تخصيص تفضيلات الموافقة

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لمساعدتك على التنقل بكفاءة وأداء وظائف معينة. ستجد معلومات مفصلة حول جميع ملفات تعريف الارتباط ضمن كل فئة موافقة أدناه.

يتم تخزين ملفات تعريف الارتباط المصنفة على أنها "ضرورية" في متصفحك لأنها ضرورية لتمكين الوظائف الأساسية للموقع.

نستخدم أيضًا ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية التي تساعدنا في تحليل كيفية استخدامك لهذا الموقع ، وتخزين تفضيلاتك ، وتوفير المحتوى والإعلانات ذات الصلة بك. لن يتم تخزين ملفات تعريف الارتباط هذه في متصفحك إلا بموافقتك المسبقة.... 

دائما فعال

Necessary cookies are required to enable the basic features of this site, such as providing secure log-in or adjusting your consent preferences. These cookies do not store any personally identifiable data.

Functional cookies help perform certain functionalities like sharing the content of the website on social media platforms, collecting feedback, and other third-party features.

Analytical cookies are used to understand how visitors interact with the website. These cookies help provide information on metrics such as the number of visitors, bounce rate, traffic source, etc.

Performance cookies are used to understand and analyze the key performance indexes of the website which helps in delivering a better user experience for the visitors.

Advertisement cookies are used to provide visitors with customized advertisements based on the pages you visited previously and to analyze the effectiveness of the ad campaigns.

- -

ديكارت مقلوباً (2)  (أنا موجود أنا أفكر)  (بحث ظاهرة الأنا في مؤتمر العلوم العصبية) 
ديكارت والمقال على المنهج :   في الوقت الذي كان العالم الاسلامي يضع عقله على الرف، ويتوقف الزمن عنده على ضرب صنج الصوفية، ويشخر في أحلام وردية على قصص ألف ليلة وليلة، كانت بذور منهج الغزالي في التأسيس المعرفي من خلال مبدأ الشك يثمر ثمراته في جنوب ألمانيا بطريقة مختلفة. يقول ديكارت عن نفسه أن الثلج والبرد اضطره الى قضاء الشتاء في جنوب ألمانيا قريباً من مدينة أولم ( ULM ) . كان  رينيه ديكارت  من نبتات التنوير العقلي الجديد ، الذي امتد من شمال إيطاليا الى كل أوربا من الشعلة التي قدح زنادها لابن رشد. يقول ديكارت أنه التجأ الى هذه المكان وهو فارغ البال من الهم والحزن والهوى. كان الشيء الذي يحتل كل ملكاته العقلية هو إمكانية الوصول الى الوثاقة واليقين في العلوم، فديكارت كان قد ودع الفكر القديم وفقد ثقته به فكتب: (العقل هو أحسن الاشياء توزعاً بين الناس إذ يعتقد كل فرد أنه أوتي منه الكفاية، حتى الذين لايسهل عليهم أن يقنعوا بحظهم من شيء غيره، ليس من عادتهم الرغبة في الزيادة لما لديهم منه . ويشهد هذا بأن قوة الاصابة في الحكم التي تسمى العقل أو النطق تتساوى بين كل الناس بالفطرة، وكذلك يشهد بأن اختلاف آرائنا لاتنشأ من أن البعض أعقل من البعض الآخر، وإنما ينشأ من أننا نوجه أفكارنا في طرق مختلفة، لأنه لايكفي أن يكون للمرء عقل بل المهم هو أن يحسن استخدامه، وإن أكبر النفوس لمستعدة لأكبر الرذائل مثل استعدادها لأكبر الفضائل)(6) المنهج الديكارتي : أنا أفكر .. أنا موجود:  استولى الشك على كيان ديكارت كاملاً فبدأ يتنفس الشك ويعيش فيه، ويقول أن تلك الليلة شعر وكأن دماغه ـ من شدة التفكير ـ يوشك على الانفجار، ثم انقدح امامه فجأة المنهج الجديد، الذي عرف بالمنهج التحليلي الديكارتي، الذي لنا عودة تفصيلية اليه اثناء الغوص في بحر الفلسفة. قال ديكارت إنني عندما أشك أفكر؛ حتى لوشككت في كل شيء؛ بمافيه وجودي بالذات، حتى لو زالت الدنيا كلها، فإن شيئاً لايزول ولايتزحزح وهو انني أشك؛ أي إنني أفكر وإذا كنت أفكر فهناك حقيقة أنني موجود على صورة من الصور ولكنني موجود؛ فهذه هي الحقيقة الراسخة الوحيدة التي يمكن أن استند اليها في كل عمليات التفكير. هذه الحقيقة الراسخة مهدت الطريق لعصر التنوير في أوربا واعتبرت الفلسفة الديكارتية أحد المفاصل الجوهرية التي قامت عليها الفلسفة الأوربية الحديثة، باعتبار أن ديكارت وعشرات من أمثاله كانوا البناة النظريون للعصر الحديث بكل انجازاته، لأنه مع حركة العقل تم تدشين حرية التفكير، ومع حرية التفكير انطلقت الابحاث العلمية بدون حدود، ومنها نبعت التكنولوجيا الحديثة والنظم السياسية أي الليبرالية الاقتصادية والديموقراطية السياسية، فهؤلاء المفكرون العظام هم الذين حلوا أعظم مشاكل الجنس البشري؛ في علاقة السلطة بالمواطن، ونقل السلطة السلمي، وبناء مناخ الحرية الفكرية الكامل بدون أي خوف أو تابو. ولكن مؤتمر جمعية العلوم العصبية (SOCIETY  FOR  NEUROSCIENCES) الذي ضم مايزيد عن عشرين ألف عالم، اجتمعوا في مدينة سانت دييغو في مقاطعة كاليفورنيا خرج ببعض النتائج التي بدأت تهز الأقدام تحت نظرية ديكارت. مؤتمر (سان دييجو) يثير بحث المشكلة الفلسفية من جديد:   ومما أذكر من تسعينات القرن العشرين أنه اجتمع كمٌ ضخم من أطباء العصبية والمعلوماتيين (INFORMATIKER) وعلماء النفس والفلاسفة ومشرحو الدماغ  وبيولوجيو الكيمياء العصبية في مؤتمر هام في سانت دييجو، يريدون حل المعضلة القديمة للفلسفة: ماهو الوعي الانساني؟ لقد حاولوا اقتحام الدماغ لفهم أسراره الدفينة. ولكن من أجل فهم ماذا يعني الكيان (أنا) كان عليهم تجاوز عقبة كؤود غير قابلة للاختراق على مايبدو حتى الان وهي: دور المشاعر والاحاسيس وعلاقتها بالعقل والفكر؟! إن الثورة العقلية التي بدأها ديكارت مع عام 1644 م عندما أطلق مقولته الفلسفية الشهيرة (أنا أفكر أنا موجود)(COGITO, ERGO  SUM) كان قد وضع أحد الأحجار الأساسية في الفلسفة الحديثة، فأما الروح والعقل والوعي فإنها تخص الكنيسة، وأما البدن فيمكن اقتحام التابو فيه وتعريضه للتشريح، وهكذا أوجد النظرية الثنائية في أن الانسان كيانان يسبحان جنبا الى جنب الروح والبدن في ثنائية متلازمة غير مفهومة. ولكن كما تفعل الثورة مع ابناءها فيبدو أن هذه الثورة العقلية تهدد بأكل ابناءها الذين دشنوها على حد تعبير مجلة الشبيجل الألمانية (7) فالاتجاه بدأ ينعكس الآن ليس البحث في البدن بل في الروح؛ فكيف نفهم الذات؟ كيف نعرف من نحن؟ كل السر على مايبدو يربض تحت عظم الجمجمة، في المادة المخية التي تضم مائة مليار خلية عصبية، في تعقيد لايقاربه شيء في الكون. مراجع وهوامش :   (6) مقال على المنهج ـ رينيه ديكارت ـ ترجمة محمود الخضيري ـ الناشر دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ـ ص 110 (7) مجلة الشبيجل الألمانية العدد 16 1996 م ـ البحث عن الذات ص 190
اقرأ المزيد
ديكارت مقلوباً (1)  (أنا موجود أنا أفكر) (بحث ظاهرة الأنا في مؤتمر العلوم العصبية) 
مع نهاية القرن الخامس الهجري عانى العالم الاسلامي من إعصارين مدمرين، الأول كان في الانحطاط الأخلاقي والسياسي، كنتيجة محتومة للانقلاب الأموي القديم، والثاني من تطويقٍ محكم، بين مطرقة المغول وسنديان الصليبيين. بل أكثر من ذلك حسب المؤرخ (توينبي) بتعبيره الإجهاز على الفريسة الإسلامية بثلاث محاور برتغالي شرقي وإسباني غربي والقوزاق الروس باتجاه ممالك التتر في القرم. أما الإعصاران فكانت خلفيتهما ثقافية بالدرجة الأولى؛ فالجهاز المناعي الفكري وخطوط الدفاع العقلية كانت قد انهارت خطاً بعد خط وخندقاً خلف خندق. حتى اختتم القرن السابع ومعه انطفأت الروح الحضارية الاسلامية، الموافق لمنتصف القرن الثالث عشر للميلاد، عندما انهارا جناحا العالم الاسلامي في فترة عقدٍ من الزمن (1) وحصل الانقلاب الكوني وبدأت الحضارة تكتب من اليسار الى اليمين، واستخدم الحصان العربي لغزو ونهب العالم الجديد في الامريكيتين. وحُبس العالم العربي خلف مضيق بحر الظلمات في زنزانة البحر المتوسط.   أزمة العقل المسلم في القرن الخامس الهجري:   في هذه الظروف المكربة صدم العقل الاسلامي الى أعمق أعماقه في سؤال ملح: ماالذي قاد الى الكارثة؟ وقف الامام أبو حامد الغزالي ليقوم بأهم عملين عقليين ماسحين، فيما يشبه جهاز الرادار العقلي، في البحث بين الانقاض، كما يفعل الباحثون عن الصندوق الأسود عند تحطم الطائرات. في بحث الخلل الأخلاقي، وخلفية الاعصار العقلي، فاستنفر نفسه لدراسة أربعة تيارات فكرية عاصفة كانت تجتاح العالم الاسلامي وقتها: الفلسفة اليونانية وتيارات الباطنية وفرق المتكلمين والاتجاه الصوفي. كان ضغط المصيبة ماحقاً ساحقاً، بحيث انضغط عقل الغزالي فانحدر الى الشك. والشك دائرة مروعة وكأنها الثقب الأسود الشفاط، وهذا الذي حصل مع الغزالي. ومع تراكم سحب (الشك) اسودت معالم الطرق العقلية، وتسرب الشك الى كل المنافذ، وفي النهاية استولى الشك بالكامل على عقل الغزالي وطوقه بإحكام، حتى وصل الى الشك بكل شيء حوله، وتسربت عفونة الشك الى المدارك العقلية الاساسية مثل البديهيات الاساسية. تساءل الغزالي: إذا كان المنام كله ضرباً من الوهم؟ فلماذا لاتكون الحياة كلها ضرباً أكبر في الخيال السقيم؟ يقول الغزالي: (فتوقفت النفس في جواب ذلك قليلاً، وأيدت إشكالها بالمنام، وقالت: أما تراك تعتقد في النوم أموراً، وتتخيل أحوالاً، وتعتقد لها ثباتاً واستقراراً، ولاتشك في تلك الحالة فيها، ثم تستيقظ فتعلم أنه لم يكن لجميع متخيلاتك ومعتقداتك أصل وطائل؟ فبم تأمن أن يكون جميع ماتعتقده في يقظتك بحس أو عقل هو حق بالاضافة الى حالتك التي أنت فيها؟ لكن يمكن أن تطرأ عليك حالة تكون نسبتها الى يقظتك، كنسبة يقظتك الى منامك، وتكون يقظتك نوماً بالاضافة اليها! فإذا وردت تلك الحالة تيقنت أن جميع ماتوهمت بعقلك خيالات لاحاصل لها)(2) محنة الغزالي الروحية:    وتطورت الصدمة العقلية الروحية عند الغزالي الى أن أدخلته المرض فارتمى في السرير وكاد أن يهلك، ويروي تجربته الروحية الفكرية بشكل مؤثر: (فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ودواعي الآخرة قريباً من ستة أشهر أولها رجب سنة ثمان وثمانين واربعمائة، وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار الى الاضطرار، إذ أقفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس، فكنت أجاهد نفسي أن ادرس يوما واحدا تطييبا لقلوب المختلفة الي، فكان لاينطق لساني بكلمة واحدة ولا استطيعها البتة، حتى أورثت هذه العقلة في اللسان حزنا في القلب، بطلت معه قوة الهضم ومراءة الطعام والشراب، فكان لا ينساغ لي ثريد، ولاتنهضم لي لقمة؛ وتعدى الى ضعف القوى، حتى قطع الاطباء طمعهم في العلاج وقالوا: (هذا أمر نزل بالقلب ومنه سرى الى المزاج، فلاسبيل اليه بالعلاج، الا بأن يتروح السر عن الهم الملم)(3) الانهدام العقلي الكبير على يد الغزالي:   بقدر مابدأ الغزالي خطواته العقلية الأولى بجبروت في تأسيس المعرفة عندما أسس مبدأ اليقين في العلوم (4) بحيث لاتتزعزع المعرفة العقلية حتى لو برهن على عكسها بتحويل الحجر الى ذهب والعصي الى ثعابين، فالمعرفة العقلية هي أعمق وأبقى، والذي ترك كامل بصماته على العقل الأوربي؛ بقدر ماانتهى الغزالي نفسه؛ عندما سطر قلمه كتاب (تهافت الفلاسفة)  في نهاية رحلته الى حالة فراغ كاملة بالانتحار الصوفي، مما اضطر ابن رشد لاحقاً؛ أن يتدخل بعملية فكرية جراحية اسعافية لعقل مسلم منتحر بنزف داخلي، قد انهار صاحبها بفعل النزف الفكري الى حالة الصدمة غير قابلة التراجع (IRREVERSIBLE  SHOCK) فيكتب في الوقت الضائع للمباراة كتابه (تهافت التهافت)(5). لذا لم يستفد العالم الاسلامي من كتابات ابن رشد شيئاً، بل هي موضع شبهة وشك فهو من التراث المحترق. مراجع وهوامش :   (1) من التصادف الغريب والمحزن لمصير العالم الاسلامي أن جناحيه قطعا في فترة عقد من السنين، فسقط كما يسقط الطير بلا جناحان. سقطت اشبيلية في الاندلس في عام 1248 م بيد الاسبان ودمرت بغداد بالمحراث المغولي الهابط من الشرق في عام 1256 م (2) كتاب (المنقذ من الضلال والموصل الى ذي العزة والجلال) أبو حامد الغزالي ـ حققه جميل صليبا وكامل عياد ـ دار الاندلس ـ ص 85 (3) نفس المصدر السابق ص 136 (4) تأمل تعبيرات الغزالي المدهشة في التأسيس المعرفي (فلابد من طلب حقيقة العلم ماهي؟ فظهر لي أن العلم اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافاً لايبقى معه ريب ولايقارنه إمكان الوهم والغلط ، ولايتسع القلب لتقدير ذلك، بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارناً لليقين مقارنةً لو تحدي بإظهار بطلانه مثلاً من يقلب الحجر ذهبا والعصا ثعباناً لم يورث ذلك شكاً وإنكاراً، فإني إذا علمت أن العشرة أكثر من الثلاثة؛ فلو قال لي قائل: لا .. بل الثلاثة أكبر من العشرة؛ بدليل أني أقلب هذه العصا ثعباناً وقلبها وشاهدت ذلك منه، لم أشك بسببه في معرفتي، ولم يحصل لي منه الا التعجب من كيفية قدرته عليه! أما الشك فيما علمته فلا) نفس المصدر السابق ص 82 (5) يراجع في هذا كتاب (تكوين العقل العربي) للمفكر المغربي الدكتور محمد عابد الجابري ـ مركز دراسات الوحدة العربية ـ مثلاً فصل العقل المستقيل في الثقافة العربية الاسلامية
اقرأ المزيد
هل كان طول آدم ستون ذراعا؟ الأرض والنصوص  
وصلني بالانترنت صورا عن قوم (عاد وثمود) من جماجم وعمود فقري وهياكل بشرية. ليس هذا هو المهم بل حجم البشر الواقفين بجنبهم وكذلك آلات الحفر؟ فقد ظهر  حجم الجمجمة أكبر من حجم الرجلين الواقفين حذاءها؟ كما ان آلة الجرف الضخمة ضاعت أمام حجم الهيكل؟ قالت لي زوجتي المغربية التي ذهلت من المنظر مارأيك؟ تابعت هل هي حقيقة أم فبركة؟ جوابي طبعا أنها من لعب الفوتو شوب.   وحاليا بلغت السينما درجة من التزويق واللعب بالمناظر، أن أظهرت انشقاق البحر وكأنه أمامنا، والديناصورات وهي تلتهم البشر، والبحر وهو يبتلع مدينة لوس أنجلس في كاليفورنيا. هنا نحن أمام ظاهرة تحتاج إلى التحليل؟ فلماذا يحرص الناس على تعميم هذه الصور في النت؟ حاليا هناك طوفان من المعلومات والوعاظ الشعبيين والشكاكين وأصحاب الدكاكين السياسية. يكفي أن تفتح اليوتيوب لتغرق في محيط لانهاية لشواطئه؟ فوجب وضع الفلترة العقلية لما يرى الإنسان ويسمع؟ ليست فقط هذه الصور التي يمكن فضحها بسهولة، بل هناك تناقل معلومات مغلوطة أو مفبركة أو مضخمة أو محرفة، من كل فاكهة زوجان. لماذا نشر هذه الصور الآن بالتحديد؟ قلت لزوجتي هذه ليست جديدة علي؛ فلقد شاهدتها منذ فترة، حتى جاءني من كشف طريقة التلاعب بالصورة، ولكن أصحاب (النصوص) يريدون نسبها إلى أحاديث يجب أن (تراجع) أن خلق آدم كان أطول من عمارة شاهقة؟. ولكن المدهش هو بالأفلام التي تنتج من مكان لتروج في مكان؟ وهي في الصراع السياسي شيء مذهل؛ فالحرب السياسية أحيانا تدار بالفؤوس، ولكن في كثير من الأحيان باللعب بالرؤوس. مامعنى أن البشر الأقدمين كانوا عمالقة؟ هكذا يروج البعض أن قوم عاد وثمود كانوا عمالقة؟ يتعرض ابن خلدون في مقدمته لمثل هذه الأفكار ويقول: إن الحنايا في بقايا قرطاج، وأهرامات مصر، دفعت البعض إلى الظن أن من أقامها هم قوم من العمالقة، ليصل إلى تقرير (قانون) هام في علم الاجتماع، ذو ست زوايا في اعتماد الإخبار ليس على النقل، بل النقد والتحري. قال الرجل في مقدمته (اعلم أن الإخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم أصول العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران، والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والذاهب بالحاضر؛ فلا يأمن فيها الإنسان من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق، وهو ماوقع لكثير من أئمة النقل والتفسير). ومنه نفهم البعد الاستراتيجي في الآية المفتاحية الموجودة في سورة العنكبوت، أن علينا ليس البحث في (الكتاب) بل السير في الأرض (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق). إذن هذه الصور من عمالقة عاد وثمود يجب أن لاينظر لها من خلال النصوص، بل من خلال البحث الانثروبولوجي (علم الإنسان) وتفقد طبقات الأرض. هل فعلا ثمة هياكل بقدر ناطحات سحاب أم هو (فرية) علمية تكاد السموات تنشق منها وتخر الجبال هدا؟ وبالمناسبة فإن غالبية من (ساروا في الأرض) كانوا من الغربيين، ولم يكونوا من العالم الإسلامي، وقديما كان العكس هو الصحيح، كما نعرف من (ابن بطوطة) في كتابه عجائب الأسفار أو (القلقشندي) ومن رسم خرائط العالم (الادريسي) وابن خلدون وعشرات من الباحثين، أما العالم الحالي فقد تم تشكيله بعد أن خرج العرب من لعبة التاريخ، وبذلك صنع العالم المعاصر الذي نعيش فيه من بناة لاعلاقة لهم بالعالم الإسلامي عموما. (دارون) مثلا ركب سفينة البيجل لينتهي بفكرته عن الخلائق وكيف تمت. (هومبولدت) الألماني عس في غابات الأمازون ليكتشف الخلائق، و(ماركس) كشف قانون فائض القيمة في الاقتصاد، و(فرويد) عالم ماتحت الشعور، و(فون بابن) قانون ضغط البخار، و(طوريشيللي) الضغط الجوي، و(ماكس بلانك) ظاهرة إشعاع الجسم الأسود وانتهاء بقوانين ميكانيكا الكم، و(آينشتاين) النسبية الخاصة والعامة، و(دونالد جوهانسون) الانثروبولوجي هو من عس في حرارة الحبشة المخيفة، في مثلث عفار، ليهتدي إلى هيكل لوسي التي عاشت قبل 3,2 مليون سنة، ليس هذا فقط بل أين المختبر الذي يقول أن هذا العظم عمره ثلاثة ملايين من السنين أو ثلاث سنوات؟ هذه أيضا تقنيات طورها الغرب باجتهاد ومتابعة؛ بل حتى الصور التي تعمم هي من خلال النت، الذي هو مشروع أمريكي بامتياز، وكتبت مجلة در شبيجل الألمانية، عن جيل الشباب الجدد في (وادي السيليكون) قريبا من سان فرانسيسكو أنهم أباطرة الحكومة العالمية القادمة، بتطوير نظام المعرفة والاتصالات بحيث ينتهي احتكار الحكومات لصالح خبراء الديجتال. هذه إذن هي طبيعة العصر الذي نعيش فيه. ومانعرف عن هياكل البشر حتى اليوم هو ماكشفه علماء الانثروبولوجيا (وهو أيضا علم حديث تطور من رحم علوم أخرى) أن الإنسان أصبح له على وجه الأرض بشكله المستقر حاليا، والذي ننتسب إليه، وسمي جدنا آدم تيمنا به (الإنسان العاقل العاقل) ربما مائتي الف سنة يزيد وينقص، ولكنه هو الشكل المودرن المتقدم وقبله مرت اشكال أخرى ولكنها اختفت جميعا. ما أريد الوصول إليه أننا إذا أردنا الطيران إلى المستقبل؛ فيجب أن نركب جناحين من العلم والسلم. بكل أسف الوسط العام من الثقافة شاحب يعاني من فقر دم، ولايزيده الوعاظ الشعبيون إلا ضلالا. أملي كبير أن يعتنق مثل هذه القبسات شباب ينظرون إلى مستقبل أفضل بعقل تنويري مؤمن متسامح يبني قاعدته المعرفية طبقا عن طبق.
اقرأ المزيد
دعم الإلحاد تحت عباءة الإيمان، قصة الراهب الدومينيكي توماسو كامبانيلا
الناس متفقون على توصيف الجنون والمجنون ليس بجهد كبير بل باتفاق ضمني. عندنا في المدينة التي نشأت فيها ومقابل دارنا تماما كان ثمة رجل عصابي اتفق الناس على تسميته (حسن مصروع). هنا الصرع ليست الحالة المرضية من فقد الوعي والتبول اللإرادي والسقوط المفاجيء والزبد في الفم بل حالة هستيرية من رجل يتصرف على نحو غريب خلاف ما اتفق عليه الناس. وحين نقرأ في القرآن كيف وصف نبي الرحمة بأوصاف ستة من أنه شاعر وساحر وكاهن ومجنون وكذاب وأنه يريد أن يغير مااعتاد عيه الناس واتفقوا منذ قديم الزمان. هنا نرى الشيء العجيب في ذكر هذا العجيب. هنا القرآن يذكر هذه الصفات لكي يزيل عنه هذه الصفات ولكنه يعترف بأن المجتمع كان يكرر هذه التهم. وحسب الوردي عالم الاجتماع العراقي فإن الجنون له صفتان الانفكاك عن الواقع والتصريح بذلك. مثل من يقول أنا تغديت البارحة في المريخ. ومن القصص العجيبة في التاريخ هو عكس ماذكرنا تماما أي دعم الإلحاد ببراهين من الإيمان ويحصل هذا في ظروف الاضطهاد الديني كما وقع في أوربا يوما؛ ففي مواجهة اضطهاد رهيب، قد يضطر الإنسان في النهاية، أن يعلن جنونه على الملأ؛ كي ينجو بجلده من المحرقة؟ وهو ما فعله الراهب الدومينيكاني (توماسو كامبانيلا) في مطلع القرن السابع عشر، بعد محرقة (جيوردانو برونو) الذي خضع أي برونو لتحقيق جهنمي لمدة ثماني سنوات، وافتتح القرن السابع عشر بحرقه حياً، مثل أي فروج مشوي. والكلمات التي تجرأ على نطقها (كامبانيلا) كانت أثرا من موجة الإصلاح الديني، التي اجتاحت الشمال الأوربي، بعد أن أطلق (مارتن لوثر) حركة المعارضة (البروتستانت) على صورة خمسة وتسعين سؤالاً، علقها على جدار كنيسة (فيتنبرج Wittenberg)، يسأل فيها كيف يمكن لمجرم ارتكب كل الذنوب، أن يدخل الجنة بتذاكر اشتراها من مال حرام، ونبت لحمه في الحرام؟إلا أن الخطيئة القاتلة التي وقع فيها (كامبانيلا) كانت حين لم يقدر العواقب جيدا، وهو يتعرض لديناصور لاحم اسمه الكنيسة، ومخالبه من محاكم التفتيش؟! قال الرجل يعلق على معتقدات الكنيسة: ' إن الكنيسة روجت لمثل هذه الخرافات كي تتحكم بالناس وتجعلهم خائفين'؟؟ وبالطبع فإن جملة من هذا الحجم، في وجه خصم شرس مسلح حتى الأسنان، بكل الإمكانيات، بما فيها ادعاء أن الله يمر من خلاله، على لسان المعصوم (البابا)، وهي المسألة التي كلفت التيولوجي السويسري (هانس كينج) خسارة مقعده في التدريس، بعد مرور 400 سنة على واقعة كامبانيلا حينما طرح الأخير، مسألة عصمة البابا في الميزان، بعنوان صاخب من كلمة واحدة (العصمة؟؟ Unfehlbarkeit). وينقل عن السير (والتر رالي) من القرن السادس عشر (1554 ـ 1618م) قوله: ' ينبغي على الرجال العقلاء أن يكونوا خزانة ذات قعرين، لا تسمح من النظرة الأولى سوى رؤية سطحها الفوقي'. ألقي القبض على الراهب (كامبانيلا) بتهمة الهرطقة والإلحاد؛ فنزل في أقبية مخابرات الفاتيكان، حيث محاكم التفتيش الجهنمية، في عام 1593م، ثم أطلق سراحه بعد ست سنوات عام 1599م. وكانت جنوب إيطاليا خاضعة للحكم الأسباني يومها، ومعها جبروت الكثلكة، فأوحى إليه عقله أن يقاوم الغزاة، وينشئ جمهورية مثالية، فأخطأ للمرة الثانية بأشد من الأولى، وهكذا فبعد أن كان يواجه غولا واحدا، أصبح في مواجهة غولين؟! تم إلقاء القبض على كامبانيلا من جديد،  وحكم بالسجن المؤبد، وأخضع للتعذيب هذه المرة بآلة جهنمية اسمها (لا فيجليا  La Veglia)، كان المتهم كما هو مع كامبانيلا يخضع لتعليق ذراعيه، وهو في وضع القرفصاء، على بعد إنشات من كرسي، تبرز منه مسامير حادة، غليظة جاهزة لشق اللحم شقا، فليس أمام التعيس إلا أحد اثنين: أن ينغرز في خازوق الأنصال، أو تنخلع أكتافه من فوق؟.. وهنا أدرك (كامبانيلا) أن عليه إن أراد أن يبقى على قيد الحياة أن يمارس إستراتيجية جديدة، وهكذا فقد بدأ يتظاهر بالهلوسة والجنون، فأخضعته الكنيسة لمزيد من التعذيب؛ كي تتأكد أنه (مجنون حقاً) كذا؟؟ وبقي أربع سنوات مصلوبا واقفا إلى جدار، فصمد لجهنم تحقيق الكنيسة، حتى اعتقدت في النهاية بأنه فاقد العقل تماما. بعدها بفترة سنوات كتب كتابه الأول في مدح (الملكية الأسبانية)، وأن ما فعلته من ذبح الناس وحرقهم على نار هادئة،  ونهب أمريكا، كان عين العقل، وقمة التقوى، فصدقت الكنيسة أنه فعلا ولد صالح للكثلكة؟! ثم ضرب كامبانيلا ضربته الأخيرة؛ فأخرج كتابا مثيرا بعنوان (هزيمة الإلحاد) وعرضه على شكل سؤال وجواب، وكان يعرض حجج اللوثريين والمارقين بقوة ووضوح، ثم يأت برد الكنيسة على شكل ممل تقليدي عويص، فاحتارت الكنيسة في أمره، فهو يعرض آراءها مقابل الشبهات، ثم اقتنعت أن الرجل كاثوليكي صالح، وأنه فعل جهده في اعتناق المذهب الصحيح والذود عنه، وهكذا أطلقت سراحه بعد 23 سنة من حبسه الطويل، وتلقف الناس كتاب الرجل فلم يكن هزيمة للإلحاد، بل كان نبعاً الإلحاد، وهكذا أصبح أنجيلا في يد كل من ينافس ويعارض الكنيسة ويريد النيل منها، بسبب قوة الحجج المعروضة على لسان خصوم البابا والكنيسة. وهذا يجعلنا نفهم أن معركة الكنيسة مع العلماء فتحت الباب لكل ألوان الإلحاد، جملة وتفصيلا، وضد أي دين، وبذلك نشأت الحضارة الغربية الحالية، وهي ممزوجة بروح إلحادية صريحة؛ فأعلن (نيتشه) موت الرب، وأعلن (سبينوزا) أن الله والطبيعة واحد، وأن الإيمان بالمعجزات كفر، وأعلن (ماركس) أن الدين أفيون الشعوب، وختمها (ميشيل فوكو) بموت الإنسان؛ فلم يبق وينجو أحد، وكل ذلك من حماقة الكنيسة وتعصبها العقيم الذميم.
اقرأ المزيد
ما هو الصنم؟ (3)، تشريح بنية الوثنية السياسية 
من جديد نلقي المزيد من الضوء على أخطر مشاكل المجتمعات حين تنحرف فتعبد الأصنام البشرية والحجرية فتقع في براثن الوثنية. ان اختلاط هذا المفهوم وعدم تحرير العقل منه يجعل الانسان في ضباب كثيف وعطالة في التحرر من الوثنية الفعلية. ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل له الله نورا فما له من نور. الا انه مع الوثنية يعلن الحداد عن وفاة الأمة. وكما يقول مونتسكيو: (الطاغية هو ذلك الذي يقطع الشجرة كي يقطف ثمرة). أو كما يقول (لورد اكتون): (كل سلطة مفسدة وقليل من السلطة قليل من الفساد والسلطة المطلقة فساد مطلق).  لا يمكن لأي سيارة ان تمشي بدون فرامل والا كانت في طريقها الى الكارثة. وسيارات العالم العربي اليوم كلها تمشي بدون فرامل. ان وجود المعارضة فرامل تقي سيارة المجتمع من الحوادث وتحافظ على الجميع. لماذا كانت الوثنية اذا سيئة الى هذا الحد؟ وكان التوحيد القضية الجوهرية التى جاء من اجلها الانبياء وعليه مات بعضهم او طورد الى حافة الصلب فرفعه الله اليه؟ يقول جودت سعيد (ان البشر حين يعظمون انسانا يتحول الى طاغوت والا فلماذا ترسخت الطاغوتية في العالم من امريكا الى اصغر ديكتاتور)... ولفهم الطاغوت قص الله علينا قصة اكبر طاغوت في التاريخ، الذي ترك الاهرامات اكبر الاثار في الدنيا، كل منها قبر لشخص واحد بهذا الحجم. والفراعنة لم يبنوا هذه القبور كفرا بالله ولكن لينجوا في اليوم الآخر. وقصة فرعون مع موسى من اطول قصص القرآن واكثرها تكرارا حتى لا يبقى شيء من امر فرعون خفيا.. ذكر القرآن اسم فرعون اكثر من سبعين مرة وذكر اسم موسى اكثر من مائة مرة وكيف دربه على الذهاب لمقابلة فرعون وكيف خاف موسى. انها تفاصيل دقيقة مهمة يمكن تحليلها. خطابه الشعوري واللاشعوري وما وراء الكلمات من مسلمات. والمسلمون يلعنون فرعونا خمس مرات في صلاتهم اليومية ولكن الاوضاع السياسية في قسم كبير من العالم الاسلامي تذكر بأيام فرعون (بيبي الثاني) و(كافور الاخشيدي) في شاهد عما تفعله الثقافة في تعطيل اقدس النصوص وان معظم المسلمين يمرون على الآيات وهم عنها معرضون. مما جعل مفكرا مثل (امام عبد الفتاح امام) يسجل هذه الفقرات المشحونة بالتشاؤم في كتابه (الطاغية): (عندما امعنت النظر في مجتمعنا العربي بدت لي نظم الحكم بالغة السوء فعدت الى التاريخ فلم اصطدم الا بنظم اشد سوءا وكلما اوغلت في الماضي البعيد لم تقع العين الا على ما يسوء حتى وصلت الى البدايات الاولى عند البابليين والفراعنة، دون ان اجد مرحلة استطاع فيها المواطن ان يقول بملء الفم هذه بلادي وانا انعم فيها بانسانيتي وكرامتي، واتمتع بجميع حقوقي، وعلى رأسها حرية الفكر والتعبير والمشاركة في الحكم وصنع القرار السياسي) لينتهي الى فقرة اشد تشاؤما: (إننا نتقهقر.. ومن هنا فلا تزال الرؤية حتى الآن معتمة والضباب كثيفا واليأس قاتلا والنفس حزينة حتى الموت). وعندما يحلل (مالك بن نبي) دور الوثنية في اغتيال النهضة في الجزائر يرى ان هناك جدلية متعاكسة بين الفكرة والصنم: (واذا كانت الوثنية في نظر الاسلام جاهلية فان الجهل في حقيقته وثنية لأنه لا يغرس افكارا بل ينصب اصناما ومن سنن الله في خلقه انه عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم والعكس صحيح)، ورأى ان الوثنية غيرت لونها فاستبدلت المطالبة بالحقوق بدل القيام بالواجبات، وعدم فهم (الظاهرة السياسية) ومعنى (صلة الحكومة بالوسط الاجتماعي) وبأن: (الحكومة مهما كانت ما هي الا آلة اجتماعية تتغير تبعا للوسط الذي تعيش فيه. فإذا كان الوسط نظيفا فلا تستطيع الحكومة ان تواجهه بما ليس فيه. واذا كان الوسط متسما بالقابلية للاستعمار فلا بد ان تكون حكومته استعمارية). ولذا فان ما حصل كان سقوطا: (في احضان الوثنية مرة اخرى.. لقد ورث المكروب السياسي مكروب الدروشة. فبعد ان كان الشعب يقتني بالثمن الغالي البركات والحروز اصبح يقتني الاصوات والمقاعد الانتخابية). ويبقى السؤال لماذا استطاع الطغاة اعتلاء ظهور شعوب بأكملها وسوقها الى الحروب والكوارث من كل صنف؟ يبدو ان هذا يكمن في طبيعة التحول الاجتماعي عندما يذكر القرآن أن (عبيد الطاغوت) يقتربون في اشكالهم من القردة والخنازير. والتحول هنا ثقافي وليس جينياً بيولوجياً. اذاعت جريدة (نجم المساء) البريطانية في 31 مارس (اذار) من عام 1846، انه سيكون في الاول من ابريل (نيسان) معرض هام وكبير لكل انواع الحمير في صالة عرض فخمة في غرفة الزراعة بـ(اسلنجتن)، وفعلا جاء الناس وهرعوا الى المعرض زرافات ووحدانا حتى امتلأت بهم القاعة، واخذوا في الانتظار فلما امتد الوقت لم يظهر احد ولم يكن هناك في القاعة الا من حضر عند ذلك ضحكوا على انفسهم الى درجة الاغماء، لأنهم عرفوا ان كان هناك حمير في القاعة فلن يكونوا سوى من حضر. لقد كان اليوم الاول من ابريل المترافق بكذبة نيسان. هل نعيش كذبة نيسان كل يوم؟
اقرأ المزيد
ما هو الصنم؟ (2)، تشريح بنية الوثنية السياسية 
علينا فتح النقاش فعلا حول مفهوم الصنم، فما هو؟ قد يكون الصنم حجرا او بشرا او (ايديولوجية). ولكنه يتظاهر دوما بانه متعال ما فوق بشري يملك صفات خارقة ويتلون حسب العصور ويفرض على العقل الانساني الانصياع والرهبة. لذا وصف الفيلسوف (محمد اقبال) ان الصنم (مناة) تحافظ على شبابها عبر الازمنة: (تبدل في كل حال مناة... شاب بنو الدهر وهي فتاة). قد يكون الصنم (تمثالا) لامعا يمنح البركات، يطوف حوله بشر مغفلون يزعمون انه يشفي العلل ويقيم المشلولين وتحبل العقيم بلمسة منه. أو (بشرا) متعاليا فوق الخطأ ودون النقد، كلماته حكم خالدة، وألفاظه شعارات تعلق في كل الشوارع، وصوره مرفوعة بكل الالوان والاحجام واللقطات حيثما قلب المرء وجهه. أو (ايديولوجية) لا تقبل المراجعة فرضها (كهان) يتمتمون ويرطنون بمصطلحات لا يفهمها المواطن اكثر من فهم زمع الكهان. أبسط الاصنام ما نحت من الحجر، واعقدها (الايديولوجية) لاختفائها خلف الشعارات في كلمات ما انزل الله بها من سلطان. وقد يمتزج الاثنان في صورة القائد البطل الملهم فترفع له الاصنام على شكل تماثيل شاهقة يطل بها من عل بوجه مكفهر ويد ممدودة الى جماهير مطحونة تعيش كي لا تعيش، مغموسة بالذل لقمتها، ليس عندها قوت يومها، غير آمنة على نفسها، مطوقة بالقلة والقذارة والفوضى، واذا تنفست كان الجو عابقا بجزيئات (رجال الأمن). عبد أهل الجاهلية الأوثان فأقاموا نصب اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى. وظن العرب انهم نجوا من موبقة الوثنية ولكن (الصنم) عاد فبزغ من جديد بنسخ مستحدثة مطورة بدهاء عندما غربت شمس (الفكرة). وأقيمت التماثيل العملاقة للينين وستالين وماوتسي تونغ وأشباهها في عالم العروبة وفرضت ايديولوجيات بنسخ مزورة بقوة السلاح وسطوة رجال الأمن. يخطئ من يظن ان (الصنم) مرتبط بتمثال من حجر. كما يخطئ من يعتقد ان المشركين كانوا ينكرون وجود الله. كذلك يقع في الوهم من يتصور ان معركة الانبياء التاريخية كانت (تيولوجية) تمعن في الجدل النظري وتدور في حلقات نقاش حول مكان الله. ويخطيء من يظن ان الفرعون المذكور في القرآن هو (بيبي الثاني) الذي عاش في الألف الثانية قبل الميلاد. لو كان (التمثال) صنما لما عملت الجن لنبي الله (سليمان) عليه السلام محاريب و(تماثيل) وجفان كالجواب وقدور راسيات. وكان البدوي يتحدث بكل بساطة عن وجود الخالق: (ان البعرة لتدل على البعير وان الأثر ليدل على المسير. سماء ذات ابراج، وارض ذات فجاج، وبحار ذات امواج، ألا تدل على وجود اللطيف الخبير) واختصر القرآن ذلك فقال: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون). كما ان معركة التوحيد التي خاضها الانبياء في التاريخ لم تكن في السماء بل في الارض. لم تكن تيولوجية غيبية جدلية لفظية تستخدم ادوات (علم الكلام) بل كانت اجتماعية سياسية تدور حول السلطة والمال والنفوذ والمرجعية. ولذلك كانت طاحنة قاسية هدد فيها الانبياء بالرجم والهجر والاخراج، ودفع البعض منهم حياتهم ثمنا لذلك، وهمت كل امة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب. كذلك يمكن لأي مجتمع ان يتحول الى فرعوني بلبس مسوحه عندما يتشقق المجتمع الى طبقات ويتحول اهله شيعاً. انه لا يهم ان يكون الصنم من حجر او تمر او شعار أو حزب أو عائلة او طائفة او طبقة بل نظرتنا اليه. ونحن من نشحنه بالمعنى. والأهم من هذا (السدنة) الذين يقفون خلفه يوحون الى الجماهير زخرف القول غرورا انه يضر وينفع. ويضع ويرفع. ويعتقل ويطلق. ويمنح الوظائف ويمنع. ويغدق المال ويقتر في الرزق. ويستحق الرهبة. ويتوجب له التعظيم ومراسيم الزلفى ومواكب الكذب وخطابات التبجيل والتغني شعرا بأوصافه البهية. والتقدم اليه بالقرابين البشرية في الحروب عندما يأمر الزعيم الجيوش بالزحف للفتوحات. انها مشكلة اعتقال العقل بالوهم المبين. واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم. ان هذا هو الذي اختلط على (عدي بن حاتم) عندما جاء وهو (مسيحي) فدخل المسجد وصليب معلق في رقبته والرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ الآية (اتخذوا احبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله). ان عدي استفظع الموضوع كيف يتحول الحبر والراهب بضربة واحدة الى رب؟ فشرحه له صلى الله عليه وسلم: (انهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم). وعندما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رسله الى الارض طالب بـ(كلمة السواء) ان لا يتخذ الناس بعضهم بعضا اربابا. وهي ما وصلت اليه الديموقراطية اليوم اي ان يكون للجميع نفس الحقوق والواجبات في مجتمع افقي. ورأينا الرئيس الأمريكي (كلينتون) وهو يساق الى المحكمة للتأديب امام شاشات التلفزيون يراها المليارات من البشر. أو ترامب وهو يطرد من الكابيتول ومعه أربع جثث، انها ليست رواية عن العهد الراشدي والصحابة. انها واقعة رأيناها بأعيننا. ولكننا نبصر العالم بأعين الموتى. لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها. أين الأصنام اذاً هل هي حقا في افغانستان أم سوريا ولبنان ومصر وعبدان؟
اقرأ المزيد
ما هو الصنم؟ (1)، تشريح بنية الوثنية السياسية 
هل الصنم هو قطعة حجر أم هو فكرة؟ ولماذا أصر الأنبياء على مبدأ التوحيد؟ ثم ماهو التوحيد مقابل الصنم؟ ولماذا حدث ذلك النزاع في المجتمعات بين الوثنية وعبادة الله الواحد؟ وهل التوحيد هو موضوع نظري تيولوجي أم سياسي خطير؟ سوف نحاول تشريح هذه المشكلة العويصة؟   جاء في كتاب (الكامل في اللغة والأدب) للمبرد: (يروى أن واصل بن عطاء أقبل في رفقة فأحس الخوارج فقال واصل لأهل الرفقة: ان هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعوني واياهم وكانوا قد اشرفوا على العطب، فقالوا: شأنك. فخرج اليهم فقالوا ما انت واصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله ويعرفوا حدوده. فقالوا قد اجرناك. قال: فعلمونا. فجعلوا يعلمونه احكامهم وجعل يقول: قد قبلت انا ومن معي. قالوا فامضوا مصاحبين فانكم اخواننا. قال ليس ذلك لكم. قال الله تبارك وتعالى «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه» فأبلغوننا مأمننا. فنظر بعضهم الى بعض ثم قالوا: ذلك لكم فساروا بأجمعهم حتى بلغوا المأمن). ان هذه القصة تحكي اختلاط الالهي بالبشري والتشدد بالجهل والعنف بالمقدس. ومن معين الخوارج تستمد حركات (الاسلام السياسي) زخمها الحالي ولذا فان (أبو حمزة الخارجي) ينام اليوم مستريحة عظامه في قبره لأن مذهبه أعيد إحياؤه مرة اخرى بدون اسم الخوارج. ان حركة (الطالبان) مثلا تورطت في هذا الموضوع حين هدمت تماثيل بوذا ظنا منها أن الوثنية قطعة حجر؟  كما يشبه (النيهوم) في كتابه (محنة ثقافة مزورة) في لعبة (مصارعة ثيران) يؤدي فيها الغرب دور المصارع الرشيق صاحب السيف القاتل ويؤدي فيها داعش وأضرابهم (دور الثور الأخرق الذي يبدأ دوما بالهجوم لكي يموت بعد ذلك امام جمهور يصفق بحرارة، وهي صورة تعالجها وسائل الاعلام الرأسمالي بقليل من النزاهة، رغم المامها بتفاصيل الصورة الحقيقية في استعراض علني لمدى الدجل الذي يستطيع الاعلام الرأسمالي ان يذهب اليه قبل ان يعرف انه الدجال). ان من السهل ازعاج الاخرين ولا يحتاج كسر قلوب عشرين شخصا اكثر من عشرين اهانة في عشرين دقيقة. ولا حاجة لان تستعدي عليك العالم اكثر من التعرض لمقدساته ولكل امة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الامر وادع الى ربك انك لعلى هدى مستقيم. ولعل (صامويل هنتنجتون) صاحب نظرية (صدام الحضارات) يفرك يديه الآن فرحا وهو يرى (الطالبان) يتطوعون بتنفيذ المهمة مجانا بصدم العالم الاسلامي بالبوذي. وفي الوقت الذي يعيش الطالبان وداعش وأمثالهم خارج احداثيات التاريخ والجغرافيا ولا يعرفون ما هي المعاصرة فان مجلة (در شبيجل) الألمانية تنقل لنا انهم ليسوا أول من سن هذه السنة السيئة، بل حصلت حمى مجنونة في القرن السادس عشر على مستويين الاول قام فيه البروتستانت عام 1529 في سويسرا وهولندا والمانيا تحت شعار: ايها الصنم ان كنت الهاً كما تدعي فدافع عن نفسك، وان كنت بشراً فيجب ان تنزف دما بالتصفية الجسدية. ويعلق (بيتر يتسلر مدير المتحف التاريخي في (بيرن): هل كان ما فعلوه جنونا ام ارادة الله حقا؟ وختم كلامه (انه سؤال للضمير في اوربا المسيحية والعالم الاسلامي). والمهم ان اعظم التحف الاثرية في الشمال الاوربي تم نسفها نسفا بحيث يتحسر عليها الباحثون اليوم. وعاصر هذا المرض من التعصب الفيلسوف الانساني (ايراسموس) ووصف تلك النزعة التدميرية: (بانها تشبه تدمير طروادة في العصر القديم). واما التدمير الثاني وكان أشد هولا واعظم مساحة فكان لحضارات العالم القديم على يد عصابات من لصوص الإسبان حيث لا تعلم اوربا ماذا يحدث هناك. ووصف الفيلسوف والمؤرخ الألماني (اوسفالد شبنجلر) ما حدث بهذه الاسطر المأسوية: (فحضارة المايا لم تمت جوعا بل قتلت قتلا وهي في اوج ازدهارها، ودمرت كما تدمر زهرة عباد الشمس اذا ما قطع احد المارة تاجها. فكل دول الازتيك بما فيها من قوة عالمية، وموارد اضخم بكثير من الدول الاغريقية والرومانية في زمن هانيبال، ونظام مالي اعد بعناية، وتشريع بلغ درجة رفيعة من التطور، وانظمة ادارية لم يحلم بها حتى وزراء شارل الخامس، وثراء عريض في الآداب واللغات، ومدن عظمى ذات مجتمعات متأدبة ولامعة ذهنية لا يستطيع الغرب ان يقدم مجتمعا واحدا يضارع هاتيك... لم تندثر نتيجة لحرب يائسة بل جرفتها خلال سنوات قليلة عصابة ضئيلة العدد من اللصوص، ودمرتها تدميرا جعل الآثار التي خلفها بلهاء لا تحتفظ حتى بأي ذكرى عن تلك الحضارة. وهكذا ترانا اليوم لا نعرف اسم مدينة من تلك المدن. ولم تعف يد الدمار الا عن ثلاثة من كتبهم، لكنها كتب لم يتمكن احد حتى الآن من قراءتها. اما أشد مظاهر هذه المأساة ايلاما للنفس وترويعا لها كون هذا التدمير الساحق الماحق جاء وليد نزوات خاصة فاضت بها نفوس اولئك المغامرين. ولم يترام الى مسامع المانيا وفرنسا او انكلترا أي نبأ عما يدور في المكسيك. فعدد قليل من المدافع والبنادق بدأ هذه المأساة وأنهاها).
اقرأ المزيد
نهاية فرعون (2)
موسى الذي كان من العبيد. موسى الذي تلقيه أمه في اليم خوفا عليه من القتل. يتربى في قصر فرعون بعد أن تتشفع زوجته ويلقي الله في قلبها حبه. ثم يهرب إلى الصحراء فيتعلم خشونتها ويرعى الغنم والإبل. يعود صحراويا بعد أن كان من طبقة السادة في القصر الحاكم. تحدث بينه وبين فرعون مناقشة مثيرة. تدور حول نقطة واحدة أن فرعون بعد أن جاء جده من الجنوب وطرد الهكسوس اعتبر بنو إسرائيل الذين تكاثروا في هذه الفترة الممتدة ليسوا من الشعب المصري وهم عبيد يجب تطهير الأرض منهم، خاصة أنهم لايعبدون آمون ولا يعتقدون بأوزيس وأوزورويس ولا أنوبيس حامي العالم السفلي ولايرون في الإهرامات مفخرة لعبادة شخص، ولايرون أن الحاكم هو الله. هذه كلها يجب وضعها في الحساب. بل حتى ثورة أخناتون يجب فهمها من التأثر بهذه الرؤى الشرقية عن الله رب العالمين لاشريك له من اصنام بشرية وحية. فرعون هو الله الحي على الأرض، وهذه العقائد من التثليث ورفع البشر إلى مقام الله هي التي قال عنها القرآن يضاهؤون قول الذين من قبل حين قالوا أن المسيح هو الله وأن عزيرا هو ابن الله. فهذا التناقض العقدي وعدم التسامح أمام الاختلاف الفكري رأى الفراعنة أنهم يجب تحقيق الانسجام في المجتمع المصري بأسره طريقة ممكنة هي التطهير العرقي بالتخلص من بقايا يوسف. كما أشار إلى ذلك الرجل الذي اعترض على قتل موسى وسجل موقفه في سورة كاملة من القرآن وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا يقول ربي الله. ثم يتابع في خطبة طويلة تحتاج إلى تفكيك سيكولوجي اجتماعي أن يوسف جاءكم بالبينات حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يهلك الله كل متكبر جبار وكل مسرف كذاب. الخطة الفرعونية من أجل تطهير المجتمع من أي اختلاف تأسيسا لحكم شمولي كما في الممالك الشمولية على وجه الأرض من بورما وكوريا وسوريا وكوبا فالفروق كما نرى بين سوريا وكوريا هي حرف فقط فالسين للاستبداد والكاف للكفر. حفلة مرعبة قام بها فرعون وولد فيها موسى فنجا من المذبحة بطريقة مقلوبة تماما. قلت لزوجتي فهذه هي القصة باختصار عن مذبحة بني إسرائيل القديمة، ولماذا جاء موسى؟ وماكانت مهمته تحديدا من أجل إخراج شعب من قبضة العبودية إلى فضاء الحرية كما يحصل لشعوب كثيرة على وجه الأرض، ومنها الشعب السوري الذي اجتمعت عليه أحقاد التاريخ من قم وعبدان وهزارة أفغانستان ومرتزقة باكستان وجنود القوزاق من موسكو وأزبكستان. علقت زوجتي المغربية ولكن حين استرد المصريون على يد أحمس الأول مصر وهرب الهكسوس إلى الشمال لماذا لم يفر معهم بنو إسرائيل وهناك في الأفق احتمال أن يعتبرهم الفراعنة أنهم يمثلون الطابور الخامس للهكسوس، ومصطلح الطابور الخامس ولد مع الحرب الأهلية الإسبانية عن أولئك المنافقين الذي يتظاهرون بالتقوى وهم يتعاونون مع المحتل الخارجي أو القوى الاستبدادية كما هو الحال في سوريا من الشبيحة والبلطجية والزعران والحرافيش. السؤال حين رأى بنو إسرائيل الخطر يحدق بمستقبلهم لماذا لم يفروا إلى الشمال ويرجعوا إلى الأرض التي خرج منها أجدادهم كما سيفعل موسى بهم لاحقا؟ لماذا ؟ لماذا؟ ألم يكن من بينهم عقلاء أو من يرى سحب المستقبل القاتمة؟ الجواب هو مايحصل مع الكثير من أفراد وجماعات بتعبير القرآن: أثاقلتم إلى الأرض. أذكر من فيلم الهلوكوست أن النازيين كانوا يسوقون اليهود إلى الإعدامات والمقابر الجماعية وهم مازالوا على أمل أنه ولو بمقدار نانو جرام من الأمل أن يرحموا فلا يقتلوا؛ وطبعا هذا يذكر بالمقولة التي نقلت في السيرة عن حيي بن الخطاب، وهو يقول لمن حوله من اليهود في واقعة غدر بني قريظة أفي كل موطن لاتعقلون. أثاقلتم إلى الأرض تحدث على مستوى الأفراد والجماعات. بنو إسرائيل طابت لهم حياة مصر يأكلون من بقلها وبصلها وقثائها وثومعا وعدسها وبصله، بل إن رائحة الثوم والبصل بقيت في مناخرهم وهم يعبرون البحر إلى أرض الحرية ياموسى ادع لنا يخرج لنا من بصلها وثومها وعدسها وبصلها فيجيبهم اهبطوا مصرا فإن لكم ماسألتم وضربتم عليهم الذلة والمسكنة. كانوا شعبا قد تروض على العبودية ضمرت عنده الأجهزة النفسية ولم يعد صالحا للمهام التاريخية، وكان على موسى الأولى أن يدفنهم في الصحراء، في عملية استنساخ ليخرج من أصلابهم من يتحمل المسئولية ويؤدي المهمة، ويبحث عن رجل صالح على شاطيء البحر عسى أن يفهم الجديد من أسرار الحياة. يعلق رسول الرحمة ص على مواقف الأنبياء: يعلق على موسى: لو صبر لأخذنا مزيدا من الدروس. وعلى لوط وهو يصرخ بالمثليين المتراكمين من حوله اتقوا الله ولاتخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد؟ يطلبون منه أن يسلمهم الضيوف ليفعلوا بهم الفاحشة: يصرخ لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد؟ يعلق رسول الرحمة ص على موقفه لقد كان يأوي إلى ركن شديد: الله. لانعرف أيضا ماموقفه من يونس وهو يخرج مغاضبا يظن أن لن يقدر عليه، ونوح وهو يدعو أن لايترك على الأرض من الكافرين ديارا.
اقرأ المزيد
نهاية فرعون (1) 
كما كان اللقاء مخزيا لفرعون بالمباراة مع السحرة، كذلك كانت نهايته مثل أي طاغية. مع هذا فعلينا الاستدراك قليلا فهناك من الطغاة من انتهوا على الخازوق مثل القذافي، أوبالشنق مثل صدام، أو ضربا بالرصاص مثل شاوسسكو، أو بالاغتيال كما في السادات، وبالمقابل قد يموت على عربة حربية كما في الأسد الوحش الأب، أو مسيرة ملايين في جنازته مثل عبد الناصر الفاشل الأعظم في تاريخ العرب. وهناك نماذج مختلفة بين بين.  نحن نعرف أن شاوسيسكو كان في ضيافة ملالي أيرام قبل إعدامه بأربعة أيام ولما أخبروه أن أوربا الشرقية تتهاوى! قال نعم ولكن رومانيا شيء مختلف، وحين تتحول أشجار الصفصاف إلى أشجار تين يمكن أن يحدث في رومانيا ماحدث في بقية بلدان أوربا التي تتهاوي فيها العروش. والرجل كان معتمدا على مائة ألف من عناصر المخابرات (السيكوريتات) بأنفاق سرية تحت الأرض في العاصمة مجهزين بأفضل الأسلحة، وما حدث أنه أمر السيكوريتات بأن يجتمع الناس كما أمر فرعون من قبل بتعبير (وأن يشهد الناس لعلهم يتبعوا السحرة إن كانوا هم الغالبين). ومن أعجب ماحدث ورأيناه في تصوير حي مباشر أن الأطفال بدأوا يطلقون الصفير وأقبح الأصوات من الفم (السوريون يسمونها تعفيط) فانهدمت هيبته وهجمت الجماهير مثل الطوفان فما كان منه إلا أن فر بطائرة هيليكوبتر مجهزة ليوم الزلزلة ولكن تم لحاقه وإلقاء القبض عليه وزوجته إيلينا (كانت مغرمة بجمع شهادات الدكتوراة المزيفة من المعسكر الشرقي) وبمحاكمة سريعة تم قطع رأس الإفعى؟ وعلى العكس قد يموت صالحون بيد فاسدين كما في إعدام رئيس الجماعة الإسلامية في بنجلادش بأوامر امريكية لقيادة فاسدة، أو قتل مالكولكم أكس بيد أتباعه، أو حسن البنا بيد الملك فاروق أو غاندي بطلقة غادرة من هندوسي متعصب، أو مارتن لوثر كينج بطلقة السلامي في أمريكا من حاقد ومتآمر، وهذا يفتح الباب على أن الدنيا فيها ظلم وظلمات، وأن الآخرة هي دار لاظلم اليوم؛ فليطمئن المؤمنون. فتلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا  في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين. كان الموقف مزلزلا في إيمان السحرة، وهو أمر يحتاج إلى تفكيك نفسي عن انقلاب موقف الإنسان بل تغير موقف مجموعة من المتخصصين في إرهاب الناس كما قال القرآن: فاسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم. بل حتى موسى أصابه ذلك الخوف الداخلي حين رأى العصي والحبال تتحول إلى أفاعي تقفز هنا وهناك في وجه القوم. تاملوا التعبير (فأوجس في نفسه خيفة موسى) هنا جاءته شحنة روحية: لاتخف إنك أنت الأعلى. وفي المباراة تحدوا وقالوا ياموسى مارأيك هل تبدأ أنت أم نحن؟ كان التوجيه دعهم يجربوا حظهم فمن يضحك أخيرا يضحك كثيرا. حين ألقوا حبالهم وعصيهم نظروا إلى فرعون ضاحكين وقالوا بعزة فرعون نحن الغالبون. من الملفت للنظر أيضا أنهم قبل اللعبة أسروا النجوى وبدأوا يهمسون لبعضهم مارأيكم فيما يحدث. بالطبع بينهم عقلاء وبينهم جواسيس فرعون من يحرض ويخبر ويعطي المال؛ فحين حضورهم طلبوا المال. قال لهم فرعون المال مضمون هناك ما هو أهم النفوذ. قالوا إئنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين؟ قال نعم وإنكم لمن المقربين. ربما تلقي هذه الفقرة الضوء أيضا على سحرة الفراعنة في كل عهد؛ فمثلا مايسمى علماء الدين، ووعاظ السلاطين، وفقهاء العصر، ومفاتي الجمهوريات، ومشايخ المحميات، هم أيضا سحرة العصر الجديد، وموظفون في معظمهم، مأجورين بالراتب والهدية والأعطية السلطانية، وحين يقف الحسونة والبوطي وكفتارو بجنب الطاغية فهم سحرة العصر الجديد الذين يتمتعون بالامتيازات والنفوذ. كنت في حلب حين روى لي ساحر من هؤلاء، أنه يتصل بالمخابرات و(المعلم = رئيس الفرع) ويرتب ترويض خطباء المساجد أن يكونوا عناصر مباشرة وغير مباشرة لنظام الطاغية. من الغريب في سحرة فرعون الذين كانوا في الخدمة كيف انقلب السحر على الساحر، وأعلن السحرة إيمانهم على رؤوس الأشهاد، وحين هددهم فرعون بأشنع أنواع القتل؛ قالوا اقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، إنا آمنا برنا ليغفر لنا خطايانا، وما أكرهتنا عليه من السحر، والله خير وأبقى. هنا نحن أمام ظاهرة تستحق الوقوف أمامها، في انقلاب سريع ونوعي لموقف الإنسان، وأن لانزهد ولانيأس قط من انقلاب أي إنسان حين يواجه الحق أن يتحول إلى جانب الحق، وأن الإيمان أقوى من السحر وغلاب. وحين هرب موسى ومن معه لم يتجه صوب الساحل في الطريق الأقرب والأسهل ولكن باتجاه البحيرات الشرقية وصحراء سيناء شرق فرع الدلتا الدمياط. كانت هذه البحيرات التي يتوقعها الباحثون قبل الدخول إلى سيناء. وهي أول ماعبرها موسى بقومه، ولسوف يأتي اليوم الذي تحدد فيه رحلة العبور تماما، والطريق الفعلي الذي سلكه موسى القائد الرائع إلى أرض الحرية. وحين غرق فرعون فالجثة بقيت أياما في الماء فلا بد من أثر. وحسب (موريس بوكاي) الفرنساوي الذي أعلن إسلامه، يقول أنه درس جثة رمسيس الثاني وقاده بحثه إلى أنه هلك في الماء قبل أن يحنط. وقرأت البحث أنا شخصيا متأملا وكتابه عندي وبحثه عن الكتب المقدسة، ولكن أظن أن البحث يحتاج إلى المزيد من التتبعات، ولكن نهاية فرعون درس لكل فراعنة العالم، ولكن يبدو أن لافائدة فكل فرعون يظن أنه مختلف عن غيره. لقد خصص رب العزة بوابة خاصة في جهنم، لهؤلاء من الزعماء المؤلهين الكذابين؛ فوصف جهنم أن لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم.  
اقرأ المزيد
ورطة التسلح في الثورات
جاءتني هذه الرسالة من أخ فاضل في مونتريال كندا وهو من أفضل من اجتمعنا بهم في المهجر من مثقف مميز يشتغل على أبحاث في غاية الأهمية هي ماذا جرى بعد ابن خلدون؟ هل كانت رحلة التيتانيك إلى القاع أم أن الأمة كانت في رحلة صعود وهبوط وثمة لحظات متألقة في تاريخنا.  قال الرجل في رسالته: دكتور خالص أرجو أن تكون بخير وعافية في هذا الجو القاسي. لدي سؤال لحضرتك، أطال الله بعمركم ومتعكم بالصحة والعافية. ما هو الدافع الأساسي للإنسان للحياة؟ لماذا تكتب؟ لمن؟ وماذا تتأمل من ذلك؟ صراحة بعد المقتلة السورية لمدة عشر سنوات وجدت أن لا شيء تغير، لا في التفكير ولا في السلوك، ولا كأن شيئا قد حدث، كل كتابات الإصلاح والتغيير لم تنفع، ونصف قرن من كتابة حضرتك والشيخ جودت حول اللاعنف سقطت أمام أول رصاصة، لماذا نستمر في الكتابة والصراخ في هذه الصحراء؟ شاهدت فيلم همنغواي وهو يتحدث عن مشاركته في الحرب الأهلية الأسبانية، وكيف دُحرت القوات الديموقراطية والمتطوعين لنصرة الشعب الأسباني، وكيف انتصرت الفاشية، وأمسك فرانكو الحكم عاضا بأسنانه عليه، ودام هذا الوضع قريبا من أربعة عقود. دامت الحرب الأهلية الأسبانية ثلاث سنين (1936 ـ 1939) ومات فيها قريب من مليون إنسان، وجربت فيها أسلحة الحرب العالمية القادمة ولكن فرانكو بعد أن ذاق ماذاق من مرارة الحرب الأهلية لم يبق عنده متسع لا هو ولا أسبانيا لحرب جديدة ولذا اعتزل وبقي على الحياد في الحرب الكونية اللاحقة وكان عقلا منه وحكمة وهو العتل الزنيم. وماحصل في سوريا كان أطول من الحرب الكونية وهلك من الناس نسبة ومقدارا أكثر مما هلك من الأمم في الحرب الكونية، وهو يشهد سواء لأسبانيا أو سوريا أو الصومال ورواندا عن عبثية الحرب الأهلية وفظاعتها. وهكذا فالزمن يتدفق، والأقدار تتشكل، وفي النهاية يذهب الجفاء، وماينفع الناس يمكث في الأرض ويستمر خيرا وأبقى، ويذهب الطغاة إلى اللعنة وسوء الدار. وحاليا تتمتع أسبانيا بالديموقراطية ولاتذكر فرانكو إلا كما يذكر الطفل أيامه وهو يوسخ على نفسه، فيضحك أو يبكي سواء؛ فهي ضريبة عدم نضج الأمم، وفي القرآن قانون صارم أن الأمم تؤخذ بالعذاب فإما رجعت وأصلحت، وإما زيد من جرعة العذاب. فإن أصرت على نفس الخطأ هلكت، وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا. هذا القانون يتكرر في أكثر من موضع: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الكبر لعلهم يرجعون. روى لي صديقي سفيان في مدريد كيف أن بعض أفراد المعارضة بقي متخفيا أربعين سنة تحت الأرض خوفا من بطش الطاغية فرانكو. الوضع في سوريا يذكر بعملية المحافظة على فرانكو مع الفارق. أو حتى المحافظة على النازية (البعثية العبثية) وهتلر سوريا. أتذكر حينما دخلت ألمانيا للتخصص الطبي وللمرة الأولى والأخيرة رأيت (الشيف) رئيس القسم الجراحي (كارل توما) وكان عنصريا بغيصا رأيته فرحا بموت الطاغية فرانكو، وكان ذلك عام 1975م. أنا شخصيا زرت أسبانيا لاحقا وقد تحررتْ من الطاغية ووطأت بقدمي مكان قبره ومساعده الأيمن من الجبارين. ومن أعجب ما رأيت أن هذا الطاغية سخّر المعتقلين السياسيين لبناء أعلى صليب في العالم دليلا على تقواه وورعه. قصته تذكر بقصة مسجد الضرار الموجودة في آخر سورة التوبة حين يسخر المقدس لخدمة الحقارة. كان المسجد موطئا للتآمر فجاء نبي الرحمة فهدم المسجد على رؤوس الخونة ومزق ستار التقوى. هذا التلاعب بالمقدس يتكرر في أشكال شتى عبر التاريخ، ولعل رفع المصاحف على رؤوس الرماح كانت أفظع لعبة في تاريخنا، ومن جاء بها لم يكن أنزه الطرفين، وكانت النهاية من نتائج معركة صفين مدمرة حين أفرزت ثلاث اتجاهات شتى، كل يدعي وصلا بالحق المطلق، بين فريق انتهازي يؤمن بحكم القبيلة، وثاني يؤمن بحق العائلة المقدس، وثالث يرسم خطوط التاريخ بالدم، ومازال يتناسل وداعش هي نسخة مكررة عن هذا الفريق الثالث. كانت الكنيسة مع فرانكو في هذا المسعى لترسيخ العبودية، شاهدا على فعل الأديان المزيفة مع الشعوب المسحوقة. كانت الثورة ديموقرطية بانتخابات حرة وبطعم يساري واضح، وتجند الشيوعيون أيضا يومها لنصرتها منهم جماعة ستالين فاسأوا للثورة أكثر من نصرتها. نفس السيناريو حصل مع تسلح الثورة السورية وانزلاقها إلى الحرب الأهلية فتحولت الأرض السورية إلى ساحة حرب بين فصائل شتى، والتاريخ علمنا أن من تسلح احتاج إلى التمويل وتعني دولا تمنح مقابل أجندات معينة، وبذلك يموت الشهداء، وتسرق الثورات، وتسبح الأمم في الظلمات حتى حين. وهو السر خلف تحذير أرسطو قبل 2000 عاما من الثورات. ونقرأ أيضا في كتاب الكواكبي عن الشروط الثلاثية للتخلص من الطغيان من التدرج والسلمية وأن من انخرط في الفتنة يستبعد من التغيير الجديد. بيكاسو الرسام المشهور خلد لوحة غورنيكا حيث مسحت الطائرات الألمانية المدينة من علو، في التحام شيطاني بين فرانكو وهتلر الصاعد يومها، حين وقعت تفاحة السلطة في ألمانيا في يد الحزب الاشتراكي الوطني الألماني ماعرف لاحقا بالنازي (Nationalsozialistische Deutsche Arbeiterpartei)‏ NSDAP).). بعد مرور عشر سنوات على الثورة السورية نلاحظ سخرية الأقدار بالمحافظة على فرانكو سوريا وإعادة تصنيعه مع قتل مليون من الأنام وتشريد خمسة عشر مليونا. أو كأننا أمام دمار ألمانيا والمحافظة على هتلر على رأس النظام النازي. هل سيشهد الشعب السوري مأساة فرانكو لمدة ثلاثين أو أربعين سنة قادمة؟ قناعتي العميقة أن التاريخ يمشي بخطى تقدمية، وكما حصل لأسبانيا وغيرها من التخلص من الديكتاتوريات المقيتة إلى مزابل التاريخ مع اللعنة وسوء الدار فستكون العاقبة في النهاية للتقوى. وحاليا تنعم أسبانيا بالديموقراطية وتبادل السلطة السلمي، بل ومحاكمة الملك السابق بتهمة الفساد. مع أن الملك السابق هو الذي أجهض محاولة ضباط اشرار من جماعة فرانكو حين اقتحموا البرلمان الأسباني المنتخب بالغدارات والرصاص. وهو ماسيكون في سوريا المستقبلية، بل وسنشهد أفول الأصوليات في المنطقة بعد تجربتها الضارة سواء السنية أم الشيعية وآخر من شكله أزواج.  
اقرأ المزيد
حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2025  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram