- -

قوانين الحرب
في يوم 24 فبراير من عام 2022 تم اجتياح أوكرانيا من الجيش الروسي وتفرق الناس مزعا في التفسيرات، وجاء وقت لمعان الفضائيات المضللة أو تصريحات السياسيين الكذابين، ولأن لي فلسفة خاصة في الحرب فقد عكفت على صياغة حوالي خمس وعشرين قانونا معرفيا لفهم فلسفة الحرب. والحرب الأوكرانية لاتخرج عن هذا الإطار.  القانون الأول: الحرب يشنها واحد من ثلاثة: المتخلفون أو أشباه المتخلفين أو لتأديب المتخلفين. القانون الثاني: قد تغتصب امرأة ولكن لن تنال قلبها أو احترامها بل حقدها الدفين إلى يوم الانتقام. ومافعله بوطين في اغتصاب أوكرانيا لايخرج عن هذا القانون من عالم النفس إلى عالم السياسة.  القانون الثالث: الحرب يمكن أن تخوضها في أي وقت ولكن الخروج منها ليست في يدك ولا في كل وقت تريده. في الحرب الأهلية الأمريكية أحضر الجنرالات زوجاتهم للفرجة في ظنهم أنها مسألة ستة أيام فدامت ستة سنوات بكلفة 600 ألف قتيل. كذلك الحال مع الإمارات والسعودية وحربهم في اليمن ضد الحوثيين. القانون الرابع: تختصر الحرب هي في ثلاث كلمات: جريمة وجنون وإفلاس أخلاقي. القانون الخامس: لن يعطيك خصمك سلاحا تتفوق به عليه. وإن أعطاك فهو يستخدمك ضد آخرين للتجريب وأحيانا للخذلان كما في فئران التجارب. لنتذكر دبابات صدام T72 ومدى المدفعية مع دبابات ابرامز الأمريكية التي كانت أبعد مدى فاصطادت دبابات صدام مثل طيور الحجل. أو مد الأفغان بصواريخ ستينجر لصيد طائرات الروس وحرمان سوريا منها فنزلت فوق رؤوسهم كالحميم يصهر به مافي بطونهم والجلود من سبعين ألف برميل. القانون السادس: كانت الحرب فيما سبق سعيا وراء مغنم وكسب واليوم يقول الاستراتيجيون يجب تجنبها قبل أن نعلق في أوحالها. القانون السابع : كل من يخوض الحرب خاسر ماليا وقبلها أخلاقيا وما تجر من ويلات وآهات وآثام. القانون الثامن: الانفلات والتزحلق من الحرب التقليدية إلى الحرب الذرية وارد في كل لحظة مع الحماقة. القانون التاسع: الحرب العادلة تتطلب أربعة شروط حسب الجنرال البريطاني ديفيد فيشر في كتابه الحرب والأخلاق: قضية عادلة + نية حسنة + قوة مخولة + كآخر خيار. والقضية العادلة بدورها لها اربعة حقول: الإبادة الجماعية + التطهير العرقي + جرائم حرب + جرائم ضد الإنسانية. القانون العاشر: حين تنزلق الثورات إلى التسلح فالحرب الأهلية يصبح مصيرها بيد من يملك السلاح والتمويل، وقبلها مايريده هو لا أنت والثوار. القانون الحادي عشر: الحرب الذرية تعني نهاية الحضارة في ثلث ساعة، ولا أحد يريد الفناء؛ فأي بقعة على وجه الأرض يمكن الوصول إليها بالصواريخ المخبأة في المدافن الأرضية (SILO) تحمل الرؤوس الهيدروجينية المتعددة يكفي رأس منها لمسح عاصمة عالمية وما حوت. وحسب جورباتشوف الرئيس الروسي الأسبق أن غواصة نووية واحدة تحمل في بطنها من الطاقة النارية أكثر من كل النيران التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية. القانون الثاني عشر: حين تتسلح الثورات يمكن شراء الثورات والثوار بدراهم معدودة وطيران درجة أولى للمؤتمرات وفنادق سبعة نجوم لتتحول الثورة إلى ثروة المنافقين والعملاء. القانون الثالث عشر: جربت أوربا كل أنواع الحروب الدينية والقومية والعالمية لتعقل وتكف عن هذا الشر. هكذا ولد الاتحاد الأوربي بنصف مليار من الأنام، في بحيرة سلام، ولمع نجم اليور فوق الغمام. القانون الرابع عشر: الحرب هي كل الشر؛ لأنها تعتمد إفناء الآخر ومع ذلك يخوضها البشر حتى تضع الحرب أوزارها. ومنه صدق القرآن حين قال لأدم اهبطوا بعضكم لبعض عدو. مع هذا لم يقل كلكم لكل عدو كما في فلسفة (هوبز) الفيلسوف البريطاني الذي رأى الحل في الملكية المطلقة. القانون الخامس عشر : من أوقف نشوب الحرب العالمية الثالثة الوصول إلى سقف القوة فالكل على بوابة الجحيم خائفين خاشعين من الذل وأفئدتهم هواء. القانون السادس عشر: لن يوقف الحرب في العالم إلا بناء الدولة العالمية وبرلمان دولي تشترك فيه كل دول الأرض عنده قدرة تنفيذ القرارات، حينها  ندخل السلام الأبدي كما في تعبير الفيلسوف (ايمانويل كانط) في كتابه السلام الأبدي (Zum ewigen Frieden). القانون السابع عشر: (قانون جوليفر) تحولت الحرب مع التكنولوجيا إلى  إنسان جوليفر بمعنى العمالقة في أرض الأقزام! لنتصور أن رجلا يدب في مدينة طوله 150 مترا ووزنه 200 طن؟ هل يبقى بشرا سويا؟ وكذلك الحرب وضخامتها لم تعد حربا. كما أن المواجهة بالترس والرمح انتهت فقد يكبس جندي على زر يطلق قنبلة حرارية أقوى من هيروشيما بألف مرة؟ القانون الثامن عشر: نصيحتي للمتحمسين تذكر قول الشاعر العربي الذي وصف الحرب على الشكل التالي:
أول ماتــــــــكون الحرب فتية   تســــعى بزينتها لكل جهول حتى إذا حميت وشب ضرامها  غدت عجوزا غير ذات خليل شمطاء جزت شعرها  وتنكرت  مكروهة للشــــــــم والتقبيل
في الحرب يخسر الإنسان فرديته وحريته واستقلاله وقراره ليتحول إلى قطعة لحم في مجموعة تقتل على الأوامر. والمشكلة هي في ورطة البشر في بناء الدولة المركزية، حيث يتحكم في القرار حلقة ضيقة من القادة ومساعديهم، وهي ورطة وقع في شباكها الجنس البشري منذ ستة آلاف سنة.  لايعرف فظاعات الحرب وأهوالها إلا من ذاقها وتبقى للآخرين في الورق والفيديو والصور الميتة مع الموتى فلا تسمع لهم ركزا. في جبهة السوم في الحرب العالمية الأولى خسر 1265000 جندي حياتهم من البريطانيين والفرنسيين والألمان موعظة للغافلين وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. في حرب الثلاثين سنة في أوربا (1618 ـ 1648) قتل على الأرض الألمانية سبعة ملايين من الناس وعدد السكان 21 مليون ودمر ثمانين ألف قرية ومدينة وأكل الناس الجرذان ولحوم المشنوقين. في معركة كربلاء 5 قتل 65000 شاب عراقي وإيراني وفي حملة الإنفال من أوصل رقم من قتل من الأكراد إلى 180000 ألف ضحية هذا غير المفقودين والمعطوبين والمشلولين. ثمة خطة عند أمريكا لمسح 12500 موقع ومدينة في روسيا إذا وقت الواقعة. في الحرب الكورية طلب الجنرال مك آرثر من الرئيس ترومان 17 قنبلة ذرية لمسح الكوريين والصين فطلب منه الاستقالة. في قصة ولدي آدم من قتل خسر وأصبح من النادمين، وكذلك سيكون مصير أبو البوطين بعد أن يجر أذيال الخيبة من الوحل الأوكراني، وقد يأتي من انقراض أجله  تحرير السوريين المظلومين بعد انقضاء أجل الطاغية أبو البوطين.  
اقرأ المزيد
مصير الحرب .. إلى أين ؟ (3) 
يقول غورباتشوف (( الحرب النووية لايمكن أن تكون وسيلة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وإيديولوجية أو أي أهداف أخرى وتكتسب هذه الخلاصة في الحقيقة طابعاً ثورياً كونها تعني قطعاً نهائياً مع التصورات التقليدية حول الحرب والسلام ، فالوظيفة السياسية للحرب كان تبريرها عقلانياً أما الحرب النووية فهي عقيمة وغير عقلانية ففي النزاع النووي لن يكون هناك رابحون وخاسرون لإن الحضارة العالمية سوف تفنى فالنزاع النووي ليس حرباً بالمفهوم التقليدي بل هو انتحار )) ( 9 ) وانتبه الرئيس الأمريكي ( آيزنهاور ) إلى هذا التحول النوعي منذ عام 1956 م فأشار إلى أن الخيار المفتوح أمام الجنس البشري هو بين الموت والحوار وبأن عصر التسلح قد ولى ؟!   وإذا كان العالم قد وصل إلى هذه المرحلة في ضوء هذه البانوراما فلماذا تحدث الحروب التقليدية هنا وهناك في البوسنة وراوندا ، في اذربيجان والشيشان ؟؟ سألت زوجة الدكتور كامل بشغف لتسمع الإجابة فكل الشرح السابق لم يعطها برد اليقين . إن هذا يتطلب إلقاء الضوء في زاوية جديدة مختلفة عن المسار الذي شرحناه وقدمناه . وهي تشمل الباقة الزهرية الفكرية التالية من حديقة الفكر : ( 1 ) تقول الفكرة الأولى : إن العالم الذي نعيش فيه قد تحول إلى شريحتين متميزتين ، الشريحة الأولى مضت في الشوط حتى منتهاه ، وطورت كل الأسلحة التي تخطر على البال ولاتخطر ، فوصلت إلى هذه الحقيقة التي قررها الرئيس الأمريكي ( آيزنهاور ) أي أنه لاسبيل إلى حل المشاكل عن طريق القوة المسلحة ، وفض النزاعات عن طريق الحروب ، ولذا توقفت عن استعمال القوة فيما بين بعضها بعضاً ، وهكذا اقتربت فرنسا وألمانيا مع كل العداوات التاريخية القديمة ، وتشكلت الوحدة الأوربية التي يزداد أعضاؤها كل يوم ، بحيث تتحول البحيرة الأوربية مع كل يوم إلى بحيرة سلام ، وأرض تفيض عسلاً ولبناً . والشريحة الثانية التي لم تدرك طبيعة التحول النوعي الذي دخله العالم بتطليق القوة ثلاثاً لارجعة فيها ، فهو وإن كان يعيش بيولوجياً في نهاية القرن العشرين ولكنه مازال يعيش عقلياً في القرن التاسع عشر ، فهي شريحة منتسبة إلى العهد العتيق ؛ عصر الغابة والهراوة والسيف والترس وامتداداتها من سبطانة المدفع أو التلمظ لـ ( صنم ) السامري الجديد ، سلاح شمشون الجبار ، القنبلة النووية ، التي يفككها من بدأ بصناعتها ، ويندم على مليارات الدولارات التي أنفقها في إنتاجها ، ويعلم علم اليقين أنها سلاحاً ليس للاستخدام ، فهي صنم السامري الذي له خوار ( فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار ) ولكنه لايضر ولاينفع ولايملك موتا ولاحياة ولانشورا ، ولو كان للاستعمال لاستخدمته أمريكا في أشد الظروف حلكة ً ، في حرب فيتنام وكوريا وسواه . ( 2 ) وتقول الفكرة الثانية : إن عيوننا ترى العجيب والمتناقض الآن فهناك تياران في العالم ، الأول يرمي بالسلاح ويتخلص منه ، بعد أن شعر أنه صنم لايضر ولاينفع ، وبدأ  يكتشف أن أعظم سلاح هو الانسان الجديد المسلح بالعلم والسلم ، فهما الجناحان اللذان سوف يطير بهما إلى عالم المستقبل ، وتيار يكدس السلاح ويشتريه الليل والنهار ، بل والمضحك أكثر ، أن الفريق الأول يفكك السلاح الاستراتيجي فلايبيعه ، ويبيع السلاح السخيف ، فيقبض عليه أموالا وفيرة ، وهكذا أنفق العالم العربي في تكديس السلاح السخيف ودفع ( مليون مليون = تريليون ) دولار في مدى العشرين سنة المنصرمة ومازال ، كل ذلك بسبب هذه العمى التاريخي عن المتحولات الخطيرة في صيرورة التاريخ ووقع أحداثه . ( 3 ) وتقول الفكرة الثالثة : إن هذه اللعبة العجائبية والمسلية ، يدركها أساطين السياسة ، ودهاة التخطيط الاستراتيجي في العالم الغربي علم اليقين ، ولكنهم يحاولون المحافظة على هذا الوضع إلى أبعد مدى وأكبر وقت ممكن ، لقناعتهم الراسخة أنه في الوقت الذي يبطل فيه سحرهم سيخسرون امتيازاتهم ، ويتراجع مركزهم في العالم ، ليزيحوا المكان لقوى عالمية جديدة . ولذلك فإنهم يحافظون بل ويشعلون الحروب هنا وهناك ، لقناعتهم الكاملة أنها كلها حرائق مسيطر عليها وأماكن تجربة لحصر القوى الجديدة أن تبقى بعيداً عن الفهم الجديد ، ولذا فكل الحروب التي تشتعل هنا وهناك ، يجب أن نعلم أنها ليست تحت سيطرتنا ، بل تحت سيطرتهم ، وحتى عندما نبدأها فنهايتها ومصيرها ليست بأيدينا بل بأيديهم ، فهم ينصرون من يرون أن من مصلحتهم نصره ، ويخذلون من يرون في خذلانه فائدة لهم ، وإذا أرادوا أن يمدوا في حرب قرابة عقد من السنين لتصبح أطول من الحرب العالمية الثانية فلا حرج ،  كي تجري فيها جنباً إلى جنب مصالحهم ودماء الآخرين ، واللعبة هي بين خبث الذكي وبلادة الغبي ، ولكن الملام الأكبر هو نحن المغفلين ، ( 4 ) وتقول الفكرة الرابعة : طالما هم الذين ( يدركون ) و ( يستطيعون ) فلماذا لايطفؤون الحرائق ، أو لايشعلونها على الأقل ، وجواب هذا هو أن العالم الذي نعيش فيه كما وصفه المؤرخ البريطاني توينبي يعيش حالة فراق بين العلم والقيم ، فالعلم شق الطريق إلى السلم ، كما فعلت التكنولوجيا الجديدة من ربط الناس وسرعة الاتصال وتطوير الأجهزة ، ولكن الذي حصل هو أن السياسيين مازالوا لم يقفزوا نفس القفزة النوعية التي قفزها العلم ، فهم مازالوا يريدون وضع  الطاقة الجديدة في القربة القديمة ،، فمسلمة ( كلاوسفيتز ) القديمة في فن الحرب ، من أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل جدبدة ، قد طواها الزمن وأكلها العث ، ولكنها مازالت حية في أذهان الكثيرين الذين لم يعوا التحول الجديد . ومن هنا فإن المفكرين والفلاسفة يسبقون عصرهم ويتركون آثاراً بعيدة ، فلايظهر أثرهم إلا قليلاً في عصرهم الذي عاشوه ، فابن رشد مازال يعيش في ذاكرة التاريخ في الحين الذي لانذكر الحاكم أو الدولة التي كان يعيش فيها .
اقرأ المزيد
مصير الحرب .. إلى أين ؟ (2) 
إن الحرب هي التجلي الأعظم لإلغاء الإنسان أخيه الإنسان ، فعندما يختلف اثنان هناك طريقان لاثالث لهما لحل المشكلة القائمة بينهما ، إما محاولة التفاهم بحيث يغير الآخر موقفه من تلقاء نفسه وبقناعته الخاصة ، وإما باستخدام أساليب ( الاكراه ) للآخر بصور شتى لاتنتهي ، فالعنف يبدأ من الكلمة وينتهي بالرصاصة ، وأشكال السلوك العنيفة لاتنتهي من رفع الصوت وحدة النظر والتوتر والانفعال والتآمر والكراهية والغضب والحقد والخبث والضرب والأذية ، وتتوج في النهاية بالإلغاء الكامل والتصفية الجسدية ، فالحرب هي الصورة النهائية والتجلي الختامي لحذف الآخر الذي لانعترف بوجوده ، نحذفه من الوجود بالسكين والمسدس والقذيفة والسلاح النووي والكيمياوي؟! فهذه هي فلسفة الحرب وجذر العدوان .  الحرب قديمة قدم الإنسان والحضارة ، وتشكلت كخطأ ( كروموسومي ) مع بداية تشكل المجتمع الإنساني ، فمع الحضارة ولدت الدولة ونشأت المؤسسة العسكرية الذكورية ، ومع ولادة التخصصات في المجتمع وتطور التقانة نبتت العلوم العسكرية والتكنولوجيا الحربية ، وبتعانق هذا الثالوث المشؤوم ( المؤسسة + العلوم + التكنولوجيا ) ولدت الحرب من رحم العنف ؛ صغيرة ضعيفة لتكبر وتنمو بأشد من السرطان والغيلان ، بل إن مجتمعات بكاملها تحولت لفترة طويلة أو قصيرة إلى مجتمعات عسكرية بالكامل كما حدث مع مجتمع ( اسبرطة ) القديم والذي أصبح مضرب مثل السوء ، مقابل مجتمع ( أثينا ) مركز العلم والفلسفة والفنون . ومع تطور آلة الحرب وعلوم استخدامها ، وضخامة المؤسسة العسكرية واستفحالها وتغول الدولة ، تفجرت الحروب والصدامات كتحصيل حاصل وكنتيجة حتمية ، وكلها تحت ستار ( الدفاع ) عن النفس المشروع ، أو أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع ، وبآلية الاستعداد المزدوج للدفاع يتشكل برميل البارود الذي لايحتاج لأكثر من عود ثقاب كي يتفجر ، فكانت الحرب كما وصفها ( غاستون بوتول ) بنت الحضارة وقاتلتها بنفس الوقت فالحروب قررت مصير العديد من الدول والامبراطوريات فارتفعت لتسقط بعد حين وبنفس الآلية . ومرت دورات الحرب لتفرز أسلحة جديدة تنفع سواء في الصدم أو الوقاية أو الحركة ، وهكذا طور الآشوريون العربة الحربية ، واستخدم هانيبال الفيلة ، وطور الاسكندر نظام الفالانكس ببراعة ، واستخدم الرومان نظام اللجيون بدقة وتفوق ، وفتح الاتراك القسطنطينية بالمدفع الجبار ، وحول كل من جنكيزخان وهتلر جيوشه إلى فرق محمولة سواء بالخيالة أو البانزر ( الدبابات ) ، ومع دخول النيران سقطت القلاع والحصون ، وبتطوير المدفع الرشاش هزم الانكليز دولة التعايشي خليفة المهدي في السودان ، كما حصد الرشاش أرواح مايزيد عن ستين ألفاً من خيرة الجنود البريطانيين في الحرب العالمية الأولى وفي 12 ساعة فقط ( معركة السوم ) ، ثم حصل التحول النوعي عندما انتشر الفطر النووي فوق سماء هيروشيما معلناً وصول الإنسان إلى سقف القوة ، ممتلكاً هذه المرة سلاحاً ليس كالأسلحة ، فهذه المرة وضع يده ودفعة واحدة على الوقود النووي وأصبح مصير الجنس البشري برمته مهددا بالفناء ، فمع تطوير الجيل الثاني من السلاح النووي ( القنابل الحرارية النووية الالتحامية من عيار الميجاطن ) أصبح بالإمكان مسح عاصمة دولة عظمى تضم 20 مليون نسمة ؟؟؟!! وتحويل سطح الأرض في النهاية إلى مايشبه سطح القمر بدون شجر أو مدر ، وتحويل الكرة الأرضية إلى جمهورية من الأعشاب والصراصير والعقارب ربما ؟!  . تعتبر الحرب حسب تعريف المعهد الفرنسي لعلم الحرب أنها كارثة ذات ( 18 ) ثماني عشر وجه فهي : (( هيمنة وتأكيد مبدأ المانوية وعدم الاعتراف بالغير بل وإنكار وجوده واندلاع العنف وغياب الحق والمخاطرة بحياة الإنسان وتدمير الثروات المتنوعة وتكريس جميع النشاطات للمجابهات الدموية وأفضلية اللامعقول على المعقول والمطلق على النسبي في إطار عقلي شمولي ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة والفوضى واشتداد الأزمات والدم والعرق والدموع واللقاء الحتمي مع الموت وانقطاع أحمق يبرهن على فشل العقل والقلب )). مع كل صورة ( التنين ) ذو الألسنة النارية الثمانية عشر هذه كما تتكلم الأساطير ، فإن الإنسان يخطط لها ويبرمج ، ويسعى لها ويحفد ، يتدرب ويستعد ، فالثكنات العسكرية كلها للتدريب على قتل الإنسان أخيه الإنسان ، والأسلحة المرهفة الثاقبة والمفجرة قد أعدت بعناية فائقة لنسف الإنسان وتقطيعه ؟؟!! لعل أخطر مرضين أصيب بهما الجنس البشري هما ( الرق ) و ( الحرب ) فالحرب كانت تفرز الرقيق ، والرق كان ( الآلة القديمة ) فعضلات الإنسان كانت هي الآلة المستخدمة في حرث الأرض وحصد المحاصيل وتربية الحيوان والنقل وماشابه ، وبدخول الإنسان عالم الصناعة كان إلغاء الرق محصلة طبيعية ، فلولم يُلغ الرق قانوناً لألغته الآلة عملياً ، فاختراع الإنسان الآلة وفر الجهد البشري ، فكان تحرير الرق تابعاً لهذا التطور النوعي ، وبنفس هذه الآلية يزحف الإنسان ببطء إلى إلغاء المرض الثاني ( الحرب ) وكل توابعها وتأثيراتها على الإدارة والعلوم والفنون . وهذا التطور الجديد يحتاج بالتالي إلى فكر جديد فلم تعد أوعية الفكر وأساليبها العتيقة مناسبة للعصر النووي ، فلابد من استراتيجية فكرية مناسبة للتطور العلمي الجديد .
اقرأ المزيد
مصير الحرب .. إلى أين ؟ (1) 
مع كتابة هذه الأسطر يمسك العالم أنفاسه على احتمال حرب بين روسيا وأوكرانيا مما دفعني إلى وضع بانوراما عن حماقة الحروب وانها ثلاث: جنون وجريمة وإفلاس أخلاقي. وقد يستغرب القاريء لو قلت له : إن زمن الحرب قد ولَّى وأننا نطأ بأقدامنا عتبة ( عالم السلام ) ونحقق علم الله القديم فينا وسيعتبرني بعضهم مسرفاً في التفاؤل أو غير واقعي بل قد يرى البعض أنني أتكلم ضد التاريخ وأحداث العالم !! نعم قد يختلط هذا الأمر على كثير من الناس وهم يسمعون طبول الحرب ويرون فرقعات السلاح في أرجاء المعمورة ، ولكن الغوص الصبور والتأمل الفاحص في بطن الواقع ، سيكشف الغطاء عن بصيرتنا ؛ أن هذه المظاهر هامشية وجانبية أمام زخم التدفق العام لحركة التاريخ ، فهذه الفرقعات هي بقايا فلول جيش منهزم أومحتضر في سكرات الموت ، فالعالم أصبح الآن وكأن رأسه في عالم السلام وقدماه ملوثتان في برك الدم وهو يخرج منها ، فدماغه مع العهد الجديد ، وأطرافه مازالت في العهد القديم ، وعدم تصديق هذا التحول النوعي الجديد يأتي من عدم حضور العالم و ( شهود ) مايحدث فيه ، والكهنة ( الجدد ) للعالم الصناعي يدركون تماماً أن سحرهم قد بطل وأن أصنام القوة لاتضر ولاتنفع ، ولكنهم يحاولون احتكار الامتيازات في العالم الجديد حتى الرمق الأخير . مازلت أتذكر الدكتور كامل رأسه متألماً على وضع مدينة ( جروزني ) وبوطين يحولها إلى أنقاض ويتصاعد منها رائحة البارود وتسقط في بركة دم . وعقبت زوجته قائلة : يحق لهم أن يدافعوا عن أنفسهم ؛ فالروس سمحوا باستقلال الكثير من الجمهوريات فلماذا يحرمون منها الشيشان؟ صديقنا بوطين كان رئيس قسم الستازي بعشرين ألف غرفت تنصت على مواطني ألمانيا الشرقية. إن صورة الدمار والحروب في بؤر التوتر والنزاع تشوش البانوراما ( الصورة الشمولية ) التي رسمناها عن مصير الحرب وزوال المؤسسة العسكرية ، فماذا نقول عن مذابح راوندا والبوسنة ؟ وصراع اذربيجان والأرمن ؟ والحرب الأهلية في الصومال وأفغانستان ؟ بل ماذا نقول أمام شهادة ( ويل ديورانت ) وهو المؤرخ الحجة في التاريخ الذي يقول في آخر كتاب صدر له : (( الحرب أحد ثوابت التاريخ لم تتناقص مع الحضارة والديموقراطية فمن بين السنوات الحادية والعشرين بعد الثلاثة آلاف والاربعمائة سنة الأخيرة ( 3421 ) من التاريخ المسجل لاتوجد سوى ( 268 ) سنة بغير حرب)) فعلى حساب ديورانت المذكور يصبح تاريخ الجنس البشري في غاية الظلام والإحباط ، لإنه مع كل دورة ( 14 ) أربع عشرة عاماً في التاريخ تلطخت ( 13 ) ثلاثة عشر عاماً منها بالدم الإنساني وسكت منجل ( عزرائيل ) ملك الموت سنة واحدة فقط ؟! فإذا أخذنا هذه الصورة القاتمة لم تكن الوحيدة من مآسي التاريخ المروعة ، وجعبة التاريخ مليئة من مثل تدمير حضارة الازتيك في المكسيك على النحو الذي رسمه ( تزفيتان تودوروف ) في كتابه ( فتح أمريكا مسألة الآخر ) ( 3 ) حيث كشف النقاب بعد مرور خمس قرون ومن خلال استنطاق نفس النصوص التاريخية للغزاة الاسبان ( المبشر لاس كاساس ) عن إبادة ( 80 ) ثمانين مليون من أصل ( 100 مائة ) مليون نسمة كانوا يعيشون في الأمريكيتين ، تم إبادة معظمهم على يد الاسبان والبرتغاليين . أم ماذا نقول عن حصار قرطاجنة وذبح معظم سكانها على يد الرومان عام 164 قبل الميلاد وحمل ماتبقى منهم عبيداً إلى ساحات المجالدين لتسلية الرومان المتخمين ، أم ماذا نتكلم عن تراجيديا شعب ( الوبيخ ) من شعوب شمال قفقاسيا المجاورة لمنطقة الشيشان الحالية ، الذي لم ينقل إلينا خبره إلا رجل واحد فقط ، سجل النهاية المروعة لذوبان أمة بأكملها في قصة ( آخر الراحلين ) بحيث تنقل لنا بوضوح مآساة شعوب شمال قفقاسيا في منتصف القرن التاسع عشر ، بنزوحهم عن موطنهم  الأصلي وتفرقهم في تركيا والأردن وسوريا ومصر هذه القصة من قصص التراجيديا التي لاتقترب منها قصص التراجيديا العالمية بشيء ، لاقصة البؤساء أو قصة عاصفة وقلب ( 6 ) لــ ( فيكتور هوجو ) ، لاقصة ماجدولين للمنفلوطي ، أو قصص ديستوفسكي وتولستوي ، لإنها رواية شعب يفنى بكامله فلايبقى حتى من يقص خبر اختفاءه من سطح الأرض ، إنها ليست قصة عاطفية ومأساة فردية ، بل هي مصير أمة ونهاية شعب بالكامل ، إنها قصة يصاب من يقرؤها بالصدمة ولايتركها إلا وقد بكى مرات ومرات ..  وروعتها أنها ليست قصة من تأليف الخيال ، بل هي مأساة واقعية حدثت بالفعل ، عن تاريخ الإنسان الوحش وبطشه بأخيه الإنسان .. إلى درجة أن البعض فكر أنه من الأفضل للانسان أن يهرب من المجتمع ويرجع إلى الغابة التي خرج منها مرة أخرى ، فثعابين الغابة ووحوشها أرحم من بطش الانسان وظلمه ... ويروي لنا القرآن قصة فتية الكهف الذين هربوا إلى الجبال ولجأوا إلى الكهوف ، لإنهم توقعوا شر ميتة فيما لو عادوا إلى قومهم ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ) كله بسبب الخلاف في الرأي ، حتى ضنوا بالكلب أن يعيش في ذلك المجتمع ، فمجتمع من هذا النوع ليس فيه الضمانات حتى للحيوان ؟! ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعبا ) ولاغرابة في هذا الكلام فالمجتمع الإسلامي لاتموت فيه القطط جوعا والكلاب هرسا بدواليب السيارات ، بل يغفر الله لمن سقى كلباً عطشاناً ودخلت النار امرأة أجاعت قطة حتى الموت  . ولكن صبراً فهذه ليست القصة ولاكامل الجرعة ، فلابد من تملي الصورة جيداً ورؤية التاريخ الإنساني في ضوء جديد ... والسؤال الكبير والمحير والذي اجتهد الفلاسفة والمفكرون في تحليله هو لماذا الحرب ؟ كيف يقتل الإنسان أخيه الإنسان ؟ كيف نشأت الحرب وتطورت ؟ أين نشأت وماهي ظروف تكوينها الجنينية ؟ وماهي جذور العنف والحرب عموماً ؟ ثم إلى أين وصلت اليوم ؟ وماهو مصيرها في المستقبل ؟  
اقرأ المزيد
سبينوزا ورسالته في تحسين الفهم 
في أول كتابه (رسالة في تحسين العقل) يذهب الفيلسوف (باروخ سبينوزا) أن الناس يركضون بأشد من ضباح الخيل، وتهافت الفراش على النار، على ثلاث مصادر، أنها أكيدة، ويقينية، ومضمونة، لسعادة لا تعرف النفاد هي: (المال ـ الشهرة ـ الشهوة). ولكنها لا تزيد عن سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء . ثم يمضي فيلسوف التنوير في شرح الأفكار الثلاثة. أن الشهوة مرض والمال يزول والشهرة تتكسر فأين إذن السعادة الدائمة والشاملة الغامرة؟ وما كتب الرجل في حياته لم تتجاوز أربعة كتب، ومات عن عمر 42 سنة، منفوثا بالسل، بعد طعنة سكين في رقبته من المتعصبين، أنه يريد إثبات عدم وجود الله ؟ والرجل كان تقيا نقيا زاهدا، عميق التصوف، بحراً في الفلسفة، قال عنه ديورانت: أن نابليون، كان أنفع له من كل الفتوحات العسكرية، لو ألف أو قرأ طرفا مما كتب الرجل، ولكن العسكريين في العادة، في جلّهم، مغامرين متهورين، ضحلي الثقافة، عظيمي التأثير في حياة الناس، بكل أسف . فهذه هي سخرية التاريخ. وكلفت سبينوزا أفكاره أن يُلعن كل من اقترب منه أربعة أذرع، أو أكل معه، أو شرب، أو نام معه تحت سقف واحد، أو قدم له يد المعونة في دواء وغذاء. ولكن كتاباته تبقى محطة لكل من ارتاد مغامرات العقل الإنساني عبر العصور. وفي مطلع البحث يقول أن السعادة يجب أن تحقق ثلاث أمور: أن تكون أكيدة (حقيقية) غامرة، بهيجة، تقلب الحياة قلبا، وتضعها باتجاه على سكة، تاركة بصماتها على التصرفات؛ فالسعادة نور داخلي قبل كل شيء. وان تكون (مستمرة) متدفقة لا تعرف التوقف والكبح والمحدودية. وأن تكون (شاملة) تغطي الحياة وما حوت، والمشاعر وما أخفت. وبالطبع فإن سعادة من هذا النوع لا يصل إليها إلا ثلة من الأولين وقليل من الآخرين؛ ويسميها علم النفس الحديث (تحقيق الذات Self actualization)؛ فالنفس تبقى في توتر ثلاثي، قبل الهدوء والراحة؛ فتنتقل كما يقول الغزالي في كتابه (معارج القدس في مدارج معرفة النفس)، من النفس (الأمّارة بالسوء)، إلى (النفس اللوامة)، إلى (النفس المطمئنة)، التي تدخل الجنة قبل دخولها . يقول سبينوزا يظن البعض أن الثروة تخلق السعادة، وهي جزء من الحقيقة، وليست كل الحقيقة، فنحن في الدنيا نركب زورقا باتجاه هدف، وحاجات الحياة لا بد منها، ولكن هناك من يريد البقاء في الزورق، أو بناء قصر فوق قنطرة يعبرها، كما يقول بوذا، وكل الألم يأتي من عدم إدراك هذه الحقيقة، والعمى فيها  يضيع لب التنوير. ويلتقي هنا مع الحديث الذي يقول: ما لي وللدنيا إنما أنا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها. فليس أغنى من (كريستينا) بنت (أوناسيس) إمبراطور ناقلات البترول اليوناني (Tycoon)، الذي تزوج (جاكلين كيندي)، وجعلها تنفق كل نهار، خمسين ألف دولار لشراء الملابس علها تشبع؟ فلم تشبع ؟ وماتت ابنته (كريستينا) وريثة ثروته، التي فاقت ثروة قارون انتحارا وقهرا وغماً. وجربت أكثر من زيجة ففشلت، وطردت ذكور النحل من حياتها، المتراكمين حولها من أجل ثروتها، وانتفخت بالسمنة والملل فلم يغن عنها شيئا، وماتت في أبأس حال. وفي يناير من عام 2010 م أعلن عن موت (كيسي جونسون) حفيدة إمبراطور الشركة الدوائية، وابنة الرجل الذي اشترى نادي نيويورك بـ 630 مليون دولار، وتقول الفتاة قبل موتها ليس من ثمة تعاسة أعظم من ملك ثروة ليس لها نفاد. والقرآن يقول ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر. وهكذا فلو كان المال (شرفا) لكان قارون سيد الأنبياء، فخسف الله به وبداره الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله، وما كان منتصرا. ويظن البعض أن (الشهرة) سبب للسعادة، ولو كان ذلك صحيحا، لكانت (مارلين مونرو) الممثلة الأمريكية، الشهيرة  الجميلة، صاحبة الحسن والدلال والإغراء،  سيدة السعداء، ولكنها أنهت حياتها بالانتحار ؟! ولو كان (النفوذ) سببا للسعادة لما أنهى وزير المالية الفرنسي (فوكيه) زمن الملك لويس الرابع عشر، الملقب بملك الشمس، حياته في زنزانة انفرادية، في جبال الألب. أو العديد من الوزراء، والمسئولين الكبار، وهم يرتعدون فرقا كل حياتهم في المنصب، وخارج المنصب !. ويروى عن (نيكيتا خروتشوف) أن ما أبقى رأسه فوق كتفيه، أنه تحول إلى (مهرج) في حفلات ستالين، فكان الطاغية يصب على رأسه  الفودكا، ويضحك ملء شدقيه . ويظن البعض أن (اللذة) هي السعادة، ومنه دعا الفيلسوف اليوناني (أبيقور) إلى اغتراف اللذات في الحياة، وينقل عنه قوله، عندما يحضر الموت فلن نكون موجودين، فلم الخوف من زائر مرعب لن نتلاقى معا؟ ومن أثينا خرج الفلاسفة (الكلبيون)، الذين دعوا الناس من أجل الراحة أن يقلدوا أخلاق الكلاب. وهي ليست مزحة؟ وأكبر نموذج في اغتراف اللذات، شاعر الجاهلية (طرفة بن العبد) و(عمر الخيام) اللذين رأيا في الحياة، تلك الفترة القصيرة، التي هي أقصر،  من أن نقصرها بالترهات، فيجب ملء كأسها بالملذات دهاقا. ولكن الملذات (مشكلة) من جهتين؛ فالإفراط في تعاطي الكحول، يقود لتشمع الكبد، والإفراط في الجنس، يقود إلى الأمراض التناسلية، أو البرود الجنسي عكس مقصوده. وأعظم اللذات تحققا، عندما تأتي في وضع الإشباع؛ سواء الماء مع شدة العطش، أو الطعام مع فرط الجوع، أو الاتصال الجنسي بحرمان مناسب. ويرى عالم النفس البريطاني (هدفيلد) أنه لابد من التفريق بين ثلاث: السرور والسعادة واللذة؛ فاللذة هي ممارسة الغريزة بدون بعد أخلاقي، وهو أمر نشترك فيه مع الحيوانات. أما السرور فهو ممارسة متعة الغريزة، ضمن إطارها المعنوي الأخلاقي. ولكن السعادة هي عملية التوازن في إشباع الغرائز، وهو يصل بكلامه هذا إلى فتح علمي؛ فيمكن لفلاحة أو بدوية تعيش في خيمة، أن تكون في سعادة يحسدها عليها أكبر مسئول في أكبر وزارة، لا ينقصه المال والخدم والحشم والنفوذ والشهرة. وكرسي الحكم أعظم لذة، فهو كرسي الإعدام، لا ينجو منه في العادة أحد، تفوق حلاوته  كل لذة، خاصة في إمبراطوريات الدول الثورية.
اقرأ المزيد
آباء ومؤسسي الطب هيبوكراتيس وجالينوس 
هناك من يخلط بين (أبوقراط) و(جالينوس) وأسماؤهم باللغة اللاتينية كما جاءت أعلاه، وأبو قراط يعني باللغة اليونانية ماسك الخيل، وعاش  أبوقراط في القرن الخامس قبل الميلاد (460 ـ 380) ق.م، أما جالينوس فقد عاش في القرن الثاني بعد الميلاد (129 ـ 199 م)، وهذا يعني أن قرونا متطاولة تفرق بين الرجلين، ويتحدث (ابن أبي أصيبعة) الدمشقي في كتابه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) عن أبي قراط في أول مجلده الضخم فيغطيه في 19 صفحة، أما كتاب (الكرونيك) الألماني وهي سلسلة كتب تغطي حقولا معرفية شتى ومنها الطب فتعرض الفن بكامله على شكل تدرج زمني فتكلمت عن أبي قراط بشكل مختلف قليلا عن ابن أبي أصيبعة، على الدقة الألمانية المعهودة، ومن أعجب الأمور أن ما تعلمناه في الطب عن قسم أبي قراط ليس هو الذي صاغه بل من بعده ونسبه إليه، وهناك مجموعة من الكتب بلغت ستين كتاباً عن أبي قراط ولكن لم يكتب منها الرجل إلا أقل القليل ويذكر ابن أبي أصيبعة حوالي الثلاثين منها، ومن هذه الكتب: (كتاب الأجنة) و(أوجاع النساء) و(الأمراض الحادة) و(قوانين في نفس الطبيب) وهو كتاب الفصول و(طبيعة الإنسان) و(الغذاء) و(حانوت الطبيب)  وكتاب (الكسر والجبر) وكتاب (ناموس الطب) و(الوصية) واحتفظ لنفسه مثل السر بكتاب يذكر خمس وعشرون علامة دالة على الموت قيل أنها عرفت لاحقا عنه واستخرجت من قبره. ومما يبدو من تاريخ حياته ومماته انه عاصر سقراط ونقل عنه أفلاطون، فسقراط كما نعلم أعدم عام 399 قبل الميلاد حينما كان أبو قراط في عمر 41 سنة. عاش الرجل في مدينة كوس وطاف وتعلم ثم استقر في مدينة لاريسا وهي مدينة أثرية اليوم في جزيرة تركية ليس فيها إلا الأطلال فسبحان الباقي الحي، وترك الرجل ولدين هما (دراكون) و(تيسالوس) وزعم ابن أبي أصيبعة أنه ترك ابنة أيضاً هي (مالانا أرسا) وكلهم أصبح طبيبا وطوروا مدرسته عبر التاريخ مع صهر له يدعى (بوليبوس). وأبو قراط اعتبر أن هناك وحدة إمراضية بين الطبيعة والإنسان فيجب النظر لكل عناصر مسببات المرض من تغير المناخ وطبيعة الجغرافيا والفلك، وهي أمور صحيحة فالأنفلونزا  وخثرات الأوعية الدموية تشتد في البرد، وضخامة الغدة الدرقية تنمو في المناطق التي تفتقر عنصر اليود في الطعام. وأبوقراط كان يرى أن الطبيب فيلسوف وبالعكس فهو يتعامل مع الكون الأصغر، وهو ما دفعني أن أكتب كتابا بعنوان حوار الطب والفلسفة، واقترحت أكثر من مرة على من ينظم المؤتمرات الطبية إدخال كلمات من هذا النوع في جدول اللقاء بدون فائدة، لأن الأطباء اليوم مهنيين غارقين في ثقب أسود من الاختصاص، وأبو قراط هو من طور فكرة المشفى السريري واسمه باللغة اليونانية (أخسندوكين) كما هو في اللغة الفارسية (البيمارستان) فهي مكونة من كلمتين بيما وتعني بالفارسية وستان البيت، كما هو الحال في اللغة الألمانية (كرانكن هاوس) والكرنك هو المريض وجمعه مرضى كرانكن والهاوس المنزل فكان معناه بيت المرضى، وأهم ما فعله أبو قراط أنه أرسى قواعد الطب المنهجي والعلاج وفهم آليات حدوث المرض بطريقة تجريبية، حتى جاء جالينوس فطور الطب على نحو جديد ولكنه أعاق تقدمه بأيديولوجية سيطرت على السوق الطبية ألفي عام، حتى كسرها الطب الحديث، ومما يذكر المؤرخ الأمريكي (ويل ديورانت) عن عام 1543 أنه كان عام العجائب لأن ثلاث فتوحات معرفية حدثت فيه: كوبرنيكوس في قلب فهم حركة الأرض ودوران الشمس، وماجلان في خريطة الأرض، والثالث فيساليوس المشرح والطبيب الذي شرح جسم الإنسان للمرة الأولى، أما جالينوس فقد اعتمد تشريح جسم الخنزير، لأن العصر الذي كان يعيش فيه لم يسمح له بأكثر من هذا فوقع في أخطاء فاحشة، مثل أن الرحم عند المرأة مكون من سبع حجرات، والسبب هو نقل تشريح الخنزير وتطبيقه على جسم ابن آدم، وهذا قياس مع الفارق كما يقول المناطقة. ومما ينقل من الحكم عن أبو قراط قوله: (إن الطب أشرف الصنائع كلها) و(ينبغي لمن أراد تعلم الطب أن يكون ذا طبيعة جيدة وحرص شديد ورغبة تامة) و(ينبغي على الطبيب أن يكون مشاركا للعليل مشفقا عليه حافظاً للأسرار) و(ينبغي أن يكون محتملا للشتيمة) وهي قضية اكتشفتها من القرآن فيجب تحمل المريض وأهله تحت قوله تعالى (ليس على المريض حرج). ويصف أبو قراط لباس الطبيب أن يكون: (ثيابه بيضاء نقية لينة) وينقل (ابن جلجل) من أخلاقه السمحة أن (أفليمون) كان يدعي الفراسة من رؤية صورة المرء فلما عرضوا عليه صورة أبو قراط قال هذا رجل يحب الزنا قيل له يا معلم ولكن هذا أبو قراط؟ ولم يكن اجتمع به قال إني شديد الفراسة فانقلوا له كلامي، فلما وصله قال: صدق أفليمون فأنا رجل أحب الزنا ولكني أملك نفسي؟ ومن حكمه التي قالها: (إنما نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل) و(الأمن مع الفقر خير من الغنى مع الخوف) و(العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما يبلغك قليله إلى كثيره). ووصفه (المبشر بن فاتك) في كتابه (مختار الحكم ومحاسن الكلم) أنه كان "ربعة أبيض حسن الصورة عظيم الهامة بطيء الحركة إذا التفت التفت بكليته، كثير الإطراق، مصيبا، متأنيا في كلامه، يكرره على سامعه، كثير الصوم قليل الأكل، بيده دوما إما مبضع أو مرود (للكحل)" ولم يخدم أبوقراط ملكا لزيادة ماله، وفلسفته تقوم على المال الضروري وحسب، فهو خير خادم وشر سيد، وحينما طلبه طاغية الفرس في مرض ألم به مع عرض مالي سخي رفض قائلاً: (لست أبدل الفضيلة بالمال). وحين عالج ملك مقدونيا انصرف في فترة إقامته يعالج فقراء المنطقة. ومات الرجل بالفالج وقال حينما دنت منيته(خذوا عني جامع العلم: من كثر نومه ولانت طبيعته ونديت جلدته طال عمره) وهي أمور صحيحة في العرف الطبي من راحة البال والغذاء الجيد وعدم التعرض للجفاف. وأخيرا ودع تاركاً خلفه ذكرا في العالمين ومدرسة تعتمد التجريب والنظر إلى المريض، وأن الطبيب يجب أن يبحث عن سبب العلة ليس عند الآلهة بل في جسم المريض. ومن الغريب أن صاحب كتاب المائة الأعظم في التاريخ (مايكل هاردت) الفلكي الأمريكي لم يضع كلا الرجلين جالينوس أو أبو قراط بين العظماء مع أن الرجلين أسسا الطب في العصر القديم.  
اقرأ المزيد
هل يمكن تعليم الكمبيوتر النطق؟ (2) 
كشفت الأبحاث التي ظهرت في معالجة مرضى الصرع في المركز العالمي في بون في ألمانيا كشفت أن مراكز النطق والفهم تحتل خارطة تشمل نصف الدماغ الأيسر بكامله وهي من التنوع أكثر من وجوه البشر. كما أن بإمكانها الانتقال إلى نصف الدماغ الأيمن عند الأطفال في الإصابات اليسرى للدماغ.   والذي أوصل لهذه الحقيقة كارثة حدثت في معالجة المريضة (كاثرين برونز) التي خضعت للجراحة بسبب صرع معند وتم استئصال المكان المسئول عن نوبات التشنج الصرعية في مكان بعيد نسبيا عن مراكز الكلام، وتبين أن مركز الكلام عندها في مكان العلة، وبمجرد استيقاظها من التخدير شعرت أنها تفهم ما يقال لها ولكنها تدور حول الكلمة لنطقها فلا تستطيع، مع أن الكلمة في مرمى الوعي وهو المعروف طبيا (بالحبسة الحركية Aphasia) أي قدرة الفهم بدون القدرة على النطق. وهذه الكارثة فتحت الباب لفهم أعمق لمراكز النطق والكلام عند البشر، حيث يقوم علماء مركز الصرع العالمي في بون من ألمانيا بفتح الجمجمة ثم زرع شرائح كمبيوترية موصولة بأسلاك كهربية للخارج ثم يجرى تحفيز المنطقة لتحديد مناطق اللغة تماما. وبعد ذلك يتم التداخل جراحيا لتهدئة حالات الصرع جراحيا تلك التي لم تستجب بالأدوية. وهو يذكر بالعمل الرائد الذي قام به الكندي (وايلدر بنفيلد) في جامعة مونتريال لمدة خمسين سنة بدراسة جغرافيا المخ على أدمغة ألف شخص في حالة اليقظة ليصل في نهاية أبحاثه التي ظهرت بعنوان (لغز الدماغ Mystery of Mind)  أن كل شيء له مكانه إلا الإرادة الإنسانية فليس لها مكان. وأن الروح لا تفنى بتحلل الدماغ. وكما يقول (فرانسيس بيكون) أن الإنسان عندما يبدأ باليقينيات ينتهي بالشك. ولكنه عندما يبدأ بالشك فإنه ينتهي باليقين. وهو الذي حصل للدكتور بنفيلد فبدأ بالإلحاد لينتهي بالإيمان. كذلك يقوم (تيم كرو Tim Crow) من جامعة أكسفورد بدراسة ظاهرة محيرة في علم (الجينات) وعلاقتها باللغة، حيث لاحظ أن هناك طفرة في بعض جينات الكروموسوم  الذكري أدت إلى ظهور معجزة (النطق) عند الإنسان. وفي عام 2001 م استطاع فريق بريطاني هما (سيمون فيشر + انتوني موناكو Simon Fisher& Anthony Monaco) يعملان في بيولوجيا الجزيئات من جامعة أكسفورد أن يعثرا على جين مسئول عن النطق في (الكروموسوم السابع  7 ) وكان ذلك بواسطة قصة  غريبة لعائلة تعيش في جنوب لندن آثروا أن يحتفظوا باسمها سريا تحت لقب (العائلة KE) وهي قصة غير مفهومة تماماً، فالجدة تنطق هذرا بكلام غير مفهوم. ومن أبنائها الخمسة يعاني أربعة منهم من نفس المتلازمة الطبية لا يكادون يفقهون قولا. ومن أصل 24 حفيدا يعاني عشرة منهم من نفس الاستعصاء اللغوي فإذا تحدثوا لم يفهم أحدهم الآخر. وكأنهم في بابل الذين بلبل الله ألسنتهم كما جاء في العهد القديم. ومن خلال البحث الجيني الوراثي عثر عندهم على خلل جيني أعطوه اسم (FOX P2) وهو ما جعل اللغوي الأمريكي (ستيفن بينكر) يقول بمفهوم (غريزة اللغة lANGUAGEINSTINCT. ولقد حاول فريق علمي في جامعة جيورجيا في تدريب القرد (بنوبو كانزي) ولفترة سنوات في رفع مستوى استيعابه فوصل إلى مستوى 250 رمزا ولم يجاوزها في سقف يطوق قدره. أما نظام اللغة عند الإنسان فهو سماء بدون سقف كما وصفه (بيتر فارب) في كتابه (بنو الإنسان)  أنه نظام (مفتوح) و(سهل) و(مختصر) و(اصطلاحي) و(ناقل للمعلومات) و(ثنائي) فالفرق كبير بين دار وضار وبين قلب وكلب وبين كفر وفكر؟ ليس هذا فقط بل أن الكلام ينقلب ليصبح بلاغة كما يعرفها أهل الفن:" أن المجاز أبلغ من الحقيقة وان الاستعارة أبلغ من التصريح وأن الكناية أبلغ من الإفصاح؟ مع هذا فقد جاءت مفاجأة من علم الجينات أن الجين (FOXP2) موجود في الفئران والقرود كما هو موجود عند الإنسان، مما جعلهم يستعينون بالمشهور (سفينتي بيبو svante paabo) أول مكتشف لتقنية (أحافير الجينات Paleogenetic) من المومياء. فقام بالدراسة المقارنة للجين المذكور ليعثر على فروق في تركيب البروتينات وهو ما يذكر بالفروق بين إنسولين البشر والخنازير بفارق حمضين أمينيين. وحسب (سفينتو بيبي) فإن (جين) اللغة ليس مفردا بل هو (سقالة) تشمل تركيبا معقدا مترابطا من الجينات. وهذا يتطلب البحث بين مليارات الجينات. إذا علمنا أن نواة كل خلية تحوي ثلاث مليارات حمض نووي في كود وراثي يضم أكثر من  40 ألف جين. كذلك مما لاحظه الفريق العلمي على أفراد العائلة (KE) أن من اختلط لسانه طاش رشده وتراجع ذكاءه. فهناك علاقة وثيقة بين (اللغة) (والذكاء) فمن احتد ذكاءه انصقل لسانه ومن انطفأ عقله انعقل لسانه. والأفكار تختنق باختناق الكلمات. وكما تقول اللغوية (انجيلا فريدريشي) من جامعة لا يبزج في ألمانيا أن اللغة هي:"الأداة الحاسمة للوعي وهي بنفس الوقت الآلة الأهم للذكاء"  مع هذا فليس كل ذكي حكيم. وليس كل تصرف رشيد. وأخوف ما يخاف المرء من كل منافق عليم اللسان. يحكى أن يابانياً من محاربي الساموراي أراد أن يتحدى أحد الرهبان ليشرح له مفهوم الجنة والنار. لكن الراهب أجابه بنبرة احتقار: أنت تافه ومغفل أنا لن أضيع وقتي مع أمثالك. أهان الراهب شرف الساموراي الذي اندفع في موجة من الغضب فسحب سيفه من غمده وهو يقول سأقتلك لوقاحتك. أجابه الراهب في هدوء: هذا تماماً هو الجحيم. هدأ الساموراي وقد روعته الحقيقة التي أشار إليها الراهب حول موجة الغضب التي سيطرت عليه. فأعاد السيف إلى غمده وانحنى للراهب شاكراً له نفاد بصيرته. فقال له الراهب: وهذه هي الجنة.
اقرأ المزيد
هل يمكن تعليم الكمبيوتر النطق؟ (1) 
كان للتجربة التي تقدم بها (لوك ستيل Luc Steels)  رئيس مخبر سوني لعلم الكمبيوتر في باريس وقع الصاعقة حينما حاول أن يعيد تقليد تطور اللغة عبر ملايين السنين بسرعة فلكية عبر الذكاء الصناعي فغذى الروبوتات بالكلام ليرى هل يمكن تشكيل اللغة صناعياً؟ ومما أتذكر من (عنبر) صاحب كتاب جدلية الحرف أنه حاول الوصول إلى اللغة وكيف نشأت فخرج بنظرية تقول أن الإنسان قلد أصوات الطبيعة، ويقول أن السر هو في أي كلمة هي في عقدة وسطها فكلمة رج وجر هما من نفس النسق وتعني الأضداد؛ فكل كلمة تحمل ضدها، وحين مضى في التفسير تعثر وهو متوقع، أيضا حصل نفس الشيء للشحرور الشامي حين كتب كتابه القرآن والكتاب ذهب فلعب بالكلمات مثل حاوي السيرك فأخرج من القبعات السوداء أرانب بيضاء، وهكذا فكل كلمة تعني كل شيء أو لاتعني شيئا. ولكن المحاولة العلمية بين أيدينا هي نسق جديد لفهم اللغة واستخدامها، وهكذا ذهب صاحبنا (لو ستيل) فشحن الكمبيوترات بحروف شتى وحرضها لتتبادل الحديث مع بعض باستخدام أي كلام (واو سي .. دو .. وا ..باكو). شحنها بواسطة أدوات بسيطة من الذكاء الصناعي مثل (منظم الصوت ـ الذاكرة ـ وبرنامج لمعرفة النماذج) ولكنه حرم الكمبيوترات من أي معلومات أساسية من علوم النحو والصرف والبلاغة وامتدادها،  وترك الآلات تهرج وتمرج وتتخاطب كما تشاء ليرى هل تتعلم اللغة لوحدها؟ وللغرابة فقد فعلت ذلك. عرض ستيل نتائجه في مؤتمر حول تطور اللغة في جامعة هارفارد النخبوية، حسب رواية مجلة در شبيجل الألمانية (العدد43 \ 2002م) التي نقلت هذه الواقعة المثيرة، وعلق الأنثروبولوجي (كريس نايت Chris Knight) على عمله بقوله: "لقد صعق الحضور مثل القنبلة" وهذا يعني أن الكلام تم توليده بطريقة الديجتال؟ وما فعلته هذه الآلات الخرساء أنها تفاهمت على كلمات محددة بدأت بتردادها فيما بين بعضها البعض، كما بدأت بتشكيل قواعد نحوية خاصة بها. ومع الوقت بدأت الأجهزة بتبادل الكلام وبدأ قاموس التعامل يتضخم بدون توقف. وهذه الواقعة تذكرني بالأخ (محمد جللي) الذي عمل مدرسا للصم في منطقة القصيم من السعودية أن الصم إذا اجتمعوا من أي ملة ونحلة يبدأون في تشكيل لغة خاصة بهم بدون لغة منطوقة بل لغة الإشارات. والشيء الذي قادت إليه التجربة المثيرة مع (علب الكمبيوتر) هذه أن اللغة كائن حي وحسب (لوك ستيل) فاللغة يمكن " أن تنظم نفسها اجتماعياً وتنتشر مثل وباء الفيروسات. وما يحاول العلماء فك لغزه اليوم هو: كم يبلغ تعقيد عمل اللغة في الدماغ؟ بعد أن تبين أن هناك العديد من فرق أوكسترا اللغة تعمل. وبتعبير عالم الألسنيات (ديرك بيكرتون Derek Bickerton) فإن نشاط النورونات غريب فهي تكافح ضد بعض البعض بحيث تقفز الأفكار بدون توجيه منا، وما يقفز إلى السطح هو المسيطر وتختفي بقية الأفكار، أي أن الدماغ مثل موج المحيط التي تحركها الرياح وهي عوامل كثيرة يصعب ضبطها.وهذا يشرح القاعدة المادية للوعي واللاوعي. وهذه الفكرة أعرفها تماما حيث تصعد إلى السطح أفكار فجائية بدون مقدمات وأتعجب من ظهورها وأظن أن هذا يحدث لأي واحد منا وفي كل لحظة فالدماغ كيان عجيب. وحين كنت أقرأ البارحة من سورة الكهف عن موسى وهو من أولي العزم من الرسل كيف التقى برجل مجهول ليتعلم منه دروسا في الحكمة كان أبرزها ثلاثا ولعلها قواعد الحياة الأساسية: تحمل الضرر الأصغر مقابل عدم الوقوع في ضرب أكبر منه، والثاني من الأنفع أن لايولد أناس بعينهم وهذا يحكي أثر الأفراد في صناعة التاريخ، والثالث القيام بالعمل الصالح حتى لقوم فاسدين؛ فلربما كان من بينهم أناس سيستفيدون ولو بعد حين: القصص الثلاث في ثقب سفينة كانت مستهدفة من حاكم ظالم فنجت مع الثقب، والثاني قتل طفل سينتهي بكارثة اجتماعية كما في البراميلي في سوريا وستالين في روسيا وبول بوت في كمبوديا، والثالث هو في إصلاح جدار لأن تحته كنز سوف يستفيد منه أولاد الميت بعد عشرات السنوات مع أن القرية طردتهم بدون ضيافة! والرجل (لوك ستيل) قام بدراساته اللغوية لسنوات عديدة في جامعة هاواي على المهاجرين وتبين له أن الكبار يعجزون عن التفاهم في الوقت الذي يخترع الأطفال لغة تفاهم خاصة بهم. والسبب يعود في هذا حسب رأيه إلى قاعدة بيولوجية في تركيب الدماغ وأن أصل اللغة هو في التركيب العصبي للدماغ. ومثلاً  فقد كان المظنون أن منطقة (بروكا) و(فيرنيكيه) في الدماغ الأيسر ثابتة تشريحياً، والأولى هي لإنتاج الكلام وتوجد بجانب الفص الجداري المسئول عن الحركة. أما منطقة (فيرنيكيه) المختصة بتفسير وفهم الكلام المسموع فهي بجانب الفص الصدغي المسئول عن الحس. ولكن الأبحاث التي ظهرت في معالجة مرضى الصرع في المركز العالمي في بون في ألمانيا كشفت أن مراكز النطق والفهم تحتل خارطة تشمل نصف الدماغ الأيسر بكامله وهي من التنوع أكثر من وجوه البشر. كما أن بإمكانها الانتقال إلى نصف الدماغ الأيمن عند الأطفال في الإصابات اليسرى للدماغ.  
اقرأ المزيد
كمبيوتر المستقبل (2)  الدماغ الكوانتي (Quantenbrain) 
حين احتشد 7700 عالم في أعظم تظاهرة علمية في برلين على مشروع بناء الحاسوب الأعظم فبعد عام 2020 م سيقف الكمبيوتر الحالي عند عتبة من انهيار قوانين الفيزياء  وفي عام 1925 وضع هايزنبرغ المعادلات الرياضية التي تحكم عالم الذرة السفلي، ليضع لاحقاً (إيرفين شرودنجر) معادلته التي تفسر الضوء على شكلين جزئيات وأمواج، ولكنه اعترض بطريقة ساخرة على مفهوم الاحتمال بقصة (القطة الحية الميتة) المحبوسة في حيز، والمعزولة عن العالم، والمهددة بانكسار زجاجة سم، من مطرقة مربوطة بتحلل ذرات يمكن أن تتحلل ويمكن أن لا تتحلل؟ فمع قانون اللايقين لهايزنبرغ القطة  ميتة وحية بنفس الوقت فهل يعقل هذا؟ ولكن المسألة كما يقول (نديم الجسر) في كتابه (قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن) أن نفرق بين (التعقل) و(التصور) وهذا الذي حدث مع تلك الليلة الخالدة لهايزنبرغ؛ فالرجل اشتعل دماغه لفهم القوانين السفلية التي تحكم عالم الذرة، ولكن المعادلات الرياضية قادته إلى أغرب التصورات، وهي نقض كامل لكل الفكر الفلسفي المعروف، فبدأت الصدفة تلعب دورها في العالم، وانتهى الواقع الموضوعي فلم يعد وجود للحقيقة المطلقة، ولم يعد المراقب صاحب الدور المحوري، وهو الشيء الذي انتهى إلى وصفه بشكل جميل (روبرت آغروس) و(جورج ستانسيو) في كتابهما (قصة العلم) الذي ترجم إلى اللغة العربية في سلسلة عالم المعرفة بعنوان (العلم في منظوره الجديد) ، أن الفيزياء القديمة انتهت وأن مفاهيم مثل (الزمن المطلق) و(المكان المطلق) و(حيادية المراقب) للتجربة  أصبحت من مخلفات الماضي، فأي مراقب يدخل إلى أي تجربة يحدث من التأثير ما يغير نتائج التجربة، وبذلك انتهت الحيادية والموضوعية (Objectivity) واليقين، ومثل أن الشيء يمكن أن يكون في مكانين في نفس الوقت، وهي الفكرة التي ينادي بها (ديفيد دويتش David Deutsch) البريطاني من (أوكسفورد) عن عوالم موازية لا نهائية (Multiversum) تخضع لنفس القوانين التي نعيشها، ويبرهن عليها بغرابة سلوك الضوء حين نسلطه من ثقبين ثم نقرب بينهما ليتحولا من بقع إلى موجات متكسرة، وحسب نظريته فيمكن للديناصورات في عالم آخر أن تتابع حياتها بدون انقراض من ضربة مذنب، وكان أول من تقدم عام 1985م بفكرة كمبيوتر الكوانتوم، حيث يستبدل شرائح السيلسيوم بالذرات التي تشبه العوالم الموازية اللانهائية، ويمكن بواسطتها إجراء عمليات حسابية من (تعشيق) خمسين ذرة ما هو أكثر من كل جزيئات الكون التي تبلغ عشر قوة 83، التي سوف تقودنا في المستقبل إلى إنتاج الحاسوب الأعظم، وفكرته حول العوالم هي نفس الفكرة التي قالها العالم الياباني (آو أي) في تفسيره لحوادث مثلث الموت في جنوب بحر اليابان الذي يبتلع السفن باستمرار، وهو موازي لنفس خط عرض مثلث برمودا في الأطلسي. من أنها تنتقل من عالم إلى عالم كما في انتقال الصورة إلى موجات كهرطيسية. وهذه النتائج الفلسفية في عالم الكوانتوم هدمت الفكر الفلسفي القديم برمته، وفتحت الطريق لكل الإنجازات الإلكترونية الحديثة ومن هنا تأتي أهميته، ففي عام 1947م استطاع اثنان من مهندسي شركة (بيل Bell) في أمريكا استنادا إلى مفاهيم الكوانتوم أن يلحما أول ترانزستور، ومنه تم اختراع كل الآلة المعاصرة في المصانع والأسلحة والاستخدامات الميدانية، من الطيران حتى الغسالة والكمبيوتر، فكلها في داخلها شرائح كمبيوترية هي الدماغ الكوانتي الجديد. والقليل من يدرك أو تابع تطور الكمبيوتر؛ ففي عام 1971م ولد أول كمبيوتر في أحشاءه 2300 ترانزستور وكان يومها الفتح المبين، ولكن كمبيوتر (البنتيوم 4 Pentium ) من عام 2000 م مقارنة بكمبيوتر (انتيلIntel) يومها يضم 42 مليون ترانزستور؟! وتبلغ مساحة الرقيقة الكمبيوترية 0,18 ميكرومتر مقارنة بعام 1971م 10 ميكرومتر، أي أن الكمبيوتر زادت طاقته حوالي ألفي مرة، وانخفضت مساحة رقائقه مائة مرة، وهذه الأرقام سوف تصل عام 2020 م إلى الحاجز الفيزيائي الذي سوف تنكسر عنده العتبة كما حدث مع عتبة البوسفور بارتفاع مستوى مياه بحر مرمرة مع ذوبان عصر الجليد قبل 7500 سنة فحدث طوفان نوح، حيث سيحوي الكمبيوتر حسب قانون (مور Moore) الذي وضعه (جوردون مور) عام 1965 م أن الترانزستورات تتضاعف قوتها كل 18 شهرا، وهذا سيوصلها إلى الحافة التي تعجز فيها عن المتابعة لولادة كمبيوترات نوعية جديدة، تشبه الانتقال من عصر النار إلى عصر الطاقة النووية، باستخدام الطاقة الكمومية العجيبة في الذرات التي تنطلق فيها الطاقة إلى ما لم يخطر على قلب بشر، واجتماع ألف ذرة في الكمبيوتر الكوانتي سوف يفوق بطاقته ما تعجز عنه كل كمبيتورات العالم مجتمعة. وهي تذكر بقصة الحكيم والسلطان، فبعد أن عالجه من مرض عضال قال له الملك أريد أن أكافئك فاطلب؟ قال هو أمر بسيط. انظر إلى لوحة الشطرنج وطلبي حبة قمح في الخانة الأولى تضاعف مع كل خانة 48 مرة. أمر الملك بصرف حبوب القمح له، ولكن الخازن هرع إلى الملك ليقول إن حبوب العالم كله لن تكفيه يا مولاي. وذرات الكمبيوتر الكوانتي ستفعل نفس الشيء في الأعوام القادمات.  
اقرأ المزيد
كمبيوتر المستقبل (1)  الدماغ الكوانتي (Quantenbrain)  
حين احتشد 7700 عالم في أعظم تظاهرة علمية في برلين على مشروع بناء الحاسوب الأعظم فبعد عام 2020 م سيقف الكمبيوتر الحالي عند عتبة من انهيار قوانين الفيزياء  في ربيع عام 1925م أصيب (فيرنر هايزنبرغ Werner Heisenberg) المحاضر في جامعة (جوتنجن) بنوبة شديدة من الحساسية فهرع إلى جزيرة (هليجولاند) في بحر الشمال للعلاج. وهي جزيرة مواجهة لمدينة (فليهلمسهافن) حيث كنت أتخصص في الطب، وكانت ميناء بحريا في عصر القيصر غليوم (يسمونه غليوم وهو فيلهلم). أما مدينة (جوتنجن Goettingen) فهي مدينة جامعية صغيرة في الشمال أنجبت عبقريات شتى، وكنت على وشك العمل فيها في جراحة الأوعية الدموية فلها في قلبي الذكرى. كان هايزنبرغ يومها يبلغ 23 عاماً ومنكب على فهم التركيب الداخلي للذرة (العالم الأصغر Microcosmos). يقول هايزنبرغ إنه جاءته ليلة حاسمة فارقه النوم وبقي يسهر على المعادلات الرياضية حتى كانت ساعة السحر. عندها انجلت الأمور أمام عينيه. ويشبِّه تلك اللحظة أنها كانت كمن هو غارق في بحر من الضباب فقد الاتجاهات وفي لحظة انقشع الضباب فرأى المسير. يقول: فعرفت أين أنا؟ (wo ich bin). غادر هايزنبرغ غرفته وصعد إلى سفح جبل يتأمل ثبج البحر الأخضر حتى صعد قرص الشمس آتون من قلب الأمواج. من الملفت للنظر عن هذه اللحظة التاريخية تكررت مع الكثيرين. مع حجة الإسلام أبو حامد الغزالي وشامبليون وديكارت وباسكال. الأول في رحلة الإيمان واليقين. الثاني في فك شيفرة اللغة الهيروغليفية. الثالث في وضع المنهج التحيلي بأربع درجات. الرابع في ليلة الامتحان الأعظم. بالنسبة لهايزنبيرج كانت هذه اللحظة التاريخية التي غيرت العالم وما زالت، فقد اجتمع 7700 عالم في برلين في مارس 2005م في الذكرى السنوية للقاء (الجمعية الفيزيائية الألمانية DPG =Deutsche Physicalische Gesselschaft) يبحثون (عالم الكوانتوم) الذي كشف عنه النقاب هايزنبرغ قبل ثمانين سنة. ولم يحدث أن اجتمعت في مكان واحد مثل هذه التظاهرة الفريدة التي تضم ألمع الأدمغة العلمية في أوربا. ومن استمع لهم ظن أنه في بابل من المصطلحات العلمية مثل: (الأوتار الفائقة) و(بداية العالم والانفجار العظيم) و(ثنائية الضوء) و(حقيقة الواقع) و(طبيعة الزمن) و(ما هو الشيء الذي تتكون منه كل الأشياء؟). إننا على ما يبدو نتحدث مثل السحرة حتى الآن أو ما يلقب به (أنتون تسايلنجر Anton Zeilinger) من (فيينا) الذي أدهش (الدلاي لاما) وهو يلعب بالضوء، فيخفيه من مكان ليلمع في  مكان آخر، مثيرا فكرة ولادة الفوتونات من لاشيء، أو مذكرا بمفاجأة نقل عرش ملكة سبأ بتحويله إلى أشعة؟ وهي التجربة التي حققت له سمعة مدوية قبل سبع سنوات عن (الحزم الضوئية Beamexperiment) فهو كل يوم في مؤتمر ومحطة فضائية يستعرض مع فريقه فكرة الكوانتوم وكأنها السحر، ويتكلم في كل شيء من الفيزياء إلى الفلسفة، ويحب الاستشهاد بالفيلسوف النمساوي (فيتجنشتاين)، وقد تكون له زيارة إلى السعودية، وأهم شيء فعله هذا الرجل في عالم الكوانتوم النقل البعيد للفوتونات(Quantenteleportation). إن (ميكانيكا الكم) يعتبر من أكثر العلوم غرابة وطرافة وشذوذا، حيث تتكسر الحتمية، ولا يبق مكان للواقع الموضوعي، ويسود قانون الاحتمالات، وهو ما عبر عنه (هايزنبرغ) مع (بول ديراك) البريطاني وهما يدشنان هذا العلم منذ عام 1928م بقانون (اللايقين Uncertainity Principle)، وأذكر أنني قرأت تفسير الظلال في الستينات عند قوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) فوقف (سيد قطب) وقفة طويلة يتكلم عن (العقلية العلمية) و(العقلية الغيبية) ويستشهد بمفاهيم الكوانتوم بدون إشارة إلى علم ميكانيكا الكم، الذي كان قد تأسس قبل أربعين سنة من كتابته، فعرفت أن قمم الفكر الإسلامي لم تعرف العصر بعد؟ ولد مفهوم الكوانتوم على يد العالم الألماني (ماكس بلانك Max Planck) الذي وضع قانونا لوحدة الطاقة ولعل أهم ثوابت الكون هي وحدة ماكس بلانك وسرعة الضوء، وكان ذلك عام 1900 م ولم يعترف العلماء لبلانك إلا بعد أربعين سنة، وهي نفس قصة (لوي باستور) مع الجراحين الذين رفضوه لأنه كيمياوي، وهو الذي دخل إلى عالم الميكروبيولوجيا، فأماط اللثام عن الوحدات المرضية من عالم الجراثيم، وطور لقاح الكَلَب. وفي مدى قرن حدثت قفزات في مفهوم الكوانتوم قلبت شكل العالم الحديث، وتبدأ القصة من (آينشتاين) الذي فهم الضوء وفق كمات الكوانتوم، فالضوء من وجهة نظره ليس موجات كهرطيسية بل جزيئات من الطاقة، ومع أن آينشتاين كان من مهد الطريق لمفهوم الكوانتوم، ولكنه بكل أسف انقلب عليه حينما رأى غرابة هذا العالم الذي يتملص من قبضة القوانين إلى فوضى الاحتمالات، وكل يوم هو في شان، فعارض المفهوم، وحزن لذلك هايزنبرغ الشاب، ويومها قال آينشتاين: إلى أين أنت ذاهبون؟ إن خالق الكون ليس مقامرا يلعب بالنرد؟ وفي عام 1913 استطاع الدانمركي (نيلز بور) الاستفادة من مفاهيم الكوانتوم ليطور (موديل) الذرة، وأن الإلكترون يدور في مدارات لا تتجاوز السبعة، وتخضع لقانون 2ن2، وأنه يقفز كموميا من مدار لآخر فيمتص أو يعطي الطاقة ومعها اللون، وهو الذي قاد إلى تفسير ظاهرة إشعاع الجسم الأسود، الذي بدأ رحلة فهمه بلانك، حين رأى أن الجسم الأسود الذي يتسخن تتغير ألوانه بالتدريج من الأسود إلى الأحمر ليصل في نقطة إلى الأبيض.
اقرأ المزيد
حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram