وخسارات فادحات، وتجارب مريرة، وخيبة أمل في الكثيرين، أو بالعكس أمل في مستقبل الإنسان. نتابع في هذا القسم ماتبقى منها:   15) ) كن واعيًا لمحيطك و تعامل معه كما هو، فلاضمانة لأي إنسان أو شيء في أيّ زمان و مكان، و العالم العربي في حالة مرض قريبة من حال السرطان. لنقل جثة تتفسخ. (16) حاول أن تكون متحضراً، واحذر من أصول التخلف العشرة:الأصل في الأشياء الحرمة. و في الإنسان الإدانة. و في العقل الجهل. و في المكان عدم البيان. وفي الوقت الإضاعة و في الأصوات القباحة و في اللباس القذارة. و في المرأة الدونيّة و الإهانة. و في المخاطبة عدم الاحترام. و في المشي الزحام و خبط الآخرين. و في قيادة السيارات عدم الذوق، وعدم وضع اعتبار للآخرين. وفي التعامل مع الآخرين آليّة الإعدام و الإلغاء المتبادل (17) لا تتطوع بنقل الأخبار السيئة و الحزينة و المنفّرة و المقبضة مالم يكن فيها إنقاذ نفس أو دفع خطر عظيم. في قصة البؤساء جاء موقف الراهبة التي لاتكذب كيف كذبت لأنقاذ حياة العمدة مادلين.  وأجب عن كل سؤال بجوابٍ أصغر منه، خاصّة عند رجال الأمن (المخابرات) المبنيين على الوسواس الخنّاس. وورد في الحديث: (أن الله كرِه قيل وقال و كثرة السؤال) و لكن من يفهم؟ لأن كل جواب مطوّل عادةً لسؤال أطول. إذاً، شكَّل المنعكس الشرطي الإيجابي حيث يكون ظهورك فاجعله مقترنًا بخبر سارّ، وفكرة جيدة، وريحٍ طيبة، وخلقٍ مميّز. 18) ) احرص على حمام يومي و لو لخمس دقائق، و ريحٍ طيبة و لو رخيصة، و ثوبٍ نظيف ولو كان قديمًا، فليس العيب أن تلبس قديمًا بل العيب أن يكون قذراً. (19)  ليس العيب أن تكون جاهلًا، ولكن العيب أن تحرص ألا تتعلّم، فالله خلق الناس جميعًا من بطون أمهاتهم لايعلمون شيئًا. وجع لكم السمع والأبصار والأفئدة. 20) ) لاتَتفاءَلَ كثيرًا عندما تشرح أفكارك بأنها أصبحت واضحة، و كما يقول الفيلسوف الألماني نيتشة: “التشاؤم علامة انحطاط والتفاؤل سطحية احرص على التفاؤل من رحم المعاناة “، لأن العقل يعمل على آلية عجيبة، فالعقل يُكرّس المفاهيم التي عنده، أكثر من إضافة مفاهيم جديدة تعدل ماعنده، ومنه كرّر القرآن أنه من تأتيه الآيات و النذر لاتُغني عنه شيئاً، و أن الناس كلما حدثهم أحد بشيء جديد مفيد قالوا: “إنا وجدنا آباءنا على أمّةٍ و إنا على آثارهم مقتدون”. 21) ) وطّن نفسك بالتدريب الشاق على بناء الذات حتى تلين النفس، فالنفس رهيبة، و عندها قدرة تملّص عجيبة من الواجب و المرّ، وتعمل هاربة من الواجب بحيث لايفطن لها صاحبها نفسه إلا بجهاد كبير، ولايقوم أو يصل إلى تطويع النفس إلا من كان ذو حظ عظيم من الصبر و الوعي و المران. 22) ) في مواجهة أيّ مشكلة درّب نفسك على أسوأ الاحتمالات بما فيها الموت، فكل ماعدا ذلك سيكون دون هذا التوقع، وفي العالم العربي يلعب المزاج الهوائي و الوساطة و عفونتها، و المفاجآت السلبية، الدور الكبير في مصير الأحداث. (23) لاتربط نفسك بمن حولك: فالمسؤوليّة يوم القيامة فرديّة، وكسب الإنسان مماعملت يداه، وفي العالم العربي لا قيمة للوقت و الإنسان و الفكر، لذا تعوّد على حمل المعرفة معك في صورة كتاب أو بحث أو شريط صوتي حيثما ذهبت وراجعت، لأن القاعدة أنك ستضيع الكثير من الوقت حيثما توجهت، فلاتربط مصيرك بمن حولك ممن هم خارج التاريخ و الجغرافية و إحداثيات الزمان و المكان. 24) ) تذكر أن الكون يقوم على قاعدة التغيّر و عدم الدوام: فهذه هي الحقيقة الأولى في الفلسفة البوذيّة، وكل شيء في هذا الوجود ماضٍ في صيرورته التي لاتتوقف، و الحياة وحدها هي الشيء المستمر، و هي دائمًا تسعى إلى الإفصاح عن نفسها في صورٍ جديدة، و الحياة جسر و الجسر هو للعبور و ليس لبناء بيت فوقه. (25)  لاتقل عنبًا حتى يُصبح في السلّة: و تفسير هذا الكلام أن الإنسان عليه ألّا يُعلّل نفسه بالأماني و التّرهات، و يظن أن مايكتبه و يُحرره أو يتمناه أو يُوعَد بهِ قد تحقق، فلا يثِق بشيء حتى يتحقق، والفرق كبير بين الواقع و الأماني. اختصر القرآن المسألة بثلاث كلمات: أم للإنسان ماتمنى؟ (26)  لاتُسلّم أعصابك لشيء لم يحدث: فعندما يسمع الإنسان خبرًا لم يتأكد منه فلا يعد نفسه أنه تأكد حتى يتأكد، ولايعِش على أعصابه كل الفترة دون مبرّر. فعندما جاء خبر مقتل الجساس للزير كان يشرب الخمر فقال: اليوم خمر و غدًا أمر .ومنه جاءت الآية تحذر من فاسق ينقل خبرا. (27)  إيّاك و ترك مهنتك إلى المجهول: بل انتقل من مهنة إلى مهنة، و من وظيفة لأخرى من دون ترك ثغرات في حركة الانتقال، أو البقاء معلّقاً في الهواء دون اتّزان، فهذه حكمة و الأخرى تهوّر يُورث الندامة، مع ذلك فالمغامرة جيّدة – أحيانًا – و ليس في كل حين. (28)  بإمكاننا أن نُعطي أبناءنا الحبّ، و لكننا لن نستطيع أن نعلّمهم كيف يُفكروا، هكذا قال جبران خليل جبران. وكل أم حريصة على ابنها، والحرص لايعني الصواب، وهناك بعض الأمهات يخرجن قتلة من حجم الأسد السوري والحلوف الكوري.
اقرأ المزيد
قواعد ودروس هامة من الحياة (1) 
فهذه قواعد استخلصتها في فترة أكثر من نصف قرن، من أيام صعبة، وليالي ممضة، وصدمات هائلات، وخسارات فادحات، وتجارب مريرة، وخيبة أمل في الكثيرين، أو بالعكس أمل في مستقبل الإنسان. هذه القواعد في حدود 28 قاعدة جاءتني مثل الوحي في لحظات فسطرتها على عجل؛ تماما كما حدث معي في تطوير الدعاء العصري حتى فوجئت به في منابر مصرية منقولة منحولة عن برلماني مغربي تحدث لها ولم ينسبها لأصلها، ولا جديد في عالم العروبة الأصم الأعور الأبرص؛ بل إنني اكتشف من حين لآخر إما كتب لي تباع ولا علم لي بها، أو نسخ جديدة مزورة منقولة منحولة عن كتبي التي تعبت فيها ستين عاما. مع ذلك أقول فلتنتشر الإفكار ولو سرقة. وهذه القواعد مثلاً نقلها القاسم المشهور في إذاعة الأعراب، ولا أتذكر هل نقلها مع مصدرها أو لا . وكما أقول أنا فلتنتشر أفكاري ولو مسروقة فهي دليل أنها دواء وشفاء لما في الصدور. قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. أذكر هذه القواعد اليوم وفي الحلقة غصة من مصير الفيلا التي بنيتها في الجولان السوري حين بنيت حيث قرية زوجتي الشركسية السابقة ليلى سعيد من قرية بير عجم (دفناها في ثلوج مونتريال) . قلت أتنقل بينها وبين كندا حتى صرفت عليها 500 مليون سنتيم بعملة المغاربة (نصف مليون دولار أمريكي) لتتحول في النهاية إلى فرع مخابرات لاعتقال الناس وتعذيبهم، وخلع أكتافهم، وتحطيم أسنانهم (كما فعلوا بي من قبل) ولسع أعضائهم التناسيلة بالكهرباء أو حرقها بالكحول والبنزين. وأمضي في التصور كيف تغص فيلتي الآن بمئات المعتقلين المعذبين بل ومسرحا لاغتصاب العذارى وأقداح الويسكي مع ضباط الموساد القريبة منهم حيث بنيت على سفح قريب من حدود بني صهيون. المهم أضع بين يدي القاريء اليوم هذه القواعد عسى أن تكون موعظة وشفاء لما في الصدور. (1)  لا يوجد مشكلة من دون حل، المشكلة عادةً ليست فيها بل في موقفنا منها. 2) )  كرّس قاعدة الفيلسوف (ابكتيتوس) : ليس هناك شرّ مطلق في العالم. فتقتير الرزق و ضيق ذات اليد و الحبس واضحة أنها محنة و ابتلاء، و لكن هل يخطر في بال أحدنا أن الغنى و الصحة و المركز الوظيفي امتحان من لون خفي غير مباشر لا يتفطن له إلا الآحاد من الخليقة؟ 3) ) لا تنطق بلا مسؤوليّة، فهناك من يُطلق الكلمات و هو يحسبها هواءً قذفه الحلق؛ فجملة مفيدة، أو تجشوءاً من المعدة لايستويان مثلاً قل الحمد لله بل أكثرهم لايعلمون. (4) لا تستبدّ بك اللحظة. في الوقت العصيب واللحظات الصعبة تذكر: أنها ليست نهاية العالم .. فهناك دوماً ما قبلها و ما بعدها. و الظروف الصعبة مثل السحب القاتمة، و لكنها تمرّ، فلا يدوم شيء سوى وجهه الكريم. وكل من عليها فان. وكل يوم هو في شان. (5) اعتمد قاعدة مجتمع مضخة الماء وتذكر قانون الدفع المتتابع في المعاملات الرسمية. فأنت تعيش في العالم العربي في أشباح وأشباه مجتمعات. لذا اعتمد بناء العلاقات الشخصية والتلفون الخاص. (6)  اعرف دِين الإنسان من دَيْنه و صموده في التعامل المالي وليس العكس. فعمق التقوى من النزاهة المالية أكثر من طول اللحية. وعند منح الدين يجب اعتباره غير مردود، فإذا رجع بعد سنوات فهو غير طبيعي، لأن الطبيعي ألّا يعود و يُؤكل. و يجب عدم نسيان قاعدة جحا في الدين بين تقبيل اليد والرجل. فعندما طلب تلميذ جحا دينًا من أستاذه قال له: على شرط أن تُقبّل يدي؟ فتعجّب التلميذ من الطلب؟ فقال له جحا: لأنني سأقبّل قدمك كي أستردّ ديني. ومن هذه القاعدة تتفرع 17 قاعدة سردتها في مقالة منفصلة يمكن مراجعتها. `(7) تذكّر كل إنسان قابل للبيع والشراء إلا المتقّين، وقليلٌ مّا هم. و حتى تعرف تسعيرة إنسان مّا، فخلّ بينه و بين كميّة من المال تزيد وتنقص من دون رقيب إلا الضمير. 8) ) في مواجهة أيّ مشكلة تعوّد ألا تلوم أحدًا. إذا كنت جادّاً في اللوم فتوجّه به إلى نفسك فقط، لأنها مجال التغيير، و منها يُمكن تغيير العالم. (9)  لاتزهَد في (الممكن) و تحلم في (المستحيل) فهذا يجعلنا عمليًا في إجازة مفتوحة لإلغاء الجهد المكافئ. في حين أن استخدام الممكن يُقرّب فجوة التباعد من المستحيل. كثير من الأحيان المستحيل ليس مستحيلا بل نحن ماتصورناه. (10) الكلمة ملكٌ لك قبل أن تنطقها، فإذا تكلمتها ملكتك هي.. إنها مثل طلقة البندقية. فاحرص على إطفاء الغضب و الانفعال، لأنها هي الطوفان المفجر لسدود الكلمات، و اعلم أن أعظم قوّة يصل إليها الإنسان هي ضبطه لنفسه. تعلم في لحظة الانفعال ألا تتصرف بل اختف عن الأنظار لأن أي تصرف لن يكون سليما. 11) ) لاتشترِ مالستَ في حاجةٍ إليه، لأنك ستبيع غدًا ما أنت في حاجةٍ له! ومما ينقل عن الكاتب العقاد أنه كان يبيع بضعا من كتبه المهمة من أجل تغطية لقمة عيشه. (12)  لاتزهد و لا ترغب.. و ابتغِ بين ذلك سبيلاً، و عِش في علاقاتك مع الأشياء و الأحداث و الأشخاص في حالة وسط بين الزهد و الرغبة، فلاتذهب نفسك حسرات على فوات شيء، ولا تطير فرحاً من تحصيل أي شيء. القاعدة في القرآن: لكيلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم. (13)  توقّع كل الاحتمالات و تفاءل بالأفضل، و لكن تهيّأ للأسوأحسب دايل كارنيجي في كاتبه دع القلق وابدأ الحياة قاعدة تخيل الأسوأ ويمكن أن تنام . (14)  خطّط قبل وقوع الأحداث كي لا تُفاجئ باستقبالها و أنت غير مستعد.
اقرأ المزيد
تزوير أحداث التاريخ (2)  ماذا جرى فعلا في معركة دينكيرشن؟
السينما تعرض، ولكن الحقيقة التي جرت مازالت غامضة حتى اليوم، وهي من أعقد أسرار الحرب العالمية الثانية. وحتى (رودولف هيس) الذي نزل في الجزيرة بطيارته لم يفصح ذلك لتشرشل، ويمكن قراءة مذكرات الرجل من سجنه في برلين، قبل أن يعلن انتحاره، وفي الغالب نحره الروس كما فعل عبد الناصر مع صديقه المقرب عبد الحكيم عامر، نحروه على أعينهم ليتخلصوا منه؛ فهو أطول سجين في تاريخ السجون، وأراد الحلفاء إطلاق سراحه بعد أن وصل التسعين، ولكن الروس أبوا إلا المشنقة والمخنقة.  وقعت كارثة (دنكيرشن) في نهاية مايو من عام 1940 وما بين 26 مايو والرابع من يونيو تم إجلاء مئات الآلاف من البريطانيين على عجل، وأصبحت بريطانيا ذاتها مهددة بالزحف النازي، فقد كانت خطة (فرس البحر) جاهزة لغزو الجزيرة، ولكن مارشال الجو (جورنج) آثر أن يستفتح جهنم بالغزو الجوي، وهكذا كانت السماء فوقهم كالمهل والأرض كالعهن. ولكن عملية فرس البحر تأخرت، ثم أجلت ليوم الفصل الذي لم يأت، ثم نسفت الجزيرة البريطانية بصواريخ فاو 1 (V1 , V2) وفاو 2 فدكت الأرض دكا في لندن فكانت هباء منبثا، ولكن تدخل أمريكا وقانون (الإعارة والتأجير) هو ما أنقذ تشرشل وستالين الذي أصيب بالصدمة، واختبأ من الهول الأعظم، فقد كانت الجيوش النازية على مرمى حجر من موسكو، وكان مليونا من الأنام يموتون في لينينغراد (منهم والد رئيس الستازي الألماني سابقا STASIالمدعو بوطين حاليا) وستالينجراد المحاصرة من الجيش السادس بقيادة (فون باولوس)، وظهر في الجو أن النازية أصبحت قاب قوسين أو أدنى من احتلال كامل القارة الأوروبية، والزحف باتجاه أمريكا بالقنبلة الذرية، التي تتكشف أسرارها كل يوم، أن النازية امتلكتها في اللحظات الأخيرة قبل النزع الأخير، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا. وإلا كنا اليوم نتحدث الألمانية، ونرطن بلغة التيوتون الجرمان أو لغة الساموراي. أسياد العالم كانوا ثلاثة؛ اليابان والألمان والفاشيين من جماعة موسوليني. حسب (مالك بن نبي) أن التوقف في (دنكيرك) لم يكن تحت ضغط الجنرال (فون شتيدت) ولا (كلوج) الذكي؛ بل شيء لمع في ذهنه في رسالة وجهها إلى بريطانيا، أن الوقت أصبح ألمانياً، وعلى بريطانيا أن تسلم المستعمرات للسيد الجديد في أوروبا والعالم، وبالبريد المضمون المسجل على طبق من نار. عقب (مالك بن نبي) على الحادث فقال: كلهم يتمتعون بعقلية استعمارية! كان الرجل مهووسا بسيطرة الاستخبارات فكان يقفل بيته بأعداد من الأقفال، ومما حدثني أن تيارا من اهتزازات خاصة سلطوها عليه، وبالطبع، فهي من هلوسات رجل ملاحق من المخابرات، هرب منهم إلى عبد الناصر طالبا اللجوء السياسي وليمدح الطاغية بكلمات تبرأ منها حين قال لي كان صنما لا يضر ولا ينفع. رحمة الله على الرجل ولعنة الله على الظالمين. أنا شخصيا لمحت العديد من المواقف عن (العقلية الاستعمارية) أثناء رحلة تخصصي في ألمانيا، من بقايا هذه الروح الخبيثة، حين كنت أقرأ في العديد من الأمكنة كلمة أيها الأجنبي غادر أرضنا. (Auslaender RAUS) بكلمة أدق: انقلع! وهناك من الأجانب من أحرق حيا على أيديهم. وفي يوم قتل من هؤلاء المجرمون زوجة مصري ثم أجهزوا على الرجل في قاعة المحكمة ولكن ليس كل الألمان هم من حركة بيجيدا الحركة الوطنية الأوربية ضد أسلمة الغرب PEGIDA: Patriotische Europäer gegen die Islamisierung des Abendlandes).) الشعب الألماني من لا يحترمه لا يحترم نفسه، ولكن اشتر منهم سيارة مرسيدس، فهم قوم يتقنون عملهم، ولكن لا تعش بينهم فرائحة الكثير منهم خبيثة، وعلينا أن لا نعمم كما علمنا القرآن و(كثير) منهم فاسقون؛ فلم يقل كلهم، بل وذكر عن قوم موسى أنه منهم أمة يهدون بالحق وبه يعدلون. هذه شهادتي عن القوم ويقولون إنهم تغيروا كما يروي لي صديقي أنس من الجديدة في المغرب، فهي زاوية رؤية عند آخرين. أدعو ربي لهم بالتحول إلى (الإنسانية) كما في المجتمع الكندي الذي أعيش بين أظهرهم. بالمناسبة والشيء بالشيء يذكر، فهناك من المجتمعات العربية في الخليج، من هي أشد عنصرية من الألمان. ولو خيرت أنا شخصيا أين أعيش ولا ثالث؛ لقلت الألمان لأن هناك قانونا يحميك، أما بين الأعراب فلات حين مناص. قال صاحبنا (ستاردي) الكندي من المحاربين القدماء في النهاية، وهو يمسح دمعة سالت على خده، نحن البشر أذكياء، وصلنا إلى القمر، ولكننا نعمل الأشياء الغبية، وعلى من رأى الفيلم أن لا يعتبره تسلية، بل درس للحياة عما تعنيه الحرب؟ السؤال هل يستفيد الجنس البشري من الحروب والأهوال؟ وهل يحفظها الجيل الجديد فلا يكرر الحماقة؟ الجواب لا.  في مؤتمر عربي تحدثت عن حماقة الحرب، وكان جل القوم متحمسون للضرب بيد من حديد خاصة كارثة اليمن الجديدة، التي ظن الفقهاء والمفكرون أنها مسألة أسابيع وها نحن في العام الثالث والعاشر منها ولانهاية للنفق. صدق من قال الحرب يمكن أن تبدأها ولكن نهايتها ليست في يدك لا متى ولا كيف؟ حين سمع القوم مني كلامي قام رجل فكر معتبر هو رضوان السيد وقال ليجبني جلبي عن الآية القرآنية: كتب عليكم القتال. أصبحت في مواجهة ليس مع المفكر العربي، بل مع الله نفسه؛ فمن يزعم لنفسه مواجهة رب العزة والجلال، وإلا فسيكون أحمقا يجلب على نفسه الهزيمة. سكت، فلم أجب وقلت كما قال نوح: فدعا ربه إني مغلوب؛ فالزمن زمن جنون، وعلي أن أسكت بين المجانين ولو كانوا كتابا ومفكرين.
اقرأ المزيد
تزوير أحداث التاريخ (1)  ماذا جرى فعلا في معركة دينكيرشن؟ 
يأتيني يوميا من تفاهات اليوتيوب مايشكل مستنقعا من الأكاذيب والترهات، منها رجل عراقي يدعى خزعل مزعل يقول أنه يتقن ثمانية عشر لغة قديمة من الآرامية واليونانية القكية والحديثة والديموطيقية والهيروغليفية والآشورية والسريانية والسنسكريتية والكلدانية والسريانية والبابلية والمسمارية ولغة الانكا والساموراي والصينية ولغة عصر المسيح القديمة، ومسح الرجل كل التراث الإنسانية فلم يشاهد مكتوبا على الاهرامات والمسلات أن فرعون يذكر فيها هزيمته أو هزيمة والده أمام رجل يدعى موسى؛ فليس ثمة نبوات في التاريخ إلا خرافات وخزعبلات!  والواقع فالرجل محق في جانب أن التاريخ يكتب مكذوبا في الغالب؛ فكيف سيكتب رمسيس أو خوفو ومنحوتب وبيبي أنهم هزموا ونكل بهم. نحن هذه الأيام نطالع قصصا عجيبة عن وقائع هزمت فيها بريطانيا ولكنها تخلد انتصارات كما في معركة وباليكفالا في القرم أو غاليبولي عندما هزم تشرشل في وجه الاتراك عند مضيق الدردنيل فيما عرف بموقعة غاليبولي. ومن هذه الأكاذيب قصة انتصار بريطانيا في معركة دنكيرشن الذي عرضته هوليوود أنه انتصار بريطانيا ضد هتر والنازية فماذا جرى بالضبط عند القنال الانجليزي يومها؟ في كالجاري (Calgary) في كندا تقدم شيخ واهن هو كين ستاردي (Ken Sturdy) إلى صالة السينما، يتطلع بدهشة لما حوله بدون نظارات، مع تقوس خفيف في الظهر، إلا أنه يمشي منتصبا على رجليه بعكازة. تتدلى من صدره العديد من الأوسمة والميداليات. إنه من المحاربين القدماء يبلغ من العمر 97 عاما. جاء الرجل ليرى فيلم دنكيرك (Dunkirk) فقد اشترك في المعركة، وهو في عمر العشرين. ولكن ما أهمية هذه المعركة حتى يعمل له فيلما تشد له الرحال؟ وتوظف فيه ملايين الدولارات؟ الألمان يسمونها معركة دنكيرشن (Dunkirchen) نسبة إلى مدينة تقع إلى الشمال الفرنسي حذاء القنال الإنجليزي، حيث تم تطويق الجيش البريطاني بعدد مهول من الجند وصل إلى 400 ألف عسكري إنجليزي. طوقتهم القوات النازية عن اليمين والشمال عزين. يطمع كل امرئ منهم بالنجاة؟ أتذكر جيدا حين سمعنا لأول مرة خبر المعركة وكانت من المفكر الجزائري (مالك بن نبي) حين زارنا في دمشق عام 1971 قبل أن يفارق الحياة بقليل، وندخل نحن زنازين البعث لاحقا في الفرع 273 لصالح المخابرات العامة البعثية العبثية. تحدث الرجل رحمة الله عليه عن ألغاز الحرب العالمية الثانية، وهذه المعركة كانت واحدة منهن؛ وليست الوحيدة من أسرار الحرب، فكل يوم يتكشف الجديد، بل وهناك من الأسرار ما مر عليه أكثر من سبعين عاما وقد يبقى في ملف الأسرار سبعين أخرى، من الأسرار المخيفة مثلا كهف لينين الذي عمل، ليصمد ولو في حرب ذرية وفيه وثائق مخيفة كان المجرم يمضي بخط يده في إعدام المئات من خيرة القوم، ومن أسرار الحرب أيضا تلك التي اطلعت عليه مؤخرا في وصول هتلر إلى أسرار السلاح الذري، بل وتجربة السلاح الذري بشكل محدود، بل وقع في يدي كتاب (سجناء العصر الذري لروبرت أوبنهايمر) ضاع من مكتبتي ربما من استعارة أحد الأشاوس الذي عمر مكتبه بكميات من الاستعارات، والمشكلة في هؤلاء المتخلفين الذين نحرص على إثرائهم بكتب قيمة فتضيع ولا من بديل وتعويض، تماما كما حصل معي في كتابي عن النسبية لبدر عبد الرحيم بعد أن درسته عددا، وكذلك كتاب علم المواريث للقلعجي. ما حدث في معركة دنكيرك أن الجيشان الألمانيان أطبقا من الشرق والغرب على القوات البريطانية بالكماشة المعروفة منذ أيام هانيبال القرطاجي، حين قضى على جيش روماني من 80 ألف جندي بالتطويق، ثم الفرم التدريجي؛ فلم يرجع منهم إلا من نقل الفاجعة، لكل بيت في روما. منذرا بسقوط الجمهورية، حيث أصبحت علما في تكتيكات الحرب، فالتطويق يعني بكلمة مختصرة أن الجيش يقاتل من حوافه كما في دائرة تماسها من الخارج مع محيطها الخارجي فقط، فيهلك من في الداخل ازدحاما ولا يقاتل من الجيش إلا أقله وفي ظروف بائسة. طُوَّقت القوات البريطانية بمجموعة الجيوش (ب) في الشرق بقيادة الجنرال (فيدور فون بوك Fedor von Bock)، ومجموعة الجيوش (أ) في الغرب بقيادة الجنرال (غيرد فون رونتشتيت Gerd von Ronstedt)؛ ما سماها الماريشال إيريك فون مانشتاين بضربة المنجل. لم يبق أمام البريطانيين في هذه المذبحة إلا القتل أو الأسر المهين أو الهرب إلى البحر ولكن كيف؟ هنا يتكلم القدر كما رواها لي مالك بن نبي!  لقد أمر هتلر قواته بالتوقف، وكتف يديه على صدره يتأمل القوات البريطانية، وهي تتسلل لواذا عبر البحر في ثماني ليال وتسعة أيام حسوما، فترى الوجوه خاشعة من ذل الفرار إلى الجزيرة. لقد جند لها تشرشل يومها كل ما يعوم على سطح الماء؛ من زورق وسفينة وباخرة وبارجة لحمل هذه الكتلة البشرية من اللحم؛ فقد ألقوا عتادهم وسلاحهم ظهريا، ولاذوا بالفرار بأي سبيل. وكان يوم الفرار الأعظم في تاريخ جيش الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. لقد ظهر سيد جديد في القارة الأوروبية اسمه هتلر. هذا ما تعرضه السينما، وهذا ما وقف فيه صديقنا المحارب القديم الكندي السيد (كين ستردي) يحملق في المنظر، ويستعيد الذكريات باكيا، ويقول لمن حوله: كنت في العشرين من العمر في الكارثة، وهي ما ترونه مصغرا في الحجم. لقد مات الكثير ممن حولي من أصدقائي، وأنا تعرضت لإصابات نجوت منها.
اقرأ المزيد
لماذا يلتهم العرب بعضهم بعضا؟ 
ارسل لي المكرم الجنابي وهو رجل فاضل يشتغل على تجديد الفكر الإسلامي نقلا عن المدعو باسم كامل في رسالة يوجهها إلى حاكم الكويت أنه في طريقه لامتلاك أراضي عراقية ناسيا مافعله من قبل صدام بالتهام كامل الكويت. ولأن هذا يتعلق بجذر المسألة في التهام كل أخ أخيه مثل العنكبوت حينما تستفتتح ليلة العرس بالتهام زوجها الذكر مما ذكرني بمقالة هامة كتبتها عن أبجديات الديكتاتورية أضعها بين أيدي أخوة المجموعة.    أبجديات الديكتاتورية  وأذكر حين تتالت التعازي تترحم على جثة مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري الأسبق وزير الموت والإعدامات. فأقول فعلا فإن الموت جيد.  ومن يرى أحداث سوريا عليه أن يتذكر مقدمات الكارثة، وفي المقابلة التي أجرتها مراسلة مجلة در شبيجل الألمانية (سوزانه كوليبل Susanne Koelble) وثيقة هامة لمعرفة كيف تولد الكوارث.  (در شبيجل عدد 8\ 2005م ص 112 ـ 114) بعنوان جدول ضرب الديكتاتورية أو مانسميه نحن ألف باء التعلم. روى مصطفى طلاس وزير الدفاع الأسبق لها أنه يتعرض لنوبات شنيعة من الكوابيس. وحينما يقارن المرء بين (كوريا) و(سوريا) فليس هناك في الواقع أكثر من تغيير حرف. ويعترف الرفيق (طلاس) للصحيفة الألمانية أنه "لا يتذكر تماماً عدد (التواقيع) على أحكام الإعدامات التي كانت تنفذ في الثمانينيات؟ قال الرفيق (طلاس) قد تكون آلافاً مؤلفة، وعدد المشنوقين بلغ ربما 150 شخصاً في الأسبوع الواحد، وفي دمشق لوحدها؟ كان الجنرال يتحدث بصوت خفيض مع ضحكة ساخرة ويعقب: كما ترين أن ما حدث كان أمرا لا بد منه. فحافظنا على استقرار البلد فلم يعاني من انقلاب لفترة 34 سنة؟ (حتى جاء الزلزال؟) ثم يلتفت إلى الصحفية وهو يروي لها (أبجديات الدكتاتورية) على حد تعبير الصحفية" لقد وصلنا إلى السلطة بقوة السلاح ومن أراد انتزاعها منا عليه أن يجرب حظه بقوة السلاح" و"من أراد أن يحكم فعليه إدخال الرعب إلى قلوب الناس؟". ومن الجدير ذكره أن (طارق عزيز) العراقي قال نفس الجملة قبل أن تعصف به ضربات (الصدمة) و(الدهشة) ويموت لاحقا بالشهقة. فيصبح سلفا ومثلاً للآخرين. إن هذا التقرير الذي أوردته المجلة الألمانية، وإظهاره إلى السطح  يوحي (بشيء) في الظروف التي تمر بها المنطقة فهي تمور، ومن يقرأه يصاب بمزيج من الدهشة والحزن، يرويها رجل دلف إلى الشيخوخة وهن منه العظم، واشتعل الرأس شيبا، بكلمات باردة، في ممارسة فظاعات، لا مبرر لها سوى الاحتفاظ بسلطة زائلة، ولكنه يصلح نموذجاً لدراسة أثر المناخ الثقافي في خلق مزاج الإجرام، وطلاس هو في صدر كل واحد منا  ينتظر فقط فرصة الانقضاض. تقول (سوزانه كوليبل) كان الرجل جالساً على كنبة مريحة وخلفه لوحتان بأقلام طباشيرية لروضة جميلة اشتراها من مزاد علني في بريطانيا، وكانت للفنان (أدولف هتلر)؟ ومن تصدرت مجلسه لوحات النازية دليلا وهادياً كانت أفكار النازية قدوته، وهتلر وضح طريقة معاملة خصومه في كتابه (كفاحي) على نحو واضح: (البتر الكامل). تقول الصحفية الألمانية: إنه خلال العقود الأربعة الفائتة تم سحق كل معارضة فأصبحوا بين مشرد ومسجون ومقتول، وحينما سئل الجنرال الذي ملك وزارة الدفاع 32 سنة وتقاعد عن السماح للمعارضة كان جوابه: هكذا بدأنا نحن الأمر من قبل، وهكذا تبدأ الأشياء، ويجب أن تقمع كل معارضة في مهدها ومنذ البداية، والعلاج الوحيد هو (البتر Amputation)؟ وحين سألته عن الحرية الموعودة التفت (طلاس) إليها وقال ؟ "لا تصدقي السياسيين ، فكلهم كذابون، ويجب أن يكونوا كذابين، ولو لم يكونوا كذلك ما بقي أحدهم منهم في السلطة" قالت له الصحفية الألمانية: كيف تصف زميل الدراسة (رياض الترك) ـ وكان الاثنان في مدرسة الهاشمية في حمص ـ قال: كان ناشف الرأس عنيدا شيوعياً متعصباً ولكن اعترف أن الرجل كان مستقيما" وحينما سألت الصحفية (رياض الترك) بالعكس عن رأيه في الجنرال (طلاس) كان جوابه: "كان منذ تلك الأيام يحب أن يكون الزعيم دوما في المظاهرات وكل ما سعى إليه وحققه كان من خلال القمع والقوة" والتاريخ يروي أن كلاهما وصل لما يريد، فأما (رياض الترك) فيعيش في شقة متواضعة ومن من أراد الزعامة والمنصب فقد وصل إلى هدفه، فسكن فيلا فخمة، تتدلى من سقوفها ثريات الكريستال، يتناثر على أرضها أفخم السجاد العجمي زرابي مبثوثة، ومعارج عليها يظهرون، ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا، وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين. ومن يعش عن ذك الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين. وكل هذا المتاع من عرض الحياة الدنيا بناه من خلال قتل الناس فشارك في مسح نصف مدينة حماة وموجات الاعتقال الضارية لليساريين. أما رياض الترك (العنيد) فقد آثر أن ينام في قبو بارد في زنزانة مظلمة في فرع أمني لمدة 17 سنة لم ير فيها الضوء.  كل ذلك من أجل (الكلمة)؟!.  قالت الصحفية الألمانية لطلاس بحسرة: ولكن ما ذنب زميل دراستك حتى يعاقب بهذا الشكل؟ قال: كانت تعليمات الرئيس الشخصية هكذا؟ ثم رفع الجنرال يديه إلى السماء بشيء من الحيرة فقال: كان يكفيه أن يكتب رسالة اعتذار إلى الرئيس القائد فيطلق سراحه؟ وهو ما لم يفعله رياض الترك (العنيد)؟ قالت الصحفية للجنرال: وما ذا تقول في الإصلاحات؟ قال: حسنا ولكن يجب أن تتم بحذر زائد وبتدرج وتحت المراقبة وبيد الناس الذين يسيطرون على البلد؟ وتعقب الصحفية الألمانية في تقريرها: أن من جملة من يملك البلد (رامي مخلوف) وهو من العائلة المالكة الذي أصبح إمبراطور (التلفون الجوال) أو أولاد عبد الحليم خدام الذين أصبحوا مع أولاد الجنرال يملكون مفاتيح المال والسياسة. إنها قراءة متعمقة في أبجديات الديكتاتورية وبتعبير الصحفية الألمانية (سوزانه كليبول) (جدول ضرب الديكتاتورية Diktatur Einmaleins der ) تقول الصحفية: وإذا سحقت المعارضة سحقاً فكانت هباء منبثاً فهل الضغط الخارجي هو السبيل الوحيد لتغيير الأوضاع بعد أن لم يبق معارضة ومعارضون؟  
اقرأ المزيد
هرم الحاجيات الإنسانية 
حسب عالم النفس (أبراهام ماسلو) من مدرسة علم النفس الإنساني، فإن حاجيات الإنسان يمكن أن تنتظم وفق خمس طبقات من هرم، بقاعدة عريضة من خمس حاجيات فيزيولوجية هي: الشراب والطعام واللباس والمسكن والجنس، والحاجة لها تمشي حدتها مقلوبة مع أولها وتخف مع آخرها، فبدون ماء نعيش ثلاثة أيام ولكن قد نعيش العمر كلها عزابا غير متزوجين..   ويرى عالم النفس الإنساني ماسلو أن سلم الحاجيات فوق قاعدة الحاجيات الأساسية البيولوجية، هي أربع حاجات جديدة: الأمن، والانتماء، والحاجة الى التقدير، وتحقيق الذات. والطابق الثاني مباشرة هو (الأمن الاجتماعي)... والحاجة الى الأمن هي في عدة اتجاهات، الأمن على الحاجات البيولوجية وجوداً، وأن لا تسلب منه كالغذاء والسكن، والأمن من العدوان عليه بكل أشكال الأذيات، واختصرتها الآية الموجودة في سورة الأنفال بثلاث كلمات (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك) فهي مصادرة حريته وحياته وانتماءه الاجتماعي. أي إنهاء الانسان بثلاث صور: التصفية الجسدية، أو التصفية الاجتماعية في صورتين النفي الداخلي بالسجن، والخارجي بمعاناة الغربة والهجرة بكل إشكالاتها، ولا يعرف الغربة إلا من عاناها، حينما يفقد الوطن، ومعه كل الاستقرار، وكأنه شجرة تم اقتلاعها من جذورها، فإذا رجع الى الوطن بعد الغياب الطويل لم يبق وطنه الذي عرفه، كما حصل معنا، فيصبح في وضع نفسي لا يحسد عليه، فلم يعد وطنه يعجبه، ولا الغربة تسعده، فهو نفسياً في الأرض التي لا اسم لها. ويبقى الكثيرون من المغتربين يهومون في هذه الدوامات حتى يغيبهم الموت، فيضع الموت والفناء حداً لفقدان التوازن هذا!! وذهب عالم النفس الأمريكي (براين تريسي) صاحب كتاب (أسس علم نفس النجاح) أن 80% من سعادة الانسان تأتي من الفعاليات الاجتماعية فتسبق المال بذلك. ويذهب (ماسلو) الى أن توفير (الأمن الاجتماعي) يشكل مباشرة الحاجة الأساسية التي تعطي حقن التوازن الروحي للإنسان عندما يرتبط بالمجتمع. وهو ما سماه القرآن أيضاً (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) فالضمانات ضد (الجوع) و (الخوف) أعظم شيء يمكن أن يمنحه مجتمع لإنسان. ومن الغريب أن هذه الضمانات لا توصل الى بر الأمان على وجه اليقين، بل لابد من إضافة أكسير خاص من طمأنينة الروح. وأتذكر من فترة أقامتي الطويلة في ألمانيا كيف كنت أتعجب منهم؟ فأقول لهم: أنتم لا تعانون من الجوع والخوف، فأنتم تسبحون في بحر من الرفاهية، وعمل مضمون، وضمانات للمستقبل ضد الشيخوخة والبطالة والمرض وحوادث العمل، ولا خوف من الاعتقالات النازية، لرأي أو نشاط أو كلمة إلا بموجب مذكرة قضائية، وينام الانسان آمنا على سربه عنده قوت يومه مطمئن الى غده. مع ذلك كانت الوجوه كالحة مكشرة لا تشع منها أنوار السعادة والطمأنينة الروحية؟! وكنت أتساءل لماذا؟ ما هو السر خلفه؟   وأعترف أن السر لم ينكشف لي دفعة واحدة، ولا بشكل فجائي بل جاء بالتدريج من خلال القرآن، واستخدام العلوم الإنسانية المساعدة، خاصة بالاطلاع على علم النفس، ومنها مدرسة علم النفس الإنساني.. ويعتبر (ماسلو) الطابق الثالث في هرم الحاجات هو الحاجة الى (الانتماء الاجتماعي) فقد يعيش سوري في ألمانيا، يأكل جيداً، ويعمل براتب مجزي، ولا يخاف من الاعتقال العشوائي من وراء تقرير كاذب تطوع به عميل سري، ولكنه مع هذا لا يمتلك الانتماء الى المجتمع الألماني. والانتماء هو الذي يخلق روح المشاركة الاجتماعية، والإحساس بمشاكله، والدفاع عنه لحظة الخطر، وعندما تتفشى روح عدم الانتماء؛ ينقلب المجتمع الى (شبح مجتمع) يسهل اختراقه واحتلاله، كما حصل مع تبخر نظام صدام في وجه القوات الأمريكية، غداة التهام العراق في ربيع 2003م. ويعد ماسلو في الطابق الرابع (الحاجة الى التقدير) التي يبنيها الفرد من خلال التواصل مع المجتمع، والانتماء إليه، والارتباط المصيري العضوي معه. ويتوج الهرم في النهاية بـ (تحقيق الذات).  وهناك مايشبه ذلك في الطرح القرآني، الذي جاء في مثل أهل القرية من آخر سورة النحل؛ أن أهل القرية حققوا شروط الصحة الكاملة عندما اجتمعت ثلاث عناصر فيها هي: (الأمن) و(الطمأنينة) و(الرزق الرغد) وعندما كفرت حصل انهيار في هذا المركب الثلاثي، ليتحول الى حالة (تلبس) مزدوج من الخوف والجوع. (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) النحل الآية 112. وكلمات القرآن دقيقة، واعترف أنها لم تتكشف لي بسهولة لولا مفاتيح علم النفس، فيجب التفريق بين (الأمن) و(الطمأنينة) فالأولى هي (أمن اجتماعي) والثانية (طمأنينة فردية روحية).. وأظن أنني أمسكت بالمفتاح في فهم النكد النفسي في الغرب مع كل ظروف الرفاهية التي فيها يستحمون. فهذا المركب الثنائي (الحصانة ضد الخوف والجوع) هو شرط جامع، ولكنه غير مانع لتحقيق الحاجيات الإنسانية الكاملة، كي يستوي هرم الحاجيات الإنسانية على سوقه تماماً. إن شرطه الناقص هو تحقيق هذه (الطمأنينة) التي طلبها إبراهيم عليه السلام في معاينة قيام الموتى الى الحياة، (قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) وحواري عيسى في منظر المائدة وهي تتنزل عليهم، (وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا)، وهي ذلك المذاق التي يشعر بها المؤمنون بذكر الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وهي حالة النفس الراضية المرضية عند استقبال الموت وتوديع الحياة الدنيا (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية). وهي الحالة التي حام حولها ودندن (ماسلو) في محاولة تجلية هذا البعد الجديد في حاجيات الانسان. والآن كيف يبدو هرم الحاجيات الإنسانية في العالم الإسلامي؟
اقرأ المزيد
الجنس والثقافة (3) 
لقد كسر العلم الجغرافيا وحطم الرقابة ولكن قانون الله هو الذي سيثبت في النهاية فيذهب الزبد جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال. وعندما بدأت أفلام الجنس SEX) ) في الغرب غصت الرفوف بها فلا ترى الا العري. وانطلقت موجة الستربتيز في الستينات من بريطانيا فزكمت الأنوف وشكلت أشرطة الفيديو 80?% من خزائن النوادي حسب احصائيات مجلة (در شبيجل) الألمانية، وبعد عدة سنوات انكسرت حدتها وتراجعت موجتها الى 20% ثم تحولت الى ظاهرة مخيفة بين (الجمود) و (الانحراف) فالجنس كالسبع الضاري من حرَّضه أكله. ومن رمى له بقطعة لحم عند جوعته أمنه.  كما ذكر ذلك (ابن مسكويه) في كتابه (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق). ولكنها تفعل فعلها السمي اليوم في العالم العربي لأنها تدخل بيئة عذراء غير مهيئة لهذا النوع من الاجتياح  في ظل تابو المجتمع العربي. ولم تتطور الثقافة الجنسية بين الأظهار والأخفاء من فراغ على قاعدة (أرسطو) الذهبية أن كل فضيلة هي وسط  بين رذيلتين. فمع الاباحية يتحول المجتمع الى مستنقع يستحق التدمير فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل. ومع الكبت تنشأ الأمراض النفسية من الهلوسة الجنسية وتحويل كل النشاط الى جنس حتى لو كان ظاهرياً عين التقوى بسبب جوعة الجنس. ويصبح (جسد المرأة) المسرح السياسي لطغيان الرجل وإعلانه الوصاية على كائن متخلف عقلياً في اللباس. ويعلل (مالك بن نبي) في كتابه (شروط النهضة) المعركة حول جسد المرأة بالمزيد من تعريتها أو التشدد في تغطيتها الى نفس الآلية الخفية من الدافع الجنسي لامتلاك جسد المرأة  مع أن ظاهر الأمر يوحي بالتناقض بين الفحش والتقوى، ولكنه في حقيقته واحد مثل الفلم الأسود قبل التحميض والملون لاحقاً. إن الأسود الخفي هو قاعدة الملون الفاقع ولكن أكثر الناس لايعلمون. إن طغيان الذكر علىالأنثى يتبدى في إدعاء الملكية والخجل من ذكر اسم الأنثى وعدم الاستبشار بمولدها ولو كانت أصح من عشرة ذكور، وإذا مشى تركها خلفه لخطوات كما راينا ذلك في العائلات التركية في ألمانيا. وتطل قسمات الدونية في الخجل من ذكر اسمها فهي (الجماعة) أو (العائلة) أو (أم الأولاد) أو (أنت أكبر قدر) كمن يتعفف من ذكر مكان الخلاء. هي لا اسم لها يتم استلامها بالبريد المسجل من الأب الى الزوج ومن المهد الى اللحد. وهناك من يدعي ان المرأة لها ثلاث (خرجات) من الرحم وبيت أهلها الى بيت زوجها ومن بيتها الى القبر ألا إنهم من أفكهم ليقولون. وعند الزواج يغيب اسمها فهي (كريمة) فلان تزف الى الشاب الذي يحمل اسماً ولقباً عريضين. ويسلب حقها من الأرث، ويدفع لها راتبا أقل، وتخشى على نفسها المسغبة عندما يغيض الشباب ويزول الجمال وتطعن في السن فتراهن على عطف بناتها أكثر من حقوقها إذا كان لها بنات. ويمكن للرجل أن يلقي بها في الشارع بطلاق مع متأخر رمزي دراهم معدودة هذا إن دفعت. إن أبعاد الكارثة انسانية وليست عربية فقط  وإن كانت المرأة العربية تبتلع الجرعة السامة منه ولاتكاد تسيغه ويأتيها الموت من كل مكان. مع هذا فإن المرأة في بريطانيا لم تصوت الا في عام 1912 وهي مازالت محرومة في بقاع شتى من هذا الحق البسيط  والطبيعي. وفي بعض الأماكن مازال الزمن متوقفاً عند عتبة الأنثى فتحرم من قيادة السيارة. في الوقت الذي يطير الشباب الأرعن بدون رخصة سوى فحولته ويفحط ألوانا من الأشكال السريالية على رصيف الطرق. محولين الطرقات الى ساحات حرب تنقل الجثث على مدار الساعة. إن مصادرة المرأة كامل بما فيها صوتها البشري فهناك من يعتبر صوتها عورة مع أن القرآن يروي سورة كاملة باسم امراة جاءت الى النبي تشكو وترفع صوتها وتجادل والله يسمع تحاورهما. إنها نكبة ثقافية عندما يصادر القرآن برأي شخص. إذا كان ظلم الانسان لنفسه هو الظلم الأعظم، فهو يؤسس بدوره لفهم جذور المشكلة الانسانية وفهم الظلم الاجتماعي عندما تتصدع الشرائح الاجتماعية الى (مستكبرين) و (مستضعفين) في أي مستوى بما فيه الجنسي. ومصدر هذا الخلل هو طبقة المستضعفين أكثر من طبقة الجبارين المتكبرين. وهذه القاعدة تنطبق على علاقات (المرأة ـ الرجل) فلماذا قبلت الأنثى هذا الاضطهاد الطويل؟  إن علاقات القطبين المشؤومين ( الاستضعاف ـ الاستكبار ) ذات مصدر موحد. كذلك كانت علاقات القوة في المجتمع بخلل هذه الرافعة بين بني البشر. ودعوة الاسلام جاءت لانتاج نسخة بشرية جديدة بالتخلي عن علاقات القوة. فكانت أول من آمن به امرأة، وأول من قتل في سبيل الله امرأة،  ومن تسببت في اسلام ثاني شخصية في الاسلام امراة. وفي الثورة الايرانية كانت المرأة تنزل الشارع جنبا الى جنب مع الرجل في المظاهرات المليونية ولم يمنعها (الشادور) من الاستشهاد فالطريق الى الجنة لايقف في طريقه قطعة قماش. الضعفاء هم الذين يخلقون الأقوياء. والأمم الهزيلة هي التي تنبت الطواغيت. والمستنقع هو الذي يولد البعوض. والغربان تحط  على البقرة الميتة. والقابلية للاستعمار هي التي تمهد للاستعمار. والدول تنهزم بتفككها الداخلي. وتنهار الحضارات بالانتحار الداخلي. هذا القانون يمسك جنبات الوجود  بوتيرة مكررة بدءاً من الذرة الى المجرة ومن أبسط الأفكار الى أعظم الامبراطوريات. والمرأة لاتشذ عن هذا القانون وهي مسئولة عن تشكيل هذا  التراث الخاطيء. ألقي القبض يوماً على امرأة خارجية وجيء بها الى الحجاج فقال لأصحابه ماتقولون فيها؟ قالوا عاجلها بالقتل أيها الأمير. فقالت الخارجية: لقد كان وزراء صاحبك خيراً من وزرائك. قال: ومن صاحبي؟ قالت: فرعون فقد استشار وزراءه في موسى عليه السلام فقالوا أرجه وأخاه.
اقرأ المزيد
الجنس والثقافة (2) 
وهكذا يتفوق الذكر بقسوته وجحوده في الوقت الذي تتفوق المرأة بالرحمة والحب والوفاء. فإذا ماتت عن الرجل زوجته فكروا له بالعروس ولما تدفن الزوجة بعد وزوَّجوه في أيام. وإذا مات عن المرأة بعلها حفظت وده واعتنت بالأولاد وعاشت مدبرة وهي خصلة للغالبية الساحقة من النساء قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله. وإذا عجزت المرأة رماها الى بيت أهلها براتب أو بدونه، وإذا وقع سدت عيبته وسترت عورته ورفعت من تحته قاذوراته حتى الممات.   وينتهي (بيتر فارب) الى مفارقة عجيبة وهي أن الجنس الأنثوي هو الذي يجب أن يسود لأنه: (الجنس الأطول عمرا والأكثر صحة والأقل عرضة للحوادث والمساوي للذكر في الذكاء) ولكن الذي حدث هو العكس.  ولاتتزوج المرأة رجلين في الوقت الذي يعدد الرجل ولو في الكلام والأماني بين المزح والجد وفي لحن القول.  وإذا جاءت الفرصة لم يقصر لأنه الفحل الذي لايسأل عما يفعل وهم يسألون. وعند الخطيئة الجنسية تقتل الفتاة ويكافيء الرجل في مجتمع يقوم على معايير الفحولة أكثر من العدالة. مع أن القرآن وضح حدود الزنا بالتساوي للجنسين ولكن الثقافة عندها قدرة أن تبني مفاهيم أثقل من نجم نتروني وتفرض على الواقع شريعة جديدة تلتوي لها الأعناق بدون وحي. ومع كل عضلات الرجل فالمرأة بنعومتها تتحمل أضعاف مايتحمله الرجل من الألم بدون بطولة ويظهر هذا واضحاً في العمليات الجراحية. وأتذكر هذا جيدا من عمليات المرارة التي كنا نجريها على الرجال والنساء كيف تصمت المرأة وتتحمل، ويزعق الرجل فتهتز الغرفة من صرخاته. ومع كل عضلات الرجل فالمرأة تعمر اكثر منه في المتوسط بـ 6 - 8 سنوات كما تظهر الاحصائيات. والمرأة أكثر حكمة من الرجل بانفعالاته فإذا غشيه ضباب الشهوة وعلته الرغبة الجنسية فَقَد كل عقله ولم يعقب.  ولي صاحب من مدينة الجديدة كان بنصف عقل فلما سقط في أحضان امرأة ألمانية في عمر أمه فقد بقية عقله. وتظهر الصور الساخرة هذه المأساة على صورة فيلسوف يحبو على أربع قد علت ظهره أمراة. ويعتبر ديكارت (أن أعظم النفوس عندها استعداد أن ترتكب أفظع الرذائل ) وهي في هذا الحقل معهودة ومعروفة. وإذا كانت حاجة المرأة للمحرم أحياناً بداعي (الأمن) كم هي في الديانة السعودية فإن الذكر يحتاج دوماً الى محرم كي لاينزلق الى أحضان الأخريات. واعتبرت مدرسة (علم النفس التحليلي) أن (الليبيدو  ( LIBIDO) أي الشهوة الجنسية هي محرك التاريخ الأعظم، وهي من ترهات وخرافات الفرويدية. وإذا كانت (الطاقة النووية) هي أشدها في الطبيعة فهي (الجنس) في البيولوجيا، وكل شيء يفسر من خلالها، ومن يتورط فيها هو الرجل عادة وزين للناس حب الشهوات. ووقف المؤرخون طويلاً أمام أثر المرأة في التاريخ تحت إغراء (أنف كليوباترة). بحيث يعتبر (إدوارد كار) صاحب مؤلف (ماهو التاريخ؟) أن التاريخ ينقلب بهذه الطريقة أمام عدم فهم المرأة الى كيان هلامي يتملص من القوانين ويصبح كائناً رخواً عصياً على الفهم والضبط تتقاذفه الأهواء ويدمدم فيه عالم اللاوعي وهو ليس كذلك ولكنه ضريبة تحييد المرأة. وتدخل المرأة مسرحية (علاقات القوة) حيث يظهر الجنس مختلطاً بالعنف كما تبرزها صناعة السينما بكثير من المساحيق، ومعظم الجرائم تدور حول الملكية في المال والمرأة. وتظهر تعابير (امتلاك) المرأة في ثقافتنا من حيث لاننتبه لأن الوعي يقوم على ظاهرة (الانتقاء) فهي (جوهرة) وبهذا التعبير تخسر المرأة بضربة واحدة آدميتها وتتحول الى عالم (الشيء) و (الممتلكات) لتدخل بأمان الى (خزانة) الرجل العامرة بالأشياء. إنه حتى ممارسة الجنس بما يختلط من عنف هو بقايا غريزة الغابة وهو عملية تعبيرية عن خطف المرأة واغتصابها. لاغرابة أن استفحلت قوة ردة الفعل في المجتمع الغربي فبعد حركةالمساوا(EMANCIPATION)  تبرز الحركات النسوية ـ الفيمينستFEMINIST) ) الى الواجهة وتتحرك في مظاهرات ضخمة لرد الاعتبار. وهذه الحركة (النواسية) بين الفعل ورد الفعل تبدت أيضاً في حركة (الستربتيز) أي الاستعراء. فبعد موجة الرهبنة وحبس الغرائز جاء الدور لانتقامها فحطمت كل البنى القديمة. واليوم تتدفق أمواج الاباحية من الملكوت العلوي على ظهر ثبج البحر الأخضر الالكتروني من المحطات الفضائية فلا يستطيع منعها انس  ولاجان. لقد كسر العلم الجغرافيا وحطم الرقابة ولكن قانون الله هو الذي سيثبت في النهاية فيذهب الزبد جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال. وعندما بدأت أفلام الجنس SEX) ) في الغرب غصت الرفوف بها فلا ترى الا العري. وانطلقت موجة الستربتيز في الستينات من بريطانيا فزكمت الأنوف وشكلت أشرطة الفيديو 80?% من خزائن النوادي حسب احصائيات مجلة (در شبيجل) الألمانية، وبعد عدة سنوات انكسرت حدتها وتراجعت موجتها الى 20% ثم تحولت الى ظاهرة مخيفة بين (الجمود) و (الانحراف) فالجنس كالسبع الضاري من حرَّضه أكله. ومن رمى له بقطعة لحم عند جوعته أمنه.  كما ذكر ذلك (ابن مسكويه) في كتابه (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق). ولكنها تفعل فعلها السمي اليوم في العالم العربي لأنها تدخل بيئة عذراء غير مهيئة لهذا النوع من الاجتياح  في ظل تابو المجتمع العربي.  
اقرأ المزيد
حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram