- -

هل مات ديكارت مسموماً ؟ (1) 
بمناسية مرور 400 اربعمائة سنة على ولادة فيلسوف التنوير  الفرنسي (رينيه ديكارت)(RENE  DESCARTES) الذي اعتمد آليات الشك لتمحيص الحقيقة، وألقى في القارة الاوربية بذور النهضة العقلية، تقدم صحفي وطبيب ألماني هو (آيكه بيس 54 عاما)(EIKE  PIES 54) بتحقيق هز فيه الأوساط الاكاديمية، يزعم فيه أن الفيلسوف  ديكارت لم يمت من برد السويد بالتهاب رئوي؛ بل بالحري مسموماً بجريمةٍ مدبرة، تم ترتيبها بين مبعوث الفاتيكان الذي كان يقوم بمهمة إقناع ملكة السويد بترك المذهب البروتستانتي والتحول الى الكثلكة، وبين منافسين لديكارت داخل البلاط الملكي يعملون في حقل الفيلولوجيا (PHILOLOGY)(1) .   وهي تذكر بقصة حديثة نشرتها قناة الديسكفري العلمية عن طبيب أسنان سويدي أماط اللثام عن الطريقة التي أنتهى فيها نابليون مسموما أيضا بالرزرنيخ، وعلى يد أقرب الناس إليه في جزيرة هيلانا، بعد أن نفحه خمسة ملايين فرنك، وكان الأخير قد دفع زوجته إلى أحضان الامبراطور فحبلت وولدت بطفلة أخذت اسم نابليونة!! عرف ذلك يقينا أثناء نقل جثمان نابليون من المقبرة بعد 14 عاما فكان كما هو وكأنه دفن البارحة فظن القوم أنها معجزة للقديس نابليون، ولكن الطبيب السويدي ومن خلال بقايا خصلات شعر الجنرال عند محبيه عرف أنه مات مسموما وبالتدريج بالزرنيخ مع جرعات الخمر. ولعل نهاية الأسكندر الذي مات شابا كانت قريبا من هذه الطريقة. ولكن الذي مات بالسم علنا كان سقراط حين حكمت عليه ديموقراطية أثينا بتجرع سم الشوكران!! ويقال عن تسميم أبو حنيفة والحسن بن علي والأمام العادل عمر بن عبد العزيز أنهم أنهوا حياتهم أيضا موتا بالسم غيلة.. ولد الفيلسوف ديكارت في (لاهي) وهي بلدة صغيرة في منطقة التورين (TOURAINE) بفرنسا عام 1596م (2) وفي عام 1650 م اختتمت حياته عندما أعلنت ملكة السويد (كريستينا)(CHRISTINE) نبأ وفاته بالتهاب رئوي حاد عن عمر يناهز 54 عاماً. ترك ديكارت خلفه أثراً مزلزلاً ومازال في مفاصل العقل الانساني الجمعي؛ فديكارت يعتبر اليوم محطة عقلية لكل من يرتاد حقل الفلسفة، أو يريد التعرف على التحولات العقلية الكبرى فيها، وكل من جاء بعده ممارساً للفكر؛ لابد أن يتأثر بالطريقة التي طرحها بشكل أو بآخر، فيعتبر أهم ماكتب الفيلسوف سبينوزا من بقايا بصمات ديكارت عليه، فرسالته في (تحسين العقل) ينحو منحى ديكارت في كتاب (المقال على المنهج) كما أن رسالته الهامة الثانية عندما أراد أن يفهم الأخلاق بشكل هندسي (الأخلاق مؤيدة بالبرهان الهندسي) هي من آثار ديكارت في فهم كل شيء في الكون بشكل ميكانيكي. والآن ما الذي أثار شبهة موت ديكارت مسموماً بالزرنيخ؟   كان مفتاح هذه القصة الخطاب الذي تبادله اثنين من الاطباء فأما الأول فهو طبيب البلاط السويدي، الدكتور (يوهان  فان فوللن)(JOHANN  VAN  WULLEN) الذي عاصر لحظات ديكارت الأخيرة وتطور مرضه في الأيام الأولى من شهر فبراير من عام 1650 للميلاد، في استوكهولم عاصمة السويد، وأما الطبيب الثاني الذي عُنوِّن له الخطاب ولم يتسلمه قط فهو طبيب عاش في القرن السابع عشر، وهو جد بعيد للدكتور (آيكه بيس) الذي أثار الموضوع في مدينة فوبرتال (WUPPERTAL) الألمانية، وكان يومها الطبيب الخاص للأمير (يوهان  موريتس  فون  ناساو - زيجن)(JOHANN  MORITZ  VON  NASSAU -  SIEGEN) . هذه الوثيقة البريئة !! وقعت في يد الدكتور والصحفي (بيس) والتي كانت نائمة في أرشيف جامعة (ليدن من هولندا)(LEIDEN) كل تلك القرون؟!! ولكن لماذا استقرت في هولندا ولم تصل ليد الدكتور (ويليم بيس)(WILLEM  PIES) الجد الأعلى للدكتور (آيكه بيس) المقيم في فوبرتال ؟!! كانت الرسالة وثيقة مريبة عن وصف حالة فيلسوف التنوير ديكارت وهو في سكرات الموت، فالدكتور السويدي الذي كان يسجل يوميات انهيار صحة الفيلسوف بأعراض لاتُخفي مظاهر التسمم بالزرنيخ، مثل البول المدمى واللعاب المسود الغزير ودوران العينين التائه، ونوعية تقطع التنفس، المشير للتسمم الحاد بالزرنيخ، كما أن ديكارت نفسه ارتعب من جو المكائد التي هرب منها طول حياته فلحقته الى السويد. وهو الذي كان يقول عاش سعيدا من بقي في الظل. ويبدو أنه أدرك أنه وقع في المصيدة، فطلب بعض الأدوية التي تحرض عنده الاقياءات، كي يتخلص من السم اللعين، ولكن يبدو أن جرعة أخرى لحقته في اليوم الثامن من كربه فألحقته بالقبر. الدكتور (آيكه بيس) فتح الباب الى قصةٍ مثيرة من القصص البوليسية التاريخية، فبمقارنة الخطاب المرسل من طبيب لآخر، وباستعراض مظاهر المرض التي بدات مع اليوم الثاني من شهر فبراير من عام 1650 م والتي أنهت حياة الفيلسوف ديكارت في اليوم 11 منه في الساعة الرابعة صباحاً، افترض أن جرعة السم الأولى أعطيت له مع جرعة النوم، وأما الثانية فكانت للقضاء المبرم عليه في اليوم الثامن. ويبقى لإثبات هذه الفرضية الاجرامية التاريخية الوصول الى المتبقي من عظام الفيلسوف لفحصها عن طريق الطب الشرعي، فسم الزرنيخ يبقى في العظام فلا يزول، ويمكن التاكد منه بفحص الجمجمة مثلاً. هوامش ومراجع: (1) تم نشر الخبر في مقال مطول في مجلة الشبيجل الألمانية في قسمها الثقافي، وأشارت المجلة المذكورة الى طبع كتاب في هذا الصدد للدكتور (آيكه بيس) الذي وضع له عنواناً (حادثة قتل الفيلسوف ديكارت) ـ  مجلة الشبيجل العدد 32 عام 1996 م ص 160 ، وتم تكرار القصة مرة أخرى في الشبيجل العدد 46 عام 2009م ص 160 وعلم الفيلولوجيا هو العلم الذي يعني بتحقيق اللغة والنصوص اللغوية، وكان ديكارت يعتبر عملهم مضيعة للوقت يومها قبل تطور وثورة علم الالسنيات الحديثة (2) قصة الحضارة ـ ويل ديورانت ـ الجزء 30 ـ ص 321
اقرأ المزيد
متى نفهم إسرائيل ؟ (2)
الوضع العربي هذه الأيام كارثة والجسم العربي يتفسخ بسبب موت مقيم وهي حال الجثث حين تموت. وأعجبني النيهوم الكاتب  الليبي حين يقول الفرد العربي لاغبار عليه من طبيب ومهندس ومقاول ولكن شبكة العلاقات الاجتماعية مقطعة. فهذا هو المجتمع هو ليس كومة أقراد بل شبكة علاقات اجتماعية. والغرب الحالي قوته من شبكة العلاقات أما الأفراد فلا يختلفون عن الأفراد عندنا.   ومما روى لي زيرك الكردي أنه هرب من كردستان العراق إلى تركيا فاليونان وهناك ألقوا القبض عليه ولكنه عومل معاملة (أوربية) فلم يعذب ويهان، وسلم ليد المسلمين الأتراك فبقي أياما في العراء تحت المطر بدون طعام فتحول إلى زاحف يزحف على بطنه. ثم رأى بعينه كيف يهوي الجنود الأتراك بالعصي الغليظة على يد المتسللين يكسرونها حتى لا تنفع في تسلل جديد. ومن فارق أوربا ودخل أرض السلاطين العثمانيين وبلاد العربان دخل أرض الشقاء والبلاء والوباء والنحس والحبس. وفي الوقت الذي تسلم إسرائيل الأسرى العرب هناك من أصبح له في السجن في بلد عربي أكثر من ثلاث وعشرين سنة بدون محاكمة. وهناك من دخل السجن بتهمة ثرثرة الانترنيت ففتح موقعاً للمعارضة فأصبح له عاماً بدون زيارة ومحاكمة وهو شيء مضحك لولا أنه يحدث. ورجال المخابرات يعيشون حالياً مرحلة الديناصورات قبل الانقراض العظيم. ولم ينتبهوا إلى أن العلم حطم الجغرافيا. ومع الانترنيت لم يبق حدود. وولى زمان (كتمان العلم). ويمكن لأي كتاب أن يطير على أجنحة إلكترونية بلحظات من قارة إلى قارة. ولكن رجال المخابرات أصبحوا مثل ساحرات العصور الوسطى يقفزون بالمكانس لاصطياد أطباق طائرة تئز فوق رؤوسهم بسرعة الضوء. وعندما يتم تبادل المئات مقابل واحد بين إسرائيل والعرب فهو إعلان لقيمة المواطن العربي عند الأنظمة العربية. وقيمة المواطن في نظر الحكومة الإسرائيلية فمتى نفتح عيوننا على الحقائق فلا نهلل للنصر المبين بل نبكي على أنفسنا وذلنا في العالمين. متى نرى إسرائيل أنها من (الداخل) دولة ديموقراطية، ومن يعيش في ظلها يناقش رسالة الدكتوراة من خلف قضبان السجون بالتلفون. وأن سجون إسرائيل عامرة بالكتب أكثر من دواليب الفلق في أقبية المخابرات العربية. وأنها من (الداخل) أصلح من كثير من الحكومات العربية لشعوبها. وأنهم أشداء على العرب رحماء بينهم؟ وأن  العرب تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون؟ وان هناك من يخرج من المحطة الفضائية من داخل إسرائيل فينتقد أكبر رأس سياسي فيها. ومن يتجرأ عندنا فيفتح موقعا للمعارضة في الانترنيت يسجن سنة بدون زيارة وكرامة.  ولكن من يقول هذا يعد خائنا خبيثاً. ومن يطالع الأخبار يصاب بالصدمة مثل الفنان الذي ترسله حكومة عربية إلى أفضل مصحات العلاج خارج الوطن لمرض يمكن معالجته بمشافي من الدرجة الثانية عندنا. لأنه ممثل بارع يتقن النفاق فيخرج أفلاماً في عظمة حكام العرب وحكمتهم اللامتناهية. في الوقت الذي لا يجد المواطن العادي نفقة دخول مستشفى من الدرجة الخامسة؟  فمتى نفتح عيوننا على عيوبنا وننتقد أنفسنا؟ قد يكون حزب الله وأمثاله في قدرتهم طرد إسرائيل كما فعل المجاهدون الأفغان مع من هو أعظم من إسرائيل مائة مرة؛ فالاتحاد السوفيتي كان يملك من الأسلحة النووية ما يمسح أفغانستان من خارطة الوجود مائة مرة، ولكنه هزم على يد أناس تدربوا على القتل. ولما خرج الاتحاد السوفيتي أقاموا دولة الطالبان فأهلكوا الحرث والنسل. ودمروا أفغانستان عشر مرات في سنة واحدة ما لم يفعله الروس في عشر سنين. ووصل أذاهم إلى الأحياء وتماثيل الأموات. وحزب الله اشترك في طرد إسرائيل ولكنه نموذج مكرر للمجاهدين الأفغان من حجم ترانزستور. فمن يفهم القتل وسيلة للتغيير ليس بمقدوره بناء الديموقراطية. وهذا الأمر يختلط على الكثيرين فيظنوا أن القتل والتفجير هو وسيلة التغيير.واليوم انتقلت موضة الانتحار الفلسطينية إلى الرياض واستانبول. وأسلوب حزب الله نصح به بعض السياسيين الذين لا يرون أبعد من أرنبة أنفهم مثل من ينصح مريض القرحة بتناول الأسبرين. وقد يتخلص المرء من الصداع بتناول قرص الأسبرين ولكنه عند مريض القرحة يقتل بالنزف. وإسرائيل في لبنان ليست إسرائيل داخل أرض الميعاد. وقتال أفراد من الجنود في شريط حدودي ليس مثل  مواجهة أمة تعد ستة ملايين فلا يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون؟ وعلى فرض أن تخلص العرب من إسرائيل فخسف الله بها الأرض فلن تنتهي خلافات العرب وصراعاتهم. وزوال إسرائيل لا يعني زوال مشكلات العرب. وولادة دولة عربية جديدة يعني زيادة الدول القمعية في المنطقة دولة. فيزداد مرض العرب مرضا. فيجب أن نفتح عيوننا على هذه الحقيقة المفزعة. ما دفع البعض من الفلسطينيين اقتراح فكرة دولة واحدة بقوميتين ونهاية فكرة دولة فلسطين. متى نستوعب أن مشكلتنا داخلية وأن الصراع العربي العربي هو الجوهري والأساسي وأن الصراع العربي الإسرائيلي هو الهامشي والجانبي. مثل حصول الخراجات عند مريض السكري. وأنه لولا انهيار الجهاز المناعي العربي ما ولدت إسرائيل. وعندما يتعافى الجسم العربي فلن تزيد إسرائيل عن فورموزا الشرق الأوسط. وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.
اقرأ المزيد
متى نفهم إسرائيل ؟ (1) 
العرب مع إسرائيل في حالة عجيبة كانت وما زالت من القفز بين معادلتين بعشرة مجاهيل؟ فهي في يوم دويلة العصابات وهي في يوم تنين نووي؟ وهي ليست بذاك ولا ذلك. هي محصلة طبيعية لانهيار الجهاز المناعي العربي، وانهيار الدولة العثمانية السابق. وأذكر جيدا من فيلم لورانس حين جرى النقاش بعده وكنت يومها في ألمانيا فقال المعقب أن إسرائيل لم تكن لتولد لولم تنهار دولة آل عثمان التي كانت تملك مصير الشرق الأوسط؛ فبعد هزيمتها في العراق دخل الجنرال اللنبي إلى القدس ثم بدأ المسلسل المستمر حتى اليوم.  ومن أعجب مايصلني أن هناك أنبياء كذبة يتنبأون أن نهاية دولة إسرائيل ستكون في ربيع هذا العام 2022م، والسؤال ماذا لو لم تتم النبوءة؟ والجواب سهل فهذا النبي الجديد سوف يقول لم تفهموا علي تماما؟ فالزوال لاتعني أن يخسف بها الأرض وتختفي من الخارطة! بل تعني الانتقال من حال إلى حال كما يقول المغاربة عن الوقت بعد الزوال. وهناك فلسطيني رجل أعمال (غالبا من الشفارة) اسمه من فصيلة حيوانات الغابة، أطل علينا بإطلالة قال فيها أن حربا قادمة بين الصين وأمريكا قادمة وكانت تكهناته أنها ستكون في نهاية عام 2020م قالها وبتعبيره الغبي (شوية صواريخ). وطبعا فالمنجمون أكثر من رمال تندوف. وكذلك الحال مع التكهن بأن دولة بني صهيون سوف تختفي من الخارطة مع ربيع 2020م؟ وهذا يحيلنا إلى مسألة أصولية وهي أننا حتى اليوم لم نفهم دولة بني صهيون بدقة، وأذكر جيدا من  ذكريات عيد الأضحى لعام 1424هـ حين تم تبادل أكثر من 400 أسير عربي مقابل عسكري إسرائيلي واحد حي وثلاث جثث تم التأكد منها بفحص الحامض النووي؛ فهلل العرب للنصر المبين؟ وهو في حقيقته ذل مقيم بأن الأموات الإسرائيليين أفضل من الأحياء العرب؟ وفي نفس العيد الحزين خرج أكثر من مائة من سجن عربي بعد سنين طويلة من الذل منهم رجل أمضى في السجن 29 سنة. فلم يهلل أحد لأن كل البلد سجن. ومن كان خارج السجن لا يفترق كثيرا عمن هو داخل السجن فالكل يرزح في سجن كبير بقضبان من الخارج وقضبان داخل الضمير. وحاليا رغيد الططري مسجون في سجون البعث منذ 42 سنة بدون تهمة ومحاكمة. وروى لي صديقي (زيرك) الكردي أن رجلا خرج من سجن صدام بعد ستين سنة فلا يذكر سوى الملك فيصل الأول، ولم يعرف ماذا حدث بعد ذلك فكانت دهشته مثل دهشة أصحاب الكهف الذين أرسلوا أحدهم بورقهم فاكتشف الناس أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا. ومما روى لي أن حملة الأنفال أخذت اسمها من القرآن ولكن فعلها كان من أبالسة الجحيم فقتل من الأكراد قريبا من مائتي ألفاً. ومسحت خمسة آلاف قرية كردية نقل أهلها إلى محميات كما فعل ستالين مع الشيشان والأمريكيون مع الهنود الحمر. ولكن صدام اختلف عنهم بأبشع من الصرب في سيبرينسكا فقتل من قبيلة البرزان سبعة آلاف ثم نقل النساء إلى معسكر بغرف يدخل على النساء من يشاء من عبيد صدام لمدة أربع سنين فخرج من الأطفال (النغولة) من  لا يعترف عليهم أحد سوى أمهاتهن اللواتي تبرأ منهن الجميع فلا يحسن سوى الدعارة اليوم. وذنب هؤلاء النسوة مغفور ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم. وذنب أولئك الأبالسة غير مغفور.وأحسنت جريدة الشرق الأوسط صنعاً وهي ترسم الكاريكاتور لسجين عربي أطلقته إسرائيل يحتضنه شيخ وبجواره رجل المخابرات العربي ينتظره بـ (الكلبشات) وهو يبتسم؟ وما حصل في إطلاق أسرى العرب يعني في علم (السياسة) أن إسرائيل رضت لنفسها ظاهرياً الذل لتفدي المئات مقابل فرد واحد. ولكن الأمي لا يفك الخط ولو كان من أحب الناس وأبغضهم إليه. فالرسالة يقرأها من يحسن القراءة. وإسرائيل تتكلم بلغة لا نفهمها نحن الأميين؟ و(الحدث) يعني في علم (الرياضيات) أن إسرائيل اعتبرت أن ثلاث جثث وحي واحد يساوي في الميزان أي عدد آخر من العرب ولو بلغ المئات والآلاف. وهو يعني في علم (المنطق الأخلاقي) أن حياة الإسرائيلي ولو كان عربي الأصل غالي جدا في الميزان. مقابل الإنسان العربي المهان في بلاد العربان، كما حدث مع (ماهر عرار) العربي الأصل كندي الجنسية الذي ذاق العذاب المهين على يد بني العروبة في بلده الذي هرب منه (سوريا) فهو يقيم دعوى قضائية ضد بلده الذي هاجر إليه كندا (في النهاية أخذ تعويض من الحكومة الكندية بمبلغ 12 مليون دولار فهو يلاحق الان الحكومة الأمريكية التي سلمته لسوريا)؟ ولم ينقذه إلا الكنديون. وهو تطور مهم أن من يعتقل لم يعد نسيا منسيا بل أصبحت قضيته تحت المجهر. وأمريكا التي سلمته اقترحت عليه أن يتطوع بنقله  إلى سجن بلده الأم العربي (سوريا) الذي ولد فيه فصاح فيهم أرجوكم خذوني إلى أي مكان و لا هذا المكان قالوا له لماذا؟ قال العذاب الأليم؟ ولولا جنسيته الكندية وتدخل الحكومة الكندية للبث في السجن بأكثر من سني يوسف وأشد من عذاب النبي أيوب. أني مسني الشيطان بنصب وعذاب.          
اقرأ المزيد
كوانتوم الوعي واللاوعي  تسخير علم النفس للدعاية  (تمرير المعلومات مباشرة الى اللاوعي) 
ثمة حكمة ملفتة للنظر في جدلية العلم والضمير مما جعلت الفيلسوف الألماني (ايمانويل كانت) أن يطلب من تلاميذه أن ينقشوا على قبره من بعده هذه العبارة: شيئان يملآن صدري بالاعجاب: (السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي، والقانون الاخلاقي في صدري) ؛ فــ (كوانتم الوعي) تم استخدامه في التلاعب بعقول الناس، كما هو الحال في الديموقراطية الغربية، ولقد أظهر كوانتوم الوعي أمرا غريبا في دخول المعلومات إلى دماغنا فهو لايدخل حقل الوعي أولا بل حقل (اللاوعي) قبل أن يفرز إلى الوعي باعتبار أن دماغنا ثلاث طبقات من اللاوعي والوعي ومافوق الوعي (السوبر). وهكذا فالديموقراطية يمكن وصفها بأنها أقل الاشياء سوءً في العالم، فظاهرة التمثيل النيابي تخضع لجبروت المؤسسات المالية، مما لاتجعل التمثيل صحيحاً تماماً، وبالطبع لايمكن مقارنة هذا باوضاع دول شتى من العالم التي لاتعرف نظام نقل السلطة السلمي بالكامل ولم تسمع به، ولعل أجمل مافي الديموقراطية هي هشاشتها وإمكانية نقدها من داخلها، كما فعل نعوم تشومسكي في كتابه المزلزل (ردع الديموقراطية). كذلك حصل مع نظرية الكوانتم في الوعي، فعندما يمكن في التلفزيون تمرير كمية من المعلومات السياسية أو التجارية، ولكن بسرعة مُتحكم فيها بحيث تراهن على بطء (الوعي) في الاستيعاب فإن هذه المعلومات ترى بالعين وتسمع بالاذن، ولكنها عملياً لاترى ولاتسمع، لآنها تسربت عبر منافذ اللاوعي، ويبقى الانسان يتذكرها وكأنه رآها فعلاً، بسبب تدفقها المباشر الى مخزن اللاوعي في الذاكرة، وهكذا يمكن التلاعب بالانسان من خلال تسخير العلم؟!!  ولقد تم الكشف عن هذه الحيل وفاحت رائحتها الية السطح، ولكن ياترى كم من هذه الحيل العلمية تستخدم اليوم للتلاعب بالانسان تحت اسم العلم والتقدم؟! بنتاجون (خماسي) الأخلاق عند داماسيو:   انطلق داماسيو من محاولة الوصول الى منابع المشاعر الأساسية؛ فاعتبر أن هناك خمسة مشاعر تشكل حزمة وجودنا العاطفي بالكامل، فكما كانت الألوان الثلاثة: الأزرق والأحمر والأصفر، هي التي تكون بقية الألوان، كذلك فإن تحليل أي موقف عاطفي يرجع الى طيفٍ من ألوان شتى من المشاعر. ولكن قاعدتها هي مزيج معقد من خمسةٍ من المشاعر القاعدية، فإما الحزمة الخماسية للمشاعر فهي: السرور والحزن، الغضب والخوف والاشمئزاز. هذه واحدة ومضى داماسيو في تدعيم نظريته الى أن الجسم والدماغ هما في حوار ودي لايعرف التوقف والانقطاع، آناء الليل وأطراف النهار؛ في تسبيحة متواصلة، ليصل في النهاية الى تعليل ماأصاب مريضه ايليوت (صداع شديد بسبب ورم سليم في الفص الجبهي من الدماغ أدى استئصاله إلى اضطراب كامل في الشخصية) إن الذي حدث هو انقطاع (كابل) التواصل العاطفي العقلي، فكما كان للماكينة (جير) التعشيق مع عمود الحركة، كذلك لعب الفص الجبهي في الدماغ هذا الدور، في جدلية المشاعر والتفكير المنظم التحليلي. إن دامسيو بهذا الطرح يزعم أنه وصل الى تحديد الوعي وآلية عمله عند الانسان، لذلك فهو يرى أن طرح ديكارت السابق هو خاطيء. داماسيو بهذا الطرح يضع يده على مفاتيح جديدة في فهم آلية عمل الوعي والدماغ. بين ديكارت وداماسيو: أنا أفكر .. أنا موجود ؟!  أنا موجود أنا أفكر:   في إحدى التجليات الروحية كاد دماغ ديكارت أن يحترق وهو يتعذب في ظلمات الشك الحالكة. وهو يقول كما قال الغزالي سابقاً: ليس هناك من شيء يمكن أن يستقر أو يقف على قدميه. لإنني أشك في كل شيء. لم يعد هناك شيء لم أعد أشك به، فكل ماتعلمناه بني على التقليد لا أكثر. ثم أنقدح نور في هذا الظلام، بدأ يكبر وينير رحلة العقل المضنية، وشعر ديكارت بالتماسك بعد هذا الدوار العقلي. نعم إنني أشك في كل شيء، ولكن هناك شيء لا أشك فيه وهو أنني أشك؟!! فإنا إذاً أفكر لأن الشك تفكير، وإذا كنت أفكر فهناك حقيقة موجودة ولاشك، وهي حقيقة عقلية بالدرجة الأولى، فأنا موجود على صورة من الصور .... أنا أفكر .. إذاً أنا موجود ... هذه هي الحقيقة الديكارتية، التي كانت إحدى مصابيح التنوير في النهضة الأوربية. وكانت قبساً من وهج عقلية الغزالي، الذي سار بنفس الخطوات، ولكن نهاية ديكارت كانت نهضة عقلية، في حين أن نهاية الغزالي كانت انتحاراً صوفياً على ضرب صنج الحضرة، عندما يدخل الانسان تلك النشوة الروحية ويتم اغتيال عقله بالكامل، ومصادرة كل إمكانية تفكير، تحت ثلاث شعارات: من قال لشيخه لا لم يفلح ؟!! والمريد بين الشيخين كالمرأة بين الرجلين، والمريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل ؟! يزعم داماسيو إن ديكارت يجب أن يقلب الآن رأساً على عقب، لأن مركز الوعي هو في تلك الجدلية التي يبدأ الدماغ رحلتها، فمع (وجود الدماغ) أمكن للروح أن تتنفس، فالبدن هو تجلي الروح وتعبيرها وطريقة تنفسها في جدلية وضفيرة لاتقبل الانفصام. أراد داماسيو أن يكتب في الأول كتاباً بعنوان خطأ ديكارت ولكنه بعد مؤتمر سان دييغو بدله الى عنوان: ديكارت مقلوباً  .. أنا موجود ... انا أفكر ؟!!
اقرأ المزيد
بين الفرينولوجيا وبيولوجيا الجزيئات 
محاولات فهم الإنسان تعددت منذ أيام أبو قراط قبل الميلاد في القرن الخامس، وحاولت الفلسفة الدخول على الخط، وجربت علوم النفس الدخول إلى هذا المجهول مما دفع الكسيس كاريل في كتابه الإنسان ذلك المجهول أن يصف المحاولات وكأننا نتنقل في غابة لاتكف أشجارها من تغيير إشكالها مواقعها باستمرار. قال الرجل نحن  نحاول أن نفكك الظاهرة إلى وحدات ولكن الظاهرة لاتعمل هكذا. في يوم ثلج نرى الثلج ولكن هناك خليط لانهائي من الرطوبة ودرجة الحرارة والضغط وحركة الكوكب والجاذبية والسرعات ... الخ.   ومن هذه المحاولات التي راجت ثم بارت كان علم (الفرينولوجيا) ومن روجها كان طبيب يشهد له بالعلم. تصور الرجل أننا إذا وضعنا كفنا على جمجمة مخلوق عرفناه ووضع تقسيمات عجيبة يمكن الرجوع إليها وقراءتها. ولكن النتيجة أنه ضل طريقه وما هدى. وهكذا كانت الاثارة العلمية التي أثارها مجموعة من العلماء في القرن التاسع عشر عن زعم فهم الانسان بمجرد تأمل وقياس القحف أخذت اسم الفرينولوجيا. كذلك فإن علماء (بيولوجيا الجزيئات) يعلوهم هذا الشعور اليوم، ولكن الأيام تعلمنا كل يوم، أن كل النظريات التي تريد تطويق فهم الانسان تتهاوى تحت قدميه. تجربة القيصر فردريك الثاني في الامساك بالروح:   بل إن محاولة فهم الكيان المعنوي عند الانسان قديمة قدم الانسان مما ينقل لنا التاريخ بعض القصص المثيرة عن الملك فريدريك الثاني الذي أغلق الحجرة تماماً على محكوم عليهم بالاعدام، ثم حاول بعد موت الضحية، أن يفتح بحذر وبطء كوةً في الجدار، ليرى ماذا يتسرب منها؟ هل ثمة آخر خاص غير البدن الذي عانق الموت.  تجربة عالم النفس مكدوجل بوزن الروح:   بل إن عالم النفس الأمريكي (دانكان مكدوجل)(DUNCAN MacDOUGALL) قام بتجربةٍ مثيرة أكثر، عندما راقب المحتضرين في سكرات الموت، فقام بحملهم الى موازين في غاية الدقة، تفرق بين الغرامات، فوصل الى نتيجة مفادها: أن الموتى الذين يودعون الى العالم الآخر، يخسرون من وزنهم في المتوسط بين 10 ـ 42 غراماً، دلالةً على أن شيئاً ما ولو بهذا القدر البسيط يودع الجسم؛ فإذا علمنا علاقة الطاقة بالمادة من خلال معادلة آينشتاين، التي تقول بأن المادة والطاقة هما وجهان لحقيقة واحدة، وكانت الروح ثمة طاقة ما فإن الطاقة المتسربة رهيبة للغاية، لأن الطاقة هي تحول المادة مضروبة في سرعة الضوء المضاعفة، أي قوة تسعين مليار. هذا إذا صدقت هذه المزاعم وصمدت للحقيقة، لأن مكدوجل أردف بأن وزن الكلاب لم يتغير في تجاربه، قبل وبعد الموت، ومزاعم مكدوجل حتى الآن لم تكذب تماماً (3) . ملاحظات طريفة حول عمل الوعي:   ومن النقاط التي أثيرت في المؤتمر هي آليات عمل الوعي وكيفية عمله؟ فلقد تم رصد مجموعة من الملاحظات الملفتة للنظر: 1 ـ لقد لوحظ أولاً: أن إمكانية الاستيعاب في الوعي محدودة، فبإمكان الوعي أن يلتقط سبعة وحدات من المعلومات في الوقت الواحد  لا تزيد. 2 ـ ثانياً: يعمل الوعي ببطء شديد إذا قورن مع أجهزة الكمبيوتر، فلا يستطيع التمييز بين أكثر من أربعين حدثاً في الثانية الواحدة. في حين أن أجهزة الكمبيوتر العادية تعمل بطاقة تزيد عن هذا بملايين المرات في كمية المعلومات؛ فالوعي مقارنة بالكمبيوتر يبدو جهازاً سخيفاً !! ولكن هل هو كذلك؟ 3 ـ ثالثاً: مع كل تركيز الوعي فإن الدماغ لايشتغل بكل طاقته، بل يستخدم في المتوسط فقط واحد بالمائة من خلاياه العصبية. لماذا  ياترى؟! رابعاً: يعمل الوعي ببلادة وتراخي ملفت للنظر، فهو يعرج خلف الزمن لاهثاً متصبباً عرقاً  بدون قدرة اللحاق به. إنه خلف الزمن دوماً بحوالي ثلث الثانية. وهذا يدخلنا الى أبحاث عالم النفس الأمريكي (برايان تريسي) الذي لفت النظر الى كيفية عمل العقل الانساني في كتابه (أسس علم نفس النجاح)(4) نظرية (براين تريسي) في كيفية عمل الدماغ:  يرى عالم النفس الأمريكي أن أفضل مايكون عمل العقل عندما يكون مرتخياً؛ فالمسمار حتى تدخله الحائط يجب أن تضربه بالمطرقة بقوة وتوجيه؛ حتى تقتحم بالمسمار صلابة الحائط. في حين أن الدماغ لايعمل بنفس الطريقة؛  فعند الانفعال يهتز عمله، وخير الاوساط لعمل الدماغ الانساني هي أن يعمل بهدوء وحب. قشرة الدماغ تسيطر على العمليات العقلية وتأخذ الوقود من الدماغ السفلي والمتوسط.   الدماغ السفلي هو دماغ التماسيح الرهيبة ، لتأدية الأعمال التي تشبه في قساوتها سماكة جلد التماسيح. والدماغ المتوسط مركز الزلازل والبراكين العاطفية، وهي مثل طاقة البخار فيمكن إدخالها في مرجل العقل كي تؤدي دورها على خير وجه . ولكن تسرب الطاقة من مفاصل ماكينة التفكير البارد التحليلي العقلاني يقود الى الانفجارات المروعة وتأرجح عمل الماكينة العقلية إذا صح التعبير. يضطرب الانسان عندما ينفعل؛ فترتجف أصابعه، ويجف عرقه ينحبس بوله، ويرتفع الضغط عنده، يصاب بالامساك وتجف عصارة المعدة وتبدأ بالتقرح، ويصب الادرنالين في الدم مدرارا . كل هذا يتولد في جو الانفعال، والاهم من هذا هو اضطراب التفكير المتوازن، وهذا هو قسم من تفسير المنازعات الانسانية، لأن مشاعر الخنازير والتماسيح وصراع الغابة يَمسح ودفعة واحدة؛ كل قشرة الدماغ وتطورها الذي استغرق ملايين السنين ، لنرتد وننهار دفعةً واحدةً من الانسانية ؛ الى قعر خندق الحيوانية البئيس . لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين.   يجب أن نضع أمام مكتبنا هذه الحكمة دوماً: ( يجب ضبط النفس في انفجار بركان الغضب، وعند اشتعال نار الانفعال، في كسرة الحزن، وانهيار الخوف، وعند اشتداد ضباب الشهوة) .
اقرأ المزيد
سحرية العدد سبعة 
لماذا كان الطواف سبعا؟ بل طيف العواطف سبعا؟ بل بناء الذرة وأطواق الالكترونات والقفز من مدار لآخر حسب الفيزيائي نيلز بور. بل حتى تكسر الأمواج على شاطيء البحر ليحاول أحدنا عدها بحذر. لقد وضع (رمزي غنيم) كتابا كاملا عن منظومة العقل البشري سماها نظرية المدارات السبع ـ النظرية الذرية في العقل والمعرفة. وقسمها على شكل دوائر تحمل مايلي: (مدارات الجسم والمحسوسات ـ مدارات التفكير والاستبطان ـ مدارات العاطفة والوجدان ـ مدارات الخيال والجنون ـ مدارات النسيان ومخازن الذاكرة ـ مدارات الغيبوية النوم والأحلام ـ وأخيرا مدار المطلق وما وراء العقل النسبي).   لقد استطاع العالم الأمريكي (جورج ميللر)(GEORGE  MILLER) عام 1956م أن يفك طلسماً آخر من كيفية عمل الدماغ والوعي الانساني! إنه القانون السباعي؛ فطريقة فهم الانسان تعتمد على نوع من النظم المعين السباعي: إذا بلغت الكلمة سبعة حروف التقطها الوعي برشاقة وساقها الى ساحات الادراك؛ وعند تجاوزها فوق سبعة حروف اُضطر الى تهجئتها وتقسيمها من جديد، فالوعي يلتقط الكلمة كقطعة واحدة، تقذف في فرن الوعي لهضمها. نفس الشيء ينطبق على فهم مجموعة أو حزمة الكلمات، حيث تقفز الى مستوى المغزى المحدد في إطار السبع كلمات؛ فإذا تجاوز المعنى الكلمات السبع اُضطر الفهم من جديد الى تقسيم الكلمات. ويبدو أن كل اللغات الانسانية المنطوقة تعتمد مثل هذه القاعدة السحرية السباعية، وتعرف بطريقة (شان كينج)(CHUNKING). نفس الشيء ينطبق على المحادثات التلفونية في الأرقام (من هنا اعتمدت الأرقام التلفونية كسبعة أرقام كحد أقصى ـ رقمي الكندي مثلا  – 630-7792) كذلك في اللغط  وتمييز الاصوات من أي شخص تصدر؛ كلها يفككها ويتعامل معها الوعي بنفس الطريقة، وتحويلها الى أفكار او صور ذهنية. كوانتم الوعي (ميكانيكا الكم في إطار العمل العقلي):   هذه الظاهرة من محدودية الوعي بقيت الى فترة قريبة غير ملاحظة، بسبب التقلب الدائم بين حقول التأثير، بل حتى التدفق الدائم لتيار الوعي وانقلابه المستمر يمشي ببطء ملفت للنظر؛ فــ (نوافذ الوقت) إذا صح التعبير التي يعمل عليها الوعي تبلغ حوالي ثلاثين ميلي ثانية (أي ثلاثين جزءً من الألف من الثانية) والوعي يتعامل مع وحدات الزمن بهذه القسمة، حيث تم التأكد من ذلك بتطبيقها على بشر متطوعين لمثل هذه التجارب؛ فــ (تكة الساعة) مثلاً يستطيع الوعي أن يفرق بينها وبين التي بعدها، حتى إذا انضغطت وحدة الزمن الى عشرين ميلي ثانية، أي إذا تسارعت حركة تتالي نظم الصوت بين الصوت والذي بعده؛ بمعنى الفاصل بين الوحدتين، امكن للدماغ استيعاب مايأتيه، ويكلّ اذا تجاوز هذا المقدار. ويقفز عمل الوعي الى مايشبه قوانين الكوانتم (ميكانيكا الكم) حيث يمكن للعقل الانساني أن يستقبل العالم الخارجي إذا تلقى وحدات الصوت هل هي موسيقى أو شعر، قصائد أو أهازيج، أفكار أو تجليات روحية، فيما إذا خضعت لقانون الثلاث ثواني؛ فكما يقوم الكون كما فهمه العالم الألماني (ماكس بلانك) على الانفصال على صورة وحدات، كما في كومة حبات القمح عند النظر إليها فهي تبدو كأنها كومة متصلة؛ فإذا اقترب الانسان منها أدرك أنها مكونة من حبات منفصلات. هكذا أيضاً يتعامل الوعي. هنا نشير إلى أن قانون الكم لماكس بلانك له وحدة رياضية؛ كذلك فقد تم كشفها في مستوى الوعي؛ فوحدة الفهم هي في حدود 30 ميلي ثانية، والفرق بين النبضتين الصوتيتين 20 ميلي ثانية، ولكن وحدة الفهم يجب أن تكون في حدود ثلاث ثواني. فإذا تجاوزت الجملة أو الحركة الصوتية هذه الحبسة الزمنية، اُضطر العقل من جديد الى تجزئتها وفق قانون الثواني الثلاث. الوعي محبوس في زنزانة الماضي بدون أي أمل في النجاة: ومن الأفكار التي جاءت في مؤتمر العلوم العصبية في سان دييجو عام 1996م عن الوعي والتي هزت وعي الحاضرين هي جدلية الوعي واللاوعي، وغطس المعلومات في اللاوعي قبل انبثاقه الى الوعي، فقد استطاع (بنيامين ليبيت)(BENJAMIN  LIBET) الباحث في فسيولوجيا الاعصاب من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، من فتح عاصفة من الاثارة حول ظاهرة مايعرف الان بــ (فترة الحضانة) بين الفكر والعمل وبشكل معكوس. وتم كل هذا من خلال تطوير تقنيات جديدة من ملامسة قشرة المخ مباشرة بواسطة مسابر خاصة، ودراسة الزمن بين التحريض أو تلقي التحريض، بمعنى البدء بإشارة التفكير، فالذي يقوم بالتجربة يبدأ الفعل ولكن الفعل لايبدأ فوراً، بل يغطس في عالم آخر يُعالج فيه ويتفاعل قبل أن يطل برأسه في عالم الوعي ليلحق بالأمر، كما أن العكس صحيح فعندما تمس اليد لانتلقى الأثر في الدماغ الا بعد مرور أجزاء من الثانية، تتراوح بين ثلث ونصف ثانية. هذه التجارب أثارت عاصفة فلسفية، فالانسان يبدو وفق هذا المنظور خارج الزمن تماماً، ويعلق تشارلز فورست على ذلك بقوله: (وقد يكون التأويل الممكن لهذا الاكتشاف هو أن العصبونات المسؤولة عن الادراك الواعي تتواجد في مكان آخر غير قشرة الدماغ، وقد تعكس فترة الحضانة للتنبيه القشري في تجربة واعية التشارك بين الوعي والتعقيد العصبي الفيزيولوجي).
اقرأ المزيد
أين الشخصية: أبحاث  الدكتور داماسيو على الشخصية وعلاقتها بالفص الجبهي في الدماغ
بمناسبة انعقاد مؤتمر العلوم العصبية (SOCIETY  FOR  NEUROSCIENCES) في مدينة سان دييغو (SAN  DIEGO) في مقاطعة كاليفورنيا الأمريكية، في نوفمبر من العام 1995 م  في ذكرى تأسيسها قبل ربع قرن من الزمان، احتشدت مظاهرة ضخمة من العلماء زاد عددها عن عشرين ألف عالم في شتى ميادين العلوم العصبية: من الذين يعملون في تشريح الدماغ (ANATOMY) وفسيولوجيا الاعصاب، وجراحة المخ، وأبحاث الخلايا العصبية، وعلماء النفس، والفلاسفة، وكيمياء الدماغ، والمخدرين، والمعنيين بالمخدرات والمدمنين وعالم الجريمة، وجماعات التنويم المغناطيسي، والمعتقدين بالباراسيكولوجيا، وأطباء النفس العصبي (PSYCHONEUROLOGY)، أطباء الصحة النفسية، وعلماء الكمبيوتر، والمعلوماتيين.  كانت عناوين الابحاث فقط (ABSTRACTS) تضم ثلاث مجلدات ضخمة. كان هدف الاجتماع هو محاولة حل المشكلة الفلسفية القديمة في اكتشاف الذات؟! من يكون أنا؟ ماهو الوعي واللاوعي؟ ماهو التفكير؟ وكان أطرف ماجاء في المؤتمر بعض الاختراقات المعرفية الجديدة التي قدمها بعض العلماء مثل (بنيامين ليبيت)(BENJAMIN   LIBET) الذي يعمل في فسيولوجيا الاعصاب، من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، حول ظاهرة غياب الوعي عن الحاضر، فالوعي يتأخر دوماً عن اللحظة الراهنة بأجزاء من الثانية، فهو يلهث للحاق بنبض الزمن عبثاً، فنحن عملياً خارج الزمن الفعلي؟ ومنها التي قدمها الدكتور (انتونيو  داماسيو)(ANTONIO  DAMASIO) من جامعة (إيوا)(IOWA) حول فهم جديد لجدلية العواطف والعقل، في تقسيم مثير للعواطف الانسانية فيما يشبه طيف الضوء، فكما يتجمع طيف الضوء الأبيض من  سبعة ألوان في حزمة واحدة، حولته الى اللون الأبيض الذي نشعر به، كذلك انبثقت تصرفات الانسان من حزمةٍ من خمسة عواطف هي : الحزن والسرور، الخوف والغضب، والاشمئزاز، ليصل في النهاية الى دراسة ميدانية مثيرة، في تطبيق مقياس خاص على قياس العواطف ونبض العقل ونظم الأفكار عن طريق فحص مادي لتعرق الجلد). حادثة المريض ايليوت (EIIIOT): كان الصداع الذي استولى على المريض مبرحاً، لايفارقه ليل نهار مما اضطره الى مراجعة طبيب الاعصاب الدكتور (انتونيو داماسيو) الذي اكتشف عنده ورم في المنطقة الجبهية من الدماغ. كان المريض السيد (ايليوت) ذو وظيفة محترمة، في حياة زوجية مريحة، وفي علاقات ممتازة مع زملاءه وجيرانه، وباستشارة جراحي الأعصاب تم التداخل الجراحي لاستئصال ورم سليم في الفص الجبهي الدماغي. تمت العملية بسلام ورجع المريض الى بيته معافاً ... ولكن؟؟ تناقض الذكاء والتصرفات:  بعد العملية الجراحية بفترة قصيرة بدأت شخصية السيد ايليوت بالتغير تدريجياً، كما هي في حادثة عامل الطرق (فينياس جاج) الذي اخترق جمجمته قضيب الحديد (1) التي عرضنا قصته فيما سبق، مريضنا الجديد ولى ظهره لزملائه وعاف أقرباءه. خسر وظيفته. بدأ يدخل في مضاربات مالية خطيرة أودت به الى حافة الافلاس. انهدمت عائلته وفارقته زوجته. لم يعد يستيقظ مبكراً وتحول الى رجل بدون طموح. لم يعد يدقق في المواعيد والزمن وتحول الى كم فوضوي. يقول الدكتور (داماسيو): الشيء الذي لفت نظري في هذا المريض والذي حرضني للبحث العلمي، هو أن ذكاءه لم يضطرب فبقيت المحاكمة العقلية صافية دقيقة، لم تخنه ذاكرته. كانت فحوصات الذكاء عنده (I Q) عادية، وتذكر الكلمات والأرقام على مايرام. قدرة المحاكمة كما هي. بل حتى منظره الأنيق وروحه الفكاهية لم يخسرها. مع كل هذا فإن المريض (ايليوت) أصبح عاجزاً في أن يترك لوحده ليحل مشاكله اليومية منفرداً. وكان السؤال ماالذي أوصل المريض الى حافة الانهيار هذه؟ وأي خلل ترتب بعد هذه العملية الجراحية التي لم تستخرج سوى ورماً حميداً تخلص منه المريض في الظاهر؟ ماهي نوعية الاتصالات العصبية التي تدمرت من جراح الاستئصال الجراحي؟ هذه الحادثة دفعت الدكتور (داماسيو) أن يكرس عشرين سنة من العمل الشاق في الأبحاث العصبية قبل أن يتقدم ببعض النتائج المتماسكة في مؤتمر جمعية العلوم العصبية في سان دييغو الذي أشرنا إليه. ولكن قبل عرض نتائج الدكتور داماسيو عندنا رحلة مثيرة في دراسة الوعي عند الانسان أماط العلم اللثام عن طرف منها. عصر اكتشاف الذات: اهتم الانسان بشغف في اكتشاف العالم الخارجي ونسي نفسه، ربما بسبب الصعوبة النوعية، أو ربما لشدة قربها من الذات، فكيف تريد الذات دراسة نفسها بدون إطلالة خارجية، ولكن وعي الذات في الحقيقة هو أرفع أنواع الوعي. هذه الحقيقة انتبه لها العلماء مما جعل الرئيس الأمريكي السابق بوش يعلن عن افتتاح (عقد) اكتشاف الدماغ الانساني. واليوم لايسعى العلماء فقط لاكتشاف الكوارك في الذرة (2) ولاخفايا ميكانيكا الكم، أو ولادة النجوم في المجرات، بل يغطسون باتجاه العالم الداخلي، والنزول على سطح الكوكب الجديد: رأس الانسان. الأبحاث العصبية اليوم هي من أكثر الأبحاث إثارةً وسريةً بأعتى من الأبحاث النووية، وارتياد الفضاء، وسبر المحيطات، وفلق البروتون. مراجع وهوامش : (1) تراجع مقالتي رقم 96 التي نشرت في جريدة الرياض السعودية ـ العدد 10251 تاريخ 18يوليو 1996 م الموافق 3 ربيع أول 1417 هـ (2) يعتبر الكوارك حتى الآن من أصغر الجزيئات دون الذرية فالذرة تتكون من نواة فيها بروتون ذو شحنة إيجابية والكترون سابح حوله بشحنة سلبية ، ونعرف اليوم أن نفس البروتون مكون من ثلاثة من الكوارك ولكن هل هذه نهاية الرحلة ؟ أم انها بدون نهاية باتجاه العالم الأصغر ، وهي كذلك بدون نهاية باتجاه العالم الأكبر عالم المجرات ، أي أننا مطوقين باللانهايتين من فوق ومن تحت ؟!
اقرأ المزيد
ديكارت مقلوباً (3)  (أنا موجود أنا أفكر)  (بحث ظاهرة الأنا في مؤتمر العلوم العصبية) 
فكرة مفاتيح الدارات العصبية:   يبدو أن فهم الدماغ يمشي في اتجاهين الأول: هو المزيد من فك أسراره سواء المناطق التشريحية أو أثر الكيمياء في التصرفات أو مركز اللغة، والاتجاه الثاني هو استحالة الاحاطة بكامل الدارات العصبية الموجوة في دماغنا، فالخلايا العصبية التي تصل الى مائة مليار خلية تتضافر فيما بينها بشبكة مخيفة من الارتباطات، بحيث أنها تشكل دارات لايمكن الاحاطة بها، ولعل رقم (الجوجول)(GOGOL) الذي يتحدثون عنه  والذي هو عشرة قوة مائة، هو رقم تقريبي لا أكثر للدارات العصبية الموجودة في دماغنا والتي تشكل تركيبنا. مقارنة بين تركيب الكروموسوم والدارات العصبية في الدماغ:   لفهم التعقيد المخيف في دماغنا يستحسن نقل ذلك الى المقارنة مع أعقد التركيبات البيولوجية المسؤولة عن الوراثة في كياننا والتي تبلغ حوال ثلاثة مليارات حامض نووي (الحامض النووي). إن تركيب الحامض النووي يبقى في غاية البساطة مع تركيب ضفيرة النورونات. فالحامض النووي يتشكل من تتابع لأحماض أمينية أربعة هي الادنين والسيتوزين والغوانين والثيمين، ويرمزلها بالحروف (ت ـ س ـ غ ـ أ A-C-T-G) وهذه الحروف الأربعة تشكل لغة الخلق البيولوجية، ويمكن لها أن تتالى على غير نظام مثل (AAA-T) أو (TCGA) وهكذا واجتماع عدد ينقص أو يزيد من هذا التتابع لهذه الحروف يسمى (جين)(GEN) وهو المسؤول عن بناء عضوي معين في البدن، مثل الانسولين الذي يحرق السكر أو هورمون الغدة الدرقية الذي يشعل الفعالية في البدن ولكن الدارات العصبية هي حروف مبعثرة تبني ارتباطات عشوائية لانهاية لها، وهي ليست عشوائية، بل كل دارة تولد معلومة أو لعلها تفرز عاطفة، أو تحث على شعور ما؟ ويكفي أن نعلم أن كل جزيئات الوجود لاتزيد عن عشرة قوة 88، وبذلك تكون الارتباطات في دماغنا أعقد وأعظم شيء في الوجود(8). موضعة الوعي والمراكز العصبية:   هذا الفهم للدارات العصبية يفتح الباب على انقلاب نوعي في فهم أماكن الاصابات العصبية، فلايعني خراب مكان بعينه أنه هو المسؤول عن الوظيفة الضائعة، تماماً كما في توقف السيارة عن السير لنضوب البنزين فنظن أنها بسبب تعطل المحرك، وهي الابحاث التي تقدم بها النفساني البريطاني (ريتشارد جريجوري) في نظرية جديدة لمواضع الوظائف ومعنى الوعي عند الانسان. وشرح ذلك في مقال مبني على الأصول ضد التموضع ويضرب لذلك مثلاً (إنه من المستحيل تقدير آثار إصابة نوعية دون معرفة كيفية تشغيل أجزاء الدماغ مجتمعة ولنأخذ مثلاً: حالة ماكينة مجهولة نحاول فهم طريقة تشغيلها وذلك بواسطة فك قطعها بشكل اصطفائي واحدة تلو الأخرى، فإذا نزعنا منها جزءً معينا مثلاً خزان الوقود فتوقفت الآلة، حينئذ يمكننا بشكل ساذج أن نستنتج، إذا لم نكن قد رأينا سيارة من قبل، بأن آلية الدفع في هذه الماكينة هي الخزان. ويبدي جريجوري الملاحظة القائلة بأن المشكلة لاتنطرح فيما لو كنا نعرف الآليات المعقدة للمحركات الانفجارية، ونحن في حالة الدماغ لسنا في هذا الموقف؛ إذ أننا لانملك نظرية وطيدة عن التشغيل الطبيعي للدماغ، ولذلك فإن تأويلات المعطيات المستمدة من الاصابات العصبية الدماغية يمسي عسيراً )(9) الغابة الدماغية والتيه العلمي:   عجز المشرحون عن التحقق الفعلي من المراكز العصبية ومكان الوعي والارادة، واحتار علماء النفس في تفسير أحلام التحقق وظواهر الباراسيكولوجيا، ولم يفهم تماماً كيف تتحول موجات الكهرباء الى ألوان بعينها مترجمة في الدماغ. لم يفهم تماماً آلية ترابط المشاعر مع الأفكار فيبدو أن هناك نوع من الترابط المحكم يضيع مع تدمير بعض الممرات العصبية. تخلخل البناء النظري الذي وضعه ديكارت سابقاً في ثنائية الروح والبدن، فهناك نوع من الضفيرة المحكمة بين النفس والجسد، فالروح تتنفس من خلال البدن والعكس صحيح. ولغز العقل والوعي مازال قائماً.   مراجع وهوامش :   (8) كتاب اللغة والفكر ـ تأليف تشارلز فورست ـ ترجمة محمود سيد رصاص ـ الفصل الأول ص 6 (9) نفس المصدر السابق ص 216 .  
اقرأ المزيد
ديكارت مقلوباً (2)  (أنا موجود أنا أفكر)  (بحث ظاهرة الأنا في مؤتمر العلوم العصبية) 
ديكارت والمقال على المنهج :   في الوقت الذي كان العالم الاسلامي يضع عقله على الرف، ويتوقف الزمن عنده على ضرب صنج الصوفية، ويشخر في أحلام وردية على قصص ألف ليلة وليلة، كانت بذور منهج الغزالي في التأسيس المعرفي من خلال مبدأ الشك يثمر ثمراته في جنوب ألمانيا بطريقة مختلفة. يقول ديكارت عن نفسه أن الثلج والبرد اضطره الى قضاء الشتاء في جنوب ألمانيا قريباً من مدينة أولم ( ULM ) . كان  رينيه ديكارت  من نبتات التنوير العقلي الجديد ، الذي امتد من شمال إيطاليا الى كل أوربا من الشعلة التي قدح زنادها لابن رشد. يقول ديكارت أنه التجأ الى هذه المكان وهو فارغ البال من الهم والحزن والهوى. كان الشيء الذي يحتل كل ملكاته العقلية هو إمكانية الوصول الى الوثاقة واليقين في العلوم، فديكارت كان قد ودع الفكر القديم وفقد ثقته به فكتب: (العقل هو أحسن الاشياء توزعاً بين الناس إذ يعتقد كل فرد أنه أوتي منه الكفاية، حتى الذين لايسهل عليهم أن يقنعوا بحظهم من شيء غيره، ليس من عادتهم الرغبة في الزيادة لما لديهم منه . ويشهد هذا بأن قوة الاصابة في الحكم التي تسمى العقل أو النطق تتساوى بين كل الناس بالفطرة، وكذلك يشهد بأن اختلاف آرائنا لاتنشأ من أن البعض أعقل من البعض الآخر، وإنما ينشأ من أننا نوجه أفكارنا في طرق مختلفة، لأنه لايكفي أن يكون للمرء عقل بل المهم هو أن يحسن استخدامه، وإن أكبر النفوس لمستعدة لأكبر الرذائل مثل استعدادها لأكبر الفضائل)(6) المنهج الديكارتي : أنا أفكر .. أنا موجود:  استولى الشك على كيان ديكارت كاملاً فبدأ يتنفس الشك ويعيش فيه، ويقول أن تلك الليلة شعر وكأن دماغه ـ من شدة التفكير ـ يوشك على الانفجار، ثم انقدح امامه فجأة المنهج الجديد، الذي عرف بالمنهج التحليلي الديكارتي، الذي لنا عودة تفصيلية اليه اثناء الغوص في بحر الفلسفة. قال ديكارت إنني عندما أشك أفكر؛ حتى لوشككت في كل شيء؛ بمافيه وجودي بالذات، حتى لو زالت الدنيا كلها، فإن شيئاً لايزول ولايتزحزح وهو انني أشك؛ أي إنني أفكر وإذا كنت أفكر فهناك حقيقة أنني موجود على صورة من الصور ولكنني موجود؛ فهذه هي الحقيقة الراسخة الوحيدة التي يمكن أن استند اليها في كل عمليات التفكير. هذه الحقيقة الراسخة مهدت الطريق لعصر التنوير في أوربا واعتبرت الفلسفة الديكارتية أحد المفاصل الجوهرية التي قامت عليها الفلسفة الأوربية الحديثة، باعتبار أن ديكارت وعشرات من أمثاله كانوا البناة النظريون للعصر الحديث بكل انجازاته، لأنه مع حركة العقل تم تدشين حرية التفكير، ومع حرية التفكير انطلقت الابحاث العلمية بدون حدود، ومنها نبعت التكنولوجيا الحديثة والنظم السياسية أي الليبرالية الاقتصادية والديموقراطية السياسية، فهؤلاء المفكرون العظام هم الذين حلوا أعظم مشاكل الجنس البشري؛ في علاقة السلطة بالمواطن، ونقل السلطة السلمي، وبناء مناخ الحرية الفكرية الكامل بدون أي خوف أو تابو. ولكن مؤتمر جمعية العلوم العصبية (SOCIETY  FOR  NEUROSCIENCES) الذي ضم مايزيد عن عشرين ألف عالم، اجتمعوا في مدينة سانت دييغو في مقاطعة كاليفورنيا خرج ببعض النتائج التي بدأت تهز الأقدام تحت نظرية ديكارت. مؤتمر (سان دييجو) يثير بحث المشكلة الفلسفية من جديد:   ومما أذكر من تسعينات القرن العشرين أنه اجتمع كمٌ ضخم من أطباء العصبية والمعلوماتيين (INFORMATIKER) وعلماء النفس والفلاسفة ومشرحو الدماغ  وبيولوجيو الكيمياء العصبية في مؤتمر هام في سانت دييجو، يريدون حل المعضلة القديمة للفلسفة: ماهو الوعي الانساني؟ لقد حاولوا اقتحام الدماغ لفهم أسراره الدفينة. ولكن من أجل فهم ماذا يعني الكيان (أنا) كان عليهم تجاوز عقبة كؤود غير قابلة للاختراق على مايبدو حتى الان وهي: دور المشاعر والاحاسيس وعلاقتها بالعقل والفكر؟! إن الثورة العقلية التي بدأها ديكارت مع عام 1644 م عندما أطلق مقولته الفلسفية الشهيرة (أنا أفكر أنا موجود)(COGITO, ERGO  SUM) كان قد وضع أحد الأحجار الأساسية في الفلسفة الحديثة، فأما الروح والعقل والوعي فإنها تخص الكنيسة، وأما البدن فيمكن اقتحام التابو فيه وتعريضه للتشريح، وهكذا أوجد النظرية الثنائية في أن الانسان كيانان يسبحان جنبا الى جنب الروح والبدن في ثنائية متلازمة غير مفهومة. ولكن كما تفعل الثورة مع ابناءها فيبدو أن هذه الثورة العقلية تهدد بأكل ابناءها الذين دشنوها على حد تعبير مجلة الشبيجل الألمانية (7) فالاتجاه بدأ ينعكس الآن ليس البحث في البدن بل في الروح؛ فكيف نفهم الذات؟ كيف نعرف من نحن؟ كل السر على مايبدو يربض تحت عظم الجمجمة، في المادة المخية التي تضم مائة مليار خلية عصبية، في تعقيد لايقاربه شيء في الكون. مراجع وهوامش :   (6) مقال على المنهج ـ رينيه ديكارت ـ ترجمة محمود الخضيري ـ الناشر دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ـ ص 110 (7) مجلة الشبيجل الألمانية العدد 16 1996 م ـ البحث عن الذات ص 190
اقرأ المزيد
ديكارت مقلوباً (1)  (أنا موجود أنا أفكر) (بحث ظاهرة الأنا في مؤتمر العلوم العصبية) 
مع نهاية القرن الخامس الهجري عانى العالم الاسلامي من إعصارين مدمرين، الأول كان في الانحطاط الأخلاقي والسياسي، كنتيجة محتومة للانقلاب الأموي القديم، والثاني من تطويقٍ محكم، بين مطرقة المغول وسنديان الصليبيين. بل أكثر من ذلك حسب المؤرخ (توينبي) بتعبيره الإجهاز على الفريسة الإسلامية بثلاث محاور برتغالي شرقي وإسباني غربي والقوزاق الروس باتجاه ممالك التتر في القرم. أما الإعصاران فكانت خلفيتهما ثقافية بالدرجة الأولى؛ فالجهاز المناعي الفكري وخطوط الدفاع العقلية كانت قد انهارت خطاً بعد خط وخندقاً خلف خندق. حتى اختتم القرن السابع ومعه انطفأت الروح الحضارية الاسلامية، الموافق لمنتصف القرن الثالث عشر للميلاد، عندما انهارا جناحا العالم الاسلامي في فترة عقدٍ من الزمن (1) وحصل الانقلاب الكوني وبدأت الحضارة تكتب من اليسار الى اليمين، واستخدم الحصان العربي لغزو ونهب العالم الجديد في الامريكيتين. وحُبس العالم العربي خلف مضيق بحر الظلمات في زنزانة البحر المتوسط.   أزمة العقل المسلم في القرن الخامس الهجري:   في هذه الظروف المكربة صدم العقل الاسلامي الى أعمق أعماقه في سؤال ملح: ماالذي قاد الى الكارثة؟ وقف الامام أبو حامد الغزالي ليقوم بأهم عملين عقليين ماسحين، فيما يشبه جهاز الرادار العقلي، في البحث بين الانقاض، كما يفعل الباحثون عن الصندوق الأسود عند تحطم الطائرات. في بحث الخلل الأخلاقي، وخلفية الاعصار العقلي، فاستنفر نفسه لدراسة أربعة تيارات فكرية عاصفة كانت تجتاح العالم الاسلامي وقتها: الفلسفة اليونانية وتيارات الباطنية وفرق المتكلمين والاتجاه الصوفي. كان ضغط المصيبة ماحقاً ساحقاً، بحيث انضغط عقل الغزالي فانحدر الى الشك. والشك دائرة مروعة وكأنها الثقب الأسود الشفاط، وهذا الذي حصل مع الغزالي. ومع تراكم سحب (الشك) اسودت معالم الطرق العقلية، وتسرب الشك الى كل المنافذ، وفي النهاية استولى الشك بالكامل على عقل الغزالي وطوقه بإحكام، حتى وصل الى الشك بكل شيء حوله، وتسربت عفونة الشك الى المدارك العقلية الاساسية مثل البديهيات الاساسية. تساءل الغزالي: إذا كان المنام كله ضرباً من الوهم؟ فلماذا لاتكون الحياة كلها ضرباً أكبر في الخيال السقيم؟ يقول الغزالي: (فتوقفت النفس في جواب ذلك قليلاً، وأيدت إشكالها بالمنام، وقالت: أما تراك تعتقد في النوم أموراً، وتتخيل أحوالاً، وتعتقد لها ثباتاً واستقراراً، ولاتشك في تلك الحالة فيها، ثم تستيقظ فتعلم أنه لم يكن لجميع متخيلاتك ومعتقداتك أصل وطائل؟ فبم تأمن أن يكون جميع ماتعتقده في يقظتك بحس أو عقل هو حق بالاضافة الى حالتك التي أنت فيها؟ لكن يمكن أن تطرأ عليك حالة تكون نسبتها الى يقظتك، كنسبة يقظتك الى منامك، وتكون يقظتك نوماً بالاضافة اليها! فإذا وردت تلك الحالة تيقنت أن جميع ماتوهمت بعقلك خيالات لاحاصل لها)(2) محنة الغزالي الروحية:    وتطورت الصدمة العقلية الروحية عند الغزالي الى أن أدخلته المرض فارتمى في السرير وكاد أن يهلك، ويروي تجربته الروحية الفكرية بشكل مؤثر: (فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ودواعي الآخرة قريباً من ستة أشهر أولها رجب سنة ثمان وثمانين واربعمائة، وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار الى الاضطرار، إذ أقفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس، فكنت أجاهد نفسي أن ادرس يوما واحدا تطييبا لقلوب المختلفة الي، فكان لاينطق لساني بكلمة واحدة ولا استطيعها البتة، حتى أورثت هذه العقلة في اللسان حزنا في القلب، بطلت معه قوة الهضم ومراءة الطعام والشراب، فكان لا ينساغ لي ثريد، ولاتنهضم لي لقمة؛ وتعدى الى ضعف القوى، حتى قطع الاطباء طمعهم في العلاج وقالوا: (هذا أمر نزل بالقلب ومنه سرى الى المزاج، فلاسبيل اليه بالعلاج، الا بأن يتروح السر عن الهم الملم)(3) الانهدام العقلي الكبير على يد الغزالي:   بقدر مابدأ الغزالي خطواته العقلية الأولى بجبروت في تأسيس المعرفة عندما أسس مبدأ اليقين في العلوم (4) بحيث لاتتزعزع المعرفة العقلية حتى لو برهن على عكسها بتحويل الحجر الى ذهب والعصي الى ثعابين، فالمعرفة العقلية هي أعمق وأبقى، والذي ترك كامل بصماته على العقل الأوربي؛ بقدر ماانتهى الغزالي نفسه؛ عندما سطر قلمه كتاب (تهافت الفلاسفة)  في نهاية رحلته الى حالة فراغ كاملة بالانتحار الصوفي، مما اضطر ابن رشد لاحقاً؛ أن يتدخل بعملية فكرية جراحية اسعافية لعقل مسلم منتحر بنزف داخلي، قد انهار صاحبها بفعل النزف الفكري الى حالة الصدمة غير قابلة التراجع (IRREVERSIBLE  SHOCK) فيكتب في الوقت الضائع للمباراة كتابه (تهافت التهافت)(5). لذا لم يستفد العالم الاسلامي من كتابات ابن رشد شيئاً، بل هي موضع شبهة وشك فهو من التراث المحترق. مراجع وهوامش :   (1) من التصادف الغريب والمحزن لمصير العالم الاسلامي أن جناحيه قطعا في فترة عقد من السنين، فسقط كما يسقط الطير بلا جناحان. سقطت اشبيلية في الاندلس في عام 1248 م بيد الاسبان ودمرت بغداد بالمحراث المغولي الهابط من الشرق في عام 1256 م (2) كتاب (المنقذ من الضلال والموصل الى ذي العزة والجلال) أبو حامد الغزالي ـ حققه جميل صليبا وكامل عياد ـ دار الاندلس ـ ص 85 (3) نفس المصدر السابق ص 136 (4) تأمل تعبيرات الغزالي المدهشة في التأسيس المعرفي (فلابد من طلب حقيقة العلم ماهي؟ فظهر لي أن العلم اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافاً لايبقى معه ريب ولايقارنه إمكان الوهم والغلط ، ولايتسع القلب لتقدير ذلك، بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارناً لليقين مقارنةً لو تحدي بإظهار بطلانه مثلاً من يقلب الحجر ذهبا والعصا ثعباناً لم يورث ذلك شكاً وإنكاراً، فإني إذا علمت أن العشرة أكثر من الثلاثة؛ فلو قال لي قائل: لا .. بل الثلاثة أكبر من العشرة؛ بدليل أني أقلب هذه العصا ثعباناً وقلبها وشاهدت ذلك منه، لم أشك بسببه في معرفتي، ولم يحصل لي منه الا التعجب من كيفية قدرته عليه! أما الشك فيما علمته فلا) نفس المصدر السابق ص 82 (5) يراجع في هذا كتاب (تكوين العقل العربي) للمفكر المغربي الدكتور محمد عابد الجابري ـ مركز دراسات الوحدة العربية ـ مثلاً فصل العقل المستقيل في الثقافة العربية الاسلامية
اقرأ المزيد
حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram