- -

قوانين الحرب
في يوم 24 فبراير من عام 2022 تم اجتياح أوكرانيا من الجيش الروسي وتفرق الناس مزعا في التفسيرات، وجاء وقت لمعان الفضائيات المضللة أو تصريحات السياسيين الكذابين، ولأن لي فلسفة خاصة في الحرب فقد عكفت على صياغة حوالي خمس وعشرين قانونا معرفيا لفهم فلسفة الحرب. والحرب الأوكرانية لاتخرج عن هذا الإطار.  القانون الأول: الحرب يشنها واحد من ثلاثة: المتخلفون أو أشباه المتخلفين أو لتأديب المتخلفين. القانون الثاني: قد تغتصب امرأة ولكن لن تنال قلبها أو احترامها بل حقدها الدفين إلى يوم الانتقام. ومافعله بوطين في اغتصاب أوكرانيا لايخرج عن هذا القانون من عالم النفس إلى عالم السياسة.  القانون الثالث: الحرب يمكن أن تخوضها في أي وقت ولكن الخروج منها ليست في يدك ولا في كل وقت تريده. في الحرب الأهلية الأمريكية أحضر الجنرالات زوجاتهم للفرجة في ظنهم أنها مسألة ستة أيام فدامت ستة سنوات بكلفة 600 ألف قتيل. كذلك الحال مع الإمارات والسعودية وحربهم في اليمن ضد الحوثيين. القانون الرابع: تختصر الحرب هي في ثلاث كلمات: جريمة وجنون وإفلاس أخلاقي. القانون الخامس: لن يعطيك خصمك سلاحا تتفوق به عليه. وإن أعطاك فهو يستخدمك ضد آخرين للتجريب وأحيانا للخذلان كما في فئران التجارب. لنتذكر دبابات صدام T72 ومدى المدفعية مع دبابات ابرامز الأمريكية التي كانت أبعد مدى فاصطادت دبابات صدام مثل طيور الحجل. أو مد الأفغان بصواريخ ستينجر لصيد طائرات الروس وحرمان سوريا منها فنزلت فوق رؤوسهم كالحميم يصهر به مافي بطونهم والجلود من سبعين ألف برميل. القانون السادس: كانت الحرب فيما سبق سعيا وراء مغنم وكسب واليوم يقول الاستراتيجيون يجب تجنبها قبل أن نعلق في أوحالها. القانون السابع : كل من يخوض الحرب خاسر ماليا وقبلها أخلاقيا وما تجر من ويلات وآهات وآثام. القانون الثامن: الانفلات والتزحلق من الحرب التقليدية إلى الحرب الذرية وارد في كل لحظة مع الحماقة. القانون التاسع: الحرب العادلة تتطلب أربعة شروط حسب الجنرال البريطاني ديفيد فيشر في كتابه الحرب والأخلاق: قضية عادلة + نية حسنة + قوة مخولة + كآخر خيار. والقضية العادلة بدورها لها اربعة حقول: الإبادة الجماعية + التطهير العرقي + جرائم حرب + جرائم ضد الإنسانية. القانون العاشر: حين تنزلق الثورات إلى التسلح فالحرب الأهلية يصبح مصيرها بيد من يملك السلاح والتمويل، وقبلها مايريده هو لا أنت والثوار. القانون الحادي عشر: الحرب الذرية تعني نهاية الحضارة في ثلث ساعة، ولا أحد يريد الفناء؛ فأي بقعة على وجه الأرض يمكن الوصول إليها بالصواريخ المخبأة في المدافن الأرضية (SILO) تحمل الرؤوس الهيدروجينية المتعددة يكفي رأس منها لمسح عاصمة عالمية وما حوت. وحسب جورباتشوف الرئيس الروسي الأسبق أن غواصة نووية واحدة تحمل في بطنها من الطاقة النارية أكثر من كل النيران التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية. القانون الثاني عشر: حين تتسلح الثورات يمكن شراء الثورات والثوار بدراهم معدودة وطيران درجة أولى للمؤتمرات وفنادق سبعة نجوم لتتحول الثورة إلى ثروة المنافقين والعملاء. القانون الثالث عشر: جربت أوربا كل أنواع الحروب الدينية والقومية والعالمية لتعقل وتكف عن هذا الشر. هكذا ولد الاتحاد الأوربي بنصف مليار من الأنام، في بحيرة سلام، ولمع نجم اليور فوق الغمام. القانون الرابع عشر: الحرب هي كل الشر؛ لأنها تعتمد إفناء الآخر ومع ذلك يخوضها البشر حتى تضع الحرب أوزارها. ومنه صدق القرآن حين قال لأدم اهبطوا بعضكم لبعض عدو. مع هذا لم يقل كلكم لكل عدو كما في فلسفة (هوبز) الفيلسوف البريطاني الذي رأى الحل في الملكية المطلقة. القانون الخامس عشر : من أوقف نشوب الحرب العالمية الثالثة الوصول إلى سقف القوة فالكل على بوابة الجحيم خائفين خاشعين من الذل وأفئدتهم هواء. القانون السادس عشر: لن يوقف الحرب في العالم إلا بناء الدولة العالمية وبرلمان دولي تشترك فيه كل دول الأرض عنده قدرة تنفيذ القرارات، حينها  ندخل السلام الأبدي كما في تعبير الفيلسوف (ايمانويل كانط) في كتابه السلام الأبدي (Zum ewigen Frieden). القانون السابع عشر: (قانون جوليفر) تحولت الحرب مع التكنولوجيا إلى  إنسان جوليفر بمعنى العمالقة في أرض الأقزام! لنتصور أن رجلا يدب في مدينة طوله 150 مترا ووزنه 200 طن؟ هل يبقى بشرا سويا؟ وكذلك الحرب وضخامتها لم تعد حربا. كما أن المواجهة بالترس والرمح انتهت فقد يكبس جندي على زر يطلق قنبلة حرارية أقوى من هيروشيما بألف مرة؟ القانون الثامن عشر: نصيحتي للمتحمسين تذكر قول الشاعر العربي الذي وصف الحرب على الشكل التالي:
أول ماتــــــــكون الحرب فتية   تســــعى بزينتها لكل جهول حتى إذا حميت وشب ضرامها  غدت عجوزا غير ذات خليل شمطاء جزت شعرها  وتنكرت  مكروهة للشــــــــم والتقبيل
في الحرب يخسر الإنسان فرديته وحريته واستقلاله وقراره ليتحول إلى قطعة لحم في مجموعة تقتل على الأوامر. والمشكلة هي في ورطة البشر في بناء الدولة المركزية، حيث يتحكم في القرار حلقة ضيقة من القادة ومساعديهم، وهي ورطة وقع في شباكها الجنس البشري منذ ستة آلاف سنة.  لايعرف فظاعات الحرب وأهوالها إلا من ذاقها وتبقى للآخرين في الورق والفيديو والصور الميتة مع الموتى فلا تسمع لهم ركزا. في جبهة السوم في الحرب العالمية الأولى خسر 1265000 جندي حياتهم من البريطانيين والفرنسيين والألمان موعظة للغافلين وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. في حرب الثلاثين سنة في أوربا (1618 ـ 1648) قتل على الأرض الألمانية سبعة ملايين من الناس وعدد السكان 21 مليون ودمر ثمانين ألف قرية ومدينة وأكل الناس الجرذان ولحوم المشنوقين. في معركة كربلاء 5 قتل 65000 شاب عراقي وإيراني وفي حملة الإنفال من أوصل رقم من قتل من الأكراد إلى 180000 ألف ضحية هذا غير المفقودين والمعطوبين والمشلولين. ثمة خطة عند أمريكا لمسح 12500 موقع ومدينة في روسيا إذا وقت الواقعة. في الحرب الكورية طلب الجنرال مك آرثر من الرئيس ترومان 17 قنبلة ذرية لمسح الكوريين والصين فطلب منه الاستقالة. في قصة ولدي آدم من قتل خسر وأصبح من النادمين، وكذلك سيكون مصير أبو البوطين بعد أن يجر أذيال الخيبة من الوحل الأوكراني، وقد يأتي من انقراض أجله  تحرير السوريين المظلومين بعد انقضاء أجل الطاغية أبو البوطين.  
اقرأ المزيد
مصير الحرب .. إلى أين ؟ (3) 
يقول غورباتشوف (( الحرب النووية لايمكن أن تكون وسيلة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وإيديولوجية أو أي أهداف أخرى وتكتسب هذه الخلاصة في الحقيقة طابعاً ثورياً كونها تعني قطعاً نهائياً مع التصورات التقليدية حول الحرب والسلام ، فالوظيفة السياسية للحرب كان تبريرها عقلانياً أما الحرب النووية فهي عقيمة وغير عقلانية ففي النزاع النووي لن يكون هناك رابحون وخاسرون لإن الحضارة العالمية سوف تفنى فالنزاع النووي ليس حرباً بالمفهوم التقليدي بل هو انتحار )) ( 9 ) وانتبه الرئيس الأمريكي ( آيزنهاور ) إلى هذا التحول النوعي منذ عام 1956 م فأشار إلى أن الخيار المفتوح أمام الجنس البشري هو بين الموت والحوار وبأن عصر التسلح قد ولى ؟!   وإذا كان العالم قد وصل إلى هذه المرحلة في ضوء هذه البانوراما فلماذا تحدث الحروب التقليدية هنا وهناك في البوسنة وراوندا ، في اذربيجان والشيشان ؟؟ سألت زوجة الدكتور كامل بشغف لتسمع الإجابة فكل الشرح السابق لم يعطها برد اليقين . إن هذا يتطلب إلقاء الضوء في زاوية جديدة مختلفة عن المسار الذي شرحناه وقدمناه . وهي تشمل الباقة الزهرية الفكرية التالية من حديقة الفكر : ( 1 ) تقول الفكرة الأولى : إن العالم الذي نعيش فيه قد تحول إلى شريحتين متميزتين ، الشريحة الأولى مضت في الشوط حتى منتهاه ، وطورت كل الأسلحة التي تخطر على البال ولاتخطر ، فوصلت إلى هذه الحقيقة التي قررها الرئيس الأمريكي ( آيزنهاور ) أي أنه لاسبيل إلى حل المشاكل عن طريق القوة المسلحة ، وفض النزاعات عن طريق الحروب ، ولذا توقفت عن استعمال القوة فيما بين بعضها بعضاً ، وهكذا اقتربت فرنسا وألمانيا مع كل العداوات التاريخية القديمة ، وتشكلت الوحدة الأوربية التي يزداد أعضاؤها كل يوم ، بحيث تتحول البحيرة الأوربية مع كل يوم إلى بحيرة سلام ، وأرض تفيض عسلاً ولبناً . والشريحة الثانية التي لم تدرك طبيعة التحول النوعي الذي دخله العالم بتطليق القوة ثلاثاً لارجعة فيها ، فهو وإن كان يعيش بيولوجياً في نهاية القرن العشرين ولكنه مازال يعيش عقلياً في القرن التاسع عشر ، فهي شريحة منتسبة إلى العهد العتيق ؛ عصر الغابة والهراوة والسيف والترس وامتداداتها من سبطانة المدفع أو التلمظ لـ ( صنم ) السامري الجديد ، سلاح شمشون الجبار ، القنبلة النووية ، التي يفككها من بدأ بصناعتها ، ويندم على مليارات الدولارات التي أنفقها في إنتاجها ، ويعلم علم اليقين أنها سلاحاً ليس للاستخدام ، فهي صنم السامري الذي له خوار ( فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار ) ولكنه لايضر ولاينفع ولايملك موتا ولاحياة ولانشورا ، ولو كان للاستعمال لاستخدمته أمريكا في أشد الظروف حلكة ً ، في حرب فيتنام وكوريا وسواه . ( 2 ) وتقول الفكرة الثانية : إن عيوننا ترى العجيب والمتناقض الآن فهناك تياران في العالم ، الأول يرمي بالسلاح ويتخلص منه ، بعد أن شعر أنه صنم لايضر ولاينفع ، وبدأ  يكتشف أن أعظم سلاح هو الانسان الجديد المسلح بالعلم والسلم ، فهما الجناحان اللذان سوف يطير بهما إلى عالم المستقبل ، وتيار يكدس السلاح ويشتريه الليل والنهار ، بل والمضحك أكثر ، أن الفريق الأول يفكك السلاح الاستراتيجي فلايبيعه ، ويبيع السلاح السخيف ، فيقبض عليه أموالا وفيرة ، وهكذا أنفق العالم العربي في تكديس السلاح السخيف ودفع ( مليون مليون = تريليون ) دولار في مدى العشرين سنة المنصرمة ومازال ، كل ذلك بسبب هذه العمى التاريخي عن المتحولات الخطيرة في صيرورة التاريخ ووقع أحداثه . ( 3 ) وتقول الفكرة الثالثة : إن هذه اللعبة العجائبية والمسلية ، يدركها أساطين السياسة ، ودهاة التخطيط الاستراتيجي في العالم الغربي علم اليقين ، ولكنهم يحاولون المحافظة على هذا الوضع إلى أبعد مدى وأكبر وقت ممكن ، لقناعتهم الراسخة أنه في الوقت الذي يبطل فيه سحرهم سيخسرون امتيازاتهم ، ويتراجع مركزهم في العالم ، ليزيحوا المكان لقوى عالمية جديدة . ولذلك فإنهم يحافظون بل ويشعلون الحروب هنا وهناك ، لقناعتهم الكاملة أنها كلها حرائق مسيطر عليها وأماكن تجربة لحصر القوى الجديدة أن تبقى بعيداً عن الفهم الجديد ، ولذا فكل الحروب التي تشتعل هنا وهناك ، يجب أن نعلم أنها ليست تحت سيطرتنا ، بل تحت سيطرتهم ، وحتى عندما نبدأها فنهايتها ومصيرها ليست بأيدينا بل بأيديهم ، فهم ينصرون من يرون أن من مصلحتهم نصره ، ويخذلون من يرون في خذلانه فائدة لهم ، وإذا أرادوا أن يمدوا في حرب قرابة عقد من السنين لتصبح أطول من الحرب العالمية الثانية فلا حرج ،  كي تجري فيها جنباً إلى جنب مصالحهم ودماء الآخرين ، واللعبة هي بين خبث الذكي وبلادة الغبي ، ولكن الملام الأكبر هو نحن المغفلين ، ( 4 ) وتقول الفكرة الرابعة : طالما هم الذين ( يدركون ) و ( يستطيعون ) فلماذا لايطفؤون الحرائق ، أو لايشعلونها على الأقل ، وجواب هذا هو أن العالم الذي نعيش فيه كما وصفه المؤرخ البريطاني توينبي يعيش حالة فراق بين العلم والقيم ، فالعلم شق الطريق إلى السلم ، كما فعلت التكنولوجيا الجديدة من ربط الناس وسرعة الاتصال وتطوير الأجهزة ، ولكن الذي حصل هو أن السياسيين مازالوا لم يقفزوا نفس القفزة النوعية التي قفزها العلم ، فهم مازالوا يريدون وضع  الطاقة الجديدة في القربة القديمة ،، فمسلمة ( كلاوسفيتز ) القديمة في فن الحرب ، من أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل جدبدة ، قد طواها الزمن وأكلها العث ، ولكنها مازالت حية في أذهان الكثيرين الذين لم يعوا التحول الجديد . ومن هنا فإن المفكرين والفلاسفة يسبقون عصرهم ويتركون آثاراً بعيدة ، فلايظهر أثرهم إلا قليلاً في عصرهم الذي عاشوه ، فابن رشد مازال يعيش في ذاكرة التاريخ في الحين الذي لانذكر الحاكم أو الدولة التي كان يعيش فيها .
اقرأ المزيد
مصير الحرب .. إلى أين ؟ (2) 
إن الحرب هي التجلي الأعظم لإلغاء الإنسان أخيه الإنسان ، فعندما يختلف اثنان هناك طريقان لاثالث لهما لحل المشكلة القائمة بينهما ، إما محاولة التفاهم بحيث يغير الآخر موقفه من تلقاء نفسه وبقناعته الخاصة ، وإما باستخدام أساليب ( الاكراه ) للآخر بصور شتى لاتنتهي ، فالعنف يبدأ من الكلمة وينتهي بالرصاصة ، وأشكال السلوك العنيفة لاتنتهي من رفع الصوت وحدة النظر والتوتر والانفعال والتآمر والكراهية والغضب والحقد والخبث والضرب والأذية ، وتتوج في النهاية بالإلغاء الكامل والتصفية الجسدية ، فالحرب هي الصورة النهائية والتجلي الختامي لحذف الآخر الذي لانعترف بوجوده ، نحذفه من الوجود بالسكين والمسدس والقذيفة والسلاح النووي والكيمياوي؟! فهذه هي فلسفة الحرب وجذر العدوان .  الحرب قديمة قدم الإنسان والحضارة ، وتشكلت كخطأ ( كروموسومي ) مع بداية تشكل المجتمع الإنساني ، فمع الحضارة ولدت الدولة ونشأت المؤسسة العسكرية الذكورية ، ومع ولادة التخصصات في المجتمع وتطور التقانة نبتت العلوم العسكرية والتكنولوجيا الحربية ، وبتعانق هذا الثالوث المشؤوم ( المؤسسة + العلوم + التكنولوجيا ) ولدت الحرب من رحم العنف ؛ صغيرة ضعيفة لتكبر وتنمو بأشد من السرطان والغيلان ، بل إن مجتمعات بكاملها تحولت لفترة طويلة أو قصيرة إلى مجتمعات عسكرية بالكامل كما حدث مع مجتمع ( اسبرطة ) القديم والذي أصبح مضرب مثل السوء ، مقابل مجتمع ( أثينا ) مركز العلم والفلسفة والفنون . ومع تطور آلة الحرب وعلوم استخدامها ، وضخامة المؤسسة العسكرية واستفحالها وتغول الدولة ، تفجرت الحروب والصدامات كتحصيل حاصل وكنتيجة حتمية ، وكلها تحت ستار ( الدفاع ) عن النفس المشروع ، أو أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع ، وبآلية الاستعداد المزدوج للدفاع يتشكل برميل البارود الذي لايحتاج لأكثر من عود ثقاب كي يتفجر ، فكانت الحرب كما وصفها ( غاستون بوتول ) بنت الحضارة وقاتلتها بنفس الوقت فالحروب قررت مصير العديد من الدول والامبراطوريات فارتفعت لتسقط بعد حين وبنفس الآلية . ومرت دورات الحرب لتفرز أسلحة جديدة تنفع سواء في الصدم أو الوقاية أو الحركة ، وهكذا طور الآشوريون العربة الحربية ، واستخدم هانيبال الفيلة ، وطور الاسكندر نظام الفالانكس ببراعة ، واستخدم الرومان نظام اللجيون بدقة وتفوق ، وفتح الاتراك القسطنطينية بالمدفع الجبار ، وحول كل من جنكيزخان وهتلر جيوشه إلى فرق محمولة سواء بالخيالة أو البانزر ( الدبابات ) ، ومع دخول النيران سقطت القلاع والحصون ، وبتطوير المدفع الرشاش هزم الانكليز دولة التعايشي خليفة المهدي في السودان ، كما حصد الرشاش أرواح مايزيد عن ستين ألفاً من خيرة الجنود البريطانيين في الحرب العالمية الأولى وفي 12 ساعة فقط ( معركة السوم ) ، ثم حصل التحول النوعي عندما انتشر الفطر النووي فوق سماء هيروشيما معلناً وصول الإنسان إلى سقف القوة ، ممتلكاً هذه المرة سلاحاً ليس كالأسلحة ، فهذه المرة وضع يده ودفعة واحدة على الوقود النووي وأصبح مصير الجنس البشري برمته مهددا بالفناء ، فمع تطوير الجيل الثاني من السلاح النووي ( القنابل الحرارية النووية الالتحامية من عيار الميجاطن ) أصبح بالإمكان مسح عاصمة دولة عظمى تضم 20 مليون نسمة ؟؟؟!! وتحويل سطح الأرض في النهاية إلى مايشبه سطح القمر بدون شجر أو مدر ، وتحويل الكرة الأرضية إلى جمهورية من الأعشاب والصراصير والعقارب ربما ؟!  . تعتبر الحرب حسب تعريف المعهد الفرنسي لعلم الحرب أنها كارثة ذات ( 18 ) ثماني عشر وجه فهي : (( هيمنة وتأكيد مبدأ المانوية وعدم الاعتراف بالغير بل وإنكار وجوده واندلاع العنف وغياب الحق والمخاطرة بحياة الإنسان وتدمير الثروات المتنوعة وتكريس جميع النشاطات للمجابهات الدموية وأفضلية اللامعقول على المعقول والمطلق على النسبي في إطار عقلي شمولي ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة والفوضى واشتداد الأزمات والدم والعرق والدموع واللقاء الحتمي مع الموت وانقطاع أحمق يبرهن على فشل العقل والقلب )). مع كل صورة ( التنين ) ذو الألسنة النارية الثمانية عشر هذه كما تتكلم الأساطير ، فإن الإنسان يخطط لها ويبرمج ، ويسعى لها ويحفد ، يتدرب ويستعد ، فالثكنات العسكرية كلها للتدريب على قتل الإنسان أخيه الإنسان ، والأسلحة المرهفة الثاقبة والمفجرة قد أعدت بعناية فائقة لنسف الإنسان وتقطيعه ؟؟!! لعل أخطر مرضين أصيب بهما الجنس البشري هما ( الرق ) و ( الحرب ) فالحرب كانت تفرز الرقيق ، والرق كان ( الآلة القديمة ) فعضلات الإنسان كانت هي الآلة المستخدمة في حرث الأرض وحصد المحاصيل وتربية الحيوان والنقل وماشابه ، وبدخول الإنسان عالم الصناعة كان إلغاء الرق محصلة طبيعية ، فلولم يُلغ الرق قانوناً لألغته الآلة عملياً ، فاختراع الإنسان الآلة وفر الجهد البشري ، فكان تحرير الرق تابعاً لهذا التطور النوعي ، وبنفس هذه الآلية يزحف الإنسان ببطء إلى إلغاء المرض الثاني ( الحرب ) وكل توابعها وتأثيراتها على الإدارة والعلوم والفنون . وهذا التطور الجديد يحتاج بالتالي إلى فكر جديد فلم تعد أوعية الفكر وأساليبها العتيقة مناسبة للعصر النووي ، فلابد من استراتيجية فكرية مناسبة للتطور العلمي الجديد .
اقرأ المزيد
مصير الحرب .. إلى أين ؟ (1) 
مع كتابة هذه الأسطر يمسك العالم أنفاسه على احتمال حرب بين روسيا وأوكرانيا مما دفعني إلى وضع بانوراما عن حماقة الحروب وانها ثلاث: جنون وجريمة وإفلاس أخلاقي. وقد يستغرب القاريء لو قلت له : إن زمن الحرب قد ولَّى وأننا نطأ بأقدامنا عتبة ( عالم السلام ) ونحقق علم الله القديم فينا وسيعتبرني بعضهم مسرفاً في التفاؤل أو غير واقعي بل قد يرى البعض أنني أتكلم ضد التاريخ وأحداث العالم !! نعم قد يختلط هذا الأمر على كثير من الناس وهم يسمعون طبول الحرب ويرون فرقعات السلاح في أرجاء المعمورة ، ولكن الغوص الصبور والتأمل الفاحص في بطن الواقع ، سيكشف الغطاء عن بصيرتنا ؛ أن هذه المظاهر هامشية وجانبية أمام زخم التدفق العام لحركة التاريخ ، فهذه الفرقعات هي بقايا فلول جيش منهزم أومحتضر في سكرات الموت ، فالعالم أصبح الآن وكأن رأسه في عالم السلام وقدماه ملوثتان في برك الدم وهو يخرج منها ، فدماغه مع العهد الجديد ، وأطرافه مازالت في العهد القديم ، وعدم تصديق هذا التحول النوعي الجديد يأتي من عدم حضور العالم و ( شهود ) مايحدث فيه ، والكهنة ( الجدد ) للعالم الصناعي يدركون تماماً أن سحرهم قد بطل وأن أصنام القوة لاتضر ولاتنفع ، ولكنهم يحاولون احتكار الامتيازات في العالم الجديد حتى الرمق الأخير . مازلت أتذكر الدكتور كامل رأسه متألماً على وضع مدينة ( جروزني ) وبوطين يحولها إلى أنقاض ويتصاعد منها رائحة البارود وتسقط في بركة دم . وعقبت زوجته قائلة : يحق لهم أن يدافعوا عن أنفسهم ؛ فالروس سمحوا باستقلال الكثير من الجمهوريات فلماذا يحرمون منها الشيشان؟ صديقنا بوطين كان رئيس قسم الستازي بعشرين ألف غرفت تنصت على مواطني ألمانيا الشرقية. إن صورة الدمار والحروب في بؤر التوتر والنزاع تشوش البانوراما ( الصورة الشمولية ) التي رسمناها عن مصير الحرب وزوال المؤسسة العسكرية ، فماذا نقول عن مذابح راوندا والبوسنة ؟ وصراع اذربيجان والأرمن ؟ والحرب الأهلية في الصومال وأفغانستان ؟ بل ماذا نقول أمام شهادة ( ويل ديورانت ) وهو المؤرخ الحجة في التاريخ الذي يقول في آخر كتاب صدر له : (( الحرب أحد ثوابت التاريخ لم تتناقص مع الحضارة والديموقراطية فمن بين السنوات الحادية والعشرين بعد الثلاثة آلاف والاربعمائة سنة الأخيرة ( 3421 ) من التاريخ المسجل لاتوجد سوى ( 268 ) سنة بغير حرب)) فعلى حساب ديورانت المذكور يصبح تاريخ الجنس البشري في غاية الظلام والإحباط ، لإنه مع كل دورة ( 14 ) أربع عشرة عاماً في التاريخ تلطخت ( 13 ) ثلاثة عشر عاماً منها بالدم الإنساني وسكت منجل ( عزرائيل ) ملك الموت سنة واحدة فقط ؟! فإذا أخذنا هذه الصورة القاتمة لم تكن الوحيدة من مآسي التاريخ المروعة ، وجعبة التاريخ مليئة من مثل تدمير حضارة الازتيك في المكسيك على النحو الذي رسمه ( تزفيتان تودوروف ) في كتابه ( فتح أمريكا مسألة الآخر ) ( 3 ) حيث كشف النقاب بعد مرور خمس قرون ومن خلال استنطاق نفس النصوص التاريخية للغزاة الاسبان ( المبشر لاس كاساس ) عن إبادة ( 80 ) ثمانين مليون من أصل ( 100 مائة ) مليون نسمة كانوا يعيشون في الأمريكيتين ، تم إبادة معظمهم على يد الاسبان والبرتغاليين . أم ماذا نقول عن حصار قرطاجنة وذبح معظم سكانها على يد الرومان عام 164 قبل الميلاد وحمل ماتبقى منهم عبيداً إلى ساحات المجالدين لتسلية الرومان المتخمين ، أم ماذا نتكلم عن تراجيديا شعب ( الوبيخ ) من شعوب شمال قفقاسيا المجاورة لمنطقة الشيشان الحالية ، الذي لم ينقل إلينا خبره إلا رجل واحد فقط ، سجل النهاية المروعة لذوبان أمة بأكملها في قصة ( آخر الراحلين ) بحيث تنقل لنا بوضوح مآساة شعوب شمال قفقاسيا في منتصف القرن التاسع عشر ، بنزوحهم عن موطنهم  الأصلي وتفرقهم في تركيا والأردن وسوريا ومصر هذه القصة من قصص التراجيديا التي لاتقترب منها قصص التراجيديا العالمية بشيء ، لاقصة البؤساء أو قصة عاصفة وقلب ( 6 ) لــ ( فيكتور هوجو ) ، لاقصة ماجدولين للمنفلوطي ، أو قصص ديستوفسكي وتولستوي ، لإنها رواية شعب يفنى بكامله فلايبقى حتى من يقص خبر اختفاءه من سطح الأرض ، إنها ليست قصة عاطفية ومأساة فردية ، بل هي مصير أمة ونهاية شعب بالكامل ، إنها قصة يصاب من يقرؤها بالصدمة ولايتركها إلا وقد بكى مرات ومرات ..  وروعتها أنها ليست قصة من تأليف الخيال ، بل هي مأساة واقعية حدثت بالفعل ، عن تاريخ الإنسان الوحش وبطشه بأخيه الإنسان .. إلى درجة أن البعض فكر أنه من الأفضل للانسان أن يهرب من المجتمع ويرجع إلى الغابة التي خرج منها مرة أخرى ، فثعابين الغابة ووحوشها أرحم من بطش الانسان وظلمه ... ويروي لنا القرآن قصة فتية الكهف الذين هربوا إلى الجبال ولجأوا إلى الكهوف ، لإنهم توقعوا شر ميتة فيما لو عادوا إلى قومهم ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ) كله بسبب الخلاف في الرأي ، حتى ضنوا بالكلب أن يعيش في ذلك المجتمع ، فمجتمع من هذا النوع ليس فيه الضمانات حتى للحيوان ؟! ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعبا ) ولاغرابة في هذا الكلام فالمجتمع الإسلامي لاتموت فيه القطط جوعا والكلاب هرسا بدواليب السيارات ، بل يغفر الله لمن سقى كلباً عطشاناً ودخلت النار امرأة أجاعت قطة حتى الموت  . ولكن صبراً فهذه ليست القصة ولاكامل الجرعة ، فلابد من تملي الصورة جيداً ورؤية التاريخ الإنساني في ضوء جديد ... والسؤال الكبير والمحير والذي اجتهد الفلاسفة والمفكرون في تحليله هو لماذا الحرب ؟ كيف يقتل الإنسان أخيه الإنسان ؟ كيف نشأت الحرب وتطورت ؟ أين نشأت وماهي ظروف تكوينها الجنينية ؟ وماهي جذور العنف والحرب عموماً ؟ ثم إلى أين وصلت اليوم ؟ وماهو مصيرها في المستقبل ؟  
اقرأ المزيد
لماذا يلتهم العرب بعضهم بعضا؟ 
ارسل لي المكرم الجنابي وهو رجل فاضل يشتغل على تجديد الفكر الإسلامي نقلا عن المدعو باسم كامل في رسالة يوجهها إلى حاكم الكويت أنه في طريقه لامتلاك أراضي عراقية ناسيا مافعله من قبل صدام بالتهام كامل الكويت. ولأن هذا يتعلق بجذر المسألة في التهام كل أخ أخيه مثل العنكبوت حينما تستفتتح ليلة العرس بالتهام زوجها الذكر مما ذكرني بمقالة هامة كتبتها عن أبجديات الديكتاتورية أضعها بين أيدي أخوة المجموعة.    أبجديات الديكتاتورية  وأذكر حين تتالت التعازي تترحم على جثة مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري الأسبق وزير الموت والإعدامات. فأقول فعلا فإن الموت جيد.  ومن يرى أحداث سوريا عليه أن يتذكر مقدمات الكارثة، وفي المقابلة التي أجرتها مراسلة مجلة در شبيجل الألمانية (سوزانه كوليبل Susanne Koelble) وثيقة هامة لمعرفة كيف تولد الكوارث.  (در شبيجل عدد 8\ 2005م ص 112 ـ 114) بعنوان جدول ضرب الديكتاتورية أو مانسميه نحن ألف باء التعلم. روى مصطفى طلاس وزير الدفاع الأسبق لها أنه يتعرض لنوبات شنيعة من الكوابيس. وحينما يقارن المرء بين (كوريا) و(سوريا) فليس هناك في الواقع أكثر من تغيير حرف. ويعترف الرفيق (طلاس) للصحيفة الألمانية أنه "لا يتذكر تماماً عدد (التواقيع) على أحكام الإعدامات التي كانت تنفذ في الثمانينيات؟ قال الرفيق (طلاس) قد تكون آلافاً مؤلفة، وعدد المشنوقين بلغ ربما 150 شخصاً في الأسبوع الواحد، وفي دمشق لوحدها؟ كان الجنرال يتحدث بصوت خفيض مع ضحكة ساخرة ويعقب: كما ترين أن ما حدث كان أمرا لا بد منه. فحافظنا على استقرار البلد فلم يعاني من انقلاب لفترة 34 سنة؟ (حتى جاء الزلزال؟) ثم يلتفت إلى الصحفية وهو يروي لها (أبجديات الدكتاتورية) على حد تعبير الصحفية" لقد وصلنا إلى السلطة بقوة السلاح ومن أراد انتزاعها منا عليه أن يجرب حظه بقوة السلاح" و"من أراد أن يحكم فعليه إدخال الرعب إلى قلوب الناس؟". ومن الجدير ذكره أن (طارق عزيز) العراقي قال نفس الجملة قبل أن تعصف به ضربات (الصدمة) و(الدهشة) ويموت لاحقا بالشهقة. فيصبح سلفا ومثلاً للآخرين. إن هذا التقرير الذي أوردته المجلة الألمانية، وإظهاره إلى السطح  يوحي (بشيء) في الظروف التي تمر بها المنطقة فهي تمور، ومن يقرأه يصاب بمزيج من الدهشة والحزن، يرويها رجل دلف إلى الشيخوخة وهن منه العظم، واشتعل الرأس شيبا، بكلمات باردة، في ممارسة فظاعات، لا مبرر لها سوى الاحتفاظ بسلطة زائلة، ولكنه يصلح نموذجاً لدراسة أثر المناخ الثقافي في خلق مزاج الإجرام، وطلاس هو في صدر كل واحد منا  ينتظر فقط فرصة الانقضاض. تقول (سوزانه كوليبل) كان الرجل جالساً على كنبة مريحة وخلفه لوحتان بأقلام طباشيرية لروضة جميلة اشتراها من مزاد علني في بريطانيا، وكانت للفنان (أدولف هتلر)؟ ومن تصدرت مجلسه لوحات النازية دليلا وهادياً كانت أفكار النازية قدوته، وهتلر وضح طريقة معاملة خصومه في كتابه (كفاحي) على نحو واضح: (البتر الكامل). تقول الصحفية الألمانية: إنه خلال العقود الأربعة الفائتة تم سحق كل معارضة فأصبحوا بين مشرد ومسجون ومقتول، وحينما سئل الجنرال الذي ملك وزارة الدفاع 32 سنة وتقاعد عن السماح للمعارضة كان جوابه: هكذا بدأنا نحن الأمر من قبل، وهكذا تبدأ الأشياء، ويجب أن تقمع كل معارضة في مهدها ومنذ البداية، والعلاج الوحيد هو (البتر Amputation)؟ وحين سألته عن الحرية الموعودة التفت (طلاس) إليها وقال ؟ "لا تصدقي السياسيين ، فكلهم كذابون، ويجب أن يكونوا كذابين، ولو لم يكونوا كذلك ما بقي أحدهم منهم في السلطة" قالت له الصحفية الألمانية: كيف تصف زميل الدراسة (رياض الترك) ـ وكان الاثنان في مدرسة الهاشمية في حمص ـ قال: كان ناشف الرأس عنيدا شيوعياً متعصباً ولكن اعترف أن الرجل كان مستقيما" وحينما سألت الصحفية (رياض الترك) بالعكس عن رأيه في الجنرال (طلاس) كان جوابه: "كان منذ تلك الأيام يحب أن يكون الزعيم دوما في المظاهرات وكل ما سعى إليه وحققه كان من خلال القمع والقوة" والتاريخ يروي أن كلاهما وصل لما يريد، فأما (رياض الترك) فيعيش في شقة متواضعة ومن من أراد الزعامة والمنصب فقد وصل إلى هدفه، فسكن فيلا فخمة، تتدلى من سقوفها ثريات الكريستال، يتناثر على أرضها أفخم السجاد العجمي زرابي مبثوثة، ومعارج عليها يظهرون، ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا، وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين. ومن يعش عن ذك الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين. وكل هذا المتاع من عرض الحياة الدنيا بناه من خلال قتل الناس فشارك في مسح نصف مدينة حماة وموجات الاعتقال الضارية لليساريين. أما رياض الترك (العنيد) فقد آثر أن ينام في قبو بارد في زنزانة مظلمة في فرع أمني لمدة 17 سنة لم ير فيها الضوء.  كل ذلك من أجل (الكلمة)؟!.  قالت الصحفية الألمانية لطلاس بحسرة: ولكن ما ذنب زميل دراستك حتى يعاقب بهذا الشكل؟ قال: كانت تعليمات الرئيس الشخصية هكذا؟ ثم رفع الجنرال يديه إلى السماء بشيء من الحيرة فقال: كان يكفيه أن يكتب رسالة اعتذار إلى الرئيس القائد فيطلق سراحه؟ وهو ما لم يفعله رياض الترك (العنيد)؟ قالت الصحفية للجنرال: وما ذا تقول في الإصلاحات؟ قال: حسنا ولكن يجب أن تتم بحذر زائد وبتدرج وتحت المراقبة وبيد الناس الذين يسيطرون على البلد؟ وتعقب الصحفية الألمانية في تقريرها: أن من جملة من يملك البلد (رامي مخلوف) وهو من العائلة المالكة الذي أصبح إمبراطور (التلفون الجوال) أو أولاد عبد الحليم خدام الذين أصبحوا مع أولاد الجنرال يملكون مفاتيح المال والسياسة. إنها قراءة متعمقة في أبجديات الديكتاتورية وبتعبير الصحفية الألمانية (سوزانه كليبول) (جدول ضرب الديكتاتورية Diktatur Einmaleins der ) تقول الصحفية: وإذا سحقت المعارضة سحقاً فكانت هباء منبثاً فهل الضغط الخارجي هو السبيل الوحيد لتغيير الأوضاع بعد أن لم يبق معارضة ومعارضون؟  
اقرأ المزيد
متى نفهم إسرائيل ؟ (2)
الوضع العربي هذه الأيام كارثة والجسم العربي يتفسخ بسبب موت مقيم وهي حال الجثث حين تموت. وأعجبني النيهوم الكاتب  الليبي حين يقول الفرد العربي لاغبار عليه من طبيب ومهندس ومقاول ولكن شبكة العلاقات الاجتماعية مقطعة. فهذا هو المجتمع هو ليس كومة أقراد بل شبكة علاقات اجتماعية. والغرب الحالي قوته من شبكة العلاقات أما الأفراد فلا يختلفون عن الأفراد عندنا.   ومما روى لي زيرك الكردي أنه هرب من كردستان العراق إلى تركيا فاليونان وهناك ألقوا القبض عليه ولكنه عومل معاملة (أوربية) فلم يعذب ويهان، وسلم ليد المسلمين الأتراك فبقي أياما في العراء تحت المطر بدون طعام فتحول إلى زاحف يزحف على بطنه. ثم رأى بعينه كيف يهوي الجنود الأتراك بالعصي الغليظة على يد المتسللين يكسرونها حتى لا تنفع في تسلل جديد. ومن فارق أوربا ودخل أرض السلاطين العثمانيين وبلاد العربان دخل أرض الشقاء والبلاء والوباء والنحس والحبس. وفي الوقت الذي تسلم إسرائيل الأسرى العرب هناك من أصبح له في السجن في بلد عربي أكثر من ثلاث وعشرين سنة بدون محاكمة. وهناك من دخل السجن بتهمة ثرثرة الانترنيت ففتح موقعاً للمعارضة فأصبح له عاماً بدون زيارة ومحاكمة وهو شيء مضحك لولا أنه يحدث. ورجال المخابرات يعيشون حالياً مرحلة الديناصورات قبل الانقراض العظيم. ولم ينتبهوا إلى أن العلم حطم الجغرافيا. ومع الانترنيت لم يبق حدود. وولى زمان (كتمان العلم). ويمكن لأي كتاب أن يطير على أجنحة إلكترونية بلحظات من قارة إلى قارة. ولكن رجال المخابرات أصبحوا مثل ساحرات العصور الوسطى يقفزون بالمكانس لاصطياد أطباق طائرة تئز فوق رؤوسهم بسرعة الضوء. وعندما يتم تبادل المئات مقابل واحد بين إسرائيل والعرب فهو إعلان لقيمة المواطن العربي عند الأنظمة العربية. وقيمة المواطن في نظر الحكومة الإسرائيلية فمتى نفتح عيوننا على الحقائق فلا نهلل للنصر المبين بل نبكي على أنفسنا وذلنا في العالمين. متى نرى إسرائيل أنها من (الداخل) دولة ديموقراطية، ومن يعيش في ظلها يناقش رسالة الدكتوراة من خلف قضبان السجون بالتلفون. وأن سجون إسرائيل عامرة بالكتب أكثر من دواليب الفلق في أقبية المخابرات العربية. وأنها من (الداخل) أصلح من كثير من الحكومات العربية لشعوبها. وأنهم أشداء على العرب رحماء بينهم؟ وأن  العرب تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون؟ وان هناك من يخرج من المحطة الفضائية من داخل إسرائيل فينتقد أكبر رأس سياسي فيها. ومن يتجرأ عندنا فيفتح موقعا للمعارضة في الانترنيت يسجن سنة بدون زيارة وكرامة.  ولكن من يقول هذا يعد خائنا خبيثاً. ومن يطالع الأخبار يصاب بالصدمة مثل الفنان الذي ترسله حكومة عربية إلى أفضل مصحات العلاج خارج الوطن لمرض يمكن معالجته بمشافي من الدرجة الثانية عندنا. لأنه ممثل بارع يتقن النفاق فيخرج أفلاماً في عظمة حكام العرب وحكمتهم اللامتناهية. في الوقت الذي لا يجد المواطن العادي نفقة دخول مستشفى من الدرجة الخامسة؟  فمتى نفتح عيوننا على عيوبنا وننتقد أنفسنا؟ قد يكون حزب الله وأمثاله في قدرتهم طرد إسرائيل كما فعل المجاهدون الأفغان مع من هو أعظم من إسرائيل مائة مرة؛ فالاتحاد السوفيتي كان يملك من الأسلحة النووية ما يمسح أفغانستان من خارطة الوجود مائة مرة، ولكنه هزم على يد أناس تدربوا على القتل. ولما خرج الاتحاد السوفيتي أقاموا دولة الطالبان فأهلكوا الحرث والنسل. ودمروا أفغانستان عشر مرات في سنة واحدة ما لم يفعله الروس في عشر سنين. ووصل أذاهم إلى الأحياء وتماثيل الأموات. وحزب الله اشترك في طرد إسرائيل ولكنه نموذج مكرر للمجاهدين الأفغان من حجم ترانزستور. فمن يفهم القتل وسيلة للتغيير ليس بمقدوره بناء الديموقراطية. وهذا الأمر يختلط على الكثيرين فيظنوا أن القتل والتفجير هو وسيلة التغيير.واليوم انتقلت موضة الانتحار الفلسطينية إلى الرياض واستانبول. وأسلوب حزب الله نصح به بعض السياسيين الذين لا يرون أبعد من أرنبة أنفهم مثل من ينصح مريض القرحة بتناول الأسبرين. وقد يتخلص المرء من الصداع بتناول قرص الأسبرين ولكنه عند مريض القرحة يقتل بالنزف. وإسرائيل في لبنان ليست إسرائيل داخل أرض الميعاد. وقتال أفراد من الجنود في شريط حدودي ليس مثل  مواجهة أمة تعد ستة ملايين فلا يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون؟ وعلى فرض أن تخلص العرب من إسرائيل فخسف الله بها الأرض فلن تنتهي خلافات العرب وصراعاتهم. وزوال إسرائيل لا يعني زوال مشكلات العرب. وولادة دولة عربية جديدة يعني زيادة الدول القمعية في المنطقة دولة. فيزداد مرض العرب مرضا. فيجب أن نفتح عيوننا على هذه الحقيقة المفزعة. ما دفع البعض من الفلسطينيين اقتراح فكرة دولة واحدة بقوميتين ونهاية فكرة دولة فلسطين. متى نستوعب أن مشكلتنا داخلية وأن الصراع العربي العربي هو الجوهري والأساسي وأن الصراع العربي الإسرائيلي هو الهامشي والجانبي. مثل حصول الخراجات عند مريض السكري. وأنه لولا انهيار الجهاز المناعي العربي ما ولدت إسرائيل. وعندما يتعافى الجسم العربي فلن تزيد إسرائيل عن فورموزا الشرق الأوسط. وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.
اقرأ المزيد
متى نفهم إسرائيل ؟ (1) 
العرب مع إسرائيل في حالة عجيبة كانت وما زالت من القفز بين معادلتين بعشرة مجاهيل؟ فهي في يوم دويلة العصابات وهي في يوم تنين نووي؟ وهي ليست بذاك ولا ذلك. هي محصلة طبيعية لانهيار الجهاز المناعي العربي، وانهيار الدولة العثمانية السابق. وأذكر جيدا من فيلم لورانس حين جرى النقاش بعده وكنت يومها في ألمانيا فقال المعقب أن إسرائيل لم تكن لتولد لولم تنهار دولة آل عثمان التي كانت تملك مصير الشرق الأوسط؛ فبعد هزيمتها في العراق دخل الجنرال اللنبي إلى القدس ثم بدأ المسلسل المستمر حتى اليوم.  ومن أعجب مايصلني أن هناك أنبياء كذبة يتنبأون أن نهاية دولة إسرائيل ستكون في ربيع هذا العام 2022م، والسؤال ماذا لو لم تتم النبوءة؟ والجواب سهل فهذا النبي الجديد سوف يقول لم تفهموا علي تماما؟ فالزوال لاتعني أن يخسف بها الأرض وتختفي من الخارطة! بل تعني الانتقال من حال إلى حال كما يقول المغاربة عن الوقت بعد الزوال. وهناك فلسطيني رجل أعمال (غالبا من الشفارة) اسمه من فصيلة حيوانات الغابة، أطل علينا بإطلالة قال فيها أن حربا قادمة بين الصين وأمريكا قادمة وكانت تكهناته أنها ستكون في نهاية عام 2020م قالها وبتعبيره الغبي (شوية صواريخ). وطبعا فالمنجمون أكثر من رمال تندوف. وكذلك الحال مع التكهن بأن دولة بني صهيون سوف تختفي من الخارطة مع ربيع 2020م؟ وهذا يحيلنا إلى مسألة أصولية وهي أننا حتى اليوم لم نفهم دولة بني صهيون بدقة، وأذكر جيدا من  ذكريات عيد الأضحى لعام 1424هـ حين تم تبادل أكثر من 400 أسير عربي مقابل عسكري إسرائيلي واحد حي وثلاث جثث تم التأكد منها بفحص الحامض النووي؛ فهلل العرب للنصر المبين؟ وهو في حقيقته ذل مقيم بأن الأموات الإسرائيليين أفضل من الأحياء العرب؟ وفي نفس العيد الحزين خرج أكثر من مائة من سجن عربي بعد سنين طويلة من الذل منهم رجل أمضى في السجن 29 سنة. فلم يهلل أحد لأن كل البلد سجن. ومن كان خارج السجن لا يفترق كثيرا عمن هو داخل السجن فالكل يرزح في سجن كبير بقضبان من الخارج وقضبان داخل الضمير. وحاليا رغيد الططري مسجون في سجون البعث منذ 42 سنة بدون تهمة ومحاكمة. وروى لي صديقي (زيرك) الكردي أن رجلا خرج من سجن صدام بعد ستين سنة فلا يذكر سوى الملك فيصل الأول، ولم يعرف ماذا حدث بعد ذلك فكانت دهشته مثل دهشة أصحاب الكهف الذين أرسلوا أحدهم بورقهم فاكتشف الناس أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا. ومما روى لي أن حملة الأنفال أخذت اسمها من القرآن ولكن فعلها كان من أبالسة الجحيم فقتل من الأكراد قريبا من مائتي ألفاً. ومسحت خمسة آلاف قرية كردية نقل أهلها إلى محميات كما فعل ستالين مع الشيشان والأمريكيون مع الهنود الحمر. ولكن صدام اختلف عنهم بأبشع من الصرب في سيبرينسكا فقتل من قبيلة البرزان سبعة آلاف ثم نقل النساء إلى معسكر بغرف يدخل على النساء من يشاء من عبيد صدام لمدة أربع سنين فخرج من الأطفال (النغولة) من  لا يعترف عليهم أحد سوى أمهاتهن اللواتي تبرأ منهن الجميع فلا يحسن سوى الدعارة اليوم. وذنب هؤلاء النسوة مغفور ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم. وذنب أولئك الأبالسة غير مغفور.وأحسنت جريدة الشرق الأوسط صنعاً وهي ترسم الكاريكاتور لسجين عربي أطلقته إسرائيل يحتضنه شيخ وبجواره رجل المخابرات العربي ينتظره بـ (الكلبشات) وهو يبتسم؟ وما حصل في إطلاق أسرى العرب يعني في علم (السياسة) أن إسرائيل رضت لنفسها ظاهرياً الذل لتفدي المئات مقابل فرد واحد. ولكن الأمي لا يفك الخط ولو كان من أحب الناس وأبغضهم إليه. فالرسالة يقرأها من يحسن القراءة. وإسرائيل تتكلم بلغة لا نفهمها نحن الأميين؟ و(الحدث) يعني في علم (الرياضيات) أن إسرائيل اعتبرت أن ثلاث جثث وحي واحد يساوي في الميزان أي عدد آخر من العرب ولو بلغ المئات والآلاف. وهو يعني في علم (المنطق الأخلاقي) أن حياة الإسرائيلي ولو كان عربي الأصل غالي جدا في الميزان. مقابل الإنسان العربي المهان في بلاد العربان، كما حدث مع (ماهر عرار) العربي الأصل كندي الجنسية الذي ذاق العذاب المهين على يد بني العروبة في بلده الذي هرب منه (سوريا) فهو يقيم دعوى قضائية ضد بلده الذي هاجر إليه كندا (في النهاية أخذ تعويض من الحكومة الكندية بمبلغ 12 مليون دولار فهو يلاحق الان الحكومة الأمريكية التي سلمته لسوريا)؟ ولم ينقذه إلا الكنديون. وهو تطور مهم أن من يعتقل لم يعد نسيا منسيا بل أصبحت قضيته تحت المجهر. وأمريكا التي سلمته اقترحت عليه أن يتطوع بنقله  إلى سجن بلده الأم العربي (سوريا) الذي ولد فيه فصاح فيهم أرجوكم خذوني إلى أي مكان و لا هذا المكان قالوا له لماذا؟ قال العذاب الأليم؟ ولولا جنسيته الكندية وتدخل الحكومة الكندية للبث في السجن بأكثر من سني يوسف وأشد من عذاب النبي أيوب. أني مسني الشيطان بنصب وعذاب.          
اقرأ المزيد
نهاية فرعون (1) 
كما كان اللقاء مخزيا لفرعون بالمباراة مع السحرة، كذلك كانت نهايته مثل أي طاغية. مع هذا فعلينا الاستدراك قليلا فهناك من الطغاة من انتهوا على الخازوق مثل القذافي، أوبالشنق مثل صدام، أو ضربا بالرصاص مثل شاوسسكو، أو بالاغتيال كما في السادات، وبالمقابل قد يموت على عربة حربية كما في الأسد الوحش الأب، أو مسيرة ملايين في جنازته مثل عبد الناصر الفاشل الأعظم في تاريخ العرب. وهناك نماذج مختلفة بين بين.  نحن نعرف أن شاوسيسكو كان في ضيافة ملالي أيرام قبل إعدامه بأربعة أيام ولما أخبروه أن أوربا الشرقية تتهاوى! قال نعم ولكن رومانيا شيء مختلف، وحين تتحول أشجار الصفصاف إلى أشجار تين يمكن أن يحدث في رومانيا ماحدث في بقية بلدان أوربا التي تتهاوي فيها العروش. والرجل كان معتمدا على مائة ألف من عناصر المخابرات (السيكوريتات) بأنفاق سرية تحت الأرض في العاصمة مجهزين بأفضل الأسلحة، وما حدث أنه أمر السيكوريتات بأن يجتمع الناس كما أمر فرعون من قبل بتعبير (وأن يشهد الناس لعلهم يتبعوا السحرة إن كانوا هم الغالبين). ومن أعجب ماحدث ورأيناه في تصوير حي مباشر أن الأطفال بدأوا يطلقون الصفير وأقبح الأصوات من الفم (السوريون يسمونها تعفيط) فانهدمت هيبته وهجمت الجماهير مثل الطوفان فما كان منه إلا أن فر بطائرة هيليكوبتر مجهزة ليوم الزلزلة ولكن تم لحاقه وإلقاء القبض عليه وزوجته إيلينا (كانت مغرمة بجمع شهادات الدكتوراة المزيفة من المعسكر الشرقي) وبمحاكمة سريعة تم قطع رأس الإفعى؟ وعلى العكس قد يموت صالحون بيد فاسدين كما في إعدام رئيس الجماعة الإسلامية في بنجلادش بأوامر امريكية لقيادة فاسدة، أو قتل مالكولكم أكس بيد أتباعه، أو حسن البنا بيد الملك فاروق أو غاندي بطلقة غادرة من هندوسي متعصب، أو مارتن لوثر كينج بطلقة السلامي في أمريكا من حاقد ومتآمر، وهذا يفتح الباب على أن الدنيا فيها ظلم وظلمات، وأن الآخرة هي دار لاظلم اليوم؛ فليطمئن المؤمنون. فتلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا  في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين. كان الموقف مزلزلا في إيمان السحرة، وهو أمر يحتاج إلى تفكيك نفسي عن انقلاب موقف الإنسان بل تغير موقف مجموعة من المتخصصين في إرهاب الناس كما قال القرآن: فاسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم. بل حتى موسى أصابه ذلك الخوف الداخلي حين رأى العصي والحبال تتحول إلى أفاعي تقفز هنا وهناك في وجه القوم. تاملوا التعبير (فأوجس في نفسه خيفة موسى) هنا جاءته شحنة روحية: لاتخف إنك أنت الأعلى. وفي المباراة تحدوا وقالوا ياموسى مارأيك هل تبدأ أنت أم نحن؟ كان التوجيه دعهم يجربوا حظهم فمن يضحك أخيرا يضحك كثيرا. حين ألقوا حبالهم وعصيهم نظروا إلى فرعون ضاحكين وقالوا بعزة فرعون نحن الغالبون. من الملفت للنظر أيضا أنهم قبل اللعبة أسروا النجوى وبدأوا يهمسون لبعضهم مارأيكم فيما يحدث. بالطبع بينهم عقلاء وبينهم جواسيس فرعون من يحرض ويخبر ويعطي المال؛ فحين حضورهم طلبوا المال. قال لهم فرعون المال مضمون هناك ما هو أهم النفوذ. قالوا إئنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين؟ قال نعم وإنكم لمن المقربين. ربما تلقي هذه الفقرة الضوء أيضا على سحرة الفراعنة في كل عهد؛ فمثلا مايسمى علماء الدين، ووعاظ السلاطين، وفقهاء العصر، ومفاتي الجمهوريات، ومشايخ المحميات، هم أيضا سحرة العصر الجديد، وموظفون في معظمهم، مأجورين بالراتب والهدية والأعطية السلطانية، وحين يقف الحسونة والبوطي وكفتارو بجنب الطاغية فهم سحرة العصر الجديد الذين يتمتعون بالامتيازات والنفوذ. كنت في حلب حين روى لي ساحر من هؤلاء، أنه يتصل بالمخابرات و(المعلم = رئيس الفرع) ويرتب ترويض خطباء المساجد أن يكونوا عناصر مباشرة وغير مباشرة لنظام الطاغية. من الغريب في سحرة فرعون الذين كانوا في الخدمة كيف انقلب السحر على الساحر، وأعلن السحرة إيمانهم على رؤوس الأشهاد، وحين هددهم فرعون بأشنع أنواع القتل؛ قالوا اقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، إنا آمنا برنا ليغفر لنا خطايانا، وما أكرهتنا عليه من السحر، والله خير وأبقى. هنا نحن أمام ظاهرة تستحق الوقوف أمامها، في انقلاب سريع ونوعي لموقف الإنسان، وأن لانزهد ولانيأس قط من انقلاب أي إنسان حين يواجه الحق أن يتحول إلى جانب الحق، وأن الإيمان أقوى من السحر وغلاب. وحين هرب موسى ومن معه لم يتجه صوب الساحل في الطريق الأقرب والأسهل ولكن باتجاه البحيرات الشرقية وصحراء سيناء شرق فرع الدلتا الدمياط. كانت هذه البحيرات التي يتوقعها الباحثون قبل الدخول إلى سيناء. وهي أول ماعبرها موسى بقومه، ولسوف يأتي اليوم الذي تحدد فيه رحلة العبور تماما، والطريق الفعلي الذي سلكه موسى القائد الرائع إلى أرض الحرية. وحين غرق فرعون فالجثة بقيت أياما في الماء فلا بد من أثر. وحسب (موريس بوكاي) الفرنساوي الذي أعلن إسلامه، يقول أنه درس جثة رمسيس الثاني وقاده بحثه إلى أنه هلك في الماء قبل أن يحنط. وقرأت البحث أنا شخصيا متأملا وكتابه عندي وبحثه عن الكتب المقدسة، ولكن أظن أن البحث يحتاج إلى المزيد من التتبعات، ولكن نهاية فرعون درس لكل فراعنة العالم، ولكن يبدو أن لافائدة فكل فرعون يظن أنه مختلف عن غيره. لقد خصص رب العزة بوابة خاصة في جهنم، لهؤلاء من الزعماء المؤلهين الكذابين؛ فوصف جهنم أن لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم.  
اقرأ المزيد
تيتانيك رقم 2
نحن نعرف عن الكثير من الكوارث خاصة تيتانيك التي مثلت فيلما. لكن سفينة تضم أضعاف غرق التيتانيك من الألمان الهاربين من الشرق يقترب عددهم من تسعة إنسان أغرقهم طوربيد روسي في ظروف الحرب العالمية الثانية. وأما كارثة الهاربين السوريين إلى النمسا بشاحنة مغلقة ليختنقوا فهي واحدة من العشرات، وشقيق صهري هرب إلى السويد في ملحمة رائعة اجتاز فيها حدود 14 دولة قبل أن يستقر مع الدببة في الشمال الأوربي الصقيع كله هربا من  طاغية دمشق. وقصص الهاربين من الشمال الأفريقي تتكرر كل يوم بحثا عن حياة أفضل، فالبشر يتناسلون ويحتاجون صحة وتعليم ووظائف وبيوت فيها يسكنون. ولكن الشفارة (لصوص العالم العربي) هم أقرب للجراد الذي يأكل الأخضر واليابس فلم يبق مواطن ومواطنة بل لصوص وهاربون. ومن القصص الأليمة التي وقعت تحت يدي فأحببت نقلها إلى القراء هي ما أطلقت عليه تيتانيك رقم 2 وهي مما روته الدكتورة كريستينا كاتانيو (Cristina Cattaneo) من قسم الطب الشرعي، في (جامعة مايلاند) في جزيرة صقلية، قرب مدينة ميليلي (Melilli) التي انهمكت ولمدة 12 ساعة، في تحري الجثث أمامها لتحديد أصحابها؟ هذه التوابيت والأجساد النخرة تعود لأكبر كارثة بحرية منذ الحرب العالمية الثانية. حيث غرق زورق يحمل المناكيد الهاربين من أفريقيا نحو الجنة المزعومة في أوربا. الكارثة التي حملت إلى أعماق المياه الباردة وبطن سمك القرش أخذت أرواح أكثر من 800 إنسان مسكين فقير لم يسأل عنهم أحد إلا أهلوهم، التي دفعت الحكومة الإيطالية بعد مرور عام على الكارثة في رصد ميزانية لانتشال الزورق والجثث، أو ماتبقى منها لمعرفة أصحابها. عبد الله صديقي من (مركز أحد أولاد أزباير) في المغرب الأقصى قرب مدينة تازة في أقصى الشرق المغربي قال عن صديق له أنه أرسل آخر صورة له (فيديو مسجل) قبل أن يأخذه اليم وهو مليم، ولكن الكثرة الكاثرة من الضحايا لم يسعفهم حظهم وجيبهم، في اعتلاء متن الزورق بل زربوا زربا في بطن القارب، الذي ليس فيه مكان للحيوانات فضلا عن أناسي كثيرة. بدأت الرحلة التعيسة من شاطيء ليبيا مع نسمات السحر حيث شحن المقرودين على ظهر قوارب مطاطية بالمئات إلى عرض البحر على بعد 8 كم تحت الحراسة المشددة من مهربين ملثمين مسلحين حتى الأنياب. وانطلقت الرحلة اللامباركة والقوم يحلمون أنهم في ساعات سيكونون في أرض القياصرة، ولم يعلموا أن مصيرهم سيكون في بطن الحوت. بعد 13 ساعة من الإبحار حل الظلام وليس ثمة بصيص أمل في الأفق، ولا منظر اليابسة (تيرا .. تيرا) فأطلق اثنان من المهربين صرخة انقذوا ارواحنا (SOS) فأرسلت البحرية الإيطالية خلف من هو الأقرب لهم، ولم يكن ثمة إلا شاحنة كبيرة (147م) باسم الملك يعقوب؟ بعد ساعتين ظهر زورق اللاجئين على الرادار، ولكن ثمة حركة خاطئة في انتظار التعساء. فما الذي جرى؟ قال من نجا ورأى سكرات الموت أن الزورق عجل بحركته إلى الشاحنة الكبيرة فارتطم؛ فكان لهول الصدمة صداها وهزتها عند الركاب المحمولين بالكاد؛ فأصيبوا بالهلع فهربوا من مكان الارتطام بالمئات إلى الطرف المقابل، وإذ لم يكن ثمة توازن في قارب تهريب من هذا النوع؛ فقد مال، وأصابه ما أصاب التيتانيك فمال وهوى إلى القاع في خمسة دقائق. هنا وفي زحمة الهول كان المئات قد زربوا في القاع؛ فلم يكن ثمة نجاة، وأما من كان على السطح فرمى بنفسه فهلك 24 وسبح 28 فنجوا، أما بقية القوم فقد أصبحوا في عمق 370 مترا يحوم حولهم سمك القرش الصاخب الشاره. وهناك حيال ساحل ليبيا على بعد 135 كم كانت المقبرة الأولى فمستقر ومستودع. أنفقت الحكومة الإيطالية 9,5 مليون يورو لانتشال الزورق، بواسطة روبوت الأعماق بيجاسو (Pegaso) بعد أن حقن بمادة النشادر حتى تبرد الجثث بدرجة 5 فلا تزكم رائحتها الأنوف، وجاءت طبيبة التدقيق الشرعي (كاتانيو) ولمدة 12 يوما وليلة، وهي تقلب في الجثث، ذات اليمين والشمال، هل من رسم على الجلد؟ هل من بصمة؟ هل من ندبة؟ هل ثمة مايدل على صاحبها قبل المثوى الأخير؟. وتتوقع الطبيبة في الطب الشرعي الانتهاء من تعيين هويات الموتى مع الوقت؟. وللعلم فإن جزيرة صقلية حوت من القبور المجهولة الكثير ربما مذكرة بحملة هانيبال وتمرد سبارتاكوس أو ربما العراب الحديث ؟ وتقول الانثروبولوجية جيورجيا ميرتو (Giorgia Mirto) و سيمون روبينز (Simon Robins) من جامعة يورك (بريطانيا) إنه أمر لايليق بهؤلاء المساكين القاصدين الأرض الأوربية أن يدلفوا إلى مستودعات النسيان، بل لابد من وضع بنك معلومات حول هؤلاء الفارين؛ فهم ليسوا وحدهم بل ضاع في غمرات الموج عشرات الآلاف في البحر المتوسط، بين عام 2014 واليوم، لم يتم التعرف على هويات أصحابها إلا الثلث، ولقد أحصي غرق 1229 شخصا فقط في أسبوع  واحد. وكل هذه المأساة خلفها الحكومات الديكتاتورية وسكوت الغرب عليهم لمصالح يجنونها! لقد مثل فيلم وفيلم حول غرق التيتانيك لأنها تمت بصلة إلى الجنس الأبيض والطبقة الارستقراطية، أما الأفارقة الفقراء فلا باكي لهم.
اقرأ المزيد
كوريا وكوبا وسوريا (2)، جمهوريات الخوف والبطالة وبقايا الجيوب الستالينية
ويبدو أن الطغاة العرب ليسوا النموذج المتفرد في العالم فهناك ما يعزيهم ويغريهم من بقايا جيوب ستالينية في بورما وكوريا الشمالية وكوبا كي يعلنوا البيعة الأبدية لأنفسهم أو تكرارها مثل حبات المسبحة في ثلاث وثلاثين انتخابا، حتى يضطر الشباب أن يصرخوا في المظاهرات كفى، ويلبسون قمصانا كتب عليها "لا لإعادة الانتخاب .. لا  لوراثة الحكم". بعد أن استعد حسب الله السادس عشر للانتخاب الخامس. وهو ليس الوحيد في غابة العروبة. حتى خسف الله به الأرض ولكنه بعث من جديد مثل طير الفينيق فالعسكر فيها روح أوزيس وازيريس الفرعونية. ثم حدث الحدث الجلل فاحتشدت كل طاقة كوريا الشمالية من أجل حدث جلل وكان يومها الاحتفال بمولد كيم يونج الثالث بعد الستين (63) ، وجاءت التعليمات خاصة للنساء أن لا يزيد طول شعر الواحدة منهن عن 7 سبعة سنتمتر.  وقبل هذا في مطلع فبراير عام 2005م أعلن القائد المحبوب أن كوريا الشمالية أصبحت دولة عظمى فقد امتلكت السلاح النووي؟ وهو صنم لا يضر. أو بتعبير (فؤاد زكريا) في كتابه (خطاب إلى العقل العربي) إنها أسلحة ميتة مميتة ليست للاستخدام ولكن لماذا ينتجوها؟ والدول المعروفة حتى اليوم والتي تملك السلاح النووي هي ثمانية وتملك ما تدمر الكرة الأرضية وتفني البشر عدة مرات، وإفناء البشر مرة واحدة كافي، فـ (أمريكا) عندها من المخزون النووي (10656) رأساً نووياً، محمول على 116 نوع من القاذفات من عمق الأرض (السيلو) أو من بطن الحوت (الغواصات) مقابل (روسيا 10000) و(الصين 402) و(فرنسا 348) وإسرائيل (أكثر من 200 رأسا) ومن أجيال ثلاثة وما أدراك ما الأجيال الثلاثة؟ وبريطانيا العظمى (185) وباكستان (30 ـ 50) والهند (30 ـ 40). والآن تنضم كوريا الشمالية إلى نادي الأشرار النووي ببضع قنابل قابلة للزيادة، بعد أن أعلنت انسحابها من اتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة النووية، وضحكت على أمريكا وأوربا والعالم، وحصدت مليارات الدولارات وهي تهيئ في الخفاء ليوم الفصل العظيم. ثم لوحت بصاروخ (رودونج ـ واحد Rodong I) طار فوق رؤوس اليابانيين يئز أزا،  وعدواتهم مع اليابانيين قديمة وشديدة، وكيم سونج الوالد قاد حرب التحرير في الحرب العالمية الثانية ضد اليابانيين تحت تدريب وأموال وتوجيه ستالين، حيث ولد هناك (كيم يونج) في معسكر روسي للتدريب في منطقة نائية في (شاباروفسك Chabarowsk) ثم فقد والدته عام 1949م ليصبح تحت وصية زوجة والده (آي Ae)، وكلمة آي هي الوجع في اللغة العربية وكذلك كانت هي له عدوا وحزنا، فقد حاولت أن تدفع بابنها لتسلم العرش بعد موت سونج الثاني، ولكن (كيم يونج) استطاع  عام 1974م بشراسة ودهاء أن ينتزع العرش لنفسه، ثم يتولى قيادة المخابرات، ومن حكم المخابرات في عالم المافيات الاشتراكي حكم البلد، كما هو الحال في جمهوريات الخوف والبطالة عند العربان. وقبل ذلك بسنتين عام 1972 قام بحذف تعريف كلمة (الحكم الوراثي) في القاموس الكوري الذي نص على أنه "نظام رجعي نهاب" وهكذا كسب القاموس كلمة وخسر الواقع حقيقة. وغلطة أمريكا مع بقايا الطغاة في العالم أنها بدأت في الحلقة الضعيفة من السلسلة حيث ألقت القبض على صدام مثل الجرذ في مجرور تحت أرضي، وتلوح أنها تريد التخلص من إيران وربي أعلم بما يدور في الخفاء فهو يعلم السر وأخفى.  والأهم كما يقول الكاتب الأمريكي (بوب وود وارد Bob Woodward) في كتابه المعنون (خطة الهجوم Plan of Attack) أن التخلص من أخطر الديكتاتوريين في كوريا الشمالية كان يجب أن يتصدر القائمة، وأمريكا تعلم علم اليقين رحلته في الوصول إلى السلاح النووي، من خلال عملاء ألمان (كما ذكر ذلك التقرير التفصيلي في مجلة الشبيجل الألمانية ـ عدد 7 2005م ) (جوتهارد  ليرش Gotthard Lerch) والأخوة تينر وجيرهارد فيسر وجايجز بالإضافة إلى رئيس مؤسسة تراديفين المدعو ماير) الذين حاولوا توصيل تقنية فصل غازات اليورانيوم على ظهر الباخرة (BBC China) إلى القذافي مع طنين من اليورانيوم ولكن الأخير تحت الخوف من أمريكا  فتح بلده وحافظ على عرشه (مؤقتاً)، وسلم البضاعة لأمريكا فرست في مفاعل (أواك ريدج) النووي الأمريكي كما في قصة غواصة هتلر 234، فقد أرسل هتلر في أبريل 1945م بعد أن تيقن من الهزيمة واستعد للانتحار غواصة محملة بآخر وأهم تقنيات الحرب مع أول طيارة نفاثة قابلة للتركيب، مع أكثر من 500 كغ من اليورانيوم الجاهز للاستعمال فأصبح من غنائم الحرب للأمريكيين واستعمل اليورانيوم لضرب اليابان بدلا من نجدتها؟ والديكتاتور الكوري القصير كما هو الحال مع ملالي إيران يظنون أن السلاح النووي يقي الدول الاستبدادية من السقوط ولو عمرت على الظلم وأشلاء المعذبين. ولكن انهيار الدول يأتي من الداخل، وعندما انهارت دولة أشور لم ينقصها عتاد أو تقنية. والاتحاد السوفيتي انهار بدون هجوم خارجي، وهو يملك أسلحة تدمير الكون مرات،  وبأقوى من كوريا القزم بعشرة آلاف مرة. ومشكلة الطغاة في كل مكان هي واحدة فقد سئل القذافي قبل أن يقذف بشواظ من نار عن معنى الديموقراطية فقال إنها كلمة أصلها عربي (ديموكراسي) أي الديمومة على الكراسي. والمسخوط الآن في محكمة العدالة الالهية فلا ينتصران.
اقرأ المزيد
حقوق النشر محفوظة ، خالص جلبي 2024  
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram