-

مخطط الانحدار وإعادة البناء (3)
 النتيجة البعيدة وغير المباشرة لسقوط العاصمة البيزنطية:   في القرن الخامس عشر للميلاد سقطت بيزنطة وغرناطة بفاصل نصف قرن (1453م ـ 1492 م) ويبدو وكأن سقوط الحاضرتين كانتا لوحتان متعاكستان لوقائع متناقضة، فالقسطنطينية سقطت بيد الأتراك المسلمين، القوة الناهضة الجديدة، وغرناطة بيد الاسبان، رأس الحضارة الغربية المستيقظة، ولكن التحليل الأعمق يفضي الى تكامل الصورتين، والتحام السبب والمسبب؛ فسقوط العاصمة البيزنطية جاء جوابه في سقوط غرناطة، والاستجابة للضغط الجديد، عندما قُطعت طرق الشرق الأوسط الى الهند في وجه اوربا، فاستندت أوربا بكل ثقلها وظهرها الى المحيط (بحر الظلمات) ومن هذا الضيق جاء الفرج غير متوقع. المحيط الاطلنطي (بحر الظلمات) وسواه من المحيطات كانت مناطق تفصل السكان والحضارات، فحضارات أمريكا لم تتصل ببقية حضارات العالم ونمت لوحدها بطريقتها الخاصة، ولكن مع تطوير السفن العابرة للمحيطات على يد الملاحين العرب، تحولت هذه المحيطات الى جسور اتصال. ويمكن تشبيه السفن الجديدة عابرة المحيطات، مايشبه سفن الفضاء الحالية، بكل انجازاتها التكنولوجية الرائدة. البحر المتوسط بحر مغلق لايشابه بحر الظلمات (المحيط الاطلنطي) فسفن المحيط يجب أن تزود بتقنية ملاحية جديدة وآلات قياس ومعرفة متقدمة من خلال خرائط لاتجاهات الرياح وتيارات البحر، ومعرفة بأمراض البحر الناجمة عن السفر الطويل لأشهر متواصلة (مثل دراسة تكيف الانسان اليوم للبقاء فترة طويلة في القمرات الفضائية) وتزويدها بالمدافع والاسلحة الكافية والمناسبة لمقاومة انقضاض القراصنة، وخزانات المياه الكافية، وأطعمة تحفظ لفترة طويلة (تم اكتشاف الفيتامينات ومعرفة مرض الاسقربوط بنقص الفيتامين سي ـ C في الجسم بعدم تناول الخضراوات والفواكه الطازجة لفترة طويلة) وبواسطة سفينة المحيط العربية والحصان العربي، تم اقتحام قارات العالم الجديد، وضُم الى ممتلكات أوربا أربع قارات جديدة بمساحة تزيد مرتين عن مساحة سطح القمر، وآلاف الجزر الغنية في المحيطات اللامتناهية. لقد كانت الهجرة والاستكشاف للغربيين الفقراء مفيدة حقاً. وعندما تقدم الاستعماري الاسباني  المدعو (هيرناندو كورتس) لابادة حضارة الازتيك وخنق مليكهم واستباحة عاصمتهم الجميلة فوق بحيرة غناء، كان السلاح الحاسم الذي ظهر الى الساحة الذي أربك الهنود الحمر  وأثار فزعهم، هو الحصان العربي ولكن التاريخ يسجل ظهور الحصان العربي بدون فارسه. كان الاسبان يدفنون الحصان الميت سراً حتى لايتبادر الى ذهن الهنود إمكانية موت هذا الكائن. وظهر الفارس الاسباني مثل أسطورة نيسوس اليونانية، ذلك الكائن الخرافي الجبار، قطعةً واحدةً بجسم حصان ورأس انسان،  كما حصل مع الهكسوس في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد، حينما اجتاحوا الحضارة الفرعونية العريقة بالحصان المدجن، ولم يتخلص المصريون من حكم الهكسوس الا بعد مائتي عام مريرة وبنفس سلاح الحصان، دبابة العصر القديم. عندما تقدم الزحف الاسباني بعد سقوط طليطلة الى الجنوب كان همُّ  الاسبان ومن بعدهم الانجليز، وضع اليد على المضائق فهي شرايين الحضارات القديمة، ومفاتيح التحكم، ومصادر الثروة والقوة. في القرن السادس عشر تحول البحر المتوسط الى بحيرة عثمانية، على الرغم من هزيمة الأتراك البحرية في معركة ليبانتو 1571 م، وبرز قواد بحريون أتراك مشهورون من أمثال خير الدين برباروسا وتورغود، ينزلون الرعب في مفاصل وقلوب الأوربيين فترتبط أسماءهم  في الذاكرة الجماعية الغربية بالقرصنة (9) لكن الاسبان والبرتغاليين شقوا طريقهم الى عنق البحر المتوسط عند رأس جبل طارق ثم قفزوا الى الشاطيء المغربي، فاستولوا على سبتة ومليلة ومازالوا، وبذلك أحكمت المدفعية الاسبانية قبضتها على المضيق، فحبست العالم العربي عملياً في زنزانة البحر المتوسط، وقطعت الطريق على أية انطلاقة عربية الى بحر الظلمات، وعندما اُكتشف العالم الجديد وحصل النزاع البرتغالي الاسباني، حله البابا (حبياً) فقسم العالم بينهما الى نصفين بالتساوي بكل بساطة. وخسرنا المحيط والى الأبد على مايبدو.    خسارة المحيط وآثاره المأساوية وبداية انطلاقة الغرب قبل خمسة قرون:   على الرغم من وجود السفينة العربية العابرة للمحيطات، وعلى الرغم من إمكانية الوصول للقارات الجديدة التي وصل الى بعضها التجار العرب المسلمون كما في اندنوسيا ومالقا واليابان، فإن التوجه للعالم الجديد فات الحضارة العربية، وبه دشن عصر جديد حقاً. إن اختراق المحيط على يد المغامرين المستكشفين أولاً، ثم جموع الفلاحين الاوربيين الفقراء لاحقاً، كان استجابة للضغط العثماني في الشرق، بمحاولة الهرب باتجاه الغرب، تحت إغراء رائحة التوابل العطرة، تمولهم الشركات الاستعمارية بالمال والسلاح لتفريغ الأرض من سكانها الأصليين واستبدالها بالعرق المتفوق الجديد، على الرغم من وجود مكان كاف للغازي والمغزو، ولكن سيطرة روح التطهير العرقي كانت أقوى جاذبية. كان هذا التوجه بركة عليهم، لأن العالم القديم المكون من ثلاث قارات قفز مرة واحدة الى سبعة، منها أربع قارات جديدة أُضيفت الى ملك ريتشارد قلب الأسد وأحفاده، في الأمريكيتين واوستراليا ونيوزلندا والقطب الجنوبي. ومع تدفق الذهب من المكسيك وفلوريدا، والفضة من البيرو، وفي مدى قرن واحد، تدفقت دماء ثمانين مليون من السكان المحليين، وتم تفريغ مائة مليون من سكان أفريقيا، لزرعهم كآلات عضلية في مزارع العالم الجديد لرفاهية الرجل الأبيض، في أعظم مذبحة عرفها الجنس البشري، لم يكشف عنها النقاب الا منذ فترة قريبة كما في فيلم (يرقص مع الذئاب) وكتاب (فتح أمريكا ـ مسألة الآخر) لاستاذ السوربون (تزفيتان تودوروف). كانت الموجة الأولى لاقتحام المحيط لاتينية (برتغال واسبان) لم تلبث أن أعقبتها الموجة الجرمانية (الانجلوساكسون) من الانجليز والألمان، بفعل القصور الذاتي والتعصب الديني وعدم تطوير النظام البرلماني في البيئة اللاتينية، باستثناء فرنسا التي عوضت تأخرها مع انفجار الثورة الفرنسية وانفجار الحرية الفكرية ومنظومة القيم الجديدة معها، التي تخلصت من الكنيسة والاقطاع في ضربة واحدة موفقة، وشقت الطبقة الوسطى البورجوازية الطريق الى الديموقراطية الجديدة بين توازن رأس المال وطبقة العمال. أما الصنف الأوربي الثالث (السلاف) فقد بقوا بعيداً عن غارة المحيط فدفعوا ثمن تأخرهم، كما رأينا في الصرب الحاليين الذين يذكروننا بعقلية صليبيي القرون الوسطى.
اقرأ المزيد
مخطط الانحدار وإعادة البناء (2)
في عام (1099 م) قبل أن يختم القرن الحادي عشر بعام واحد بالضبط، كانت مدينة القدس تعيش أزمة مروعة لسكانها المحاصرين الجياع، فالعصابات الصليبية المفلسة كانت تجتاح منطقة آسيا الصغرى والشرق الأوسط مثل الجراد المدمر، وتذبح سبعين ألفاً من سكان القدس في الشوارع، وينشغل العالم الاسلامي في حرب (كماشة) تجتاحه من الشرق والغرب بوقت متقارب. ذراع الكماشة القادم من الشرق كان الإعصار المغولي (تدمير بغداد 1258م) وذراع الكماشة الغربي كانت أوربا الفقيرة القذرة. فأما الاعصار المغولي فتم امتصاص زخم اندفاعه، وتحويله الى رصيد اسلامي (النهضة التيمورية في الهند) وأما ذراع الكماشة الغربي فقد قام بحرب لم يعرف لها الجنس البشري حتى الآن نظيراً، ولعله لن يعرف في المستقبل حرباً تدوم (171) عاما بسبع حملات عسكرية يقودها ملوك أوربا الأميُّون. يضاف لها حملة ثامنة عام 1948 ببناء مملكة بني صهيون. وعندما كان الملك الفرنسي لويس العاشر يفدي نفسه من الأسر الذي سقط فيه في المنصورة، كان السلطان صلاح الدين الأيوبي يظن أنه أنهى الغارة الصليبية على العالم الاسلامي، ولم يعرف أنها قد بدأت فعلاً في ذلك الوقت، ولكن من زاوية لاتخطر على بال أحد، ولاتوحي مظاهرها بذلك.  سقوط مدينة طليطلة كمؤشر لانكسار الميزان التاريخي:  إن انكسار الميزان التاريخي بين الشرق والغرب بدأ  في الواقع قبل مذبحة القدس بأربعة عشر عاماً (1085 للميلاد) عندما سقطت العاصمة التقليدية لشبه الجزيرة الايبرية ( طليطلة ـ توليدو حالياً TOLIDO) بيد الفونسو السادس بعد حصار دام سبع سنوات. وعندما ارتعب ملوك الطوائف وارتجفت مفاصلهم فرقاً على عروشهم البئيسة أمام الزحف الاسباني القادم، هُرعوا باتجاه المغرب الى الدولة القوية المرابطية جديدة الولادة، فاستنجدوا بملك المرابطين (يوسف بن تاشفين) ليقول المعتمد بن عبَّاد حاكم اشبيلية يومها، وهو يرى الخيار الصعب في زوال دولهم بين مطرقة الاسبان وسنديان المرابطين: إن لم يكن بد من التحول الى طبقة الخدم والعبيد وفقدان الملك، فأن أرعى جمال المرابطين أحبُّ إلي من رعي خنازير الاسبان. كان (المعتمد بن عبَّاد) شريفاً على كل حال في اتخاذ مثل هذا القرار المصيري التاريخي. وبقي قبره في (أغمات) خارج مراكش، يروي حسرات الأسير وشعره الباكي .. مات (المعتمد) قهراً وغماً في الأصفاد بعد موت حبيبته وأم أولاده (اعتماد) التي شاركته المحنة، فبكاها بحرارة روَّى فيها تربتها بالشعر المبلل بالدموع، ودفن بجانبها، فقبرهما المشترك نزلا فيه ضيفين على الأبدية يروي قصة الشعر والحب والحرب. معركة (الزلاقة) وأثرها في مصير الجزيرة عام 479 هـ ـ 1086م:   في عام (1085 م) سقطت (طليطلة) وفي عام (1086 م) كان سيف العجوز يوسف بن تاشفين ذو الثمانين عاماً، ينزل كالصاعقة على رؤوس الاسبان فيحطم تجمعهم في معركة (الزلاَّقة) ولكن ابن تاشفين يدرك فوراً بعد دخوله الجزيرة أنه لن يستطيع إيقاف مسلسل الأحداث، وأن المسلمين خسروا زمام المبادرة التاريخية، فالجسم الاسلامي مريض، وطليطلة لا أمل في استعادتها، وأبناء الجزيرة الاندلسيين تحولوا الى أيتام في مأدبة اللئام، وكان المرض الأموي القديم قد فعل فعله وآتى أكله أيضاً في الجزيرة، منذ أن نجح في إيقاف المسيرة الراشدية في العالم الأسلامي، وتحويل الدولة الاسلامية الى امبراطورية بيزنطية، فاستوى المرض وبدأ  الجسم الاسلامي في الترنح والسقوط، بفعل انهيار جهاز المناعة الداخلي قبل الهجوم الاسباني بفترة طويلة. معركة (الزلاقة) في عام 479 هـ الموافق 1086م التي دارت رحاها على حدود دولة البرتغال الحالية، حَجَّمت الامتداد الاسباني ومسحت دول الطوائف الهزيلة التي عاشت لجيلين لمدة ثمانين عاماً (399هـ ـ 479 هـ) في ضربة واحدة، وفرملت السقوط النهائي للاندلس لمدة أربعة قرون لاحقة، حتى جاء موعد كسوفها مع كريستوف كولمبس عام 1492 م. بعد سقوط طليطلة صمدت الجزيرة حتى مرحلة وفاة الفيلسوف (ابن رشد) الذي مات عام 1198م للميلاد بعد أن كافأه أهل مدينته بالطرد مرتين، مرةً من المسجد هو وابنه وكانت من أحزن ما لاقاه، ومرة بنفيه الى قرية (الليسانة) اليهودية، ليقضي فيها بقية عمره وهو في السبعين من العمر. وعندما نضب العقل الاسلامي الجماعي الى هذا القدر الحزين، جاءهم الطوفان الاسباني هذه المرة، ليمسح مدينة قرطبة بالكامل بعد موت الفيلسوف بجيل واحد فقط ( 1238م)، وليطرد أهل قرطبة كلهم من المسجد، ويُدخل في مسجدها الجامع بشكل محشور عجيب، مثل الشوكة في اللحم. كنيسة مصطنعة لايصلي فيها أحد ومسجد يؤمه السواح فقط. كل من يمر اليوم في قرطبة يبكي عند المحراب الذي لايصلي فيه أحد، والكنيسة الخرساء التي يحدق فيها السواح الأوربيون بنظرة بلهاء بدون معنى، ويتأمل العربي المسلم وجوه أهل قرطبة فيتذكر أهل دمشق. قبل توحلها وتحولها إلى مملكة قرود. هذه المرة لايسمع اللغة العربية ولا الأذان ويتعجب من اختفاء أمة كاملة من خريطة الوجود. نقطة التحول التاريخية (منتصف القرن الثالث عشر الميلادي)   إن منتصف القرن الثالث عشر للميلاد يسجل كارثتين غير معقولتين للعالم الاسلامي ودفعة واحدة وبفاصل عشر سنوات، ففي عام 1248 م يسقط الجناح الغربي للعالم الاسلامي (اشبيلية) وفي عام 1258م يسقط الجناح الشرقي، بسقوط لؤلؤة الشرق بغداد بيد الحصادة المغولية القادمة من الشرق. ويخرج خليفة أعزل سمين حاسر الرأس لمقابلة جزَّار دموي من طراز (هولاكو) يناشده الحفاظ على 700 من الجواري اللواتي لايعرفن ضوء الشمس. وكما جلس العباسيون على جثث الأمويين النازفة المغطاة بالسجاد، يأكلون عشاءً فاخراً، ويشنفون آذانهم بسماع ألحان حشرجة أنات الموتى الأخيرة، فإن حياة آخر خليفة عباسي كانت في كيس (خنشة = جوال خيش) يقضي نحبه على نغم طبل مختلف، بالخنق والرفس بالأقدام، ويساق الوزراء وأعضاء الأسرة الحاكمة والأعيان والفقهاء الى مقبرة المنظرة فيذبحون كالشياه، وتنعي بغداد يومها حوالي ثمانمائة ألف قتيل، وتتحول أكوام الكتب الى جسر يصلح لمرور الجندي التتري على نهر دجلة. إن التدمير المغولي خاصة لشبكة الري في جنوب العراق، والذي قامت عليه حضارة سومر، لم يصلح حتى يومنا الحالي.
اقرأ المزيد
مخطط الانحدار وإعادة البناء (1) 
لو أتيح لزائر سماوي أن يمر على الأرض قبل ألف سنة من غير أن يعرف أي لغة أو ثقافة أو دين، وتفقد الأرض والناس والوقت والعمل، فسوف يتشكل في ذهنه انطباع واضح من جراء تكرار المناظر، أن هذا العالم ليس عالماً واحدا بل عالمين، وأن هناك خطان واضحان يفصلان الناس في الكرة الأرضية، تماماً مثل خطوط الطول والعرض وخط الاستواء ومدار الجدي والسرطان، ولكنهما ليس خطان جغرافيان بل خطان حضاريان متميزان، أو لنقل محوران للشمال والجنوب: يمتد الخط أو المحور الأول على طول طنجة ـ جاكرتا، ويربط الثاني بين موسكو ولندن.   المحور الأول (طنجة ـ جاكرتا) يملك الثروة والعلم والقوة العسكرية، ناشط اقتصادياً، تمر عبر أراضيه خطوط التجارة الدولية، وتزدحم أسواقه بالبضائع والناس والمال معاً، في أعظم دينامية اقتصادية عرفتها أسواق المال، وتزدان بيوته بكتب العلم والثقافة العالمية والترجمات المنوعة، ومجالسه بالبحث العلمي والمناظرات على الطريقة التي سجلها لنا مثقف ذلك العصر أبو حيان التوحيدي، في كتابه (الإمتاع والموآنسة)، ومدارسه التي تقيس محيط الكرة الأرضية، وتخطط لانتقاء أفضل مكان لبناء بيمارستان (مستشفى) بتجربة صمود اللحم للفساد  وتمتلك دوله الجيوش النظامية المتطورة، ويتحرك في مدنه بشر فعَّالون بوجوه تفيض بالجمال والحيوية، يرتدون الملابس النظيفة الجميلة، وفي مدينة مثل بغداد يعالج فيها أكثر من 800 طبيب في عشرات البيمارستانات عشرات الآلاف من الناس، الذين ينعمون بالرفاهية ويرتادون الحمامات العامة بشكل دوري، ويعنون بالنظافة والجمال، وتشع منهم الزينة ويتبارون في التأنق في المأكل والملبس، ويقضون الكثير من الوقت في مجالس العلم والرحلات، كما خلدها الأدب العربي في قصص السندباد البحري، ومجالس الظرف والفكاهة، وعجائب الأسفار وغرائب الحوادث، في قصص ألف ليلة وليلة، وكتاب (الأغاني) لأبي فرج الاصفهاني. كتاب الثقافة العالمية وسطور الحضارة كانت تكتب في ذلك الوقت بخط  ولغة من اليمين الى الشمال .......... وفي المحور الثاني على خط لندن ـ موسكو يعيش أكثر شعوب العالم فقراً وتخلفاً، ينتشر فيهم الطاعون فيحصد ثلث السكان على الأقل، في المدن القذرة التي لاتعرف نظام التصريف الصحي والحمامات بعد، يطاردون الساحرات والقطط، ويعالجون السعال الديكي بلبن الحمير، ويشترون تذاكر لدخول الجنة، ويحرقون العلماء والكتب معاً في الساحات العامة، بتهمة الهرطقة والزندقة، وتزدحم مدنهم بالشحاذين على الطريقة التي وصفها الروائي الفرنسي (فيكتور هوجو) في قصته العالمية المشهورة (أحدب نوتردام) ويُعالج المريض النفسي بالسلاسل والضرب بالكرباج لاستخراج الأرواح الشريرة من جمجته، وينسب انتشار الأمراض الى البروج والكواكب أو اليهود! فتخرج الناس على شكل طوابير تطوف البر تضرب نفسها بالسوط لدفع المرض، أو تحرق اليهود والساحرات والقطط معاً في الساحات العامة، وتتحرك من وسطه أفواج من الحجاج الفقراء لزيارة القدس، أو عصابات صليبية مفلسة يقودها رجال أمُّيون من طراز ريتشارد قلب الأسد، ويضحك البابا لاكتانتيوس أشد الضحك على الذين يزعمون أن الأرض كروية فيقول: هل جُنَّ الناس الى هذا الحد فيدخل في عقولهم أن البلدان والأشجار والناس تتدلى من الطرف الآخر؟! ! في صورة حضارية (كاريكاتورية) تعجز عنها ريشة أعظم فنان!! وبعد ألف سنة بالضبط يصاب الزائر السماوي بالدوار وجحوظ العينين، ويبدأ ليمشي على رأسه حتى يفهم قراءة الخطوط من جديد؟!...........إن الشمال تحرك الى الجنوب، وتزحزح الجنوب فاستقر في الشمال في معادلة معكوسة جداً. محور طنجة جاكرتا يزدحم بشعوب فقيرة هزيلة عاجزة عن حل مشاكلها، يشكل العالم الاسلامي فيها وزناً كبيراً، قد خسر الرهان العالمي، وطُوِّق بحضارة رأسمالية غربية، ذات إدارة موحدة، تُحْكِم قبضتها على الكرة الأرضية كلها، للمرة الأولى في تاريخ الجنس البشري، مسلحة بالصواريخ النووية ومصارف المال ومراكز البحث العلمي. وانقلب خط الشمال ليمتد هذه المرة فيملك أربع قارات جديدة، ويضع يده على ممرات الملاحة البحرية ومعها الثروة العالمية، ويمتلك الجيوش النظامية المتطورة التي فاجأت فرسان المماليك عند سفح الأهرام مع نهاية القرن الثامن عشر، ومعها الأسلحة المتطورة من البنادق والمدفعية، بالأضافة الى التقنية الحربية الرفيعة. الغرب اليوم يملك ثلاث أخماس الكرة الأرضية وأربعة أنهار من كل خمسة أنهار هامة في الجغرافيا، وخمسة فدادين من كل سبعة فدادين صالحة للزراعة، ويملك ثمانية قروش من كل تسعة قروش ونصف في العالم وتنام في مانهاتن في نيويورك، أعظم خزينة ذهب في تاريخ الجنس البشري لم يحلم بها الفرعون خوفو، ولم يملكها قارون بذاته. وانتشرت لغة ريتشارد قلب الأسد لتصبح اللغة العالمية، وبُني لأحفاده بيت على ظهر القمر. كتبت الحضارة هذه المرة من الشمال الى اليمين ..... مجلة الشبيجل الألمانية تمثل لهذا الانقلاب العالمي بعنوان (عالم منكوس  VERKEHRTE  WELT) وتمثل لهذا بكمية الاستهلاك العالمية للطاقة، حيث تحتل أمريكا الشمالية رأس القمة؛ فتستهلك ثلث مايستهلكه جميع البشر على وجه الكرة الأرضية (.82212 مليون طن) وتأتي أوربا في المقام الثاني الى (.11407 مليون طن) وتأتي دول أوربا الشرقية في المقام الثالث (.21685 مليون طن) وتنكمش قارة أفريقيا كلها في هذه الخريطة الى مايعادل استهلاك اسبانيا، وعندما كبرت الصورةُ ظهرت أمريكا وكأنها الديناصور وانكمشت حجم الدول الى مقدار استهلاك الطاقة، وتحولت صورة العالم الى كائنات عملاقة يسكنها الرجل الأبيض، وتحولنا نحن الى كائنات قزمة وذيول تابعة لكائنات خرافية ديناصورية تتمدد على خط الشمال المحور الذي سماه سابقاً المفكر الجزائري مالك بن نبي (واشنطن ـ موسكو) والسؤال كيف حدث هذا الانقلاب الصاعق ومتى ؟
اقرأ المزيد
أسرار الانقلاب التاريخي (4) (آثار رحلة كولومبوس)
الادوات المعرفية التاريخية:   حتى تفهم أحداث التاريخ لابد لها من الربط الكرونولوجي وإدخال عنصر الحركة فيها، مستخدمين آليات التفكيك والتحليل التاريخية التي لاتعتمد منهج النقل فقط، واستخدام الادوات المعرفية التاريخية، حتى يمكن الوصول أو بكلمة أدق الاقتراب من سر التاريخ المغيب ضمن أحداث حفظت في أوراق وملفات أكلها البلى، وتلعب السينما دورا حيويا في الوصول فهم رائع من هذا النوع. وعندما يستعرض الكاتب النيهوم خسارة شبه الجزيرة الايبرية فإنه يحلِّل آثارها على الشكل التالي: (إن العرب لم يخسروا اسبانيا كما يقال في كتب التاريخ، بل خسروا المحيط كله، ومعه الامريكيتين واستراليا ونيوزيلندا وآلاف الجزر وجميع ممرات التجارة الدولية، وقد حشرتهم مدافع الاسبان وراء مضيق جبل طارق؛ لكي يتفرجوا على التاريخ من بعيد، ويروا الفلاحين الاوربيين يبحرون بسفن عربية وخرائط عربية الى عصر آخر في عالم جديد، وعندما نزلت فرقة الخيالة الاسبانية في المكسيك، وتقدم المدعو (كورتيز) لابادة الهنود أكثر من سواه، كان على التاريخ أن يسجل بهدوء، أن الحصان العربي قد وصل الى أمريكا، لكن فارسه العربي لم يصل؟!! وخلال الثلاثمائة سنة التالية كان العرب يقضون عقوبة الحبس وراء مضيق جبل طارق، مثل مارد مسحور في قمقم، وكان البحر المتوسط قد أصبح زنزانة للمسلمين، ولفظ المحيط موجة رأسمالية عاتية مالبثت أن اجتاحت العالم بقاراته السبع، ووضعتها جميعا تحت ادارة راسمالية واحدة، لاول مرة في تاريخ العالم والادارة معاً) ليصل في النهاية الى رسم صورة العالم في العصر الفيكتوري: (الملكة فيكتوريا تتلقى سنة 1865 م تقريرا عن وضع الامبراطورية يقول لها مباهيا: سهول روسيا وأمريكا الشمالية هي حقول قمحنا. شيكاغو وأوديسا هي مطاحن غلالنا. كندا والبلطيق غابات أخشابنا. استراليا مراعي خرافنا. أودية أمريكا الغربية مراعي أبقارنا. مناجم البيرو تغدق علينا الفضة. استراليا وجنوب أفريقيا مناجم لذهبنا. الهندوس والصينيون يزرعون لنا الشاي والقهوة. الانديز تزرع لنا السكر. اسبانيا وفرنسا عرائش أعنابنا. بلدان البحر المتوسط حدائق ثمارنا. أما القطن الذي زرعناه في جنوب الولايات المتحدة فقد امتد الآن الى جميع مناطق الأرض الدافئة)(8) المهمة التي تواجهنا هي فهم أحداث التاريخ بشكل ديناميكي جدلي، ومن خلال رؤية فلسفية عميقة لآليات الصراع الانساني، فالأحداث لاتولد من فراغ ولاتتشكل عبثاً وبدون خلفيات من  الانجاز التاريخي.    فلسفة ولادة الحدث التاريخي   حتى يمكن فهم الأحداث التاريخية لابد من القيام بأجراء تحليل تاريخي، لإدراك العوامل الخفية والعميقة التي قادت لتشكيل هذا الحدث. فكل حدث هو في علاقة جدلية في عدة مستويات. كونه سبباً ونتيجة بنفس الوقت، نتيجة لما قبله، وسبباً لما سيأتي بعده، وكونه في وضع (مجموعة) من العناصر (المركبة) بين تفاعل العناصر الداخلية والخارجية، وليس ولادة لحدثٍ مفردٍ يتيم،  وكونه في حالة (ديناميكية) فحتى يولد ويبرز أي حدث الى العيان ، فلابد من (تفاعل) مجموعة من العناصر بكمٍ وكيفٍ معينين، وكونه يولد بشكل أساسي بعد أن مهدت العناصر الداخلية في تشكيله.    الارتطام الحضاري الحزين  عندما وضع كولومبوس أقدامه في جزيرة اسبانيولا (جمهوريتي هايتي والدومينيكان حالياً) لم يدر في خلده أبداً مأساة الارتطام المروع الذي سيحدث بعد هذا اللقاء ويقود الى افناء مائة وثمانين مليون من البشر، في كارثة انسانية لم يكشف اللثام عنها بعد، في موت ثمانين مليون من أبناء القارتين الامريكيتين قبل أن يختم القرن السادس عشر، وإبادة مائة مليون من السود من أفريقيا، في عمليتين دمويتين الى أبعد الحدود، الأولى بالتفريغ والثانية بالشحن على ظهور السفن لاستحداث مزارع الرجل الابيض في الارض الجديدة ومد أوربا بالغذاء والذهب. هذا اللقاء الحضاري غير المخطط له، وهذا الارتطام بين حضارات العالم القديم والجديد قاد الى تدمير حزين لكامل الحضارات الموجودة في الامريكيتين، في عملية عنيفة لاقصى الحدود لم تعرف الرحمة، فتم القضاء الكامل على حضارة الازتيك والانكا والمايا والهنود الحمر، في عملية يعجز عنها الشيطان الرجيم. العالم القديم منح اسم العالم الجديد. شعوبه أُبيدت. وحضارته دمرت بالكامل وسويت بالارض، ولغته لم يعد يتحدث بها أحد، وكتبه يحاول علماء الفللوجيا حتى اليوم فك ألغازها فيما تبقى من كتب قليلة للاهتداء الى سرها، وأهم من كل هذا انقلاب الميزان التاريخي لصالح الغرب، فهذا الانقلاب الصاعق المزدوج في تبدد الهيمنة الاسلامية في العالم، وصعود القوة الغربية للامساك بمقود الحضارة العالمية فيما يسمى الدول الصناعية السبع، كلها بدأت برحلة رجل خرافي متعصب يؤمن بالاساطير أكثر من العلم، ويسجل خيالات فكرية أقرب الى الهذيان، ولكن كل هذا لايعني شيئاً البتة. الشيء المهم أن هذا الرجل أحدث زلزالاً في التاريخ الانساني من حيث يشعر أو لايشعر، فهو الذي فتح فتحة في سد يأجوج ومأجوج فهم من كل حدب ينسلون وقارات بأكماها يستعمرون.
اقرأ المزيد
أسرار الانقلاب التاريخي (3) (آثار رحلة كولومبوس)
خسارة المحيط وآثارها المأساوية   الخطوة الجريئة التي قام بها الدون كريستوبال كولون والتي تحتاج الى مزيد من التحليل، في كيفية كسره حاجز الخوف من اجتياز بحر الظلمات، التي كانت نفس الملكة الاسبانية مقتنعة به عندما قالت له: إن الناس يقولون إنه بحر لايمكن ارتياده فسكت وقال: ماذا كان يقول العرب عن غرناطة؟ أجابت الملكة بصوت خافت: إن غرناطة كالنسر في الجو لاتنال. ولكن التاريخ يخبرنا أن غرناطة سقطت من الجو جريحة تحت الحراب الاسبانية، وسلم عبد الله الصغير مفاتيحها في ذل مابعده ذل، ليخلد التاريخ مكان بكاءه (مكان الحسرة)(LA PLAZA DE FEURZA) وهو يطل على مدينته التي ودعها الى الأبد، كما يخبرنا التاريخ أن بحر الظلمات أخذ اسم المحيط الاطلنطي (ATLANTIC).      نقطتا التحجر ونتائجهما   في الواقع لم يخسر العرب شبه الجزيرة الايبرية بل خسروا المحيط واللعبة الكونية برمتها، فعندما كانت معارك الاسترداد الاسبانية ماضية في زخمها، تُبتلع الاندلس قضمة قضمة وقطعة بعد أن تهضم التي قبلها، كان صلاح الدين الايوبي يهزم الصليبيين في معركة حطين عام 1187 م ليسترد القدس في العام الذي بعده، يظن أن دورة الحروب الصليبية قد انتهت وكانت قد بدأت فعلاً، هكذا يخبرنا التاريخ في ثلاث انكسارات مشؤومة، في سقوط طليطلة واشبيلية وغرناطة (بين الأعوام 1085 م ـ 1248 م ـ 1492 م) ففي عام 1085 ميلادية كانت الحروب الصليبية قد بدأت في الجناح الغربي قبل أن تبدأ في الجناح الشرقي بأربعة عشر عاماً. في هذا العام سقطت مدينة طليطلة، العاصمة التقليدية لشبه الجزيرة الايبرية، لتبدأ الحروب الصليبية في المشرق بكل ضراوة عام 1099 م، في أعنف حرب عرفها الجنس البشري، وأشدها ضراوة، وأغزرها دما، وأطولها زمنا فقد استمرت 171 عاما‍ (من عام 1099 حتى 1270 م)، وحسب المفكر المغربي (الهادي المنجرة) نقلا عن باحثة يابانية أنها كلفت حوالي مائة ألف قتيل مايعادل في أيامنا ربما أكثر من عشرة ملايين من الأنام؟ وفي عام 1086 م نجح المرابطون في إيقاف الفونسو السادس في معركة الزلاقة في نهاية القرن الخامس للهجرة الحادي عشر للميلاد ( 1086 م الموافق 479 للهجرة) وفرملة سقوط الاندلس أربعة قرون لاحقة. ولكن منتصف القرن الثالث عشر للميلاد يظهر انهياراً مأساوياً للعالم الاسلامي في جناحيه الشرقي والغربي، سجل ظاهرته الكاتب الفرنسي (لوي غارديه) في ظاهرة لم نتعافى من آثارها فنحن ندفع ثمنها مضاعفاً حتى اليوم في الصومال وأفغانستان وسوريا ولبنان والعراق وعبادان وتركستان. يقول لوي غارديه: (ليسمح لنا بنوع من التنميط التاريخي. إننا نزعم أن هناك نقطتي تحجر وتجمد تتحكمان بهذه الحركة الانكفائية والدفاعية، حيث يتحصن العهد الحديث للعالم الاسلامي، هاتان النقطتان تقعان معاً في القرن الثالث عشر الميلادي وهما: من جهة الاستيلاء على اشبيلية سنة 1248 م من قبل الجيوش المسيحية الاسبانية، ومن جهة ثانية الاستيلاء على بغداد ونهبها من قبل جيوش المغول بامرة البوذي هولاكو سنة 1258 م، ولايعني هذا أن القرن الثالث عشر الميلادي؛ السابع الهجري هو عهد الانحطاط، ولكن هاتين الهزيمتين فتحتا بنوع من الانواع في تاريخ الشعوب الاسلامية ثغرة ماتزال تتفاقم) طبعا علينا أن نضيف إلى نقطتي التحجر بناء دولة بني صهيون عام 1948 ومن قبل تقطيع الجثة العثمانية عام 1928م بإعلان سقوط الخلافة على يد كمال أتاتورك (عفوا دابة الأرض التي أكلت منسأة سليمان فلما خر تبينت الجن الأوربي أن لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين!)     الانهيار بدأ قبل ستة قرون   إن هذه الثغرة التي اتسعت على الراقع، أدركها ابن خلدون في حس حضاري متميز فكتب في مقدمته عام 1408 م وهو يراقب سحب الظلام التاريخية القادمة من الأفق البعيد: (هذا الى مانزل بالعمران شرقا وغربا في منتصف هذه المائة الثامنة من الطاعون الجارف، الذي تحيف الأمم وذهب بأهل الجيل وطوى كثيرا من محاسن العمران ومحاها، وجاء للدول على حين هرمها وبلوغ الغاية من مداها، فقلص من ظلالها وأوهن من سلطانها، وتداعت الى التلاشي والاضمحلال أموالها، وانتقض عمران الأرض بانتقاض البشر؛ فخربت الأمصار والمصانع، ودرست السبل والمعالم وخلت الديار والمنازل، وضعفت الدول والقبائل، وتبدل الساكن، وكأني بالمشرق قد نزل به مثل مانزل بالمغرب لكن على نسبته ومقدار عمرانه، وكأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض فبادر بالإجابة، والله وارث الأرض ومن عليها) ليخلص الى نتيجة منطقية في سبب عكوفه على كتابة هذه الظاهرة التاريخية وهذا الانقلاب الكوني الذي يستدعي التسجيل بشكل ملحِّ: (وإذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله، وتحول العالم بأسره، وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة، وعالم محدث، فاحتاج لهذا العهد من يدون أحوال الخليقة وأجيالها والعوائد والنحل التي تبدلت لأهلها)
اقرأ المزيد
أسرار الانقلاب التاريخي (1) (آثار رحلة كولومبوس)
نكتب عن التاريخ الحزين لنا والمفرح لغيرنا ونؤرخ ليوم الثاني من يناير من عام 1492م قبل 530 سنة نهاية غرناطة والوجود العربي الإسلامي. بنفس السنة يحصل تطور تاريخي مفصلي فما ذا حدث؟  قبل مايزيد عن خمسة قرون وفي أيام خريف عام 1492 للميلاد، رست ثلاث سفن اسبانية تحمل اسماء (نينيا) و (سانتا ماريا) و(بينتا) بامرة البحار الايطالي كولومبوس على شاطيء أحد جزر البهاما، في أكبر غلط جغرافي عرفه تاريخ العلم، وفي أكبر كشف ولدته الصدفة المحض، ليقلب تاريخ الشعوب الاوربية الفقيرة الجاهلة، فالارض التي كانت ثلاث قارات تحولت الى سبعة، مضيفةً أربع قارات غنية الى حساب الغرب، ومعها آلاف الجزر الغنية التي لايحصيها العدد، في أكبر انعطاف وخسارة تاريخية للعالم الاسلامي. يكاد الانسان لايصدق عندما يقرأ مغامرة البحار الايطالي (كريستوفرو كولومبو)(CRISTOFRO  COLOMBO) الذي سماه الاسبان (الدون كريستوبال كولون) (DON  CRISTOBAL  COLON) والذي اشتهر لاحقاً باللغة الانكليزية العالمية تحت اسم كريستوف كولومبوس (CHRISTOF  COLUMBUS)( مجلة الشبيجل الألمانية (DER  SPIEGEL) عدد 1 ـ عام 1992 م ص 100 وقد نشرت يومها بحثاً مزلزلاً تحت عنوان نهب العالم الجديد (DER  RAUB  DER NEUEN  WELT) في ست حلقات لكشف الآثار العميقة والبعيدة لرحلة كريستوف كولومبوس، ولفظة (الدون) تعني بالاسبانية السيد العظيم (وكريستوبال) معنى حامل المسيح و(كولون) معنى الستعمر أو المستوطن، وهكذا فاسمه أصبح يرمز الى حمل رسالة المسيح ونشره من خلال الاستعمار والاستيطان في العالم الجديد ومن هنا جاءت لفظة الكولونيالية بمعنى الاستعمار من كلمة كولون) الذي ظن بوصوله الى جزر البحر الكاريبي أنه قد وطأ الهند، في لحظة تاريخية حاسمة، وبقي تحت تأثير هذا الخطأ الجغرافي الفادح حتى مماته عام 1506 م، وهو في الواقع اكتشف ماهو أهم من الهند، اكتشف عالماً جديداً لم يكن الهنود الذين اكتشفهم فيه هنوداً، بل كانوا السكان الأصليين لقاراتٍ جديدة غنية حظي بها الغرب في ضربة حظ تاريخية بين غفلة العالم الإسلامي عن مسار التاريخ وضعف السكان الاصليين. والهنود الحمر الذين أبادهم المستوطنون الأوربيون بالبنادق والمدافع والحرب البكترولوجية لم يكونوا هنوداً من قريب أو بعيد، في صدفة تاريخية عجيبة لم يحلم بها أحد. ولكن التاريخ حقق عندها انعطافاً لمصلحة الغرب ضد العالم الاسلامي. الشيء الذي توصل إليه البحار كولومبوس لم يفطن الى قيمته لا نفس المكتشف ولا الجيل الذي قام بهذه المغامرة الكبرى. ونحن اليوم نستطيع أن نفهم الحدث أكثر بكثير من نفس مكتشفه الاساسي كولومبوس بعد الامساك بالكرونولوجيا التاريخية ولماذا يحدث الذي لايحدث؟ يطرح الكاتب (النيهوم) تساؤلاً حزيناً على هذه الصورة: (وطننا العربي يقع في خانةٍ تضم أكثر الشعوب عجزا عن ملاحقة مسيرة الحضارة، وهو موقع لا مبرر للشكوى منه، سوى أن الحضارة بأسرها ولدت في وطننا، وأن السفن والاسلحة التي ارتاد بها الاوربيون قارات العالم الجديد كانت في ايدينا قبل أن يعرفها الاوربيون بثلاثة قرون على الأقل، فلماذا يحدث الذي لايحدث وكيف يمشي وطن وناسه الى الوراء؟). وعندما يحاول أن يفهم البانوراما التاريخية أو السياق الكوني ويحاول الامساك بالكرونولوجيا التاريخية يصف أبعاد الانقلاب التاريخي بكلمات قليلة ومعاني حزينة ومزلزلة: (في العالم القديم الذي شهد غارة الصليبيين على الوطن العربي منذ ألف سنة تقريباً كان العرب هم أصحاب الجيوش النظامية المتطورة، وكان موقعهم على أبواب آسيا وأفريقيا يضع بين أيديهم المفاتيح الذهبية للتجارة بين القارات، ويضمن لهم معركة سهلة ضد عصابات صليبية مفلسة، يقودها رجال أميون من طراز ريتشارد قلب الأسد). ويقرر الكاتب بعد ذلك تحول المسار التاريخي لميزان الغرب على الصورة التالية: (في العالم الجديد الذي نعرفه الآن يملك الصليبيون المفلسون أنفسهم وهم شعوب غرب أوربا جميع مفاتيح التجارة الدولية بين القارات ويملكون أيضاً ثلاثة أخماس الكرة الأرضية، وأربعة أنهار من كل ستة أنهار، وخمسة فدادين، من كل سبعة فدادين صالحة للزراعة، وثمانية قروش، من كل تسعة قروش ونصف). ولكن ماهو السر خلف هذا الانقلاب الصاعق؟ يجيبنا الكاتب بقوله : (سبب هذا الانقلاب الصاعق أن شعوب أوربا الغربية بحكم موقعها على المحيط الاطلسي في عصر تميز بتطوير الملاحة المحيطية على أيدي العرب، قد ارتادت فجأة ثلاث قارات ومئات الجزر المأهولة بشعوب بسيطة السلاح والتنظيم، فأبادت سكانها بالبنادق، وفتحتها لاستيطان ملايين من مواطنيها، الذين تولت الشركات أمر تهجيرهم، وتمويل مشروعاتهم في العالم الجديد، منذ مطلع الغارة خلال القرن السادس عشر)    فكرة الكرونولوجيا التاريخية   عندما نرى كولومبوس مع تسعين بحاراً يضعون أقدامهم في جزر البهاما من جزر البحر الكاريبي، وهم يظنون أنهم وصلوا الى الشرق من خلال الابحار غرباً، على أساس كروية الأرض، ويسمون أهل الجزر الطيبين الذين يحسنون استقبالهم ويرحبون بهم بالهنود، تبقى هذه (اللقطة) من الكرونولوجيا التاريخية في إطار الرحلات الممتعة والمغامرات الشيقة، كما نرى أفلام الرحالة والقراصنة، ولكن الفيلم يكون قد بدأ من هذه اللحظة، فإذا أمسك أحدنا باللقطات التاريخية بدون ربط الواحدة بالاخرى، فإنه لايفهم السياق التاريخي ولايضع يده على السر المصون، القريب المحجوب عن العيون، والفيلم نفهمه عادةً بسبب وصل اللقطات ببعض وإدخال الحركة عليه بالسرعة، فالمنظر الواحد يبقى جامداً ولكن تتابع اللقطات والمناظر بسرعة معينة، يدخل عليه الحياة، ويعطينا بالتالي إدراك المغزى الخفي خلف هذه الأحداث التي تتالى، من حصيلة مجموعات جامدة من اللقطات، فهناك سببية تربط بين الأحداث.    جدلية السبب والنتيجة   من هنا نعلم أن كل حدث هو نتيجة لما قبله وهو بنفس الوقت سبب لما سيأتي بعده، ويصدق هذا على الأحداث الرهيبة التي شاهدناها في راوندا وبروندي وزائير ولاحقا سوريا من زحف الآلاف الهاربة الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت فقال لهم الله موتوا، في حروب أهلية بئيسة لا تشذ عن صرامة القانون الاجتماعي الذي أوردناه في جدلية الأحداث، ضمن سياق سنة اجتماعية. فما حدث الآن بين قبائل الهوتو والتوتسي لم يأت من فراغ، بل لابد من رؤية السياق التاريخي وتبادل آثار الفعل ورد الفعل المدمرين، من تبادل جرعات الحقد والانتقام المتبادل، وتوزيع أدوار القوة والمذابح المتواترة. كذلك الحال في البوسنة فلا يمكن رؤية الأحداث في ضوء مذابح عام 1992 م بل العودة الى معركة (أمسل فيلد)(AMSELFELD) عام 1389 م التي خلَّدها العثمانيون في تاريخهم باسم معركة (قوص أوه) قبل ستمائة عام من ذلك التاريخ، بل العودة الى التقسيم التاريخي، الذي قام به الامبراطور ثيودسيوس عام 389 م حينما قطع الامبراطورية الى حصتين بين ولديه اركاديوس وهونوريوس، ولم تتحد الامبراطورية بعد ذلك قط، حذاء صدع تاريخي في المنطقة التي نسميها اليوم البلقان، دعى الى حدوث شرخ ديني موازي للشرخ السياسي.
اقرأ المزيد
تحية أهل الكتاب في يوم عيد الميلاد
مع نهاية عام 2021 م كان معظم الناس على وجه الأرض يربضون في بيوتهم مع احتفال محدود على تخوف من فيروس خفي يضرب الأرض ومتحوراته وتغيرات شكله على نحو متقلب يقف العلم والعقل حائرا تجاه هذا الكيان الهش بأحجام لايرى إلا مكبرا عشرات الالاف من المرات. وأذكر جيدا حين مرت أيام وفي وقت متقارب بين أعياد الميلاد وكربلاء، وبين عيد الميلاد وعيد المسلمين وهو أمر أذكره جيدا حيث ترعرعت؛ فأنا رجل ولدت في مدينة اسمها (القامشلي) فيها عشر لغات، وثماني أديان، بما فيها المسيحية المنقرضة (النسطورية)، وعشرين لهجة (كوسموبوليتيان) بين سريان وأرمن وآشوريين، وطخلركه وكرمنج وشيعة،  وماردينيين وداغستان، وشمريين وعلوية، وشراكسة وشوام، وكلدان ودروز، وكاثوليك وبروتستانت، ومحلمية وعبدة الشيطان من اليزيديين. وطبعا هم لايسمون أنفسهم أنهم عبدة الشيطان بل لهم فلسفة لاتخلو من معقولية عن تفسير الشر في العالم أن الشيطان يحكم العالم لفترة عشرة آلاف سنة واسمه طاووس ولذا يتجنبونه خوف بطشه وشره فلا يتعوذون بالله من الشيطان الرجيم ويتجنبون أي كلمة فيها شين وطاء مثل مشط وطشت وشاط وطاش مطاش وشطيح ولطش. ويمكن عقل إي انسان وحبسه إذا رسمت حوله دائرة فلا يخرج مالم يأتي أخر فيمسح طرف الدائرة فيخرج! وهكذا فالقامشلي المدينة العجيبة التي ولدت فيها سريالية كل شارع بلغة ومدرسة وكنيسة، وكل دكان بطربوش وطاقية وعمة وعقال وشرشوبة وشروال؟؟ كأننا في هوليوود في فيلم تاجر البندقية!! والدي اعتمر الطربوش العصملي الأحمر، وخالي يونس من عشيرة طيء بعقال، وخال آخر كانت من نصيب جدي فتزوجها (الذي تزوج مثنى وثلاث ورباع منها تركية من مدينة سامسون من البحر الأسود عائشة ومنها جاءت والدتي جاهدة وهكذا فأنا مزيج من شعوب البحر المتوسط وقزوين والأسود وبحر أيجا والمتوسط وجبال طوروس كما أظهرت ذلك أيضا لطخة الـ DNA عندي) وهي أرمنية كنت أراها وقد حسن إسلامها وتصلي الصلوات الخمس ولا تذكر من نكبة أهلها في تركيا شيئا سوى أنني كنت ألاحظ في عينيها العبرات تترقرق في المآق حين تذكر أمها. كانت تقول فصلوها عن أمها وترجت القوم أن يحافظوا على أخيها معها وكان لها ذلك. الأخ أصبح من موالي بيت البيطار في دمشق. اجتمعت به وعائلته الشامية الجديدة. وكان رجل ميكانيكي سيارات وهي صنعة لبوس للأرمن حيث حلوا وارتحلوا. ومن أم عدنان الشامية ولد له وصال وحنان وامتثال وزياد ومن امتثال جاء غلام اعتنق التدين الشامي ثم أصبح من الحزب القومي السوري الذي يؤمن بسوريا الكبرى أنِشأه نصراني اسمه انطوان سعادة اتهم بقتل رئيس الوزراء اللبناني الصلح فانتهت حياته على المشنقة. واجتمعت بابن امتثال في مؤتمر في بروكسل وكان مع رجل أسمه شقرا رئيس الحزب القومي السوري الاجتماعي وأنا أتأمله متعجبا من تصاريف الزمن من أرمني إلى صوفي إلى قومي واعجبا واعجبا. وكما أشرت فخالي طلعت كانت أمه من أصول مسيحية أرمنية من أيام (القفلات = القوافل من طوابير النقل الجماعي الذي قامت به الدولة العثمانية بعد التمرد المسلح في شرق تركيا) وهو لا يعلم، أو يعلم ولا يصرح، وهي تلك الزيجات التي تمت أثناء الترحيل القسري للأرمن من تركيا في عشرينيات القرن الفائت، ففاز البعض بالفتيات الجميلات، وهن نجون من التشرد والدعارة، فأسلمن وحسن أسلامهن، وقصص التاريخ مرة حزينة.. لذا لا غرابة عندي إن ناقشت أرثوذكسيا عن سبب انشقاق الكنيسة عند صدع البلقان على طبيعة الآب والأبن والروح القدس، ومن أين اشتق روح القدس هل من الآب أم الابن أم من كليهما معا؟ أو كاثوليكيا لماذا يرسمون صدورهم بالصليب وهي أداة قتل المسيح؟ وهل يقدس أهل القتيل المسدس الذي قتل به ولدهم؟ كنا نحتفل معهم في أعياد الميلاد، كما نحتفل برمضان والضحية، وجوزيف بدكانه المختص ببيع العرق والويسكي؟ الملاصق لدكان والدي يبيع كل أنواع الخمر المعتقة؟ أصدقائي رافع أبو الحسن الدرزي، وهابو وأخوه جيجي الأرمني، وجودت وابن أخيه سمير العلوي، وجورج ابن الصائغ الكاثوليكي، ودنحو السرياني (الوزير الحزبي الذي اجتمعت به أثناء الإمساك بي في درعا يوما)، ومروان شريف المردلي (الشارد من البعث إلى الطليان لاحقا) من نفس ملتي، قبل أن يرسخ حزب البعث الطائفية إلى درجة القرف والتقزز وحواف الحرب الأهلية.. هكذا كان حالي حتى جئت بلاد السلفية والوهابية فرأيت العجب؛ وأفهم هذا لأنهم مثل طيور البطريق إذا اجتمعوا في الانتراكتيس (القطب الجنوبي)، فلا يفرقون عن بعضهم في عقال وغطرة ودشداشة، ولأنهم محرومون من الرؤية الفراغية، والتباينات المذهبية، فلا يتصورون إلا لونا واحدا من الطعام واللباس؛ الكبسة والعباءة والغطرة... وأذكر في يوم من أيام عيد الميلاد، كيف تربص (الشباب الطيبة) بمجموعة من الممرضين والممرضات الفيليبينيين، فكبسوا البيت عليهم عسى أن يضبطوهم متلبسين بالجريمة النكراء وهم يحتفلون بعيدهم الذي احتفل به أجدادهم من قبل، ويحتفل به أهلوهم في كل مكان... إن الشباب الطيبة من المتعصبين المتشددين، يرتكبون ثلاث جرائم دون أن يشعروا برائحة جريمة؛ التجسس على القوم، ودخول البيوت من غير أبوابها، واقتحام الخصوصيات من غير استئذان، وأخيرا نار التعصب لظى نزاعة للشوى.. والله حرم التجسس، وحرم الاقتحام،  وأمر بالاستئذان والرحمة والمرحمة... ولكن بيننا وبين هذه المفاهيم الإنسانية مسافة قطر المجرة مائة ألف سنة ضوئية!! وفي النقاش الذي دار فيما سبق بين جيمس سواكرت وديدات قال له؛ سمحنا لك بالتبشير بالإسلام هنا في بوسطن وفيلادلفيا ونيوجرسي؛ فهل يمكن أن تعاملونا بالمثل فنعرض أفكارنا بين أظهركم كما فعلتم بنا؟ كان جواب ديدات ـ رحمه الله ـ نعم حين تأذن تأشيرة دخول لبلدنا، وهي أن تعلن إسلامك؟؟ والأمر يصلح للنكتة وليس للنقاش؟؟ الله يقول ولا تخاطبوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، ونحن حريصون على أن نخاطبهم بالتي هي أسوأ.. وفي يوم عيد الميلاد المجيد بدل أن نهنئهم ونبذل لهم المعروف؛ فإننا جدا حريصون على اعتباره بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار؟ أما رفع الرايات والصور في عبادة الشخصيات فليست بدعة، والفتوى جاهزة بمعول يناسب فتحة هدم الإسلام.. وهكذا فلا يجوز مبادأتهم بالسلام، وإذا كنا في طريق يجب أن (ندفشهم) على جنب، ونجبرهم إلى أضيق الطريق، وتحويل حياتهم بيننا إلى جحيم وعداوة، تحت أحاديث مشبوهة عرجاء برصاء شوهاء عوراء.. .. لا عجب أن علَّم ابن حنبل ابنه خمسة آلاف حديث مكذوب، ليقول له في النهاية إذا مرت عليك فانتبه لها فكلها أحاديث مكذوبة..
اقرأ المزيد
متى يرسو أول إنسان على سطح المريخ؟
سيكون أول أقدام إنسان تطأ أرض المريخ هو يوم الأحد الموافق الثاني من آوجست من عام 2048مً! ولكن من يزعم ويقرر هذا؟ هذا مايقوله العالم الألماني اولريش والتر 62 عاما (Ulrich Walter) في كتابه الذي صدر بعنوان (في الثقب الأسود =Loch ist der Teufel los  Im schwarzen) (دار النشر كومبليت ميديا =  Komplett - Mediaفي قطع من 272 صفحة بثمن 18 يورو) والرجل حجة في علم الفلك، ويرأس معهد تقنية رحلات الفضاء في جامعة ميونيخ، كما كان في الفضاء لمدة عشرة أيام في رحلة كولومبيا عام 1993م، وهناك في أجواء الرحلة خرج برؤى جميلة عن استعمار المجرة، كما فعل رجال البولينيز في استعمار جزر المحيط جيلا بعد جيل، وهو ماحرك المخيلة عند المؤرخ توينبي في فهمه لسير الحضارات ولغز التماثيل في جزيرة الفصح (ايسترن Estern Island). وهذه لها قصة عجيبة فقد عثر على هياكل وأصنام في جزر غير مأهولة في عرض المحيط أطلقوا عليها جزر عيد الفصح وبقوا يتساءلون من جاء وكيف عاش وقعد حتى نحت هذه الأشكال الجميلة؟ متى ومن وكيف؟ ليس عندنا جواب حولها ولا عند المؤرخ توينبي ولكن الشيء الأكيد أن ثمة مجموعات بشرية استقرت في هذه الجزر دهرا حتى نحتت هذه التماثيل! ويمكن بتفقد الجوجول الاطلاع عليها كي نصاب بالعجب منها وهي ليست الوحيدة على وجه الأرض ومثلا فحضارة الازتيك تركت أهرامات ولم يبق منهم أوثقافتهم شيء ويحاول الاركيولوجيون فك طلاسم كتبهم. وبالمناسبة كانت الحالة نفسها مع الكتابة الهيروغليفية ورسوماتها حتى فكها شامبليون ولكن بجهد زاد عن 14 سنة. كذلك كانت الحالة مع الكتابة المسمارية حين عثر على مكتبة كاملة تضم عشرين ألف روح محفور بطريقة وكأنهاعمل المسامير في الطين ولكننا اليوم نقرأ منها ملحمة جلجميش عن الفناء والخلود. والفلكي (فالتر) يذكر هذا في معرض أنباء الكارثة التي حلت بالمكوك الفضائي الذي حمل اسم العالم الإيطالي شياباريللي (Schiaparelli) ـ صاحب نظرية أقنية المريخ التي روج لها يوما في القرن 19 (1877) وتبين أنها لاتزيد عن خيالات، حيث حام حول المريخ، وفي رحلة هبوطه على ظهر الكوكب تعطلت فرامل صواريخ الدفع المضاد؛ فهوى مثل حجر على ظهر المريخ في أكتوبر الفائت. ويعزي ماحدث إلى خطأ في البرمجة، ولكنه أمر لن يثني أو يحجم وكالة الفضاء الأوربية (ESA) عن إرسال متجول (ROVER) كان من المفروض أن يطلق عام 2020م ليتحرى آثار الحياة على ظهر كوكب الحرب الأحمر الغاضب؟ هذه المرة لن ينزل من علو ثلاث 3 كم كما كان الحال مع المكوك (شياباريللي) بل من علو شاهق يمكن التحكم فيه على نحو أفضل بفرامل التحكم (صواريخ دفع مضاد كما أشرنا). ومن الجدير بالذكر أن الأمريكيين يخططون لإرسال أول إنسان إلى المريخ عام 2030 م، ويعلق الفلكي الألماني (والتر) أنه متأكد أن البعثة لن تتم، وهو يحدد أفضل وقت للقاء المريخ، حيث يكون أقرب مايمكن من الأرض تختصر فيه المسافة والطاقة والزمن إلى النصف؛ فيصل رائد الفضاء في رحلة الملكوت عبر 375 مليون كم خلال 114 يوما بدل ستة أشهر، وهو للصحة والمزاج أفضل مايمكن والرواد يسبحون في الليل البهيم، وسيكون هبوطهم هو الزمن الذي أشرنا إليه في مطلع المقالة، الثاني من آوجست الساخن بعد 36 سنة. وينبه الفضائي الألماني أن هذا الاقتراب بين الأرض والمريخ يحدث كل 15 عام، ومنه فيجب أن تنطلق الرحلة تماما في 11 أبريل من عام 2048م؟ وهناك عنصر هام أيضا في الرحلة وقاية للرواد من حيث تعرضهم لنار الأشعة الكونية مما قد تفجر في أجسادهم أوراما غير حميدة، ويقترح في هذا أن يكون الرواد متقدمين في العمر، لذا يضحك صاحبنا، وقد دخل في عمر الستين، أن سنه سيكون مناسبا لتلك الرحلة وقد ذرف على التسعين فلا خوف من سرطانات في الجلد أو الحلق؟ لن تكون الرحلة سهلة لا في البدء ولا في النهاية، ولا في الوسط؛ فعليهم بعد الوصول الاستقرار سنة ونصف هناك، قبل أن يشدوا عصا الترحال في رحلة العودة للأرض، وعليهم أن يتزودوا من الكوكب الأحمر من الأكسجين والطاقة مايمكنهم من الانكفاء للأرض مجددا؛ فليس من سبيل لحمل ماثقل في رحلة الانطلاق، أما في ملامسة مناخ الأرض وهم يطيرون بسرعة (51000) واحد وخمسين ألف كم في الساعة؛ فأمامهم عقبة ليست بالسهلة، سوف تطيح بهم ارتدادا إلى القمر أياما آمنين قبل أن يدخلوا مناخ الأرض الأم معتنقين تائبين عائدين. أما عن إحياء هذا الكوكب الميت الأحمر فأمام الجنس البشري مراحل تعد بمئات السنين في حساباتنا الأرضية، من ضخ الأوكسجين من خلال استنبات أعشاب ونباتات، تمنح كوكب الحرب هدوء بنفحة من غاز الأوكسجين، قبل الانتقال لمرحلة العيش الهنيء فيه، وهي ضرورة أمام حماقات البشر التي لاتنتهي، وهم يدمرون الكوكب مناخا وبالسلاح الذي ـ لو استخدم ـ لن يبق ولن يذر لواحة للبشر.  
اقرأ المزيد
قراءة المستقبل
منذ أيام مسيلمة وسجاح راج سوق المشعوذين والمنجمين بل وفي كل عام يخرج علينا أناس يزعمون أنهم يقرأون المستقبل. بل مما علمت أن كل رئيس دولة معه منجم يشير عليه! ومما نقل عن الاسكندر إنه حين اراد اجتياح الشرق مر على مصر وكان ثمة كرة خيطان عليه أن يفكها فما كان منه إلا ان ضربها بالسيف فانفلقت ! فزع كهنة آمون وكان جوابه هذا هو الحل كما قال شاعرنا السيف أصدق انباء من الكتب. وما زال التاريخ الإنساني يمشي ببطء نحو العقلانية. وحاليا لولا وجود سلاح الفناء الكامل لدخلنا حربا كونية. مع ذلك فالجنس البشري مهدد بحماقات من نوع ترامب وبوطين. نحن الآن ندخل عام 2021 ميلادية وسيكون رائعا لو أمكن قراءة المستقبل، وهو ما دأب المفكرون منذ القدم على محاولة سبر غور المستقبل؛ ففي القرن الثالث عشر للميلاد تصور الراهب الدومينيكاني (روجر بيكون ROGER BACON ) ( 1216 ـ 1292 م) من مؤسسي المدرسة السكولاستيكية، تخيل الناس وهي تركب عربات حديدة مبردة مقفلة تقطع المسافات على شوارع، تشنف الآذان بصدح فرقة موسيقية طول الرحلة، وهو واقع السيارات اليوم، كما تصور ذلك على قضبان حديدية، وهي القطارات التي وصلت الى مستوى الطيران فوق وسادات مغناطيسية بارتفاع عدة سنتمترات بسرعة 500 كم \ ساعة. وفي القرن الخامس عشر دشن عبقري النهضة الإيطالية (ليوناردو دافنشي LEONARDO DA  VINCI)(1452 ـ 1519 م) حزمة من الاختراعات العجيبة؛ من التلفون وغازات القتال السامة والتوربينات، وتصور (الباراشوت) على صورة هرم مقلوب مفرغ يتدلى منه انسان بحبل؟ وفي القرن السادس عشر قام الفلكي يوهان كبلر (JOHANNES KEPLER)(1571 ـ 1630 م) بوضع تصاميم النزول على سطح القمر، وهو مشروع أبوللو الأمريكي لاحقاً. وفي القرن السابع عشر قام جون ويلكينس (JOHN WILKINS) بوضع تصميم الحاكي (الجرامافون GRAMMOPHON). وبدأت موجة الخيالات العلمية (SCIENCE FICTION) تظهر على السطح بشكل مكثف منذ بداية الثورة الصناعية، لتبلغ ذروتها مع الرسو على سطح القمر. وفي عام 1840 م وصف الشاعر الأمريكي (ايدجار آلان EDGAR ALLAN ) لأول مرة فكرة (السايبورج  CYBORG) شبه الكلي؛ على هيئة بشر بأعضاء صناعية، على غرار فيلم (يد من حديد HAND OF STEEL ). وبعده بخمس سنوات عام 1845 نشر الكاتب الفرنسي (ايميل سوفيستر EMILE SOUVESTRE) نظرة مستقبلية بعنوان العالم كيف سيكون (LE MONDE TEL QU, IL SERA) وتجري أحداث القصة عام 3000 م. وحسب نظرة الفرنسي (سوفيستر) سيكون هناك (اوتوبيا) عالم مثالي بمصانع كاملة ذاتية الآلية، ومدن بشوارع تحت الأرض (تنشيء الآن في اليابان أو فكرة أنفاق المترو عامة) ومناخ ينظم باليد (قريب منه اليوم مكيفات البيوت) وأهم من ذلك تنبؤه بمناخ اجتماعي، منظم بصرامة، تتحكم فيه تربية جماعية، مما يحوله الى مجتمع حديدي بارد، في صلابة الحديد وبرودته، وتبخر العواطف الانسانية والعلاقات الحميمة. وفي نهاية القرن التاسع عشر بدا عصر الازدهار لتخيلات المستقبل بكثافة أشد ولعل أهمهم الكاتب الفرنسي جول فيرن (JULES VERN) في روايات متعددة له مثل الرحلة الى مركز الأرض، وعشرين ألف فرسخ تحت الماء، الذي مثله السينمائي الأمريكي (كيرك دوغلاس) في فيلم أخَّاذ، وطبعت الملايين من نسخ الروايات وبعدة لغات، ورواياته رائجة حتى اليوم.  وفي بريطانيا وحدها ظهر قرابة 55 كتاباً عن الرحلات الى الكواكب بين عامي 1889 ـ 1915 م. وكتب المؤرخ البريطاني (هربرت جورج ويلز H . G . WELLS) كتابه المشهور حول حرب العوالم وآلة الزمان. ولكن بدأت صورة العالم المستقبلي الخلاَّب في الانكماش يجللها الفزع، عندما كتب ويلز قصته (العالم يعيش حراً  THE WORLD SET FREE) عام 1914 م يصف فيها النتائج المروعة لتفجير القنبلة الذرية، ولم يخب ظنه فقبل موته اكتحلت عيناه برؤية ماوصفه بقلمه من آثار تفجير السلاح النووي فوق رؤوس اليابانيين ؛ فكان أكثر المتنبئن صدقاً ولكن في الاتجاه السلبي القاتم  . ثم ظهرت روايتان الأولى : لجورج أوريل (GEORGE ORWELLS)(عام 1984 م) التي يصف فيها نظام توتاليتاري مرعب يمسك برقبة العالم، مسلح بكل التقنيات الحديثة، الى درجة التحكم في عواطف الحب بين الأنثى والذكر، مثله فيلم قصة المزرعة (THE FARM). والثانية: رواية (الدوس هكسلي ALDOUS HUXLEYS) عن العالم الجديد الجميل، وفيه أشارة الى فكرة الاستنساخ التي نجحت في عام 1996 م وتم عرضها على الرأي العام العالمي للمرة الأولى في فبراير عام 1997 م على يد ايان ويلموت الاسكتلندي، قبل أن تقتل من نفس الفريق العلمي للآثار غير المشجعة. هاتان الروايتان فجرتا المخاوف الانسانية في القرن العشرين لإمكانيات حدوث تحولات مريعة في المجتمع تبرر تشاؤمية الفيلسوف الدنماركي ( كيركجارد ) التي أطلقها قبل أكثر من 150  سنة بأن كل تقدم علمي سيوجه سلباً الى صدورنا لاحقاً ، في انهيار كوني لافكاك منه ولاخلاص. وهو ماحاوله الفيلسوف الألماني المحدث (يورغن هابرماز JUERGEN HABERMAS) من مدرسة فرانكفورت ، شق الطريق فيه الى عالم مابعد الحداثة ، في محاولة إنقاذ مايمكن إنقاذه من العقلانية الغربية.
اقرأ المزيد
مفهوم الشهادة والشهيد والاستشهاد (1)
ليس هناك كلمة تهز الوجدان مثل الشهيد. ولا يوجد كلمة أسيء استخدامها مثل كلمة الشهيد. ولا يوجد كلمة غامضة مثل الشهيد. ولا يوجد كلمة مضللة مثل كلمة الشهيد. وفي القرآن جاءت مفردات هذه الكلمة 82 مرة ولم تكن مرة واحدة فيما يريده ويكررها الناس. وفي الحقبة الناصرية (جمال عبد الناصر والوحدة العربية بين مصر وسوريا) ما زلت أتذكر نفسي، وكنت يومها طالباً في المرحلة المتوسطة، وكانت لا تمر ثلاثة أيام؛ إلا وخرجنا نهتف بحياة شهيد من الشهداء، منهم الشيوعيين، وانتهاء بصانعي الانقلابات! وفي يوم كانت المظاهرة للهتاف بحياة (الشهيد) (باتريس لومومبا) وكان الناس يتهامسون من يكون هذا الرجل؟ وهذا ليس انتقاصا لقدره فقد رأيت عنه برنامجا في قناة الديسكفري فتحت عيني على حقيقة الرجل لأول مرة خارج الدجل الناصري وصيحات (الصحاف) القديم أحمد سعيد في صوت العرب. وفي يومٍ مررت على قبر مجرم (عبد الكريم الجندي) لمع نجمه كجلاد ورئيس مخابرات في سوريا أيام البعث الأولى، وكان الرجل يحب استعمال نعله في التعذيب  (الشاروخ)، فقرأت فوق قبره "ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون؟" وكان المجرم المذكور يحب ضرب كرام الناس بنعله على وجوههم كما ذكرت. ولم ينجو أحد من يده بمن فيهن النساء. وفي يوم وقع تحت يده رجل دين مسيحي؛ فقال له أعلم أن الفاتيكان سيتدخل لإنقاذك، ولكنك ستمضي عندي يومان، هما في عمر الزمن سنتان، ثم أمر بحبسه في دورة مياه طافحة؟ ثم مات الرجل قتلا أو انتحارا بيد جلاد أدهى منه وأمر، ثم مات الرجلان إلى الأبد، كما كانت الجماهير المغفلة تزعق بحياتهما إلى الأبد، فهما الآن في دار الحق يختصمان. وفي 22 يوليو من عام 2003م انتهت حياة قصي وعدي (السبطين!) قتلاً، كما قتلا الكثير من الناس؛ فذاقا من نفس الكأس، واتبعوا في هذه لعنة، ويوم القيامة هم من المقبوحين. وفي الأردن اجتمع الناس لتلقي العزاء على سيدي شباب أهل الجنة السبطين عدي وقصي؟ ولا يستبعد أن تمتلئ كتب التاريخ بقصة (شهادة) البطلين وهما يقارعان (العلوج) الأمريكيين كما اعتدنا على الكذب في كتب التاريخ التي تدرس للطلبة المنكوبين. وفي يوم انتشرت الموضة في العالم العربي فمنهم من سما ابنه (ستالين) وآخر ابنته (جيفارا) وثالث (سيد قطب)، والأولاد يحملون أوزارا فوق ظهورهم من أسماء لا ينتسبون لها إن لم يكن عكسها وغير مسئولين عنها. وعندما قتل (آرنستو تشي غيفارا) الطبيب الأرجنتيني في غابات بوليفيا اعتبره الثوريون العرب سيد الشهداء مثل حمزة بن عبد المطلب. وعندما يفجر الفلسطيني نفسه في حافلة فيقتل ويقتل يعتبر عند مفتي الديار في بلد ثوري، أنها (شهادة في سبيل الله) لا يقترب منها شهداء القادسية واليرموك. أما اليهود فيسمون الفاعل إرهابياً وقاتل نفسه وانتحاري. وما يحكم على عمل ما ليس الفتاوى والنصوص بل العواقب. وقل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى؟ وعندما يتصارع فريقان فيقدمان (قرابين) بشرية يعتبر القتيل في عين أهله شهيدا. وفي أعين خصومه مجرما. والفرق بين (الجريمة) و(الجهاد) شعرة. وبين (الزنا) و(الاغتصاب) و(الزواج) أقل من شعرة؛ فكلها ممارسة لعمل جنسي، ولكن الأول يقوم على (السرية) والثاني على (الإكراه)، والثالث على (الرضا والقبول والإشهار). وعندما جاهد (الخوارج) لم يكن عملهم جهادا، أما هم فسموا أنفسهم الشراة، أي من باعوا نفسهم في سبيل الله لقضية لم تكن ناجحة. وإذا أراد الجراح  استئصال زائدة دودية في سوق الخضار فإنه يعد  قصاباً  ولو كان سيد الجراحين. فهذه الفروق لا يستوعبها الشباب المتحمس، وهم نصف معذورين، ولكن أئمة الفكر المنحرف هم الذي يسقون عقول الشباب بهذه السموم. وليس هناك من أمر أكثر إثارة من (الجهاد) و(الاستشهاد) كما لا يوجد موضوع أكثر خطرا وضبابية منهما. وفي يوم كان أحدهم يكلمني فقال ألا تقرأ قوله تعالى: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين"؟ فقلت له ألا تقرأ قوله تعالى: "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة"؟، وقوله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"؟ والقرآن حينما يقرأه أحدنا لا يجد في نهايته فهرساً للموضوعات مثل القتال والشهادة متى؟ وكيف؟ وأين؟ ومن؟ بل يجد آيات متناثرة مثل النجوم في قبة القرآن. وإذا كنا في نجوم القطب نصل بينها بخط ؛ فنعرف الشمال من الجنوب، ونهتدي بها في ظلمات البر والبحر، كذلك الحال في آيات القرآن. ورؤية فراغية بنيوية من هذا النوع مفيدة في فهم آيات القرآن. والمشكلة مضاعفة في معالجة نظام الفكر. فالعقلية النقلية هنا تواجه العقلية النقدية. وهي مشكلة أعترف أنها ليست سهلة الحل ولكن لا بد من خوض غمارها واقتحام لججها. وابن لادن اعتبر أن تفجير أبراج نيويورك عين الجهاد وقمة الشهادة وضرب الكفار في دار الحرب حيث يستباح كل شيء؟ في الوقت الذي اعتبرت أمريكا أنه جريمة نكراء وانتحاريون مجرمون. وكما يقول (نعوم تشومسكي) الناقد الأمريكي أن قرصاناً ألقي القبض عليه في زمن الاسكندر فبدأ في توبيخه كيف يزعج البحر؟ قال القرصان: أنا أنهب بسفينة صغيرة فأسمى قرصاناً أما أنت فتنهب شعوبا بأساطيل فتسمى إمبراطورا؟! وعندما انتشرت مفاهيم (الجاهلية) من فكر (سيد قطب) في الستينات من القرن العشرين ومن ذيولها  فكرة (العزلة الشعورية) مما دفع البعض إلى اعتبار أن احترام (إشارات المرور) هو احترام الجاهلية، وأن خرق أنظمة المرور هو عين التقوى؛ لأنه تمزيق شبكة المجتمع الجاهلي، لمسلم يعيش في مجتمع جاهلي (عضوياً) ويحاربه فكريا وعمليا.  
اقرأ المزيد
حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram